بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } فهو تبارك وتعالى يدافع عن المؤمنين حيث كانوا فالله هو الدافع والسبب هو الإيمان وكان النبى صلى الله عليه و سلم يقول فى خطبته : { من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا } ؛ قال تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} وأما ما يظنه بعض الناس من أن البلاء يندفع عن أهل بلد أو إقليم عن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين كما يظن بعض الناس انه يندفع عن أهل بغداد البلاء لقبور ثلاثة أحمد بن حنبل وبشر الحافي ومنصور بن عمار ويظن بعضهم انه يندفع البلاء عن أهل الشام بمن عندهم من قبور الأنبياء الخليل وغيره عليهم السلام وبعضهم يظن انه يندفع البلاء عن أهل مصر بنفيسة أو غيرها أو يندفع عن أهل الحجاز بقبر النبي وأهل البقيع أو غيرهم فكل هذا غلو مخالف لدين الإسلام مخالف للكتاب والسنة والإجماع فالبيت المقدس كان عنده من قبور الأنبياء والصالحين ما شاء الله فلما عصوا الأنبياء وخالفوا ما أمر الله به ورسله سلط عليهم من انتقم منهم والرسل الموتى ما عليهم إلا البلاغ المبين وقد بلغوا رسالة ربهم وكذلك نبينا قال الله تعالى فى حقه : { إن عليك إلا البلاغ } وقال تعالى : { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } وقد ضمن الله لكل من أطاع الرسول أن يهديه وينصره فمن خالف أمر الرسول إستحق العذاب ولم يغن عنه أحد من الله شيئا كما قال النبي : { يا عباس عم رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا } ؛ وقال لمن ولاه من أصحابه : { لا ألفين أحدكم يأتى يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ؛ يقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد بلغتك } وكان أهل المدينة فى خلافة أبى بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان على أفضل أمور الدنيا والآخرة لتمسكهم بطاعة الرسول ثم تغيروا بعض التغير بقتل عثمان رضى الله عنه وخرجت الخلافة النبوية من عندهم وصاروا رعية لغيرهم ثم تغيروا بعض التغير فجرى عليهم عام الحرة من القتل والنهب وغير ذلك من المصائب ما لم يجر عليهم قبل ذلك والذي فعل بهم ذلك وإن كان ظالما معتديا فليس هو اظلم ممن فعل بالنبي وأصحابه ما فعل وقد قال تعالى : { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } وقد كان النبى والسابقون الأولون مدفونين بالمدينة وكذلك الشام كانوا في أول الإسلام في سعادة الدنيا والدين ثم جرت فتن وخرج الملك من أيديهم ثم سلط عليهم المنافقون الملاحدة والنصارى بذنوبهم واستولوا على بيت المقدس وقبر الخليل وفتحوا البناء الذي كان عليه وجعلوه كنيسة ثم صلح دينهم فأعزهم الله ونصرهم على عدوهم لما أطاعوا الله ورسوله واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم فطاعة الله ورسوله قطب السعادة وعليها تدور { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } وكان النبي يقول في خطبته : { من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا } ومكة نفسها لا يدفع البلاء عن أهلها ويجلب لهم الرزق إلا بطاعتهم لله ورسوله كما قال الخليل عليه السلام : { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } وكانوا في الجاهلية يعظمون حرمة الحرم ويحجون ويطوفون بالبيت وكانوا خيرا من غيرهم من المشركين والله لا يظلم مثقال ذرة وكانوا يكرمون مالا يكرم غيرهم ويؤتون مالا يؤتاه غيرهم لكونهم كانوا متمسكين بدين إبراهيم بأعظم مما تمسك به غيرهم وهم في الإسلام إن كانوا أفضل من غيرهم كانوا جزاؤهم بحسب فضلهم وإن كانوا أسوأ عملا من غيرهم كان جزاؤهم بحسب سيئاتهم فالمسجد والمشاعر إنما ينفع فضلها لمن عمل فيها بطاعة الله عز وجل وإلا فمجرد البقاع لا يحصل بها ثواب ولا عقاب وإنما الثواب والعقاب على الأعمال المأمور بها والمنهي عنها وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وكان أبوالدرداء بدمشق وسلمان الفارسي بالعراق فكتب أبوالدرداء إلى سلمان هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الرجل عمله والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمين باتفاق العلماء ولهذا كان سكنى الصحابة بالمدينة أفضل للهجرة والجهاد , والله تعالى هو الذى خلق الخلق وهو الذى يهديهم ويرزقهم وينصرهم وكل من سواه لا يملك شيئا من ذلك كما قال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقد فسروها بأنه يؤذن للشافع والمشفوع له جميعا فإن سيد الشفعاء يوم القيامة محمد إذا أراد الشفاعة قال : { فإذا رأيت ربى خررت له ساجدا وأحمده بمحامد يفتحها على لا أحسنها الآن ؛ فيقال لي : ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع ؛ قال : فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة } وكذلك ذكر في المرة الثانية والثالثة ؛ ولهذا قال تعالى : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } فأخبر أنه لا يملكها أحد دون الله وقوله : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } استثناء منقطع أي من شهد بالحق وهم يعلمون هم أصحاب الشفاعة منهم الشافع ومنهم المشفوع له وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه سأله أبو هريرة فقال : { من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؛ فقال : يا أبا هريرة لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه } رواه البخاري ؛ فجعل أسعد الناس بشفاعته أكملهم إخلاصا .
ـــــــــــــــــــــــ
مجموع الفتاوى للإمام شيخ الإسلام|| ابن تيمية ||27 / 435-440
من المكتبة الشاملة ( بتصرف يسير )