|
|
|
#1
|
|||
|
|||
|
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا وقلبا خاشعا وعينا دامعة. اللهم اهدنا فيما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك نهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. اللهم اجعلنا ممن آمن حق الإيمان واتقى حق التقوى وصدق حق التصديق. اللهم اجعلنا من الذين يتعلمون العلم ابتغاء وجهك ويطلبون به ما عند إنك ولي ذلك وإنك مسؤول. اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين فيما تقلبنا وأينما توجهنا. أما بعد: فهذه المسائل من مسائل الجاهلية؛ يعني الخصال التي كان عليها أهل الجاهلية من المسائل المهمة لكثرة الواقعين في ذلك في هذا الزمان ومن قبله، فذكر المسألة الرابعة والعشرين قال (المسألة الرابعة والعشرون -يعني من خصال أهل الجاهلية ومن مسائلهم- ترك الدخول في الحق إذا سبقهم إليه الضعفاء تكبرا وأنفة فأنزل الله جل وعلا قوله ﴿وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52]) وهذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية كانت قائمة في الكبار فيهم من ذوي الجاه, وذي المال، وذي الشرف، وذوي الرئاسة، من كبار جاهلي العرب, ومن كبار الجاهلية في الأمم الأخرى من اليهود والنصارى وغيرهم. فإن المرء إذا كان مقدما مرفوعا إما لأجل جاهه، أو لأجل علمه، أو لأجل عقله في فئته فإنه يدخل إليه الشيطان من هذه الجهة وينفخ فيه حتى يجعله متكبرا على الحق -والعياذ بالله-. وذكر قول الله جل وعلا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، وهذه الآية ذكر المفسرون في سبب نزولها عدة روايات مجملها أن المشركين قالوا لرسول الله : اجعل لنا مجلسا تخصُّنا به، لا نجلس مع هؤلاء الأعبد. يعنون: خبابا وبلالا وصهيبا, وذُكر في بعض الروايات وسلمان، ولكن هذا ليس بجيد لأن هذه الآية مكية, مجلسا تخصنا به, اجعل لنا مجلسا تخصنا به, فمالَ رسول الله إلى ذلك بقلبه وهمّ بذلك، فأنزل الله جل وعلا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ)، وقوله هنا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ) يعني ما همَّ به عليه الصلاة والسلام، وإلاّ فهو لم يقع منه طردٌ لهم، وإنما همّ بأن يخص أولئك من بين المؤمنين الذين هم ليسوا كأولئك في الشرف والجاه والرفعة، وكان ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام طمعا في إسلام أولئك، وأنّ أولئك كبار القدْر، كبار الجاه، ذوو نفوذ وذوو أمر مطاع، فطمع رسول الله في هدايتهم، فقبل شرطهم بأن يخصهم ويستنكف ويطرد أولئك النفر المؤمنين الذين ليسوا كأولئك في الجاه والرفعة والرئاسة ونحو ذلك، فأنزل الله جل وعلا هذه الآية. وهذا الذي ذُكر في سبب النزول، ظاهر منه استدلال الشيخ رحمه الله تعالى، من أنّ أولئك المشركين كانوا يرغبون في استماع الحق وكن منعهم من الحضور إلى مجلس رسول الله التكبر عن أن يَشركوا أولئك النفر المؤمنين الذين كانوا إما فقراء وإما موالي، عبيد، أو نحو ذلك، فكرهوا أن يشاركوهم في مجالسهم، وكرهوا أن يحضروا عند رسول الله ويكون فيه أولئك حتى إنه ذُكر أن بعضهم قال: اجعل لنا مجلسا تعرف به العرب مفضلنا. تعرف به العرب مفضلنا، هذا يدل على ما في داخل صدورهم من التكبر والأنفة, والحق إنما يكون مع الذين يميلون له, لا يكون مع المتكبرين, ولهذا أولئك لا ينفع فيهم مثل هذا، قال جل وعلا﴿[وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا]( ) لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنفال:23] يعني أهل الكتاب، لو شاء الله جل وعلا لأسمعهم ولو أسمعهم الحق والهدى كما يَسمعه من ينتفع به، (لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لأنهم يعلمون الحق، ولكنهم ينسلخون عنه تكبرا وأنفة، وهذا الذي منع كثيرا من الجاهليين من كبار قريش من الدخول في الإسلام، تعرفون كلمة أبي جهل المشهورة في ذلك، حيث قال: حتى تنازعنا نحن وبني هاشم الشرف، فقالوا فتصدقوا وتصدقنا، ونحروا ونحرنا، وبذلوا وبذلنا حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا منا رسول يأتيه الوحي من السماء وليس منكم أحد، لا والله لا نؤمن به أبدا. هذا يدل على أن أولئك تركوا قبول الحق، ومنعهم الدخول في الحق سبق الضعفاء، منعهم من ذلك أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على أولئك النفر تكبرا منهم وأنفة. كذلك اليهود، اليهود كان فيهم ذلك وكانوا يخفون الحق، ويقولون كيف نتّبع هذا النبي الأمي فنخسر مالنا ونخسر جاهنا ونخسر ما يبذله لنا ذووا الأموال، وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى في بيان سبب تبديلهم الكتب وتبديلهم المنزَّل عليهم. هذه الخصلة كما رأيتم، هذه سببها ما يقع في النفوس من التكبر، وهذا دخل ووجد في هذه الأمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «لتتبعن سنن من كان قبلكم»، وُجد في هذه الأمة المنتسبين إلى الإسلام قبل المتمسكين إلى الإسلام، فكثيرا منهم منعه من قبول الحق التكبر والأنفة أنْ كل أولئك الذين سبقوا إليه هم الذين سبقوا وهم الذين تقدموا في الحق ويكون ذلك الكبار تابعين، يكون أولئك الكبار لاحقين، والكبار وذوو الجاه وذوو السمعة وذوو الرئاسة دائما يحبون أن يكونوا هم الذين يتقدمون الناس، هم الذين يسبقون ولو كان سبقهم في غير الحق وفي غير الهدى، فإنّ همتهم لما جعل الله جل وعلا في قلوبهم من الضلال ومن ترك الهدى لو كان ذلك في غير الصواب سلكوه، وهذا ظاهر في كثير من أئمة البدع في الإسلام، فإنهم لم يرذخوا للحق لأنهم يعتقدون أنهم ذووا شرف ذووا رفعة، لما أوتوه من عقول، لما أوتوه من فهم، فكيف يميلون للحق مع أن الذين اتبعوه هم الذين يسمونهم أهل الظاهر ويسمونهم حشوية، ويسمونهم بأسماء متنوعة تؤول جميعا وتجتمع جميعا في أنهم ليسوا بذوي نباهة ولا بذوي عقول. فإذن أولئك الذين كانوا من الكبار في الإسلام من أهل البدع كان كثيرا منهم يعلم الحق ولكنه يصعب عليه أن يتركَه من أجل ما لَه من المنزلة والرفعة، يصعب عليه أن يتركه لذوي عقول ضعيفة عنده، وهذا يجر إلى أنه لا يُقدّم، ولا يكون مرفوعا، ولا يكون مبجلا، ولا يكون متبوعا، ولا تراه في كثير ممن أبتلي بإتباع الناس لهم إذ لم يكن معهم إنصاف، ولم يكن معهم تقوى وخير من الله جل وعلا، فإنه يصدهم الأتباع، يصدهم كثرة من يعظمهم، يصدهم كثرة من يتبعهم على أن يقبلوا الحق، فإن النفس إذا وجدت من يتبعها، إذا وجدت من يعظمها، ثم كان السبيل في قبول الحق والرضوخ له أن يُترك تعظيمه أن يُترك رفعه فإنه يصعب جدا من النفوس أن تقبل ذلك، وهذا كَثُر في الذين ركبوا هواهم في هذه الأمة في أصناف شتى كثيرة، أينما توجهت وجدت ذلك. فإذن كل من لم يقبل الحق لأجل التكبر والأنفة فإنه لهم نصيب في مشابهة الجاهليين في ذلك، وهذا يدل على أن ترك قبول الحق لأجل سبق الضعفاء أو لأجل تقدمهم أو لأجل أنهم أخص لصاحب الدعوة فإن هذا –والعياذ بالله- من الكبائر، بل قد يكون مخرجا من الملة إذا كان فيه عدم قبول أصل الدين، مثل ما يحصل من كبار علماء المشركين في هذه الأزمان المتأخرة. ومن الأمثلة في ذلك التي ذكرها بعض من لهم صدارة ولهم رفعة من الذين يسمّون بعلماء هذا الوقت يكونون معظمين من وُجد، ممن هم معظمين للشركيات معظمين للأضرحة والموتى ونحو ذلك، حيث جرى بيني وبينه حديث ومناقشة حول أهل الإسلام والتوحيد والشرك، وهو من كبار علماء بلده، فكان مما قال في بيان حقيقة الأمر، أنه قال هذا سبيل من سبل الرّزق فلا تقطعه عمن يأتي إليه، ثم قال نصه –هو توفي الآن- نعم الذي تقول حق، ولكن التكفير صعب، كون مبتدعة نعم، ولكن كما قال أترك الناس تعيش. وهذا لأنه معظم في طائفته، صعب أن يترك ويسحب منه كل ما اكتسبه في حياته الطويلة، هذا صعب على النفوس خاصة في أنفس كبار السن، يعني من دخل في الكهولة ونحو ذلك، فيصعب عليه نفسيا هذا. إذا تبين لك ذلك، فإذن نستفيد من هذا أن هذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية كثيرة تأملها تجدها في هذه الأمة، في الأغنياء، في ذوي الترف، في الرؤساء، في الملوك، في الأمراء، في نحو ذلك، هذه موجودة فيهم إلا ما شاء الله جل وعلا، فإنهم تراهم يتنقّصون الحق لأجل من اتبعهم ويرفضون الدخول فيه لأجل حال من دخل فيه. أيضا ننبه إلى أن على أهل الدعوة، على الدعاة، على أهل العلم أن يعتنوا بالصفوة الذين أقبلوا على الله جل وعلا، وأن يتركوا الالتفات إلى ذوي الشرف وذوي الرفعة إلا إذا كان أولئك يقطنون مع غيرهم ويقبلون مع غيرهم، أما أن يقبل على أولئك ويترك الذين يريدون وجه الله جل وعلا، فإنّ هذا من الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام قال جل وعلا في سورة الأنعام ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52]، نبّه أنهم أهل الإخلاص أهل طمع فيما عند الله جل وعلا لا يريدون إلا وجه الله جل وعلا، وهذا فيه تنبيه إلى أن أولئك الذين همّ رسول الله أن يطرد هؤلاء من أجلهم أنهم لا يريدون وجه الله جل وعلا، أنه لهم مقاصد أخر في ذلك، قال جل وعلا ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام:52]، وهذا فيه النهي الشديد عن ذلك، وكذلك قال جل وعلا في سورة الكهف ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:28]، قال المفسرون في قوله (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يعني تريد التزيّن فدخول أولئك ولمجالسة أولئك. وهذه خصلة نفسية تدخل في قلوب كثيرين، فعلى الدعاة أن يكون همهم إيصال الحق، وإذا كان هناك في إيصال الحق فيه شيء من ترك ما أمرنا الله جل وعلا به رعايةً لخواطر بعض ذوي الشرف وذوي الجاه ونحو ذلك، فلا يقبل الداعية، لا يقبل طالب العلم، لا يقبل العالم بذلك، إلا إذا كان ثَم مصلحة راجحة، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل في المدينة مع رؤساء الوفود، هذا له حال آخر، أما أن يُشترط على صاحب الدعوة أو العالم أن لا يجلس مع أولئك، مع هؤلاء، وأن يكون لهم مجلس مع الخاصة من ذوي الشرف، فهذا هو الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام. المسألة التي تليها أنهم يستدلون على بطلان ما جاء به النبي يعني على بطلان الحق، يستدلون على بطلانه سبق الضعفاء كقوله ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، هذه المسألة مسألة استدلال والمسألة الأولى مسألة طلب، ففي الأولى طلب ذلك وفي الثانية يستدلون على بطلان الحق. الأولى يريدون سماع الحق ولكنهم طلبوا أن لا يكون معهم أولئك الضعفاء، أولئك الأعبد، أولئك الذين ليسوا من ذوي الجاه ومن ذوي الشرف ومن ذوي الرفعة؛ لأنهم يلحقهم نقص، ويلحقهم شيء من التعيير إذا جلسوا في مجلس فيه أولئك الأعبد والجميع على حد سواء. قال رحمه الله تعالى في هذه المسألة -أعني المسألة الخامسة والعشرون- استدلال على بطلانه يعني على بطلان الحق بسبق الضعفاء، يستدلون على بطلانه بسبق الضعفاء كما قال جل وعلا في سورة الأحقاف ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، قوله هنا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني عن الذين آمنوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) اللام هنا بمعنى (عن) يعني وقال الذين كفروا عن الذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه، قال جل وعلا ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾[الأحقاف:11]، فهم استدلوا على بطلان ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بسبق الضعفاء. وهذه المسألة غير المسألة التي مرت معنا أنهم يستدلون على بطلانه؛ لأنه إنما أخذه الذين ليس لهم عقول، وليس لهم حظ لما سبق من المسائل، حيث استدل على ذلك بقوله تعالى في سورة هود ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27]، وأولئك دخلوا من غير تدبر ومن غير فهم، هنا يستدلون على البطلان بسبق هؤلاء، فهؤلاء كونهم سبقوا وهم أراذلنا وهم من ليسوا بذوي فهم، كونهم سبقوا، هذا دليل على أنه ليس بحق، لأنه لو كان حقا لأخذه ذووا العقول وأخذه ذووا الشرف وأخذه ذووا الفهم من الملأ من الكبار. هذه المسألة واضحة المعنى، وهي شبيهة بالمسألة التي سلفت من قبل لكن هذه في الاستدلال على البطلان بالسّبق وتلك ليست استدلالا بالسبق وإنما استدلال بحال الضعفاء. قال (السادسة والعشرون تحرف كتاب الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) هذه الخصلة التي هي تحريف كتاب الله من بعد ما عقلوه هي في اليهود في بني إسرائيل، وهذا التحريف للكتاب عي أنهم وجدوا صفة النبي في التوراة، صفة واضحة جلية فلما رأوا النبي عرفوا أنه هو المدعو، وأنه هو نبي الأميين، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾[البقرة:89]، وكان من صفة النبي أنه ربعة أكحل العينين جعد الشعر، فسأل اليهودَ المشركون في مكة ما تجدون في صفة النبي ، النبي الأمي الذي يخرج؟ قالوا: نجد صفته في كتابنا أنه طويل أزرق العينين سائل الشعر. أو نحو ذلك، فوصفوه بغير الوصف الذي جاء في التوراة، فحرفوا وهذا معنى قوله أنهم حرفوا كتاب الله من بعد ما عقلوه( )، يعني من بعد ما عرفوه، من بعد ما فهموه، كما قال جل وعلا في الآية الأخرى في سورة البقرة ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ [فَرِيقًا]( ) مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[البقرة:146]، يعرفون النبي ويعرفون أن ما أنزل إليه حق كما يعرفون أبناءهم لا يلتبس عليهم ذلك، ولكنهم كتموا الحق (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وهذا ظاهر في معنى تحريفهم لكتاب الله. هذه الخصلة في اليهود تبعها أنواع من التحاريف وسبقها أنواع من التحريف، أما من يبق فإنهم حرّفوا كتاب الله جل وعلا؛ يعني الذي أنزل عليهم، حرفوا تارة بحذف بعض ما جاء فيه، فإن تحريف التوراة والإنجيل لأهل العلم فيها مذاهب: منهم من يرى أن التحريف في المعنى دون اللفظ، وأنهم ما حرّفوا التوراة بمعنى أزالوا الألفاظ وتركوا بعضا ومحوا بعضا، وإنما حرفوها من جهة المعنى والتفسير، وإلى هذا المعنى [يرمي] شيخ الإسلام ابن تيمية في سلف له من أهل العلم، يقول إن التحريف إنما هو تحريف المعنى، أما التوراة فإنهم لم يغيروا ألفاظها كما يستدل على ذلك بقصة اليهود بين الذين زنيا، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام «كتاب الله الرجم» وراموا أن يغير حتى أتى عبد الله بن سلام فأخبر النبي أنها في التوراة، فأتوا بالتوراة فوضعوا أصابعهم على هذا الموضع، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: مُرْهُ فليرفع يده فإن الآية تحته. فرفع يده فوجدها كما أخبر به عبد الله بن سلام. هذا نوع من التحريف ليس تحريفا في اللفظ، ولكنه كتم للحق تحريف في المنى وهذا من فعل الأحبار، لهذا كان شيخ الإسلام يرى أن التحريف كان في المعنى. وقال آخرون من أهل العلم إن التحريف كان في الألفاظ بزيادة ونقصان وزادوا أشياء وتركوا أشياء وحذفوا أشياء. وقال آخرون -وهو القول الصحيح فيما يظهر- أن التحريف الذي حصل في التوراة يجمع الأمرين، منه ما هو تحريف للألفاظ ومنه ما تحريف للمعنى، زادوا في التوراة أشياء من أقوال أهل العلم فيه من أقوال أحبارهم، وزادوا فيها أشياء هي من قبيل التأصيل حتى جعلت من كلام الله، جعلوا فيها قصصا طوالا، جعلوا فيه أخبار هي ليست من أصل التوراة ولكن زادوها؛ زادها علماؤهم حتى جعلت من التوراة، ومنه ما هو تحريف بالمعنى الذي حصل من كتب المتقدمة نوع تحريف، تحريف بالمعنى، تحريف في المعنى بأن يفسر الكلام الذي جاء على غير ما يعلمون تفسيره كما قال ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[البقرة:136]، ومنه ما هو تحريف في اللفظ يُزيدون وينقصون، يحذفون، يضعون أشياء زائدة. وهذا يجمع القولين السابقين وهو الظاهر وهو الصواب؛ لأن التحريف بمعنى الحذف واضح موجود، ففي التوراة أشياء وفي الإنجيل أشياء لا يمكن أن تُنسب على أنها منزلة من عند الله جل وعلا، فيها أشياء شركية فيها أشياء فيها الخنى والزنى والعياذ بالله، فيها أشياء لا يصح ولا يجوز أن تنسب لله جل وعلا، كذلك فيها أشياء من كلام علمائهم واضحة، حيث فيها مثلا في التوراة قال موسى وقال فلان، بل فيها نسبة أقوال لمن بعد موسى عليه السلام، وكذلك في الإنجيل، وهذا ظاهر لأنه زِيد فيها ونقص، كذلك تحريف المعنى لأنهم فسروها بغير تفسيرها. هذا الذي حصل لأولئك من جهة تحريف المعنى وتحريف اللفظ لم يحصل لهذه الأمة في الجهتين وذلك لأن القرآن محفوظ قال جل وعلا ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، الذكر هو القرآن حفظه الله جل وعلا أن يزاد فيه أو ينقص، حفظه الله جل وعلا من التحريف والتبديل لأنه لا دين بعد دين الإسلام، ولا رسول بعد محمد عليه الصلاة والسلام، ولما كان القرآن محفوظا لم يتطرق إليه تحريف في لفظه، وإنما كان التحريف في تأويله، التحريف في معناه، وهذا هو الذي شابه فيه هذه الأمة اليهود، فإنهم يعلمون أنه من الحق كذا وكذا مما جاء في القرآن وجاءت به السنة، ولكنهم يحرفون ذلك ويصرفونه عن عانيه اللائقة به، وعما دل عليه إلى أقوال أخرى تنصر مذاهبهم، وهذا هو الكثير في هذه الأمة، وكل أهل الأهواء وأهل البدع وأهل الخرافة وأهل الشعوذة يجدون في القرآن ما يستدلون به محرِّفين لمعناه متبعين لما تشابه منه، هذا القدْر شابهوا به اليهود ومن شابههم من أهل الملل. مثال ذلك ما يكثر عند مؤولة الصفات من نفي ظواهر الآيات التي اشتملت على صفات الله جل وعلا، ويحرفون المعنى إلى معنى آخر مخترع من عند أنفسهم. مثاله عند أول آية في القرآن ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾( ) تجد أنّ القوم يفسرون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بما يخرج اشتمالهما على الرحمة، ويقولون إن الرحمة هنا ليست في حق الله جل وعلا حقيقة، وإنما يراد بالرحمة هنا مجاز عن الإلهام, مجاز عن الإحسان, وهذا من أنواع التحريف؛ تحريف المعنى, كذلك يأتون إلى مثل قوله جل وعلا ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾( ) في آيات، ويقولون إن استوى بمعنى استولى فيزيدون فيه. ولهذا قال بعض أهل العلم ما أشبه (لام) الجهمي بـ (نون) اليهودي، فإن اليهود قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة أو قالوا حبة في شعرة، والجهمي قيل له قولوا استوى فقال استولى. ويشابههم من قال بقولهم من أهل العلم من حاول أن يضلل عن معنى الظاهر الذي جاء به نصوص الصفات في القرآن ويصرف ذلك إلى معان أخر، من مثل ما جاء في تفسير الاستواء عند ابن العربي المالكي في كتابه ”عارضة الأحوذي“ حيث قال: إن الاستواء يأتي عند العرب على خمسة عشرة معنى. فساقها، وقال: فنقول للمثبت أي هذه المعاني المراد؟ وهذا غلط, وهو من التحريف؛ تحريف المعنى – والعياذ بالله-؛ لأن استوى في لغة العرب لا تكون إلا بمعنى واحد وهو بمعنى علا وارتفع ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾[المؤمنون:28]، يعني علوتم عليه وارتفعتم عليه. وهذا كثير أيضا في أبواب القدر وأبواب الإيمان ونحو ذلك. فالمعتزلة مثلا استدلوا بقول الله جل وعلا ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾[النساء:79]، على أن العبد هو الذي يفعل المعصية و أن الله جل وعلا لا يخلق فعله هذا ويعرضون عن قوله جل وعلا ﴿[قُلْ]( ) كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[النساء:78]، ونحو ذلك. كذلك في أبواب الإيمان بالغيب حرفوا النصوص، ففي القرآن إثبات الميزان، وفي القرآن إثبات الصراط، وفي القرآن إثبات الصحف؛ أن هناك صحف تتطاير ومنهم من يأخذ صحيفته بيمينه ومنهم من يأخذ بشماله، القوم الذين لا يؤمنون بالغيبيات من العقلانيين من المعتزلة ومن شابههم لا يؤمنون بذلك ويحرفونه عن معناه. كذلك المشركون الذين يؤيدون الشرك والخرافة، فإنهم يأتون إلى دلائل التوحيد التي في القرآن ويحرفونها عن معناها, ويأتون مثلا إلى الآيات التي فيها أنّ المشركين يدعون غير الله جل وعلا ويجعلونها دعوة الأصنام لا غير، ويخصون شرك المشركين لأنهم متبركون في العبادة الأصنام، ويخرجون من ذلك عبادة الأوثان أو عبادة الصالحين، ونحو ذلك مما جاء موضحا في القرآن. وهذا طفحت به كتبهم واستدلوا من ذلك بدلائل من القرآن ونحو ذلك، يحرفون المعاني، ولهذا يقول أهل السنة: أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم، وأما أهل البدعة فإنما يكتبون ما لهم. يأتون بآية فيكتبونها, يحرفون معناها ويجعلونها لهم، فأما أهل السنة إذا كانت الآية لهم، الحديث لهم استدلوا به وإذا كانت عليهم يعني أنها تُشْكل على ما يستدلون له، فإنهم يكتبونها ويذهبون إلى طلب دفع ذلك الإشكال، إلى طلب رفع تلك الشبهة التي ضربت بتلك الآيات فإن الله جل وعلا جعل كتابه فيه اشتباه إلا على الراسخين من أهل العلم، حتى يتميز أولئك الصفوة الذين هم الراسخون في العلم، فيكتبون مالهم ويكتبون ما عليهم ما يستدل الخصم به عليهم إنصافا منهم، فلا يدخلون في الأدلة التي عليهم يدخلون فيها بتحريف وصرف لها عن معانيها لكي يوافق ما عندهم، بل يأخذون بما دلت عليه ويجيبون عن ذلك بأنهم إنما يرومون الحق، فكل من صرف الدلائل عن ظاهرها وحملها على شيء لا تعرفه العرب من لغاتها فإن ذلك يدخل في مشابهة اليهود الذين حرّفوا الكتاب من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. نقف عند هذا، المسألة السابعة والعشرون تحتاج إلى شيء من التفصيل تصنيف الكتب الباطلة. وبهذا القدْر كفاية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الأسئلة] 1/ (العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهلهم وعدم حفظهم كقولهم بادي الرأي، وهذه المسألة الخامسة والعشرون سببها قد يشتبه، لماذا يستدلون على البطلان بسبق الضعفاء ؟ لأن الضعفاء عندهم قليل فهمهم، قليل حظهم، فتلك المسألة وهي العاشرة أن سبب عدم قناعتهم بأن الضعفاء آمنوا به لأن الضعفاء عندهم قليلي الفهم، قليلوا الحجة، وعديموا الحظ، المسألة الثامنة هي في أنّ الضعفاء اتبعوا، المسألة الثامنة هي في مجرد الاتباع، المسألة العاشرة في عقول الضعفاء، المسألة هذه الخامسة والعشرون بالسبق ثلاث صفات؛ تلك في الاتباع وهذه في فهمهم وعقولهم وهذه في سبقهم وكل واحدة فيها فكل واحدة فيها صفة من الصفات، وليتأمل الشيخ رحمه الله المصنف ما كتب هذه المسائل من قبيل التصور النظري، هو كتبها من الواجهة، أو كما يقال من الميدان؛ لأنه واجه هؤلاء جميعا، فكان يكتب المسألة بعد أن يرى مشابهة هذه الأمة بأهل الجاهلية فيهم، فيراها أمامه فيكتبها، ولهذا ترى أن هذه المسائل بعضها -يعني لو كان هناك مثلا نظر على طريقة المحدَثين بأن المسائل متشابهة تكون بعضها تلو بعض- لكانت هذه المسائل الثامنة والعاشرة والخامسة والعشرون متقاربة واحدة وراء الأخرى، لكن الشيخ رحمه الله تعالى في هذه الرسالة الظاهر من حَالَه من ترتيب الكتاب، أنه يكتبها من واقع المواجهة إذا وجد حالة كتبها من واقع المواجهة وهذت ظاهر إذا تأملته وجدته ظاهرا في حال ترك الشيخ..... 2/ إذا دخل جني في شخص ثم أسلم وتاب وشهد على أن الذي أدخله هو الساحر فلان، هل تقبل شهادته من القاضي؟ الجواب: لا، لأن الجن شهادتهم ضعيفة عند أهل العلم لا تقبل، هذا معروف في كتب المصطلح فيه يعقدون له فصلا بأن روايتهم ضعيفة؛ لأنه عند أهل العلم أسانيد فيها جن، وأشهرهم من يقال له شمهروش الجني، فهذا حدث بأحاديث فيها أنه سمعها من النبي ، فأخذها منه من أخذها من أهل العلم فيكون في بعضها بين العالم وبين النبي الذي عاش في القرن الثاني بينه وبينه ثلاثة يكون مثلا اثنين والجني يقول سمعت من النبي ، وتعلم أن الجن أعمارهم غير أعمار بني آدم، فرواية الجن عند أهل العلم ضعيفة كذلك. شهادتهم ضعيفة لا تقبل، لم؟ لأن الشهادة والرواية تحتاج إلى إثبات العدالة، وعدالة الجني لا يمكن أن يثبتها إنسي. 3/ أين ذكر شيخ الإسلام أنّ التحريف في الكتب وقع في المعنى دون اللفظ؟ هذا في كتابه المشهور ”الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح“ من أراد هذه الأقوال بشيء من التفصيل فهي موجودة في إغاثة اللهفان لابن القيم، فقد ذكر فصلا طويلا في التحريف وما وقع والأقوال في ذلك للبخاري أو شيخ الإسلام وقول عدد من أهل العلم. ( ) 4/ فيه بعض طلبة العلم يترفع عن مخالطة العوام، ويقول لا أخالط إلا من فيه خير، هل هذا من التكبر والأنفة؟ يخالط العوام الذين فيهم خير، أما العوام الذين ليس فيهم خير لا يخالطهم، العامي قد يكون في عقيدته وفي استسلامه لله أحسن من بعض المنتسبين, وهذا ظاهر قد يكون عليه بعض مظاهر التقصير أو مظاهر المخالفات لكنه في حقيقة الأمر هي أقوى يقينا وإيمانا –يعني في مسائل إيمان القلوب- من غيره فخالطه العوام لأجل دعوتهم التأثير فيهم ونحو ذلك مطلوبة، لكن مثل ما قال «لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي», يحرص المرء على أنه إنما يخالط من ينفعه أو يؤثر عليه. 5/ قال: إذا كان معنى كلمة استوى غير معداة بأي حرف معناها علا فكيف يفهم قوله تعالى ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾( ) الآية وقول الإمام للمصلين استووا وغير ذلك. نرجوا البيان حفظكم الله؟ الجواب: أن مادة استوى غير مادة سوّى, سوّى هذه مادة واستوى مادة أخرى, فسواه بمعنى أصلحه وعدله، يقول الإمام استووا يعني أصلحوا صفوفكم وعدلوها، بأن لا يكون أحد باديا صدره متقدم, متأخر, ونحو ذلك كذلك قال(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) جعلته مستوى لخلقه, بخلاف قوله تعالى في سورة القصص﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾[القصص:14]، هذا (اسْتَوَى) بمعنى كمل خلقه واشتد يعني علا خلقه وارتفع على جنس الخلق (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) فإذا كان جنس خلقه يعني خلق موسى على حال فبلغ أرفع الحال وأعلا الحال. أما ما ذكر في التسوية في قوله تعالى﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[البقرة:29 ], (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) هذه مادة أخرى بمعنى الإصلاح والتهيئة. هنا تعرف استوى أصل معناها علا وارتفع, فإذا كانت معداة تقول استوى فلان يعني علا وارتفع، بدون على كذا وإلى كذا، فإذا كان عديت استوى بحرف الجر إلى فيكون استوى ضمن معنى قصد كما في قوله جل وعلا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾[البقرة:29]، نعرف أن استوى بمعنى علا وارتفع لا تتعدى بحرف (إلى). فإذا تعدت بحرف (إلى) يكون فعل استوى ضُمِّن معنى قصد وعمد؛ لأنك تقول قصد إلى الشيء وعمد إلى الشيء. والتضمن باب مهم في فهم اللغة وذلك أن التضمن فيه إثبات للمعنى الأول وزيادة المعنى المضمن فقوله تعالى هنا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[البقرة:29]، (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يعني علا وارتفع وعمد وقصد إلى السماء فسواهن، فيكون معنى الاستواء بالتعدية بـ(إلى) فيه المعنى الأصلي وهو العلو والارتفاع، وفيه المعنى الذي أفادته تعدية الفعل بحرف (إلى) وهو معنى القصد والعمد. وهذا إذ ذهبت إلى بعض المفسرين ممن يفسرون بتفسير السلف لقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يقول عمد وقصد، لا يعني هنا أنه أول إنما هو فسره بما تضمنه؛ لأجل ظهور المعنى الأصلي، وهذا ما يفسره بعض أهل العلم بأنه تفسير –يسميه بعضهم –تفسير باللازم أو بالتضمن، وهذا باب شريف لفهم اللغة والقرآن. إذا عديت بـ(على) صار مع معنى ارتفع وعلا معنى زائد وهو استقر؛ يعني تقول: استقر على الشيء. فيكون قوله تعالى ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾[المؤمنون:28]، يعني ارتفعت وعلوت واستقررت، فصار فيه هنا زيادة معنى أفاده تعدية الفعل بحرف (على)، وهذا هو الذي ذُكر في قوله تعالى ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾( ) قال بعضهم علا وارتفع، قال بعض السلف واستقر أيضا لأن هذا هو بادر اللغة. 6/ ما رأيكم وما تنصحون به فيما حدث من تغيير في مناهج التوحيد لمناهج التعليم الابتدائية، مثل نواقض الإسلام والشرك الأصغر وما يتعلق باليهود والنصارى وبعض الفرق الضالة الشيعة والصوفية وغيرها؟ هذا التغير في المناهج فيما يتعلق بالتوحيد هذا جاء فيما أفهم من نحو عشرين سنة تقريبا بدأ هذا التغيير، وسببه أن بعض المنتسبين إلى الدعوة والراغبين في دعوة الشاب أو التأثير على النشء أنهم قالوا أن هذه الكتب أي كتب التوحيد مثل العقيدة العامة، ومثل نواقض الإسلام، ومثل ثلاثة الأصول، وكتاب التوحيد ونحوها، أما هذه لا تصلح لهذا الجيل الجديد لأنه حدثت أشياء وتغيرت أمور، ونحاول أن ندخل عليها تجديدا في تغيير بعض المناهج فأول ما نزعوا الواسطية نحن درسنا في المتوسط والثانوي العقيدة الواسطية بشرحها، كذلك كتاب التوحيد بشرحه كان موجودا فغُير بكتاب التوحيد لمحمد قطب وبعض المؤلفات للمعاصرين، وهذه كانت فكرة من بعض الإسلاميين هذا في أصلها، هم الذين فتحوا هذا الباب في المسائل ممن تأثروا ببعض المدارس الدعوية في البلاد. وهذا لا شك أنه سبب فجوة كبيرة وجعل مدخلا لتغيير مناهج العقيدة والتوحيد والدين، مثل ما مرّ من أربع سنوات تقريبا، بلّغنا أحد الإخوان بأنه قد عُمِّم على بعض المدارس المتوسطة أنه لا يُفصَّل في موضوع الربا وإنما يدرس تعريفه وأما تفصيل أنواعه وما يتعلق به فإن هذا لا يفصل للطلاب، لا شك أن هذه المسألة منكرة، لأنّ فهم هذا جزء من الدين موجود في المنهج فما الذي وراء مثل هذا، فمن باب الذكر والخبر، اتصلت ببعض المسؤولين في وزارة المعارف على هذا الأمر فكان جوابهم أن هذا اجتهاد خاص من لجنة تطوير المناهج، اجتهاد خاص منهم، قال لأنّ الطلاب في المتوسط بالتجربة في السنين التي مضت قبل ذلك القرار قال لا يفهمون هذا المعنى، ما يتصورون ربا الفضل وربا النسيئة وكل قرض جر نفعا، صعب تصورهم له بالتجربة في السنين الماضية وقدم بعض الاعتراضات من بعض الأساتذة الطلاب ما فهموا مثل هذا، فيقررون في المناهج أن هذا صعب عليهم، يقول فأصدرنا هذا التوجيه العام بعدم تدريس هذا فظنينا أو ل ما ظنيننا أن المسألة أرفع منكم، فإذا كان أهل العلم يرون أن هذا يُلغى يُلغى، وفعلا في ذلك الحين ألغي ذلك القرار. المقصود من هذا بعض التغييرات الموجودة في المناهج لها تاريخ، ومنه ما سببه بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية كما يقال وهذا ظاهر -كما ترون الآن- بدأ تصحيح في بعض المناهج التعليمية، ومنه ما سببه لجنة تطوير المناهج في وزارة المناهج، ومنه ما سببه جهات أخرى، فبعض الذين يحملون هذه الأمور يجعلون السبب واحدا وهذا غير واقع. وإنما بالتأمل وبالمعرفة القريبة اتّضح لي أنها أسباب ثلاث هي التي ذكرت: منها ما هو سببه الأول وهو بعض الإسلاميين. ومنه ما هو سببه لجنة تطوير المناهج تأتي باقتراحات وبإنشاءات تأتي بهذا وتحذف هذا. ومنه ما له أسباب أخر. توحيد السبب ليس من قبيل معرفة الواقع تماما. 7/ إذا كان لي سلطة في بعض معاملة العمال الأجانب أفلا أتسبب في تشهيرهم؟ ما فهمت لكن نذكر جملا في هذا. وهو أنّ الكفار الموجودين في دار إسلام على قسمين: منهم من يظهر العداوة للمسلمين، إما بكلمة وإما بفعل أو نحو ذلك، فهذا يجب أن يسعى في تشهيره وذلك أنه ناقض أصلا من أصول، ناقض أصلا وشرطا من شرائط السماح له بالدخول وأيضا لأنه وهو قبل كل شيء لأنه نابذ الإسلام وأظهر العداوة، فهذا يجب أن نظهر له العداوة وأن نسعى في إبعاده عن ديار المسلمين، حتى لا يوقع الشر وحتى لا يظهر في بلاد المسلمين غير رفعة كلمة الله جل وعلا. الصنف الآخر هم الذين لا يقاتلون في الدين لا يظهرون العداوة وإنما هم همهم مصلحتهم، فهؤلاء يعاملون بالعدل، الأصل في هؤلاء أن يعاملوا بالعدل والقسط، كما قال جل وعلا ﴿يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [إِنَّ]( ) اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة:8]، فمن لم يعادينا في الدين ولم يُظهر لنا هذه العداوة ويتبين منه ذلك، فهؤلاء يعاملون بالعدل وهو الأصل فيهم كما قال ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾[النحل:90]، ومنهم من يعامل بالبر كما في هذه الآية (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) يحسن إليهم يساعدون، لهذا أجاز الفقهاء الصدقة للكافر، الصدقة المطلقة تجوز للكافر؛ يعني الذين لم يبارز في العداوة، والزكاة تجوز للمؤلَّف للكافر الذي يتألف في الإسلام ونحو ذلك، فمعاملتهم، معاملة هؤلاء الذين لم يظهروا العداوة لا يجوز أن يعتدى عليهم ولا أن يبغوا عليهم، ولا أن يظلموا، ولا أن يؤخذ شيئا من حقوقهم، ولا أن يسعى المسلم ضدهم في أمر لا يستحقونه وإنما يعاملهم بالعدل فبالعدل قامت الأرض والسموات، الله جل وعلا أمر بالعدل مع الأعداء قال ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة:8]، فلو كان كافرا إذ لم يكن يظهر لنا عيبا في الدين لم يظهر عداوة، لم يستهزئ، لم يظهر شيئا مما يكون به معاديا للحق وأهله، للإسلام، للنبي ، للقرآن ونحو ذلك فإنه يعامل بالعدل، وقد يعامل بالحسن والبر فإذا كان في ذلك مصلحة شرعية، كما أجاب النبي دعوة اليهودي وأكل من طعامه وأكل من طعامه وكما كان يحسن إلى بعض جيرانه ونحو ذلك مما في ذلك فيه مصلحة للدعوة. فبهذا يتحرر الأمر، فبعض الناس يغلو في هذا الأصل في الولاء والبراء، وبعضهم يجفو ويقصر عنه الذي يغلو يحمل كل الكفار على محمل واحد ممن هم في دار الإسلام، وهذا ليس من حكم الله جل وعلا في شيء، وبعضهم يجفو ويقصر حتى يقع في مودّتهم وفي دعوتهم وفي إقرانهم وفي الاستئناس لهم وفي تقريبهم ونحو ذلك، وكلا الطرفين ذميم، ذاك غالا وهذا جافي مقصر، والصواب هو ما دل عليه كتاب الله وسنة ونبيه عليه الصلاة والسلام. |
|
#2
|
|||
|
|||
|
8/ لا يجوز إدخال مشرك ولا كافر إلى جزيرة العرب يحرم على أي مؤمن أن يدخله أو يتسبب في إدخاله يعني ليكون مقيما بها، أما إذا كان مارا غير مقيم يعني ثلاثة أيام يمر لحاجة لغرض، هذا أذن به عمر به عمر رضي الله عنه أذن لتجار أهل الذمة في كل مكان ثلاثة أيام، يأتوا إلى المدينة فيقيموا بها ثلاثة أيام ويذهبوا إلى مكان آخر ثلاثة أيام، فلا يقيمون بالجزيرة أما الإقامة في الجزيرة واستدعاؤهم ليعملوا ونحو ذلك فهذا محرم لظهور الدلائل في ذلك.
..... [سؤال غير مسموع] هذا من الجفاء ما فيه شك، هذا من الموالاة المحرمة قال جل وعلا ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ﴾[هود:113]، أدخل فيها بعض أهل العلم يعني من السلف أدخلوا فيها بري القلم له تقريب الدواة يعني الحبر له ونحو ذلك، لأنه ظالم متعدي منابذ، إذا نابذ الدين وأظهر العداوة فلا يجوز مساعدته، بل يجب إظهار العداوة له كما أظهر لنا العداوة، لكن الشيء إذا لم يكن كذلك إذا كان مسالم في حالة، فكيف تعامله تظلمه تتعدى عليه؟ مثل ما ذكرت لك أن من الناس من يجفو ويوادهم والعياذ بالله ويواليهم مثل ما ذكرت يقربهم ويسكنهم في أفضل المساكن، إذا أتى المسلم ما أكرمه وإذا أتى هذا أكرمه لأجل نظره إليه وليس لأجل مصلحة دنيوية، لكن أجل هذا مثلا أمريكي أو هذا بريطاني وهذا كذا ونحو ذلك، وهذا لاشك أنه ضال، مثل ما ذكرت هذه من أنواع الموالاة والموالاة هذه محرمة، الموالاة محرمة، فلا يجوز للمسلم أن يلقي المودة للكفار قال جل وعلا ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[الممتحنة:1]. .......... [سؤال غير مسموع ] لا، العبيد تختلف أحكامهم. ....... [سؤال غير مسموع، والآية المقصودة هي الآية الأولى من سورة الممتحنة] لا الصواب أنها غير منسوخة هذا الذي عليه فتوى أهل العلم ممن نعرف وأدركنا والآن المشايخ كالشيخ عبد العزيز بن باز سمعته مرارا يذكر هذا الذي أنا نقلته عنه وهو تلخيص لكلامه ن هذا هو المعروف عند العلماء أن الآية هذه ليست بمنسوخة لأننا في حالة غير الحالات تلك ن وتعرف أن هذه الآية نزولها متأخر، يعني نزول السورة في أي سنة؟ قبل الفتح؛ فتح مكة، يعني نزولها متأخر؛ لأن حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه أسر للمشركين بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصل منه ما حصل ونزلت تلك الايات العظيمة ، والله المستعان. ......... [سؤال غير مسموع] هؤلاء الهندوس فيهم بلاء آخر وهو أنهم يظهرون شعار الكفر في ديار المسلمين التي هي لبس العمامة هذه شعار من شعار الكفر، لبسها على هذا النحو كلبس الصليب؛ لأنها شعار من شعار الكفر، وكما أن النصراني لا يجب يعني يأتي واحد راهب لجزيرة العرب أوغيرها يظهر لباس النصارى الخاص بهم مثل لباس الرهبان ونحو ذلك، ما فيه شك أن هذا من المحرمات، وكذلك هؤلاء إذا ذهبت الآن تجدهم والعياذ بالله وهذا من البلاء العام، نسأل الله جل وعلا أن يبسّر التخلص من هؤلاء جميعا. ............ [سؤال غير مسموع] نحن ذكرنا أنهم يعاملون بالعدل، هذا أصل؛ معاملتهم بالعدل، إذا مرّ المؤمن في الطريق يعني على رجليه ليس في السيارة، هذا له وسط الطريق؛ لأن الدار دراه، والإسلام يعلو ويعلى عليه والكفار لهم جنبات في الطريق، «إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه» يعني لا تفسحوا لهم يعني يمشي المسلم في صدر الطريق ويترك لأولئك جنبات الطريق، مثل الآن واحد ذهب إلى المستشفى فيه مثلا طريق طويل في المستشفى، يأتي مسلم مثلا يمشي في جنب الجدار، هذا لا سيوغ، هذا الذي جاء فيه مثل هذا الحديث أنك تمشي في الوسط وإذا أتى مشرك أو كافر نصراني أو نحوه وتحققت أن هذا مشرك أو نصراني فإنك تضطره إلى أضيقه، بمعنى أنك لا تفسح له تمشي وتتركه هو الذي يذهب إلى أضيق الطريق «تضطره إلى أضيقه» يعني أنك تمشي في وسط الطريق وهو يختار الطريق الضيق، لا تفسح له تعامله كالمسلم، لا يجوز ذلك، وهذا ليس مما ينافي العدل، بل هذا من مقتضى العدل لأن الإسلام يعلو ولا يُعلا عليه؛ ولأن المسلم أحق بداره؛ ولأنه في دار الإسلام لا يكرم كافر على مسلم، فإذا جعلت له وسط الطريق وأخذت بنيات الطريق فهذا من نوع إكرام له وهذا ينافي العدل لكن إذا أنا أخذت وسط الطريق كما قال النبي وجعلت أضيق الطريق لذلك المشرك ولذلك الكافر قد امتثلت وأخذت بالعدل. وإذا قال المشرك السلام عليكم كافر يهودي نصراني وقال النبي «فقولوا وعليك» هذا الحديث أهل العلم له فيه نظران: النظر الأول: أن يأخذوا بأصل العدل، ويقول أنّ العدل أصل أمر الله جل وعلا به عامة وفي رد التحية خاصة، فقال جل وعلا ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾[النساء:86]، (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) في المسلم أو الكافر أو لأحدهما إذا كان المسلم فأنت بالخيار تحيي بأحسن منها أو تردها أما إذا كان كافر فيقول. أما إذا كان كافر فيقول طائفة من أهل العلم عليك أن تردها كما هي ولهذا يذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فقد فصل في هذه المسألة في كتاب ”أحكام أهل الذمة“ فقال: والكافر إذا قال السلام عليكم فيجب على المسلم أن يرد عليه بالعدل، فيقول وعليكم السلام، يقول إن الحديث الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام إذا قال لكم اليهود السلام عليكم فقولوا وعليكم، قال له سبب لأن اليهود يقولون السام عليكم، فما منع بقوله وعليكم السلام إلا أنّ المؤمن إذا قال وعليكم السلام لم يعامل بالعدل، وإنما عامل بالأحسن لأن ذلك يقول السام يعني الموت وأنت تقول عليكم السلام، فأنت أكرمته ما عاملته بالعدل، إذا قلت وعليكم عاملته بالعدل، وهذا هو ما أمر الله به، قال: فإذا تحققت من كافر أنه قال السلام -واضحة- عليكم، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى تبعا لشيخه شيخ الإسلام، يقول: تقول مجيبا بمثله وعليكم السلام، لأن هذا معاملة بالعدل. والقول الآخر: لأكثر أهل العلم ويقولون أكثر أهل العلم ويقولون أن ظاهر الحديث وإن كانت العلة ظاهرة في السبب لكنه خرج مخرج الأمر العام؛ فيقولوا وعليكم. تكون العلة وردت لا يكون اقتصار الحكم على هذه العلة. وهذا هو الصواب، بأنك إذا قابلك النصراني فتقول وعليكم سواء قال السلام أو قال السام. ومشايخنا هنا حفظهم الله تعالى ونفعنا بعلومهم: منهم من يفتي بظاهر الحديث، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله يقول تقولوا وعليكم. ومنهم من يفتي بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهي فتوى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله. إذن هذه المسألة لا تشكل على أصل المسألة. ومن رام إلى زيادة تفصيل فليرجع إلى كتاب ”أحكام أهل الذمة“ لابن القيم وقد أطنب فيها. نختم بهذا أسأل الله أن ينفعني وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد( ) [المتن] (المسألة السابعة والعشرون) تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله كقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]الآية. (المسألة الثامنة والعشرون) أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91]. (المسألة التاسعة والعشرون) أنهم مع ذلك لا يعلمون بما تقوله طائفتهم، كما نبه الله تعالى عليه بقوله ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:91]. (الثلاثون) وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق، صار كل حزب بما لديهم فرحين. [الشرح] المسألة الثلاثون (فرحين) خبر صار الآية ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( ) ، هنا فرحين خبر صار، منصوب. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: سننبه أن هذا الدرس هو آخر هذه الدروس لأجل قرب الاختبارات وحاجة الأخوة الطلاب للمراجعة ونحو ذلك، فيستأنف إن شاء الله بعد الإعلان عن ذلك، فيكون بعد الاختبارات أو بعد العطلة الله أعلم لكن نعلن إن شاء الله الاستئناف. هذه المسائل أولها أنّ من ما فعله أهل الجاهلية أنهم صنفوا الكتب الباطلة ونسبوها إلى الله جل وعلا، وذلك التصنيف للكتب الباطلة كان منهم على قسمين: الأول: أنهم صنفوا في المكتب المنزلة على الله جل وعلا أشياء وزادوها فيها؛ يعني جعلوا الكتب التي أنزل الله جل وعلا, التوراة, والإنجيل جعلوها مزيدة فصنفوا فيها أشياء زادوها ونسبوها إلى ذلك الكتاب المنزل, هذه الأشياء قالوا هي من التوراة ومن الإنجيل، فيصير هذا النوع داخل تحت تحريف الكتب المنزلة من عند الله جل وعلا تحريفا لفظيا, يعني بالزيادة. القسم الثاني: أنهم صنفوا كتب ليست من الكتب المنزلة ولم يضيفوها إلى الكتب المنزلة، ولكنهم جعلوها من الله جل وعلا لأنها كالشرح لها أو كالبيان أو أضافها المصنفون إلى ما أنزل الله جل وعلا وما أخبر به رسوله، وهذا حصل في اليهود والنصارى. أما اليهود فكما أخبر الله جل وعلا في قوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]، فاليهود من علمائهم وأحبارهم من أضاف في التوراة أشياء, فالتوراة الموجودة اليوم ليست كلها كلام الله جل وعلا، بل فيها مما هو من كلامه مما أوحاه إلى موسى، ومنها وهو الكثير ما هو من ما أضافه علمائهم وأحبارهم، فنسبوا ذلك إلى الله, هذا نوع وقع فيه اليهود. وكذلك وقعوا في النوع الثاني أنهم صنفوا شرحا لنصوص التوراة أو لما جاء به موسى وجعلوا فيه أشياء حللوا فيها حراما وحرموا فيها حلالا وافتروا فيها على الله جل وعلا ونسبوا تلك الكتب إلى الله، وهذه موجودة اليوم عندهم بما يسمونه بالمشنة والزمارة وهي قسما التلمود، وهذا منسوب إلى الله جل وعلا عندهم؛ لأنه من صنيع علماءهم يقدسون ذلك تقديسهم للتوراة، وهذا لعله المراد بقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾[البقرة:79]، فهم افتروا على الله جل وعلا حيث أنهم زادوا في التوارة ما ليس منها وافتروا على الله جل وعلا حيث إنهم جعلوا اجتهاداتهم التي ليس لها أصل في شريعتهم ولا في دينهم ولا في عقيدتهم، جعلوها منسوبة إلى الله جل وعلا، وهذه الخصلة عند اليهود والنصارى، لم تكن عند العرب عند مشركي العرب ذلك؛ لأن مشركي العرب أميون ليسوا ممن اعتنوا بالكتابة والقراءة وإنما يسمعون الأخبار، فهذه من الخصال التي وقعوا فيها جاهلي اليهود والنصارى. وهذه جاءت ودخلت في هذه الأمة بأوسع المداخل، فالكتب التي صنفت في هذه الأمة، وصنفها أناس من هذه الأمة كثير منها كان من القسم الثاني؛ يعني مما حرف فيه الشرع وحرفت فيه العقيدة ونسب ذلك إلى النبي بأنه دينه وأنه عقيدته وأنه ما يجب أن يلتزمه المسلم. أما القسم الأول وهو تحريف القرآن فهذا لاشك أنه لم يقع؛ لأن الله جل وعلا حفظ هذا القرآن من الزيادة والنقصان، حفظه من أن ينسب إليه شيء وتقرّ ذلك الأمة ويكون هذا بينهم، هذا حفظ القرآن عن أن ينقص منه أو أن يزاد فيه، معلوم أن عند الروافض وبعض الفرق الضالة نسخ من مصاحف لهم يجعلونها مضاهية للقرآن، إما بنسبتها للقرآن كما يسمي الروافض مصحف فاطمة بذلك، ويقولون إن المصحف الموجود اليوم هو ثلث المصحف، وتقول طائفة منهم ثلث ما أنزل على محمد ، وآخرون من هذه الأمة أيضا جعلوا لهم كتابا يضاهون به القرآن كما عند الدروز وعند النصيرية فلهم كتب يضاهون بها القرآن وقد وقفت على شيء من تلك الكتب فيها مضاهات للقرآن وتقسيمات وآيات على حد تعبيرهم مسجوعة ونحو ذلك. لكن هذا إنما هو عند بعض تلك الطوائف ليس شائعا وهو يصدق عليه أنهم شابهوا فيه اليهود لأنهم فعلوا مثل ما فعل أولئك، لكن هذا ليس البلاد في الأمة كبيرا به. وإنما البلاء في الأمة كان كبيرا بالقسم الثاني وهو تصنيف الكتب الباطلة كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى ونسبة تلك الكتب على الله جل وعلا، فإذا تأملت وجدتَ أنه لما [ظهر] زمن الابتداع وعلا مناره وقويت شوكته فصنفوا كتبا كثيرة، كان السلف الصالح يأنفون من التصنيف ويبتعدون عن التصنيف قدر الإمكان رغبة في أن يبقى العلم في الصدور، حتى ابتدؤوا في التصنيف بما نقل عن السلف؛ بما نقل عن النبي ، بما نقل عن الصحابة، بما نقل عن التابعين، وكانوا يقتصرون على ذلك رغبة في إبقاء صلة الأمة بما كان عليه سلفها في كلامهم وفي هديهم وفي دلّهم وسمتهم ونحو ذلك، فكان علماء الأمة يصنفون التصانيف بالأسانيد التي تنقل الأخبار والآثار عن الصحابة أو عن التابعين أو عن تبع التابعين، وكان منهم طائفة يعني من سلف هذه الأمة من كان يكره التصنيف كالإمام أحمد ونحوه، بل إن منهم من دفن كتبه رغبة في بقاء الصلة لما كان عليه الصحابة أقوالهم وهديهم واجتهاداتهم ونحو ذلك. احتاج الناس إلى التصانيف، احتاج الناس إلى الكتب، فبدأ أهل العلم بالتصنيف بحسب الحاجة لذلك، ومن أوائل من صنف كتبا مبتدءة الشافعي رحمه الله تعالى لما صنف كتاب الرسالة فيه حجج وفيه دلائل لأصول السلف وأصول أهل السنة يعني في الاستدلال، كذلك صنف الشافعي كتاب الأم لما ذهب إلى مصر, صنف كتاب الأم في الفقه، ويذكر في كل مسألة استنباطه منها، إما –يعني استنباطه فيها كيف استنبط ذلك- إما من قرآن أو من سنة أو من قول صاحب ونحو ذلك، هذه من جهة أهل السنة مقرر لأنهم يصنفون تلك الكتب تفسيرا وشرحا وبيانا لكتاب الله جل وعلا وسنة النبي وما كان عليه سلف الأمة من أقوال، ما نقل عنهم، وما من أقوال وما نقل عنهم من أفعال وهدي ونحو ذلك، ولهذا يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله في كتابه تيسير العزيز الحميد: وإنما كتب أهل العلم يُحتاج إليها في بيان معاني الكتاب والسنة وفي الوصول إلى فهم الكتاب والسنة، وإذا كانت لا توصل إلى ذلك فهي مذمومة. فأهل العلم حينما صنفوا الكتب التي هي ليس فيها يعني أسانيد وآثار إنما يرومون بها فقه الكتاب والسنة وفهم نصوص الكتاب والسنة، وصنف الفقهاء كتبهم وأهل العقائد عقائدهم المختصرة وأخلوها من الأدلة لأن تلك مستنبطة من الكتاب والسنة بحسب في الفقه اجتهاد المصنف الذي صنف وفي العقيدة بحسب ما نقل لهم من عقيدة السلف الصالح. هذا الذي فعله أهل السنة وتتابعوا فيه بتصنيف الكتب هذا محمود ومرغوب فيه لأنه به يُسرت سبل الاستفادة من العلم، وقرب العلم في كل عصر لأهله. ما الذي فعل أهل الضلال؟ صنفوا الكتب الباطلة، صنفوا الكتب التي يذكرون فيها رأيهم، لا يذكرون فيها الأدلة الشرعية، ولا يذكرون ذلك الرأي مستندة على أدلة شرعية، فأول ما صنف أولئك سموا بأهل الرأي، ومنها كتب الآن موجودة مثال ”كتاب الوقف“ لهلال بن مسلم الرأي، مطبوع موجود، فإذا تأملته وجدت أنه أسئلة: أرأيت إن كان كذا فالجواب كذا، مسائل في الوقف كلها من باب طرح المسائل بقوله أرأيت ثم الجواب عليها، وهذا مما اشتد فيه السلف الصالح يعني الأئمة في إنكار تصنيف الكتب على هذا النحو؛ يعني كتب الرأي التي ذُمَّت ما كان على هذا النحو، مثل كتاب هذا الذي ذكرتُ لكم ونحوه من الكتب. أما كتب الفقه الأخرى فهي إذا كان استنباطها له أصوله وله أدلته فإنها لا تدخل في ذلك الذي نهوا عنه. أما كتب أهل البدع التي صنفوها فإنها كما ذكرت ثم رجعت للكلام على الفقه كما ذكرتُ أنها صنفت ونسبت إلى القرآن، نسبت إلى السنة، فمنهم من صنف تفاسير جعل فيها التجسيم، يجعل عقيدة التجسيم كتفسير مُقَاتِل، تفسيرا للقرآن ففسر القرآن ففي كل آيات الصفات جعلها دالة على التمثيل؛ لأنه يعتقد التجسيم وينسب هذا إلى أنه تفسير للقرآن، هذا من جنس ما شاركت به هذه الأمة شابهت به اليهود، كذلك أهل الاعتزال أهل البدع والضلالات المختلفة من الفرق، المرجئة، القدرية، الجبرية إلى آخره صنفوا كتبا، هذه الكتب كل ينسبها إلى الله جل وعلا؛ يعني إلى دين الإسلام، يقول هذا هو الذي أمر الله جل وعلا باعتقاده هذا هو الذي أمر الله جل وعلا بالإيمان به، فنسبوها إلى الله جل وعلا بالنسبة الثانية؛ أنهم صنفوا وقالوا إن هذا هو الدين والعقيدة والشرع، وهذا لاشك أنه باطل، لِم؟ لأنه لم يذكروا من الدلائل عليه من كلام الله جل وعلا كلام النبي وكلام الصحابة ما به يُعلم أن فهم ذلك الذي صنف صحيح، فإنهم ذكروا أشياء مخالفة لما كان عليه سلف هذه الأمة، فيكونون إذن قد خالفوا الأوائل ولما خالفوا صنفوا تلك الكتب ونسبوها إلى الشرع نسبوها إلى الإسلام، فكانوا بذلك مصنفين للكتب الباطلة ومشابهين لليهود ناسبين ذلك إلى الله جل وعلا؛ يعني إلى دينه، كل من كان من أهل البدع ومن أهل الضلال كذلك. حتى وصل الأمر إلى وقت الشيخ الإمام رحمه الله تعالى، فصنفت الكتب التي فيها إبطال للدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، صنفت الكتب في بيان أن الاستغاثة بالأموات والالتجاء إليهم أن هذا أمر مطلوب، ونُسب ذلك إلى سلف هذه الأمة، نسب ذلك إلى الأدلة، نسب ذلك إلى الإسلام وقالوا إن هذا هو الحق الذي عليه اعتقاد الفرقة الناجية كما يزعمون، صنفت الكتب الباطلة في البدع وجعلت تلك المصنفات منسوبة إلى ما كان علبه السلف، منسوبة إلى النبي ، فمثلا يصنف بعضهم في تحسين بعض البدع ويستدل عليها بقول النبي عليه الصلاة والسلام «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فيجعل تلك البدع التي أحدثها أو التي أمر بالالتزام بها منسوبة إلى النبي لأنها داخلة في عموم كلامه، وهذا قد شابهوا فيه اليهود لأنهم استدلوا بالمتشابه أو كان هواهم قائما فجعلوا الدليل منزلا على هواهم. وأهل السنة السلف الصالح يجعلون الدليل أولا ثم يستنبطون منه، الدليل أولا ثم يستنبط منه، أما أن يقدّم الهوى ثم يبحث عن ما يساعده أو ما يدل عليه هذا طريقة أهل الأهواء الذين صنفوا تلك الكتب الباطلة. في مسائل التوسل في بيان أن شك أهل الجاهلية إنما كان بعبادة الأصنام دون غيرها؛ يعني من الصالحين، من الموتى، من أهل القبور ونحو ذلك، صنفت مصنفات في ذلك في وقت الشيخ وعارضوا بها الدعوة، ونسبوها إلى النبي ، نسبوها إلى دين الإسلام، كما سيأتي في المسائل التي بعدها بيان لبعض فروع ما عملوا. في هذا الزمن أيضا في هذا القرن كذلك يأتي جمع من أهل التفكير وأهل الفكر، وينقدح في أذهانهم أفكار وآراء وتوهمات، وينسبونها إلى الله جل وعلا، وينسبونها إلى الدين، ما الحجة فيما قلت؟ ما البرهان على ما ذكرت؟ لا حجة ولا برهان وينسبون ذلك إلى الإسلام، يقولون هذا هو الإسلام، لابد للعالم أو للمصنف أنه إذا ذكر رأيا أو فكرا أن يذكر دليله، أن يذكر ما اعتمد عليه خاصة إذا كانت أفكار جديدة ونحو ذلك، أما أن يكون رأيا مجردا وتنسبه إلى الإسلام، فهذا ولاشك أنه نوع من تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله جل وعلا. مثل المصنفات في هذا العصر التي بعضها يتكلم مثلا عن الله، يقول الله جل جلاله، بعضهم يتكلم على الحلال والحرام يقول هذا حلال وهذا حرام، بعضها فيه تعالي أيضا هذا هو الإسلام ونحو ذلك، هذه كلها إذا لم تكن مدللة بالأدلة الشرعية من القرآن أو السنة الصحيحة فإنها تكون من جملة تصنيف الكتب الباطلة التي شابهت فيها هذه الأمة اليهود والنصارى. إذن هذه المسألة التي ذكرها الشيخ رحمه الله فيها النهي عن الإقدام على تصنيف الكتب بدون مستند مما كان عليه أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بدون مستند من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح؛ لأن التصنيف إنما هو للحاجة، وإذا كان كذلك فكل من صنف على ذلك النحو فقد صنف كتبا باطلة. ولهذا كان أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى يحفظون دين الناس بأن لا يدخلوا الكتب التي فيها فساد عقدي أو فساد فقهي أو نحو ذلك، أما الآن فقد توسع الناس حتى صارت الكتب التي كانت من قبل لا ترى صارت الآن موجودة الناس يقتنونها، ممن مثل تفسير الفخر الرازي الذي قيل فيه: فيه كل شيء إلا التفسير. وقيل فيه: لم يدع لا شاذة وفاذة إلا أوردها. هذا التفسير كان ينهر عنه بهذه البلاد لأنه ينسب إلى الله جل وعلا؛ لأنه تفسير لله جل وعلا، وهو كله في عقائد المتكلمين، بل إن بعضه فيه تنجيم وعناية بأحوال النجوم ونحو ذلك لأنّ الرازي كان يعتني بذلك، كتب المبتدعة على اختلاف أنواعها كان يحمى الناس من ذلك من أن يقتنوها وأن تكون بين أيديهم مثل مثلا كتاب الفتوحات المكية، وإلى اليوم ممنوع ولكن أحيانا يوجد في بعض المكتبات، وذلك لحماية الناس من مثل هذه المبتدعة. من أواخر ما صنع في ذلك ما صدر من سماحة الشيخ عبد العزيز حفظه الله من منع تداول كتب الصابوني في التفسير أيضا، لم؟ لأنها من جنس ما ذكره الشيخ رحمه الله في هذه المسألة لأن تصنيف التفسير ونسبة ذلك إلى كتاب الله جل وعلا هذا شعبة من شعب أهل الجاهلية، تصنيف التفسير هو نسبة تلك التفاسير الباطلة إلى كتاب الله جل وعلا هو شعبة من شعب أهل الجاهلية، فلا يكون في التفسير الذي يسوغ تناقله بين الناس ويسوغ قراءته إلا ما فيه حق إلا ما فيه بعد من طرق أهل البدع والضلال، أما ما كان فيه ذلك يجب أن يبعد الناس عنه ولا يمكنوا منه لأنه قد يحدث الضلال في أصل الاعتقاد من جرّاء ذلك؛ لأن المتكلم يفسر القرآن فيكون القارئ ظانا أن هذا التفسير هو موضحا لكلام الله جل وعلا، فيعتقد أنه مستدل به يعني في ذلك التفسير مستدل( ) بالقرآن فيه، مستدل بالنسبة فيه فيقع الخلط والبلاء وقع ذلك كثيرا. المسألة التي تليها وهي (أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91].) هذه قالها اليهود. (لا يقبلون) الصحيح (لا يقبلون) هي مكتوبة هنا (لا يعقلون) لكن الصحيح(لا يقبلون)، (أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم)، قال تعالى (قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) يعني اليهود قالوا ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾[البقرة:91]، اليهود قالوا لا نؤمن إلا بما أنزل علينا، كانت هذه حجتهم، وكان ذلك برهانا، (نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) أما ما وراءه فلا نؤمن به، فلما كان أمرهم كذلك، كان مما يحتج به عليهم أنه قد جاء في التوراة وصف النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي أنزل عليهم، لذلك سيأتي في المسألة التي تليها أنهم كانوا لا يعلمون ما تقوله طائفتهم؛ يعني أكثرهم لا يعلم ما في كتبهم، يقولون لا نؤمن إلا بما أنزل على طائفتنا ومع ذلك لا يعلمون ما عندهم, فالنبي وصف وصفا تاما في التوراة وفي الإنجيل، فحرفوا ذلك الوصف وقالوا لا نؤمن إلا بما أنزل علينا, صفة النبي موجودة، فآمنوا بما أنزل عليكم، فلم يؤمنوا بذلك. كذلك النصارى بشروا, بشرهم عيسى عليه السلام بالنبي عليه الصلاة والسلام، بشرهم بنبي يأتي اسمه أحمد وهو منصوص على ذلك في انجيل بَرنابا الموجود المطبوع الآن وهي نسخة نفيسة من الإنجيل والنصارى لا يقرون بنسبة ذلك الإنجيل إليهم، ويقولون أناجيلهم أربعة أما إنجيل برنابا فينفون لنسبته إلي النصرانية ويقولون هذا فيه ما فيه إما مختلف وإما غير مقر, إلى آخره وكان قد وجده الشيخ محمد رشيد رضا في أحد المكاتب في إيطاليا نسخة بلغة أخرى لاتينية، فترجمه إلى العربية وطبعه فيه البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام، لم يؤمنوا بذلك مع أنهم يقولون (نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا). هؤلاء شاركهم طوائف من هذه الأمة كثيرة، فتجد أنّ عوام أهل المذاهب الفقهية مثلا يقولون لا نؤمن إلا بما جاء في مذهبنا، وهذا كثر في هذه الأمة خاصة في العصور المتأخرة, فتجد أن السائل إذا سأل مفتيا يقول أفتني على مذهب الشافعي, أفتني على مذهب الإمام أحمد, أفتني على مذهب الإمام أبي حنيفة، لم؟ قال: لأني على هذا المذهب. وهذا تجدونه كثيرا في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يأتيه من يسأله، فيقول أفتنا على مذهب الشافعي, أفتنا على مذهب كذا. ولأجل أن هذا كثر في الناس كان في وقت الشيخ رحمه الله بعض المفتين يحفظون كتبا في المذاهب الأربعة فيأتيهم السائل فيقول: أفتنا على المذهب الشافعي. فيفتيهم، يأتي آخر فيقول أفتني على مذهب أبي حنيفة فيفتيه, وهكذا، فكان بعض المفتين في وقت الشيخ وقبله يفتون على المذاهب الأربعة ويعدون أن هذا مفخرة, لم؟ لأن كل طائفة لا تؤمن إلا بنا عندها أما عند الآخرين يقولون لا نؤمن به, وهذا لاشك أنه باطل؛ لأن الواجب على المفتي أن يكون في فتواه مفتيا بما يعتقد أنه الحق, بما يعتقد أنه ينجيه بين يدي الله جل وعلا، مثل ما ذكر منصور البهوتي؛ الشيخ منصور رحمه الله تعالى المصنف للروض المربع وشرح المنتهى ولكشاف القناع ولكتب كثيرة فإنه اُستفتى في مسألة فأفتى فيها بفتوى فقيل له إن هذه الفتوى مخالفة لما ذكرته في كتابك كشاف القناع، فقال: ذاك ذكرنا فيه المذهب، وأما ما أفتيت به فهذا ما أعتقده. وهذا هو الواجب، التصنيف تبين المسائل بأدلتها على مذهب معين للتعليم لتصوير المسائل، هذا هو الطريقة العلمية الصحيحة، أما المفتي فإنه يفتي بما يعلم أنه الحق، لا يؤمن بما أنزل إليه فقط ويترك -يعني بما عنده، بما عليه طائفته- ويترك البقية بل ينظر ويجتهد في الحق. أهل البدع كذلك تجد أن الخارجي مثلا؛ الاباضي مثلا إذا سألته، يقول لك أنا لا أومن إلا بما عليه مشايخنا، طيب أولو كانوا على باطل؟ أهل البدع والخرافات لا بد أن أسأل علماءنا، طيب إذا سألت علماءك شوف الدليل معهم هل معهم حجة أقوى من حجة الآخر أم لا؟ لابد أن تتحرى الحق. فأصبحت هذه الظاهرة موجودة في المسلمين في أوسع الأبواب، أن كل أهل مذهب إما مذهب فقهي أو عقدي يقولون نؤمن بما عند طائفتنا ولا يتحرون الحق لا يبحثون عنه، فكانوا من جنس أولئك الذين لم يتحروا الحق الذي جاء به النبي وإنما قنعوا بما عندهم. في وقت إمام الدعوة رحمه الله لما قام بالدعوة -يعني سبب ذكر هذه المسألة- واجهه هؤلاء، واجهه هؤلاء، واجهه فقهاء الشافعية مثلا رحمهم الله تعالى بأن قالوا إن متأخري الشافعية قالوا كذا وكذا -مثلا من جواز بعض المسائل التي كان ينهى عنها والتسمح في بعض البدع التي كان ينهى عنها ونحو ذلك- بعض المسائل يقول هو إنها حرام يقولون نص علماؤنا على الكراهة ونحو ذلك، فعارضه كل ذي مذهب بما عليه مذهب أصحابه فكان رحمه الله تعالى يناقش كلاًّ بأمرين: الأول: أنه يذكر ما عليه طائفته -كما سيأتي- أن من كلام الشافعية مثلا من كلام الحنفية، من كلام المالكية، ما هو فيه بيان الحق للمسألة، لكنهم لا يعلمون بما كانت عليه طائفتهم، لا يعلمون بما يقوله أهل مذهبهم. الثاني: أن يبين المقصود من كلام العلماء إنما هو إفهام الأدلة، فإذا عارض كلام أهل العلم الأدلة فإنه لا يسوغ أن نأخذ بكلامهم ونترك الأدلة الواضحة. ولهذا ذكر الشيخ في المسألة التي بعدها قال (التاسعة والعشرون أنهم مع ذلك –يعني أنهم لا يقبلون من الحق إلا ما كان عليه طائفتهم- لا يعلمون بما تقوله الطائفة)، هذا الذي حصل فرد عليه طوائف ممن العلماء وهم لا يعلمون ما عليه أقوال أهل مذهبهم، ولهذا اعتنى علماء الدعوة رحمهم الله تعالى في كتبهم بنقل مذاهب العلماء في مسائل التوحيد، بنقل كلام أهل العلم في مسائل التوحيد لأن المتأخرين مثلا من الفقهاء الأئمة الشافعية أو الحنفية أو المالكية أو نحوهم كانوا يقبلون كلام علماء عصرهم، علماء المتأخرين منهم، لكن العلماء الأولون من أهل المذهب، لما لا يقبلون كلامهم؟ فكان أئمة الدعوة رحمهم الله والمشايخ ينقلون لهم كلام المتقدمين مثل كلام ابن حجر الهيثمي، ومثل كلام ابن حجر العسقلاني، ومثل كلام النووي، مثل كلام الذهبي، وهؤلاء كلهم شافعية، مثلا ينقلون كلام الإمام مالك في المدونة، وكلام أصحابه مثل الطرطوشي ونحوهم، والقرطبي وأمثالهم في بعض مسائل التوحيد ليبين أن مذهب المالكية هو كذا، ولهذا تجد أن كتب علماء هذه الدعوة مشحونة بالنقل عن كتب أولئك، لم؟ لبيان أن أولئك قالوا بمثل ما قاله الشيخ رحمه الله لكن هؤلاء لم يطالعوا أو خفي عليهم، وإنما عقلوا وقبلوا ما عليه متأخروهم، وهذا من المسائل المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها؛ لأنه قد يأتي بعضهم وينقل نقولا عن بعض أئمة أهل المذهب، مثلا يأتي بعضهم يضاد مسائل العقيدة الصحيحة والتوحيد والنهي عن البدع بكلام بعض الشافعية، بكلام بعض المالكية، بكلام بعض الحنفية، بكلام بعض الحنابلة، طالب العلم أول ما يسمع بهذا الاحتجاج يذهب ويبحث في كتب القوم في كتب الحنابلة في كتب الشافعية في كتب المالكية إلى آخره، المتقدمة، حتى يثبت لهذا الذي احتج بكلام أهل طائفته أن من أهل طائفته من لم يقل بهذا القول وإذا كان أهل الطائفة المخصوصة هذه قد وقعوا في الاختلاف فإذن الحجة فيمن؟ الحجة في كلام السلف، هذا برهان ضروري يُحتج به أينما ذهبت كن منه على ذكر وبينة. إذا نقل لك ناقل مثل ما صنف مثلا محمد علوي المالكي في كتابه الأخير الذي سماه ”شفاء الفؤاذ بزيارة خير العباد“ نقل نقول عن بعض أهل العلم في تجويز بعض الأشياء التي هي من قبيل البدع، إذا بحث الباحث وجد أنه كتم نقولا كثيرة في النهي عن هذه الأمور فهو نقل عن بعض أهل العلم في تحسين هذه البدع، وكتم نقولا كثيرة، فيها بيان الصواب والحق في هذه المسألة، الشافعية نقل عنهم عندهم قول ثاني بينه محققوهم بينه كبار علمائهم، الحنابلة كذلك، المالكية كذلك، الحنفية كذلك. فإذن إذا أورد عليك مورد وقال أنا لا أقبل إلا بكلام أهل مذهبي، فقل أولا قبولٌ، أولا قبول بهذا الكلام وستجد من كلام أئمة أهل مذهبه المعين ما يرد به عليهم؛ لأن الحق واضح، وكل مذهب وكل أتباع إمام عندهم من أهل العلم كثير ممن يقولون في المسائل بما تدل عليه الدلائل من الكتاب والسنة وكلام الأئمة أئمة السلف هذا أولا. الثاني تناقشه هل الواجب أن لا تقبل إلا ما قالته طائفتك، أم الواجب أن تبحث فيما دل عليه الكتاب والسنة، الجواب: الواجب أن نبحث فيما تُعُبِّدْنَا به وهو الكتاب والسنة، ونفهم الكتاب والسنة بإفهام العلماء لنا؛ لأن العلماء إنما هم واسطة لفهم الكتاب والسنة؛ لأنهم تخصصوا وبذلوا أعمارهم ليلهم ونهارهم وجهدهم في فهم الأدلة من الكتاب والسنة، فوظيفة أهل العلم ليست استقلالية، إنما هي تبعية بإفهام الأدلة من الكتاب والسنة، وهذا الذي فعله الشيخ رحمه الله تعالى مع مخالفيه وأثمر ثمرات يانعة. إذن هذه المسألة التاسعة والعشرون هي أنهم مع ذلك لا يعلمون بما تقوله الطائفة كما نبه الله عليه بقوله ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:91]. متصلة بما قبلها لأن اليهود كانوا يحتجون بشيء وهو لا يعلمون بما عندهم. كذلك من ورثهم في هذه الأمة وشابههم يحتجون بما عليه الطائفة وهم يجهلون أن من أهل مذهبهم من بخلاف تلك الأقوال. المسألة الأخيرة التي نختم بها الكلام هي المسألة العجيبة (الثلاثون) قال الشيخ رحمه الله (وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق صار كل حزب بما لديهم فرحين.) الجماعة جماعة أي رسولٍ كانت واحدة، ثم يبدأ التفرق بعد ذلك، أمر الله جل وعلا كل أتباع رسول بأن يجتمعوا على رسولهم، أما في اليهود فظاهر والنصارى فظاهر كما قال جل وعلا ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ﴾[البينة:4]، قال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14]، وقال جل وعلا ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾[البقرة:176] وقال جل وعلا ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[البقرة:213]، وقال جل وعلا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران:105]، وغير ذلك من الآيات والله جل وعلا أمر العباد بالاجتماع، والاجتماع يكون على أساس العلم فكل من أخذ بالعلم الذي ورِثه من الرسول الذي أرسل إليه فإنه يهديه ذلك العلم إلى الاجتماع وترك الاختلاف والتفرق. هذه المسألة مهمة للغاية لأن الجماعة والاجتماع دائما ترحم به الأمة، كما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنّ نتيجة الجماعة والاجتماع هو رضا الله جل وعلا ونصره وتأييده ومغفرته وتوفيقه للمجتمعين، ونتيجة الفرقة والاختلاف غضب الله ومقته وضرب قلوب بعضهم ببعض ولعنته وسخطه، هذا نتيجة الجماعة ونتيجة الفرقة. كل رسول كانت جماعته الأولى مجتمعة ثم بدأ التفرق وهذا ظاهر في الأمم من قبل، قال جل وعلا في بيان حال الأمم السابقة ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( )، لم؟ لأنهم تركوا الاجتماع الذي أمروا به وأخذوا بالتفرق والاختلاف، ما سبب ذلك التفرق و الاختلاف الذي حدث بعد الجماعة الأولى؟ هو ما أخبر الله جل وعلا به قال ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة:14]، وقال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14]. قال شيخ الإسلام رحمه الله وغيره إن سبب الفرقة اثنان: الأول: هو ترك العلم وترك حظ ما أمر العباد به. الثاني: هو البغي. إذا ترك طائفة العلم الذي أمرت به ونسيت، يعني تركت حظا مما ذكرت به حصل التفرق والبعد عن الجماعة الأولى. الثاني أن يكون هناك بغي وعدوان من طائفة من هذه الطائفة المفترقة المخالفة عن الجماعة الأولى المجتمعة على الحق والهدى. بعد ذلك إذا حصل هذان الأمران وهذان السببان وهو ترك العلم ونسيان حظ ما ذُكِّر به العباد والثاني هو البغي بين العباد يحصل التفرق والاختلاف، وإذا حصل التفرق والاختلاف كان كما أخبر الله جل وعلا بقوله (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) نتيجة التفرق والاختلاف العداوة والبغضاء، وهذا كما قال الشيخ رحمه الله: وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق، صار كل حزب بما لديهم فرحين. فإذن فرح كل حزب بما لديه نعمة أو عذاب هو عذاب لأنهم لم يجعلهم الله جل وعلا فرحين بما هم عليه إلا لما خالفوا وصية الله جل وعلا بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق. فهذه عقوبة، إذا وجدت الفرق والطوائف كل فرقة فرحة بما عندها ممن خالفوا وتركوا الجماعة الأولى تعلم أن هذا من العذاب الذي عذبوا به لأنهم تركوا وصية الله بالاجتماع وأخذوا بالتفرق والاختلاف. هذا حاصل في هذه الأمة من أول ما ظهرت الخوارج وهم لما خالفوا وصية الله بالاجتماع، وأخذوا بالتفرق والاختلاف ونسول حظا مما ذكروا به وتركوا العلم الذي أنزل عليهم، صاروا فرحين بما عندهم حتى إن الخارجي يكون أشجع الناس؛ يعني أشجع الناس في وقته وأقواهم مدافعة عما هو عليه من الباطل، لم؟ لأنه فرح به أشد الفرح، خالفوا الصحابة وقاتلوا الصحابة، وذلك لأنهم فرحون بما هم عليه وأصل ضلالهم كما هو معلوم مسألة تحكيم القرآن يعني الأخذ بظاهر قوله تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة44] فكفروا الصحابة وتركوا العلم الذي كان عند الصحابة واعتزوا بآرائهم فصاروا فرحين بما عندهم. كذلك المرجئة أول ما ظهرت كان لها رأي ثم بعد ذلك صارت فرحة بما عندها لأنها تركت ما أمر الله به من الاجتماع، وأخذت بالقول الذي ليس عليه الجماعة الأولى. ولهذا من أراد النجاة فإنما السبيل بالأخذ بوصية الله بالاجتماع، وهذه ذكرها الشيخ رحمه الله في أول الكلام في المسألة الثانية والثالثة، وهنا يريد أن عقوبة الافتراق أن يكون المرء فرحا بما هو عليه من الباطل، هذا من عقوبة الافتراق، فأول ما يخالف يكون عنده تردد ويكون عنده نوع من عدم الثبات ما هو عليه، حتى يستمرئ المخالفة ويستمرئ التفرق، فيعاقبه الله جل وعلا بفرحه بما عليه حتى يكون من أهل التفرق والاختلاف والعياذ بالله. على العموم هذه المسألة كما ذكر الشيخ رحمه الله أنها من عجائب آيات الله؛ لأنها عقوبة لا يشعر بها إلا المتيقنون. اسأل الله جل وعلا أن يبصرني بالحق والهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري. |
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| سيد قطب هو مصدر تكفير المجتمعات الإسلامية | الشيخ ربيع المدخلي | منبر الجرح والتعديل | 1 | 03-05-2011 12:31AM |
| اختيارات الشيخ أحمد النجمي في مسائل الصيام | احمد الشهري | منبر أصول الفقه وقواعده | 1 | 19-10-2007 06:01AM |
| لقاء مع الشيخ صالح آل الشيخ متعلق بفتنة التكفير (بخوص التفجيرات الأخيرة ) | ماهر بن ظافر القحطاني | السنن الصحيحة المهجورة | 0 | 23-12-2003 10:20AM |
