|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة حقيقة شهادة أن محمد رسول الله (للمفتي الشخ عبدالعزيز آل الشيخ)
حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه رسالة لطيفة مختصرة حول [حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم-] رأينا نشرها للناس؛ لدعاء الحاجة، بل والضرورة لذلك، ولما نرى من جهل كثير من المسلمين، فضلاً عن غيرهم بحقيقة شهادة أن محمد رسول الله، ووقوعهم فيما يخالفها مما يناقضها، أو يضاد كمالها، أو ينقص به إيمان العبد بها. فكان لزاماً أن نبين ذلك؛ نصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ امتثالاً لأمر الله سبحانه: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" [الذريات:55]، وقوله تعالى: "فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، وقوله عز وجل: " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ" [الغاشية:21-22] إلى غير ذلك من الآيات. ولقوله – صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة" قال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم. فواجب على كل من عرف الحق بدلائله: إن يبينه، وينشره بين الناس، سيما في هذه الأزمان التي اشتدت فيها غرب الإسلام، وبات المعروف فيها منكراً، والمنكر فيها معروفاً، وقل من يرفع رأسه بالحق ويظهره، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وسلوانا قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: "بدأ الإسلام غريباً، وسعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء" رواه مسلم (145). فأسأل الله العلي القدير: أن يمن علينا بالهداية إلى الصواب، والتوفيق للحق والسداد، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، ويرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يصلح لنا النية والعمل، وأن ينفع بما قيدناه في هذه الرسالة كل من أطلق عليها، ويجعلنا وإخواننا المسلمين من المتعاونين على البر والتقوى، إنه سبحانه جواد كريم. تمهيد وقبل البدء في ذلك أمهد بمقدمة أرى أنها نافعة. فأقول مستعيناً بالله: لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح، أمر ملائكته بالسجود له، وكان إبليس من الجن، وليس من الملائكة، وإنما دخل في خطابهم؛ لتوسمه بأفعال الملائكة، لم يسجد إبليس اللعين: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" [البقرة:34]، ويقول سبحانه في سورة الكهف: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" الآية،[الكهف: 50] أبي أن يسجد لآدم كبراً وحسداً وبغياً، فكان عقابه أن طرد من رحمة الله، وحلت عليه لعنة الله، لكن الخبيث أزداد بغيه، وعظم حقده على آدم وذريته، وطلب من الله الإنظار إلى يوم القيامة فأنظره الله، عند ذلك قال – كما قص الله خبرة -: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [لأعراف:16-17] ، والمعنى: أنه أقسم أن يضل عباد الله من بني آدم عن طريق الحق وسبيل النجاة؛ لئلا يعبدوا الله ولا يوحدوه، ويسلك شتى الطرق لصدهم عن الخير وتحبيب الشر لهم. ومثله قوله تعالى قاصاً خبره: " قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"[الحجر:39-40] وقوله سبحانه: " قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً"[الإسراء:62]. فلم يزل بآدم عليه السلام وذريته؛ وسوسة وإغواء وإضلالاً، حتى تسبب في إهباط آدم من الجنة، وقتل ابن آدم لأخيه، ولم يكفه هذا، فلما مر ببني آدم الزمان، وطال عليهم العهد بالنبوة – حسن إليهم الشرك، وأغواهم، فكان له ما أراد، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، ووقعوا في الشرك، وكان أول ذلك زمن قوم نوح حين عبدوا الأصنام: وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وكانت هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله – عز وجل -؛ ولذلك مدح نفسه" صحيح البخاري (5/194) وصحيح مسلم (4/2114). وفي لفظ لمسلم: "من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" مسلم (2760)، وفي [الصحيحين] من حديث سعد بن عبادة – رضي الله عنه -: "ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعض الله المرسلين مبشرين ومنذرين" صحيح البخاري (8/174)، وصحيح مسلم (2/1136) رقم الحديث (1499) واللفظ له. فأرس الله الرسل؛ إقامة للحجة على عباده، وإعذاراً لهم، وهذه الرسالات من نعم الله على خلقه أجمعين؛ إذ حاجة العباد إليها فوق كل حاجة، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورة، فهم في حاجة إلى الرسالة أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب والدواء، إذ قصارى نقص ذلك أو عدمه تلف الأبدان، أما الرسالة ففيها حياة القلوب والأديان، بل الرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعادة، فكما أنه لا صلاح له في أخرته إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- انظر [مجموع الفتاوى] لشيخ الإسلام ابن تيمية – جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد (19/99). أرسل الله الرسل، وجعلهم بشراً من أقوام المرسل إليهم، وبلسانهم؛ ليبينوا لهم الدين الحق: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" [إبراهيم:4]. وكل أمة بعث فيها رسول، قال عز وجل: " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ" الآية، [يونس:47] ، وقال سبحانه: "َإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ" [فاطر:24]. بعثوا جميعاً بدين واحد، وهو الإسلام؛ وإخلاص الدين لله، وتجريد التوحيد له سبحانه، واجتناب عبادة ما سواه: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" الآية،[النحل:36] ، وقال سبحانه: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَأعْبُدُونِ" [الأنبياء:25]. وفي الحديث عنه – صلى الله عليه وسلم -: "الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد" صحيح البخاري (4/142) واللفظ له، وصحيح مسلم (4/1837) رقم الحديث (2365) (145) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – متفق عليه. وكذلك أيضاً كل رسول يأمر قومه بطاعته إذ هذا مقتضى الرسالة يقول عز وجل: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ" الآية، [النساء:64]. ولم تزل الرسل تتابع إلى أقوامهم لدعوتهم إلى التوحيد ونبذ الشرك " ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا" الآية،[المؤمنون:44] ، إلى أن جاء موسى وبعده عيسى عليهما السلام، وظهرت في كتبهما البشارة بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم -. يقول الله – عز وجل –: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ" الآية، [الأعراف:157]، ويقول – عز وجل -: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" الآية، [الصف:6]. وبعد أن رفع عيسى عليه السلام، وطال ببني آدم العهد قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – حمل إبليس بخيله ورجله على بني آدم، فأضلهم ضلالاً بعيداً، وأوقعهم في الكفر والشرك والضلال بصنوفه إلا قليلاً منهم، وبلغ من حالهم أن مقتهم الله سبحانه، عربهم وعجمهم إلا القليل. ثم بعث النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي يقول: "يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة" أخرجه الحاجة في (مستدركه) وصححه، ووافقه الذهبي، والبزار، والطبراني في (الصغير) بلفظ "بعثت رحمة مهداة" ، والطبراني في (الأوسط) والشهاب في (مسنده)، وهو بمجموع الطرق حسن، وجاء في (صحيح مسلم) عنه – صلى الله عليه وسلم -: "إني لم أبعث لعاناً، إنما بعثة رحمة ...". بعث والحال كما أخبر به – صلى الله علهي وسلم – في الحديث الذي أخرجه مسلم في (صحيحه) عن عياض بن حمار المجاشعي – رضي الله عنه -، حيث قال – صلى الله عليه وسلم - في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحلت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليكم كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان .." الحديث في صحيح مسلم (4/2197) رقم الحديث (2865) (63). فرفع الله عنهم هذا المقت برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، بعثة رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين، وحجة على الخلائق أجمعين، أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فختم به الشرائع والكتب الناسخ لها: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ"الآية، [الأحزاب:40]، ويقول عز وجل: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" الآية، [المائدة:48]. شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة على من خالف أمره، ورفع له ذكره، فلا يذكر الله سبحانه إلا ذكر معه، كفى بذلك شرفاً، وأعظم ذلك الشهادتان، أساس الإسلام، ومفتاح دار السلام، عاصمة الدماء والأموال والأعراض، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم-. فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله سبحانه. وأركانها: النفي والإثبات: (لا إله) نافياً جميع ما يعبد من دون الله، (إلا الله) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له. وشروطها: العلم، واليقين، والقبول، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة، وزاد بعضهم شرطاً ثامناً وهو: الكفر بما عبد من دون الله. وتحقيق هذه الشهادة: إلا يعبد إلا الله، وحقها: فعل الواجبات، واجتناب المحرمات. هذه جمل مختصرة في (شهادة أن لا إله إلا الله)، أما تفاصيلها فلا تحتملها هذه الكلمة اليسيرة. ولما كان البحث في حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان من المناسب أن نورد طرفاً مما تمس الحاجة إلى العلم به من ذكر نسبة ومولده ومبعثه ووفاته – صلى الله عليه وسلم -، ثم ذكر شيء من أسمائه وخصائصه وصفاته الخلقية والخلقية، صلوات الله وسلامه عليه. فصل في نسب النبي – صلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه وتعالى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" [آل عمران:164]. جاء في بعض القراءات: "من أنفسهم" بفتح الفاء، أي أنسبهم. وفي [صحيح مسلم] من حديث واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الله أصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، وأصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" في صحيح مسلم (4/1789) رقم الحديث (2276). وفي الصحيحين البخاري (1/6،5)، ومسلم (3/1393 – 1397) رقم الحديث (1373) من حديث أبي سفيان – رضي الله عنه، وقصته مع هرقل، وسؤال هرقل له عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما سأله أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب ... إلى أن قال هرقل لأبي سفيان: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، هذا لفظ البخاري. فظهر بهذا أنه أكرم الناس نسباً، فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ونسبه – صلى الله عليه وسلم إلى هنا معلوم الصحة، متفق عليه بين النسابين، لا خلاف فيه بينهم، وما فوق عدنان مختلف "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً" [النساء:115]، وقال سبحانه: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:4]، يقول عز وجل: "أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ"[التوبة:63]. هذه هي حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشيء من التفصيل والبيان. وقد أجملها بعض أهل العلم – وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله - فقال في معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع. |
#2
|
|||
|
|||
فصل
في حقوق النبي – صلى الله عليه وسلم – على أمته هذا وإن للمصطفى – صلى الله عليه وسلم – على أمته حقوقاً عظيمة: منها: ألا يخاطب كما يخاطب سائر الناس، بل يخاطب باحترام وأدب، فيقال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نبي الله – صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: محمد، أو محمد بن عبد الله ونحو ذلك، يقول الله تعالى: "لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً "الآية، [النور:63]. ومنها أيضا: سؤال الله الوسيلة له – صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله صلى الله عليه وسلم-: "... ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم (1/289) رقم الحديث (384) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. ومنها أيضا: الصلاة السلام عليه – صلى الله عليه وسلم -، وهي في الصلاة واجبة، بل عدها بعض العلماء ركناً لا تصح الصلاة إلا بها. وتتأكد عند ذكره – صلى الله عليه وسلم -، ويوم الجمعة، وليلتها، وعند الدعاء، إلى غير ذلك، وقد بسط ذلك بسطاً نافعاً ومفيداً العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه النافع القيم (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) فليراجع هناك. قوال الله – عز وجل –: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" [الأحزاب:56]. |
#3
|
|||
|
|||
فصل
في ذكر طرف من طريقة محبة الصحابة رضي الله عنهم لنبي الهدى والرحمة – صلى الله عليه وسلم -، واتباعهم له. كان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – من أكثر الناس نصرة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وأشدهم به إيماناً، وكانت له مواقف كثيرة مشهودة، تدل على شدة المحبة وعظيم الإيمان: فمنها: ما جاء في [الرياض النضرة في مناقب العشرة] لأبي جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري: (وعن أم سلمة – رضي الله عنها – قال: كان أبو بكر خدناً للنبي – صلى الله عليه وسلم -، وصفياً له، فلما بعض – صلى الله عليه وسلم – انطلق رجال من قريش على أبي بكر، فقالوا: يا أبا بكر، إن صاحبك هذا قد جن، قال أبو بكر: وما شأنه؟ قالوا: هو ذلك على المسجد يدعو إلى توحيد إله واحد، ويزعم أنه نبي، فقال أبو بكر: وقال ذاك؟ قالوا: نعم، هو ذاك في المسجد يقول: فأقبل أبو بكر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فطرق عليه الباب، فاستخرجه، فلما ظهر له، قال له أبو بكر: يا أبا القاسم، ما الذي بلغني عنك؟ قال: "وما بلغك عني يا أبا بكر؟!" قال: بلغني أنك تدعو لتوحيد الله، وزعمك أنك رسول الله، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –" نعم يا أبا بكر، إن ربي عز وجل جعلني بشيراً ونذيراً، وجعلني دعوة إبراهيم، وأرسلني إلى الناس جميعاً" قال له أبو بكر: والله ما جربت عليك كذباً، وإنك لخليق بالرسالة؛ لعظم أمانتك، وصلتك لرحمك، وحسن فعالك، مد يدك، فأنا أبايعك، فمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده، فبايعه أبو بكر وصدقه وأقر أن ما جاء به الحق، فوالله ما تعلثم أبوبكر حيث دعاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام) [الرياض النضرة في مناقب العشرة] الإمام أبي جعفر الطبري، تحقيق /عيسى عبد الله محمد مانع الحميري، ط/ دار الغرب الإسلامي – بيروت، عام 1996م الطبعة الأولى (1/415). وأخرج الحاكم في [مستدركه] من حديث عائشة رضي الله عنها قال: لما أسري بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر – رضي الله عنه -، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟! قالوا: نعم قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه؟! إنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح، قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة؛ فلذلك سمي أبو بكر الصديق" [المستدرك على الصحيحين] الإمام الحاكم، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند، عام 1334هـ (3/62) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجها، ووافقه الذهبي. وحديث عائشة – رضي الله عنها قال: لقل يوم كان يأتي على النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، فلما أذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهراً، فخبر به أبو بكر، فقال: ما جاءنا النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذه الساعة إلا لأمر حديث، فلما دخل عليه، قال لأبي بكر:"أخرج من عندك" قال: يا رسول الله، إنما هي ابنتاي –يعني: عائشة وأسماء- قال: أُشْعِرتُ أنه قد أُذن لي في الخروج، قال: الصحبة يا رسول الله، قال:"الصحبة". قال: يا رسول الله، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخُذ إحداهما، قال: أخذتها بالثمن. وفي بعض الروايات: قالت عائشة –رضي الله عنها-:"فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ". وهي في مسند إسحاق بن راهويه بزيادة:"لقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح" بعد قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:"نعم، الصحبة". وأثناء الهجرة وفي الطريق جلس النبي –صلى الله عليه وسلم-وأبو بكر –رضي الله عنه- في غار ثور، وقريش قد أرسلت الطلب ليحضروهم، وجعلت الجوائز لمن يأتي بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، وبينما هم في الغار، وإذ بالطلب حولهم، حتى إن أحدهم لو نظر أسفل منه لرآهم، فقال أبو بكر للنبي –صلى الله عليه وسلم-: والله لو رأى أحدهم موضع قدميه لأبصرنا، فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-:"ما ظنك باثنين الله ثالثهما". وفي ذلك أنزل الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، يقول الله –سبحانه-:"إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" [التوبة:40]. ومنها: حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: خطب النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال:" إن الله –سبحانه- خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله" فبكى أبو بكر –رضي الله عنه-، فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله، فكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال:" يا أبا بكر، لا تبكِ، إن أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر". وأخرج البيهقي في كتابه (الاعتقاد) بسنده: أن أبا هريرة قال: والذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدالله، ثم قال: الثانية، ثم الثالثة، ثم قيل له: مه، يا أبا هريرة؟ فقال: إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وجَّه أسامة بن زيد في سبع مئة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قُبض النبي –صلى الله عليه وسلم-، وارتدت العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم، وقد ارتدت العرب حول المدينة، فقال: والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما رددت جيشاً وجهه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ولا حللت لواء عقده رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فوجَّه أسامة، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم، ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإسلام. ومن ذلك حديث رفاعة بن رافع –رضي الله عنه- قال: قام أبو بكر الصديق على المنبر، ثم بكى، فقال: قام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الأول على المنبر، ثم بكى، فقال: اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يُعط بعد اليقين خيراً من العافية. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه عن أبي بكر –رضي الله عنه-. ومن المواقف: ما جاء في حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه-قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه: الفضيخ، فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً، إذ جاء رجل، فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل. وفي حديث أبي هريرة: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر:"لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه" قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، قال: فتساورت لها، رجاء أن أدعى لها، قال: فدعا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها، وقال: امش ولا تلفت حتى يفتح الله عليك، قال: فسار علي شيئاً ثم وقف، ولم يلتفت، فصرخ، يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال : " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا لاله، و؟أن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"[صحيح البخاري] (4/207)، و[صحيح مسلم] (4/1871، 1872) رقم الحديث (2405) واللفظ له أخرجه بهذا اللفظ مسلم، وأصله في البخاري. وفي حديث خروج النبي – صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه في حديث طويل، وفيه: أن عروة ابن مسعود الثقفي – رضي الله عنه- وكان إذ ذاك مشركاً – لما رجع إلى قريش قال لهم : ( أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن تَنَخَّم نخامة إلا وقعت في كفَّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروه أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدَّون إليه النظر تعظيماً له ...) الحديث، أخرجه البخاري في [صجيج البخاري ] (3/178-184) |
#4
|
|||
|
|||
فصل
في ذكر بعض أقسام المخالفين لشهادة أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أيها الإخوة في الله، قد بينا فيما سبق حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، التي من عمل بها والتزم بها ظاهراً وباطناً فهو الصادق في شهادته، ومن خالفها فإنه على خطر عظيم. والمخالف لهذه الشهادة أقسام: فقسم: لا يؤمن برسالة محمد – صلى الله عليه وسلم- وينكرها جملة وتفصيلاً، تكذيباً أو عناداً، كحال المشركين. وقسم: يؤمن برسالة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – لكن ينكر عمومها، ويقول إنها خاصة بالعرب، كحال طوائف من أهل الكتاب. ويقال لهؤلاء وأولئك : يقول الله – عز وجل- لرسوله – صلى الله عليه وسلم- : "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً" [سبأ:28]، ويقول – سبحانه وتعالى-:"قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" [الأعراف:58]، ويقول – سبحانه- : "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"[الأنعام:33]. وليس مقصوداً في هذه الكلمة استقصاء الرد على هؤلاء وغيرهم من الطوائف، فإن علماء الإسلام وأئمتهم قد أجادوا في ذلك، وصنفوا فيها المصنفات، فمن أراد الاستزادة فعليه مراجعة المطولات.. وقسم: يشهدون أن محمداً رسول الله، وينتسبون للإسلام، لكنهم خالفوا حقيقة هذه الشهادة بأنواع ومراتب من المخالفات، بعضها أعظم من بعض. فقسم منهم: بالغ في الغلو فيه – صلى الله عليه وسلم-، وجعله نوراً أزلياً ينتقل في الأنبياء، حتى جاء – صلى الله عليه وسلم-، ومنهم من يزعم أنه مظهر يتجلى الله فيهن والعياذ بالله. فالأول: قول الغلاة الشيعة والباطنية، وأيضاً غلاة الصوفية. والثاني: هو قول أهل وحدة الوجود. وكل هذه أقوال كفرية لا تصدر عن قلب مؤمن، وإنما يُزخرف فيها القول، وتلبس لباس الإسلام؛ تمويهاً على العوام. وإلا فهي مضاهاة لقول من سبق من الأمم الكافرة، مثل اعتقاد النصارى في المسيح ، وأنه إله في صورة إنسان. والرسول – صلى الله عليه وسلم- إنما هو بشرٌ، وعبدٌ من عباد الله،اصطفاه الله وشرفه بأن كان خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، وبشريته تنفي ما زعم فيه من المزاعم الباطلة التي ذكرت سابقاً وما شابهها. يقول الله – عز وجل -:"قل إنما أنا بشري مثلك يُؤحى إليَّ إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً"[الكهف:110]، وقال – عز وجل- :"قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً"[الإسراء:93]،وقال – صلى الله عليه وسلم- : (إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون) [صحيح البخاري] (1/150.104)، و[صحيح مسلم](1/402) رقم الحديث (572) (92). وغير ذلك من الأدلة والنصوص الدالة قطعاً على بشرية محمد – صلى الله عليه وسلم-، وأن الله – سبحانه – إنما ميَّزه بالرسالة والنبوة، أما الغلو فيه ورفعه فوق منـزلته فهذا مخالف لحقيقة رسالته، ومخالف لـ ( شهادة أن محمداً رسول الله). وقسم منهم: غلا فيه أيضاً، بأن صرف له – صلى الله عليه وسلم- أنواعاً من العبادة، مثل: الدعاء، والخشوع، والصلاة إلى قبره، ونحو ذلك مما هو من خالص حق الله – عز وجل - . وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم- أمته من ذلك، وشدد فيه، وأبدأ فيه وأعاد، بل قبل ذلك القرآن الكريم، فإن الله – سبحانه – خص الدعاء والخضوع والصلاة ونحوها من العبادات به – سبحانه- . ويقول – عز وجل - : "وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"[غافر:60]. ويقول – سبحانه- واصفاً أفضل عباده: ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)[الأنبياء:90]. وقال سبحانه رسول – صلى الله عليه وسلم- : "فصل لربك وانحر"[الكوثر:2] وقال أيضاً – عز وجل- آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم- : "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"[الأنعام:162]. وقال – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الـذي رواه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبده، فقولوا : عبد الله ورسوله"[صحيح البخاري] (4/142). أخرجاه. وفي [ الصحيحين] أيضاً عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: لما نُزِل برسول الله – صلى الله عليه وسلم- طَفِق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصـارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يُحذر ما صنعوا[ صحيح البخاري] (1/112) و (4/144)،و(5/140)، و[صحيح مسلم] (1/377) رقم الحديث (531)، قالت عائشة – رضي الله عنها: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً [صحيح مسلم] (1/376) رقم الحديث (529). ونهيه – صلى الله عليه وسلم-، وتشديده في اتخاذ القبور مساجد بالصلاة لله عندها، ولعنه من فعل ذلكن مع أنه لم يعبدها ولم يدعها، وإنما ذلك ذريعة لعبادتها والشرك بها، فكيف بمن عبدها، وتوجه إليها، ونذر لها، وطاف بها، وذبح لها، ودعا أهلها، وطلب منهم النفع والضر. قال القرطبي – رحمه الله - : ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة لقبره – صلى الله عليه وسلم-، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة – إذا كان مستقبل المصلين-فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره .اهـ[ المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم] للإمام القرطبي ، ط/دار ابن كثير (2/128). وبهذا يتبين أن الله – سبحانه – قد صان قبره – صلى الله عليه وسلم – إجابة لدعائه – صلى الله عليه وسلم - : " الله لا تجعل قبر وثناً يعبد "[ موطأ الإمام مالك] رواية يحيى بن يحيى الليثي ، عن عطاء بن يسار مرسلاً ص (414) وإن من توجه إليه إنما هو في الحقيقة قاصد لما قام في قلبه أنه قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإلا فقبره – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن استقباله، ولا الوصول إليه. بل هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله تعالى: إن الوصول إلى قبره – صلى الله عليه وسلم – غير مقدور، ولا مأمور ا.هـ. وذلك بعد إحاطته بثلاثة جدران. وقسم: غلوا فيه – صلى الله عليه وسلم -، وزعموا أنه يعلم الغيب ويعلم أحوالهم وما هم عليه، بل وصل بعضهم أن زعم أنه يشاهده ويجتمع به يقظة لا مناماً. وهذا تكذيب لكتاب الله وكفر بالله – عز وجل، يقول سبحانه "قل لا يعلم من في السماوات الأرض الغيب إلى الله وما يشعرون أيان يبعثون" [النمل: 65] ويقول سبحانه: "ولله غيب السماوات والأرض" [هود: 123] ويقول عز وجل : "علم الغيب والشهادة الكبير المتعال" [الرعد: 9]. وثقول سبحانه وتعالى آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم - : "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب" [الأنعام: 50]. ويقول عز وجل آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم -: "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" [الأعراف: 188]. وأما أدلة وفاته – صلى الله عليه وسلم – فكثيرة: منها: قوله تعالى: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" [الزمر:30]، وقوله عز وجل "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" [الانبياء:34]، ومنها قوله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" [آل عمران:185]. وفي حديث عائشة في قصة وفاته – صلى الله عليه وسلم -، وفي آخرها قال – صلى الله عليه وسلم –: "في الرفيق الأعلى" في صحيح البخاري (5/138 ، 139) و (7/192)، ثم فاضت روحه – صلى الله عليه وسلم. وقسم من الناس: جفا في حق النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، وسنته الصحيحة، فأخذوا ينكرون طائفة من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم -، تارة بدعوى أن العقل لا يقبلها، فلما تعارض فهم عقولهم مع ما صح سنده من سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – نبذوا السنة وراء ئهورهم؛ قديماً منهم للعقل على النقل، وما علموا أن العقل الصريح لا يمكن أن يعارض النقل الصحيح، ومتى توهم هذا التعارض فإن المتهم في ذلك عقل من توهم التعارض، وإلا فالنص الصحيح مقدم بكل حال. وهذا القسم من الناس ضال مبطل، مخالف لمقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم -. وقد تقدم بيان الأدلة في ذلك، ونقل قول الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن له أن يدعها لقول أحد. وتارة يرد السنة بدافع الهوى وغلبة الشهوات، وقد كثير هذا في الأزمان المتأخرة، حتى صار ينطق في الأمور الشرعية بتحليل أو تحريم من لي أهلاً لها، وهذا من أعظم الجرم. يقول الله سبحانه: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" [الإسراء:36]، ويقول سبحانه: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" [الأعراف:33]. هذا وإن من الناس من خالف حقيقة شهادة أن محمد رسول الله بما هو دون الكفر، وإن كان خطيراً يجب الحذر منه. فمن ذلك: الحلف بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا شرك أصغر، وذريعة للشرك الأكبر. حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية الناشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء الرياض – المملكة العربية السعودية |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أصول في التفسير (للشيخ/محمد بن صالح العثيمين رحمه الله) | طارق بن حسن | منبر القرآن العظيم وعلومه | 1 | 13-12-2006 12:12AM |
صحيح المقال في مسألة شد الرحال (رد على عطية سالم ) | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر البدع المشتهرة | 0 | 12-09-2004 12:02PM |
أسئلة الأسرة المسلمة للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى | طارق بن حسن | منبر الأسرة والمجتمع السلفي | 0 | 12-12-2003 05:16PM |