|
الفصل الأول في نص الخطبة
[ إن ] ( ) الحمد لله [ نحمده ، و ] نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، [ ومن سيئات أعمالنا ] .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ( 2 ) أن لا إله إلا الله [ وحده لا شريك له ] .وأ شهد أ ن محمداً عبدُه و رسولُه .
] يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون [
] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ .
] يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً[
[ أ ما بعد ] ، (( ثم يذكر حا جته )) .
الفصل الثانى فى تخريج الخطبة
وردت هذ ه الخطبة المبا ركة عن ستة من الصحابة ، وهم : عبد الله بن مسعو د ،وأ بو مو سى ا لأ شعرى ، وعبد الله ابن عباس ، وجا بر بن عبد الله ، ونبيظ بن شريط وعا ئشة ،رضى الله عنهم ، وعن تابعى واحد ، هو : الزهرى ،_ رحمة الله _.
1- حديث ابن مسعود ، وله عنه أ ربعة طرق:
ا لأ ول : عن أ بى إ سحاق ، عن أبى عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة الحاجة [ فى النكاح و غيره] : (( الحمد لله... )) . الحديث .
أ خرجه أبو داود (1 / 331 ) ، والنسائى ( 1 / 208 ) ، والحاكم ( 2/ 183و183 )، والطيالسى ( رقم 338 ) وأحمد (3720 ، 4115 ) ، وأبو يعلى في (( مسنده )) ( ق1 / 342 ) ، والطبراني في ( المعجم الكبير ) ، والبيهقي في (( سننه )) ( 146 / 7 ) من طرق عنه .
قلت : وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ، إلا أنه منقطع ، فقد قال النسائي عقب أن ساقه :
(( أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً ، ولا عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود ، ولا عبد الجبار بن وائل بن حجر)) .
وهذه الزيادة : (( في النكاح وغيره )) ، هي لأبي داود من طريق سيفان عن أبي إسحاق ، وظاهرها أنها من قول ابن مسعود ، لكن خالف شعبة فجعلها من قول أبي إسحاق ، حيث قال (( قلت لأبي إسحاق : هذه في خطبة النكاح أو في غيرها ؟ قال : في كل حاجة )) . راوه الطيالسي .
والزيادة الأولى والثانية والثالثة والرابعة للطحاوى ، ولأ حمد الأ ولى فى روايةٍ ، وللحا كم الثانية والسادسة ، وللنسائى االثالثة ، وللطبرانى الخامسة ، وللدارمى الثانية والسادسة .
الثانى :عن أبى الأحوص ،عن عبد الله قال :علَّمنا رسولُ اللهِ صَلَى الله عليه و سلم الَّتشَهُدَ فى الصَّلاةِ ،والتشهدَ فى الحاجةِ ،قال:التشهد فى احاجة . . . فذكره .
أخرجه النسائى (2/29 ) ،والترمذى (2/178 ) ،والطبرانى فى (( الكبير )) عن الأعمش ،وابن ماجه (1/ 584و585 ) عن يونس بن أبى إ بى إسحاق ،والطحاوى (1/4 ) ،والبيهقى (3/ 214 ) عن المسعودىّ ، ثلاثتهم عن أبى إسحاق عنه . وقال الترمذىُّ :
(( حديثُُ حسنُُ ، رواه الأعمشُ ،عن أبى إسحاق ، عن أبى الأحوص ، عن النبى َصَلى الله عليه وسلم ، ورواه شُعبة ،عن أبى إسحاق ،عن أبى عُبيدة ،عن عبد الله ،عن النبىِّ صلى الله
عليه وسلم ،وكلا الحديثين صَحيحُُ ؛ لأن إسرائيل جمَعها ،فقال : عن أبى إسحاق ، عن أبى الأحوص ،وابى عُبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبى َصلى الله عليه وسلِم )) .
قلت : ورواية إسرائيل هذه وصلَها أحمدُ رقم (4116 ) وأبو داود والبيهقىّ : عن وكيعٍ ، حدثنا إسرائيل به .
ولم يتفردّ إسرائيلُ به ، بل تابعهُ شُعبة عند أحمد ( رقم 3721 ) ، والطَّحاوى ، والبيهقى ، فدلّ ذلك على صحّة الإسنادين عن ابن مسعودٍ . لكن الأوّل منقطعٌ كما تقدم ، وأما هذا فصحِيحُ على شرطِ مُسلمٍ .
وفيها الزيادة الأولى عند الجميع ، إل ابن ماجة ، وله وللطحاوى الزيادة الثانية ، ولهما وللترمذى الزيادة الثالثة ، ولابن ماجة الرابعة .
الثالث:عن عمران القطّان ،عن قتادة ،عن عبد ربه ،عن أبى عياض ، عن ابن مسعودٍ – رضى الله عنه – أن رسولَ الله صَلَى الله عليه و سِلم كان إذا تشهد قال :
((الحمد لله ، نستعينه ، و نستغفره .. )) الحديث إلى قوله (( عبده و رسوله )) ، وزاد :
(( بالحقِّ بشيراً و نذيراً ، بين يدى السَّاعة ،من يُطعِ الله و رسولَهُ فقد رَشَدَ ، و من يَعْصِهما ، فإنه لا يضرّ إلانفسه ، و لا يضرّ الله شَيئاً )) .
أخرجه أبو داود ( 1/ 172و331 ) ، والبيهقى ( 3/ 215، 7/ 146 ) ، وأخرجه الطبرانى فى (( الكبير )) ، إلا أنه قال : (( إنه كان يقول فى خطبة الحاجة . . . )) .
وهذا سندٌ ضعيفٌ ، وعلته أبو عياض هذا ـ وهو : المدني _ قال الحافظ فى : (( التقريب )):
(( هو مجهول )) .
هذه هي علة الحديث ، وقد ذهل عنها جماعة ، أولهم فيما وقفت عليه : المنذري في (( مختصر السنن )) ، حيث أعله بعمران هذا ، فقال : (( فى إسناده عمران بن دَاوَر القطَّان ، وفيه مقالٌ )) .
وتبعه على ذلك ابنُ القيم وسيأتى كلامه ، والشوكانى فى (( نيل الأوطار )) (3/ 224 ) فقا ل:
(( فى إسناده عمران ابن دَاور ـ فى الأصل : دارون ، وهو خطأ ـ أبو العوَّام البصرى ، قال عفَّان : كان ثقةً ، واستشهد به البخارىُّ ، وقال يحيى بنُ معين والنسائىُّ : ضعيف الحديث . . . )) .
وكان أبعدهم عن الصواب الإمام النووىّ رحمه الله حيث قال فى (( شرح صحيح مسلم )) (6/ 160 ) :
وأعتقدُ أنه اتنصرفَ ذهنُه عن العلّة الحقيقيةِ التى ذكرتُ ، وإلا فلولاها الإسنادُ حسناً عندى .
ثم إن فى متن هذه الرواية نكارة ، وهى قولة : (( ومن يَعْهما )) فقد صحّ عنه صَلىاللّه عليه وسِلم (( النهى عن هذه اللفظة ،كما فى حديث عدىّ بن حاثم : أن رجلاََ خطبَ عند النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال: من يُطعِ اللَّه ورسولُه فقد رَ شَدَ، ومَن يَعْصِهما فقد غوى،فقال رسو لُ الله صلَى الله عليه وسِلم ((بئسَ الخطيب أنتَ،قل: ومن يعصِ اللَّ ورسوله) )
أخرجه مسلم(3/12و13 )،وأبوداود (1/172)،والنسائى(2/79)،والبيهقى (3/216 )،وأحمد(4/256و379).
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على الخطيب قوله ((ومن يعصهما ))،ولذلك قال ابن القيم فى (( تهذيب السنن ))(3 /55 ) :
(( فإن صحّ حديثُ عمران بن داَورَ فلعله رواه يعضُهم بالمعنى ،فظن أناللفظين سواء ، ولم يبلغه حديث : (( بئس الخطيب أنت ))،وليس عمر ان بذلك الحافظ)).
قلت : قد بينا آنفَا علة الحديث ،وقد تبين لى الآن أنه لو صحّ أسنادُه لم يكن منكراََ بالنظر إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم ؛لان له أن يفعلَ ماليس لنا ،لا سيما وقد ثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم مثل ما فى هذا الحديث ،كما سيأتى فى كلام النوى ، فهو من خُصوصياته صلى الله عليه وسلم ، قال فى (( شرح مسلم )).
(( قال القاضى وجماعة من العلماء : إنما أنكر عليه لتشريكه فى الضمير المقتضِى للتسويةِ،وأمره بالعطف تعظيماً للّه تعالى بتقديم اسمه ،كما قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الآخر : ((لا يقلاحدُكم :ما شاء الله وشاءَ فلان ، ولكن ليقل : ما شاء الله ، ثم شاءَ فلان ))
والصواب : أن سبب النهى أن الخطب شأ نها البسط و الإيضاح ، و اجتناب الإشارات والرموز، و لهذا ثبتَ فى ((الصحيح )) ؛ أن رسولَ الله َصلَى الله عليه و سِلم كان إذا تكلَّم بكلمةٍ أعادها ثلاثًا؛ ُليفهم ، و أما قول الأ ولين ، فيضعف بأشياء منها : أن مثل هذا الضميرقد تكرر فى الأحاديث الصحيحة من كلام رسولٍ الله صَلَى الله عليه و سلم كقوله صَلَىالله عليه و سلم ((أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ))،و غيره من الأحاديث .
و إنما ثّنى الضمير هَنا ؛ لأنه ليس خُطبة و عظٍ ، و إنما هو تعليمُ حكمٍ ، فكلما قل لفظُه، كان أقرب إلى حفظه ، بخلاف خُطبة الوعظ ، فإنه ليس المراد حفظه ، و إنما يُراد الاتعاظ بها ، ومما يؤيد هذا ما ثبتَ فى (( سنن أبى داود )) بإسنادٍ صحيحٍ ! عن ابن مسعود قال : علَّمنا خطبة الحاجة : (( الحمدُ للهِ نستعينُه . . . ومن يَعْصِهِما فإنّه لا يضرّ إلا نفسَه ولا يضر اللهَ
شَيئاً ، والله أعلم )) .
قلت : وما استضعفه النوووىُّ رحمه الله هو الصوابُ وما استصوبَه هو الضعيفُ ، وبيان ذلك
بإمورٍ :
الأول : قوله : (( سبب النهى أن الْخُطبة شأنُها البسط والإيضاح )) .
فتعقبه المحققُ ابلسندرىُّ ـ رحمه الله ـ فى تعليقه على مسلم بقوله (( إنه ضعيفٌ جداً ، إذا لو كان ذلك سبباً للإنكار فى محل حصل فيه بالضمير نوع اشتباه ، وأما فى محلٍ لااشتباه فيه ، فليس كذلك ، وإلا لكان ذكر الضمير فى الخطبةِ منكراً منهياً عنه ، مع أنه ليس كذلك ، بل الإظهار فى بعضِ المواضع فى الخطب يكون منكراً ، فتأمل )) .
الثانى : تأييده ما ذهب إليه بحديثِ ابن مسعود ، بدعوى أن إسناده صحيح ، فغيرُ صحيحٍ ،لما فى سنده من الجهالةِ ، كما بينا آنفاً .
الثالث : على فرض أن الإسناد صحيح ، فإنما يدل الحديث على الجواز لو كان فيه النبىَّ صَلَى الله عليه وسلِم كان يعلِّمهم ذلك ، كما من الأمام النووى ، حيث ذكر أن نصَّ الحديثِ عند أبى داود بلفظ : (( علَّمنا خطبةَ الحاجة )) ، بل ليس هذا اللفظ عند سائر مَن أخرج الحديث من هذا الوجه ، وإنما هو في الطريقين الأولين الخالين عن هذه الزيادة الضعيفة (( أرسلته بالحقِّ ... )) إلخ كم تقدم ، فكأن النووي_ رحمه الله _ اختلط عليه أحدُ اللفظين بالآخر ، فكان منه سياق لا أصل له في شيئ من الروايات ، فتنبه .
الرابع: أن قوله: (( قد تكرّر ذلك فىالأحاديت الصحيحة من كلامِهِ صلىالله عليه وسلم.لايدل على ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم ،لكن ليس فيه تعليم منه ـ عليهالصَّلاة والسَّلام ـ لأمته،وحينئذٍ فلا يعارض حديث عدى بن حاتم المتقدَّم ؛ لما تقرَّر فى الأصولِ أن القولَ مقدَّمٌ على الفعلِ عند التعآرض ؛ فيجوز ذلك له ـ عليه السلام ت دون أمته .
وحِكمة هذا الفرق واضحة ؛ ذلك لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليس فى المحلّ الذى يُظن من كلامه أنه يريد به ما لايليق بمقام الربوية والألوهية ، بخلاف غيرهِ ـ عليه الصلاة والسلام ـ ،فقد يُظنّ به ذلك ، فأمرَ صَلَى الله عليه وسلِم باجتنابِ الشبهات ، ولإفصاح عن المراد ، على أساسِ قوله صَلَى الله عليه وسلِم : (( دعْ ما يَرِيبُكَ إلى مالا يريبك )) ( 1 ) .
ثم رأيتُ العزَّ بنَ عبد السلام قد سبقنى إلى ما ذهبتُ إليه ، فقد نقلَ عنه ذلك السندىُّ فى (( حاشيةِ النَّسائى )) ( ص 80 ) فقال :
(( وقال الشيخُ عز الدين : من خصائصه صَلَى الله عليه و سِلم أنه كان يجوز له الجمع فى الضمير بينه و بين ربهِّ تعالى ، و ذلك ممتنع على غيره . قال : و إنما يمتنع من غيره دونه ؛ لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقُه التسويةَ ، بخلافه هو ، فإن منصبه إايه إيهامُ ذلك )) .
و هذا يوافق تماماً ما رجّحناه ، و الحمدُ لله على توفيقه .
و قد نقل السندىُّ قبل ذلك كلامَ القرطبى فى التوفيق بين حديث ابن مسعود –و قد صّرح بصحته ! – و بين حديث عدى ،من أربعة أوجه ذكرها يترشّح منه أنه يدهب هذا المذهب الذى رجحناه فراجعه إن شئت .
وكأن النووى تبعه فى ذلك إذا صرح بصحته أيضاً ، وقد تقدم بيان خطئه .
وقد نحا نحو هذا المذهب أبو الحسن السندى ـ رحمه الله ـ فقال :
(( فالوجه أن يُقال : إن التشريك فى الضمير يخل بالتعظيم الواجب بالنظرِ إلى بعض المتكلّمين ، ويُوهم التسوية بالنظر إلى أذهانِ بعض السامعين القاصرين ، فيختلف حكمُه بالنظر إلى المتكلّمين والسامعين ، والله تعالى أعلم )) .
وأنا أرى أن اتلصواب تعميم هذا الحكم ؛ سداً للذريعةِ وعملاً بعموم حديث : (( لا يقل أحدُكم : ما شاء الله ، وشاء فلان . . . )) الحديث (1) .
فإنه من هذا الباب الذى وردَ فيه حديثُ عدى بن حاتم ، وما ذهب إليه السندى فيما نقلناه عنه فيما سبق ، من أن ذكر الضمير فى الخطبة غير منكر ، إنما عمدته حديث ابن مسعود هذا ، وقد علمت أنه لاحجة فيه من حيث سنده ومتنه أيضاً .
وقوله : (( إن إظهار الضمير فى بعض المواضع من الخطب يكاد يكون منكراً )) . قد تأملتُ فيه ، فلم يظهر لى وجهُه ، إلا أن يكون من الوجة الذوقية ، وهذا لايعتدّ به ، إذا تصادم مع التوجيه الشرعى . والله أعلم .
الرابع : عن حُرَيث ، عن واصل الأحدب ، عن سقبق عن عبد الله بن مسعود ، قال (( كان رسول الله صَلًى الله عليه وسلِم يعلمنا التشهدَ والخطبةَ ، كما يعلمنا السُّورةَ من القرآن . . . والخطبة : الحمد لله . . . )) . أخرجه البيهقى (7 / 146 و 147 ) ، و هذا سندٌ ضعيفٌ من أجل حريث ، هو : ابن ابى مطر عمرو الفزارى ، إفانه ضعيفٌ اتفاقاً .
و فى هذه الطريق الزيادة الثانية و الرابعة .
2 ـ حديث أبو موسى الأشعرى
أخرجه أبو يعلى فى (( مسنده )) (1 / 342 ) مع حديث ابن مسعود المتقدم من الطريق الأولى ساقه إلى قوله : ((و أشهد أن محمداً عبده و رسوله )) ، وزاد :
(( قال أبو عُبيدة : و سمعتُ من أبى موسى يقول : كان رسولُ الله صَلَى الله عليه و سِلم يقولُ : فإن شئت أن تصلَ خطبتك بآى من القرآن ، تقول : ( قلت : فذكر الآيات الثلاث و فيه ) أما بعد : ثم تكّلم بحاجِتك .
و أورده الهيثمىُّ فى (( مجمع الزوائد ))(4 / 288 ) و قال : (( رواه أبو يعلى الطبرانى فى ((الأوسط ))و (( الكبير )) باختصار ، و رجاله ثقات ، و حديث أبى موسى متصل ، و أبو عبيدة لم يسمع من أبيه )) .
قلت : و قد راجعتُ له مسند عبد الله بن مسعود فى (( المعجم الكبير )) ، فلم أجده ، فالظاهر أنه فى مسند أبي موسى منه ، و الجزء الذي فيه هذا المسند لا وجود له فى (( المكتبة الظاهرية )) .
3 ـ حديث عبد الله بن عباس
قال : إن ضماداً قدم مكة و كان من أزد شنوءة ، و كان يرقى من هذه الريح ، فسمع سفهاءَ من أهل مكة يقولون : أن محمداً مجنونٌ ، فقال : لو أني رأيتُ هذا الرجل ، لعل الله يشفيه على يديّ ، قال : فلقيه ، فقال : يا محمد ! إني أرقي من الريح ، و أن الله يشفي على يديّ من شاء فهل لك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الحمد لله نحمدُه ، ونستعينهُ ، من يهده الله فلا مضلْ له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ،وأنّ محمداًعبدُه ورسولُه ،امّابعد )).
قال :فقال : أعد على كلماتك هولاء ، فأعادهنّ عليه رسولُ الله صلى عليه وسلم ثلاث مرات،
قال:فقال :لقد سمعت قول الكهنة ،وقول السحرة ،وقول الشُّعراء ،فما سمعت مثل كلماتك هولاء ،ولقد بلغن قاموسَ البحرِ،قال :فقال :هات يدك أبايعك على الإِسلام،قال :فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال رسولُ صلى الله عليه وسلم : (( وعلى قومك ؟ ))قال وعلى قومى ،
قال :فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سريةً ، فمروا بقومه ، فقال صاحبُ السَّرية للجيشِ:
هل أصبتُم من هؤلاء شيئاً؟ فقال رجل من القوم : أصبت منهم مطهرةً ، فقال : ردُّوها ؛ فإن هؤلاء قوم ضماد )).
أخرجه مسلم ( 3 / 12 ) والبيهقي بهذا التمام ، وأخرج منه الخطبة فقط أحمد ( رقم 3275 ) ، وابن ماجه (1 /585 ) ، والطحاوي ، لكن سقط من النسخة المطبوعة متُنه و قطعة من سنده ،
وليس فيه عند أحمد لفظة : (( أما بعد )) .
وفيه ـ كما ترى ـ الزيادة التانية ، مكان قوله : ((ونستغفره )) . وقد تردد شيخُ الإسلام ابن تيمية في ثُبوتِ هذه الزيادة ، وهي صحيحةُ ثابتةُ بدون شكٍّ كما تقدم بيانه
4 ـ حديث جابر بن عبد الله
أخرجه الخطيبُ ( 14 / 440،441 ) من طريق عمرو ابن شَمرِ ، عن أبي جعفر ؛ محمد بن علىّ، عن عليّ بن حُسين عنه ، النبى صَلَى الله عليه وسلِم ؛ أنه كان إذا قعدَ على المنبر قال : (( الحمد لله أحمده ، وأستعينه ، زأومن به ، وأتوكل عليه ، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا )) ، الحديث إلى قوله : (( وأنّ محمد عبدُه ورسولهُ )) .
وهذا إسناد ضعيف جداً ، آفته عمرو بن شمر ؛ فإنه كذَّابٌ وضَّاعٌ ، لكن الحديث له أصلٌ بغير هذا السياق ،فقال الإمام أحمد (3/ 371 ): حدثنا وكيعٌ ، عن سُفيان ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن جابر قال :
كان رسُل الله صَلَى الله عليه وسلِم يقومُ ، فيخطب ،فيحمد الله ، ويٌثنى عليه بما هو أهلُه ، ويقول :
(( من يهده الله فلا مٌضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادى له ، إنّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهدْىِ هدىُ محمَّدٍ صَلَى الله عليه وسلِم ، وشرّ الأُمورِ مُحْدَثَاتِهَا ، وكُلّ مُحدثةٍ بِدعةٌ )) .
وكان إذا ذكر السَّاعةَ ، احمرَّتْ عيناهُ ، وعلا صوتُه ، واشتد غضبُه ، كأنَّهُ مُنذرُ جيشٍ : صَبَّحَكُم مَسَّاكُم .
(( من تركَ مَالاً فَلِلْوَرَثَةِ ، ومَن تَركَ ضَياعاً أو دَيناً فَعلىَّ وإلىَّ ، وأنا ولىُّ المؤمنين )) .
قلت : وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلم ، وقد أخرجه فى (( صحيحة )) (3 / 1 ) ، وكذا البيهقى فى (( سننه )) (3 / 214 ) من طريق أبى بكر بن أبى شَيبة : حدثنا وكيعٌ به . ولم يسق مسلمٌ لفظَه كلَّه ، وإنما أحالَ بباقيه على اللَّفْظ الّذِى ساقَه قبلَه من طريق عبد الوهَّاب بن عبد المجيد ، عن جعفر به نحوه ، وفيه بدل قوله : ((وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ )): (( وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ )) . وجمع بينهما البيهقىّ فى روايته ، وكذلك جمع بينهما في كتابة (( الاسماء و الصفات )) من هذا
تلوجه ومن طريقابن المبارك عن سُفيان به ، قرن روايتها عنه ، وزاد أيضاً: (( وكلَّ ضلالةٍ فى النارِ )) وهى عند النسائى ايضاً (1/234 ) مع اللفظين الأولين من طريق ابن المبارك ، وإسنادُها صحِيحٌ ، كما قال شيخ الأسلام ابنُ تيمية فى : (( إقامة الدليلِ على إبطال التحليل ))، من (( الفتاوى )) : (3/ 58 ) ثم قال الأمام أحمد ( 3/ 319 ) : حدثنا يحيى ، عن جعفر به ، بلفظ ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَى الله عليه وسلِم كان يقولُ فى خُطبته بعد التشهد : (( إنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ . . . )) الحديث مختصراً نحوه .
قلت : وهذا سندٌ صحيحٌ أيضاً على شرط مسلمٍ ، فقوله : (( بعدَ التشهد )) . فيه إشارةٌ إلى النشهد المنصوص عليه ، فى حديث ابن مسعود ، وابن عباسٍ ، وإلى أنه كتن مشهوراً معروفاًعندهم ، بحيث أن الراوى استغنى بذلك عن ذكره .
5 ـ حديث نُبيظ بن شَريط
قال : كنت ردْف أبى على عَجُزِ الراحلةِ ، والنبىُّ صَلَى الله عليه وسلِم يخطبٌ عنده الجمرة، فقال : (( الحمدُ لله ، نحمدُه، ونستعينُه ، ونستغفِرُه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبدُه ورسولُه ، أُصِيكم بتقوى الله ، أىّ يومٍ أحرمُ )) ؟ (1) .
قالوا: هذا .
قال : (( فأىّ شهرٍ أحرمُ ؟ )) . قالوا : هذا .
قال : (( فأى بلدٍ أحرمُ ؟ )) قالوا : هذا البلد .
قال : (( فإن دماءكم ، وأموالَكم حرامٌ عليكم ، كحُرْمةِ يومِكم هذا ، شهرِكم هذا ، فى بلدِكم هذا )) .
أخرجه البيهقى ( 3/ 215 ) من طريق أبى غسَّان مالك إبن إسماعيل النَّهدىّ: حدثنا موسى بنُ محمد اللأنصارىّ حدثنا أبو مالك ألاشجعى عنه .
قلت: وهذا إسناد رجالهُ ثقاتٌ،غير موسى بن محمد الأنصارىّ ، والظاهر أنه المخزومىّ المدنى ، فإن يكن هو فهو ضعيفٌ ،وإن يكن غيره فلم أعرِفْه.
6 ـ حديث عائشةأم المؤمنين
اخرجه أبوبكر بن أبى داود فى (( مسند عائشة )) (ق 2/ 57 ) بسندٍ جيِّدٍ عن هشام ـ هو : ابن عُروة ـ كان رسولُ الله صَلًى الله عليه وسلِم يُكثر الآيتين فى الخطبة : ] يَأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [ الآية .
قلت : كذا فى الأصل : (( عن أبيه )) ، لم يقل : (( قالت عائشة )) : أنحوه ن ووضع الناسخُ فوقه راسَ حرف الصاد (ص) إشارة منه إلى أنه هكذا وقع فى أصله أيضاً ن وأن الصواب غثبات قوله : (( قالت عائشة )) ، بدليل أن المؤلّف أورده فى (( مسندها )) ، ولم يكن ذلك ثابتاً فى روايته لم يُورِده فيه . لأن الحديث حينئذٍ مرسل ، كما ظاهرٌ .
وقد رأيتُ فيه حديثاً آخر وقع فيه مثل هدا السقط ، لكن بقي فيه ما يدل عليه ، فقال ( 1 / 59 ) : … عن هشام ، عن أبيه قالت : … و وضع الناسخ عليه (ص) أيضاً فقوله: ((قالت )) صريحٌ فى أن القائل ليس هو عُروة ، و إنما هي امراة ، و ليست هي إلا عائشة بالدليلِ المتقدم ؛ و لأنه كثير الرواية عنها ، و هي خالتُه . و الله أعلم .
7- حديث سهل بن سعد
قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس ، أو علمهم لا يدع هذه الآية ] ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا [ إلى قوله : ] فقد فاز فوزاً عظيماً [ .
راوه سمّويه في (( فوائده )) ، كما في (( حُسن التنبه في ترك التشبيه )) للشيخ محمد الغزي ( 5/8 ) .
8- حديث ابن شهاب الزُّهري
قال ابن وهب : أخبرني يونس أنه سأل ابن شهاب، عن تشهد رسول الله صلىالله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال ابن شهاب:((إنالحمد لله، نحمده ،ونستعينُه ،ونستغفرُه ،ونعوذُبه من شرورِأنفُسِنا ،مَن يَهدِه الله فلا مُضلّ لهُ ،ومن يضلِل فَلاهادِى لَهُ ،وأشهدُ أن لا إله إلاالله ،وأنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه ،أرسله بالحقِّ بشيراً ، ونديراً ،بين يدى السَّاعة ، مَن يُطع الله ورسولهُ ،فقد رشد ،ومن يَعْصهما فقد غوى ، نسأل الله ربنا أن يجعلناممن يطيعه ، ويطيع رسوله ،ويتَّبع رضوانَه ن ويجتنب سخطه ،فإنما نحن به وله )).
أخرجه أبوداود(1 /127)والبيهقى (1/215 ) وهذاإسنادٌ رجاله كلّهم ثقات ، ولكنه مُرسل ، فهو لذلك ضعيف لا يحتج به .
وفيه : ((ومن يعصِهِماَ )) ،وقد تقدمت هذه العبارة فى الطريق الثالث لحديث ابن مسعود ، وبينت هناك ضعفعها .
فقد يقال : إن هذا المرسل شاهد له ، فأ قول : ليس كذلك ؛ لأن الإرسالَ الذي فيه هو محلٍّ يحتمل أن يكون المرسل الذى أرسله ، قد أخده ، عن ذلك المجهول الذي رواه عن ابن مسعود ـ أعني : يحتمل أن يكون الزُّ هري أخذه ،عن أبي عياض ، عن ابن مسعود ،أو عمَّن رواه عنه ، ثم هو أرسله ومع هذا الاحتمال لايشدّ أحدُهما الآخر . فتأمل
|