#1
|
|||
|
|||
رسالة خاصة: الصبر
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الصــبر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أمَّا بعد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله: "المصائب تكفر بها السيئات وإنما الثَّواب فإنما يكون على الصَّبر على المصيبة، وهو واجب لأنَّ الإنسان إنما يثاب على أفعاله الاختيارية". قال ابن القيم رحمه الله تعالى: و المصائب التي تحل بالعبد، وليس له حيلة في دفاعها، كموت من يعزّ عليه، وسرقة ماله، ومرضه، ونحو ذلك، فإن للعبد فيها أربع مقامات: أحدهما:مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلا ودينا ومروءة. المقام الثاني: مقام الصبر إما لله وإما للمروءة الإنسانية. المقام الثالث: مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر المقام الرابع : مقام الشكر وهو أعلى من مقام الرضى ، فإنه يشهد البليّة نعمة، فيشكر المبتلي عليها وعلى هذا أسوق لكم مقتطفات من شرح كتاب رياض الصالحين للشيخ بن عثيمين -رحمه الله- المجلَّد الأول، باب الصبر الصبر في اللغة: الحبس . والمراد به في الشَّرع: حبس النفس على أمور ثلاثة: الأول: على طاعة الله. الثاني: عن محارم الله. الثالث: على أقدار الله المؤلمة. الأمر الأول: أن يصبر الإنسان على طاعة الله لأنَّ الطَّاعة ثقيلة على النَّفس، وتصعب على الإنسان، وكذلك ربما تكون ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب، وكذلك أيضا يكون فيها مشقة من النَّاحية المالية؛ كمسألة الزَّكاة ومسالة الحجّ، فالطَّاعات فيها شيء من المشقة على النَّفس والبدن، فتحتاج إلي صبر، وإلي معاناة قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200) . الأمر الثاني: الصَّبر عن محارم الله بكف الإنسان نفسه عما حرَّم الله عليه، لأنَّ النَّفس الأمارة بالسُّوء تدعو إلي السُّوء، فيصبر الإنسان نفسه, مثل الكذب، والغش في المعاملات، وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره، والزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة؛ فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها، وهذا يحتاج أيضاً إلي معاناة، ويحتاج إلي كف النفس والهوى. أما الأمر الثالث: فهو الصَّبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأنَّ أقدار الله -عزَّ وجلّ- على الإنسان ملائمة ومؤلمة. الملائمة: تحتاج إلى الشُّكر، والشُّكر من الطَّاعات؛ فالصَّبر عليه من النَّوع الأوَّل. ومؤلمة: بحيث لا تلاءم الإنسان تكون مؤلمة؛ فيبتلي الإنسان في بدنه،ويبتلي في ماله بفقده، ويبتلي في أهله، ويبتلي في مجتمعه. وأنواع البلايا كثيرة تحتاج إلى صبر ومعاناة فيصبر الإنسان نفسه عما يحرم عليه من إظهار الجزع باللسان، أو بالقلب، أو بالجوارح لأنَّ الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات: الحالة الأولى: أن يتسخَّط والحالة الثانية: أن يصبر والحالة الثالثة: أن يرضى والحالة الرابعة: أن يشكر أماالحال الأولى: أن يتسخط إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه. التَّسخط بالقلب: أن يكون في قلبه- والعياذ بالله- شيء على ربِّه من السُّخط والشَّره على الله- والعياذ بالله- وما أشبه. ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة. وأما التَّسخط باللسان: فأن يدعو بالويل والثبور، "يا ويلاه ويا ثبوراه"، وأن يسبَّ الدهر فيؤذي الله -عزَّ وجلّ- وما أشبه ذلك. وأما التَّسخط بالجوارح: مثل أن يلطم خده، أو يصقع رأسه، أو ينتف شعره، أويشق ثوبه وما أشبه هذا. هذه حال السخط، حال الهلعين الذين حرموا الثواب، ولم ينجوا من المصيبة، بل الذين اكتسبوا الإثم فصار عندهم مصيبتان، مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا بما أتاهم مما يؤلمهم. أماالحال الثانية: فالصَّبر على المصيبة بأن يحبس نفسه، هو يكره المصيبة ولا يحبها ولا يحب أن وقعت، لكن يصبر نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضب الله، ولا يكون في قلبه شيء على الله أبدا، فهو صابر لكنه كاره لها. والحال الثالثة: الرضا؛ بأن يكون الإنسان منشرحا صدره بهذه المصيبة، ويرضي بها رضاء تاماً وكأنه لم يصب بها. والحالة الرابعة: الشكر؛ فيشكر الله عليها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما يكره قال: (( الحمد لله على كل حال)) [أخرجه ابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الحامدين، رقم (3803)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(4727).] فيشكر الله من أجل أن الله يرتب له من الثواب على هذه المعصية أكثر مما أصابه. ولهذا يذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعها، فحمدت الله على ذلك، فقالوا لها: كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. والله الموفق. *** *** *** ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200) ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليه النفس، أمَّا الإنسان الذِّي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنَّه صبر عنها، ولكن إذا دعتك نفسك إلى المعصية فاصبر واحبس النفس. وأمَّا المصابرة فهي على الطَّاعة؛ لأنَّ الطاعة فيها أمران: الأمر الأوَّل: فعل يتكلَّف به الإنسان ويلزم نفسه به. والأمر الثَّاني: ثقل على النَّفس، لأنَّ فعل الطَّاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسُّوء. فلهذا كان الصَّبر على الطَّاعة أفضل من الصَّبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَصَابِرُوا﴾ كأن أحدا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد. وأمَّا المرابطة فهي كثرة الخير والاستمرار عليه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( إِسْبَاغُ الْوُضُوءْ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمْ الرّبَاط، فَذَلِكُمْ الرّبَاط)) [أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم (251)] لأنَّ فيه استمرار في الطاعة وكثرة لفعلها. وأما التَّقوى فإنها تشمل ذلك كلَّه، لأنَّ التَّقوى اتخاذ ما بقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النَّواهي وعلى هذا فعطفها على ما سبق من باب عطف العام على الخاصّ، ثم بيَّن الله-سبحانه وتعالى- أنَّ القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح فقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين: على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب. فمن اتَّقى الله-عزَّ وجلّ- حصل له مطلوبه ونجا من مرهوبه. *** *** *** ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة:155) فقوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أي: لنختبرنكم. ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾لا الخوف كلِّه بل شيء منه؛ لأنَّ الخوف كله مهلك ومدمر، لكن بشيء منه. (( الخوف)) هو فقد الأمن، وهو أعظم من الجوع، ولهذا قدَّمه الله عليه، لكن الخائف-والعياذ بالله- لا يستقر لا في بيته ولا في سوقه، والخائف أعظم من الجائع؛ ولهذا بدأ الله به فقال: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ﴾ وأخوف ما نخاف منه ذنوبنا؛ لأنَّ الذنوب سبب لكل الويلات، وسبب للمخاطر، والمخاوف، والعقوبات الدينية، والعقوبات الدنيوية. ﴿وَالْجُوعِ﴾ يبتلي بالجوع. والجوع يحمل معنيين: المعنى الأوَّل: أن يحدث الله سبحانه في العباد وباء؛ هو وباء الجوع، بحيث يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا يمر على النَّاس، وقد مرَّ بهذه البلاد سنة معروفة عند العامَّة تسمَّى سنة الجوع، يأكل الإنسان الشَّيء الكثير ولكنه لا يشبع- والعياذ بالله-، نحدث أن الإنسان يأكل من التمر مخفراً كاملاً في آن واحد ولا يشبع-والعياذ بالله- ويأكل الخبز الكثير ولا يشبع لمرض فيه. هذا نوع من الجوع. النوع الثَّاني من الجوع: الجدب والسنون الممحلة لا يدر فيها ضرع ولا ينمو فيها زرع، هذا من الجوع. وقوله ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ﴾ يعني: نقص الاقتصاد، بحيث تصاب الأمَّة بقلَّة المادة والفقر، ويتأخر اقتصادها، وترهق حكومتها بالديون التي تأتي نتيجة لأسباب يقدرها الله -عزَّ وجلّ- ابتلاء وامتحاناً. وقوله: ﴿وَالْأَنْفُسِ﴾ أي: الموت؛ بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم وتقضي عليهم. وهذا أيضاً يحدث كثيراً ولقد حدثنا أنه حدث في هذه البلاد- أي البلاد النجدية- حدث فيها وباء عظيم تسمى سنته عند العامة( سنة الرحمة) إذا دخل الوباء في البيت لم يبق منهم أحد إلا دفن- والعياذ بالله-، يدخل في البيت فيه عشرة أنفس أو أكثر، فيصاب هذا بمرض، ومن غد الثَّاني والثَّالث والرَّابع، حتى يموتوا عن آخرهم؛ وحدثنا أنَّه قدم هذا المسجد، مسجد الجامع الكبير بعنيزة- وكان النَّاس بالأوَّل في قرية صغيرة، ليس فيها ناس كثير كما هو الحال اليوم، يقدم أحياناً في فرض الصَّلاة الواحد سبع إلى ثمان جنائز، نعوذ بالله من الأوبئة. هذا أيضاً نقص من الأنفس. وقوله: ﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ أيك أن لا يكون هناك جوع، ولكن تنقص الثمرات، تنزع بركتها في الزُّروع والنَّخيل وفي الأشجار الأخرى، والله -عزَّ وجلّ- يبتلي العباد بهذه الأمور ليذيقهم بعض الذِّي عملوا لعلهم يرجعون. فيقابل النَّاس هذه المصائب بدرجات متنوعة، بالتَّسخط، أو بالصَّبر، أو بالرضا، أو بالشُّكر كما قلناه فيما سبق. والله الموفق. *** *** *** ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (الشُّورى:43) أي: أنَّ الذِّي يصبر على أذى النَّاس ويحتملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه؛ فإنَّ ذلك ﴿لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ أي: من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلى مقابلة ومصابرة؛ ولا سيما إذا كان الأذى الذِّي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله-عزَّ وجلّ- وبسبب طاعته؛ لأنَّ أذيَّة النَّاس لك لها أسباب متعدِّدة متنوِّعة. فإذا كان سببها طاعة الله-عزَّ وجلّ-، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، فإنَّ الإنسان يثاب على ذلك من وجهين: الوجه الأول: من الأذيَّة التي تحصل له. والوجه الثَّاني: صبره على هذه الطَّاعة التي أوذي في الله من أجلها. وفي هذه الآية حث على صبر الإنسان على أذيَّة النَّاس، ومغفرته لهم ما أساؤوا إليه فيه. ولكن ينبغي أن يعلم أنَّ المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق؛ فإنَّ الله تعالى قيَّد هذا بأن يكون العفو مقروناً بالإصلاح فقال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه﴾ (الشُّورى: من الآية40)، أمَّا إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعف ولا تغفر. مثال ذلك: لو كان الذِّي أساء إليك شخصاً معروفاً بالشر والفساد، وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادة في شره. ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه، بل تأخذ بحقك من أجل الإصلاح، أمَّا إذا كان الشَّخص إذا عفوت عنه لم يترتَّب على العفو عنه مفسدة؛ فإنَّ العفو أفضل لأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه﴾ (الشُّورى: من الآية40)، وإذا كان أجرك على الله لكان خيراً لك من أن يكون ذلك بمعارضة تأخذ من أعمال صاحبك الصَّالحة. *** *** *** ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (محمَّد:31). ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾: لنختبركم: فالابتلاء بمعني الاختيار، أو البلوى بمعنى الاختيار. يعني: أنَّ الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم ليعلم من يصبر ومن لا يصبر؛ ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ (محمد:4/6) . وقوله -عزَّ وجلّ-: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ قد يتوهَّم بعض من قصر علمه أنَّ الله سبحانه لا يعلم الشَّيء حتى قع؛ وهذا غير صحيح؛ فالله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (الحجّ:70) . ومن أدَّعى أنَّ الله لا يعلم بالشَّيء إلَّا بعد وقوعه؛ فإنَّه مكذِّب لهذه الآية وأمثالها من الآيات الدَّالة على أنَّ الله تعالى قد علم الأشياء قبل أن تقع لكن العلم الذِّي في هذه الآية ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ أي: علما يترتب عليه الجزاء. وقال بعض أهل العلم: المراد بقوله: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ أي: علم ظهور، يعني حتى يظهر الشَّيء؛ لأنَّ علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون، وعلمه بعد كونه علم بأنَّه كان. وفرق بين العلمين. فالعلم الأوَّل علم بأنه سيكون، والثَّاني علم بأنه كان. ويظهر لك الفرق لو أنَّ شخصاً قال لك: سوف أفعل كذا وكذا غداً فالآن حصل عندك علم بما أخبر به، ولكن إذا فعله غدا صار عندك علم آخر؛ أي: علم بأن الشيء الذي حدثك انه سيفعله قد فعله فعلاً. فهذان وجهان في تخريج قوله تعالى ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾. الوجه الأوَّل: أنَّ المراد به العلم الذِّي يترتَّب عليه الثَّواب أو العقاب، وهذا لا يكون إلَّا بعد البلوى، بعد أن يبتلي الله العبد ويختبره. الوجه الثَّاني: أنَّ المراد به علم الظهور؛ لأنَّ علم الله بالشَّيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون، فإذا صار علمه تعالى به علماً بما كان. وقوله: ﴿الْمُجَاهِدِينَ ﴾ المجاهد: صار هو الذِّي بذل جهده إعلاء كلمة الله، فيشمل المجاهد بعلمه، والمجاهد بعلمه: الذِّي يتعلَّم العلم ويعلِّمه وينشره بين النَّاس، ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله، هذا مجاهد؛ والذِّي يحمل السِّلاح لقتال الأعداء هو أيضاً مجاهد في سبيل الله، إذا كان المقصود في الجهادين أن تكون كلمة الله هي العليا. وقوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ أي: يصبرون على ما كلِّفوا فيه من الجهاد ويتحمَّلونه ويقومون به. وقوله:﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ أي: نختبرها وتتبيَّن لنا وتظهر لنا ظهوراً يترتَّب عليه الثَّواب والعقاب. لما ذكر الله هذا الابتلاء قال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، والخطاب للنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولك من يبلغه هذا الخطاب، يعني: بشِّر يا محمَّد، وبشِّر يا من يبلغه هذا الكلام الصَّابرين الذِّين يصبرون على هذه البلوى فلا يقابلونها بالتَّسخط وإنما يقابلونها بالصبر، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالرضا، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالشُّكر. للاطلاع على بقية الشَّرح هذا والله أعلم وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين التعديل الأخير تم بواسطة أم الحميراء السلفية ; 21-08-2010 الساعة 04:56AM |
#2
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمان الرحيم
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" - (ص 97) : " وما أتي من أتي الا من قبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء وملاك ذلك الصبر فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد . وما ضُرِب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله!! خُلِقَتِ النَّارُ لإذابة القلوب القاسية! وأبعد القلوب من الله القلب القاسي! إذا قسي القلب قحطت العين..!! " انتهى كلامه رحمه الله. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|