بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المقولة الطبع يغلب التطبع صحيحة على الغالب ومعناها أن من كانت له جبلة انطبع عليها أو عادة أدمن عليها وألفها حتى صارت له طبعا فإنه يصعب عليه التخلق بضدها ولو تكلف ذلك برهة فلايقدر على الإستدامة فإن ماألفه وماجبل عليه سيغلبه 00000ولكن هذا مع من ترك مجاهدة نفسه وتعاهدها
في ترك ذلك الطبع المذموم شرعا وأما إذا جاهد نفسه لله طاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتوكل عليه وبذل الأسباب المذكرة به وانقطع عن الأسباب الموصلة إليه ولازم هذه المجاهدة فإن الله سيهديه كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال تعالى وإن تطيعوه تهتدوا0
وقال ومن يتوكل على الله فهو حسبه
كالرجل تصيبه المصيبة ويكون من طبعه الجزع فلو جاهد نفسه وعلم أنها من عند الله وصبر فإن الله يهد قلبه قال تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه
وينبغي للمسلم أن يجاهد نفسه لله وهواه مخلصا له الدين للتخلص من الطباع الدنيئة كالبخل والجبن عن إنكار المنكر وحب الظهور ونحو ذلك فإذا فعل وجاهد نفسه فهو المجاهد
روى أحمد في مسنده بإسناد لابأس به عن فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ
وتحت بَابٌ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قال الحافظ بن حجر معلقا وشارحا
يَعْنِي بَيَان فَضْل مَنْ جَاهَدَ , وَالْمُرَاد بِالْمُجَاهَدَةِ كَفُّ النَّفْس عَنْ إِرَادَتهَا مِنْ الشَّغْل بِغَيْرِ الْعِبَادَةِ , وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ الْبَاب . وَقَالَ اِبْن بَطَّال : جِهَاد الْمَرْء نَفْسَهُ هُوَ الْجِهَاد الْأَكْمَل , قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى } الْآيَةَ . وَيَقَعُ بِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْمَعَاصِي , وَبِمَنْعِهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ , وَبِمَنْعِهَا مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَة لِتَتَوَفَّرَ لَهَا فِي الْآخِرَةِ . قُلْت : وَلِئَلَّا يَعْتَاد الْإِكْثَار فَيَأْلَفهُ فَيَجُرُّهُ إِلَى الشُّبُهَات فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَقَع فِي الْحَرَامِ . وَنَقَلَ الْقُشَيْرِيُّ عَنْ شَيْخه أَبِي عَلِيّ الدَّقَّاق : مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بِدَايَتِهِ صَاحِبَ مُجَاهِدَةٍ لَمْ يَجِدْ مِنْ هَذَا الطَّرِيق شِمَّةً . وَعَنْ أَبِي عَمْرو بْن بُجَيْدٍ : مَنْ كَرُمَ عَلَيْهِ دِينُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ . قَالَ الْقُشَيْرِيُّ : أَصْلُ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ فَطْمُهَا عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ وَحَمْلُهَا عَلَى غَيْر هَوَاهَا . وَلِلنَّفْسِ صِفَتَانِ : اِنْهِمَاكٌ فِي الشَّهَوَاتِ , وَامْتِنَاعٌ عَنْ الطَّاعَاتِ , فَالْمُجَاهَدَةُ تَقَعُ بِحَسَبِ ذَلِكَ . قَالَ بَعْض الْأَئِمَّة : جِهَاد النَّفْس دَاخِلٌ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ , فَإِنَّ الْأَعْدَاءَ ثَلَاثَةٌ : رَأْسُهُمْ الشَّيْطَانُ , ثُمَّ النَّفْسُ لِأَنَّهَا تَدْعُو إِلَى اللَّذَّاتِ الْمُفْضِيَةِ بِصَاحِبِهَا إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ الَّذِي يُسْخِطُ الرَّبَّ , وَالشَّيْطَان هُوَ الْمُعِين لَهَا عَلَى ذَلِكَ وَيُزَيِّنُهُ لَهَا . فَمَنْ خَالَفَ هَوَى نَفْسِهِ قَمَعَ شَيْطَانه , فَمُجَاهَدَته نَفْسَهُ حَمْلُهَا عَلَى اِتِّبَاعِ أَوَامِرِ اللَّهِ وَاجْتِنَاب نَوَاهِيه , وَإِذَا قَوِيَ الْعَبْد عَلَى ذَلِكَ سَهُلَ عَلَيْهِ جِهَاد أَعْدَاء الدِّين , فَالْأَوَّل الْجِهَاد الْبَاطِن وَالثَّانِي الْجِهَاد الظَّاهِر . وَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ : حَمْلُهَا عَلَى تَعَلُّم أُمُور الدِّين , ثُمَّ حَمْلهَا عَلَى الْعَمَلِ بِذَلِكَ , ثُمَّ حَمْلُهَا عَلَى تَعْلِيمِ مَنْ لَا يَعْلَم , ثُمَّ الدُّعَاء إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَقِتَال مَنْ خَالَفَ دِينه وَجَحَدَ نِعَمَهُ . وَأَقْوَى الْمُعِين عَلَى جِهَاد النَّفْس جِهَاد الشَّيْطَان بِدَفْعِ مَا يَلْقَى إِلَيْهِ مِنْ الشُّبْهَة وَالشَّكِّ , ثُمَّ تَحْسِين مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُحَرَّمَات , ثُمَّ مَا يُفْضِي الْإِكْثَار مِنْهُ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ , وَتَمَام ذَلِكَ مِنْ الْمُجَاهَدَة أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا لِنَفْسِهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله , فَإِنَّهُ مَتَى غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ اِسْتَهْوَاهُ شَيْطَانُهُ وَنَفْسُهُ إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَنْهِيَّاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
__________________
ماهر بن ظافر القحطاني المشرف العام على مجلة معرفة السنن و الآثار maher.alqahtany@gmail.com
|