#1
|
|||
|
|||
حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام (الحلقة الأولى)
حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام
-------------------------------------------------------------------------------- المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم -------------------------------------------------------------------------------- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإنّ الله ابتعث محمداً والبشرية كلها تتخبط في ظلمات حالكة مطبقة من الجهل والشرك والكفر والضلال والظلم، قال تعالى: آلر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( إبراهيم: 1 ). فقام بهذه الرسالة على أكمل وجوهها واستجاب له خير أمة أخرجت للناس ممن اختارهم الله لحمل رسالة الإسلام والجهاد والتضحية بكل غال ونفيس في سبيل نشرها والذود عن حياضها فقاموا بكل ما يتطلبه الإسلام من التلقي الواعي لما جاء به هذا الرسول من كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن سنة مشرقة وضاءة شارحة ومبينة لأهداف القرآن ومقاصده ومبادئه ومثله. ثم بتبليغ هذين النورين- بعد تطبيقهما الكامل في حياتهم إلى أمم الأرض وشعوبها بالدعوة الواضحة بالبيان وبالسيف والسنان. فهدى الله تلك الأمم وأخرجها من الظلمات إلى النور واستضاءت بنور الإسلام وتفيأت ظلاله بعد أن رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وأقبلت على تعاليم الإسلام وتوجيهاته من كتاب وسنة تنهل من نميرهما حفظـاً واعيـاً وتطبيقاً صادقاً في مجال العقيدة والعبادة والاقتصاد والحكم، فبلغوا بهذه الحياة على هذين المصدرين أوج العزة وقمة السعادة في الدنيا والآخرة، ونعموا بحياة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية من العدالة والأخوة والمحبة الصادقة في الله، والإيثار في جنب الله والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أجناس الأمم التي انضوت تحت لواء الإسلام لا فرق بين عربيهم وعجميهم ولا بين أبيضهم وأسودهم وأحمرهم. فأثارت هذه الحياة الهنيئة الراضية مكامن الحسد والبغضاء والغيظ على هذه الأمم التي أصبحت أمة واحدة كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد؛ فشرع أولئك الحاقـدون من سلالات المجوس واليهـود يحيكون الدسائس السياسية ويرسمون الخطط لزلزلة هذا البنيان المحكم وتحطيم أركانه سياسياً واجتماعياً وعقائدياً من عدة طرق. منها: الطعن في الإسلام عموماً وفي القرآن والسنة والصحابة الكرام. ومنها: اختراع الأحاديث الباطلة على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حتى وصلت الأحاديث المكذوبة إلى ألوف مؤلفة، فتصدى لهم الجهابذة من نقاد أئمة الحديث، ففندوا أكاذيبهم وكشفوا عوارهم، فلم يتركوا كاذباً ولا أحاديث مفتراة إلا سلطوا عليها الأضواء الإسلامية، وجعلوها تحت المجاهر فانكشف حالها وحال مخترعيها. بل امتد نشاط هؤلاء النقاد العباقرة إلى وضع قواعد متينة يعرف بها الصحيح من السقيم ولو كان غير كذب، وألفوا في ذلك المؤلفات، ووضعوا قواعد للجرح والتعديل؛ تميّز الراوي العدل الضابط من الضعيف والمجروح، وألفوا في ذلك المؤلفات فبلغوا بهذه الأعمال الجليلة في الحفاظ على سنة رسول الله وآثار الصحابة درجة لا نظير لها في تأريخ الإنسانية. وأضافوا إلى ذلك التأليف في العلل والموضوعات، وقبلها التأليف في الصحيح والحسن، فأصبح بذلك أمر السنة واضحاً كالشمس لا يلتبس فيه الصحيح بالضعيف فضلاً عن الموضوع والمختلق. وإلى جانب هؤلاء طوائف زائغة تبنت عقائد وأفكاراً باطلة. ومن المؤلم المؤسف جداً أن وجدوا أنفسهم وعقائدهم في مواجهة نصوص الكتاب والسنة فلجأوا إلى التحريف والتأويل لنصوص الكتاب والمتواتر من السنة حتى تتفق هذه النصوص في زعمهم مع معتقداتهم الباطلة، ولجأوا إلى وضع قواعد تدفع في نحور السنن أحياناً، وتلوي أعناقها أحياناً إلى حيث توافق أهواءهم واتجاهاتهم الضالة الباطلة. فمن تلكم القواعد قولهم: "إنّ أخبار الآحاد لا يحتج بها في باب العقيدة؛ لأنها لا تفيد اليقين وإنما تفيد الظن"، فكم أساءت هذه المقولة الباطلة إلى الإسلام، وكم أهانت من حديث عظيم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخفت به. وامتدت هذه القاعدة إلى جحود وإنكار قضايا عقدية تبلغ أدلتها حد التواتر، مثل: أحاديث نزول عيسى، وخروج الدجـال، وطلوع الشمس من مغربها، وأحاديث المهدي، وغيرها مما يؤدي إنكاره إلى هدم عقيدة الإسلام من أساسها، بل بعضها تطابقت في الدلالة عليها نصوص الكتاب والسنّة، مثل: رؤية الله في الدار الآخرة. ومن تلكم القواعد الضالة: " كل ما لم يوافق العقل وكل ما لم يوافق الذوق من أحاديث رسول الله يجب رده "، ويجعلون من جهلهم بالكتاب والسنة ومن عقولهم القاصرة وأذواقهم الفاسدة موازين لأخذ ما شاؤا ورد شاؤا من أقوال أفضل الرسل وأعقل العقلاء الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكادت هاتان الطائفتان أن تنقرضا ولكن عزّ على أعداء الإسلام أن تخبو نار الفتنة وأن تضع الحرب الموجهة ضد الإسلام أوزارها. فهب أعداء الإسلام من يهود وماسونيين ومستشرقين ومستعمرين لإيقاظ هذه الفتنة من سباتها أو نبشها من قبورها المندثرة ثم بثها في الشرق والغرب وفي صفوف أبناء الأمة الإسلامية خصوصاً المثقفين والجامعيين وانضم إلى صفوف هؤلاء الأعداء سفهاء وأغبياء من أبناء جلدتنا ومن يتكلم بلغتنا، فكان هجومهم على السنة أشد وأعنف، وكانوا أشد خطراً على الإسلام من أعداء الإسلام المكشوفين الواضحين. ولكن الله الذي تعهـد بحفظ دينـه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9). لهؤلاء جميعاً -من أعداء الإسلام الواضحين، وأعداء السنن المندسين في صفوف الإسلام، واللاهثـين وراءهم- بالمرصاد. فكما جند لحماية السنة المطهرة في السابق جنـوداً من أئمة الحديث والسنة مخلصين، فدحرت جيوش الباطل وجنود إبليس في السابق، فكذلك جند في اللاحق وفي هذا العصر بالذات من يتصدى لهؤلاء المتربصين بالسنن النبوية والعقائد الإسلامية من يدحرهم ويردهم على أعقابهم خاسئين وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ( الصافات:171-173 ). فلقد هبّ حمـاة الإسلام في السابق واللاحق يدافعون عن سنن المصطفى، ويهاجمون خصومها حتى تعلوا كلمة الحق ويزهق الباطل: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ( الإسراء:81 ). ففي السابق كان علماء الحديث والسنة وعلى رأسهم: الشافعي ( ت 204هـ)، وأحمد بن حنبل (ت 241هـ)، وابن قتيبـة ( ت 276هـ)، ثم ابن تيمية ( ت 728هـ)، وابن القيم ( ت 751هـ)، جنود بواسل في دحر هذه الشراذم الضالة. وفي العصر الحاضر هبّ لدحرهم علماء السنة الفضلاء مثل: الأستاذ محمد عبد الرزاق حمـزة، وعبد الرحمن المعلمي، وعلامة الشام ومحدثها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ عبد الله بن يابس النجدي، وغيرهم من الغيورين على الإسلام والسنّة. ولا يزالون- ولله الحمد- بالمرصـاد لكل من يرفع رأسه بفتنـة أو بشغب على الإسلام من قريب أو بعيد ويريد النيل من القرآن والسنة، قال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9). ولقد أسهمت أنا العبد الضعيف في الذب عن السنة والمنهج الإسلامي بعدة إسهامات منها: " كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها". ومنها: "تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف". ومنها: هذا البحث المتواضع الذي أشارك به اليوم في "ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية"؛ هذا وقد قسمت بحثي إلى مقدمة وفصول: الفصل الأول: بيان منـزلة السنّة في الكتاب والسنّة. الفصل الثاني: منزلة السنة عند الصحابة الكرام فمن بعدهم من خيار الأمة وسادتها. الفصل الثالث: ذكر ضلالات وشبه أهل الأهواء حول السنة قديماً ودحضها. الفصل الرابع: ذكر شبهات أهل الأهواء حول السنة في العصر الحاضر ودحضها. الفصل الخامس: حجج أهل السنة على أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تفيد العلم لا الظن. والله أسأل أن ينفعني والمسلمين بهذا البحث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. فرغ من كتابته ربيع بن هادي عمير المدخلي في الخامس من ربيع الثاني عام أربعة وعشرين وأربعمائة بعد الألف من التاريخ الهجري. 5/4/1424هـ مكة المكرمة -------------------------------------------------------------------------------- الفصل الأول بيان منزلة السنّة في الكتاب والسنّة تعريف السنة: هي في اصطلاح المحدثين : كل ما أثر عن النبي صى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو سيرة، والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي. ولها منـزلة عظيمة وميزات مرتبطة بميزات ومنـزلة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم منها - : 1- لقـد ميز الله رسوله بالعصمة فيما يبلغه عن ربه -عز وجل-، وهي ميزة جميع الأنبيـاء -عليهم الصـلاة والسلام-، وهذه العصمة ليست خاصة بتبليغ القرآن بل في كل ما يبلغه عن ربه -عز وجل- من قول أو فعل أو تقرير فهو لا ينطق عن هوى كما قال تعـالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَـوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُـمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (النجم: 1-4)، ومن خصّ هذه العصمة بتبليغ القرآن دون سنة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضل وغوى. 2- وقرن الله الإيمان بهذا الرسول الكريم بالإيمان به -عز وجل- في كثير من الآيات. قال تعـالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُـونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِـهِ وَإِذَا كَانُـوا مَعَـهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِـعٍ لَمْ يَذْهَبُــوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ (النور:62). وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم ( الحديد: 28 ). وقال تعـالى: لِتُؤْمِنـُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِـهِ وَتُعـَزِّرُوهُ وَتُوَقـِّرُوهُ( الفتح: 48 ). فالإيمان به يقتضي الإيمان بكل ما جاء به وأخبر عنه من الأمور الماضية والمستقبلية من أخبار الرسل وأممهم وأخبار الجنة والنار وأهلهما وأشراط الساعة والملاحم وغيرها. 3- وأحلّـه منـزلة رفيعة، هي أن يكون المبين لكتابه، والمفسر لما أجمل من آياته، والمخصص لعموماته، والمقيد لمطلقاته، فقال عز من قائل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( النحل:44 ). فيالها من منـزلة أرغم الله أنوف من لم يرضوها ويجادلون فيها بالباطل. 4- وأمر بطاعته في مواضع كثيرة تربوا على ثلاثين موضعاً، وقرن طاعته بطاعته بل جعل طاعته طاعة لله، ومعصيته معصية لله، قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ( النساء: 80 ). وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ( الأنفال:20 ). وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( النساء:59 ). وقال تعالى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ( آل عمران:32 ). فهذا التأكيد على طاعته مقرونة بطاعة الله، وهذا الأمر بالرد إلى الله والرسول ليس له معنى إلا الانقيـاد له صلى الله عليه وسلم، واعتقاد وجوب طاعته، والحذر من معصيته. 5- ووعد الله بأعظم الجزاء لمن يطيع الله ورسوله في غير ما آية منها: قوله تعالى عقب تفصيل المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(النساء:13). ومنها: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقـاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً ( النساء:70 ). 6- ونفى الإيمان عمن لا يحكمه في شئون الدين والدنيا أو يجد حرجاً في الاحتكام إليه أو لا يسلّم تسليماً ظاهراً وباطناً لقضائه. قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( النساء:65 ). 7- وحذّر الله من مخالفته أشد التحذير وتوعد من يخالف أمره بالسقـوط في الفتنـة وبالعذاب الأليم، قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( النور: 63 ). 8- ووصف من يتهرب من الاحتكام إليه ويصد عنه وعن حكمه بالنفاق، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (النساء:61). 9- ووصف من يعرض عن حكمه ولا يذعن له بأنّهم غير مؤمنين، وأن دعواهم الإيمان كاذبة، وبأنّ في قلوبهم مرضاً، ووصفهم بالظلم وسوء الظن بالله وبرسوله. فقال: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( النور 48- 50 ). 10- وجعل الله من علامات المؤمنـين الصادقين الاستجابة لمن يدعوهم إلى حكم الله ورسولـه، وإعـلان السمع والطاعـة، وشهد لهم بأنهم هم المفلحون والفائزون فقـال: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَـا وَأَطَعْنَـا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَـهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُولَئِـكَ هُمُ الْفَـائِزُونَ (النور:51-52 ). ووعد الله سبحانه وتعالى من يطيع الرسول بالهداية إلى الحق فقال تعـالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( النور: 54 ). 11- وميز الله الذكر المنـزل عليه بالحفظ، وهذا الذكر يشمل القرآن والسنة وهي بيانه ولا يتم حفظ القرآن إلا بحفظ بيانه. وهذا كما يشهد به القرآن يشهد به الواقع وتاريخ هذه الأمة، وجهاد فحولها في الحفاظ على السنة وحفظها واتخاذ كل الوسائل الحكيمة، واستخدام الأصول والطرق والمناهج لتحقيق هذا الحفظ في أجلى صوره وأمتنها ولا يجحد هذا إلا مكابر. هذه المزايا وغيرها -مما لا يتسع المقام لذكره- لهذا الرسول الكريم تعطي بداهة عند أولى النهى والألباب مكانة واعتباراً وإجلالاً لسنة محمد ، وأنها براهين ساطعـة وحجج قاطعـة مع القرآن جنباً إلى جنب في كل أبواب الدين والدنيا في العقائد والعبادات والمعاملات والسياسة والاجتماع والاقتصاد. ومن رأى أو قال غير هذا فقد تاه، وضل ضلالاً مبيناً، وشاق الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين. وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ( النساء:115 ). ومن السنّة: ما جاء عن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي" ( 1). وعن معديكرب -- قال: قال رسول الله --: "يوشك الرجل متكأً على أريكته يحدّث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله -عز وجل- فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنّ ما حرم رسول الله -- مثل ما حرّم الله" ( 2). وعن أبي رافع –-، أنّ رسول الله -- قال: "لا ألفينّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" ( 3). وعن أبي هريرة –- أنّ رسول الله -- قال: "كلّ أمتي يدخلون الجنّة إلا من أبى"، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟، قال: "من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى" ( 4). وعن أبي موسى –- عن النبي -- قال: "إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتي قوماً، فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيَّ، وإنّي أنا النذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحق" ( 5). -------------------------------------------------------------------------------- الفصل الثاني منزلة السنّة عند الصحابة الكرام فمن بعدهم من خيار الأمة وسادتها أولاً: منزلة السنة عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1- سألت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة"، فغضبت على أبي بكر وهجرته... فأبى عليها ذلك أبو بكر وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ" (6 ). كأنه كان نصب عينيه قول الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( النور: 63 ). 2- وروى الإمام البخاري بإسناده إلى أبي وائل قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد،(يعني المسجد الحرام) قال: جلس إليّ عمر في مجلسك هذا، فقال: "هممت ألا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين قلت: ما أنت بفاعل، قال:لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك قال: هما المرآن يقتدى بهما " (7 ). وقد يكون حكم المسألة الكبيرة في القرآن والسنة، فيكتفي الصحابة في الاستدلال عليها ببعض من السنة، فلا يسمع معارضاً لا من الصحابة ولا من التابعين؛ لأن سنّة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم جميعاً حجة وأي حجة مثل القرآن، ولها عندهم منزلة وأي منـزلة. 3- وروى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسـابه على الله"، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها. قال عمر- رضي لله عنه-: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله -عز وجل- قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحق"( 8). إن كُلاً من أبي بكر وعمر قد احتج بالسنة في حضور الصحابة الكرام وأقروهما على هذا الاستدلال، وهما أفضل الصحابة، وفي المسألة نصان من القرآن الكريم، وهما: قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ( التوبة: 5 ). وقوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ( التوبة: 11 ). وترجح رأي أبي بكر؛ لأنّ مانعي الزكاة أخلوا بشروط العصمة الواردة في الحديث الذي استدل به عمر وفي الآيتين المذكورتين وفي غيرهما. والشاهد أن في احتجاج أبي بكر وعمر بالسنة في مسألة عظيمة منصوص عليها في القرآن وبحضور الصحابة الكرام دليل واضح على منزلة السنة عند الصحابة جميعاً، وأنه لا ينكر على أحد إذا سلك هذا المنهج، وأن للمسلم أن يسلك هذا المنهج وله أن يجمع بين القرآن والسنة، وله أن يكتفي بالنص من القرآن؛ شريطة أن يكون استدلاله صحيحاً بعيداً عن اتباع الهوى وتتبع المتشابهات كما هو فعل أهل الأهواء والزيغ، ومنهم أعداء السنة وخصومها. 4- ولما قال معبد الجهني وجماعة معه في البصرة بالقدر، وبلغ ذلك ابن عمر من طريق يحيى بن يعمر وحميد بن عبدالرحمن الحميري قال ابن عمر: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم إني برئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"، ثم روى عن أبيه الحديث المشهور الذي فيه سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه رسول لله صلى الله عليه وسلم على أسئلته إجابة شافية، ومن إجابته عن السؤال عن الإيمان قوله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" (9 ). والشاهد أن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر اكتفى في هذه المسألة العقدية الكبيرة بالاحتجاج بالسنة النبوية مع أن هناك آيات في الإيمان بالقدر، وفي هذا دليل على منزلة السنة عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. والأدلة من تصرفاتهم كثيرة لا يتسع المقام لسردها. 5- وعن سالم بن عبدالله بن عمر أن عبدالله بن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها " قال: فقال بلال ان عبدالله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبدالله فسبّه سباً سيئاً ما سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: "والله لنمنعهن "( 10). 6- وعن سعيد بن جبير أن قريباً لعبدالله بن مغفل خذف فنهاه، وقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: "إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكأ عدواً ولكنها تكسر السن وتفقأ العين" قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- نهى عنه، ثم تخذف لا أكلمك أبداً " ( 11). 7- ورحل كل من أبي أيوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري مسيرة شهر من أجل حديث واحد. هذه هي منزلة السنة النبوية عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سار على نهجهم التابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى في تعظيم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجون بها في كل جوانب الدين العقدية والعملية، ويعملون بها في كل شؤون حياتهم ويشدون الرحال إلى مختلف البلدان لحفظها وتدوينها ونشرها وتعليمها كما سبقت الإشارة إلى ذلك. ثانياً: منزلة السنّة عند التابعين وأهل الحديث والفقهاء. 1- اهتموا بحفظها والتفقه فيها والتعبد بها، فتجد الواحد منهم يحفظ ألوف الألوف من الأحاديث. 2- اهتموا بالرحلة في سبيلها، فتجد الكثير منهم يرحل إلى البلدان المختلفة ليتلقاها من أفواه العلماء بها، حتى إن بعضهم ليرحل مسافة شهر من أجل حديث واحد. 3- اهتموا بتدوينها في المصنفات والجوامع والمعاجم والمسانيد وكتب الصحاح والسنن. 4- اهتموا بتواريخ رجالها من ولادتهم إلى وفياتهم، وبيان أحوالهم من قوّة وضعف، وأحوالهم في شيوخهم –أيضاً- من قوّة وضعف. وبيان أحوال الحفاظ المتقنين والنقاد المبرزين، وأحوال من تغيّر حفظه ومتى حصل هذا التغير، ومن روى عنهم قبل التغير وبعده، كل ذلك في كتب الرجال المشهورة، بل خصّصوا كتباً في الحفاظ وطبقاتهم، وفي المدلّسين وطبقاتهم، وفي المختلطين، وفي الضعفاء والمتروكين، وألفوا كتباً في علومها، وألّفوا الكتب في الوضع والوضاعين. كلّ ذلك نصحاً لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين، وحفاظاً على السنّة النبوية، وحماية لها، وتمييزاً بين مقبولها ومردودها. وتحقّق بهذه الأعمال وعد الله إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(الحجر:9). مما حدا بأحد أئمة الحديث -وهو أبو حاتم محمد بن حبان البستي- أن يقول: :" ولو لم يكن الإسناد وطلب هذه الطائفة له لظهر في هذه الأمة من تبديل الدين ما ظهر في سائر الأمم، وذلك أنه لم يكن أمة لنبي قط حفظت عليه الدين عن التبديل ما حفظت هذه الأمة، حتى لا يتهيأ أن يزاد في سنة من سنن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألفٌ ولا واوٌ، كما لا يتهيأ زيادة مثله في القرآن، لحفظ هذه الطائفة السنن على المسلمين، وكثرة عنايتهم بأمر الدين، ولولاهم لقال من شاء ما شاء." ( 12). -------------------------------------------------------------------------------- الحواشي: (1 ) أخرجه مالك في الموطأ (2/899)، بلاغاً، والحاكم في المستدرك (1/93) متصلاً مرفوعاً، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2937)، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (24/331): ((وهذا أيضاً محفوظ معروف مشهور عن النبي عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الإسناد)). (2 ) أخرجه ابن ماجه في مقدمة السنن (1/6) حديث (12)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه حديث (12)، وأخرجه أبو داود في السنة حديث (4604) بلفظ أطول وفيه: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه...))، وأخرجه الترمذي في العلم، حديث (2664). (3 ) أخرجه أبو داود في السنة حديث (4605)، والترمذي في العلم حديث (2663)، وابن ماجه في المقدمة حديث (13)، وإسناده صحيح وصححه الألباني في صحيح أبي داود وصحيح ابن ماجة. (4 ) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام حديث (7280). (5 ) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام حديث (7283)، ومسلم حديث (2283). (6 ) صحيح البخاري فرض الخمس حديث ( 3093 ). (7 ) الصحيح الاعتصام بالسنة حديث ( 7275 ) وهو في مسند الإمام أحمد ( 3/410 ). (8 ) البخاري في الزكاة حديث ( 1400 ) ومسلم في الإيمان حديث ( 20 ). (9 ) صحيح مسلم الإيمان حديث (1). (10 ) صحيح مسلم الصلاة حديث ( 442 ). (11 ) صحيح مسلم الصيد والذبائح حديث ( 1954 ) وأخرجه البخـاري في الذبائح والصيـد حديث ( 5479 ) وفيه " لا أكلمك كذا وكذا ومثله في مسلم أيضاً ". (12 ) كتاب المجروحين ( 1/25). -------------------------------------------------------------------------------- انتهت الحلقة الأولى ويليه الحلقة الثانية بمشيئة الله تعالى
__________________
استخدم زر التحكم لتعديل توقيعك |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ردع الشيخ المحدث مقبل الوادعي لجناية علي رضا على كتب العلل واستخفافه ببعض المتقدمين | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر الجرح والتعديل | 0 | 05-05-2005 01:07AM |
حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام (الحلـــــــــقة الرابعـــــــــــــة) | الشيخ ربيع المدخلي | السنن الصحيحة المهجورة | 0 | 26-05-2004 01:05PM |