القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية للمجلة »
موقع الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني »
المحاضرات والدروس العلمية »
الخطب المنبرية الأسبوعية »
القناة العلمية »
فهرس المقالات »
فتاوى الشيخ الجديدة »
برنامج الدروس اليومية للشيخ »
كيف أستمع لدروس الشيخ المباشرة ؟ »
خارطة الوصول للمسجد »
تزكيات أهل العلم للشيخ ماهر القحطاني »
اجعلنا صفحتك الرئيسية »
اتصل بنا »
ابحث في مجلة معرفة السنن والآثار »
ابحث في المواقع السلفية الموثوقة »
لوحة المفاتيح العربية
البث المباشر للمحاضرات العلمية
دروس الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله والتي تنقل عبر إذاعة معرفة السنن والآثار العلمية حسب توقيت مكة المكرمة حرسها الله :: الجمعة|13:00 ظهراً| كلمة منهجية ثم شرح كتاب الضمان من الملخص الفقهي للعلامة الفوزان حفظه الله وشرح السنة للبربهاري رحمه الله :: السبت|19:00| شرح كشف الشبهات للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :: الأحد|19:00 مساءً| شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي رحمه الله :: الاثنين|19:00 مساءً| شرح سنن أبي داود السجستاني:: الثلاثاء|19:00 مساءً| شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج وسنن أبي عيسى الترمذي رحمهما الله :: الأربعاء|19:00 مساءً| شرح الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله :: الخميس|19:00 مساءً| شرح صحيح الإمام البخاري رحمه الله
 
جديد فريق تفريغ المجلة


العودة   مجلة معرفة السنن والآثار العلمية > سـاحـة المجتمع والأسرة السلفية > منبر الأسرة والمجتمع السلفي
مشاركات اليوم English
نود التنبيه على أن مواعيد الاتصال الهاتفي بفضيلة الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله، ستكون بمشيئة الله تعالى من الساعة الحادية عشرة صباحاً إلى الثانية عشرة والنصف ظهراً بتوقيت مكة المكرمة، وفي جميع أيام الأسبوع عدا الخميس و الجمعة، آملين من الإخوة الكرام مراعاة هذا التوقيت، والله يحفظكم ويرعاكم «رقم جوال الشيخ: السعودية - جدة 00966506707220».

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-05-2009, 09:09PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
المجالس الأخوية في تقييد الفوائد والدرر العلمية من تفسير كلام رب البرية :: متجدد ::

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

المَجَالِسُ الأَخَويَّةُ فِي تَقْيِيِدِ الْفَوائِدِ وَالدُّرَرِ الْعِلْمِيَّةِ مِنْ تَفْسِيِرِ كَلَاَمِ رَبِّ الْبَرِيَّةِ


الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا، قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَىَ مَنْ نَزَلَ إِلَيْهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ بِكَلاَمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٍ خَاتَم الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وِمَنْ تَبِعَه بِإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، أَمَّا بَعدُ ...
"فَإنَ المجالسَ عَلَى أنـواعٍ:
مجـالسُ هــدى ومجـالسُ هــوى،
مجـالسُ خيـرٍ ومجـالسُ شـرٍ،
مجـالسُ عِلمٍ ومجـالسُ لهوٍ،
مجـالسُ شهواتٍ وشبهاتٍ ومجـالسُ آيــاتٍ وأحـاديثٍ،
مجـالسُ دنيـا ومجـالسُ آخـرةٍ،
مجـالس يقـوم أصحابُهَا كأنَّما تفرقـوا مِن جيف ومجـالس هي رياض من رياض الجنة.

ولا شك أنَّ خير المجالس هي مجـالس العِلم حيث سماها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم رياضَ الجنة فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا) قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟
قَالَ: (حِلَقُ الذِّكْرِ).
[سنن الترمذي: 5/532، رقم الحديث (3510) حسنه الألباني]"[1]


"وإن أشرف العلوم على الإطلاق وأولاها بالتفضيل على الاستحقاق وأرفعها قدرًا بالاتفاق هو: علم التفسير لكلام القوي القدير إذا كان على الوجه المعتبر في الورود، والصدر غير مشوب بشيء من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر، وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان قريبة إلى الأفهام والأذهان يعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق، ويدري بها من يميز بين كلام البشر وكلام خالق القوى والقدر فمن فهم هذا استغنى عن التطويل ومن لم يفهمه فليس بمتأهل للتحصيل، ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشامخة الأركان العالية البنيان المرتفعة المكان"[2] فقد اقترحت عليَّ أختنا وحبيبتنا الناصحة الفاضلة أم ياسر آل شاوي الجزائرية ـ جزاها الله تعالى عني خير الجزاء ـ تدارس تفسير كلام ربنا ـ عَزَّ في علاه وعَظُمَ في عالي سماه ـ فكانت هذه المجالس الأخوية التي مَنَّ الله تعالى بها عَليَّنا بفضله وتوفيقه فله الحمد في الأولى والآخـرة، تدارسنا فيها معًا إلى سورة الأعلى ثم توقفنا لأمر قدره الله تعالى، ثم اكملت بعدها القراءة والتقييد سائرة على نفس الطريقة التي ابتدأت بها مع أختنا الحبيبة ووفقًا لما نصحتني به عند بداية المدارسة، سائلة الله تعالى في كل حين أن يوفقنا ويقدر لنا العودة للمدارسة معًا.

الهدف من هذه المدارسة؟!
كان الهدف من هذه المدارسة "تدبر كلام الله سبحانه وتعالى الذي فيه الهدى والنور، والعصمة والنجاة والسعادة في الدارين، وفيه قيام الدين والدنيا، فإن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه لا لمجرد التلاوة بدون تدبر قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص: 29] فإن تدبر كلام الله تعالى وفهم معانيه هو الثمرة من تلاوته".
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى ناصحًا حامل القرآن: (ينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح بحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم معنى ما يتلوه فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح به أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا)[3].
ومَنْ جَرَّب قراءة القرآن بتدبر عَلِمَ صدق مقولة شيخ الإسلام الثاني ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى حيث قال: (فلو عَلِمَ الناسُ ما في قراءة القرآن بالتدبر، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها)[4].

لماذا تفسير الشيخ الفقيه العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى؟
كان الاقتراح البدء في المرحلة الأولى بتفسير الشيخ الفقيه العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى لجزء عَمَّ، وتم اختيار تفسير الشيخ رحمه الله تعالى نظرًا لميزات تميز بها تفسيره من: وضوح العبارة، ودقة المعنى، وتفسير القرآن بالقرآن، والبعد عن التكلف، إضافـة إلى الوعـظ بالقـرآن الكريم، وكفى بـه موعظـة؛ فجمع رحمه الله تعالى في هذا التفسير بين بيان المعنى والوعـظ بكتاب الله تعالى.

ما سبب اختيار جزء عَمَّ؟!!
أمَّا سبب اختيار هذا الجزء ـ أي جزء عَمَّ ـ كمرحلة أولى فالسبب كما ذكره الشيخ العثيمين حيث قال رحمه الله تعالى: (اخترنا هذا الجزء؛ لأنه يُقرأ كثيرًا في الصلوات، فيحسن أن يعرف معاني هذا الجزء).

كيف كانت خطـة المدارسـة؟
كانت خطة المدارسة بيننا هي كالتالي: قراءة الشرح كاملًا لكل سورة ثم تحديد الفوائد، فعنونتها وتدوينها كاملة في كراس خاص، وفي نهاية كل سورة نقوم بعمل فهرسة لهذه الفوائد، وهكذا عند الانتهاء من الكتاب يتحصل لنا فهرسة موضوعية يسيرة للكتاب كله بإذن الله تعالى.

وفي هذه المشاركة سأضع أسبوعيًا إن شاء الله تعالى فوائد مختارة لكل سورة من الفوائد التي تم تقييدها وليست كلها، مع دعوة للأخوات خاصة ولغيرهن عامة للاستفادة من هذه الفوائد القيَّمة وذلك يتطلب أولًا استحضار النية فإن وجدت فتنقيتها من الشوائب التي قد تتخللها لتكون خالصة لله وحده سبحانه وتعالى، وثانيًا حاولي أختي أن تنقلي هذه الفوائد إلى عائلتك كبيرهم وصغيرهم واحسني اختيار الوقت المناسب لذلك، وبعد حين ستجدي تشوق وتلهف منهم للمزيد، وبذلك سنساهم برفع الجهل عن أنفسنا وأهلنا في فهم كلام ربنا والله تعالى أعلى وأعلم.
وجزى اللهُ خيرًا مَن كانت ناصحة لي في البدء بهذه القراءة والتقييد،
واسأله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا ويوفقنا لطاعته ويرزقنا حسن الخاتمة والمآل.

أختكم في الله أم سلمة


ـــــــــــــــــــ
[1] من سلسلة (مجالس العلم) الشريط الصوتي رقم (1) للشيخ محمد بن رمزان الهاجري جزاه الله خيرا.
[2] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: للعلَّامة محمد بن علي الشوكاني، 1/17 نقلًا عن النسخة الألكترونية للكتاب.
[3] الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمن من السُّنَّة وأحكام الفرقان: للعلَّامة الإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح القرطبي، 1/53 نقلًا عن النسخة الألكترونية للكتاب.
[4] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة: لشيخ الإسلام الثاني ابن قيم الجوزية أبي عبدالله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي 1/187 نقلًا عن النسخة الألكترونية للكتاب.

التعديل الأخير تم بواسطة أم ياسر آل شاوي الجزائرية ; 18-05-2009 الساعة 01:49PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-05-2009, 09:12PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
:: مع سورة الفاتحة ::

d فَوَائِدٌ مُخْتَارَةٌ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحةِ c
ــــــــــــــــ

لماذا سُميتْ هذه السورة بالفاتحة؟
سورة الفاتحة سمِّيت بذلك؛ لأنه افتتح بها القرآن الكريم؛ وقد قيل: إنها أول سورة نزلت كاملة.

لماذا سُميتْ هذه السورة بأُمّ القرآن؟
هذه السورة قال العلماء: إنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد، والأحكام، والجزاء، وطُرق بني آدم، وغير ذلك؛ ولذلك سمِّيت (أم القرآن)[1]؛ والمرجع للشيء يسمى (أُمًّا).

ما هي مميزات سورة الفاتحة؟
هذه السورة لها مميزات تتميّز بها عن غيرها؛ منها:
· أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين: فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
· ومنها أنها رقية: إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال للذي قرأ على اللديغ، فبرئ: (وما يدريك أنها رقية)[2].

:: ذِكْـرُ بعض بِدع النَّاسِ في سورةِ الفاتحةِ ::
ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة:
· فصاروا يختمون بها الدعاء.
· ويبتدئون بها الخُطب.
· ويقرؤونها عند بعض المناسبات.
وهذا غلط: تجده مثلًا إذا دعا، ثم دعا قال لمن حوله: (الفاتحة)، يعني اقرؤوا الفاتحة؛ وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه، أو في أحواله وهذا أيضًا غلط؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، والاتِّباع.

=====================================

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ


فائـدة عقديـة: هل الرحمة التي أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه في البسملة حقيقية؟! وما الدليل؟
الرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل.
ـ أما السمع: فهو ما جاء في الكتاب والسُّنَّة من إثبات الرحمة لله، وهو كثير جداً.
ـ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله.

الرد على أهل التحريف ممـَّن حَرَّف الرحمة الحقيقية إلى الإنعام أو إرادة الإنعام
أنكر قوم وصف الله تعالى بالرحمة الحقيقية، وحرّفوها إلى الإنعام، أو إرادة الإنعام، زعماً منهم أن العقل يحيل وصف الله بذلك؛ قالوا: (لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة؛ وهذا لا يليق بالله عزّ وجلّ).
والرد عليهم من وجهين:
ـ الوجه الأول: منع أن يكون في الرحمة خضوع، وانكسار، ورقة؛ لأننا نجد من الملوك الأقوياء رحمة دون أن يكون منهم خضوع، ورقة، وانكسار.
ـ الوجه الثاني: أنه لو كان هذا من لوازم الرحمة، ومقتضياتها فإنما هي رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق سبحانه وتعالى فهي تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصاً بوجه من الوجوه.

* ثم نقول: إن العقل يدل على ثبوت الرحمة الحقيقية لله عزّ وجلّ، فإن ما نشاهده في المخلوقات من الرحمة بَيْنها يدل على رحمة الله عزّ وجلّ؛ ولأن الرحمة كمال؛ والله أحق بالكمال؛ ثم إن ما نشاهده من الرحمة التي يختص الله بها ـ كإنزال المطر، وإزالة الجدب، وما أشبه ذلك ـ يدل على رحمة الله.
* والعجب أن منكري وصف الله بالرحمة الحقيقية بحجة أن العقل لا يدل عليها، أو أنه يحيلها، قد أثبتوا لله إرادة حقيقية بحجة عقلية أخفى من الحجة العقلية على رحمة الله، حيث قالوا: إن تخصيص بعض المخلوقات بما تتميز به يدل عقلاً على الإرادة؛ ولا شك أن هذا صحيح؛ ولكنه بالنسبة لدلالة آثار الرحمة عليها أخفى بكثير؛ لأنه لا يتفطن له إلا أهل النباهة؛ وأما آثار الرحمة فيعرفه حتى العوام، فإنك لو سألت عامياً صباح ليلة المطر: (بِمَ مطرنا؟)، لقال: (بفضل الله، ورحمته).

:: مسألـة فقهيـة: هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟!::
في هذا خلاف بين العلماء؛ فمنهم من يقول: إنها آية من الفاتحة، ويقرأ بها جهراً في الصلاة الجهرية، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة؛ لأنها من الفاتحة؛ ومنهم من يقول: إنها ليست من الفاتحة؛ ولكنها آية مستقلة من كتاب الله؛ وهذا القول هو الحق؛ ودليل هذا: النص، وسياق السورة.

ـ الدليل النصي على أن البسملة ليست من سورة الفاتحة
قد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَالَ:
(قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ
فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ : (الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي
فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
فَإِذَا قَالَ: (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) ... إلخ
قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)[3].
وهذا كالنص على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ وفي الصحيح عَنْ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَأَبِي بَكْرٍ ‏وَعُمَرَ‏ ‏وَعُثْمَانَ فَكَانُوا لَا يَذْكُرُونَ ‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏‏فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا)[4] والمراد لا يجهرون.
والتمييز بينها وبين الفاتحة في الجهر وعدمه يدل على أنها ليست منها.

ـ الدليل من سياق السورة على أنَّ البسملة ليست من الفاتحة: وهذا يأتي من جهتين: من حيث المعنى، ومن حيث اللفظ
* جهـة السيـاق من حيث المعنى: فالفاتحة سبع آيات بالاتفاق؛ وإذا أردت أن توزع سبع الآية على موضوع السورة وجدت أن نصفها هو قوله تعالى:
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهي الآية التي قال الله فيها: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)؛ لأن (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): واحدة؛ (الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ): الثانية؛ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ): الثالثة؛ وكلها حق لله عزّ وجلّ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ): الرابعة ـ يعني الوسَط ـ؛ وهي قسمان: قسم منها حق لله؛ وقسم حق للعبد؛ (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) للعبد؛ (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) للعبد؛ (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) للعبد..
فتكون ثلاث آيات لله عزّ وجل وهي الثلاث الأولى؛ وثلاث آيات للعبد وهي الثلاث الأخيرة؛ وواحدة بين العبد وربِّه وهي الرابعة الوسطى.

* جهة السياق من حيث اللفظ: إذا قلنا: إن البسملة آية من الفاتحة لَزِمَ أن تكون الآية السابعة طويلة على قدر آيتين؛ ومن المعلوم أن تقارب الآية في الطول والقصر هو الأصل.
فالصواب الذي لاشك فيه أن البسملة ليست من الفاتحة كما أن البسملة ليست من بقية السور.

=====================================

(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

ما معنى لفظ الجلالة (الله)؟
الله: اسمَ ربنا عَزَّ وجلَّ؛ لا يسمى به غيره؛ ومعناه: المألوه. أي المعبود حبًا، وتعظيمًا.

ما معنى الرب؟
الرب: هو من اجتمع فيه ثلاثة أوصاف: الخلق، والملك، والتدبير؛ فهو الخالق المالك لكل شيء المدبر لجميع الأمور.

لماذا وُصِفَتِ المخلوقات عَالم؟
قال العلماء: كل ما سوى الله فهو من العالَم؛ وُصفوا بذلك؛ لأنهم عَلَم على خالقهم سبحانه وتعالى؛ ففي كل شيء من المخلوقات آية تدل على الخالق: على قدرته، وحكمته، ورحمته، وعزته، وغير ذلك من معاني ربوبيته.

:: فائـدة في تقديم اسم (الله) على الرب في الآية ::
في هذه الآية تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية؛ وهذا إما لأن "الله" هو الاسم العَلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط.

فائـدة فقهية: ماذا يقول المؤمن إذا اصابته سراء، وماذا يقول إذا أصابه خلاف ذلك؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)؛ وإذا أصابه خلاف ذلك قال: (الحمد لله على كل حال).

=====================================

(الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ)

ما العلاقة بين اسمي الرحمن والرحيم؟
الرحمن: هو ذو الرحمة الواسعة.
والرحيم: هو ذو الرحمة الواصلة.
فـ (الرحمن) وصفه؛ و (الرحيم) فعله؛ ولو أنه جيء بـ (الرحمن) وحده، أو بـ (الرحيم) وحده لشمل الوصف، والفعل؛ لكن إذا اقترنا فُسِّر (الرحمن) بالوصف؛ و (الرحيم) بالفعل.

=====================================

(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)

:: فائـدة في الجمع بين قراءتين لقوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ::
في قوله تعالى: (مالك) قراءة سبعية: (مَلِك)، و(الملك) أخص من (المالك).
وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جَلَّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكًا، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكًا اسمًا وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكًا، ولا يكون ملكًا: كعامة الناس؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ مَلِك.

ما الغاية من إثبات مُلك الله تعالى وملكوته يوم الدِّين؟ أليس هو سبحانه مالك يوم الدِّين والدنيا؟!!
الجواب: بلى؛ لكن ظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه، إنما يكون في ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى ينادي: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر: 16] ؛ في الدنيا يظهر ملوك؛ بل يظهر ملوك يعتقد شعوبهم أنه لا مالك إلا هم؛ فالشيوعيون مثلًا لا يرون أن هناك ربًا للسماوات، والأرض؛ يرون أن الحياة: أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ وأن ربهم هو رئيسه.

=====================================

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

فائـدة عقديـة: لماذا جمع اللهُ سبحانه وتعالى بين العبادة والاستعانة في قوله عَزَّ وجَلَّ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)؟
العبادة: تستلزم أن يقوم الإنسان بكل ما أُمر به، وأن يترك كل ما نُهي عنه؛ ولا يمكن أن يكون قيامه هذا بغير معونة الله؛ ولهذا قال تعالى: (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي لا نستعين إلا إياك على العبادة، وغيرها؛ و(الاستعانة) طلب العون؛ والله سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة، والاستعانة، أو التوكل في مواطن عدة في القرآن الكريم؛ لأنه لا قيام بالعبادة على الوجه الأكمل إلا بمعونة الله، والتفويض إليه، والتوكل عليه.

رد على شبهة كيف تثبتون إخلاص الاستعانة بالله وقد جاء في القرآن إثبات المعونة من غير الله جَلَّ وعلا؟!
إن قال قائل: كيف يُقال: إخلاص الاستعانة لله وقد جاء في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2] إثبات المعونة من غير الله عزّ وجلّ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة)[5]؟
فالجواب: أن الاستعانـة نوعـان:
ـ استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد على الله عزّ وجلّ، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ.
ـ واستعانة بمعنى المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حيًا قادرًا على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة؛ ولهذا قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].

فائـدة عقديـة: هل الاستعانـة بالمخلوق جائـزة في جميع الأحـوال؟
الجواب: لا؛ الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز حيث كان المستعان به قادرًا عليها؛ وأما إذا لم يكن قادرًا فإنه لا يجوز أن تستعين به: كما لو استعان بصاحب قبر فهذا حرام؛ بل شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يغني عن نفسه شيئًا؛ فكيف يعينه!!! وكما لو استعان بغائب في أمر لا يقدر عليه، مثل أن يعتقد أن الوليّ الذي في شرق الدنيا يعينه على مهمته في بلده: فهذا أيضًا شرك أكبر؛ لأنه لا يقدر أن يعينه وهو هناك.

فائـدة عقديـة وتربويـة: هل يجوز أن يستعين المخلوق فيما تجوز استعانته به؟
فالجواب: الأولى أن لا يستعين بأحد إلا عند الحاجة، أو إذا علم أن صاحبه يُسَر بذلك، فيستعين به من أجل إدخال السرور عليه؛ وينبغي لمن طلبت منه الإعانة على غير الإثم والعدوان أن يستجيب لذلك.

=====================================

(اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)

بلاغـة قرآنيـة: فائـدة في حذف حرف الجر (إلى) من قوله تعالى: (اهدِنَا)؟
الفائدة من ذلك: لأجل أن تتضمن طلب الهداية: التي هي هداية العلم، وهداية التوفيق؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين:
هداية علم، وإرشاد.
وهداية توفيق، وعمل.
فالأولى ليس فيها إلا مجرد الدلالة؛ والله عزّ وجلّ قد هدى بهذا المعنى جميع الناس، كما في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ) [البقرة: 185] ؛ والثانية فيها التوفيق للهدى، واتباع الشريعة، كما في قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2] وهذه قد يُحْرَمهَا بعض الناس، كما قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) [فصلت: 17] : (فَهَدَيْنَاهُمْ) أي بيّنّا لهم الحق، ودَلَلْناهم عليه؛ ولكنهم لم يوفقوا.

=====================================

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ * غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)

فائـدة منهجية وسلوكية وتربوية: لماذا لا ينبغي القراءة عند العامة بالقراءة التي ليست في المصحف بين أيدي النَّاس؟!
اعْلَمْ أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أيدي الناس لا تنبغي القراءة بها عند العامة لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن العامة إذا رأوا هذا القرآن العظيم الذي قد ملأ قلوبهم تعظيمه، واحترامه إذا رأوه مرةً كذا، ومرة كذا تنزل منزلته عندهم؛ لأنهم عوام لا يُفرقون.
الوجه الثاني: أن القارئ يُتهم بأنه لا يعرف؛ لأنه قرأ عند العامة بما لا يعرفونه؛ فيبقى هذا القارئ حديث العوام في مجالسهم.
الوجه الثالث: أنه إذا أحسن العامي الظن بهذا القارئ، وأن عنده علمًا بما قرأ، فذهب يقلده، فربما يخطئ، ثم يقرأ القرآن لا على قراءة المصحف، ولا على قراءة التالي الذي قرأها، وهذه مفسدة.
ولهذا قال عليّ: (حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذب الله، ورسوله)[6].
وقال ابن مسعود: (إنك لا تحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)[7].
وعمر بن الخطاب لما سمع هشام بن الحكم يقرأ آية لم يسمعها عمر على الوجه الذي قرأها هشام خاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهشام: (اقرأ)، فلما قرأ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (هكذا أنزلت)، ثم قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّملعمر: (اقرأ)، فلما قرأ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (هكذا أنزلت)[8]؛ لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فكان الناس يقرؤون بها حتى جمعها عثمان رضي الله عنه على حرف واحد حين تنازع الناس في هذه الأحرف، فخاف رضي الله عنه أن يشتد الخلاف، فجمعها في حرف واحد ـ وهو حرف قريش ـ؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي نزل عليه القرآن بُعث منهم؛ ونُسيَت الأحرف الأخرى؛ فإذا كان عمر رضي الله عنه فعل ما فعل بصحابي، فما بالك بعامي يسمعك تقرأ غير قراءة المصحف المعروف عنده؟!!
والحمد لله: ما دام العلماء متفقين على أنه لا يجب أن يقرأ الإنسان بكل قراءة، وأنه لو اقتصر على واحدة من القراءات فلا بأس؛ فدعْ الفتنـة، وأسبابهـا.

:: فائـدة استخدام طريقة الإجمال ثم التفصيل في بيان المراد، في قوله تعالى: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) ::
فائدتـه: إن النفس إذا جاء المجمل تترقب، وتتشوق للتفصيل، والبيان؛ فإذا جاء التفصيل ورد على نفس مستعدة لقبوله متشوقة إليه.
ثم فيه فائدة ثانية هنا: وهو بيان أن الذين أنعم الله عليهم على الصراط المستقيم.

ما أسباب الخروج عن الصراط المستقيم؟
· إما الجهل.
· أو العناد.

انتهى ما أردتُ نقله هنا من فوائد من شرح الشيخ العلَّامـة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
على هذه السورة، وأخيرًا انقل قول الشيخ بعد انتهائه من شرحها حيث قال رحمه الله تعالى:
"على كل حال السورة هذه عظيمة؛ ولا يمكن لا لي، ولا لغيري أن يحيط بمعانيها العظيمة؛ لكن هذا قطرة من بحر؛ ومن أراد التوسع في ذلك فعليه بكتاب (مدارج السالكين) لابن القيم رحمه الله".

ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري في صحيحه: ص61، كتاب (الأذان)، باب (104: القراءة في الفجر)، حديث رقم (772)؛ وأخرجه مسلم في صحيحه: ص740، في كتاب (الصلاة)، باب (11: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة)، حديث رقم (878 [38] 395)؛ وأخرجه الترمذي في جامعه: ص1968، كتاب (تفسير القرآن)، باب (15: ومن سورة الحجر)، حديث رقم (3124)، ولفظه: (الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه: ص177، كتاب (الإجارة)، باب (16: ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب)، حديث رقم (2276)؛ وأخرجه مسلم في صحيحه: ص1068، كتاب (السلام)، باب (23: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار)، حديث رقم (5733 [65] 2201).
[3] أخرجه مسلم في صحيحه: ص740، كتاب (الصلاة)، باب (11: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة)، حديث رقم (878 [38] 395).
[4] أخرجه مسلم في صحيحه: ص741، كتاب (الصلاة)، باب (13: حجة من قال: لا يجهر بالبسملة)، حديث (رقم 892 [52] 399).
[5] أخرجه البخاري: ص232، كتاب (الجهاد)، باب (72: فضل من حمل متاع صاحبه في السفر)، حديث رقم (2891)؛ وأخرجه مسلم: ص837، كتاب (الزكاة)، باب (16: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف)، حديث رقم (2335 [56] 1009)، واللفظ لمسلم.
[6] أخرجه البخاري: ص14، كتاب (العلم)، باب (49: من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا)، رقم (127).
[7] أخرجه مسلم: ص675، (مقدمة الكتاب)، رقم (14).
[8] أخرجه البخاري: ص189، كتاب (الخصومات)، باب (4: كلام الخصوم بعضهم في بعض)، حديث (رقم 2419)؛ وأخرجه مسلم: ص805 – 806، كتاب (صلاة المسافرين)، كتاب (فضائل القرآن وما يتعلق به)، باب (48: بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناها)، حديث (رقم 1899 [270] 818).

التعديل الأخير تم بواسطة أم ياسر آل شاوي الجزائرية ; 18-05-2009 الساعة 01:53PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-05-2009, 01:51PM
أم ياسر آل شاوي الجزائرية
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمـ الله الرحمان الرحيم



الفاتحة ...أمّ الكتاب...
وما أدراك ما أمّ الكتاب !!


*عظّم الله تعالى شأنها وأعلى قدرها،
وأجمل فيها ما فصّل -في قرآنه الكريم -بعدها،
فاشتملت على مقاصده كلّها، على توحيده بأنواعه الثلاثة،
و على يوم الدين والمعاد، وعلى طرق الأنبياء وأعدائهم وتقسيم الخليقة
لأقسام ثلاثة وفيها فضيلة الدعاء وفيها طلب الهداية وسبيلها،
وغيرها من الأسرار والعجائب والحكم والفوائد
في آيات قليلة وإيجاز بليغ لا عجب بعده أن تسمّى: بـأمّ الكتاب!


* افتتح الله بها كتابه القرآن فسماها "القرآن"!
وخصّها بالذكر فقال:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾الحجر87
فكان من باب إطلاق العام وإرادة الخاص تعظيما وتبجيلا لها.
-قال أبو الوليد الباجي –رحمه الله- في كتاب الصلاة من المنتقى:
[... وإنما قيل لها القرآن على معنى التخصيص لها بهذا الإسم
وإن كان كلّ شيء من القرآن قرآنا عظيمًا كما يقال في الكعبة
"بيت الله" وإن كانت البيوت كلّها بيوت الله ولكن على سبيل
التخصيص والتعظيم لمكة].


* وفرض على عباده أن يفتتحوا بها الصلاة وسمّاها "الصلاة"!
كما جاء في مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أنَّ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ
بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ..."
-قال الباجي-رحمه الله في المنتقى:[قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي
وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ" ثُمَّ عَدَّ آيَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَسَمَّاهَا صَلَاةً لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الدُّعَاءُ وَهَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ
الَّتِي أُمِرْنَا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ
وَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا :
أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَقَعُ تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ
مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ .
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْصِيصُ وَالْبَيَانُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهَا .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ
لَكِنَّهُ سَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَاةً لَمَّا كَانَتْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا
وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. ]أهـ



-قال الشيخ العلاّمة الألباني رحمه الله تعليقا على قول الله تعالى
في الحديث القدسي:"قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عَبدِي ..."الحديث،
قال: أي الفاتحةُ وهُو إطلاقُ الكلّ وإرادةُ الجزءِ تعظيماً.
صفة صلاة النبي-عليه السلام-(الكتاب الأمّ)ص 314/طبعة المعارف.


* وأمر أن يُنَـادَى في الخلائق بقدرها الكريم،
ومنزلتها الرفيعة العالية في الصلاة فعن أبي هريرة قال:
"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنـادي أنّه
لاصلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد"
صحيح سنن أبي داود رقم 733ص 154 /
كتاب الصلاة والأذان والمساجد
مكتب التربية العربي لدول الخليج.


* وفي التكرار والتأكيد والتشديد على قراءتها ما صحّ عن أبي هريرة
–رضي الله عنه-أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خِداج، فهي خِداج،
فهي خِداج، غير تمام"
صحيح أبي داود/رقم 734/
كتاب الصلاة والأذان والمساجد/
مكتب التربية العربي لدول الخليج.


* وعن أبي سعيد بن المعلّى أنّ الرسول قال له :
"...لأعلمنّك أعظم سورة من القرآن ... قبل أن أخرج من المسجد،
قال: قلت:يا رسول الله قولك! قال:
الحمد لله ربّ العالمين هي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم".
صحيح أبي داود رقم 1294 /ص 273
كتاب الصلاة والأذان والمساجد/
طبعة مكتب التربية.


ومن بديع أقوال شيخ الإسلام الثاني الطبيب الربّاني إبن قيّم الجوزية
–رحمه الله- في سَـفْرِهِ النفيسِ "زاد المعـاد" :
[فَاتِحَةُ الْكِتاب، وأُمُّ القرآن، والسبعُ المثانى، والشفاءُ التام، والدواءُ النافع،
والرُّقيةُ التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظةُ القوة، ودافعةُ الهم والغم
والخوف والحزن لمن عرف مقدارَها وأعطاها حقَّها، وأحسنَ تنزيلها على دائه،
وعَرَفَ وجهَ الاستشفاء والتداوى بها، والسرَّ الذى لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك، رقى بها اللَّديغ، فبرأ لوقته.
فقال له النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وما أدراك أنَّها رُقْيَة".
ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرارِ هذه السورة،
وما اشتملت عليه مِنَ التوحيد، ومعرفةِ الذات والأسماء والصفات والأفعال،
وإثباتِ الشرع والقَدَر والمعاد، وتجريدِ توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل
والتفويض إلى مَن له الأمر كُلُّه، وله الحمدُ كُلُّه، وبيده الخيرُ كُلُّه،
وإليه يرجع الأمرُ كُلُّه، والافتقار إليه فى طلب الهداية التى هى أصلُ سعادة الدارين،وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما،
وأنَّ العاقبةَ المطلقة التامة، والنعمةَ الكاملةَ مَنوطةٌ بها،
موقوفةٌ على التحقق بها، أغنتهُ عن كثيرٍ من الأدوية والرُّقى،
واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشرّ أسبابَه،...
وتاللهِ لا تجدُ مقالةً فاسدةً، ولا بدعةً باطلةً
إلاّ وفاتحةُ الكتابِ متضمِّنة لردّها وإبطالها بأقرب الطُرُق،
وأصحِّها وأوضحِها، ولا تجدُ باباً من أبواب المعارف الإلهية،
وأعمالِ القلوب وأدويتها مِن عللها وأسقامها
إلاّ وفى فاتحة الكتاب مفتاحُه، وموضعُ الدلالة عليه،
ولا منزلاً من منازل السائرين إلى
ربِّ العالمين إلا وبدايتُه ونهايتُه فيها... ]
زاد المعاد 4/348 طبعة دار الرسالة.


هذا فيضٌ من غيض وقطرٌ من بحر
من فضائل هذه السورة العظيمة عند الله تبارك وتعالى...
ومن شاء الإستزادة والنهل من بحور علومها الغزيرة
والتفقه في حِكمها الباهرة وأسرارها العجيبة في الاستشفاء الروحي
والبدني فعليه بكتب شيخ الإسلام إبن تيمة الحرّاني
وتلميذه البارّ إبن قيم الجوزية ففيها الشِفَا والكِفَا .


قال الشاعر:
ألم تر أن الله أعطاك سورةً *** ترى كلَّ ملكٍ دونها يتذبذبُ.
والله وليّ التوفيق.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-05-2009, 01:56PM
أم ياسر آل شاوي الجزائرية
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

وبعـدُ:
فإنّه من دواعي البشر والحبور وجوالب الفرح والسرور

أن ضمّني الله تعالى ذات أيام سعيدة عامرة بالخير
في مجالس عديدة خيّرة عبر النت مع أختي المجدّة الفاضلة
-أحسبها وربي حسيبها- أم سلمة المالكية الأثرية
نتدارس فيها تفسير كتاب الله تعالى الذي هو خير ما اشتغل به المسلم
في دينه علما وتعلّما وتفقّها وتدبّرا ففيه الخير كلّه والبركة كلّها
والراحة النفسية التي والله لا -وربي-تشترى بأموال الدنيا الدنية الفانية!
وكان الاتفاق بالبدء بجزء عمّ للعلاّمة الحبر محمد بن صالح العثيمين رحمه الله،
وبالفعل؛ وحقيقة، سارت الدروس بانتظام لمستوى متقدّم جدا في الكتاب
لولا أنّ الله قدّر في علاه شيئا من صوارف الدنيا الفانية
وعسى ربنا أن ييسر لنا جميعا كلّ الخير فلا سهل إلاّ ما سهله هو ،
وهو وحده يجعل الحَزْنَ إذا شاء سهلاً.
ولم يمنع الصارف والمرض –شفى الله سائر المؤمنين-أو أي عائق
من أن تكمل كلّ واحدة دروس التفسير بمفردها وتدوين الفوائد في كراسة
إلى نهاية التفسير ، مع البرنامج اليومي المعتاد في العلوم الشرعية
الذي لا ولن ينتهي حتى يلفظ المؤمن أنفاسه الأخيرة،
إذ العلم من المحبرة إلى المقبرة كما أثر عن الإمام المبجّل أحمد رحمه الله
وهو النَفَسُ والأنفاس.فالحمد لله حمدا طيب مباركا فيه.
وكما ذكرت أختي الكريمة وأذكّر به من باب زيادة ترسيخ الخطة المتبعة
لمن أراد من إخواننا الرجال أن يسير عليها أو ابتغت من حبيباتنا في الله أن تحذو حذوها من باب نشر الخير ونفع الإخوان والأخوات في الله،
وكذا من التذكير بأمر جدّ مهم في هذه المدارسة الماتعة؛
أنّنا عزمنا على عمل فهرسة نهائية للجزء كلّه فكان شرطنا في العمل كالتالي:

-1- القراءة الصوتية المتداولة بيننا، وإن كان أغلب القراءة كانت من طرفها
حفظها الله وأنا أستفيد بالسماع مع تصحيح القراءة عند أي لحن أو خطأ نحوي
والحرص على التركيز والتدبّر لكل ّكلمة وحرف بداية من الآية إلى شرح الشيخ لها رحمه الله.


-2- انتقاء الفوائد بدقّة سواء كانت موجزة أو مطوّلة والتعليم
عليها بقلم رصاص للتفرغ فيما بعد لتدوينها في كراسة منظمة
مرتبة في البيت.إذ ما أكثر ما كرّه إليّ ربي الإعتماد الكلّي على النت
وهجر كراريس العلم الغالية وصرير الأقلام والكتب العلمية
التي هجر عند الكثير أكثرها بسبب النت والشاملة والجوجل
للأسف الشديد.والله الهادي.


-3- عمل فهرسة لبعض الفوائد أو –لنقل من أهمّها-لكلّ سورة بعد نهايتها.


-4- جمع الفهارس المتحصلة من كل سورة في ملف واحد
يحتوي فهرس جزء عمّ للعلامة العثيمين -رحمه الله- بكامله.


-5- ثم بعد ذلك -وهذا ما لعلّ نسيته أختنا الكريمة في ذكر خطة المدارسة آنفا-
نعمد إلى فهرسة تلك الفوائد فنفرزها ونقسمها حسب المجالات والمحاور العلمية :
فوائد عقدية، فقهية،منهجية،حديثية،سلوكي ة تربوية،وعظية ...
وهكذا دواليكم-حفظكم الله أجمعين-.
وفهرسة هذا الجزء اللطيف للشيخ رحمه الله من الأهمية البالغة بمكان
إذ –على عكس ما يُظنّ- الكتاب ليس كتاب تفسير فحسب
بل كم فيه من فتاوى فقهية في حوادث ربما لا تجدها إلاّ فيه
وكم فيه من أحكام عقدية وكم فيه من أجوبة على أسئلة أو إشكالات علمية
لطالما بحث عنها الكثير.


-6- ثم خطوة أخيرة وهذه نتركها مفاجأة وهدية لطيفة لجيع
طلاّب العلم وطالباته
بعد نهاية وإكمال هذا النقل المبارك من أختنا الكريمة والذي فاجأتني بقرارها بوضعه في النت -وفق الله وسدّد أهلها- واستأذنتني في ذلك فرحبت وسررت
عسى المولى أن يعين ويوفق فتستيقظ -من بعد رقاد وخور- أنفسٌ وسنانة
وتُستخدم في العلمِ ونشره أبدانٌ خائرة كسلانة.

وأشكر المشرفين -وفقهم الله- على تثبيت الخير فزادهم الله حرصا
ووفقهم وسائر المؤمنين للهدى والخير وسدد بالحق ممشاهم.
كما أحثّ -اقتراحا ليس إلاّ- باقي أخواتنا الحبيبات على نشر هذا الخير
في المنتديات ليتشجع الأخوات على طلب العلم الشرعي
إذ في هذه المدارسة بحمد الله أنموذجا طيبا وإثباتا أكيدا على
أن النت وسيلة ذات حدّين من استخدمه في الخير وطلب العلم
والاستزادة منه بسماع الدروس وتحميلها وطلب الكتب المفقودة منه
وعدم الإدمان عليه ناله من الخير والهدى وزيادة الإيمان ما يثلج صدره
ويقرّ فؤاده. ومن رام غير ذلك واستزلّه الشيطان للفتن والقيل والقال
وضياع الأنفاس في تتبع قصص فلان وفلانة وتصيّد الأخبار وترك العلم الشرعي
الذي هو حقيقةً -وبالأولية والأولوية-في أماكنه كالمساجد والبيوت ونحوها
وفي مظانّه ومصادره من كتب وتآليف وأشرطة مسموعة لا في النت
الذي اشتكت إلي من سوء استعماله طالبات علم كنّ على خير
فضعن بسبب الإفراط والتوسع والإنفلات فيه!
بل وحتى ربّات بيوت فاضلات طيبات كنّ في هدوء ومعزل
ومأمن وعبادة واستفادة فضيّعهن النت والتوسع فيه والإكثار
من الإشراف هنا وهناك حتى استزل النت بعضهن إلى
الترأس والتعالم والفتوى بغير علم –كما شكت لي إحداهن لمّا التقيتها في بيتي-
حفظها الله.فتدخل الواحدة ابتغاء الخير وطلب الفائدة والعلم وزيادة التقوى
فإذا بها –مع قلة الناصح الشفيق وكثرة الشبيه من الغرقى وعموم الفتنة والبلوى-
تضيع وتغرق في خضم أمواج فتن وخلافات ونزاعات وخصومات
كانت في مأمن عنها والله قد أراحها منها فأبت إلاّ أن تضيع نعمة الله
بضياع وقتها وعبادتها وتفرّغ قلبها للعبادة والعلم في بيتها.
قال ابن حزم الأندلسي-رحمه الله- في كتابه المعطار "الأخلاق والسير":
((لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه
يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية ومطارح الآمال
التي لا تفيد غير الهمّ وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس
لكان ذلك أعظم داع إليه،
فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره!))

فالعلم في البيوت يا نساء الإسلام
والنت وسيلة فقط ونقطة وصل بينك وبين دروس أهل العلم وكتبهم
أو في لقاء مع أخت تعينك على طاعة الله وتنصحك وتوجهك.
ويبقى أصل التعلّم ومكانه والسهر عليه والعناء فيه ومعاناته إنما هو بيتك الآمن
من كل فتن ومملكتك الغالية مع أهلك ووالديك أو زوجك وأبنائك.


وكم أعجبني-يوما- لمّا قرأت عيني صدفة شعرا طيبا لأخينا الفاضل
الشيخ عبد الحميد الجهني-سدده الله للخير- إذ قال:
...
ومنهم مَن يُضيعُ العُمْرَ فيه *** ويَحْسبُ أنه يزداد علمـا
قليلٌ ما يكون ( النت ) خيراً***وأكثر ما يكون ( النت ) إثما.


ثمّ علّق أخ عليه-وفقه الله-بشعر مفيد لطيف قال:


لأهل الخير كان (النت ) خيراً *** وأهل الشرّ لهم ظلما واثماً
فكن حذرا أخيوالزم طريقا *** هُديت فضائل ولزمت حِلمًا
ودع عنك التطلّع في المواقع***فتسلم من وقوع الاثم دومًا
...
وإن –بعد هذا-أخيّة ويا بنيّة كنت في شكّ وريب من نصحي وشفقتي
فاسمعي واقرئي لربّ العزّة الذي يتوفاني يوما ويتوفاك إذ يقول:
﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُـوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾الأحزاب34


وصلّي اللهم وسلّم على نبينا الكريم المختار
وآله الأطهار، وارضى اللهم على خير البرية من بعده صحبه الأخيار.
والله الموفّق.


و مرفق هنا فهرسة أولى لفوائد سورة الفاتحة ويتبع إن قدّر ربّي لي
ويسّر وبارك مع كلّ نهاية سورة تعليق وتوجيه لي ولإخواني وأخواتي وفهرسة ...


http://www.salafishare.com/arabic/28...F4/YPMH788.pdf
أو من هنا وفقكم الله-إن لم يعمل الرابط أعلاه-
http://filaty.com/f/905/68827/fhrsa_al-mqdma_osora_al-fatha_am_al-ktab.pdf.html



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أختكم
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-05-2009, 06:42PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a

الأخت الحبيبة والصديقة الوفية والناصحة السَّلفيّة أم ياسر الجزائرية
وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته
سلمتْ يمينك على روعة ما نقلتِ
ولا حرمنا الله تعالى من تعليقاتك الطيبة وتوجيهاتك السديدة القيَّمة لي ولإخواني وأخواتي.

**ù ** ù ** ù ** ù **
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-05-2009, 06:47PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي


[فِي سُورَةِ الفَاتِحَةِ رَدٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أنكَرَ إمامة الصِّديق أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]
ــــــــــــــــــــ


قبل البدء بذكر فوائد سورة النبإ، رغبتُ بوضع إضافة عندما قرأت نقل أختنا أم ياسر
لقول العالم الرباني شيخ الإسلام الثاني ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى حيث قال:

(وتاللهِ لا تجدُ مقالةً فاسدةً، ولا بدعةً باطلةً إلاّ وفاتحةُ الكتابِ متضمِّنة لردّها وإبطالها بأقرب الطُرُق، وأصحِّها وأوضحِها)

ومِن المقالات الفاسدة التي ردت عليها هذه السورة: إنكار إمامة الصِّديق أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
حيث يقول المفسر الفقيه العلَّامـة النحرير محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي رحمه الله تعالى
في كتابه التحفة (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) عند قوله تعالى:
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ):

(لم يبين هنا من هؤلاء الذين أنعم عليهم، وبَيَّن ذلك في موضع آخر بقوله: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [سورة النساء: 69].
وفي ذلك تنبيهان ـ الأول وهو محل الشاهد هنا ـ:
يُؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم ـ أعني الفاتحة ـ بأن نسأله أن يهدينا صراطهم. فدل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم.
وذلك في قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) وقد بَيَّن الذين أنعم عليهم فَعَدَّ منهم الصديقين، وقد بَيَّن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من الصديقين، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم، الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الصراط المستقيم، وأن إمامته حق).انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى.

[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن بتصرف يسير: 1/8 من النسخة الألكترونية]

ولِمَنْ أراد مزيد فليراجعْ التفاسير الأثرية في بيان كيف تضمنت هذه السورة ردود على أهل البدع والأهواء.


::: والآن ننتقل إلى فوائد أول سورة في جزء عَمَّ وهي: سـورة النبأ :::

التعديل الأخير تم بواسطة أم سلمة ; 18-05-2009 الساعة 07:04PM
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-05-2009, 07:06PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
::: فوائد سورة النبإ :::


d فَوَائِدٌ مُخْتَارَةٌ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّبَإ c
ــــــــــــــــ

[ما هو النبأ الذي كان يتساءل عنه المُكَذِّبُونَ بآياتِ اللهِ سبحانه وتعالى؟]

هذا النبأ هو: ما جاء به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم من البينات والهدى، ولاسيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الاخر والبعث والجزاء.

*** ــــــــــــــــ ***

[اختلاف أصناف النَّاس في النبإ الذي جاء به رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم]

اختلف الناس في هذا النبإ الذي جاء به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم:
· فمنهم مَنْ آمن به وصَدَّق.
· ومنهم مَنْ كَفَرَ به وكَذَّب.
فبَيَّن اللهُ أن هؤلاء الذين كَذَّبوا سيعلمون ما كَذَّبوا به علم اليقين، وذلك إذا رأوا يوم القيامة.
*** ــــــــــــــــ ***

[ما الحكمةُ مِنْ بَيَانِ نِعَمِ اللهِ سبحانه وتعالى من بداية الآية (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) إلى الآية (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)؟]
بَيَّنَ اللهُ تعالى نِعَمه على عباده؛ ليُقَرر هذه النِّعم فيلزمهم شكرها.

*** ــــــــــــــــ ***

[لماذا سُميَّ يوم القيامة بيوم الفصل؟]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا):
هو يوم القيامة، وسمي يوم فصل؛ لأن الله يفصل فيه بين العباد فيما شجر بينهم، وفيما كانوا يختلفون فيه، فيفصل بين أهل الحق وأهل الباطل، وأهل الكفر وأهل الإيمان، وأهل العدوان وأهل الاعتدال، ويفصل فيه أيضًا بين أهل الجنة والنار، فريق في الجنة وفريق في السعير.

*** ــــــــــــــــ ***

[إخبار الله عَزَّ وَجَلَّ أنَّ يومَ القيامةِ مؤقتٌ بأجل معدود لا يُزاد عليه ولا ينقص منه، هـذه حقيقـة يغفل عنها البعض]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا):
يعني موقوتًا لأجل معدود كما قال تعالى: (وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ) [هود: 104]. وما ظنك بشيء له أجل معدود وأنت ترى الأجل كيف يذهب سريعًا يومًا بعد يوم حتى ينتهي الإنسان إلى آخر مرحلة، فكذلك الدنيا كلها تسير يومًا بعد يوم حتى تنتهي إلى آخر مرحلة، ولهذا قال تعالى: (وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ) كل شيء معدود فإنه ينتهي.
*** ــــــــــــــــ ***

[لماذا سُمْيت جهنم بهذا الاسم؟!!]

سُميت بهذا الاسم؛ لأنها ذات جُهمة وظُلمة بسوادها وقعرها ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ وهي مرصاد للطاغين.

*** ــــــــــــــــ ***

[هل جهنم مخلوقة وموجودة الآن؟!! وما الدليل على ذلك؟]

قد أعدها الله عَزَّ وَجَلَّ لهم من الآن، فهي موجودة كما قال تعالى: (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران: 131]، ورآها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم حين عُرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف[1] ورأى فيها امرأة تُعَذَّب في هرة لها حبستها لا هي اطعمتها ولا هي ارسلتها تأكل من خِشاش الأرض[2]، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يَجُر قُصْبَهُ في النَّار[3] ـ يعني امعائه ـ؛ لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب.

ـ يتبـع إن شاء اللهُ تعالى ـ

ــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري: رقم (431)، كتاب (الصلاة).
[2] أخرجه مسلم: رقم (904)، كتاب (الكسوف).
[3] أخرجه البخاري: رقم (2623)، كتاب (التفسير)، وأخرجه مسلم: رقم (2856)، كتاب (الجنة).
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-05-2009, 03:57PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي ::: ما زلنا مع فوائد مختارة من سورة النبإ :::

[ما معنى الطغيان؟]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: (لِلْطَّاغِينَ مَآبًا):
الطاغون جمع طاغ وهو الذي تجاوز الحد؛ لأن الطغيان هو مجاوزة الحد كما قال تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) [الحاقة:11] أي زاد وتجاوز حده.

*** ــــــــــــــــــ ***

[ما هـو حد الإنسان الذي إذا تجاوزه وقع في الطغيان؟
وأين يكون تجاوز الحد من قبله؟!]

S حَدُّ الإنسان مذكور في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
S وتجاوز الحد: يكون في حقوق الله، ويكون في حقوق العباد.
v ـ أما في حقوق الله ـ عز وجل ـ فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم.
v وأما الطغيان في حقوق الآدميين فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم. وهذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، وأعلن تحريمها في حجة الوداع في أكثر من موضع فقال: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ)[1]. فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العباد هم أهل النار والعياذ بالله.

*** ــــــــــــــــــ ***

[فائـدة عقديـة: هـل البقاء في النار أبدي؟!
وهـل الجنة والنار مخلوقتان الآن ولا تفنيان؟!!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قوله عَزَّ وجلَّ: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا):
أي باقين فيها، (أَحْقَابًا) أي مددًا طويلة؛ وقد دل القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحًا به في ثلاث آيات من كتاب الله في سورة النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) [النساء: 168 - 169].
وفي سورة الأحزاب (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [الأحزاب: 64 - 65].
وفي سورة الجن في قوله تعالى: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [الجن : 23].
فإذا كان الله تعالى صرح في ثلاث آيات من كتابه أن أصحاب النار مخلدون فيها أبدًا، فإنه يلزم أن تكون النار باقيةً أبد الآبدين وهذا هو الذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة، إن النار والجنة مخلوقتان ولا تفنيان أبدًا ووجد خلاف يسير من بعض أهل السُّنَّة في أبدية النار، وزعموا أنها غير مؤبدة، واستدلوا بحجج هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى، فهو خلافٌ لا معول على المخالف فيه ولا على قوله، والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالة صريحة لا تحتمل التأويل، والآيات الثلاث التي ذكرناها كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ، ولا يتطرق إليها الاحتمال:
· أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر، واخبار الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ لا تنسخ وكذلك أخبار رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحد الخبرين، إما تعمدًا من المخبر أو جهلًا بالحال، وكل ذلك ممتنع في خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، المبني على الوحي.
· وأما عدم تطرق الأحتمال فللتصريح بالأبدية في الآيات الثلاث، والمهم أنه يجب علينا أن نعتقد شيئين:

الشيء الأول: وجود الجنة والنار الآن وأدلة ذلك من القرأن والسُّنَّة كثيرة منها قوله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]. والإعداد التهيئة وهذا الفعل (أُعِدَّتْ) فعل ماضي يدل علي أن الإعداد قد وقع وكذلك قال الله تعالى في النار: (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران: 131]. والإعداد تهيئة الشيء، والفعل هنا ماض يدل على الوقوع وقد جاءت السُّنَّة صريحة في ذلك في أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، رأى الجنة ورأى النار.

الشيء الثاني: أعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبدًا، أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها كما قال تعالى: (وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر: 48]، وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها، ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، فقوله تعالى: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا). لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة يعني إلى أمد ثم تنتهي، بل المعنى أحقابًا كثيرة لا نهاية لها.

*** ــــــــــــــــــ ***

[من صنوف عذاب جهنم: نفي البرد والشراب عن أهلها ـ أعاذنا الله تعالى والقارئين منها ـ]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: (لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدُا وَلَا شَرَابًا):
نفى الله سبحانه وتعالى عنهم البرد الذي تبرد به ظواهر أبدانهم، والشراب الذي تبرد به أجوافهم؛ ذلك لأنهم والعياذ بالله إذا عطشوا واستغاثوا كانو كما قال الله تعالى: (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 29 ].
وهل الماء الذي كالمهل وإذا قرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه؟!!
الجـواب: لا، بل بالعكس استمع قول الله تعالى: (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) [محمد: 15].
أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) [الدخان: 47 – 48].
وقال تعالى: (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج: 19 - 20] ما في بطونهم الأمعاء وهي باطن الجسم، فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا يطفئ حرارة بطونهم.

*** ــــــــــــــــــ ***

[موعظةٌ بليغـةٌ ليستيقظ الغافـل قبـل سـير القوافـل]

قال الشيخ رحمه الله تعالى:
مَن تدبر ما في القرأن والسُّنَّة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف: (عجبت للنار كيف ينام هاربها، وعجبت للجنة كيف ينام طالبها).
إننا لو قال لنا قائل: أن لكم في أقصى الدنيا قصورًا وأنهارًا وزوجات وفاكهة لا تنقطع عنا، ولا ننقطع دونها بل هي إلى أبد الآبدين، لَكُنَّا نسير على أهداب أعيننا ليلًا ونهارًا لنصل إلى هذه الجنة التي بها هذا النعيم العظيم، والتي نعيمها دائم لا يقطع، وشباب ساكنها دائم لا يهرم، وصحته دائمة ليس فيها سقم، وأنظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهمًا أو دينارًا قد يتمتعون بذلك وقد لا يتمتعون به.
فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة، وهذا الموقف من الهرب من النار؟!!
نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.


ـ يتبـع إن شاء اللهُ تعالى ـ


ـــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم: رقم (147)، كتاب (الحج).

التعديل الأخير تم بواسطة أم سلمة ; 23-05-2009 الساعة 03:59PM
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-05-2009, 05:29PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
::: آخر الفوائد المختارة من سورة النبإ :::

[تذكيرٌ وبيان لقدرة الله تعالى وسعة عِلمه عَزَّ وجل، وأنَّه لا يفوته شيٌْ قط،
وأنَّه يعلم بالجزئيات علمه بالكليات ... فهلا فقهنا ذلك وعملنا بمقتضاه؟!!]


قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا):
(وَكُلَّ شَيْءٍ): يشمل ما يفعله الله عَزَّ وَجلَّ من الخلق والتدبير في الكون، ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال، ويشمل كل صغير وكبير.
(أَحْصَيْنَاهُ): أي ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف.
(كِتَابًا): يعني كتبًا، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة[1] ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة، بل كل قول يكتب، قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]. رقيب يعني مراقب، والعتيد يعني الحاضر.
ودخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض يئن من مرضه فقال له: يا أبا عبدالله إن طاووسًا ـ وهو أحد التابعين المشهورين ـ يقول: إن أنين المريض يكتب، فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفًا من أن يكتب عليه أنين مرضه.
فكيف بأقـوال لا حـدّ لهـا ولا ممسـك لهـا؟!
ألفـاظٌ تتـرى طـوال الليـل والنهار ولا يحسب لهـا الحســاب،
فكُلُّ شيء يُكتب حتـى الهـم يُكتب إمـا لك وإمـا عليك،
من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزًا عنها فإنها تكتب عليه،
وإن هَـمَّ بهـا وتـركها لله فإنها تُكتب لـه[2]
فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتابًا.

*** ــــــــــــــــ ***

[ما هي الوجوه المستفادة من قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ)؟!]


بعد أن تكلم الشيخ رحمه الله تعالى عن الآية (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) ذَكَرَ رحمه الله تعالى كيف أنَّ أهل النَّارِ يقولون لخزنة جهنم كما ورد ذلك في آية آخرى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) [غافر: 49] يقول الشيخ:
تأمـلْ هـذه الكلمـة مـن عـدة أوجـه:
أولًا: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم؛ لأن الله قال لهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: 108]. فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلًا لأن يسألوا الله ويدعوه بأنفسهم بل لا يدعونه إلا بواسطة.
ثانيًا: أنهم قالوا: (ادْعُوا رَبَّكُمْ) ولم يقولوا: ادعوا ربنا؛ لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتحدث أو أن تتكلم بإضافة ربوبية الله لهم أي بأن يقولوا: ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلًا لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا: (رَبَّكُمْ).
ثالثًا: لم يقولوا يرفع عنا العذاب بل قالوا: (يُخَفِّفْ) لأنهم آيسون ـ نعوذ بالله ـ، آيسون من أن يرفع عنهم.
رابعًا: أنهم لم يقولوا يخفف عنا العذاب دائمًا، بل قالوا: (يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) يومًا واحدًا، بهذا يتبين ما هم عليه من العذاب والهوان والذل (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) [الشورى: 45] أعاذنا الله منها.

*** ــــــــــــــــ ***

[فائـدة بلاغيـة وتربويـة: ما الحكمـة في أنَّ القـرآن العظيم مثـاني؟!]

ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم بعد قوله: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآَبًا)؛ لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف وقع في القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه)؛ لذلك تجد القرآن الكريم يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة والإسهاب فيها دون ما يقابلها ... وهكذا، لأجل أن يكون الإنسان حين يقرأ القرآن راغبًا راهبًا، وهذا من بلاغة القرآن الكريم.

*** ــــــــــــــــ ***

[تنـوع ذكـر الله سبحانه وتعالى لمعنى التقوى في القـرآن الكريـم]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا):
المتقون: هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه.
وأحيانًا يأمر الله بتقواه، وأحيانًا يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحيانًا يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ) [آل عمران: 130-131]، فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار.
وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة: 281]، فأمر بتقوى يوم الحساب.
وكل هذا يدور على معنى واحد وهو: أن يتقي الإنسان محارم ربه فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته، فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله واجتنبوا نواهي الله.

*** ــــــــــــــــ ***

[فائـدة عقديـة: من عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ مشيئةَ العبدِ تابعـةٌ لمشيئةِ الرَّبِّ]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا):
قوله: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا) وهذه المشيئة المطلقة هنا قيدتها آية أخرى وهي قوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 28، 29].
يعني أننا لنا الخيار فيما نذهب إليه لا أحد يكرهنا على شيء؛ لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وإنما بين الله ذلك في كتابه من أجل أن لا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله، حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى ـ لا يقول الإنسان أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول: الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل، فما نشاء من شيء إلا وقد شاؤه الله من قبل.

*** ــــــــــــــــ ***

[يوم القيامـة قريب، فما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت ...
فهلا سعينا حثيثًا لفعل الخيرات وطلب النجاة قبل العرض على ربِّ البريات؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا):
أي خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة. ويوم القيامة قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات: 46]. فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب، ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.

*** ــــــــــــــــ ***

[ما المعاني التي يحتملها قول الكافر يوم القيامة: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)؟!]

تحتمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: يا ليتني كنت ترابًا فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب.
المعنى الثاني: ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، يعني كنت ترابًا في أجواف القبور.
المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني ترابًا فكانت ترابًا قال: ليتني كنت ترابًا أي كما كانت هذه البهائم، والله أعلم.

وإلى هنا تنتهي سورة النبأ، وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجبًا للإيقان والإيمان،
نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه،
وأن يجعله موعظة لقلوبنا، وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم.

ــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه مسلم: كتاب (القدر)، باب (حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم (2653).
[2] أخرجه البخاري: كتاب (الرقاق)، باب (من هم بحسنة أو بسيئة (6491)، وأخرجه مسلم: كتاب (الإيمان)، باب (إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب (203)، (128).
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10-06-2009, 03:51PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي :: فوائد سورة النازعات :::

d فَوَائِدٌ مُخْتَارَةٌ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّازِعَات c
ــــــــــــــــ

[ما هي النازعات؟ وما الذي تنزع؟!]

يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار تنزعها (غَرْقًا) أي نزعاً بشدة.

***ــــــــــــــــ***

[ما هي الناشطات؟ وما الذي ينشط؟!]

(وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا): يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين، تنشطها نشطاً: أي تسلها برفق كالأنشوطة، والأنشوطة: الربط الذي يسمونه عندنا (التكة) أو ما أشبه ذلك من الكلمات، يعني يكون ربطاً بحيث إذا سللت أحد الطرفين انفكت العقدة وهذا ينحل بسرعة وبسهولة، فهؤلاء الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين تنشطها نشطاً أي: تسلها برفق.

***ــــــــــــــــ***

[لماذا كانت صفة الملائكة التي تقبض أرواح الكفار تدل على النزع بشدة، بينما صفة الملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين تدل على النشط بخفة؟!]

سبب ذلك أن الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار إذا دعت الروح إلى الخروج تناديها بأقبح الأوصاف تقول الملائكة لروح الكافر: اخرجي أيتها النفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى غضب الله، فتنفر الروح لا تريد أن تخرج إلى هذا، وتتفرق في الجسد حتى يقبضوها بشدة، وينزعوها نزعاً يكاد يتمزق الجسد منها من شدة النزع.
أما أرواح المؤمنين ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ فإن الملائكة إذا نزلت لقبضها تبشرها: أخرجي يا أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب أخرجي إلى رضوان الله ، فيهون عليها أن تفارق جسدها الذي ألفته فتخرج بسهولة[1].

***ــــــــــــــــ***

[هل كراهية الموت تعني كراهية لقاء الله سبحانه وتعالى؟!!]

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ).
قالت عائشة: يا رسول الله إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ.
فقال: (لَيْسَ ذَلكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ)[2].
لأنه في تلك اللحظة يرى أنه سينتقل إلى دار أحسن من الدار التي فارقها فيفرح كما يفرح أحدنا إذا قيل له أخرج من بيت الطين إلى بيت المسلح القصر المشيد الطيب، فيفرح فيحب لقاء الله، والكافر ـ والعياذ بالله ـ بالعكس إذا بشر بالغضب والعذاب فإنه يكره أن يموت، يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه.

***ــــــــــــــــ***

[مَنْ الأقـوى بين الثلاث: الإنسان، الجن، الملائكـة؟ وما الدليل على ذلك؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى بعد إقسام الله سبحانه ببعض الملائكة الكرام وأفعالهم:
الملائكة أقوى من الجن، والجن أقوى من البشر، انظر إلى قوله تعالى عن سليمان: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل: 38 ـ 40]، يعني إذا مددت طرفك ثم رجعته فقبل أن يرجع إليك آتيك به (فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) في الحال رآه مستقراً عنده (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) قال العلماء: إنه حملته الملائكة حتى جاءت به إلى سليمان من اليمن، وسليمان بالشام بلحظة فدل هذا على أن قوة الملائكة أشد بكثير من قوة الجن، وقوة الجن أشد من بني آدم ؛ لأنه لا يستطيع أحد من بني آدم أن يأتي بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام إلا مدة طويلة، فالحاصل أن الملائكة تسبح بأمر الله عز وجل بما يأمرها به.

***ــــــــــــــــ***

[لماذا حديث موسى عليه السَّلام أكثر ذكرًا في القرآن الكريم مع أنَّ نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّم هو خاتم الأنبياء؟!]

حديث موسى عليه الصلاة والسلام ذكر في القرآن أكثر من غيره؛ لأن موسى هو نبي اليهود وهم كثيرون في المدينة وحولها في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم، فكانت قصص موسى أكثر ما قص علينا من نبإ الأنبياء وأشملها وأوسعها.

***ــــــــــــــــ***

[فائـدة بلاغيـة: التشويق غرض من أغراض أسلوب الاستفهام في القرآن الكريم]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى):
تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة.

وأيضًا قال رحمه الله تعالى عند الآية (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى):
الاستفهام هنا للتشويق، تشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد، وأصل الزكاة النمو والزيادة، وتطلق بمعنى الإسلام والتوحيد.

***ــــــــــــــــ***

[ما الفرق بين الخشية والخوف؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قوله عَزَّ وَجلَّ: (فَتَخْشَى):
أي فتخاف الله عز وجل على علم منك؛ لأن الخشية هي الخوف المقرون بالعلم، فإن لم يكن علم فهو خوف مجرد، وهذا هو الفرق بين الخشية والخوف.
الفرق بينهما أن الخشية عن علم قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
وأما الخوف فهو خوف مجرد ذعر يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه لا حقيقة له، قد يرى في الليلة الظلماء شبحاً لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم.

***ــــــــــــــــ***

[فائـدة منهجية: تنوع معجزات الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام ومناسباتها مع ما يسود البيئات من علوم ومعارف]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى):
قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وآله وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً، فجاء عيسى بأمر يعجز الأطباء، وهو أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برىء، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة أي عاهة تكون مسحه بيده ثم برىء بإذن الله (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) مع أن البرص لا دواء له لكن هو يبرىء الأبرص بإذن الله عز وجل، ويبرىء الأكمه الذي خلق بلا عيون، وأشد من هذا وأعظم أنه يحيي الموتى بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وأشد من ذلك وأبلغ أنه يخرج الموتى بإذن الله من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حيًّا، وهذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس.
قال أهل العلم: أما رسول الله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة، ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان فجاء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم، بهذا القرآن العظيم الذي أعجز أمراء الفصاحة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: 88]، يعني لو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله.

ـ يتبـع إن شاء اللهُ تعالى ـ

ـــــــــــــــ
[1] أخرجه الإمام أحمد: في المسند (287/4)، وأبو داود: كتاب (السُّنَّة)، باب المسألة في القبر (4753) ، والحاكم (37/1) وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
[2] أخرجه البخاري: كتاب (الرقاق)، باب (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)، (6507).
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 21-06-2009, 04:46PM
أم سلمة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي ::: ما زلنا مع فوائد مختارة من سورة النازعات :::

[بماذا كان يفتخر فرعون؟ وما كانت عاقبته؟!]


قال الشيخ رحمه الله تعالى عند قول فرعون: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى):
وكان يفتخر بالأنهار والمُلك الواسع يقول لقومه في ما قال لهم: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 51-52].
فما الذي حصل؟! أغرقه الله عَزَّ وَجَلَّ بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم.

***ــــــــــــــــ***

[العبر في قصة موسى عليه السَّلام ... ومقارنة بين عاقبة موسى عليه السلام ونبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى):
(إِنَّ فِي ذَلِكَ) أي فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه واستهتار فرعون به واستكباره عن الانقياد له عبرة.
(لِمَنْ يَخْشَى) أي يخشى الله عَزًّ وَجَلَّ، فمَنْ كان عنده خشية من الله وتدبر ما حصل لموسى مع فرعون والنتيجة التي كانت لهذا ولهذا فإنه يعتبر ويأخذ من ذلك عبرة ......
كيف أرسله الله عز وجل إلى فرعون؟
كيف قال لهما: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) [طه: 44] مع أنه مستكبر خبيث؟!!
وكيف كانت النتيجة؟!
وكيف كان موسى عليه الصلاة والسلام، خرج من مصر خائفًا على نفسه يترقب كما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة يترقب، وصارت العاقبة للرسول عليه الصلاة والسلام ولموسى عليه الصلاة والسلام؛ لكن العاقبة للرسول صلى الله عليه وسلّم بفعله وأصحابه، عَذَّب اللهُ أعداءهم بأيديهم، وعاقبة موسى بفعل الله عَزَّ وجلَّ.
فهي عبر يعتبر بها الإنسان يصلح بها نفسه وقلبه حتى يتبين الأمر.

***ــــــــــــــــ***

[فَائِـدةٌ فِي التِّـلاوةِ]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (بَنَاهَا):
هذه الجملة لا تتعلق بالتي قبلها، ولهذا ينبغي للقارىء إذا قرأ أن يقف على قوله (أَمِ السَّمَاءُ) ثم يستأنف فيقول: (بَنَاهَا) فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء.

***ــــــــــــــــ***

[موعظةٌ ... ليتأملْ الإنسانُ ماذا يُكتب في كتابه؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى):
وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، يتذكره مكتوبًا، عنده يقرأه هو بنفسه قال الله تعالى: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 13-14]، إذا قرأه تذكر ما سعى أي ما عمل، أما اليوم ...

فإننـا قــد نسينـا مــا عملنـا،
عملنا أعمالًا كثيرة: منها الصالح، ومنها اللغو، ومنها السيىء؛
لكن كل هذا ننساه!!!
وفي يوم القيامة يُعرض علينا هذا في كتاب ويُقال اقرأ كتابك أنتَ بنفسك (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 14]
فحينئذ يتذكر ما سعى (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) [النبأ: 40].

***ــــــــــــــــ***

[ما هو حَدُّ الإنسان؟! وهل هناك تلازم بين مجاوزة الحد وإيثار الحياة الدنيا؟!!]

حد الإنسان مذكور في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي؛ لأنه تجاوز الحد، أنت مخلوق لا لتأكل وتتنعم وتتمتع كما تتمتع الأنعام، أنت مخلوق لعبادة الله فاعبدْ الله عَزَّ وجَلَّ، فإن لم تفعل فقد طغيت فهذا هو الطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة الله.
(وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) هما متلازمان فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا؛ لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له أذكر الله آثر اللغو على ذكر الله وهكذا.

***ــــــــــــــــ***

[كم نفس للإنسان؟ ومـا هي؟!]

للإنسان ثلاث نفوس: مطمئنة، وأَمَّـارة، ولَّوَّامة، وكلها في القرآن.
v أمَّـا المطمئنة ففي قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30].
v وأمَّـا الأمَّارة بالسوء ففي قوله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف: 53].
v وأما اللَّوَّامة ففي قوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [القيامة: 1-2].

والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس؛ يرى في نفسه أحيانًا نزعة خير يحب الخير يفعله هذه هي النفس المطمئنة، يرى أحيانًا في نفسه نزعة شر يفعله هذه نفس أمارة بالسوء، تأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل فتجده يندم على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير، فإن من الناس من قد يلوم نفسه على فعل الخير وعلى مصاحبة أهل الخير ويقول: كيف أصاحب هؤلاء الذين صدوني عن حياتي.. عن شهواتي.. عن لهوي، وما أشبه ذلك.
فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء مرة، وتلوم المطمئنة مرة أخرى، فهي في الحقيقة نفس بين نفسين تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء، وتندم الإنسان، وقد تلوم النفس المطمئنة إذا فعلت الخير ـ نسأل الله السَّلامة ـ.

ـ يتبـع إن شاء اللهُ تعالى ـ
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 03-08-2009, 09:13PM
أم سلمة أم سلمة غير متواجد حالياً
عضو مشاركة - وفقها الله -
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 32
::: آخر الفوائد المختارة من سورة النازعات :::

[كيف يكون حال الكافر عند الموت؟!]

إن الكافر إذا بُشِّر ـ والعياذ بالله ـ بما يسوؤه عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه وتفرقت في جسده حتى ينتزعوها منه كما يُنْتَزَع السَّـفُّود من الشعر المبلول، والشعر المبلول إذا جُرَّ عليه السَّـفُّود وهو معروف عند الغزالين يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه هكذا روح الكافر ـ والعياذ بالله ـ تتفرق في جسده؛ لأنها تبشر بالعذاب فتخاف.

***ــــــــــــــــ***

[هل يمكن للإنسان أن يُدرك الجنة قبل أن يموت؟!!]

الإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يُبَشَّر به، وقد قال أنس بن النضر رضي الله عنه لسعد بن معاذ : (يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد)[1] وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، وجدان حقيقي، قال ابن القيم رحمه الله: (إن بعض الناس قد يدرك الآخرة وهو في الدينا)، ثم انطلق فقاتل وقُتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

***ــــــــــــــــ***

[كيف هو سؤال الناس عن الساعة؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ):
سؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين:
ـ سؤال استبعاد وإنكار وهذا كفر كما سأل المشركون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن الساعة واستعجلوها، وقد قال الله عن هؤلاء: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ).
ـ وسؤالٌ عن الساعة يسأل متى الساعة ليستعد لها وهذا لا بأس به.
وقـد قال رجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا رسول الله متى الساعة؟
قال له: (ماذا أعددت لها؟)
قـال: حب الله ورسوله.
قـال: (المرء مع من أحب)[2].
فالناس يسألون النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولكن تختلف نياتهم في هذا السؤال، ومهما كانت نياتهم ومهما كانت أسئلتهم فعلم الساعة عند الله.

***ــــــــــــــــ***

[فائدة في الرد على أدعياء خرافات الإعجاز العددي: مَنْ يعلم متى الساعة؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا):
يعني أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لأن علمها عند الله كما قال تعالى في آية أخرى: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ) [الأحزاب: 63]. وقد سأل جبريلُ عليه السلام وهو أعلم الملائكة، سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم وهو أعلم الخلق من البشر، قال: أخبرني عن الساعة.
فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)[3]، يعني أنت إذا كانت خافية عليك فأنا خافية علي.
وإذا كان أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما، وبهذا نعرف أن ما يشيعه بعض الناس من أن الساعة تكون في كذا وفي كذا وفي زمن معين كله كذب، نعلم أنه كذب؛ لأنه لا يعلم متى الساعة إلا الله عز وجل.

***ــــــــــــــــ***

[فائدة مسلكية: هل الواجب السؤال: متى نموت؟! وأين نموت؟!!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا):
نقول أنتَ لا تسأل متى تموت ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال ... أمر مفروغ منه ولابد أن يكون ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يومًا واحدًا بل كما قال تعالى هنا: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)؛ ولكن السؤال الذي يجب أن يرد على النفس ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو:

على أي حال تموت؟!
ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير؟ أو قوي أو ضعيف؟! أو ذو عيال أو عقيم؟!
بـل على أي حـال تمـوت في العمــل؟!!!
فإذا كنت تساءل نفسك هذا السؤال فلابد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت.
كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولًا على الأكتاف؟!
وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله؟!
وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله؟
و هذا أمر مشاهد لكل أحد بحوادث بغتة.
فانظرْ الان وفكرْ على أي حال تموت؟!!

ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه، لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 105-106]. وهذا استنباط جيد، ويمكن أيضًا أن يستنبط من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17].
والاستغفار هو الهدى، لذلك أوصيكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار، ومحاسبة النفس حتى نكون على أهبة الاستعداد خشية أن يفجأُنا الموت ـ نسأل الله أن يحسن لنا الخاتمة ـ.

***ــــــــــــــــ***

[موعظة وتذكير: كم مضى عليك من السنوات وأنت حي؟!! فهل من معتبر؟!!]


قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا):
أي يرون القيامة ... والعشية من الزوال إلى غروب الشمس، والضحى من طلوع الشمس إلى زوالها، يعني كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم، وهذا هو الواقع لو سألنا الان كم مضى من السنوات علينا؟ هل نشعر الآن بأنه سنوات أو كأنه يوم واحد؟ لا شك أنه كأنه يوم واحد.
والإنسان الآن بين ثلاثة أشياء:
ـ يوم مضى فهذا قد فاته.
ـ ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أو لا يدركه.
ـ ووقت حاضر هو المسؤول عنه.
وأما ما مضى فقد فات وما فات فقد مات، هلك عنك الذي مضى، والمستقبل لا تدري أتدركه أم لا، والحاضر هو الذي أنت مسؤول عنه.


وإلى هنا تنتهي سورة النازعات وعندها قال الشيخ رحمه الله تعالى:
نسأل اللهَ تَعَالى أن يحسن لنا العاقبة، وأن يجعل عاقبتنا حميدة،
وخاتمتنا سعيدة إنه جواد كريم.
والحمـدُ لله رب العالميـن، وصَلَّى اللهُ وسَلَّم عَلَى نبينــا محمـد
وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين~


ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري: كتاب (المغازي)، باب (غزوة احدرقم الحديث (4048).
[2] أخرجه البخاري: كتاب (الأدب باب (ما جاء في قول الرجل ويلك)، رقم الحديث (6167)، ومسلم: كتاب (البر باب (المرء مع من أحب)، رقم الحديث ( 2639).
[3] أخرجه البخاري: كتاب (الإيمان)، باب (سؤال جبريل)، رقم الحديث (50)، ومسلم: كتاب (الإيمان باب (بيان الإيمان والإسلام)، رقم الحديث (10).
__________________
..:: أم سَلَمَة المالكية ::..
غفر الله تعالى لها ولوالديها ولجميع المسلمين
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 09-12-2009, 06:01PM
أم سلمة أم سلمة غير متواجد حالياً
عضو مشاركة - وفقها الله -
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 32
series ::: الفوائد المختارة من تفسير سورة عَبَسَ :::

d فَوَائِدٌ مُخْتَارَةٌ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ عَبَسَc
ــــــــــــــــ

[ما هو سبب نزول سورة عَبَسَ؟!]

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في ذلك:
إن الأعمى ـ وهو الصحابي عبدالله بن عمرو ابن أم مكتوم رضي الله عنه ـ جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم قبل الهجرة وهو في مكة، وكان عنده قوم من عظماء قريش يطمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم في إسلامهم ـ ومن المعلوم أن العظماء والأشراف إذا أسلموا كان ذلك سببًا لإسلام من تحتهم وكان طمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم فيهم شديدًا ـ فجاء هذا الأعمى يسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم الله عليه وعلى آله وسلم وذكروا أنه كان يقول: علمني مما علمك الله ويستقرىء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم فكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض عنه وعبس في وجهه رجاءً وطمعًا في إسلام هؤلاء العظماء[1] كما قال قوم نوح: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا) [هود: 27].

***ــــــــــــــــ***

[ما المصلحة التي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم يرجوها عند عبوسه وإعراضه عن الأعمى؟!]

كان النبي عليه الصلاة والسلام في عبوسه وتوليه يلاحظ هذين الأمرين:
الأمر الأول: الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء.
والأمر الثاني: ألا يزدروا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم، ولا شك أن هذا اجتهاد من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم وليس احتقارًا لابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يهمه إلا أن تنتشر دعوة الحق بين عباد الله، وأن الناس عنده سواء بل من كان أشد إقبالًا على الإسلام فهو أحب إليه. هذا ما نعتقده في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

***ــــــــــــــــ***

[الإشارة إلى قاعدة: لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة]

::: بيان الشيخ رحمه الله تعالى للآيات: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) :::

(وَمَا يُدْرِيكَ) أي: أي شيء يريبك أن يتزكى هذا الرجل ويقوي إيمانه.
(لَعَلَّهُ) أي لعل ابن أم مكتوم (يَزَّكَّى) أي يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو منه فإنه أحق أن يلتفت إليه.
(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) يعني وما يدريك لعله يذكر أي يتعظ فتنفعه الموعظة فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) أي: استغنى بماله لكثرته، واستغنى بجاهه لقوته، وهم العظماء الذين عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فهذا (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) أي تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل عليه.
(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ، فبيّـن الله سبحانه وتعالى أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء.
(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى لأن إثمه عليه وليس عليك إلا البلاغ.
ثم قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) هذا مقابل قوله: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى).
(وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى) أي يستعجل من أجل انتهاز الفرصة إلى حضور مجلس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم (وَهُوَ يَخْشَى) أي يخاف الله عز وجل بقلبه لعلمه بعظمته تعالى (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي تتلهى عنه وتتغافل لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون.
***ــــــــــــــــ***

[فائـدة عقدية: هل الإنسان مخير أم مسير؟!!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ):
أي فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ، ومن شاء لم يتعظ لقول الله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29]. فالله جعل للإنسان الخيار قدرًا بين أن يؤمن ويكفر، أما شرعًا فإنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الإنسان مخير شرعًا بين الكفر والإيمان بل هو مأمور بالإيمان ومفروض عليه الإيمان، لكن من حيث القدر هو مخير وليس كما يزعم بعض الناس مسير مجبر على عمله، بل هذا قول مبتدع ابتدعه الجبرية من الجهمية وغيرهم[2]. فالإنسان في الحقيقة مخير ، ولذلك إذا وقع الأمر بغير أختياره كالمكره والنائم والنسي ونحوهم لم يترتب عليه حكمه فيما بينه وبين الله تعالى (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ) أي ذكر ما نزل من الوحي فاتعظ به، ومن شاء لم يذكره، والموفق من وفقه الله عز وجل.

***ــــــــــــــــ***

[الفوائـد المنهجيـة والتربويـة والسلوكية في الآيات السابقة
من قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) إلى قوله تعالى: (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ)]

أولًا: المساواة بين النَّاس عند دعوتهم إلى الله تعالى
وهذه الآيات فيها تأديب من الله عز وجل للخلق ألا يكون همهم همًّا شخصيًّا بل يكون همهم همًّا معنويًّا وألا يفضلوا في الدعوة إلى الله شريفًا لشرفه، ولا عظيمًا لعظمته، ولا قريبًا لقربه، بل يكون الناس عندهم سواء في الدعوة إلى الله الفقير والغني، الكبير والصغير، القريب والبعيد.

ثانيًا: تلطف الله عَزَّ وَجَلَّ بمعاتبة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم
فقال في أولها: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) ثلاث جمل لم يخاطب الله فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم لأنها عتاب فلو وجهت إلى الرسول بالخطاب لكان شديدًا عليه لكن جاءت بالغيبة (عَبَسَ) وإلا كان مقتضي الحال أن يقول (عبست وتوليت أن جاءك الأعمى) ولكنه قال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فجعل الحكم للغائب كراهية أن يخاطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم بهذه الكلمات الغليظة الشديدة، ولأجل ألا يقع بمثل ذلك من يقع من هذه الأمة، والله سبحانه وتعالى وصف كتابه العزيز بأنه بلسان عربي مبين، وهذا من بيانه.

ثالثًا: جواز لقب الإنسان بالعيب
وفي الآيات أيضًا دليل على جواز لقب الإنسان بوصفه مثل الأعمى والأعرج والأعمش، وقد كان العلماء يفعلون هذا، الأعرج عن أبي هريرة، الأعمش عن ابن مسعود ... وهكذا، قال أهل العلم: واللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فلا بأس به، وأما إذا كان المقصود به تعيير الشخص فإنه حرام؛ لأن الأول ـ إذا كان المقصود به تبيين الشخص ـ تدعو الحاجة إليه، والثاني ـ إذا كان المقصود به التعيير ـ فإنه لا يقصد به التبيين وإنما يقصد به الشماتة وقد جاء في الأثر (لا تظهر الشماتة في أخيك فيرحمه الله ويبتليك)[3].

***ــــــــــــــــ***

[ما معنى (قُتِلَ) التي وردت في آية (قُتِلَ الْإِنْسَانُ)؟ وما ترجيح الشيخ رحمه الله تعالى في معناها؟]

(قُتِلَ) تأتي في القرآن الكريم كثيرًا، ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في معناها:
قول بعض العلماء: إن معناها لعن، والذي يظهر أن معناها أُهلك؛ لأن القتل يكون به الهلاك وهو أسلوب تستعمله العرب في تقبيح ما كان عليه صاحبه فيقولون مثلًا: قُتِلَ فلان ما أسوأ خلقه، قُتِلَ فلان ما أخبثه وما أشبه ذلك.

***ــــــــــــــــ***

[في قوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ) هل المراد في هذه الآية جنس الإنسان أم نوع معين؟!]

ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في ذلك:
قال بعض العلماء: المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة، وليس كل إنسان لقوله فيما بعد (مَا أَكْفَرَهُ) ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس، لأن أكثر بني آدم كفار كما ثبت في الحديث الصحيح: أن الله يقول يوم القيامة: (يَا آدَمُ،‏ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ لَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخْرِجْ مِنْ ذُرِيَتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. فَيَقُول: يَا رَبُّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِين)[4]، فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس ويخرج المؤمن من ذلك بما دلت عليه النصوص الأخرى.

***ــــــــــــــــ***

[ما نوع "ما" الواردة في قوله تعالى: (مَا أَكْفَرَهُ)؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى:
ـ قال بعض العلماء: إن "ما" هنا استفهامية أي: أي شيء أكفره؟ ما الذي حمله على الكفر؟
ـ وقال بعض العلماء: إن هذا من باب التعجب يعني ما أعظم كفره! وإنما كان كفر الإنسان عظيمًا لأن الله أعطاه عقلًا، وأرسل إليه الرسل، وأنزل إليه الكتب وأمده بكل ما يحتاج إلى التصديق، ومع ذلك كفر فيكون كفره عظيمًا.
والفرق بين القولين أنه على القول الأول تكون "ما" استفهامية أي: ما الذي أكفره؟ وعلى القول الثاني تكون تعجبية يعني عجبًا له كيف كفر مع أن كل شيء متوفر لديه في بيان الحق والهدى والكفر والإيمان !!

***ــــــــــــــــ***

[ما نوع الكفر المقصود في قوله تعالى: (مَا أَكْفَرَهُ)؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية:
الكفر هنا يشمل كل أنواع الكفر، ومنه إنكار البعث فإن كثيرًا من الكفار كذبوا بالبعث، وقالوا: لا يمكن أن يُبعث الناس بعد أن كانت عظامهم رميمًا كما قال تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس: 78]. ولهذا قال: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) استفهام تقرير لما يأتي بعده في قوله: (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) يعني أنت أيها الإنسان الذي تكفر بالبعث؟ من أي شيء خلقت؟ ألم تخلق من العدم لم تكن شيئًا مذكورًا من قبل فوجدت وصرت إنسانًا فكيف تكفر بالبعث؟!!

***ــــــــــــــــ***

[ما الغاية التي من أجلها شَرعَ اللهُ دفن الميت؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى في معنى (فَأَقْبَرَهُ):
أي جعله في قبر، أي مدفونًا سترًا عليه وإكرامًا واحترامًا؛ لأن البشر لو كانوا إذا ماتوا كسائر الميتات جثثًا ترمى في الزِّبَال لكان في ذلك إهانة عظيمة للميت ولأهل الميت، ولكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده هذا الدفن، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (فَأَقْبَرَهُ) قال: أكرمه بدفنه.

***ــــــــــــــــ***

[الرد على مَن قال: "لو كان البعث حقًا لوجدنا آباءنا الآن"!!!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ):
"لَمَّا" هنا بمعنى (لم) لكنها تفارقها في بعض الأشياء، والمعنى أن الله تعالى لم يقضِ ما أمره، أي ما أمر به كوناً وقدراً، أي أن الأمر لم يتم لنشر أو لإنشار هذا الميت بل له موعد منتظر، وفي هذا رد على المكذبين بالبعث الذين يقولون لو كان البعث حقًا لوجدنا آباءنا الآن، وهذا القول منهم تحدٍ مكذوب؛ لأن الرسل لم تقل لهم إنكم تبعثون الآن، ولكنهم قالوا لهم إنكم تبعثون جميعًا بعد أن تموتوا جميعًا.

***ــــــــــــــــ***

[ذكرى ... يوم القيامة يومٌ يفر المرء فيه من أعز النَّاس إليه وأشفقهم به، لماذا؟!]

قال الشيخ رحمه الله تعالى عند الآية (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ):
من أخيه شقيقه أو لأبيه أو لأمه (وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) الأم والأب المباشر، والأجداد أيضاً والجدات، يفر من هؤلاء كلهم (وَصَاحِبَتِهِ) زوجته (وَبَنِيهِ)وهم أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه.
ويفر من هؤلاء كلهم. قال أهل العلم: يفر منهم لئلا يطالبوه بما فرط به في حقهم من أدب وغيره، لأن كل واحد في ذلك اليوم لا يحب أبداً أن يكون له أحد يطالبه بشيء (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) كل إنسان مشتغل بنفسه لا ينظر إلى غيره، ولهذا لما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: (إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا) قالت عائشة رضي الله عنها: (الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟) قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (الأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ ينظر يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)[5].

***ــــــــــــــــ***

وإلى هنا ينتهي تقييد فوائد سورة عبس وعندها قال الشيخ رحمه الله تعالى:
"نسأل اللهَ تَعَالى أن يجعلنا ممن وجوههم مسفرة
ضاحكة مستبشرة إنه جواد كريم."
والحمـدُ لله رب العالميـن، وصَلَّى اللهُ وسَلَّم عَلَى نبينــا محمـد
وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين~


ــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه الترمذي: كتاب (تفسير القرآن)، باب (سورة عبس)، (3331).
[2] انظرْ تفصيل ذلك في مجموع فتاوى ورسائل فضيلة شيخنا رحمه الله 2/90 فتوى رقم (195).
[3] أخرجه الترمذي: كتاب (صفة القيامة)، باب (لا تظهر الشماتة لأخيك)، (2506) وقال: حديث حسن غريب.
[4] أخرجه البخاري: كتاب (الرقاق)، باب (إن زلزلة الساعة شيء عظيم)، (6530).
[5] أخرجه البخاري: كتاب (الرقاق)، باب (الحشر)، (6530)، ومسلم: كتاب (صفة الجنة)، باب (فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة)، (2859) (56).
__________________
..:: أم سَلَمَة المالكية ::..
غفر الله تعالى لها ولوالديها ولجميع المسلمين

التعديل الأخير تم بواسطة أم سلمة ; 09-12-2009 الساعة 06:03PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع




Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd