|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (كتاب الطهارة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: إن كتاب ((تيسير العلام شرح عمدة الأحكام)) للشيخ عبد الله آل بسام رحمه الله، كتاب قيم، وشرح مفيد، ومن خلال قراءتي للكتاب استفدت أشياءً كثيرة. لأن الشيخ رحمه الله شرحه شرحاً مبسطاً وسهلاً، يستفيد منه الجميع، الصغير والكبير، الطالب والعامي، وأسأل الله أن يجزي الشيخ رحمه الله خير الجزاء، وأن يعلي منزلته، وأن يجمعنا بعلماء المسلمين في فسيح جناته، أنه سميع مجيب. آمين. ورغبة في نشر العلم المفيد، سأقوم بنشر شرح الشيخ رحمه الله للأحاديث، حديثاً حديثاً، بين الفترة والأخرى، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يسهل وييسر علينا هذا العمل، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وبالله التوفيق. كتبه أبو حميد عبد الله بن حميد الفلاسي عفى الله عنه وغفر له. |
#2
|
|||
|
|||
كتاب الطهارة الْحَدِيثُ الأَوَّلُ : عَنْ أمير المؤمنين أبي حفص عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ )) . ----------------------------------- غريب الحديث: 1- إنما الأعمال بالنيات: كلمة ((إنما)) تفيد الحصر، فهو هنا قصر موصوف على صفة، وهو إثبات حكم الأعمال بالنيات، فهو في قوة (ما الأعمال إلا بالنيات) وينفي الحكم عما عداه. 2- النية: لغة: القصد. ووقع بالإفراد في أكثر الروايات. قال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر. أ.هـ وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى. 3- فمن كانت هجرته ... الخ: مثال يقرر ويوضح القاعدة السابقة. 4- فمن كانت هجرته: جملة شرطية. 5- فهجرته إلى الله ورسوله: جواب الشرط، واتحد الشرط والجواب؛ لأنهما على تقدير (من كانت هجرته إلى الله ورسوله –نيةً وقصداً – فهجرته إلى الله ورسوله – ثواباً وأجراً). المعنى الإجمالي: هذا حديث عظيم وقاعدة جليلة من قواعد الإسلام، هي القياس الصحيح لوزن الأعمال، من حيث القبول وعدمه، ومن حديث كثرة الثواب وقلته. فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن مدار الأعمال على النيات: فإن كانت النية صالحة، والعمل خالصاً لوجه الله تعالى، فالعمل مقبول. وإن كانت غير ذلك، فالعمل مردود. فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك. ثم ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً يوضح هذه القاعدة الجليلة بالهجرة. فمن هاجر من بلاد الشرك، ابتغاء ثواب الله، وطلباً للقرب من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلم الشريعة، فهجرته في سبيل الله، والله يثيبه عليها. ومن كانت هجرته لغرض من أغراض الدنيا، فليس له عليها ثواب. وإن كانت إلى معصية، فعليه العقاب. والنية تميز العبادة عن العادة، فالغُسل مثلاً يقصد عن الجنابة، فيكون عبادة، ويراد للنظافة أو التبرد، فيكون عادة. وللنية في الشرع بحثان: أحدهما: الإخلاص في العمل لله وحده، وهو المعنى الأسمى، وهذا يتحدث عنه علماء التوحيد، والسير، والسلوك. الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض، وهذا يتحدث عنه الفقهاء. وهذا من الأحاديث الجوامع، التي يجب الاعتناء بها وتفهمها، فالكتابة القليلة لا تؤتيه حقه. وقد افتتح به الإمام البخاري (رحمه الله تعالى) صحيحه لدخوله في كل مسألة من مسائل العلم وكل باب من أبوابه. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن مدار الأعمال على النيات، صحةً وفساداً، وكمالاً ونقصاً، وطاعةً ومعصيةً فمن قصد بعمله الرياء أثم، ومن قصد بالجهاد مثلاً إعلاء كلمة الله فقط كمل ثوابه. ومن قصد ذلك والغنيمة معه نقص ثوابه. ومن قصد الغنيمة وحدها لم يأثم ولكنه لا يعطى أجر المجاهد. فالحديث مسوق لبيان أن كل عمل، طاعة كان في الصورة أو معصية يختلف باختلاف النيات. 2- أن النية شرط أساسي في العمل، ولكن بلا غُلُو في استحضارها يفسد على المتعبد عبادته. فإن مجرد قصد العمل يكون نية له بدون تكلف استحضارها وتحقيقها. 3- أن النية محلها القلب، واللفظ بها بدعة. 4- وجوب الحذر من الرياء والسمعة والعمل لأجل الدنيا، ما دام أن شيئاً من ذلك يفسد العبادة. 5- وجوب الاعتناء بأعمال القلوب ومراقبتها. 6- أن الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، من أفضل العبادات إذا قصد بها وجه الله تعالى. فائدة: ذكر ابن رجب أن العمل لغير الله على أقسام: فتارة يكون رياء محضاً لا يقصد به سواء مراءاة المخلوقين لتحصيل غرض دنيوي، وهذا لا يكاد يصدر عن مؤمن ولا شك في أنه يحبط العمل وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة. وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فإن النصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وإن كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء، ودفعه صاحبه فإن ذلك لا يضره بغير خلاف. وقد اختلاف العلماء من السلف في الاسترسال في الرياء الطارئ، هل يحبط العمل أو لا يضر فاعله ويجازى على اصل نيته؟ أ.هـ بتصرف. تم بحمد الله شرح الحديث الأول ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الثاني |
#3
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ } . ----------------------------------------- غريب الحديث: 1- لا يقبل الله: بصيغة النفي، وهو أبلغ من النهي، لأنه يتضمن النهي، وزيادة النفي حقيقة الشيء. 2- أحدث: أي حصل منه الحدث، وهو الخارج من أحد السبيلين أو غيره من نواقض الوضوء. وفي الأصل: الحدث الإيذاء. 3- الحدث: وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء، يمنع وجوده من صحة العبادة المشروط لها الطهارة. المعنى الإجمالي: الشارع الحكيم أرشد من أراد الصلاة، أن لا يدخل فيها إلا على حال حسنة وهيئة جميلة، لأنها الصلة الوثيقة بين الرب وعبده، وهي الطريق إلى مناجاته. لذا أمره بالوضوء والطهارة فيها، وأخبره أنها مردودة غير مقبولة بغير ذلك. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن صلاة المحدث لا تقبل حتى يتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر. 2- أن الحدث ناقض للوضوء، ومبطل للصلاة إن كان فيها. 3- المراد بعدم القبول هنا: عدم صحة الصلاة وعدم إجزائها. 4- الحديث يدل على أن الطهارة شرط لصحة الصلاة. تم بحمد الله شرح الحديث الثاني ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الثالث. |
#4
|
|||
|
|||
تابع / كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) قَالُوا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } (1). ---------------------------- غريب الحديث: 1- الويل: العذاب والهلاك. والويل مصدر لا فعل له من لفظه. 2- الأعقاب: جمع ((عقب)) وهو مؤخر القدم، والمراد أصحابها. و((الـ)) في ((الأعقاب)) للعهد، أي الأعقاب التي لا ينالها الماء، وبهذا يستقيم الوعيد. المعنى الإجمالي: يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون بأمر الوضوء والتقصير فيه، ويحث على الاعتناء بإتمامه. ولما كان مؤخر الرجل - غالباً - لا يصل إليه ماء الوضوء، فيكون الخلل في الطهارة والصلاة منه، أخبر أن العذاب مُنصب عليه وعلى صاحبه المتهاون في طهارته الشرعية. ما يؤخذ من الحديث: 1- وجوب الاعتناء بأعضاء الوضوء، وعدم الإخلال بشيء منها. وقد نص الحديث على القدمين وبقية الأعضاء مقيسة عليهما. مع وجود نصوص لها. 2- الوعيد الشديد للمخل في وضوئه. 3- أن الواجب في الرجلين الغسل في الوضوء، وهو ما تضافرت عليه الأدلة الصحيحة، وإجماع الأمة، خلافاً لشذوذ الشيعة الذين خالفوا به جماهير الأمة، وخالفوا به الأحاديث الثابتة في فعله وتعليمه صلى الله عليه وسلم للصحابة إياه، كما خالفوا القياس المستقيم من أن الغسل للرجلين أولى وأنقى من المسح. فهو أشد مناسبة وأقرب إلى المعنى. تم بحمد الله شرح الحديث الثالث ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الرابع. ---------------------- 1) حديث عائشة، تفرد به مسلم. |
#5
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الحديث الرابع: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ، ثُمَّ لِيسَنْتَثِرْ ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ} . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِم:ٍ {فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ} . وَفِي لَفْظ:ٍ {مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ} . --------------------------------------- غريب الحديث: 1- توضأ أحدكم: يعني إذا شرع في الوضوء. 2- ليستنثر: يعني ليخرج الماء من أنفه، بعد إدخاله فيه، وإدخاله هو الاستنشاق. 3- استجمر: استعمل الجمار – وهي الحجارة – لقطع الأذى الخارج من أحد السبيلين وهو الاستنجاء بالحجارة. 4- فليوتر: لِيُنهِ استجماره على وتر، وهو الفرد، مثل ثلاث أو خمس أو نحوهما، ولا يكون قطعه الاستجمار لأقل من ثلاث. 5- فإن أحدكم لا يدري...الخ: تعليل لغسل اليد بعد الاستيقاظ. 6- باتت يده: حقيقة المبيت يكون من نوم الليل. وقد حكى الزمخشري، وابن حزم، والآمدي، وابن برهان، أنها تكون بمعنى ((صار)) فلا تختص بوقت وإذا أطلقت اليد فالمراد بها الكف. 7- فليستنشق: الاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف. المعنى الإجمالي: يشمل هذا الحديث على ثلاث فقرات، لكل فقرة حكمها الخاص بها. 1- فذكر أن المتوضئ إذا شرع في الوضوء، أدخل الماء في أنفه، ثم أخرجه منه وهو الاستنشاق والاستنثار المذكور في الحديث، لأن الأنف من الوجه الذي أمر المتوضئ بغسله. وقد تضافرت الأحاديث الصحيحة على مشروعيته، لأنه من النظافة المطلوبة شرعاً. 2- ثم ذكر أيضاً أن من أراد قطع الأذى الخارج منه بالحجارة، أن يكون قطعه على وترٍ، أقلها ثلاث وأعلاها ما ينقطع به الخارج، وتنقي المحل إن كانت وتراً، وإلا زاد واحدة توتر أعداد الشفع. 3- وذكر أيضاً أن المستيقظ من نوم الليل لا يُدخلُ كفه في الإناء، أو يمس بها شيئاً رطباً، حتى يغسلها ثلاث مرات. لأن نوم الليل غالباً يكون طويلاً، ويده تطيش في جسمه، فلعلها تصيب بعض المستقذرات وهو لا يعلم. فشرع له غسلها للنظافة المشروعة. اختلاف العلماء: اختلف العلماء في النوم الذي يشرع بعده غسل اليد. فذهب ((الشافعي)) والجمهور إلى أنه بعد كل نوم، من ليل أو نهار، لعموم قوله: {من نومه}. وخصه الإمامان ((أحمد)) و((داود الظاهري)) بنوم الليل، وأيدوا رأيهم بأن حقيقة البيتوتة، لا تكون إلا من نوم الليل، وبما وقع في رواية الترمذي، وابن ماجه {إذا استيقظ أحدكم من الليل}. والراجح المذهب الأخير، لأن الحكمة التي شرع من أجلها الغسل غير واضحة وإنما يغلب عليها التعبدية، فلا مجال لقياس النهار على الليل وإن طال فيه النوم، لأنه على خلاف الغالب، والأحكام تتعلق بالأغلب، وظاهر الأحاديث التخصيص. ثم اختلفوا أيضاً: هل غسلها واجب أو مستحب؟ فذهب الجمهور إلى الاستحباب، وهو رواية لأحمد، اختاره ((الخرقي)) و((الموفق)) و((المجد)). والمشهور من مذهب ((أحمد)) الوجوب، ويدل عليه ظاهر الحديث. ما يؤخذ من الحديث: 1- وجوب الاستنشاق والاستنثار. قال النووي: فيه دلالة ظاهرة على أن الاستنثار غير الاستنشاق. 2- أن الأنف من الوجه في الوضوء، أخذاً من هذا الحديث مع الآية ((فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ)) [المائدة:6]. 3- مشروعية الإيتار لمن استنجى بالحجارة. قال المجد في المنتقى: وهو محمول على أن القطع على وتر سنة فيما زاد على الثلاث. 4- قال ابن حجر: استنبط قوم من حديث أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة مع بقاء أثر النجاسة عليه. 5- مشروعية غسل اليد من نوم الليل، وتقدم الخلاف في تخصيص الليل، والخلاف في وجوب الغسل أو استحبابه. 6- وجوب الوضوء من النوم. 7- النهي عن إدخالها في الإناء قبل غسلها، وهو إما للتحريم، أو للكراهية، على الخلاف في وجوب الغسل أو استحبابه. 8- الظاهر من تعليل مشروعية غسلها النظافة. ولكن الحكم للغالب، فيشرع غسلها، ولو حفظها بكيس ونحو ذلك. 9- قوله : {وإذا استيقظ} ظاهره أنه حديث واحد كما في البخاري فقد جعلهما حديثاً واحداً لاتحاد سندهما. ولكنهما في الموطأ وعند مسلم حديثان. تم بحمد الله شرح الحديث الرابع ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الخامس |
#6
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ} . وَلِمُسْلِمٍ: { لا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ} . ------------------------------ غريب الحديث: 1- لا يبولن: ((لا)) ناهية، والفعل مجزوم المحل بها، وحُرك بالفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. 2- الذي لا يجري: تفسير للدائم، وهو المستقر في مكانه كالغُدران في البرية، أو الموارد. 3- ثم يغتسل منه: برفع الفعل على المشهور، والجملة خبر مبتدأ تقديره: هو يغتسل منه. وجملة المبتدأ والخبر محلها الجزم. عطفاً على ((لا يبولن)). 4- لا يغتسل: مجزوم لفظاً بـ ((لا)) الناهية. 5- وهو جنب: الجملة في موضع نصب على الحال. المعنى الإجمالي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم، الذي لا يجري، كالخزانات والصهاريج، والغدران في الفلوات، والموارد التي يستسقى منها الناس لئلا يلوثها عليهم ويكرهها. لأن هذه الفضلات القذرة سبب في انتشار الأمراض الفتاكة. كما نهى عن الاغتسال بغمس الجسم أو بعضه في الماء الذي لا يجري، حتى لا يكرهه ويوسخه على غيره، بل يتناول منه تناولاً، وإذا كان المغتسل جنباً فالنهي أشد. فإن كان الماء جارياً، فلا بأس من الاغتسال فيه والتبول، مع أن الأحسن تجنيبه البول؛ لعدم الفائدة في ذلك وخشية التلويث وضرر الغير. اختلاف العلماء: اختلف العلماء، هل النهي للتحريم أو الكراهية؟ فذهب المالكية: إلى أنه مكروه. وذهب الحنابلة والظاهرية: إلى أنه للتحريم. وذهب بعض العلماء: إلى أنه محرم في القليل، مكروه في الكثير. وظاهر النهي، التحريم في القليل والكثير، لكن يخص من ذلك المياه المستبحرة باتفاق العلماء. واختلفوا في الماء الذي بيل فيه: هو هو باقٍ على طهوريته أو تنجس؟ فإن كان متغيراً بالنجاسة، فإن الإجماع منعقد على نجاسته، قليلاً كان أو كثيرا. وإن كان غير متغير بالنجاسة وهو كثير (1) فالإجماع أيضاً على طهوريته. وإن كان قليلاً غير متغير بالنجاسة. فذهب أبو هريرة، وابن عباس، والحسن البصري، وابن المسيب، والثوري، وداود، ومالك والبخاري: إلى عدم تنجسه. وقد سرد البخاري عدة أحاديث رداً على من قال إنه نجس. وذهب ابن عمر ومجاهد والحنفية والشافعية والحنابلة: إلى أنه تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير، ما دام قليلاً، مستدلين بأدلة، منها حديث الباب. وكلها يمكن ردها. واستدل الأولون بأدلة كثيرة. منها: ما رواه أبو داود، والترمذي وحسنه {الماء طهور لا ينجسه شيء}. وأجابوا عن حديث الباب بأن النهي لتكريهه على السقاة الواردين لا لتنجيسه. والحق ما ذهب إليه الأولون، فإن مدار التنجس على التغير بالنجاسة، قل الماء أو كثر. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله. ومن هذا نعلم أن الراجح أيضاً طهورية الماء المغتسل فيه من الجنابة، وإن قل خلافاً للمشهور من مذهبنا، ومذهب الشافعي، من أن الاغتسال يسلبه صفة الطهورية، ما دام قليلاً. ما يؤخذ من الحديث: 1- النهي عن البول في الماء الذي لا يجري وتحريمه، وأولى بالتحريم التغوط سواء أكان قليلاً أو كثيراً، دون المياء المستبحرة فإن ماءها لا يتنجس بمجرد الملاقاة، بل ينتفع به لحاجات كثيرة غير التطهر به من الأحداث. 2- النهي عن الاغتسال في الماء الدائم بالانغماس فيه، لا سيما الجنب ولو لم يبل فيه كما في رواية مسلم. والمشروع أن يتناول منه تناولاً. 3- جواز ذلك في الماء الجاري، والأحسن اجتنابه. 4- النهي عن كل شيء من شأنه الأذى والاعتداء. 5- جاء في بعض روايات الحديث: {ثم يغتسل منه} وجاء في بعضها: {ثم يغتسل فيه} ومعنياهما مختلفان، إذا أن {في} ظرفية فتفيد الانغماس في الماء المتبول فيه، و{من} للتبعيض فتفيد معنى التناول منه. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن رواية {فيه} تدل على معنى الانغماس بالنص وتمنع معنى التناول بالاستنباط، ورواية {منه} بعكس ذلك. تم بحمد الله شرح الحديث الخامس ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث السادس ---------------------- 1) للعلماء تحديدات للقليل والكثير، مختلفة التقادير. |
#7
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ السَّادِسُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا } وَلِمُسْلِمٍ: { أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ } . وَلَهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ } . ------------------- غريب الحديث: 1- إذا ولغ: ومضارعه يلغ بالفتح فيهما: شرب بطرف لسانه. وهو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع، فيحركه ولو لم يشرب. فالشرب أخص من الولوغ. 2- عفروه: التعفير، التمريغ في العفر، وهو التراب. 3- أولاهن: تأنيث الأول، والهاء ضمير المرات. وجاء في بعض الرويات أولهن بلفظ المذكر لأن تأنيث المرة غير حقيقي. المعنى الإجمالي: لما كان الكلب من الحيوانات المستكرهة التي تحمل كثيراً من الأقذار والأمراض، أمر الشارع الحكيم بغسل الإناء الذي ولغ فيه سبع مرات، الأولى منهن مصحوبة بالتراب ليأتي الماء بعدها، فتحصل النظافة التامة من نجاسته وضرره. اختلاف العلماء: هناك خلاف للعلماء في أشياء. منها: هل يجب التسبيع والتتريب؟ ولما كان القول الحق، هو ما يستفاد من هذا الحديث الصحيح الواضح، ضربنا عن الإطالة بذكرها صفحاً، لأنها لا تعتمد على أدلة صحيحة واضحة. ما يؤخذ من الحديث: 1- التغليظ في نجاسة الكلب، لشدة قذارته. ولذا فإنه ينجس وإن لم تظهر فيه آثار النجاسة، وتفسيره يأتي قريباً إن شاء الله. 2- إن ولوغ الكلب في إناء، ومثله الأكل، ينجس الإناء، وينجس ما فضل منه. 3- وجوب غسل ما ولغ فيه سبع مرات. 4- وجوب استعمال التراب مرة، والأولى أن يكون مع الأولى ليأتي الماء بعدها. وتكون هي الثامنة المشار إليها في الرواية الأخرى. ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو أن يؤخذ التراب المختلط بالماء، فيغسل به أما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئ. 5- إن ما قام مقام التراب من المنقيات يعطي حكمه في ذلك لأنه ليس القصد للتراب وإنما القصد النظافة، وهو مذهب أحمد وقول الشافعي، والمشهور في مذهبه تعين التراب. وقواه ابن دقيق العيد بأن التراب جاء به النص، وهو أحد المطهرين، ولأن المعنى المستنبط إذا عاد النص بالإبطال فهو مردود. قال النووي: ولا يقوم الأشنان ولا الصابون أو غيرهما مقام التراب على الأصح. قلت: وقد ظهر في البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من التراب إنقاء لهذه النجاسة لا يحصل من غيره. وإن صح هذا فإنه يظهر إحدى معجزات الشرع الشريف ولفظ (عفروه) يؤيد اختصاص التراب لأن العفر لغة هو: وجه الأرض والتراب. 6- عظمة هذه الشريعة المطهرة، وأنها تنزيل من حكيم خبير، وأن مؤديها صلوات الله عليه لم ينطق من الهوى، وذلك أن بعض العلماء حار في حكمة هذا التغليظ في هذه النجاسة، مع أنه يوجد ما هو مثلها غلظة، ولم يشدد في التطهير منها. حتى قال فريق من العلماء: إن التطهير على هذه الكيفية من ولوغ الكلب تعبدي لا تعقل حكمته، حتى جاء الطب الحديث باكتشافاته ومكبراته. فأثبت أن في لعاب الكلب مكروبات وأمراضاً فتاكة، لا يزيلها الماء وحده. فسبحان العليم الخبير، وهنيئاً للموقنين، وويلاً للجاحدين. 7- ظاهر الحديث أنه عام في جميع الكلاب، أما الكلاب التي أذن الشارع باتخاذها، مثل كلاب الصيد والحراسة والماشية فقد قيل: إن إيجاب الغسل على ما يحصل منها فيه حرج، فالرخصة باتخاذها قرينة تقود إلى تخصيص التسبيع بغيرها. تم بحمد الله شرح الحديث السادس ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث السابع |
#8
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ السَّابِعُ : عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا ، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا ، ثُمَّ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ: {مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } ------------- غريب الحديث: 1- وَضوء: بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به. قال النووي: يقال: الوضوء والطهور بضم أولهما، إذا أريد الفعل الذي هو المصدر. وبفتح أولهما، إذا أريد الماء الذي يتطهر به. وأصل الوضوء من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة فسمي وضوء الصلاة وضوءاً لأنه ينظف صاحبه. 2- فأفرغ: قلب من ماء الإناء على يديه. 3- لا يحدِّث فيهما نفسه: حديث النفس، هو الوسواس والخطرات. والمراد بها هنا ما كان في شؤون الدنيا. يعني، فلا يسترسل في ذلك، وإلا فالأفكار يتعذر السلامة منها. 4- إلى المرفقين: ((إلى)) بمعنى ((مع)) يعني مع المرفقين. 5- ثم: لم يقصد بها هنا التراخي كما هو الأصل في معناها، وإنما قصد بها مجرد الترتيب. وقد أشار ابن هشام في المغني والرضي في شرح الكافية إلى أنها قد تأتي لمجرد الترتيب. 6- نحو وضوئي: جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث ((مثل وضوئي هذا)) ومعنى (( نحو)) و((مثل)) متفاوت: فإن لفظة ((مثل)) تقتضي ظاهر المساواة من كل وجه، أما (( نحو)) فما تعطي معنى المثلية إلا مجازاً. والمجاز هنا متعين، لارتباط الثواب بالمماثلة. المعنى الإجمالي: اشتمل هذا الحديث العظيم على الصفة الكاملة لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم. فإن عثمان رضي الله عنه - من حسن تعليمه وتفهيمه - علمهم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة عملية، ليكون أبلغ تفهماً، وأتم تصوراً في أذهانهم. فإنه دعا بإناء فيه ماء ولئلا يلوثه، لم يغمس يده فيه. وإنما صب على يديه ثلاث مرات حتى نظفتا، وبعد ذلك أدخل يده اليمنى في الإناء، وأخذ بها ماء تمضمض منه واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يديه مع المرفقين ثلاثاً، ثم مسح جميع رأسه مرة واحدة، ثم غسل رجليه مع الكعبين ثلاثاً. فلما فرغ (رضي الله عنه) من هذا التطبيق، أخبرهم أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مثل هذا الوضوء. ولما فرغ (صلى الله عليه وسلم) من هذا الوضوء الكامل، أخبرهم أنه من توضأ مثل وضوئه، وصلى ركعتين، مُحضِراً قلبه بين يدي ربه عز وجل فيهما - فإنه - بفضله تعالى يجازيه على هذا الوضوء الكامل، وهذه الصلاة الخالصة بغفران ما تقدم من ذنبه. اختلاف العلماء: ذهب الأئمة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وسفيان، وغيرهم إلى أن الاستنشاق مستحب في الوضوء لا واجب. والمشهور عند الإمام أحمد الوجوب، فلا يصح الوضوء بدونه وهو مذهب ابن أبي ليلى، وإسحاق وغيرهما. استدل الأولون على قولهم بحديث: " عشر من سنن المرسلين " ومنها الاستنشاق، والسنة غير الواجب واستدل الموجبون بقوله تعالى: (( فاغسلوا وجوهكم )) والأنف من الوجه، وبالأحاديث الكثيرة الصحيحة من صفة فعله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك. وأجابوا عن دليل غير الموجبين بأن المراد بالسنة في الحديث الطريقة، لأن تسمية السنة لغير الواجب اصطلاح من الفقهاء المتأخرين. ولهذا ورد في كثير من الأحاديث ومنها " عشر من الفطرة ". ولا شك في صحة المذهب الأخير لقوة أدلته، وعدم ما يعارضها - في علمي - والله أعلم. وقد اتفق العلماء على وجوب مسح الرأس، واتفقوا أيضاً على استحباب مسح جميعه، ولكن اختلفوا: هل يجزئ مسح بعضه أو لابد من مسحه كله؟ فذهب الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، إلى جواز الاقتصار على بعضه، على اختلافهم في القدر المجزئ منه. وذهب مالك، وأحمد، إلى وجوب استيعابه كله. استدل الأولون بقوله تعالى: ((وامسحوا برءوسكم)) على أن الباء للتبعيض، وبما رواه مسلم عن المغيرة بلفظ: " أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة ". واستدل الموجبون لمسحه كله بأحاديث كثيرة، كلها تصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث الباب، ومنها ما رواه الجماعة: " مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر. بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ". وأجابوا عن أدلة المجيزين لمسح بعضه، بأن الباء لم ترد في اللغة للتبعيض وإنما معناها في الآية، الإلصاق أي: ألصقوا المسح برؤوسكم والإلصاق هو المعنى الحقيقي للباء. وقد سئل نفطويه وابن دريد عن معنى التبعيض في الباء فلم يعرفاه. وقال ابن برهان: من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء من أهل العربية بما لا يعرفونه. قال ابن القيم: لم يصح في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبته. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما في ماء الوضوء عند التوضؤ. 2- التيامن في تناول ماء الوضوء لغسل الأعضاء. 3- مشروعية التمضمض، والاستنشاق، والاستنثار على هذا الترتيب. ولا خلاف في مشروعيتهما، وإنما الخلاف في وجوبهما، وتقدم أنه هو الصحيح. 4- غسل الوجه ثلاثاً، وحده من منابت شعر الرأس إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، وكذلك يثلث في المضمضة والاستنشاق، لأن الأنف والفم من مسمى الوجه، فالوجه عند العرب، ما حصلت به المواجهة. 5- غسل اليدين مع المرفقين ثلاثاً. 6- مسح جميع الرأس مرة واحدة، يقبل بيديه عليه، ثم يدبر بهما. 7- غسل الرجلين مع الكعبين ثلاثاً. 8- وجوب الترتيب في ذلك، لإدخال الشارع الممسوح، وهو الرأس بين المغسولات، ملاحظةً للترتيب بين هذه الأعضاء. 9- إن هذه الصفة هي صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم الكاملة. 10- مشروعية الصلاة بعد الوضوء. 11- إن سبب تمام الصلاة وكمالها، حضور القلب بين يدي الله تعالى وفيه الترغيب بالإخلاص، والتحذير من عدم قبول الصلاة ممن لها فيها بأمور الدنيا. ومن طرأت عليه الخواطر الدنيوية وهو في الصلاة فطردها يرجى له حصول هذا الثواب. 12- فضيلة الوضوء الكامل، وأنه سبب لغفران الذنوب. 13- الثواب الموعود به يترتب على مجموع الأمرين، وهما الوضوء على النحو المذكور، وصلاة ركعتين بعده على الصفة المذكورة ولا يترتب على أحدهما فقط، إلا بدليل خارجي. وقد خص العلماء الغفران الذي هنا بصغائر الذنوب، أما الكبائر فلابد لغفرانها من التوبة منها. قال تعالى: (( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم )). تم بحمد الله شرح الحديث السابع ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الثامن |
#9
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ : عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ (1) مِنْ مَاءٍ ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرِ ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثًا بِثَلاثِ غَرْفَاتٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ . وَفِي رِوَايَةٍ: {بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ } . وَفِي رِوَايَةٍ: { أَتَانَا (2) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ } التَّوْرُ : شِبْهُ الطَّسْتِ . -------------- غريب الحديث : 1- بتور من ماء بالمثناة : الطست وهو الإناء الصغير . قال الزمخشري : وهو مذكر عند أهل اللغة . 2- فأكفأ على يديه : أمال وصب على يديه . وفي بعض الروايات " على يده " قال ابن حجر : تحمل رواية الإفراد على إرادة الجنس . 3- من صٌفْر : بضم الصاد وسكون الفاء , نوع من النحاس . 4- إلى المرفقين مرتين : قال الصنعاني : كذا في نسخة العمدة لفظ " مرتين " ولفظ البخاري في هذا الحديث " مرتين مرتين " وكذا في مسلم مكرراً ولم ينبه الزركشي الى هذا . المعنى الإجمالي : هذا الحديث يعرف معناه مما تقدم في شرح حديث عثمان , لأن كلا الحديثين يصف الوضوء الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم , إلا انه يوجد في هذا الحديث زيادة فوائد على الحديث السابق نجملها بما يلي : 1- صرح هنا بأن المضمضة والاستنشاق كانتا ثلاثا ثلاثا من ثلاث غرفات . 2- في الحديث السابق ذكر أن غسل اليدين كان ثلاثا , وفي حديث ذكره مرتين فقط . 3- قوله : " ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا " إفراد اليد رواية مسلم وأكثر روايات البخاري . قال النووي بعد ذكره أحاديث الروايتين : هي داله أن ذلك سنة , ولكن المشهور الذي قطع به الجمهور أن المستحب أخذ الماء للوجه باليدين جميعا لكونه أسهل وأقرب إلى الإسباغ . 4- قال في الحديث السابق : " ثم مسح برأسه " وهذا التعبير يمكن تأويله ببعض الرأس كما أولت الآيه (( وامسحوا برءوسكم )) [ سورة المائدة :6 ] . وفي هذا الحديث صرح بمسحه كله , وفًصَّل كيفية المسح , والشرع يبين بعضه بعضاً , فدل على وجوب مسحه كله كما تقدم . 5- في الحديثين يذكر عند المضمضة والاستنشاق أنه يدخل يداً واحده . وفي هذا الحديث , ذكر أنه أدخل يديه عند غسلهما ومسح الرأس بيديه , أقبل بهما وأدبر مرة واحده . قال أبو داود : أحاديث الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحده . قال ابن المنذر : إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحده . 6- الحديث صرح بغسل الرجلين وهنا لم يذكره , وغسلهما من الفروض المتفق عليها . فلا يكون في ترك ذكرهما هنا , ما يدل على عدم وجوب غسلهما . 7- يؤخذ من هذا جواز مخالفة أعضاء الوضوء بتفضيل بعضها على بعض , وأن التثليث هو الصفة الكاملة وما دونها يجزئ , كما صحت بذلك الأحاديث . 8- اختلف العلماء في البداءة بالمسح فهي من المقدم إلى المؤخر عند ابن دقيق العيد والصنعاني . وفهم بعضهم من قوله : " فأقبل بهما وأدبر " أن المسح من مؤخر الرأس الى مقدمه . ثم يعاد باليدين إلى قفا الرأس . تم بحمد الله شرح الحديث الثامن ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث التاسع ---------- الحاشية: 1) قال الزركشي: لفظة "التور" ليست في شيء من مرويات البخاري، وإنما هي من مفردات "مسلم". وهذا وهم منه، فقد جاءت في صحيح البخاري، في حديث عبد الله بن زيد، في باب غسل الرجلين إلى الكعبين. وقال الصنعاني: إني تتبعت رواية مسلم لهذا الحديث فلم أجد "التور". 2) من قوله أتانا.. إلخ، من أفراد "مسلم". |
#10
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ ، وَتَرَجُّلِهِ ، وَطُهُورِهِ ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ . -------------- غريب الحديث : 1- يعجبة التيمن : يفضل تقديم الأيمن على الأيسر . قال الصنعاني :كل فعل يحبه الله أو رسوله , فهو يدل على مشروعيته للشركة بين الإيجاب والندب . 2- في تنعله : لبس نعله . 3- وترجله : تسريح شعر رأسه ولحيته بالمشط . 4- و طهورة : بضم الطاء , التطهر . ويشمل الوضوء والغسل وإزالة النجاسة . 5- وفي شأنه كله : من الأشياء المستطابة كهذه الأمثلة المذكورة . قال الشيخ تقي الدين : " وفي شأنه كله " عام مخصوص بمثل دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما مما يبدأ في باليسار . المعنى الإجمالي : من فضل أمهات المؤمنين ( ضي الله عنهن) , لا سيما الحافظة العالمة الصديقة بنت الصديق , أنهن روين للأمة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم , لا سيما الأفعال المنزلية , التي لا يطلع عليها غير أهل بيته , رَوَيْنَ علماً كثيراً . فهنا " عائشة "تخبرنا عن عادة النبي صلى الله عليه وسلم المحببة إليه , وهي تقديم الأيمن في لبس نعله , ومشط شعره و وتسريحه , وتطهره من الأحداث , وفي جميع أموره , التي من نوع ما ذكر , كلبس القميص والسراويل, والنوم و والأكل والشرب ونحو ذلك . كل هذا من باب التفاؤل الحسن وتشريف اليمين على اليسار . و أما الأشياء المستقذرة فالأحسن أن تقدم فيها اليسار . ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين , ونهى عن مس الذكر باليمين , لأنها للطيبات , واليسار لما سوى ذلك . ما يؤخذ من الحديث : 1- إن تقديم اليمين للأشياء الطيبة هو الأفضل شرعاً وعقلاً وطِباً . قال النووي : قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين , في كل ما كان من باب التكريم والتزين وما كان بضدها استحب فيه التياسر . 2- إن جعل اليسار للأشياء المستقذرة , هو الأليق شرعاً وعقلاً . 3- إن الشرع الشريف جاء لإصلاح الناس و تهذيبهم ووقايتهم من الأضرار . 4- أن الفضل في تقديم الوضوء ميامن الأعضاء على مياسرها . قال النووي : أجمع العلماء على أن تقديم اليمنى في الوضوء سنة , من خالفها فاته الفضل وتم وضوؤه . قال في المغني : لا يعلم في عدم الوجوب خلاف . تم بحمد الله شرح الحديث التاسع ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث العاشر |
#11
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ : عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: { إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ } . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: { رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَلْيَفْعَلْ } . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ } . -------------------- غريب الحديث : 1- يدعون : مبني للمجهول , ينادون نداء تشريف وتكريم . 2- غٌرًا : بضم الغين وتشديد الراء , جمع " أغرا " أصلها لمعة بيضاء في جبهة الفرس و فأطلقت على نور وجوههم . 3- محجلين : من " التحجيل " وهو بياض يكون في قوائم الفرس , والمراد به هنا : النور الكائن في هذه الأعضاء يوم القيامة , تشبيهاً بتحجيل الفرس . 4- الوضوء : بضم الواو , هو الفعل. 5- من آثار الوضوء : علة للغره , والتحجيل . المعنى الإجمالي : يبشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن الله سبحانه وتعالى يخصهم بعلامة فضل وشرف يوم القيامة من بين الأمم . حيث ينادون فيأتون على رؤوس الخلائق تتلألأ وجوههم وأيديهم وأرجلهم بالنور , وذلك أثر من آثار هذه العبادة العظيمة , وهي الوضوء الذي كرروه على هذه الأعضاء الشريفة ابتغاء مرضاة الله , وطلبا لثوابه , فكان جزاؤهم هذه المحمدة العظيمة الخاصة . ثم يقول أبو هريرة : من قدر على إطالة هذه الغُرَةَ فليفعل , لأنه كلما طال مكان الغسل من العضو طالت الغرة والتحجيل , لأن حلية النور تبلغ ما بلغ ماء الوضوء . الخلاف في إطالة الغرة: اختلف العلماء غي مجاوزة حد المفروض من الوجه واليدين والرجلين للوضوء . فذهب الجمهور إلى استحباب ذلك , عملا ً بهذا الحديث , على اختلاف بينهم في قدر حد المستحب . وذهب مالك ورواية عن أحمد , إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض , واختاره شيخ الإسلام " ابن تيميه " , و " ابن القيم " , وشيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي , وأيدوا رأيهم بما يأتي : 1- مجاوزة محل الفرض , على أنها عبادة , دعوى تحتاج الى دليل . والحديث الذي معنا لا يدل عليها , وإنما يدل على نور أعضاء الوضوء يوم القيامة . وعمل أبو هريرة فَهْمٌ له وحده من الحديث , ولا يصار إلى فهمه مع المعارض الراجح . أما قوله : " فمن استطاع ... الخ " فرجحوا أنها مندرجة من كلام أبي هريرة , لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم . 2- لو سلمنا بهذا لاقتضى أن نتجاوز الوجه إلى شعر الرأس و وهو لا يسمى غرة , فيكون متناقضاً . 3- لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فهم هذا الفهم وتجاوز بوضوئه محل الفرض , بل نقل عن أبي هريرة أنه كان يستتر خشية من استغراب الناس لفعله . 4- إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين , والرجلين إلى الكعبين , وما كان ليترك الفاضل في كل مره من وضوئه . وقال في الفتح : لم أرَ هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة , ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه . 5- الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين و الكعبين , وهي من أواخر القرآن نزولاً وإليك نص كلام " ابن القيم " في كتابه [حادي الأرواح ] قال : أخرجا في الصحيحين والسياق لـ"مسلم " عن أبي حازم قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ لصلاه , فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه , فقلت : يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ؟ فقال : يا بني فروخ (1) أنتم ههنا ؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء . سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " . وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضو وإطالته . وتطويل التحجيل , وممن استحبه بعض الحنفية والشافعية والحنابلة وقد اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الوجه والمرفقين والكعبين , ثم قال : " فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم " فهذا يرد قولهم . ولذا فأن الصحيح أنه لا يستحب وهو قول أهل المدينة , وورد فيه عن أحمد روايتان . والحديث لا يدل على الإطالة , فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم , لا في العضد والكتف . وأما قوله : " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , بين ذلك غير واحد من الحفاظ . وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث , قال نعيم : فلا أدري قوله :" من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , أو أي شيء قاله أبو هريرة من عنده . وكان شيخنا (2) يقول : هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله وعليه وسلم , فإن الغرة لا تكون في اليد , ولا تكون إلا في الوجه , وإطالته غير ممكنة , إذ تدخل في الرأس تلك الغرة . اهـ كلامه ( رحمه الله ). تم بحمد الله شرح الحديث العاشر ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الحادي عشر ------------ الحاشية: 1. قال الليث : بلغنا أن فروخ كان من ولد إبراهيم عليه السلام , بعد إسحاق وإسماعيل , فكثر نسله ونما عدده فولد العجم الذين في وسط البلاد . هكذا حكاه الأزهري . 2. يعني بشيخه , الشيخ عبد الرحمن السعدي ( رحمه الله تعالى ). التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله بن حميد الفلاسي ; 25-12-2003 الساعة 09:56PM |
#12
|
|||
|
|||
تابع / كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الحادي عشر: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ } . ---------- غريب الحديث : 1- إذا دخل الخلاء : يعني إذا أراد الدخول كقوله تعالى : (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) [ سورة النحل : 98]. يعني : فإذا أردت قراءة القرآن . وكما صرح البخاري في " الأدب المفرد " بهذا حيث روى عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال : وذكر حديث الباب . 2- الخلاء بالمد : المكان الخالي . وهنا , المكان المقصود والمعد لقضاء الحاجة فإن قصد فضاء كصحراء لقضاء حاجته فلا حاجة إلى التأويل الدخول بإرادة الدخول . 3- الخبث والخبائث : الخبث ضبط بضم الخاء و الباء كما ذكر المصنف ومعناه ذكور الشياطين , وضبطه جماعة بإسكان الباء ومعناه على هذا يكون الشر , وهو معنى جامع حيث قد استعاذ من الشر و أهله , وهم الخبائث , فينبغي للقائل مراعاة هذا المعنى العام . المعنى الإجمالي : أنس بن مالك المتشرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم , يذكر لنا في هذا الحديث أدب النبي صلى الله عليه وسلم حين قضاء حاجته , وهو أنه صلى الله عليه وسلم من كثرة التجائه إلى ربه – لا يدع ذكره و الاستعانة به على أية حال. فهو صلى الله عليه وسلم إذا أراد دخول المكان الذي سيقضي فيه حاجته , استعاذ بالله والتجأ إليه أن يقيه من الشر الذي منه النجاسة , وان يعصمه من الخبائث , وهم الشياطين الذين يحاولون في كل حال أن يفسدوا على المسلم أمر دينه وعبادته . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم – هو المخوف بالعصمة – يخاف من الشر وأهله , فجدير بنا أن يكون خوفنا أشد , وأن نأخذ بالاحتياط لديننا من عدونا . ما يؤخذ من الحديث : 1-استحباب هذا الدعاء عند إرادة دخول الخلاء , ليأمن من الشياطين الذين يحاولون إفساد صلاته . 2-إن من أذى الشياطين أنهم يسببون التنجس لتفسد صلاة العبد فيستيعذ منهم , ليتقي شرهم . 3- وجوب اجتناب النجاسات , وعمل الأسباب المنجية منها . فقد صح أن عدم التحرز من البول من أسباب عذاب القبر . تم بحمد الله شرح الحديث الحادي عشر ويليه بمشيئة الله شرح الحديث الثاني عشر. |
#13
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الحديث الثاني عشر: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا } . قَالَ أَبُو أَيُّوبَ : " فَقَدِمْنَا الشَّامَ ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ " . ----------- غريب الحديث : الغائط : المطمئن من الأرض , وكانوا يتنابونه لقضاء الحاجة , فكنوا به عن الحدث نفسه . والمراحيض : جمع مرحاض وهو المغتسل , وقد كنوا به أيضاً عن موضع قضاء الحاجة . ولكن شرقوا أو غربوا : اتجهوا نحو المشرق أو المغرب . وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن في سمتهم , ممن لا يستقبلون القبلة ولا يستدبرونها إذا شرقوا أو غربوا . المعنى الإجمالي : يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من آداب قضاء الحاجة بأن لا يستقبلوا القبلة , وهي الكعبة المشرفة , ولا يستدبروها حال قضاء الحاجة لأنها قبلة الصلاة , وموضع التكريم والتقديس , وعليهم أن ينحرفوا عنها قبل المشرق أو المغرب إذا كان التشريق أو التغريب ليس موجهاً إليها , كقبله أهل المدينة. و لما كان الصحابة رضي الله عنهم أسرع الناس قبولاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم , الذي هو الحق , ذكر أبو أيوب : أنهم لما قدموا الشام إثر الفتح وجدوا فيها المراحيض المعدة لقضاء الحاجة , قد بنيت متجهة الى الكعبة , فكانوا ينحرفون عن القبلة . ولكن قد يقع منهم السهو فيستقبلون الكعبة , فإذا فطنوا , انحرفوا عنها , وسألوا الله الغفران عما بدر منهم سهوا . ما يؤخذ من الحديث : 1- النهي عن استقبال القبلة و استدبارها , حال قضاء الحاجة. 2- الأمر بالانحراف عن القبلة في تلك الحال . 3- إن أوامر الشارع ونواهيه تكون عامه لجميع الأمة , وهذا هو الأصل . وقد تكون خاصة لبعض الأمة , ومنها هذا الأمر فإن قوله :"ولكن شرقوا أو غربوا هو أمر بالنسبة لأهل المدينة ومن هو في جهتهم , ممن إذا شرقوا أو غربوا , لا يستقبلون القبلة . 4- الحكمة في ذلك تعظيم الكعبة المشرفة واحترامها , فقد جاء في حديث مرفوع [إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله عز وجل ولا يستقبل القبلة ]. 5- المراد بالاستغفار هنا : الاستغفار القلبي لا اللساني , لأن ذكر الله باللسان في حال كشف العورة وقضاء الحاجة ممنوع . تم بحمد الله شرح الحديث الثاني عشر ويليه بمشيئة الله شرح الحديث الثالث عشر |
#14
|
|||
|
|||
تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عشر: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { رَقَيْتُ (1) يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامَ ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ } . وَفِي رِوَايَةٍ " مُسْتَقْبِلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ " . ------------- المعنى الإجمالي : ذكر ابن عمر رضي الله عنه : أنه جاء يوما إلى بيت أخته حفصة , زوج النبي صلى الله عليه وسلم , فرأى النبي صلى الله عليه وسلم , يقضي حاجته وهو متجه نحو الشام , ومستدبر القبلة . اختلاف العلماء والتوفيق بين الحديثين : اختلف العلماء في حكم استقبال القبلة و استدبارها في قضاء الحاجة . فذهب إلى التحريم مطلقاً , راوي الحديث أبو أيوب , ومجاهد , و النخعي , والثوري , ونصر هذا القول " ابن حزم " وأبطل سواه من الأقوال في كتابه [ المحلى ] وهو اختيار شيخ الإسلام "ابن تيميه" و "ابن القيم" وقواه وردَ غيره من الأقوال في كتابيه "زاد المعاد" و "تهذيب السنن" واحتجوا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي المطلق عن ذلك , ومنها تخريج أبي أيوب هذا الذي معنا . وذهب إلى جوازه مطلقاً , عروة بن الزبير , وربيعه , وداود الظاهري , محتجين بأحاديث , منها حديث ابن عمر الذي معنا . وذهب الأئمة مالك , والشافعي , وأحمد , وإسحاق وهو مروي عن عبد الله بن عمر , والشعبي إلى التفصيل في ذلك : فيحرمونه في الفضاء , ويبيحونه في البناء ونحوه . وهذا هو مذهب الحق الذي تجتمع فيه الأدلة الشرعية الصحيحة الواضحة. فإن التحريم مطلقاً , يبطل العمل بجانب من الأحاديث , الإباحة مطلقاً كذلك . والتفصيل يجمع بين الأدلة , ويعملها كلها , وهذا هو الحق , فإنه مهما أمكن الجمع بين النصوص , وجب المصير إليه قبل كل شيء , وهناك قول رابع لا يقل عن هذا قوة وهو القول بالكراهة لا التحريم , قال الصنعاني : لا بد من التوفيق بين الأحاديث بحمل النهي على الكراهة لا التحريم , وهذا وإن كان خلافاً لأصل النهي إلا أن قرينة إرادته فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه للتشريع وبيان الجواز , وحمل أحاديث الباب على هذا هو الأقرب عندي . وقد ذهب إليه جماعة . وبهذا يزول تعارض أحاديث الباب . قلت : وعلى كل ينبغي الانحراف عن القبلة في البناء أيضا , اتقاء للأحاديث النهاية في ذلك , ولما فيه من الخلاف القوي الذي نصره هؤلاء المحققون . ما يؤخذ من الحديث : 1- جواز استدبار الكعبة عند قضاء الحاجة , ويفيد بأنه في البنيان . 2- جواز استقبال بيت المقدس عند قضاء الحاجة خلافاً لمن كرهه . تم بحمد الله شرح الحديث الثالث عشر ويليه بمشيئة الله شرح الحديث الرابع عشر ------------- الهوامش: 1) رقيت: بكسر القاف أي (صعدت). |
#15
|
|||
|
|||
تابع/ باب الطهارة
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عشر: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاءَ ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً ، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ } . ------------- @@ غريب الحديث : @@ 1- وغلام نحوي : الغلام : المميز حتى يبلغ و " نحوي " يعني هو مقارب لي في السن . 2- إداوة من ماء : بكسر الهمزة , هي الإناء الصغير من الجلد يجعل للماء . 3- العَنَزة : عصا أقصر من الرمح لها سنان. @@ المعنى الإجمالي : @@ يذكر خادم النبي صلى الله عليه وسلم " أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل موضع قضاء الحاجة كان يجيء هو وغلام معه بطهورة , الذي يقطع به الأذى , وهو ماء في جلد صغير , وكذلك يأتيان بما يستتر به عن نظر الناس , وهو عصا قصيرة في طرفها حديدة يغرزها في الأرض ويجعل عليها شيئاً يقيه من نظر المارَين . @@ ما يؤخذ من الحديث : @@ 1- جواز الاقتصار على الماء في الاستنجاء , وهو أفضل من الاقتصار على الحجارة , لأن الماء أنقى , والأفضل الجمع بين الحجارة والماء , فيقدم الحجارة , ثم يتبعها الماء , ليحصل الإنقاء الكامل . قال النووي : فالذي عليه جماعة السلف والخلف , وأجمع عليه أهل الفتوى من أئمة الأمصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجارة فيستعمل الحجر أولاً لتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده , ثم يستعمل الماء . فإن أراد الاقتصار على أحدهما جاز الاقتصار على أيهما شاء , سواء وجد الآخر أو لم يجده , فإن اقتصر على أحدهما فالماء أفضل من الحجر . 2- استعداد المسلم بطهورة عند قضاء الحاجة , لئلا يحوجه إلى القيام فيتلوث . 3- تَحَفُظُهُ عن أن ينظر إليه أحد , لأن النظر إلى العورة محرم . فكان يركز العنزة في الأرض وينصب عليها الثوب الساتر . 4- جواز استخدام الصغار , وإن كانوا أحراراً. تم بحمد الله شرح الحديث الرابع عشر ويليه بمشيئة الله شرح الحديث الخامس عشر |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام (الحلـــــــــقة الرابعـــــــــــــة) | الشيخ ربيع المدخلي | السنن الصحيحة المهجورة | 0 | 26-05-2004 01:05PM |
أحاديث غير صحيحة عن فضل الأضحية | طارق بن حسن | الأحاديث الضعيفة والموضوعة | 0 | 31-01-2004 09:47PM |
عليُّ بنُ المديني (للشيخ/ عبد المحسن العباد) | طارق بن حسن | منبر الجرح والتعديل | 0 | 02-10-2003 11:10AM |