|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#46
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - باب الذكر عقب الصلاة [127] : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله ﷺ ، كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته . قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته ، وفي لفظ : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ إلا بالتكبير . موضوع الحديث : مشروعية الذكر عقب الصلاة المكتوبة واستحباب رفع الصوت به . المفردات : حين ينصرف الناس : أي يسلمون . من المكتوبة : أي الصلاة المفروضة . ما كنا نعرف انقضاء : أي انتهاء صلاة رسول الله ﷺ . إلا بالتكبير : أي إلا بسماع التكبير . المعنى الإجمالي : يخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بذكر الله عز وجل حين يسلم الناس من الصلاة المكتوبة كان موجوداً في زمن رسول الله ﷺ ، لذلك فهو شعيرة من شعائر الإسلام وسنة من سننه ، وذلك بأن يرفع كل واحد من المصلين صوته بالذكر الوارد بعد السلام بمفرده ، لا يتقيد بأحد ، فيحصل من ذلك ضجة في المسجد بذكر الله هي محبوبة إلى الله تعالى . وقد ورد وصف أمة محمد ﷺ في بعض الكتب السابقة ، أن لهم دوي في مساجدهم كدوي النحل . أما رفع الصوت بالذكر بصورة جماعية بصوت واحد ونغمة واحدة فهو بدعة من البدع ، فيجب أن نحذر منها وأن تحارب . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ منه رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة وباستحبابه ، قال ابن حزم الظاهري : وذهب الجمهور إلى عدم استحباب رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة ، وحمل الشافعي هذا الحديث على أنه جهر وقتاً يسيراً حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائماً ، قال : واختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك. قلت : وإذ قد صح فعله في زمن النبي ﷺ فالقول باستحبابه بعد السلام أولى . والله أعلم . ثانياً : المراد برفع الصوت أن كل واحد من المصلين يذكر الله وحده غير متقيد بأحد ، أما ما يفعله كثير من الناس اليوم من اشتراك جماعة المسجد كلهم في الذكر بصوت ونغمة واحدة فهذا بدعة ، يجب أن تمنع وتحارب . ثالثاً : (ال) في الذكر للعهد ، والمراد به الذكر المعهود ، والذي كان النبي ﷺ يفعله والذي علمه أصحابه فيكون من العام الذي يراد به الخاص ، والذي حفظ عن النبي ﷺ أنه كان يفعله ويداوم عليه بعد السلام من الصلاة المكتوبة أنه كان يقول بعد السلام : "استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله " . ثم يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " . ثم يقول : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير " . عشر مرات أو خمس مرات ، ثم يقول : " لا إله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ، ثم يقول :" اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد "، ثم يقول : " سبحان الله والحمد لله والله أكبر " من مجموعهن ثلاثاً وثلاثين مرة أو من كل واحدة ثلاثاً وثلاثين مرة ويقول تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شي قدير . وفي رواية : وأربع وثلاثين تكبيرة . رابعاً : يؤخذ من الحديث جواز إطلاق اسم الجزء على الكل ؛ لأنه أطلق اسم التكبير على الذكر الذي هو أعم من التكبير ، وقيل يؤخذ منه سنية التكبير بعد السلام وهو ضعيف ؛ لأنه قد علم من القواعد الأصولية أنه إذا تعارض نصان أحدهما قطعي الدلالة والثاني ظنيها ، قد م القطعي على الظني ، فمثلاً : يقدم النص على الظاهر ، والمنطوق على المفهوم ، لأن قولـه : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله ﷺ إلا بالتكبير محتمل أن المراد بالتكبير هو الذي يكون مع التسبيح والتحميد ، ومحتمل أنه تكبير غيره يكون بعد السلام مباشرة ، إلا أنه يعارض الاحتمال الأخير الأحاديث الواردة في الذكر بعد السلام التي قد سبقت الإشارة إلى بعضها وهي نصوص في المسألة لا يتطرق إليها احتمال ، لذلك فهي مقدمة على مفهوم هذا الحديث . وبالله التوفيق . في حين أن حديث الباب من قول ابن عباس وتلك الأحاديث من فعل النبي ﷺ . خامساً : استدل الطبري – رحمه الله – بهذا الحديث على صحة ما كان يفعله أمراء الأجناد والعساكر المرابطون في الثغور من التكبير بعد العشاء وبعد الفجر ثلاثاً بصوت عال ، وعن مالك أنه محدث وهو الأقرب . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#47
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [128] : وعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال أملى عليّ المغيرة بن شعبة من كتاب معاوية رضي الله عنهما أن النبي ﷺ كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، ثم وفدت بعد ذلك على معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك . وفي لفظ كان ينهى عن : قيل وقال : وإضاعة المال ، وكثرة السؤال ، وكان ينهى عن عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنعٍ وهات . موضوع الحديث : فضيلة الذكر بعد السلام من الصلاة المفروضة . المفردات : دبر الصلاة : دبر كل شيء آخره ، والمراد به هنا ما بعد لسلام من الصلاة المفروضة . مكتوبة : أي مفروضة . لا إله : لا معبود بحق في الوجود . إلا الله : تثبت الألوهية لله رب العالمين وحده لا شريك له . لا شريك له : لا مشارك له في ملكه ولا نضير له في أسمائه وصفاته . له الملك والحمد : أي هو المنفرد بهما دون سواه . وهو على كل شيء قدير : أي لا يفوت قدرته شيء فكل مستحيل عليه سهل وكل عسير عليه يسير . لا مانع لما أعطيت : لا حابس لما أردت إيصاله ولا موصل لما أردت حبسه . ذا الجد : لا ينفع ذا الحظ لا ينفعه منك حظه . قيل وقال : كثرة نقل الكلام . إضاعة المال : إتلافه فيما لا ينفع . كثرة السؤال : سؤال المال وطلبه من الناس استكثاراً . عقوق الأمهات : عصيانهن . وأد البنات : دفنهن أحياء . ومنعٍ وهات : إمساك ما في يدك بخلاً ، وطلب ما في أيدي الناس جشعاً . المعنى الإجمالي : يخبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يذكر الله بعد كل صلاة بهذا الذكر المتضمن لكمال التوحيد وأنه كان ينهى عن هذه الست الخصال لما فيها من صفات الذم والمقت والإثم والعار . والله أعلم . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ من هذا الحديث مشروعية هذا الذكر لما تضمنه من الاعتراف لله تعالى بالوحدانية وإفراده بالألوهية دون من سواه ، لتوحده بصفات الكمال والجلال ، وانفراده بالملك والتصرف ، وتفضله بالنعم ، واتصافه بجمع الكمالات ، فلا يستطيع أحد منع ما أعطى ، أو إعطاء ما منع ؛ لأن له مطلق التصرف ، فلا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، بيده الإعزاز والإذلال ، والإعطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والتمليك والسلب ، ومن أجل تضمن هذا الدعاء لأعلى مقامات التوحيد شرع بعد كل صلاة مكتوبة . الله أعلم . ثانياً : معنى قوله : " لا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفع ذا الحظ منك حظه ، سواء كان ذلك الحظ ملكاً وسلطاناً ، أو كنوز وأعوانا ، أو نسباً وشرفا أو غير ذلك ، فلم يُغْنِ عن فرعون ملكه ، ولا عن قارون ماله وأعوانه ، ولا عن أبي جهل شعبيته وشرفه ، ولا عن قوم عاد قوتهم وضخامة أجسامهم ، بل قال الله فيهم : _ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ _ (فصلت:15-16) . ثالثاً : يؤخذ من قوله : " وكان ينهى عن قيل وقال " كراهة نقل الإنسان لكل ما يسمعه ، فإنه يدخل في ذلك الحق والباطل ، والصدق والكذب ، قال ابن دقيق العيد – رحمه الله - : الأشهر فيه فتح اللام على سبيل الحكاية ، وهذا النهي لابد من تقييده بالكثرة التي لا يؤمن معها الخلط والخطأ ، والتسبب في وقوع المفاسد من غير تعيين والإخبار بالأمور الباطلة ، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال : " كفى بالمـرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " . اهـ وقال الصنعاني في العدة : دليل التقييد ما علم من الإجماع على وقوع نقل أقاويل الناس ، بل قد وقع في التنـزيل من نقل مقالات الأمم وأنبيائهم ما لا يحصى كثره . اهـ قلت : إنما يتجه النهي على ما لا مصلحة في نقله ، وهو ثلاثة أنواع : ما تحققت فيه المفسدة أو رجحت فيحرم نقله ، وما كان احتمال المفسدة فيه مرجوحاً فيكره نقله ، وما خلا من المفسدة ولم يكن في نقله مصلحة فيكره الإكثار من نقله ، أما ما تحققت في نقله المصلحة أو رجحت فيجب نقله أو يستحب تبعاً لتلك المصلحة ، ومن هذا ما ذكره الله في القرآن من نقل أقاويل الأمم ، إما لبيان فسادها والرد عليها ، أو لبيان ما فيها من حق ونشره والدعوة إليه . والله أعلم . رابعاً : يؤخذ من قوله : " وإضاعة المال " عطفاً على ما كان ينهى عنه نهي تحريم وهو إضاعة المال بأي وجه من وجوه الإضاعة ، ذلك لأن الله – جل شأنه – جعل الأموال قياماً لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت لتلك المصالح ، إما في حق مضيعها أو في حق غيره بإنفاق المال فيما لا نفع فيه لا في الدين ولا في الدنيا ، لا بالنسبة للفرد ولا بالنسبة للمجتمع يعد إسرافاً وتضييعاً للمال ، ووضعاً له في غير موضعه . وكذلك الإنفاق فيما ثبت ضرره وانعدم نفعه ، كالقات والدخان بجميع أنواعه كالشيشة والسيجارة والغليون ومطحون التبغ كالبردقان وما يسمى بالعنجر أو النشوق ، وأشد من ذلك ما سبب انتشار الفساد في المجتمعات الإسلامية كأفلام المسارح الغنائية ، وتمثيليات الحب والعشق الهابطة ، والكتب القصصية سواء في ذلك قصص العشق والغرام ، أو قصص المغامرات في السرقة والنهي والغصب وسفك الدماء ومثل ذلك الجرائد والمجلات التي تحمل الصورة الخليعة وأشرطة الفيديو والسينما الخليعة وما استجد من ذلك أيضاً في هذا الزمن كالدش والإنترنت التي تنشر الفساد والدعارة وتجرد الناس من الإيمان والحياء ، وَتُعَوِدهُم على الخلاعة ، والوقاحة وعدم المبالاة بارتكاب الفواحش ، والانحدار في حمأة الفساد بعد أن تقضي على بقية الإيمان والحياء الموجودين في القلوب حتى تصبح القلوب عاطلة من كل خير ، متصفة بكل شر . ومن ذلك أيضاً الإسراف في المباحات والإنفاق فيها أكثر من الحاجة . والله أعلم . أما قوله : " وكثرة السؤال " فهو يحتمل أمرين : الأمر الأول : أن يكون المقصود به السؤال عن العلم ، فإن كان كذلك فلابد أن يحمل على نوع مخصوص من السؤال ؛ لأن الله تعالى أمر بسؤال أهل الذكر فقال : _ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ _ (النحل: من الآية43) . وعلى هذا فإن كان النهي عن السؤال هنا يراد به السؤال عن العلم فهو يحتمل على ما قصد به التعجيز أو المعايات أو الاشتهار أو التعمية والتشكيك . الأمر الثاني : أن يكون المقصود به سؤال المال ، إلا أن طلب العطاء من الناس قد ذم كثيره وقليله إلا ما لابد منه كحديث : " إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة .." الحديث . أما إن دخل فيه غير العطاء : كناولني السفرة يا غلام ، وما أشبه ذلك ، فلابد أن يحمل الحديث على سؤال المال وتقييده بالكثرة احترازاً عما فيه ضرر . والله أعلم . وأما قولـه : " وكان ينهى عن عقوق الأمهات " فالعقوق مأخوذ من العق وهو القطع ، ولا يختص النهي عن العقوق بالأمهات بل أن عقوق الآباء محرم أيضاً كعقوق الأمهات ، ولكن في هذا التخصيص تنبيه على عظيم حق الأمهات وأن عقوقهن أفظع وأعظم بشاعة لعظم حقهن ، وقد نبه القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى : _ وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً _ (الأحقاف: من الآية15) . أما "وأد البنات" فهو دفنهن أحياء ، وهذا الصنيع رغم فحشه فقد فعله كثير من أهل الجاهلية وعابهم الله به فقال : _ .. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ _ (النحل: من الآية59) . وقد جاء الإسلام باجتثاث هذه العادة المنكرة وقلعها من أصلها ، بل بذر في قلوب أتباعه المودة والرحمة للبنات ووعد على ذلك الخير كله ، فقد روى أحمد وابن ماجة عن عقبة بن عامر مرفوعاً : " من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جِدَته ، كن له حجاباً من النار يوم القيامة " . ثم إن الواجب على الولي التأدب بالآداب الإسلامية وتأديب البنات بأدب الإسلام لكي يكنّ أعضاء صالحات في المجتمع ، وهنا التعليم والتأديب لا يقل وجوبه عن وجوب النفقة والكسوة والمسكن الذي يطالب به كل ولي لموليته ، والمقصود تعليم ما لابد منه من أمور الدين ، أما التوغل في التعليم لأخذ الشهادة العالية لتعمل موظفة وتترك الزواج والذرية والقيام بشؤون البيت الذي كلفت بالاستقرار فيه لتكون سكناً للزوج ومربية للأولاد فهذا ليس بمحمود ؛ لأنه ترك للوظيفة الإسلامية التي خلقت لها المرأة وفيه عدة محاذير : المحذور الأول : أن ذلك تركٌ للوظيفة الأساسية التي خلقت لها المرأة وهيئت لها وهي أن تكون سكناً للزوج يسكن إليها وتسكن إليه قال تعالى : _ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ _ (الروم:21) . وإن هذه الآية لأكبر شاهد بأن الرجل لا يستقيم حاله ولا يذوق لذة العيش إلا بالحياة الزوجية الكريمة ، وكذلك المرأة . المحذور الثاني : ترك النسل والذرية ، والنسل وهم الأولاد لا تطيب الحياة الزوجية إلا بهم ، وقد قال النبي _ : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " ، فالمرأة مهما حصل لها من شهادات فإن الحياة لا تطيب لها إلا بالبنين والبنات ، ولقد سمعت أن امرأة درست وتدرجت في الشهادات حتى أخذت أعلاها وفي النهاية قالت : خذوا شهادتي كلها وأعطوني طفلاً ألاعبه . ولقد خلق الله النساء ليكن أمهات مربيات وحاضنات ماهرات ، فإذا خرجت عن هذه الوظيفة وتركتها ندمت بعد ذلك وحنت إليها بعد أن ذهب الزمن وبلي الشباب . فالله المستعان . المحذور الثالث : ترك البيت بدون حارس أمين وسائس حكيم يجلب إليه وإلى أهله الصلاح ويدفع عنه الفساد ، فالله سبحانه أمر النساء بالاستقرار في البيوت ولا تكون المرأة سكناً للزوج إلا إذا كانت مستقرة في البيت ، تربي الأولاد ، وتحفظ البيت ، وتنظفه وتقوم بشؤونه وترصد حاجة الزوج فيه . المحذور الرابع : أنه تنكر للفطرة والجبلية التي خلق الله عليها الأنثى لحكمة يعلمها هو تعالى ، فهي مهيئة خلقة لبيت ومحضن الزوجية ، فإذا أخرجت نفسها عن هذا المحضن فإنها تكون قد عصت خالقها ، وجنت على مجتمعها وكانت نشازاً فيه بإعراضها عن الأمر الذي خلقت له ، ولهذا جاء في الحديث : " لعن الله المترجلات من النساء ، والمخنثين من الرجال " لأن كلا منهما خرج عن فطرته التي هُيأ لها ، وأراد أن يجعل لنفسه فطرة غير ما اختار الله له . وأخيراً ، فإن من منع ابنته من النكاح الشرعي فقد جنى عليها جناية عظيمة ، وعرضها للوقوع في الفاحشة ، وحرمها لذة الزوج والبيت والأولاد ، ولا ينتظر إلا المقت من الله والفضيحة في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً . وبالله التوفيق . ومعنى قوله : "ومنعٍ وهات" أن يمنع العبد ما في يديه بخلاً ، ويطلب ما في يد غيره جشعاً ، وكفى بهذا ذماً . وهذا يتضمن شيئين : أولها : البخل وهو ما عبر عنه بالمنع ، والمنع يكون مذموماً إذا كان منعاً عن الواجبات ، فهذا يسمى بخلاً ، قال الله تعالى : _ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ _ (الحديد:24) . وقال تعالى : _ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ _ (محمد: من الآية38) . والثاني : الطلب والسؤال وهو المعبر عنه بقوله "وهات" وهذا مذموم أشد الذم ، وقد جاء في الحديث : " لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم " . وفي الحديث أيضاً : " من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمر جهنم ، فليستقل منه أو ليستكثر". تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#48
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- الحديث الثالث : في بيان الذكر عقب الصلاة [129] : عن سُمَيّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المسلمين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، قال : " وما ذاك ؟ " قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال رسول الله ﷺ : " أفلا أعلمكم شيئاً تدركون من سبقكم ، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع كما صنعتم ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة" . قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسول الله ﷺ : "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قال سُميّ : فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث . فقال وهمت إنما قال : " تسبح الله ثلاثاً وثلاثين ، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين " ، فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك ، فقال : قل الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين. موضوع الحديث : الذكر بعد الصلاة وفضله . المفردات : أهل الدثور : أهل الأموال . بالدرجات العلى : أي في الجنة . والنعيم المقيم : أي فيها . ويتصدقون بفضول أموالهم : أي بما فضل عن حاجتهم . وفي هذه الرواية "ويتصدقون ولا نتصدق" . ويعتقون ولا نعتق : العتق هو تحرير الرقاب المرققة . المعنى الإجمالي : فهم الصحابة أن التسابق والتنافس إنما يكون في الأعمال التي تقرب من الله وترفع الدرجات في الجنة ، لا في الدنيا الفانية وحطامها الزائل أو جاهها المشوب بالأخطاء والممزوج بالأكدار ، فذهبوا إلى رسول الله ﷺ شاكين سبق الأغنياء لهم لا بالمال ، ولكن بما يكسبونه من أجر بسبب ما أوتوا من المال ؛ لأنهم يساوونهم في الصلاة والصوم ويزيدون عليهم بالصدقة والعتق ، فأعلمهم رسول الله ﷺ. بهذا الذكر الذي يدركون به من سبقهم ويسبقون به من بعدهم ، ولا يكون أحد أفضل منهم إلا من عمل كعملهم ، لكن أصحاب الأموال حينما سمعوا بهذه الفضيلة بادروا إليها فعملوا بها ، فبقي الفضل لهم على الفقراء ، فجاء الفقراء شاكين مرة أخرى لكي يجدوا عند النبي ﷺ حلاً آخر يساوونهم به ، فقال رسول الله صلى " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " . فقه الحديث : أولاً : في هذا الحديث مسألة المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر ، وهي مسألة مشهورة تكلم الناس فيها وألّف فيها بعضهم ، وممن علمناه ألّف في هذه المسألة كتاباً مستقلاً العلامة ابن القيم – رحمه الله – ألف فيها كتاب "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" ، وألف الصنعاني – رحمه الله- أيضاً كتاباً سماه "السيف الباتر في المفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر" ذكره في العدة ، وذكر أنه اختصره من كتاب ابن القيم وقال : وهو كتاب بديع ليس له نظير ألّفناه في مكة سنة 1135هـ. ومما احتج به لتفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر قوله تعالى : _ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا _ (الفرقان: من الآية75) . قال محمد بن علي بن الحسين : الغرفة الجنة ، بما صبروا : على الفقر في الدنيا . ومنها أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو مقدار خمسمائة سنة ، وورد بأربعين خريفاً حتى يتمنى الأغنياء من المسلمين أنهم كانوا فقراء ، ومنها أن الله ما ذكر الدنيا إلا على سبيل الذم فتارة يذكر المال أنه سبب للطغيان كقوله تعالى : _ كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى _ (العلق:6-7) . وتارة يذكر أنه سبب للبغي قال تعالى : _ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ _ (الشورى: من الآية27) ، وتارة يذكر المال بأنه فتنة _ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة _ (التغابن: من الآية15) ، وتارة يذكر بأن الأموال والأولاد لا تقرب إلى الله تعالى : _ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً _ (سـبأ: من الآية37) . ومما استدل به أيضاً على تفضيل الفقير الصابر أن النبي ﷺ اختار الله له أن يكون فقيراً ، فقد عرضت عليه مفاتيح خزائن الأرض فأباها وقال : "بل أجوع يوماً وأشبع يوماً ، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك" . هذا خلاصة ما استدل به من فضل الفقير الصابر . وقد أجاب من فضل الغني الشاكر على أدلة من فضل الفقير الصابر فقالوا : أما الآية فلا دليل لكم فيها ؛ لأن الصبر فيها عام في جميع أنواع الصبر فهو يعم الصبر عن المحارم لمن هو قادر عليها بالمال والصبر على أداء الطاعة والصبر على الابتلااءت بأنواعها كالأمراض والأوصاب والفقر والحاجة وغير ذلك . وأما دخول الفقراء إلى الجنة فلا يلزم من ذلك نقص درجة الغني ، بل ربما كان الغني الذي يدخل الجنة متأخراً أعلى درجة من الفقير الذي سبقه بالدخول ، وأما ما ذمّ الله به الدنيا والمال فإنما تكون مذمومة في حق من أنفق المال في معصية الله ، أما من أنفقه في طاعة الله فهو محمود قال سبحانه وتعالى : _ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ _ (المعارج:24-25) ، وقال تعالى : _ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى _ (الليل:5-7) . وأما النبي ﷺ فقد جمع الله لـه بين درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر فكم قد أتاه من المال فأباه وأنفقه في طاعة مولاه – عليه الصلاة والسلام – ومن الأدلة على ذلك أن النبي ﷺ كان يجهز كل الوفود على كثرتهم في السنوات الأخيرة بعد فتح مكة ، ومع ذلك فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير أخذها نفقة لأهله ، ومن الأدلة على تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر ، قول النبي _ : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " في هذا الحديث . قال الصنعاني في العدة : قال من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر لنا أدلة واسعة وكلمات للخير جامعة : الأول أن الله أثنى على أعمال في كتابة لا تتم إلا للأغنياء ، كالزكاة والإنفاق في وجوه البر والجهاد في سبيل الله بالمال وتجهيز الغزاة ورعاية المحاويج وفك الرقاب والإطعام في يوم المسغبة ، وأين يقع صبر الفقير من فرحة المضطر الملهوف المشرف على الهلاك ، وأين يقع صبره من نفع الغني بماله في نصرة دين الله وإعلاء كلمته وكسر أعدائه ؟ وأين يقع صبر أهل الصفة من إنفاق عثمان رضي الله عنه تلك النفقات حتى قال النبي ﷺ : " ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم " ؟ . قالوا : والأغنياء الشاكرون سبب لطاعة الفقراء الصابرين إياهم بالصدقة عليهم والإحسان إليهم ورعايتهم على طاعتهم ، فلهم نصيب وافر من أجور الفقراء زيادة على أجورهم بالإنفاق وطاعتهم التي تخصهم ، كما يفيده ما أخرجه ابن خزيمة – رحمه الله – من حديث سلمان رضي الله عنه مرفوعاً : " من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء " فقد حاز الغني الشاكر بضيافة هذا مثل أجل الفقير الذي فطره . قالوا : وفضائل الصدقة معلومة ، وفوائدها لا تحصى ، وهي ثمرة من ثمرات الغني الشاكر . اهـ من العدة للصنعاني (3/88) بتصرف قليل . وهذه خلاصة ما احتج به الفريقان ، وتبين مما ذكرناه رجحان الغني الشاكر على الفقير الصابر ، ومعلوم أنه لا مكان للفقير غير الصابر ولا للغني غير الشاكر في هذه المفاضلة . ثانياً : يؤخذ من الحديث مشروعية هذا الذكر عقب الصلاة المفروضة ، وأن من سبح الله وحمده وكبره ثلاثاً وثلاثين مرة فتلك تسع وتسعون كلمة ، وقال تمام المائة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عقب كل فريضة مخلصاً فيها فإنه قد أصاب خيراً كثيراً , وحاز أجراً وفيراً . ثالثاً : اختلف في كيفية هذا الذكر ، هل يكون بإفراد التسبيح حتى يبلغ من مجموعه ثلاثاً وثلاثين ، ومثل ذلك التحميد والتكبير ؟ أو يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يبلغ من مجموعهن ثلاثاً وثلاثين ، ثم يقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ؟. والذي يظهر لي جواز الجميع ، وإن كان أبو صالح – رحمه الله – قد فضل الجمع . والله أعلم . رابعاً : أن درجات الجنة لا تنال إلا بالعمل لقوله ﷺ : " ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم .." الحديث . خامساً : يؤخذ منه ما كان عليه الصحابة – رضوان الله عليهم – من المنافسة على أعمال الخير التي تقرب من الله عز وجل . سادساً : أن المنافسة في أعمال الآخرة محمودة ؛ بل مطلوبة ومأمور بها ، بخلاف المنافسة في الدنيا فإنها مذمومة . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#49
|
|||
|
|||
بسم الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - الحديث الرابع : في باب الذكر عقب الصلاة [130] : عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال : "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي " . موضوع الحديث : استحباب إزالة ما يلهي عن الصلاة ويشغل القلب عن الخشوع فيها . المفردات : الخميصة : كساء مربع له أعلام . الأنجانية : كساء غليظ ، وقيل منبجانية . فلما انصرف : أي سَلَّمَ من صلاته . ألهتني : أشغلتني . آنفا : الوقت الذي قبل قول ذلك . المعنى الإجمالي : كان رسول الله ﷺ شديد الاهتمام بأمر الصلاة وإزالة كل ما يشغل أو ينقص الخشوع فيها ،لذلك نهى عن الصلاة مع الاحتقان ، وعند حضور الطعام ووجود التوقان إليه ، وهنا كره الصلاة في الخميصة لما فيها من الأعلام التي تلهي عن الخشوع فيها فتذهبه أو تنقصه . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ من الحديث دليل على طلب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها وإزالة كل ما يذهبه أو ينقصه ، ومن ثم نهى عن زخرفة المساجد ، فأخرج أبو داود في باب بناء المساجد وصححه الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : " ما أمرت بتشييد المساجد " ، قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى . وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " وصححه الألباني . وروى ابن ماجة في باب تشييد المساجد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" صححه الألباني . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ |
#50
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - باب الجمع بين الصلاتين في السفر [131] : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي ﷺ يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء . موضوع الحديث : الجمع بين الصلاتين في السفر . المفردات : على ظهر سير : أي إذا كان جاداً في السفر ، قال ابن حجر – رحمه الله – ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعاً في الكلام كأن السير كان مستنداً إلى ظهر قوي . المعنى الإجمالي : تمتاز شريعة نبينا محمد ﷺ من بين سائر الشرائع السماوية بالسماحة واليسر وإزاحة كل حرج ومشقة عن المكلفين أو تخفيفهما ، ومن التخفيفات المرموقة في شريعتنا الجمع في السفر بين الصلاتين المشتركتين في الوقت وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً في وقت إحداهما مقصورتين ، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يروي عن النبي ﷺ أنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا كان على ظهر سير . فقه الحديث : أولاً : في قولـه : كان رسول الله ﷺ يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ، ويجمع بين المغرب والعشاء ، دليل لمن قال إن الجمع في السفر مشروع وهم الجمهور ، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد ؛ لأن كان تقتضي في الغالب الاستمرار على الشيء ومعاودته مرة بعد مرة . وذهب الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة وصاحباه إلى أن الجمع لا يشرع إلا في عرفة ومزدلفة فقط ، وحملوا ما ورد في الجمع من نصوص على الجمع الصوري وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها ، وتقديم الأخرى في أول وقتها ، ورُدَّ عليهم بأن الجمع شرع لإزالة المشقة والحرج عن الأمة ، وهذا أكثر مشقة من جمع الصلاتين في وقت إحداهما لأمور : أولاً : لأن معرفة أوائل الأوقات وأواخرها لا يتسنى لكثير من الخاصة ، فكيف بالعامة ؟ . ثانياً : لأن ذلك يوجب تكرار النـزول لكي يعرف أوائل الأوقات وأواخرها بالظل ، وفي هذا مشقة أكثر من النـزول لأداء الصلاة في وقت إحداهما ، وذلك ينافي رفع الحرج الذي امتن الله به على عباده حيث يقول : _ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج _ (الحج: من الآية78) . ثالثاً : أن الأحاديث الواردة في الجمع في السفر صحيحة وصريحة ، وحملها على ما ذكر تعطيل لسنة ثابتة لا يعذر أحد عن الأخذ بها والعمل بموجبها . ومن هذا تعلم أن مذهب الجمهور هو الحق ؛ لأن الجمع بين الصلاتين في السفر صح من حديث ابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل . ثانياً : يؤخذ من قوله : يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر ..الخ ، دليلٌ لمن قال بجواز الجمع مطلقاً ، سواء كان تقديماً أو تأخيراً ، لأن حديث ابن عباس مطلق فيدخل تحته التقديم لكن قيد في حديث أنس بما إذا جمع تأخيراً ولفظه عند البخاري : كان النبي ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما ، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب ، أي وإذا زاغت ولم يرتحل صلى الظهر ثم ركب ، قال الحافظ في الفتح : وهو المحفوظ عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس ، لكن روى الإسماعيلي عن جعفر الفرياني عن إسحاق بن راهويه عن شبابة فقال : إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل . ورواه الحاكم في الأربعين قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، قال حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني أحد شيوخ مسلم ، قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث ، وفيه : فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب ، قال صلاح الدين العلائي : جيد اهـ. نقلاً عن الفتح بتصرف . قلت : القاعدة الاصطلاحية أن زيادة الثقة مقبولة ، وإسحاق إمام فتقبل زيادته وجعفر المتفرد عنه إمام أيضاً وقد حصلت له المتابعة بما في سند الحاكم وع هذا فليس المعول في جمع التقديم على حديث أنس فقط ، بل قد صح جمع التقديم من حديث أبي جحيفة المتفق عليه من طريق عون بن أبي جحيفة والحكم بن عتبة ولفظ رواية عون : خرج علينا رسول الله ﷺ بالهاجرة ، فأتى بوضوء فتوضأ ، فصلى بنا الظهر والعصر وبين يديه عنـزة ، والمرأة والحمار يمرون من ورائهما . ومن حديث معاذ بن جبل عند أبي داود بلفظ : أن النبي ﷺ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليها جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. وروى الترمذي عن معاذ بن جبل أن النبي _ كان في غزوة تبوك بمثل حديث أبي داود إلا أن فيه : وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل ، وقال في المغرب مثل ذلك ، صحيح سنن الترمذي (455) ، وصحيح أبي داود (1106) ، وصحيح الإرواء (785) ، وذكر في الإرواء تحت الرقم المذكور (3/28) وقال : صحيح ، وعزاه لأبي داود والترمذي وأحمد (5/241، 242) وكلهم قالوا : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن معاذ بن جبل أن النبي _ كان في غزوة تبوك ... الحديث . إلى أن قال : وقال الترمذي حديث حسن غريب ، تفرد به قتيبة ، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره ، وقال في مكان آخر من الصفحة الأخرى : حديث حسن صحيح . قلت – يعني الألباني - : وأنا أرى أن الحديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال الستة ، وقد أعله الحاكم بما لا يقدح في صحته ، فراجع كلامه في ذلك مع الرد عليه في زاد المعاد (1/187، 188) ، ولذلك قال في أعلام الموقعين (3/25) : وإسناده صحيح ، وعلته واهية ، وغاية ما أعل به علتان : الأولى : تفرد قتيبة به أو وهمه فيه ، والأخرى : عنعنة يزيد بن أبي حبيب . والجواب عن الأولى أن قتيبة ثقة ثبت فلا يضر تفرده كما هو مقرر في علم الحديث ، وأما الوهم فمردود ؛ إذ لا دليل عليه إلا الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، ولا يرد به حديث الثقة ولو فتح هذا الباب لم يسلم لنا حديث . والجواب عن العلة الأخرى : فهو أن يزيد بن أبي حبيب غير معروف بالتدليس وقد أدرك أبا الطفيل حتماً لأنه ولد سنة 53هـ وتوفي سنة 128هـ وتوفي أبو الطفيل سنة مائة أو بعدها وعمر يزيد حينئذٍ 47هـ سنة . وقد أطال – رحمه الله – في تصحيح حديث قتيبة هذا بما لا مزيد عليه. ثم قال : قلت : وليس في شيء من هذه الطرق عن أبي الزبير ذكر لجمع التقديم الوارد في حديث قتيبة ولا يضره لما تقرر أن زيادة الثقة مقبولة لا سيما ولم ينفرد به بل تابعه الرملي وإن خالفه في إسناده كما سبق ، على أن لهذه الزيادات شاهداًَ قوياً في بعض حديث أنس رضي الله عنه . قلت : هي رواية الفرياني عن إسحاق بن راهويه عن شبابة بن سوار بزيادة : صلى الظهر والعصر ثم ركب ، ثم أورد لهما شاهداً من حديث ابن عباس ولفظه : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله ﷺ في السفر ؟ قال : قلنا : بلى ، قال : كان إذا زاغت الشمس في منـزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب ... الخ ، مثل حديث معاذ وعزاه للشافعي (1/116) ، وأحمد (1/367/368) ، والدراقطني (149) ، والبيهقي (3/163/164) ، من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة وكريب كلاهما عن ابن عباس ثم قال : قلت وحسين هذا ضعيف . قال الحافظ في التلخيص (2/48) : واختلف عليه فيه ، وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف فيه ، إلا أن علته ضعف حسين ، ويقال أن الترمذي حسنه وكأنه باعتبار المتابعة وغفل ابن العربي فصحح إسناده . لكن طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده ، عن أبي خالد الأحمر ، عن الحجاج عن الحكم ، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنه نحوه . قلت – يعني الألباني - : فالحديث صحيح عن ابن عباس بهذه المتابعات والطرق ، وقواه البيهقي بشواهده ، فهو شاهد آخر لحديث معاذ من رواية قتيبة ، وهي تدل على حفظه وقوة حديثه . قلت : وعلى هذا فقد صح جمع التقديم من رواية ثلاثة من الصحابة وهم : 1- أنس بن مالك عند الإسماعيلي من طريق جعفر الفرياني ، حدثنا إسحاق ابن راهويه ، أنبأنا شبابة بن سوار ، عن عقيل ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس وفيه : وإذا زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل . ولـه متابع رواه الحاكم في الأربعين من طريق محمد بن يعقوب أبي العباس الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني ، عن حسان بن عبد الله ، عن المفضل بن فضالة ، عن عقيل وفيه : وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل . 2- من طريق معاذ بن جبل كما تقدم بيانه بشواهده التي تؤكد أن قتيبة ابن سعيد قد حفظ الحديث سنداً ومتناً . 3- من طريق ابن عباس وصح بالمتابعات ، ولذلك فإنه قد وجب المصير إلى جمع التقديم لصحته عن نبي الهدى ﷺ وإلى جواز جمع التقديم ، ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل في المشهور عنه ، وهو رواية عن مالك . ثالثاً : يؤخذ من قوله : إذا كان على ظهر سير دليل ، لمن خصص الجمع بالسائر دون النازل وهو مروي عن ابن حبيب من المالكية ، ورواية عن مالك ، لكن روى أبو داود بإسناد رجاله رجال الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك ، فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً . قال الشافعي في الأم : قوله ثم خرج فصلى ثم دخل ، ثم خرج فصلى ، لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع سائراً ونازلاً ، وحكى الحافظ عن ابن عبد البر أنه قال : في هذا أوضح دليل على الرد على من قال : لا يجمع إلا من جدَّ به السير ، وهو قاطع اللالتباس .اهـ. ويجوز الجمع بين الصلاتين في السفر سائراً ونازلاً قال عطاء وجمهور أهل المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر ورواية عن أحمد ، وهو المشهور عند أصحابه والمرجح عندهم . قال في المغنى : وروى عن أحمد جواز جمع الصلاة الثانية إلى الأولى ، وهذا هو الصحيح وعليه أكثر الأصحاب . قال القاضي : الأول هو الفضيلة والاستحباب ، وإن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما نازلاً كان أو سائراً أو مقيماً في بلد إقامة لا تمنع القصر ، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر لما روى معاذ بن جبل ، ثم أورد حديثي معاذ بن جبل وابن عباس السابقين في جمع التقديم . ثم قال : وروى مالك في الموطأ عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر الصلاة يوماً ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً. قال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح الإسناد ، وفيه أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جَدَّ به السير ؛ لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعاً ، ثم ينصرف إلى خبائه ، ثم يخرج فيقيمها ويجمع بين الصلاتين من غير أن يجد به السير. وقال ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية : ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر ، لمصلحة الوقوف ولا يقطعه بالنـزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بلا مشقة بالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى .اهـ. رابعاً : في قوله : " كان يجمع في السفر " الحديث ، دليل على جواز الجمع في كل ما يسمى سفراً ، وسيأتي الاختلاف في السفر الذي يجوز فيه الجمع والقصر ، ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه كما تقدم . قال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (12/198) : وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجمع أحد بين الصلاتين في سفر ولا حضر ، لا صحيح ولا مريض ، في صحو ولا في مطر ، إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها ، ثم ينـزل فيصليها في آخر وقتها ، ثم يمكث قليلاً ويصلي العصر في أول وقتها ، وكذلك المريض . قالوا : فأما أن يصلي صلاة في وقت الأخرى فلا إلا بعرفة والمزدلفة لا غير. وأجازت الهادوية التي تقمصت الزيدية واشتهرت بها على ما جمعت في مذهبها من الرفض والاعتزال قالت بجواز الجمع في الحضر لكل مشغول بطاعة أو مباح ينفعه تقديماً أو تأخيراً ، وعلى هذا يجري العمل في مساجد الزيدية دائماً من غير نكير ناسين أو متناسين قول الله تعالى : _ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً _ (النساء: من الآية103) . وتاركين ما ثبت في السنن الصحيحة الصريحة في المواقيت إلى ما قرره شيوخهم وقادتهم وكبراؤهم ، وحق عليهم قول الله تعالى : _ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا _ (الأحزاب:67) . قال في كتاب "الأزهار" الذي هو الكتاب المعتمد لديهم في الأحكام : وللمريض المتوضئ ، والمسافر ولو لمعصية ، والخائف والمشغول بطاعة أو مباح ينفعه وينقصه التوقيت جمع التقديم والتأخير بأذان لهما وإقامتين ، ولا يسقط الترتيب وإن نسي ويصح التنفل بينهما . قال الشوكاني – رحمه الله – في السيل الجرار (1/192) رداً على ما ورد في الفقرة السابقة : وأثبت لمن عداهم جمع المشاركة وهذا كله ظلمات بعضها فوق بعض وخبط يتعجب الناظر فيه إذا كان له أدنى تمييز ، والحاصل أن هذا القول لم يسمع في أيام النبوة ، وقد كان فيهم المريض وأهل العلل الكثيرة ، وفيهم من قال له رسول الله ﷺ : " صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " . ولم يسمع بأنه أمر أحداً منهم بتأخير الصلاة عن وقتها ، ولا جاء في ذلك حرف واحد من كتاب ولا سنة ، وهكذا لم يسمع شيء من ذلك في عصر الصحابة بعد موته ولا في عصر من بعدهم ، ولم يقل بذلك أحد من أهل المذاهب الأربعة ، ولا من سائر أهل الأرض ، فمثل هذه المسائل من عجائب الرأي الذي اختص به أهل أرضنا اللهم غفراً ... إلى أن قال : وأما ما ذكره المصنف من جواز الجمع لمشغول بطاعة ، فليت شعري ما هي هذه الطاعة التي يجب تأثيرها على الصلاة ؟ التي هي رأس الطاعات وهي أحد أركان الإسلام ، والتي ليس بين العبد وبين الكفر إلا مجرد تركها ، وأعجب من هذا وأغرب تجويزهم الجمع للمشغول بمباح ينفعه وينقص في التوقيت ، فإن جميع الناس إلا النادر يدأبون في أعمال المعاش العائد لهم بمنفعة وإذا وقتوا فقد تركوا ذلك العمل وقت طهارتهم وصلاتهم ومشيهم إلى المساجد – ومعنى وقتوا : صلوا الصلاة في أوقاتها - . قال : فعلى هذا هم معذورون عن التوقيت طول أعمارهم ، ولهم جمع الصلاة ما داموا على قيد الحياة ، وهذا تفريط عظيم وتساهل بجانب هذه العبادة العظيمة ، وإفراط في مراعاة جانب الأعمال الدنيوية على الأعمال الأخروية ، وقد كان الصحابة – _ - في أيام الرسول ﷺ يشتغلون بالأعمال التي يقوم بها ما يحتاجون إليه ، فمنهم من هو في الأسواق ، ومنهم من هو في عمل الحرث ونحوه ، ومنهم من هو في تحصيل علف ماشيته ، ولم يسمع عن الرسول ﷺ أنه عذر أحداً عن حضور الصلاة في أوقاتها ، ولا بلغنا أن أحداً منهم طلب من الرسول ﷺ أن يرخص له ، لعلمهم أن هذا لا يسوغه الشرع . قلت : من سوّغ الجمع دائماً وأبداً من غير عذر من أعذار الجمع الثلاثة التي هي السفر والمرض والمطر استناداً إلى قول شخص بعينه ، فقد اتخذه مشرعاً ودخل في هذه الآية _ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ _ (الشورى: من الآية21) . وليعد للسؤال جواباً ، لأنه رفض النصوص الشرعية الدالة على التوقيت من كتاب وسنة ، وما أكثرها ، وأخذ بقول من ليس بمعصوم ، فإلى الله المشتكى ، وبين يديه الملتقى ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . قال الشوكاني – رحمه الله - : وأما التمسك بحديث جمعه ﷺ في المدينة فهذا وقع مرة واحدة ، وتأوله كثير من الراوين للحديث ، وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك ، وقد أفردنا هذا البحث برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقى ما ينتفع به طالب الحق . اهـ. قلت : حديث ابن عباس قال راويه لما سُئل : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته . ومعنى ذلك – والله أعلم - : أنه صلوات الله وسلامه عليه أراد أن يشرع لأمته شرعاً للضرورات ، كأن يقع مثلاً حريق والناس يدأبون على إطفائه وإنقاذ من يمكن إنقاذه ، أو دهمهم سيل أو فيضان والناس في إنقاذ الأرواح والأموال ، أو حصل زلزال تهدمت بسببه أبنية والناس يدأبون في إنقاذ من تحت الأبنية لعلهم يجدون بعضهم أحياء ، أو يكون للإنسان مريض لا يوجد له أحد غيره فإذا تركه تضرر ، فهذا يجوز له الجمع لتمريض مريضه . ومما سبق يتبين أن مذهب الجمهور وسط بين الإفراط والتفريط . فالإفراط في مذهب الحنفية : الذين منعوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة . والتفريط في مذهب الهادوية : الذين أجازوا الجمع لأي عمل من أعمال الدنيا ، بل قد اتخذه أتباع هذا المذهب ديدناً بل قد أسقطوا وقت العصر والعشاء من الحساب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال ابن عبد البر في التمهيد – رحمه الله(_) - : وقد تقدم القول في جمع الصلاتين في السفر ، وأما في الحضر لغير عذر فإنه لا يجوز على أي حال البتة إلا طائفة شذت ، سنورد ما إليه ذهبوا إن شاء الله . وروينا عن النبي _ من حديث ابن عباس أنه قال الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر من الكبائر وهو حديث ضعيف . ثم اختلف أهل العلم في الجمع من أجل المطر ، فأجازه مالك في الليل أي بين المغرب والعشاء ومنعه في النهار أي بين الظهر والعصر ، وإن كان المطر نازلاً . قال الشوكاني – رحمه الله - : وأما التمسك بحديث جمعه _ في المدينة فهذا وقع مرة واحدة ، وتأوله كثير من الراوين للحديث ، وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك ، وقد أفردنا هذا البحث برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقى ما ينتفع به طالب الحق . اهـ. قلت : حديث ابن عباس قال راويه لما سُئل : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته . ومعنى ذلك – والله أعلم - : أنه صلوات الله وسلامه عليه أراد أن يشرع لأمته شرعاً للضرورات ، كأن يقع مثلاً حريق والناس يدأبون على إطفائه وإنقاذ من يمكن إنقاذه ، أو دهمهم سيل أو فيضان والناس في إنقاذ الأرواح والأموال ، أو حصل زلزال تهدمت بسببه أبنية والناس يدأبون في إنقاذ من تحت الأبنية لعلهم يجدون بعضهم أحياء ، أو يكون للإنسان مريض لا يوجد له أحد غيره فإذا تركه تضرر ، فهذا يجوز له الجمع لتمريض مريضه . ومما سبق يتبين أن مذهب الجمهور وسط بين الإفراط والتفريط . فالإفراط في مذهب الحنفية : الذين منعوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة . والتفريط في مذهب الهادوية : الذين أجازوا الجمع لأي عمل من أعمال الدنيا ، بل قد اتخذه أتباع هذا المذهب ديدناً بل قد أسقطوا وقت العصر والعشاء من الحساب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال ابن عبد البر في التمهيد – رحمه الله(_) - : وقد تقدم القول في جمع الصلاتين في السفر ، وأما في الحضر لغير عذر فإنه لا يجوز على أي حال البتة إلا طائفة شذت ، سنورد ما إليه ذهبوا إن شاء الله . وروينا عن النبي _ من حديث ابن عباس أنه قال الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر من الكبائر وهو حديث ضعيف . ثم اختلف أهل العلم في الجمع من أجل المطر ، فأجازه مالك في الليل أي بين المغرب والعشاء ومنعه في النهار أي بين الظهر والعصر ، وإن كان المطر نازلاً . قال ابن عبد البر في التمهيد (12/210) : واختلفوا في عذر المرض والمطر ، فقال مالك وأصحابه : جائز أن يجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر ، قال : ولا يجمع بين الظهر والعصر في حال المطر . قلت : ويجمع بين المغرب والعشاء وإن لم يكن مطر إذا كان طيناً وظلمة ، هذا هو المشهور من مذهب مالك في مساجد الجماعات في الحضر . وهذا القول هو جواز الجمع لعذر المطر بين المغرب والعشاء هو المشهور عن الإمام أحمد ، قال في المغني : ويجوز الجمع بين المغرب والعشاء لأجل المطر ، ويروى ذلك عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة ، وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وروى عن مروان وعمر بن عبد العزيز .. إلى أن قال : فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز ، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : يجمع بين الظهر والعصر في المطر ؟ قال : لا ، ما سمعت بهذا ، وهذا اختيار أبي بكر ابن حامد وقول مالك . وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان ، أحدهما : أنه لا بأس به وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي لما روى يحيى بن واضح ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر _ أن النبي _ جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر ، قال : ولأنه معنى أباح الجمع بين الظهر والعصر كالسفر(_)اهـ. واختلفوا في مشروعية الجمع للمريض بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية إلى جواز الجمع للمريض ومنع ذلك الشافعي ، وقال الليث بن سعد : يجمع المريض والمبطون ، وقال مالك : إذا خاف المريض أن يغلب على عقله جمع جمع تقديم ، أما إذا لم يخف على عقله أن يغلب ولكن كان الجمع أرفق به فإنه يجوز له أن يجمع بينهما في وسط الأولى وأخرها . أما إذا جمع وليس بمضطر فإنه يعيد مادام في الأولى ، فإن خرج الوقت ولم يعد فلا شيء عليه . وقال أبو حنيفة يجوز أن يجمع المريض كجمع المسافر(_) أي في أخر وقت الأولى وأول وقت الثانية . هذه مذاهب الفقهاء في مشروعية الجمع للمريض ، والأشبه بالحق عندي أنه يجوز الجمع للمريض سواء كان تقديماً أو تأخيراً ؛ وذلك أن المشقة الحاصلة بالمرض أعظم من المشقة الحاصلة بالسفر ، وقد أجاز النبي _ الجمع للمستحاضة بل أمرها به في قوله : فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلين العصر وتغتسلين لهما غسلاً واحداً يعني فافعلي . والاستحاضة مرض وحديثها دليل على جواز الجمع للمريض ، علماً بأن المشقة الحاصلة على المريض بأداء كل صلاة في وقتها معلومة لدى الجميع لا يختلف فيها اثنان . وبالله التوفيق . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#51
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- باب قصر الصلاة في السفر [133] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صحبت رسول الله ﷺ في السفر فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك . موضوع الحديث : القصر في السفر . المفردات : فكان لا يزيد في السفر على ركعتين : كان تفيد الاستمرار غالباً . قوله وأبا بكر وعمر وعثمان : تقديره وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان فلم يزيدوا على ركعتين في السفر . المعنى الإجمالي : يخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه صحب رسول الله ﷺ وخلفائه الثلاثة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم فلم يزيدوا في السفر على ركعتين في الرباعية وأنهم لم يصلوا السنن الرواتب في السفر . فقه الحديث : يؤخذ من الحديث مسائل : المسألة الأولى : مشروعية القصر في السفر وهو أمر مجمع عليه قال في الإفصاح لابن هبيرة اتفقوا على القصر في السفر ، ثم اختلفوا هل هو رخصة أو عزيمة فقال أبو حنيفة هو عزيمة وشدد فيه حتى قال إذا صلى الظهر أربعاً ولم يجلس بعد الركعتين بطل ظهره وقال مالك والشافعي وأحمد هو رخصة وعن مالك أنه عزيمة كمذهب أبي حنيفة اهـ. إفصاح 1/165 . قلت : يرد على من زعم أن القصر عزيمة بما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها من طريق الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأُتمت صلاة الحضر قال الزهري فقلت لعروة ما بال عائشة تُتمُ قال تأولت ما تأول عثمان " . فأقول : لو كان القصر عزيمة لما تأولت عائشة في تركه فلما تأولت في تركه دل على أنه رخصة وليس بعزيمة . ثانياً : أن قولـه جل وعلا : _ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً _ (النساء:101) . مفهوم هذه الآية أن الإتمام هو الأصل وأن القصر رخصة من عزيمة وأن العزيمة هي الأصل وإلى ذلك ذهب الأئمة الثلاثة وقال مالك إذا صلى تماماً أعاد في الوقت لذلك قال بعضهم أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة ونفي الجناح عمن قصر دال على أن الأصل هو الإتمام . وقد رد القرطبي في تفسير الآية على من قال القصر هو الأصل واستدل بحديث عائشة بقوله ولا حجة فيه لمخالفتها له فإنها كانت تتم في السفر وذلك يوهنه وإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم يعني أن المسافر إذا إئتم بمقيم وجب عليه الإتمام وهذا دال على أن الإتمام هو الأصل ونفي الجناح عمن قصر يدل عليه ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ". والقرطبي قد أعل حديث عائشة أيضاً بالاضطراب فقال ثم إن حديث عائشة رضي الله عنها قد رواه ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قال : " فرض رسول الله ﷺ الصلاة ركعتين ركعتين " وقال فيه الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " فرض الله على رسول الله ﷺ ركعتين ركعتين " الحديث . وهذا اضطراب . اهـ. المسألة الثانية : أن مداومة النبي _ على القصر في السفر وعمل الخلفاء الراشدين به من بعده يدل على رجحانه على الإتمام فالعمل به أفضل . المسألة الثالثة : اتفق العلماء على أنه لا تقصير في صلاة الفجر ولا في صلاة المغرب . قال الحافظ ابن حجر نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أنه لا تقصير في صلاة الفجر ولا في صلاة المغرب . اهـ. المسألة الرابعة : أنه يجوز القصر في كل سفر مباح ، قال النووي ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر . قلت : يرد على هؤلاء بحديث يعلى ابن أمية رضي الله عنها قال قلت لعمر بن الخطاب أرأيت قول الله _ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا _ وقد ذهب الخوف قال سألت رسول الله عما سألتني عنه فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " . ثم قال : وذهب بعضهم إلى أن السفر المبيح للرخص وهو للحج أو العمرة أو الجهاد . وقال بعضهم كل سفر في طاعة . وعن أبي حنيفة والثوري أنه يجوز القصر في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية . وأقول : أرجو أن تكون الرخص جارية في كل سفر مباح أما المعاصي فلا يعان على معصيته بوضع شيء من الواجبات عنه وبالله التوفيق . المسألة الخامسة : اختلف أهل العلم في السفر الموجب للقصر ما هو فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك إلى أنه أربعة برد . قلت : وهي على تقدير الميل بألف وستمائة متر 1600م تكون الأربعة برد بالكيلو ستة وسبعين (76) كيلو وثمان مائة متر أما إن قلنا أن الميل ألفي خطوة للجمل كما في التقدير القديم فإنه يكون أكثر من ذلك وقد قدره محقق كتاب الاستذكار أي قدر الثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً بواحد وثمانين كيلاً (81) وهو سير يومين للجمل والرِجل أي يومان بدون لليالي أو ليلتان بدون أيام أو يوماً وليلة متصلة . وقالت الحنفية لا يقصر إلا في سفر يكون مسافة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة وقالت الظاهرية من خرج مسافة ثلاثة أميال قصر هذه مذاهب الناس في المسافة التي يجوز للمسافر أن يقصر فيها وليس في ذلك عن المعصوم ﷺ نص صريح أن من سافر كذا جاز له القصر ولكن عنه ﷺ حديث صحيح سمى فيه النبي ﷺ مسافة يوم منفرد وليلة منفردة سماها سفراً وذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم رقم 1339 من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا الليث (يعني ابن سعد) عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يحل لامرأة مسلمةٍ تسافر مسيرة ليلةٍ إلا ومعها رجلٌ ذو محرم منها ". ومن طريق زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ إلا مع ذي محرم" . وقد روى أبو هريرة مسيرة "يوم وليلة" "وأن تسافر ثلاثاً" وروى أبو سعيد الخدري في نفس الكتاب والباب " مسيرة يومين " "وثلاث""وفوق ثلاث". وروى ابن عمر أيضاً "ثلاث ليال" . والاستدلال من هذا الحديث من حيث تسمية النبي ﷺ هذه المسافات المذكورات في هذه الأحاديث سفراً وقد وجدنا أقل ما سماه النبي ﷺ سفراً هو مسافة يوم منفرد أو ليلة منفردة سمى ذلك سفراً وهو مسيرة يوم تام للجمل والرِجل وذلك يقدر بنحو بريدين أربعة وعشرون ميلاً ونحو أربعين كيلو وقد ورد في رواية لأبي داود بريداً ذكرها المنذري برقم 1651 وسكت عليها والذي أعلمه أنها من طريق سهيل بن أبي صالح وفيه كلام من قبل حفظه ورواية اليوم المنفرد والليلة المنفردة هي التي صحت لنا من غير قادح كما تقدم وهذا التحديد هو الحق لأمور : الأمر الأول : أنها هي عمل الصحابي راوي الحديث قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الاستذكار ج6 ص83 : " وقد اختلف عن ابن عمر في أدنى ما يقصر إليه الصلاة وأصح ما في ذلك عنه ما رواه عنه ابنه سالم ومولاه نافع أنه لا يقصر إلا في مسيرة اليوم التام أربعة برد " . ذكره ذلك برقم 8013 وقد روى مالك عن نافع أنه كان يسافر مع عبد الله بن عمر البريد ولا يقصر . وأقول : الأصل في ذلك تسمية مسيرة اليوم سفراً من قول النبي ﷺ إلا أن ذلك يختلف باختلاف اليوم في الطول والقصر واختلاف الليل أيضاً في الطول والقصر كذلك فمن سافر يوماً من أيام الربيع القصيرة جاز له القصر وكذلك من سار ليلة من ليالي الصيف القصيرة جاز له القصر لأنه وقع عليه اسم اليوم واسم الليلة كما أنه يختلف باختلاف سرعة السير وبطئه فسير القافلة والمشي المعتدل بين السرعة والبطيء الشديد يختلف عن المشي السريع وأذكر أنا كنا نرتحل بالقافلة من قريتنا إلى مدينة جازان بعد صلاة العصر في أول وقتها في أيام الصيف مع أنه يكون ما بين دخول وقت العصر والمغرب ثلاث ساعات أو ما يقاربها ومع طريق مختصر وسير الليل كله ونصل إلى جازان ضحوة وذلك في الستينات وإذا أردنا أن نسرع في الرجوع وكان في القافلة ناقة باهل ترك صاحبها ولدها في البيت قدمناها فنمشي بعد المغرب ونصلي الصبح حول القرية والمسافة هي المسافة سبعون كيلو متر تقريباً وعلى هذا يحمل تفسير اليوم التام بمسيرة أربعة برد أما السير المعتدل للقافلة والأقدام فهو بريدان ومن كذب جرب . إن اسم اليوم والليلة اسم مجمل يقع على اليوم الطويل والقصير والمشي السريع والبطيء وترك تقييده من الشارع إنما كان رحمة بنا وما كان ربك نسيا فمن سار مسافة يوم ولحقته مشقة السفر فله القصر والفطر سواء سار بريدين أو أربعة برد ولعل السلف قدروه بأربعة برد بالسير السريع احتياطاً للدين . وقد روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن مالك عن ابن شهاب عن سالم أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام وإن المشقة اللاحقة بسفر يوم بسير الرجل والجمل مبيحة للقصر والفطر كما يباح ذلك في حق من قطع أربعة برد على دابة نجيبة وبسير سريع لأن كلاً منهما قد سماه النبي ﷺ سفراً ولأن كلاً منهما موجب للمشقة وإنما اختلفت اجتهادات الصحابة ومن بعدهم من السلف لأن بعضهم رأى أن الأحوط هو الأخذ بالتحديد الأعلى ثلاث فما فوقها وهذا قد ترك رواية اليومين واليوم والليلة وبعضهم رأى أن الواجب هو الأحوط في حق المكلف فأخذ برواية اليوم المنفرد أو الليلة المنفردة ويؤيد هذا المأخذ قول النبي ﷺ لعمر بن الخطاب " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وقول النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص الثقفي أنت إمامهم واقتد بأضعفهم فما صاحب الدابة الفارهة والقوة بأولى بالتخفيف من صاحب الدابة الضعيفة والجهد الضعيف مع أني لا أعنف أحداً أخذ بالرأي الآخر إلا أن تحديد الظاهرية بثلاثة أميال لإباحة القصر والفطر وتسميتهم لهذه المسافة سفراً فهذا قول ظاهر البطلان وحديث أنس في الصحيحين إنما قصد به ابتداء القصر في سفر طويل . وبالله تعالى التوفيق . المسألة السادسة : متى يبدأ المسافر في السفر الطويل بالقصر ؟ قال البخاري باب يقصر إذا خرج من موضعه قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري يعني إذا قصد سفراً تقصر في مثله الصلاة وهي من المسائل المختلف فيها أيضاً قال ابن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منـزله ومنهم من قال إذا ركب قصر إن شاء ورجح ابن المنذر الأول أنهم اتفقوا أنه يقصر إذا فارق البيوت . اهـ. قلت : وأثر علي الذي أورده البخاري بعد الترجمة دليل للقول المرجح وهو قوله ، وخرج علي رضي الله عنه فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها . وأرود البخاري حديث أنس رضي الله عنه برقم 1089 من طريق أبي نعيم قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عن أنس رضي الله عنه قال صليت الظهر مع النبي ﷺ بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين هكذا لفظ البخاري قال الحافظ وفي رواية الكشميهني والعصر بذي الحليفة ركعتين وهي ثابتة في رواية مسلم وكذا في رواية أبي قلابة عند المصنف في الحج وذكر الحافظ أن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال . ومقتضى كلام الحافظ أنها أول منـزلة نزلها من المدينة . قلت : فعل علي ﷺ الذي هو أحد الخلفاء الراشدين دال لما قرره الجمهور أن يبتدأ القصر بعد خروج المسافر من أعمال قريته ويستمر فيه حتى يدخلها . المسألة السابعة : إلى كم يستمر في القصر إذا نزل بأرض له فيها حاجة ؟ اعلم أن من نزل بأرض له فيها حاجة إما أن يكون منتظراً قضاء حاجته متى قضيت ارتحل وإما أن يكون عنده علم أنه لابد له من إقامة معينة . فأما من كان منتظراً قضاء حاجته متى قضيت ارتحل إلا أنه لا يدري متى تقضى وبقي متردداً فهذا يجوز له القصر وإن بقي مدة طويلة ، دليله فعل النبي ﷺ حين أقام بعد الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة فقد روى البخاري في تقصير الصلاة رقم 1080 من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أقام النبي صلى تسعة عشر يقصر فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا . وقد ذكر الحافظ أنه ورد في رواية سبعة عشر يوماً عند أبي داود وورد عنده أيضاً من طريق عمران بن حصين رضي الله عنه أنه ﷺ أقام ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين . وذكر البيهقي أنه جمع بين هذه الروايات أن من قال تسعة عشر حسب يومي الدخول والخروج ومن قال سبعة عشر أسقطهما ومن قال ثماني عشرة أسقط أحدهما وقد ورد خمسة عشر يوماً وقد ورد أنه أقام بتبوك عشرين يوماً فمنهم من قال نقصر إلى هذا العدد ثم نتم ومنهم من قال يقصر ما لم يجمع مكثا وإن طال . وفي مصنف ابن أبي شيبة آثار كثيرة عن السلف أنهم قصروا مدة طويلة إلا أنهم كانوا في الغزو ومثل هذه الآثار تحمل على التردد أو أنهم فعلوا ذلك باعتبارهم في الغزو وفي هذه المسألة خلاف كثير يدل على أنهم كانوا مجتهدين . وأما من عزم على إقامة معينة فقد اختلف فيه أيضاً فأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله أقام رسول الله صلى تسعة عشر يوماً يقصر فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا وإذا زدنا أتممنا . وفي رواية حفص سبع عشرة قال أبو عمر حفص أحفظ من أبي عوانة إلا أن عباد بن منصور قد تابع أبا عوانة . وقد نقل عن السلف أقوال بلغها ابن عبد البر في الاستذكار إلى أحد عشر قولاً والقول الصحيح فيما يظهر لي أن من عزم على إقامة أربع غير يوم نزولـه أتم الصلاة لحديث العلاء بن الحضرمي _ أن النبي _ جعل للمهاجر مقام ثلاثة أيام بعد قضاء نسكه عزاه في الاستذكار إلى البخاري في مناقب الأنصار الحديث رقم 3933 ومسلم في الحج برقم 3239 . قلت : ودلالة الحديث على هذه المسألة أن الزيادة على ثلاثة أيام يسمى إقامة فيلزم فيه الإتمام وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي والإمام أحمد بن حنبل وقال الشافعي ولا يحسب من ذلك يوم نزوله ولا يوم ارتحاله وقال به أتباع الأئمة الثلاثة فيما أعلم وقال في مسائل الخرقي مسألة رقم 277 وإذا نوى المسافر أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم . قال في المغني المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة رواه الأثرم والمروذي وغيرهما . وعنه أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإذا نوى دونها قصر وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور لأن الثلاثة حد القلة إلى أن قال ، وقال الثوري وأصحاب الرأي إن أقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم وإن نوى دون ذلك قصر وقال قتادة من نوى إقامة أربع صلى أربعاً . المسألة الثامنة : إذا اقتدى المسافر بمقيم صلى صلاة مقيم والدليل عليه ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس أنه سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا إئتم بمقيم قال تلك السنة . وفي لفظ أنه قال لـه موسى بن سلمة إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا صلينا ركعتين فقال تلك سنة أبي القاسم _ قال الشوكاني وقد أورد الحافظ هذا الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه وقال إن أصله في مسلم والنسائي بلفظ قلت لابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصلي مع الإمام قال ركعتين سنة أبي القاسم _ اهـ. من نيل الأوطار باب اقتداء المقيم بالمسافر ج3 ص166 ط دار المعرفة . وبالله التوفيق . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ |
#52
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم رفع .
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
شرح احاديث عمدة الاحكام لفضيلة الشيخ العلامه احمد بن يحيى النجمي -رحمه الله- | ام عادل السلفية | الأحاديث الصحيحة فقهها وشرحها | 75 | 28-07-2015 09:53PM |
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي | ام عادل السلفية | مكتبة معرفة السنن والآثار العلمية | 1 | 14-02-2015 01:42AM |
بشرى ...حمل التعليقات على عمدة الأحكام للسعدي.pdf | أبو عبد الودود سعيد الجزائري | مكتبة معرفة السنن والآثار العلمية | 1 | 22-05-2011 12:55PM |
«عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر» للشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله | طارق بن حسن | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 3 | 16-09-2010 06:54AM |
ردع الشيخ المحدث مقبل الوادعي لجناية علي رضا على كتب العلل واستخفافه ببعض المتقدمين | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر الجرح والتعديل | 0 | 05-05-2005 01:07AM |