|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#31
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [112] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله _ أنه قال : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " . موضوع الحديث : الإبراد بالظهر في شدة الحر . المفردات : أبردوا : أخروا حتى تدخلوا في البرد . شدة الحر : أي قوته وفورانه . من فيح جهنم : أي ما تفوح به من فائض حرها وسمومها الذي أذن الله لها به أن ترسله إلى أهل الأرض ليستدلوا به على ما وراءه من حرارتها التي لا يطيقها البشر وقانا الله حرها ، وصرف عنها عذابها ، إن عذابها كان غراماً . المعنى الإجمالي : اشتداد الحر في الهواجر حين تسامت الشمس الرؤوس في الصيف يثير القلق وعدم الإطمئنان ، مما يمتنع معه أداء الصلاة على الوجه الأكمل ، فلذلك أمر النبي ﷺ أن تؤخر الظهر في اشتداد الحر حتى ينكسر الحر وتخف حدته لكي تؤدى الصلاة بخشوع ، وذلك لأن اشتداد الحر من فيح جهنم أي مما أذن الله لها أن تقذف به إلى الأرض من فائض حرارتها ، نعوذ بالله من ذلك . فقه الحديث : أولاً : اختلف العلماء في الإبراد هل هو سنة أو رخصة وبنوا على ذلك أن الإبراد لا يشرع لمن يصلي في بيته إذا كان الإبراد رخصة ويشرع في حقه الإبراد إذا كان سنة . قال ابن دقيق العيد : إنه سنة لورود الأمر به مع ما اقترن به من العلة ، وهو أن شدة الحر من فيح جهنم . ثانياً : يؤخذ من قوله : " إذا اشتد الحر فابردوا " أن الإبراد لا يسن إلا عند الحر ، لأنه علق عليه بإذا الشرطية ، ومفهومه أن الإبراد لا يسن في الربيع وهو لفظ حديث رواه النسائي عن أنس رضي الله عنه بلفظ : " كان النبي ﷺ إذا كان الحر أبرد " ، وإذا كان البرد عجّل ، وقد أوردته في شرح الحديث رقم 47 ، ورجاله خرّج لهم البخاري وقد ذكره البخاري معلقاً كما سبق إلا أن أبا خلدة الراوي له عن أنس من الطبقة الخامسة وقد رواه عن أنس بلا واسطة وصرح بسماعه منه وهو ثقة وحديثه مؤيد بمفهوم هذا الحديث والله أعلم . ثالثاً : نقل الصنعاني في العدة عن الكرماني الإجماع على عدم وجوب الإبراد . ونقل عن القاضي عياض القول بالوجوب عن قوم ، والذي يظهر لي أن القول بالسنية أقرب ؛ وذلك أن أحاديث الإبراد تعارضت مع الأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت ، فأفادت الإباحة للتأخير من دون إثم . والله أعلم . رابعاً : يؤخذ منه أن الخشوع وأسبابه أولى بأن يحرص عليها من أول الوقت ومثل هذا قوله : " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " . خامساً : التعليل بشدة الحر من فيح جهنم ، هل هو على حقيقته أنه من فيح جهنم ، أو أنه من جنس فيح جهنم ، وحمله على الحقيقة أولى كما هو مذهب الجمهور ، وأيده القاضي عياض وابن حجر واستدل له بحديث : " اشتكت النار إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين ، نفسٌ في الشتاء ، ونفسٌ في الصيف ، فهو أشد ما تجدون من الحرارة ، وأشد ما تجدون من البرد " . سادساً : أن الإبراد هو إلى أن تنكسر حدة الحر قليلاً وليس معنى الحديث إلى أن يذهب الحر بالكلية ، بدليل حديث خباب عند مسلم : " شكونا على النبي _ شدة الرمضاء ف جباهنا وأكفنا فلم يشكنا " ، وفي معناه حديث أنس الآتي رقم (113) وليس بينهما وبين حديث الباب تعارض كما توهمه بعضهم ، إذ إن حديث الباب لا يقتضي التأخير إلى أن يذهب الحر بالكلية ولكن إلى أن تخف حدته قليلاً ، وإذا كان كذلك فإن الصلاة رغم الإبراد تقع في وقت لا يستطيع الإنسان فيه أن يضع جبهته ولا كفيه على الأرض دون حائل يمنع الحرارة ، وكل من عرف المدينة وما حولها في أيام الحر يعلم بالضرورة أنه يدخل أول وقت العصر في أيام الصيف والحر موجود ، فكيف إذا صليت الظهر في أوسط وقتها . ومن هذا تبين أن الإبراد ليس معناه إلى أن يذهب الحر بالكلية ؛ إذ لو قال بذلك قائل لزم من قوله أن يخرج الوقت قبل أن تصلي الظهر . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf التصفية والتربية TarbiaTasfia@ |
#32
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [113] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : "من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك قال تعالى : _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ . ولمسلم : " مَن نسي صـلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها " . موضوع الحديث : وجوب قضاء الفوائت التي فاتت بعذر النوم أو النسيان عند الذكر أو الاستيقاظ . المفردات : مَنْ : اسم شرط . نسي : فعل الشرط . وصلاة : مفعول . فليصلها : جواب الشرط ، وجزائه إذا ذكرها أي متى ذكرها ، والضمير في يصليها وذكرها يعود على الصلاة المنسية . لا كفارة : لا نافية للجنس ، وكفارة اسمها . إلا ذلك : أي إلا صلاتها عند الذكر أو الاستيقاظ . المعنى الإجمالي : من عدالة الشرع الإسلامي الحكيم في أحكامه وتكاليفه أنه أسقط التبعة عن العبد في حالة النوم والنسيان _ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا _ وألزمه بقضاء الفائتة بعد زمن هذين العذرين عند زواله فمتى ذكر الناسي أو استيقظ النائم وجب عليه أن يقضي ما فاته ، وهذا ما لم يكن النوم مقصوداً ومعتمداً ، فمن اعتاد مثلاً أن ينام عن الصبح يومياً إلى أن تطلع الشمس أو تكاد ، لا يكون النوم في حقه عذراً وكذا من تعمد السهر إلى وقت السحر مثلاً أو استيقظ عند دخول الوقت أو قربه ونام أو سمع النداء واستثقل به النوم ، كل هؤلاء لا يكون النوم في حقهم عذراً . والله أعلم . فقه الحديث : أولاً : اختلف في الاستشهاد بالآية هل هو من كلام رسول الله _ أو مدرج من كلام قتادة والراجح الأخير لأنه قد ورد في رواية لمسلم بلفظ قال قتادة _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ . ثانياً : القراءة المشهورة في الآية _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ بإضافة ذكري إلى الضمير المعظم ، وقرأها ابن شهاب _ للذكرى _ على زنة فُعلى مشددة الفاء ، واختلف في معناها فقيل : معناها للتذكر بها أو فيها ، وقيل : المراد أقم الصلاة حين تذكرها ، وقيل المراد لأذكرك بالمدح أي أمدحك على ذلك ، وقيل : المراد عند تذكيري لك إياها ، قال الحافظ : وهذا يعضد قراءة من قرأ _ للذكرى _ . وقد رجح ابن جرير القول الأول وهو ظاهر الآية ، غير أنه لا ينفي احتمال الآية للمعاني الأخرى . ثالثاً : يجب قضاء الصلاة إذا فاتت بالنوم أو النسيان . قال ابن دقيق العيد : وهو منطوقه ولا خلاف فيه . رابعاً : أن اللفظ يقتضي توجه الأمر بقضائها عند ذكرها ؛ لأنه جعل الذكر ظرفاً للمأمور به وهو القضاء فيلزم فعله عند وجوده ، وهل يلزم على الفور أو على التراخي ؟ في ذلك خلاف . فمن قال على التراخي : استدل بقصة نوم النبي _ وأصحابه عن الصبح حيث أمرهم ، فاقتادوا الرواحل شيئاً ثم نزلوا فتوضأوا ، وفي لفظ من حديث عمران بن حصين : " فلما رفع رسول الله ﷺ رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال ارتحلوا وسار بنا حتى ابيضت الشمس نزل فصلى الغداة . قالوا : فاقتياد الرواحل وخروجهم من الوادي يدل على أن القضاء ليس على الفور . والجواب عن هذا : أنه عمل لمصلحة الصلاة فلم يمنع ، يدل على ذلك قولـه : " إن هذا منـزل حضَرَنَا فيه الشيطان " . فكان الخروج والابتعاد عن ذلك المنـزل من مصلحة الصلاة فلذلك لا يعد تأخيراً ، ولا يكون مانعاً من الفورية . ولا يشرع الخروج من كل مكان وقعت فيه المعصية أو وقع فيه التفريط أو الغفلة استدلالاً بفعل النبي ﷺ ، فإن هذا أمر لا يعرفه إلا نبي . خامساً : اختلف العلماء في قضاء المتروكة عمداً ، فذهب الجمهور إلى قضائها مستدلين بهذا الحديث ، قال النووي : فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أو بغير عذر ، وإنما قيد في الحديث بالنسيان لخروجه على سبب لأنه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب ، وهي من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى .. إلى أن قال : وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يجب قضاء بغير عذر ، وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء ، وهذا خطأ من قائله وجهله . وقال العلامة ابن رشد في كتابه بداية المجتهد (1/176) : ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان والأضداد لا يقاس بعضها على بعض ، إذ أحكامها مختلفة وإنما تقاس الأشباه ؛ لم يجز قياس العامد على الناسي ، والحق في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغاً ، وأما من جعل من باب الرفق بالناسي العذر لـه ، وأن لا يفوته ذلك الخير فالعامد في هذا ضد الناسي ، والقياس غير سائغ ؛ لأن الناسي معذور والعامد غير معذور ، والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء ، وإنما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون ؛ لأن القاضي قد فاته أحد شروط التمكن من وقوع الفعل على صحته ، وهو الوقت إذا كان شرطاً من شروط الصحة . والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه ، لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم وتردد العامد بين أن يكون شبيهاً أو غير شبيه . والله الموفق للحق . أما المغمى عليه فإن قوماً أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته ، وقوم أوجبوا عليه القضاء ومن هؤلاء من اشترط عليه القضاء في عدد معلوم ، وقالوا يقضي في الخمس فما دونها ، والسبب في اختلافهم تردده بين النائم والمجنون ، فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء ، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب . اهـ. واستدل المانعون من القضاء بأن حقوق الله المؤقتة لا تقبل في غير أوقاتها ، فكما لا تقبل قبل دخول وقتها فكذلك لا تقبل بعد خروجه ، وأن العبادة إن فسرت بموافقة الأمر فهذه لم توافق الأمر ، وإن فسرت بما أبرأ الذمة فهذه لم تبرأ بها الذمة . قالوا في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. مرفوعاً : " من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر " . اهـ فكيف يقال يقضيه عنه يوم مثله . قلت : الذي يظهر لي أن الترك عمداً ينقسم إلى قسمين : القسم الأول : أن يترك الصلاة محتملاً لعذر أو متأولاً لتأويل ، فمثل هذا يناظر ويعرف بالحق فإن رجع جاز له القضاء . القسم الثاني : من تركها من دون عذر ولا تأويل فإن الأحاديث مصرحة بكفره لحديث جابر عند مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة قال : قال رسول الله ﷺ : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " . وحديث بريدة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . رواه الخمسة وصححه النسائي والعراقي . أما الفقهاء فقد اختلفوا في كفر تارك الصلاة ، فذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد أنه لا يكفر ولكن يُقتل حداً ، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه ، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي . وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي ، أفاده الشوكاني ورجح القول بكفره – إن شاء الله – لصحة دليله . أما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : " خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن مات ولم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر لـه " . فإنه متأول على احتمال صحته على ما جاء في الشطر الأول فإن فيه من أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له ..الخ فكان دخول الجنة مشروط بالإتيان بها كاملة ويحمل النفي في قوله ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر لـه محمول على المنتقص منها استخفافاً عكس الشطر الأول من الحديث ، وهذا على احتمال صحته كما قلت فإن في حديثي المدلجي حكم عليه القشيري بالجهل ، وذكره ابن حبان في الثقات وهو معروف بتساهله ، وصحح الحديث الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم 3237 و3238 ولفظ الرقم الأول فيه بعض المخالفة للفظ الحديث الآنف الذكر وكلاهما عن عبادة وهو مؤيد ما جمعت به هنا فإن لفظه : " خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوئهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد ، إن شاء غفر وإن شاء عذبه " ، وبهذا يتبين أن الأدلة ليس بينها تعارض وأن الصواب القول بكفر تارك الصلاة . وبالله التوفيق . فإن قال قائل : أنا مؤمن بوجوب الصلوات ولكن لا أريد أن أصلي . قلنا له : كذبتَ ، لو كنت مؤمناً بوجوبها لدفعك الإيمان إلى أداء الصلاة ؛ لأن الله ركز في طبع كل إنسان أن يطلب ما يؤمن بجدواه عنه ومنفعته له ، ويجتنب ويترك ما يؤمن بضرره عليه . فلو كنت مؤمناً بأن الصلاة فريضة إلهية يترتب على فعلها الفلاح والفوز برضى الله ودخول الجنة لكان ذلك حافزاً لك على أدائها ، لأنا نراك تحرص على ما ينفعك في الدنيا وتتفانى في تحصيله ، فتتعب فيه جسمك وتفني فيه وقتك ، والسبب في ذلك أنك اقتنعت بأنه ينفعك فحرصت عليه ، فلو كنت مؤمناً بجدوى الصلاة عنك ومنفعتها لك لحرصت عليها كما تحرص على أمور دنياك مع العلم أن صلاة واحدة نفعها أعظم من الدنيا كلها فقد ثبت عن النبي _ أنه قال : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " فإذا كان هذا في النافلة فكيف به في الفريضة . ومن جهة أخرى فإن الشر المترتب على تركها أعظم من كل شر يحذره الإنسان ، فمثلاً الإنسان يؤمن بأن النار محرقة فلذلك يفر منها ويحذر الوقوع فيها ، والإنسان يؤمن بأن الثعبان قاتل فلذلك يفر منه ، وأن الأسد قاتل فلذلك يفر منه فراره من النار والثعبان والأسد ففراره من هذه الأشياء ناشئ عن إيمانه بضررها ، فمن آمن بأن ترك الصلاة موجب للنار ولذلك فإن ضرره أشد من الوقوع في النار الدنيوية ، أو الإقدام على مسك الأسد أو الحية فإن هذا الإيمان سيحمله على أدائها ، وقد تبين بأن من زعم أنه مؤمن بفريضة الصلاة ولم يؤدها فإنه كاذب في دعواه بل كافر جاحد بلسان حاله وإن لم يسم جاحداً بلسان مقاله وبالله التوفيق . سادساً : يؤخذ من قوله فليصلها إذا ذكرها ، أن من ذكر صلاة منسية وهو في صلاة واجبة الترتيب مع المنسية فإنه يقطع التي هو فيها أو يحولها إلى تطوع وفي ذلك خلاف يدل على وجوب القضاء عند الذكر وذلك يعم من ذكرها وهو في الصلاة . قال ابن دقيق العيد : وحيث يقال بالقطع فوجه الدليل منه أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر ومن ضرورة ذلك قطع ما هو فيه ومن أراد إخراج شيء من ذلك فعليه أن يبين مانعاً من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها ولا يخلو هذا التصرف من نوع جدل ، وقال الصنعاني : وهو دليل على الفورية فيلزم خروجه مما هو فيه وقطعه والإتيان بما ذكره وهو عام في كل أوقات الذكرى فلا يخرج عنها شيء إلا بدليل ولم يقم هنا دليل وبوب الحافظ البيهقي في السنن باب من ذكر صلاة وهو في أخرى .. الخ . قلت : الذي يظهر لي أن المضي في الصلاة التي هو فيها وتحويلها إلى تطوع أولى ولا يتنافى مع الفورية فإن من ذكر فائتة وهو حاقن له أن يقضي حاجته ويتوضأ ولا يكون في ذلك منافاة للفورية والله قد نهى عن إبطال الأعمال والله أعلم . سابعاً : يؤخذ من قوله : " لا كفارة لها إلا ذلك " أن كفارة المتروكة بنوم أو نسيان هو قضائها لا يكفرها شيء سوى ذلك ، ومن هنا يقال أن المتروكة عمداً لا يكفرها شيء إلا التوبة والدخول في الإسلام من جديد ، أما الجمهور فيقولون أن من ترك واجباً حتى فات وقته ترتب في ذمته ولزمه قضائه والذي يظهر لي أن هذه القاعدة تتمشى في غير الصلاة أما الصلاة فقد جعل النبي _ تركها كفراً والله تعالى يقول عن أهل النار المخلدين فيها : _ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ _ (المدثر:24-44) . والله أعلم . فإن قال قائل يمكن أن تحمل هذه الأحاديث التي أوردتموها في كفر تارك الصلاة على أن ذلك من بابا كفر دون كفر كحديث سباب المسلم فسوق وقتاله كفر . والجواب عليه من وجهين : أولاً : أن إطلاق اسم الكفر في السنة إنما ورد على الأفعال أما التروك فلم يرد في شيء منها فيما أعلم ولهذا ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الدين تركه كفر غير الصلاة . ثانياً : أن الله عز وجل أخبر عن أهل النار أنهم لما سئلوا عما أدخلهم النار أجابوا بأربعة أشياء ، أولها : ترك الصلاة ، حيث قالوا : _ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ _ (المدثر:43-48) . فدل على أن ترك الصلاة كفر أو ناشئ عن الكفر كما تقدم ، وقد صح عن النبي _ أن المصلين الموحدين الذين يدخلون النار بكبائر إذا أذن الله في إخراجهم منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين تدخل عليهم الملائكة ليخرجونهم فيجدونهم قد امتحشوا إلا موضع السجود منهم وحرام على مواضع السجود أن تأكلها النار فدل على أن من ترك الصلاة حرم من الشفاعة وخلد في النار . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#33
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [114] : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﷺ عشاء الآخرة ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة . ترجمة الراوي : أما جابر بن عبد الله فقد تقدمت ترجمته ، ولكن سأكتب ترجمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لكونه صاحب القصة ، فهو : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عابد بن عدي بن كعب الخزرجي الأنصاري ، المقدم في علم الحلال والحرام قال ابن حجر في الإصابة ، وفي الحديث : " وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل " ، قدم النبي ﷺ المدينة وهو شاب في التاسعة عشرة من عمره وحضر بدراً وهو ابن إحدى وعشرين ، وتوفي في طاعون عمواس في السنة 18هـ على قول الأكثر . موضوع الحديث : اقتداء المفترض بالمتنفل . المفردات : عشاء الآخرة : الوصف بالآخرة خرج على اعتبار أنها إحدى صلاتي العشي . المعنى الإجمالي : كان قوم معاذ يعدونه أفضلهم فيحبون أن يقدموه إماماً لهم ، وكان هو يحب أن يصلي مع النبي ﷺ حرصاً منه على الفضل المترتب على ذلك فيصلي مع النبي ﷺ مفترضاً ويعود إلى قومه فيصلي بهم نفلاً . فقه الحديث : أولاً : في الحديث دليل على جواز اختلاف نية الإمام والمأموم ويعارضه حديث إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه والجمع بينهما أن يحمل النهي على الاختلاف في الأفعال كما فسره آخر الحديث . أما الاختلاف في النيات فقد دلت الأدلة الشرعية على جوازه كما مضى في الجزء الأول ص138، 139 فقد أوردت الأدلة هناك على جواز اختلاف النيات بما أغنى عن إعادته ومنها هذا الحديث حيث يدل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل واعتذر عنه من منع ذلك كالأحناف والمالكية والحنابلة في الراوية المشهورة بأعذار تتلخص فيما يلي : أولها : أن الاحتجاج من باب ترك الإنكار به من النبي ﷺ وذلك من شرطه العلم به . ثانياً : أن النية أمر باطن لا يطلع عليه إلا بالإخبار من الناوي فجاز أن تكون نيته مع النبي ﷺ الفرض وجاز أن تكون النفل ولم يرد عن معاذ ما يدل على أحدهما . ثالثاً : ادعاء أن تكون قصة معاذ منسوخة . رابعاً : أن الضرورة دعت إلى ذلك لقلة القراء ولم يكن لهم غنى عن معاذ ولم يكن لمعاذ غنى عن صلاته مع النبي ﷺ. . هذا ملخص ما اعتذروا به عن الحديث ، وحاصل ما يجاب به عن هذه الاعتذارات الآتي فيجاب عن الاعتذار الأول بثلاثة أجوبة : أولها : أن علم النبي ﷺ : ليس بمشروط إذا علم أن الله لا يقر أصحاب رسول الله صلى على باطل إبان تنـزل الوحي لأنه سبحانه يقول : _ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ _ (التوبة: من الآية115) . وإذا لم يعلم رسول الله فالله يعلم ، ولا يتصور أن يضل معاذ زمناً طويلاً يصلي بقومه صلاة باطلة في الشرع ولا ينبه الله رسوله على ذلك ، إذ من لازمه أن الله أقرهم على باطل في زمن حياة الرسول وتنـزل الوحي عليه وذلك محال ، وإذا علمنا أن بعض أصحاب النبي ﷺ يقول كنا على عهد رسول الله ﷺ نتقي الانبساط مع نسائنا خشية أن ينـزل فينا قرآن ، حتى مات رسول الله ﷺ فانبسطنا إلى نسائنا . إذا علم هذا فإنه يعطينا دلالة واضحة على مدى الحذر الذي كان يحذره أصحاب رسول الله _ خوفاً من تنـزل القرآن فيهم . أفيعقل بعد هذا أن يقر الله معاذاً وجماعة مسجده على الباطل زمناً طويلاً لا ينكره عليهم ؟ ما هذا إلا محال . ثانياً : يبعد جداً أن يصلي معاذ مع النبي ﷺ كل يوم خمس مرات ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلوات يبقى على ذلك زمناً طويلاً ولا يسئل رسول الله ﷺ وهو من هو في حرصه على العلم والفقه في الدين حتى ورد في الحديث وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ . ثالثاً : أنه قد ورد في شكوى من شكاه إلى النبي ﷺ بسبب التطويل ، ما يدل على علمه بذلك ومن أول ذلك لم يصحبه التوفيق . أما ما يجاب عن الاعتذار الثاني فهو شيئان : أولها : أنه لا يظن بمعاذ أن يترك الفريضة مع النبي ﷺ ويصليها مع غيره . ثانيها : أن النبي ﷺ قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة فهل يظن بمعاذ أن يترك ما أمر به النبي ﷺ ويفعل غيره , ويجاب عن الاعتذار بالنسخ أنه دعوى بلا دليل أما النهي عن الصلاة في اليوم مرتين إن ثبت فهو لا يدل على أن الصلاة في اليوم مرتين كان مشروعاً بنص شرعي ثابت قبل النهي والنسخ هو رفع حكم شرعي بنص شرعي متأخر عنه ولم يكن هنالك حكم سابق حتى ينسخ . ويجاب عن الاعتذار الرابع أن دعوى قلة القراءة في أصحاب رسول الله ﷺ دعوى باطلة بل الثابت خلاف ذلك فالقراء من أصحاب رسول الله ﷺ كانوا غير قليلين قطعاً فكل الرجال والنساء والولدان قد قرأوا شيئاً من القرآن الذي يؤدون به صلاتهم أو زيادة ولكن الذين جمعوا القرآن كله في حياة النبي ﷺ كانوا قليلين فعلاً أما مجرد قراءة القرآن فذلك لا يخلو منه أحد وكيف يتصور أن يقل القراء في أصحاب رسول الله ﷺ والقرآن قد امتزج بحياتهم ولحومهم ودمائهم فهو يصوغ واقعهم ويسيطر على حياتهم سيطرة تامة ، فمنه يتعلمون الصلة بالله وبرسوله ﷺ ، ومنه يتعلمون صياغة العلاقات الأسرية والاجتماعية والاقتصادية في السلم وفي الحرب وفي كل شيء ، أفيعقل بعد هذا أن يكون القراء في أصحاب رسول الله ﷺ كانوا قليلين ؟ وقد تبين بما سبرناه من الأجوبة إن هذه الاعتذارات ما كانت إلا دفاعاً عن المذاهب ومحاماة عنها . نسأل الله السلامة . ثالثاً : يؤخذ منه مشروعية انتظار الإمام الراتب ولو تأخر عن أول الوقت لأن مدة صلاته مع النبي ﷺ مع الانتظار يأخذ شيئاً من الوقت . رابعاً : يؤخذ منه إعادة الصلاة نفلاً إذا اقتضت المصلحة ذلك . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#34
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [115] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع رسول الله ﷺ في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه . موضوع الحديث : جواز سجود المصلي على الثوب المتصل به المتحرك بحركته . المفردات : في شدة الحر : أي منتهى قوته . أن يمكن جبهته : أي يثبتها على الأرض في السجود من شدة الحر . بسط ثوبه : أي طرحه على الأرض فسجد عليه . المعنى الإجمالي : يخبر أنس رضي الله عنه أنهم كانوا يصلون مع النبي ﷺ الظهر في شدة الحر فكانوا يسجدون على الثياب اتقاء للحر حين لا يستطيعون ملاقاته بجباههم . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ منه أن النبي صلى كان يقدم الظهر في أول وقتها ويعارضه الأمر بالإبراد والجمع حاصل بحمل حديث الأمر بالإبراد أنه إلى أن تنكسر شدة الحر قليلاً وبذلك تجتمع الأدلة انظر شرح الحديث رقم 112 . ثانياً : اختلف العلماء في الإبراد هل هو سنة أو رخصة فمن قال إن الإبراد رخصة فلا إشكال عليه لأن التقديم حينئذٍ يكون سنة والإبراد جائز ومن قال إن الإبراد سنة فقد ردد بعضهم القول في أن يكون منسوخاً أعني التقديم في شدة الحر قال ابن دقيق العيد قلت : بما تقدم من الجمع تبين أنه لا تعارض كما أشار إليه بقوله ويحتمل عندي أن يكون ثمة تعارض لأنا إن جعلنا الإبراد إلى حيث يبقى ظل يمشي فيه أو إلى ما زاد على الذراع فلا يبعد أن يبقى مع ذلك حر يحتاج معه إلى بسط الثوب فلا تعارض . ثالثاً : فيه دليل على جواز استعمال الثياب وغيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض . قاله ابن دقيق العيد رحمه الله . قلت : هذا يحتمل أمرين : أحدهما : وضع الثوب على الأرض بحيث يكون كالخمرة والفراش وما أشبه ذلك ، وهذا لا أعلم في جوازه خلافاً . والثاني : الثوب المتصل بالمصلي والمتحرك بحركته الذي ذكره في المأخذ الرابع وهذا فيه خلاف بين العلماء أجازه الجمهور ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ، ورواية عن أحمد ، ومنعه الشافعي وهو رواية عن أحمد ذكرها صاحب المغني عن الأثرم (1/517) . قلت : هذا القول هو الأرجح في رأيي كما روى مسلم عن خباب رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله ﷺ حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا . قال في المغني ولأنه سجد على ما هو حامل له أشبه ما إذا سجد على يديه اهـ. قلت : ويجمع بين حديث خباب وحديث أنس بوجهين : أحدهما : أن يحمل حديث أنس على الثوب المنفصل عن المصلي وحديث خباب على السجود على الثوب المتصل بالمصلي حيث أذن لهم في الأول ولم يأذن في الثاني وهو الذي يقصده كلام النووي فيما نقله عن الشافعي وكلام الشافعي نفسه في الأم . والثاني : أن يحمل حديث أنس على ما لا يمكن تحمله وحديث خباب على الحر الذي يكمن تحمله مع مشقة وبذلك تجمع الأدلة ويزول التعارض ، أما أحاديث السجود على كور العمامة فهي ضعاف لم يصح فيها شيء وإلى ذلك أشار ابن قدامة في المغني والبيهقي في السنن ولكن صح في ذلك حديث مرسل عن الحسن والجمهور على تضعيف مراسيل الحسن كما علم في الأصول ، أما ما قرره ابن دقيق العيد في المأخذ الرابع ترشيحاً لصحة استدلال من استدل بحديث أنس على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي المتحرك بحركته أخذاً من قلة ثياب الصحابة بحيث يكون بعض الثوب على المصلي وبعضه في محل السجود لا يتحرك بحركة لابسه . وأقول : ليس في الأمر ما يدعو إلى مثل هذه التأويلات في رأي لأمور : أولاً : أن نسبة الثوب إلى المصلي لا يلزم منه كونه لابساً له في وقت الصلاة بل الإضافة إضافة تمليك أو اختصاص . ثانياً : أن الصحابة وإن كانت حالتهم الاقتصادية يغلب عليها الضيق غير أن كثير منهم وأكثرهم يلبسون الأردية مع الأزر وقد يلبسون القميص ولعل في حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة الذي رواه الشيخان أن القليل منهم من له ثوب واحد وذلك من قوله ما له ثوب غيره وقد يشعر بالجانب الآخر قول النبي ﷺ أو لكلكم ثوبان . ثالثاً : أن الفاء في قوله بسط ثوبه فسجد عليه المقتضية للتعقيب لا يلزم منها أن يكون الثوب محمولاً للمصلي فلو طرحه على الأرض عند سجوده في أول كل ركعة صدق عليه التعقيب بقطع النظر عما بعدها من الركعات . رابعاً : أن الجمع بين الحديثين ممكن كما سبق فلا داعي لتأويل متعسف واحتمال بعيد والله أعلم والذي يتلخص من هذا البحث أن الإفضاء بالجبهة والكفين إلى محل السجود واجب إلا في حالة الضرورة من حر لا يطاق أو برد لا يحتمل فيجوز اتقاؤه بثوب منفصل يطرح على الأرض فإن لم يكن فبثوب متصل فبثوب متصل ليحصل بذلك الاستقرار النفسي الذي به يتم الخشوع في الصلاة . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#35
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [116] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء " . موضوع الحديث : النهي عن الصلاة في الثوب الواحد إلا أن يجعل على منكبيه منه شيء أو النهي عن الصلاة وهو مكشوف المنكبين . المفردات : لا يصلي : قال الحافظ بن كثير كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء وجَههُ أنّ لا نافية وهو خبر بمعنى النهي قال : ورواه الدارقطني في غرائب مالك بلفظ بغير ياء ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك لا يصلين . المعنى الإجمالي : مقابلة الملوك ولقاء الأشراف والسادة يتطلب من الإنسان أن يكون على أكمل الأحوال وأحسن الهيئات فكيف بمقابلة ملك الملوك وسيد السادات ؟ فقد أمر النبي ﷺ. من أجل ذلك أن يستر المصلي منكبيه في الصلاة ليكون على أكمل الأحوال عند مناجاة ربه تعالى . فقه الحديث : يؤخذ من الحديث مشروعية ستر المنكبين في الصلاة لمن قدر على ذلك وهل ذلك واجب أو مندوب فيه خلاف بين العلماء فالجمهور حملوا النهي الوارد في هذا الحديث على التنـزيه والأمر في الحديث بلفظ من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه ومن طريق معمر عن يحيى عند أحمد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه على الندب وذهب الإمام أحمد إلى الوجوب مع القدرة وهل هو شرط في صحة الصلاة أم لا ، عنه روايتان أحدهما لا تصح صلاة من قدر على ذلك والثانية يأثم يترك ذلك مع القدرة وصلاته صحيحة ولا شك أن الوجوب هو المتعين مع القدرة لوجود الأمر ولا صارف إلا أن القول بالشرط وإبطال صلاة من قدر على ذلك ولم يفعل مبالغة لا دليل عليها ولا يجوز أن تبطل صلاة عبد إلا بمستند شرعي والقول بالتأثيم مع صحة الصلاة هو الأولى ، والتأثيم مقيد بوجود ثوب آخر أو إزار واسع لما رواه البخاري في الصحيح رقم (361) عن سعيد بن الحارث قال سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال خرجت مع النبي ﷺ في بعض أسفاره فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعلي ثوب واحد فاشتملت به وصليت إلى جانبه فلما انصرف قال ما السرى يا جابر فأخبرته بحاجتي فلما فرغت قال ما هذا الاشتمال الذي رأيت قلت كان ثوب – يعني ضاق – قال فإن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به وعنده عن أبي هريرة رقم 358 أن سائلاً سأل رسول الله _ فقال أو لكلكم ثوبان وعنده من حديث عمر بن أبي سلمة وأم هاني رقم 354 و 357 أن النبي ﷺ. صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه وفي لفظ على عاتقيه وعنده من حديث سهل رقم 362 قال كان رجال يصلون مع النبي ﷺ عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ومن الأحاديث نأخذ ما يلي : 1- أن كل مصل واجب عليه أن يستر عاتقيه إلا أن يعجز عن ذلك امتثالاً لأمر النبي ﷺ . 2- فإن لم يفعل مع القدرة على ذلك فهو آثم وصلاته صحيحة . 3- من لم يجد إلا ثوباً واحداً صلى فيه وخالف بين طرفيه إن كان واسعاً فإن كان ضيقاً اتزر به وليس عليه في ذلك ولم يصب من جعل حديث جابر صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة والأمر من الوجوب إلى الندبية كما أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد والصنعاني (2/510) لأنه مقيد في حديث جابر بحالة ضيق الثوب أما في حالة اتساعه فيبقى الأمر بلا صارف بل إن حديث جابر زاده تأكيداً حيث قال فإن كان واسعاً فالتحف به ومذهب الإمام مقيد بالقدرة كما مضى والله أعلم . 4- يلزم من صلى في ثوب واحد مخالفاً بين طرفيه أن يشد على بطنه شيئاً يحفظه كهيمان أو منطقة أوصل حتى لا تنكشف عورته بانفراج الثوب عند الركوع والسجود ويعقد طرفيه على عاتقيه والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#36
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله- [117] : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته وأتى بقدر فيه خضروات من بقُوْلٍ فوجد لها ريحاً فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال : قربوها إلى بعض أصحابي فلما رآه كره أكلها قال : فإني أناجي من لا تناجي . موضوع الحديث : الرخصة لمن أكل الثوم والبصل والكرات في ترك صلاة الجماعة ما لم يجعل ذلك وسيلة مقصودة لترك الجمعة فإن فعل ذلك قاصداً به الاعتذار عن الجماعة كان فعله حراماً وهو آثم . المفردات : الثوم والبصل : شجرتان معروفتان ينشأ عن أكلها رائحة كريهة في فم الآكل وتذهب الرائحة أو تخف إذا أميتا طبخاً وذكر أهل الطب أن الشذاب إذا مضغ بعد أكلها يقضي على رائحتها . فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا : إذن في التخلف عن الجماعة أو تهديد بحرمان ثواب الجماعة ، بقدر : القدر هو إناء يطبخ فيه الطعام ، فيه خضروات : بضم الأولى وفتح الثانية أو فتح الأولى وكسر الثانية أفاده الصنعاني في العدة ولم يذكر ابن الأثير في النهاية سوى فتح الخاء وكسر الضاد وهو أشهر قوله فأخبر بما فيها من البقول : وهو جمع بقل والمراد بالبقل ما يأكله الإنسان نيئاً من ورق الأشجار . قولـه : قال كل فإني أناجي من لا تناجي : المراد بذلك مناجاة الملك ، والمناجاة : هي المفاهمة سراً والأمر هنا أمر إباحة . المعنى الإجمالي : نهى النبي ﷺ من أكل الثوم والبصل والكرات نيئاً أن يدخل المسجد وأمره بإعتزاله والجلوس في بيته وأتى النبي ﷺ بطعام في قدر مطبوخ فيه ثوم فتركه ﷺ وقال قربوها إلى بعض أصحابي ولكن الصحابي كره ذلك حين رأى النبي ﷺ تركها فقال له النبي صلى كل فإني أناجي من لا تناجي أي أنه يكلم الملك . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ منه كراهية أكل هذه البقول ذوات الروائح الكريهة لمن تلزمه صلاة الجماعة إلا إذا كان في وقت يمكنه أن لا يذهب إلى المسجد إلا بعد أن تذهب الرائحة من فمه كأن يأكلها بعد العشاء أو بعد صلاة الصبح لمارواه ابن خزيمة في صحيحه (3/85) من حديث أبي سعيد وفيه ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه . ثانياً : أن الكراهة مقصودة على النيئ منها أما ما يطبخ حتى يذهب ريحه فلا كراهة فيه وعلى هذا يحمل قوله كل فإني أناجي من لا تناجي ويزيده وضوحاً قوله أتى بقدر فيه خضروات فكونها في القدر يدل على أنها مطبوخة أما قوله فوجد لها ريحاً فالمراد به ريح البقول مطبوخة يختلف عن رائحتها بعد الأكل وأما ترك النبي ﷺ لها فهو تنـزهاً لكونه يناجي جبريل ويدل لـه ما رواه ابن خزيمة وابن حبان من حديث أم أيوب قالت نزل علينا رسول الله ﷺ فتكلفنا له طعاماً فيه بعض البقول فذكر الحديث وفيه كلوا فإني لست كأحد منكم إني أخاف أن أوذي صاحبي ومما يدل لـه أيضاً ما رواه مسلم وابن خزيمة أن عمر بن الخطاب صلى خطب الناس يوم الجمعة ثم قال أيها الناس إنكم تأكلون شجرتين ما أرهما إلا خبيثتين هذا الثوم وهذا البصل وقد كنت أرى الرجل يوجد منه ريحه فيؤخذ بيده فيخرج إلى البقيع ، ومن كان أكلها فليمتها طبخاً وأخرج أبو عوانة من حديث جابر قال النبي ﷺ من أكل من هذه الشجرة صلى يعني الثوم – فلا يغشنا في مسجدنا ، قال ما يعني قال ما أراه إلا نَيَّئة وعلى ذلك حمله البخاري فقال في صحيحه باب ما جاء في الثوم النيئ . ثالثاً : يؤخذ منه كراهة دخول المساجد بهذه الريح يكون قد تعرض لأذية الملائكة والصالحين من عباد الله وعلى هذا يحمل النهي في قوله فلا يقربن مساجدنا واستدل به بعضهم على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين ورده ابن دقيق العيد والحافظ في الفتح وعبد العزيز بن باز تعليقاً . رابعاً : ورد في رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب عند الشيخين ببدر وخالفه سعيد بن عفير عند البخاري وأبو الطاهر وحرملة بن يحي عند مسلم فقالوا كلهم بقدر ورجح بعضهم الراوية الأولى بأن ابن وهب فسر البدر بأنه طبق ورجح الحافظ رواية الجماعة وهو الذي يظهر من صنيع البخاري في تخصيصه النهي بالنيئ وبه يحصل الجمع بين الأدلة أما امتناعه ﷺ من أكله مطبوخاً فذاك من خصائصه كما أشار إليه ابن خزيمة في قوله ذكر ما خص الله به نبيه من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخاً . خامساً : خص بعضهم مسجد النبي ﷺ بالنهي واستدل بما ورد بلفظ فلا يقربن مسجدنا وهو مرجوح لأمرين : أولها : أن العلة ليست خاصة بمسجد النبي ﷺ ، بل هي عامة في جميع المساجد . والثاني : قد ورد بلفظ المساجد وبلفظ المسجد وذلك يدل على العموم ؛ بل قد ورد أن سبب الحديث الآتي كان في غزوة خيبر ، وبذلك يتضح المراد به المصلي أياً كان . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#37
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [118] : عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : " من أكل الثوم والبصل والكرات فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان ". فقه الحديث : قد سبق في شرح الحديث السابق ما يغني عن إعادته هنا وقد زاد في هذا الحديث الكراتْ وهو في معنى البصل والثوم وقد ذكرته في شرح الحديث الذي مضى والعلة فيها واحدة قال ابن دقيق العيد وقد توسع القائسون في هذا حتى ذهب بعضهم إلى أن من كان به بخر أو جرح له ريح كريه يجري هذا المجرى . قلت : ومن ما يلتحق بذلك ويأخذ حكمه بلا شك ولا مرية الدخان أي التتن بجميع أنواعه سواء منه المحرق كالسجائر والشيشة بالجراك أو التتن المطعون وهو ما يسمى بالشمة أو البردقان أو المشموم وهو العنجر كل هذه الأشياء تلتحق بالبصل والثوم في العلة المانعة من دخول المساجد وهي التتن أو الخبث الذي يؤذي الملائكة وصالحي بني آدم بل هي أشد نتناً وخبثاً وبينها وبين البصل والثوم فوارق منها أن البصل والثوم حلال بنص الحديث وبإجماع المسلمين على حلها ومن حكي عنه من الظاهرية أنه حرمها فليس ذلك لذاتها عنده ولكن لأنها تمنع من صلاة الجماعة وهي واجبة على الأعيان والمشهور عن الظاهرية خلافه . ومنها أن البصل والثوم من المأكولات النافعة لجسم الإنسان بإجماع الأطباء ، أما الدخان فهو ضار للجسم أشد الضرر بإجماع الأطباء وقد أعلنت هيئة الصحة العالمية سنة 1975 أن التدخين أشد خطراً على صحة الإنسان من أمراض السل والجذام والطاعون والجدري مجتمعة . وتقول مجلة HEXAUON مجلد رقم 3 عام 1978 والصادرة من سويسرا إن شركات التبغ تنتج سيجارتين يومياً لكل إنسان على وجه الأرض ولو أخذت هذه الكمية دفعة واحدة (أي في الوريد) لاستطاعت السجائر أن تبيد الجنس البشري في ساعات وبالمقارنة فإن القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في 16/ أغسطس 1945 فتكت بـ(260.000) ألف من الناس بينما تفتك السجائر في كل عام بعشرة في المائة على الأقل من جميع الوفيات في البلاد المتقدمة وقد ذكر الأطباء أن التدخين يسبب عشرين نوعاً من الأمراض القاتلة وتقسيمها كالآتي : أ- الجهاز التنفسي ، وفيه أربعة أمراض : 1. سرطان الرئة . 2. سرطان الحنجرة . 3. الالتهاب الشعبي المزمن . 4. الأمغزيما . ب- القلب والجهاز الدوري ، وفيه ثلاثة أمراض : 1. جلطات القلب وموت الفجأة . 2. جلطات الأوعية الدومية للمخ وما ينتج عنها من شلل . 3. اضطراب الدورة الدموية في الأطراف وجلطاتها . ج- الجهاز الهضمى ، وفيه خمسة أمراض : 1. سرطان الشفة . 2. سرطان الفم والبلعوم . 3. سرطان المرئ . 4. قرحة المعدة والاثنا عشر . 5. سرطان البنكرياس . د- الجهاز البولي ، وفيه ثلاثة أمراض : 1. أورام المثانة الحميد . 2. سرطان المثانة . 3. سرطان الكلى . فهذه خمسة عشر مرضاً وهناك خمسة أمراض تقع للمرأة الحامل والأطفال وأمراض نادرة ، هذا عدا ما يسببه من مضاعفات لأمراض كثيرة كالربو والتهاب الجلد وأمراض الأنف والأذن والحنجرة وإذ قد ثبت ضرره فإنه يحرم تناوله لأن الله تعالى يقول : _ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً _ (النساء: من الآية29) . ونحن نقول للناس عامة والمدرسين خاصة اتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله فيمن تحت أيديكم . ومنها أنه أشد خبثاً من البصل والثوم وأشد إيذاء للملائكة وصالحي بني آدم فينبغي أن يمنع متعاطيه من دخول المساجد بل يجب أن يمنع الناس من شربه بالكلية لأنه حرام قطعاً لما سبرته آنفاً من انعدام النفع فيه وثبوت الضرر البالغ وثبوت الخبث أيضاً والله تعال يقول : _ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ _ (الأعراف: من الآية157) . ولأن الإنفاق فيه إسراف وتبذير والله تعالى يقول : _ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ _ (الأعراف: من الآية31) . ويقول : _ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ _ (غافر: من الآية43) . ويقول : _ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ _ (الإسراء: من الآية27) . ولو أن إنساناً كسب شيئاً من المال ثم أحرقه لعد مجنوناً مع أن إحراق المال خارج الجسم فيه مصيبة واحدة أما إحراقه بالدخان داخل الجسم ففيه مصيبتان إتلاف المال وضرر الجسم وخلاصة القول أن الدخان حرام لما يأتي : لانعدام النفع فيه فهو لا منفعة فيه أصلاً . لثبوت ضرره لما فيه من مواد سامة وقاتلة كالنيكوتين والقار أي القطران . لثبوت خبثه ، وخبثه أجمع عليه العقلاء ولا عبرة بالمدخنين لأن نفوسهم مريضة . لأنه إسراف وتبذير وإنفاق للمال في غير مصلحة . لأنه مخدر ومفتر وقد ثبت في السنة النهي عن كل مخدر ومفتر . ولعل بعض الجاهلين يقول مالي ولي أن أفعل به ما أشاء ونقول لهؤلاء إن المال أمانة في يدك وأنت مسؤول عن كسبه ومسؤول عن تصريفه وفي الحديث : " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها وماله من أين اكتسبه وفيم انفقه ". وبالله التوفيق . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#38
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله- [باب التشهد] [119] : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال علمني رسول الله ﷺ التشهد كفي بين كفيه – كما يعلمني السورة من القرآن : " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " وفي لفظ " إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله " وذكره وفيه فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض وفيه فليتخير من الدعاء ما شاء " . موضوع الحديث : التشهد في الصلاة . المفردات : التشهد تفعل سمي بذلك لاشتماله على التلفظ بالشهادتين تغليباً على ما سواهما من الأذكار لشرفها ، التحيات : جمع تحية : وهي كل ما يحيا به الملوك من الألفاظ الدالة على التعظيم وكلها مستحقة لله عز وجل ، الصلوات : جمع صلاة وهي الصلاة المعهودة على الأرجح دون سواه ، الطيبات : وهي الأقوال والأفعال والأوصاف الطيبة والدالة على الكمال كلها مستحقة لله تعالى ، السلام عليك أيها النبي : هذا دعاء على الأصح وكذلك ما بعده إلى قوله "وعلى عباد الله الصالحين" . المعنى الإجمالي : يخبر عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ علَّمه التشهد كفه بين كفي النبي ﷺ أي : قابضاً على كف ابن مسعود بكفيه معاً وذلك من كمال الاعتناء وشدة الحرص فصلى الله وسلم على المعلم الهادي معلم الخير والهادي إلى طريق السلامة . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ من قوله : "فليقل" أن التشهد واجب وفي ذلك خلاف بين العلماء فذهب الشافعي وأحمد إلى أن الأخير ركن ، واختلفا في التشهد الأول فذهب الشافعي وأحمد إلى أن الأخير ركن ، واختلفا في التشهد الأول فذهب الشافعي إلى أنه سنة . وذهب أحمد إلى أنه واجب ، وفي رأيي أن الخلاف بين المذهبين هنا لفظي ، وعند الشافعية الواجب والفرض مترادفان دليلهم حديث ابن بحينة السابق في سجود السهو والمنقول عن الحنفية والمالكية القول بسنيتهما وعن أبي حنيفة رواية أن الأخير واجب كالإمامين وحكى النووي الوجوب رواية عن مالك . والقول بالوجوب هو الأولى إن شاء الله لإطلاق الأمر وعدم تفسيره . والله أعلم . ثانياً : اختلف الأئمة في المختار من ألفاظ التشهد فذهب أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله إلى اختيار تشهد ابن مسعود هذا ؛ لأنه أصح ما روي في التشهد وقال الترمذي بعد إيراده : " قال أبو عيسى حديث ابن مسعود وقد روى عنه من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي _ في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ ومن بعدهم من التابعين ، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق " اهـ. (2/84) . وذهب الشافعي إلى ترجيح حديث ابن عباس الذي رواه مسلم وغيره ولفظه : " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " . بناء على أن حديث ابن عباس أكثر ألفاظ الثناء لزيادة المباركات فيه . واختار مالك التشهد المروي عن عمر وفيه زيادة " الزاكيات" وزيادة "لله" بعد كل لفظ ثناء ، وزيادة "بسم الله" في أول التشهد في بعض ألفاظه أخرجه في الموطأ ص87.86 عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر وعن نافع عن عبد الله بن عمر وفيه زيادة التسمية وعن عائشة نحوه إلا أن لفظ الجلالة لم يذكر إلا في آخر الثناء . وقد ورد ذكر التسمية من رواية أيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر لكن أشار الترمذي إلى تضعيفه فقال : وروى أيمن بن نابل المكي عن أبي الزبير عن جابر وهو غير محفوظ . قلت : حديث أيمن عن أبي الزبير عن جابر الذي أشار إليه أخرجه النسائي ص138 وابن ماجة رقم 903 ولفظه يشبه لفظ حديث ابن مسعود إلا أنه زاد في أوله "بسم الله" وفي آخره " أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار " وأيمن ثقة روى له البخاري . وقد ورد ذكر التسمية في تشهد زيد بن علي ولفظه كما ذكره الشوكاني : " بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله ... " الخ . واختار هذا اللفظ الهادوية إلا أني لا أعرف مدى صحته وقد سكت عليه الشوكاني ، والذي يتبين جواز التشهد بكل لفظ ثابت عن النبي ﷺ وقد حكى الاتفاق على ذلك النووي وأبو الطيب الطبري ويترجح تشهد ابن مسعود لأمور : لصحته فهو أصح حديث ورد في التشهد واتفق عليه الشيخان . لاتفاق ألفاظه ، فهو على كثرة طرقه ألفاظه متفقة . لأن ألفاظ الثناء فيه معطوف بعضها على بعض والعطف يفيد التغاير ، فهو لذلك يُعد كل لفظ فيه ثناء مستقلاً أما غيره من التشهدات فذكرت بدون عطف فصارت كاللفظ المؤكد . والله أعلم . ثالثاً : يؤخذ من قوله : " فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض " أن الألف واللام التي لاستغراق الجنس تعم أهل السماء والأرض إذا وجدت في وصف كهذا . رابعاً : يؤخذ من أن هذا الدعاء يشمل جميع الملائكة وجميع المؤمنين الأولين منهم والآخرين الموجودين منهم والميتين ومن سيوجد من المؤمنين إلى يوم القيامة ، وفيه تنويه بأهل الصلاح وما لهم من الفضل المدخر بدعوة كل مصلَّ منذ بعث رسول الله _ إلى يوم القيامة . خامساً : ويؤخذ منه بطريق المفهوم العكسي أي مفهوم المخالفة عظيم حرمان الفساق والكفار والمنافقين حيث حرموا من دعوات المصلين واستغفار الملائكة ، فالويل لهم ما أفظع خسارتهم وأفدح مصيبتهم لو علموا والله أعلم . سادساً : ويؤخذ من قوله : " ثم ليتخير من المسألة ما شاء " أنه يجوز كل سؤال يتعلق بالدنيا والآخرة . قال ابن دقيق العيد رحمه الله : إلا أن بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي استثنى بعض صور من الدعاء تقبح ... قلت : الدعاء جائز ما لم يخرج الداعي عن آداب الدعاء وفي الحديث عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول : " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور " . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#39
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [120]: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عُجرة رضي الله عنه فقال : ألا أهدي لك هدية إن النبي ﷺ خرج علينا فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا الله كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ فقال : " قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آله محمد ، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " . ترجمة الصحابي : كعبُ بن عُجرة – بضم أوله وإسكان الجيم – ابن أمين بن عدي البلوي ، ويقال القضاعي حليف الأنصار . قال الحافظ في الإصابة : وزعم الواقدي أنه أنصاري من أنفسهم ورده كاتبه محمد بن سعد بأن قال : طلبت نسبه في الأنصار فلم أجده . حضر الحديبية ونزلت فيه آية الفدية : _ أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ _ ، توفي في خلافة معاوية سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث وخمسين روى أحاديث عن النبي ﷺ . موضوع الحديث : الصلاة على النبي ﷺ. في التشهد من الصلاة . المفردات : أهدي لك هدية : أتحفك تحفة ثمينة . فكيف نصلي عليك : أي ندعو لك . والصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى ، ومن الآدميين الدعاء ، الآل يطلق على معان منها الأتباع عامة قال تعالى : _ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ _ (غافر: من الآية46) . ومنها القرابة كما في قوله تعالى : _ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ _ (الحجر:59-60) . وكما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم وذكر الحديث في خطبة النبي ﷺ في غدير خم وفيه الوصية بكتاب الله والحث على التمسك به واتباعه وقال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " . فقال حصين بن سبرة : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته وأهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال : من هم ؟ قال : آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس . ومنها : أن الآل هم المتقون من أتباعه ويدل له حديث : " ليس آل فلان لي بأولياء إنما أوليائي منكم المتقون" . ومنها : أن الآل هم الذرية خاصة واستدل له بحديث عائشة عند مسلم وأم سلمة عند الترمذي أن النبي ﷺ أدخل علياً وفاطمة والحسن والحسين في كساء كان معه وقال : _ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً _(_) (الأحزاب: من الآية33) . قوله :إنك حميد مجيد : حميد صيغة مبالغة بمعنى محمود أي كثير الصفات المقتضية للحمد أو المحمود من خلقه كثيراً ، أو المستحمد إلى عباده بمعنى أنه يحمد لهم لقليل من العمل مع التوحيد والإخلاص فيباركه وينميه ، والكل سائغ فيه ، فهو الموصوف بهذه الصفات كلها ، وهو في الأول بمعنى المستحق للثناء ، وفي الثاني الذي اتجه جميع العباد إليه بالثناء لما له من الكمالات ولما أسداه وأولاه من النعم ، وفي الثالث بمعنى الشكور لعباده القليل من العمل ويعطي عليه الثواب الكثير . ومعنى مجيد : صيغة مبالغة من المجد وهو الشرف والعظمة والسؤدد ، أي أنك المستحق لكل صفات الشرف والسؤدد ، وأتى بأن المكسورة الدالة على التعليل قبل هاتين الصفتين لتكون تعليلاً لما سبق له من الكمالات وألفاظ التعظيم في التشهد والصلاة وأنه المستحق لذلك دون غيره . والله أعلم . المعنى الإجمالي : للنبي الكريم – الذي أنقذنا الله به من الضلالة وعلمنا به من الجهالة وبصرنا به من العمى ونجانا به من النار ؛ بل نلنا باتباعه أعظم فوز في جنة الخلد وفي جوار الله رب العالمين – حقوقٌ على أتباعه أهمها : امتثال أمره ، وتصديق خبره ، والصلاة عليه إذا ذكر ، وأن يذكر إذا ذكر الله تنويها بعلو مكانته وسمو درجته ، وأنه هو المثل البشري الأعلى للقدوة والأسوة والحب والمتابعة ؛ لذلك قرن الله اسمه باسمه في الأذان والإقامة ، ويشرع الصلاة والتسليم عليه في كل صلاة ن فألهم الله أصحابه أن يسألوه بهذا السؤال : قد علمنا الله كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ؟ فقال : " قولوا اللهم صل على محمد .. الخ " ، فصلى الله وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وصلى عليه المصلون . فقه الحديث : أولاً : اختلف العلماء في الصلاة على النبي ﷺ هل هي واجبة في الصلاة أم لا ؟ فذهب الشافعية وأحمد في الرواية المشهورة عنه وإسحاق وحكاه في النيل عن عمر وابنه وابن مسعود من الصحابة وجابر بن زيد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر. والهادي والقاسم قال : واختاره أبو بكر بن العربي – رحمه الله – من المالكية . وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب منهم مالك وأبو حنيفة والثوري وهو رواية عن أحمد قال في المغني وعن أحمد أنها غير واجية . استدل القائلون بالوجوب بالأمر في قوله تعالى : " قولوا اللهم صل على محمد .. الخ " ولا يخفى أن هذا الأمر كان جواباً على سؤال السائل عن الكيفية ، ولقائل أن يقول : إن الجواب بالكيفية لا يفيد وجوب الماهية ، وإلى ذلك جنح الشوكاني في النيل (1/286) حيث قال : ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب ، فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره : إذا أعطيتك درهماً هل أعطيك سراً أو جهراً فقال له : أعطنيه سراً كان ذلك أمراً بالكيفية التي هي السرية لا أمر بالإعطاء وتبادر هذا المعنى لغة وشرعاً وعرفاً لا يُدفع . قلت : وللقائلين بالوجوب أن يجيبوا بأن أصل الإيجاب مستفاد من الآية : _ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً _ (الأحزاب:56) . ولهذا فإن الصحابة لم يسألوا عنه ولكن سألوا عن الكيفية التي يؤدون بها هذا الواجب ، علمنا الله كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ فأجابهم بقوله : " قولوا اللهم صلى على محمد .. الخ " ، فكان الجواب تقرير للوجوب المستفاد من الآية وبيان الكيفية التي يؤدي بها . ومما يدل على الوجوب في الصلاة ما رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة من حديث أبي مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه بلفظ أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله ﷺ ونحن عنده فقال : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه . فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ صلى الله عليك ؟ قال : فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال : " إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " . علمنا الله كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ فأجابهم بقوله : " قولوا اللهم صلى على محمد .. الخ " ، فكان الجواب تقرير للوجوب المستفاد من الآية وبيان الكيفية التي يؤدي بها . ومما يدل على الوجوب في الصلاة ما رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة من حديث أبي مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه بلفظ أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله ﷺ ونحن عنده فقال : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه . فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ صلى الله عليك ؟ قال : فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال : " إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " . ومما يدل على الوجوب أيضاً الوعيد على من ترك الصلاة عليه إذا ذكر والدعاء عليه بإرغام أنفه وبالبعد من رحمة الله وتسميته بخيلاً ، فقد روى الترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ ، ورغم أنف رجل دخل رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة " . ثم قال وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وحديث أنس عند النسائي مرفوعاً : " من ذكرت عنده فليصل عليّ فإنه من صلى عليّ " الحديث سنده صحيح ، وروى الترمذي بسنده إلى علي بن أبي طالب ﷺ قال : قال رسول الله ﷺ : " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ " ، وقال : قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب . فإن قيل : هذه الأحاديث مقيدة لوجوب الذكر وهو أعم من كونه داخل الصلاة فأين الدليل على الوجوب في الصلاة وبعد التشهد بالذات ؟ فالجواب : أما حديث أبي مسعود البدري فهو مقيد للوجوب داخل الصلاة وإن لم يعين موضع الوجوب منها . وأما حديثا أبي هريرة وعلي فهما قيدا الوجوب بالذكر سواء حصل داخل الصلاة أو خارجها ، وأما تحديد موضوع الوجوب بما بعد التشهد فذلك يؤخذ باستنباط فقهي دقيق وهو أنه : لما شرع في التشهد الثناء على الله والتسليم على النبي ﷺ وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض وختم بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فختم التشهد بذكره ناسب أن يصلي عليه بعد ذلك بالكيفية التي علمها رسول الله _ أصحابه ، لتكون هذه الصلاة خاتمة للتشهد وفاتحة للدعاء المشروع بعد التشهد ، وبهذا التقرير يتضح رجحان ما ذهب إليه الإمامان أحمد بن حنبل والشافعي من وجوب الصلاة على النبي _ في التشهد الأخير ، وهل تبطل صلاة من تركه عمداً ؟ هذا الذي يظهر لي . وقال بذلك الشافعي وإسحاق وعن أحمد روايتان ، قال في المغني : قال المروزي : قيل لأبي عبد الله : إن ابن راهويه يقول لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي في التشهد بطلت صلاته . قال : ما أجترأ أن أقول هذا ، وقال في موضع آخر : هذا شذوذ ، إلى أن قال : وظاهر مذهب احمد وجوبه . فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد أنه قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبيَّنتُ فإذا الصلاة واجبة . واستدل القائلون بعدم الوجوب بأدلة لا تنتهض للاستدلال على محل النـزاع . منها حديث : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم . عن أبي هريرة ؟ لتكون هذه الصلاة خاتمة للتشهد وفاتحة للدعاء المشروع بعد التشهد ، وبهذا التقرير يتضح رجحان ما ذهب إليه الإمامان أحمد بن حنبل والشافعي من وجوب الصلاة على النبي _ في التشهد الأخير ، وهل تبطل صلاة من تركه عمداً ؟ هذا الذي يظهر لي . وقال بذلك الشافعي وإسحاق وعن أحمد روايتان ، قال في المغني : قال المروزي : قيل لأبي عبد الله : إن ابن راهويه يقول لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي في التشهد بطلت صلاته . قال : ما أجترأ أن أقول هذا ، وقال في موضع آخر : هذا شذوذ ، إلى أن قال : وظاهر مذهب احمد وجوبه . فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد أنه قال : كنت أتهيب ذلك ثم تبيَّنتُ فإذا الصلاة واجبة . واستدل القائلون بعدم الوجوب بأدلة لا تنتهض للاستدلال على محل النـزاع . منها حديث : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم . عن أبي هريرة ؟ وجه الاستدلال : أن النبي ﷺ أمر بالاستعاذة من هذه الأربع بعد التشهد ، وذلك ينفي وجود واجب بينها . والجواب : أن يقال : أولاً : أن الصلاة على النبي ﷺ من مسمى التشهد فهي تتميم له . ثانياً : أن الأمر بالاستعاذة لا ينفي وجود ذكر آخر ، وغاية ما يدل عليه أن النبي ﷺ أمر أن يكون هذا مما يقال بعد التشهد . واستدلوا أيضاً بحديث ابن مسعود عند أبي داود من رواية الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله في التشهد وفيه : " إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد " . ورواه أحمد والدارقطني وقال فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي ﷺ وفصله شبابه عن زهير وجعله من كلام عبد الله بن مسعود ، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي ﷺ ؛ لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان من روايتهم على ترك ذكره في آخر الحديث . مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك والله أعلم . وبهذا تعلم أن هذه الزيادة مدرجة وليست من كلام النبي ﷺ وليس فيها حجة وقد تبين بهذا أن وجوب الصلاة لا مدفع له والله أعلم . ثم إن القائلين بالوجوب في الصلاة خصوه بالتشهد الأخير مستدلين بحديث الرضف رواه النسائي من طريق الهيثم بن أيوب الطالقاني ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، رجال الحديث كلهم ثقات ، مخرَّج لهم في الصحيحين أو أحدهما إلا أبا عبيدة فقد أخرج له أصحاب السنن ، والجمهور على أنه لم يسمع من أبيه وإلا الهيثم أخرج له النسائي فقط وهو ثقة وعزاه في المغني لأبي داود ، ولم أره فيه ، بل هو في النسائي ولفظه : كان النبي ﷺ في الركعتين كأنه على الرضف . قلت : حتى يقوم . قال ذلك يريد ، والرضف : وهو الحجارة المحماة . وذكر في تعليق على سنن النسائي أن الإمام أحمد روى في المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : علمني رسول الله ﷺ التشهد في وسط الصلاة وآخرها ، فإذا كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد ... الحديث قال الهيثمي : رجاله موثوقون . وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح . وذكره الحافظ في التلخيص ، والزيلعي في نصب الراية وحكى في المغني أن الإمام أحمد روى عن مسروق قال كذا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف حتى يقوم وحكى عن الإمام أحمد أنه كان يفعل ذلك فهذا يدل على أنه صحيح عنده . ثانياً : اختلف العلماء في وجوب الصلاة على الآل وهما وجهان لأصحاب الشافعي ، وظاهر مذهب الإمام أحمد أن الوجوب مقصور على الصلاة على النبي ﷺ وحده دون الآل . ذكره في المغني وقال قال بعض أصحابنا : تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر كعب ؛ لأنه أمر ، والأمر يقتضي الوجوب . والأول أولى اهـ. قلت : بل القول بوجوب الكيفية الواردة في حديث كعب أولى ؛ لأنها بيان للواجب ، ثم هي مأمور بها أيضاً كما تقدم بيانه وأيده الصنعاني في العدة (3/22) . ثالثاً : اختلفوا في الآل من هم ؟ فقيل : الأول : من حرمت عليهم الصدقة . وهذا منصوص الشافعي وأحمد والأكثر من العلماء ، قال الصنعاني في العدة وقالت الحنفية : هم بنو هاشم خاصة . الثاني : أن آله هم أزواجه وذريته خاصة ؛ لوروده في حديث أبي حميد : "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ". الثالث : أنهم أتباعه إلى يوم القيامة . قال حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم واقدم من روى هذا عنه جابر بن عبد الله ذكره البيهقي ، ورواه عن سفيان الثوري قال : ورجحه النووي في شرح مسلم واختار الأزهري اهـ. الرابع : أنه الأتقياء من أمته . حكاه جماعة من الشافعية . قلت : وهو الأرجح في رأيي لما يأتي : أولاً : أن النبي ﷺ قال فيما وراه البخاري ومسلم من طريق عمرو بن العاص رضي الله عنه : " إن آل فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحم ابلها ببلالها " ، والله تعالى يقول : _ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ _ (التحريم: من الآية4) . وفي حديث عبد الله بن عمر عند أبي داود في الفتن بسند يحتمل الصحة ؛ لأن رجال سنده كلهم ثقات موصوفون بالصدق وفيه : " ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني ، إنما أوليائي المتقون ". الحديث رقم 4242 . ثانياً : أن السلام في أول التشهد شرع مختصاً بالصالحين فيحسن أن يكون الآل في الصلاة هم أهل الصلاح والتقوى ليناسب المشروع في التشهد ولا ينافي تقييد الولاية في هذين الحديثين بأهل الصلاح والتقوى . والله أعلم . رابعاً : قال ابن دقيق العيد رحمه الله : اشتهر بين المتأخرين سؤال وهو أن المشبه به فكيف يطلب للنبي ﷺ صلاة تشبه بالصلاة على إبراهيم – أي مع أنه قد ثبت أن النبي ﷺ أفضل من إبراهيم ومن جميع الرسل ؟ اهـ. وقد أجيب على هذا الإشكال بأجوبة لم يخل شيء منها عن إيرادات ، ولا أرى من وراء هذا البحث طائل يوجب التحرير ، لكن نزولاً على رغبة بعض الباحثين يمكن أن يقال : إن أحسن الأجوبة المسبورة هو أن آل إبراهيم معظمهم أنبياء ورسل فيأخذون حظوظهم على قدر منازلهم ، والنبي ﷺ معهم ، ثم يطلب للنبي ﷺ صلاة مثل الصلاة التي حصلت لإبراهيم وآله وليس في آل النبي ﷺ نبي ، فيأخذون حظوظهم بقدر منازلهم ، فيبقى الفاضل للنبي ﷺ فيكون المتحصل له أكثر من المتحصل لإبراهيم . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#40
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [121] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يدعو : "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال" وفي لفظ لمسلم : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربعٍ : يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم .." ثم ذكر نحوه . موضوع الحديث : الدعاء بعد التشهد . المفردات : أعوذ : بمعنى ألجأ واعتصم بك يا رب مما ذكر من عذاب القبر . العذاب : هو تعرض الإنسان لما يؤلمه بحرارته كالنار ، أو بثقله كالصدمات بالأثقال ، أو التردي من الشواهق ، أو بضيقه كالسجون الضيقة تحت الارض ، أو بغوصه في البدن كغرز إبرة في الجسم ولهذا قال تعالى : _ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ _ (المطففين:7) . وهذا بالنسبة لعذاب الدنيا ، أما عذاب البرزخ وعذاب الآخرة فهو شيء لا يستطاع وصفه . فتنة المحيا : هي البلوى التي يختبر بها العبد ليُرى ثباته على الحق أو تحوله عنه متأثراً بها أي بالفتنة التي يتعرض لها كما قال تعالى : _ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ _ (الأنبياء: من الآية35) . _ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً _ (الكهف:7) . _ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ _ (آل عمران: من الآية186) . المحيا : أي الحياة وفتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان في حياته من تقلبات قد توقعه في المعصية تارة ، والكفر تارة والشرك أخرى ، والفتنة تكون إما بالغنى ، وإما بالفقر والحاجة ، وإما بالمرض ، وإما بتقلبات السياسة ، وإما بضغوط المجتمع ، وإما بحب الأهل والولد ، وإما بالرغبة في الدنيا والطمع فيها ، وإما بالرهبة من عدو أو غير ذلك مما يتعرض له العبد في حياته . فتنة الممات : يحتمل أن يكون المراد به ما يكون عند الموت من أمر الخاتمة إذ قد ورد أن الشيطان يتعرض للإنسان ليحوله عن الإيمان حتى في آخر لحظة من عمره كالحكاية التي حكيت عن الإمام أحمد عند موته وإما أن يكون المراد به بعد الموت عند نزول القبر من تعرض العبد لفتنة السؤال من قبل الملكين نكير ومنكر وقد صح عن النبي ﷺ في ذلك أحاديث لا أطيل بذكرها وفي ذلك يقول الله عز وجل : _ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ _ (إبراهيم:27) . اللهم ثبتنا يا رب . المسيح : بالسين المهملة والحاء المهملة أيضاً وقيل بالخاء من المسخ والثابت الأول ، وهذا اللفظ يطلق على الدجال وعلى نبي الله عيسى عليه السلام فإذا أريد به الدجال قيد به ، أما عيسى عليه السلام فلقب له لأنه لا يمسح ذا عاهة إلا برئ أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً أي مدهوناً وأما الدجال : فلأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وقيل لأنه ممسوح العين اليمنى . والدجال : من الدجل وهو التضليل وذلك لأنه يضلل الناس فيقول لهم هو ربهم ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتنة من الله لعباده والعياذ بالله . المعنى الإجمالي : شرع الله عز وجل لعباده على لسان رسوله ﷺ أن يستعيذوا به في دفع الفتن عنهم وأن يقيهم عذاب القبر وعذاب النار لأنه لا قبل لهم بدفع ذلك ولا طاقة لهم بصرف ضرر هذه الأمور الضارة عن أنفسهم إن لم يكن لهم عون وهداية وتوفيق من الله وشرع بعد التشهد ليكون ذلك في آخر الصلاة التي هي أفضل قربة إلى الله ؛ لأن ذلك أحرى للإجابة . والله أعلم . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ من الحديث مشروعية التعوذ بالله من هذه الخصال لشدة خطورتها وضررها على العبد . ثانياً : يؤخذ منه أنها بعد التشهد لأنه أقرب للإجابة . ثالثاً : يؤخذ منه أن المشروع للعبد أن يتقرب أولاً إلى الله بفعل ما أمره ثم يسأله بعد ذلك فهو أولى بأن يجاب وذلك أن إجابة الله لعبده مشروطة باستجابة العبد له بفعل أوامره واجتناب نواهيه كما أشار إلى ذلك القرآن حيث يقول الله تعالى : _ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ _ (البقرة:186) . رابعاً : يؤخذ منه شدة خطر الفتن التي يتعرض لها العبد في حياته وبعد موته وأنه لا يستطيع الخلوص منها إلا بحول وقوة من الله . خامساً : يؤخذ منه شدة خطر الدجال وعظم فتنته ، مما جعل النبي ﷺ يحذر أمته ويأمرهم بالاستعاذة بالله من شره . سادساً : الاستعاذة من عذاب القبر وعذاب النار استعاذة من أسباب العذاب المؤدية إليه . سابعاً : أن الموافقة في الاسم بين المؤمن والكافر لا تضر وذلك لأن نبي الله عيسى _ سمي المسيح ، والدجال سمي المسيح وإذا أريد الدجال بين بالوصف والله أعلم . ثامناً : خص الفقهاء هذا الدعاء وغيره بالتشهد الأخير ، قال ابن دقيق العيد : وليعلم أن قوله ﷺ إذا تشهد أحدكم عام في التشهد الأول والأخير معاً ، وقد اشتهر بين الفقهاء استحباب التخفيف في التشهد الأول وعدم استحباب الدعاء بعده حتى تسامح بعضهم في الصلاة على الآل فيه إلى أن قال والعموم الذي ذكرنا يقتضي الطلب بهذا الدعاء فمن خصه فلابد من دليل راجح وإن كان نصاً فلابد من صحته . قلت : النص هو حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وقد علمت أنه قد أعل بعدم سماع أبي عبيدة من أبيه ولكن يتأيد بحديث ابن مسعود عند أحمد رحمه الله علمني رسول الله ﷺ التشهد في وسط الصلاة وآخرها فإذا كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد قال الهيثمي رجاله موثقون وصححه أحمد شاكر وبهذا يتبين رجحان ما ذهب إليه الفقهاء ، والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#41
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [122] : وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم " . موضوع الحديث : الدعاء في الصلاة وهذا الحديث من جوامع الأدعية والإستغفارات . المفردات : دعاء أدعو به في صلاتي : الدعاء هو طلب العبد من ربه سبحانه طلب يصحبه خضوع وافتقار ومسألة . ظلمت نفسي ظلماً كثيراً : إخبار أن الذنوب ما هي إلا ظلم من الإنسان لنفسه بإيقاعها فيما لا طاقة لها به ، أما الرب عز وجل فهو في غنى عن طاعة المطيعين ويتنـزه أن تضره معصية العاصين وفي الحديث القدسي : " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " . ظلماً كثيراً : فيه إخبار بكثرة وقوع الإنسان في الذنوب والظلم للنفس وذلك بالتقصير في الواجبات إما بالتأخير وعدم المسارعة أو بعدم تأديتها على الوجه المطلوب وإما بدخول الرياء والعجب فيها وإما بترك بعضها والتهاون فيه إيثار الراحة أو خوفاً من الملامة من بعض الجاهلين أو غير ذلك ، أما المعاصي فكثير ما يقع فيها العبد بدافع الطمع أو بدافع الهوى أو رضا المخلوق أو طاعة للشيطان ولهذا فإن العبد لا يخلو في كل لحظة من عمره من تقصير في واجب أو وقوع في ذنب ؛ فلهذا قال ظلماً كثيراً . والله أعلم . من عندك : أي تفضلاً منك عليّ وإن كنت لا استوجبه تفضلاً محضاً . المعنى الإجمالي : طلب أبو بكر الصديق _ من رسول الله ﷺ أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فعلمه هذا الدعاء الجامع النافع المتضمن لمغفرة كل ظلم بدر من العبد بحكم بشريته وبحكم دنياه التي يتقلب فيها والتي لا يخلو فيها أحد من ظلم وقد تضمن هذا الدعاء على قلته عدة أمور هي أساس في العقيدة : أولها : اعتراف العبد بالتقصير في حق ربه . ثانيها : إفراد الله بالألوهية في قوله "ولا يغفر الذنب إلا أنت". ثالثها : تفويضه إليه وتخليه عن السببية في قوله "فاغفره لي مغفرة من عندك " . رابعها : استكانة العبد لربه وتذلـله له وافتقاره إليه بطلب التفضل المحض . خامسها : وصف العبد لربه بالمغفرة والرحمة . فقه الحديث : يؤخذ من هذا الحديث سنية هذا الدعاء في الصلاة أما في أي مكان فيها فهذا لم يرد بالتحديد ومواضع الدعاء في الصلاة موضعان . قال ابن دقيق العيد رحمه الله : هذا الحديث يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين لمحله ولو فعل فيها حيث لا يكره الدعاء في أي الأماكن كان ، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين إما السجود وإما بعد التشهد اهـ. وقال في العدة : أما محلات الدعاء في الصلاة التي ورد أنه كان يدعو فيها رسول الله ﷺ فهي سبعة مواضع كما ذكره ابن القيم في زاد المعاد ويجمعها قولنا مواضع كانت في الصلاة لأحمد إذا ما دعا قد خصصوها بسبعة : مواضع كانـت في الصـلاة لأحمد إذا مـا وعـاقد خصـوصها بسبعة عقـيب افتـتاح ثم بعـد قـراءة وحـال ركوع واعتـدال وسـجدة وبيـنهما بـعد التشـهد هـذه مواضـع تـروى عن ثـقات بصحة وتحريرها : 1- دعاء الاستفتاح . 2- بعد القراءة كما ورد أنه كان إذا قرأ فمر بآية رحمة سأل أو آية عذاب استعاذ . 3- في الركوع . 4- في الاعتدال من الركوع . 5- في السجود . 6- في الاعتدال بين السجدتين . 7- بعد التشهد . قلت : أكثر هذه المواضع لها أذكار معينة كالاستفتاح وذكر الاعتدال من الركوع وبين السجدتين ، فينبغي المثابرة على الوارد إلا إذا أطال فلا مانع أن يدعو بغير ما ورد ، والذي ثبت الحث على الدعاء فيه هو السجود لحديث أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ، وبعد التشهد لقوله صلى ثم ليتخير من الدعاء أعجبه أو من المسألة ما شاء . ثانياً : فيه دليل على أن الإنسان لا يخلو من ذنب أو تقصير في واجب دائماً ويدل عليه قوله _ : " استقيموا ولن تحصوا ، وأعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ". عزاه في الجامع الكبير إلى أحمد والحاكم والبيهقي من حديث ثوبان والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وسلمة ابن الأكوع ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم 963 ، وحديث : " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " عزاه في تخريج الجامع الصغير إلى أحمد والترمذي والحاكم وقال حسن وهو برقم 4391 . ثالثاً : يؤخذ منه أن الأليق بالعبد التخلي عن الاعتماد على الأسباب لا لأنها ليس لها تأثير بل ما أمر الله بها إلا لربط مسبباتها بها كربط دخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح وربط عصمة الدم والمال بالشهادتين وما من شيء إلا ربط مسببه بسبب كربط المغفرة بالتوبة ولكن لا يكون مدلياً بها على الله وينص الحديث أن توفيق الله للعبد للعمل الصالح تفضل من الله وقبول العمل على ما فيه من آفات النقص والخلل تفضل منه وثوابه على العمل الصالح تفضل منه مع أن العمل الصالح مغمور في جانب النعم الكثيرة والمتعددة الثابتة منها والمتجددة وعلى هذا فليس للعبد شيء يوجب إدلاله بالعمل مع ما ذكر . والله أعلم . رابعاً : يؤخذ منه رد على المعتزلة في قولهم أن الأعمال الصالحة موجبة للثواب وجوباً عقلياً إذ لو كان كما قالوا لقال فاغفر لي باستغفاري ولا يخفى أن هذا إلزام للباري تعالى من قبل عباده وفي ذلك من سوء الأدب مع الله ما فيه . والحق أن الله لا يلزم بشيء من قبل خلقه ولا يجب عليه شيء لخلقه ولكنه وعد ووعده الحق أن يثيب المطيعين ويرحم المؤمنين لا إلزاماً ووجوباً ولكن رحمة منه وفضلا والله لا يخلف الميعاد . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#42
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - [123] : عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما صلى رسول الله ﷺ صلاة بعد أن نزلت عليه [إذا جاء نصر والفتح ] إلا يقول فيها سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، وفي لفظ : كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي . موضوع الحديث : الذكر في الركوع والسجود . المفردات : ما صلى : ما نافية وإلا استثناء بعدها وصلاة مفعول صلى . إلا يقول فيها : أي إلا قال سبحانك بمعنى أسبحك أي أنزهك والمصدر ناب عن الفعل . وبحمدك : يحتمل أن تكون الباء سببية أي بسبب إنعامك علي بالتوفيق أسبحك ، ويحتمل أن تكون للملابسة أي حال كوني متلبساً بحمدك ورجح هذا المعنى الصنعاني في العدة (3/44) لجمعه _ بين التسبيح والتحميد في الحديث وفائدة الجمع بين هذه الثلاث أن التسبيح تنـزيه الله عن النقائص والعيوب والحمد اعتراف لـه بالكمالات المقتضية للمحامد كلها اللهم اغفر لي إقرار بالنقص واعتراف بالذنب وتوحيد لله بطلب المغفرة منه تعالى دون سواه . المعنى الإجمالي : جعل الله لنبيه ﷺ علامة تدل على دنو أجله وهي دخول الناس في دين الله أفواجاً أي جماعات بعد أن كانوا يدخلون فيه واحداً واحدا فإذا رأى ذلك أكثر من التسبيح والتحميد وطلب المغفرة وقد نفذ ذلك بعد نزول السورة ورأى العلامة وجعل ذلك ذكراً للركوع والسجود . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ منه مشـروعية هذا الذكر في الركوع والسجود ، سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ، أو سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، أو سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي . ثانياً : يؤخذ منه مشروعية ضم التحميد إلى التسبيح من الذكر الآخر سبحانك ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى ، وقد ورد بذلك نص عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أخرجه أبو داود برقم (870) وفيه رجل مجهول ولفظه : فكان رسول الله ﷺ إذا ركع قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً ، وإذا سجد قال سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثاً ، وقال قال أبو دواد : وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة . وأصل الحديث لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله ﷺ اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم أخرجه الحاكم (1/245) فسمى المبهم إياس بن عامر وقال صحيح وقد اتفقا على الاحتجاج برواته كلهم إلا إياس بن عامر وهو مستقيم الإسناد ، ورده الذهبي بقوله اياس ليس بالمعروف ، وأيده الألباني ؛ لأنه لم يرو عنه غير ابن أخيه موسى بن أيوب وقال لم يورده الذهبي في الميزان . قلت : ولا الحافظ في اللسان وأخرجه ابن ماجة رقم 887 باب التسبيح في الركوع والسجود بدون الزيادة أيضاً وترجم في التهذيب لاياس بن عامر رقم 717 ونقل عن العجلي أنه قال لا بأس به قال وذكره ابن حبان في الثقات ، قلت : ابن حبان يوثق من لا يعلم فيه جرحاً قال وصحح له ابن خزيمة ، قلت : وابن خزيمة يتساهل في التصحيح وبهذا تعلم أن الحديث ضعيف إلا أنه يتأيد بهذا الحديث الصحيح وإن تقيد باللفظ الوارد فحسن والله أعلم . ثالثاً : يؤخذ منه ما كان عليه النبي _ من المتابعة للقرآن ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي ﷺ قالت كان خلقه القرآن . رابعاً : يؤخذ من قوله اللهم اغفر لي دليل لمن قال أن النبي ﷺ. ليس معصوماً من الصغائر وفي ذلك خلاف بين أهل العلم ليس هذا محل بسطه ولعل الأقرب في هذا أن النبي ﷺ معصوم من قصد المعصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة وقد يقع فيما يعد من اللمم من قبيل اجتهاد يخطئ ولكن لعلو مقامه يعتبر منه كذنب كقوله تعالى : _ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ _ (التوبة: من الآية43) . وقوله : _ وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ _ (النساء: من الآية107) . وكقوله تعالى _ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ _ (آل عمران: من الآية128) . أما الأقوال التشريعية فهو معصوم فيها قال تعالى : _ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى _ (النجم:3-4) . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#43
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - باب الوتر [124] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال سأل رجل النبي ﷺ وهو على المنبر ما ترى في صلاة الليل ؟ قال : " مثنى ، مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة ، فأوترت له ما صلى " . وإنه كان يقول : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ". موضوع الحديث : صلاة الليل والوتر . المفردات : وهو على المنبر : جملة حالية أي سأله حال وجوده على المنبر . ما ترى في صلاة الليل : ما استفهامية . قال مثنى مثنى : أي هي مثنى مثنى أي اثنتين اثنتين ، فالضمير مبتدأ ومثنى خبر وهو معدول عن اثنين واثنتين . فإذا خشي أحدكم الصبح : أي خاف أن يدركه الفجر قبل أن يوتر . صل واحدة فأوترت له ما صلى : أي صلى ركعة واحدة . فأوترت له ما صلى : أي صيرته وتراً . الوتر : هو الفرد من العدد وهو ما لا ينقسم على اثنين بدون انكسار . اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً : أي اجعلوا الوتر خاتمة لها . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ من قوله ﷺ صلاة الليل مثنى ، مثنى . أن الأفضل في صلاة الليل أن تكون مثنى ، مثنى . أي يسلم من كل ركعتين وبه أخذ مالك فمنع الزيادة على ركعتين في النافلة وزعم بعض الحنفية أن يتشهد بعد كل ركعتين ورد بأنه قد ورد تفسير مثنى عن راوي الحديث عبد الله بن عمر من طريق عقبة بن حريث عن مسلم قال قلت لابن عمر رضي الله عنه ما مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين . أما الشافعية فقد أجازوا الزيادة على اثنتين مطلقاً بشرط أن لا يزيد على تشهد في الشفع ولا على ركعة في الوتر . قلت : وقد صرح في المهذب بتفضيل الصلاة مثنى على الزيادة على ذلك . وهو المصرح به في مذهب الحنابلة كما أفاده في الكشاف وإنما فضل أهل العلم الصلاة مثنى في صلاة الليل لأنها وردت من القول والفعل أما الزيادة على اثنتين فقد وردت من الفعل فقط . ثانياً : أنها وردت بصيغة تشبه الحصر قال ابن دقيق العيد رحمه الله ، وإنما قلنا إنه ظاهر اللفظ لأن المبتدأ محصور في الخبر فيقتضي ذلك حصر صلاة الليل فيما هو مثنى وقال في العدة لأنه معرف بالإضافة وتعريفه يفيد قصره على الخبر . ثالثاً : أن الصلاة مثنى أيسر على العبد لأنه يسلم بعد كل ركعتين فيقضي حاجته إن كان له حاجة. وقد صح عن النبي ﷺ أنه صلى أربعاً وأربعاً وثلاثاً وصح عنه أنه صلى خمساً بتشهد وسلام وأنه صلى سبعاً بتشهدين وسلام ، وأنه صلى سبعاً بتشهدين وسلام يجلس على السادسة ثم يتشهد ثم يقوم فيأتي بالسابعة ثم يتشهد ويسلم وأنه صلى تسعاً بتشهدين وسلام يجلس على الثامنة فيتشهد ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم . فهذه الأحاديث تدل على أن الأمر في ذلك واسع وكل ذلك جائز إلا أن الصلاة مثنى مثنى أفضل لما ذكرنا والله أعلم . يؤخذ منه أن وصف المثنوية بصلاة الليل دون صلاة النهار إلا أنه قد وردت رواية عن أصحاب السنن وابن خزيمة في صحيحه وأحمد وغيرهم من طريق علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر بلفظ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد رد قوم هذه الرواية وحكموا على راويها بالوهم لأن الأثبات من أصحاب ابن عمر رووا عنه هذا الحديث بدون زيادة والنهار ، وهم نافع وسالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن دينار وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وطاووس وعبد الله بن شقيق . ولهذا قال يحيى بن معين ومن علي الأزدي حتى أقبل منه ، أي من يكون إلى جانب هؤلاء الأئمة الأثبات ، وحكم النسائي على راويها بالخطأ . قال في الفتح لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ، أخرجه بن عبد البر م طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذاً . قال وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر أن ابن عمر كان يصلي بالنهار أربعاً اهـ. وقد احتج يحيى بن سعيد الأنصاري على بطلان هذه الزيادة بأن ابن عمر كان يصلي في النهار أربعاً أربعاً فلو كانت صحيحة لم يخالفها . ورغم شذوذ هذه الزيادة ومخالفة راويها لمن هم أعلى منه ثقة وأفضل منه حفظاً وأكثر منه ملازمة لعبد الله بن عمر وهم عدد وهو واحد ، ومع مخالفتها أيضاً لما صح عن الراوي رغم هذا كله فإن بعضهم قد صححها . ومن المعاصرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فإنه قال في تعليقه على صحيح ابن خزيمة الحديث رقم 1210 : قلت : إسناده صحيح ، كما حققته في صحيح أبي داود رقم 1172 وغيره . ناصر . وحكى الحافظ في التلخيص تصحيحه عن ابن خزيمة وابن حبان والحاكم . ومن صححه فقد أيده بإطلاق حديث عبد الله بن الحارث عند أبي داود وفي سنده عبد الله بن نافع بن العمياء وهو ضعيف وأخرج الترمذي نحوه عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس مرفوعاً بلفظ الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن وفي سنده أيضاً عبد الله بن نافع المذكور قال الحافظ في التلخيص وله طرق أخرى منها ما أخرجه الطبراني في الأوسط والدارقطني في غرائب مالك . وقال به الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر . قلت : الحنيني هو إسحاق بن إبراهيم الحنيني . قال في التقريب ضعيف ، قال الذهبي في الكاشف ضعفوه ، ومنها ما أخرجه الدارقطني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، وفي إسناده نظر . قلت : تبين من هذا الاستعراض لطرقه أنها كلها ضعيفة وأن تصحيحه لا يعدو أن يكون تساهلاً والله أعلم . قال ابن دقيق العيد كما يقتضي ظاهره "أي حديث صلاة الليل مثنى مثنى" عدم الزيادة على الركعتين فكذلك يقتضي عدم النقصان منها ، وقد اختلفوا في التنفل بركعة مفردة والمذكور في مذهب الشافعي جوازه وعن أبي حنيفة منعه قلت : المعروف عن مذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز الإيتار بركعة ولو صلى قبلها مثنى ، أما غير الحنفية فقد جوزوا الإيتار بركعة إذا تقدمتها صلاة ومنعوا التنفل بركعة مفردة لم تتقدمها صلاة إلا ما ذكر عن مذهب الشافعي أنه يجيز ذلك . وقال في المغني : قال بعض أصحابنا : ولا يصح التطوع بركعة ولا بثلاث ، وهذا كلام الخرقي . وقال أبو الخطاب في صحة التطوع بركعة روايتان أحدهما يجوز كما روى سعيد قال جرير عن قابوس عن أبيه قال دخل عمر المسجد فصلى ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة فقال هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص ، ولنا أن هذا خلاف قول رسول الله ﷺ صلاة الليل مثنى مثنى ولأنه لم يرد الشرع بمثله والأحكام إنما تتلقى من الشارع اهـ. واستدل الشافعية لجواز التطوع بركعة مفردة بحديث الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر عزاه الألباني في تخريج الجامع الصغير 3764 للطبراني في الأوسط وقال حسن وذكره الصنعاني في العدة بلفظ فمن شاء استكثر ومن شاء استقل وقال صححه ابن حبان . قلت : وعلى تقدير صحته فليس فيه دليل على موضع النـزاع لأن أل في الصلاة للعهد الذهني ولم يعهد عن الشارع ﷺ أنه صلى ركعة مفردة لم يتقدمها شيء ، وقد قال ﷺ : " صلوا كما رأيتموني أصلي " . وهل يصح الإيتار بركعة مفردة لم تتقدمها صلاة . يقال في هذا ما قيل في سابقه اللهم إلا أن ينام عن وتره فيقوم متأخراً قد طرقه الفجر أو كاد فيوتر بواحدة مبادرة للفجر وقد فعله عبد الله بن مسعود وحذيفة . وأما الحنفية فقد خصصوا الإيتار بواحدة بحالة الضرورة كهذه الصورة واستدلوا على ذلك بقوله فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة . رابعاً : يؤخذ من قوله : " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى ". وفي رواية عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عبد الله بن عمر _ عند البخاري رقم 993 : " فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت " ، دليل على مشروعية الإيتار بركعة وإلى ذلك ذهب الجمهور ومنعت ذلك الحنفية فقالوا لا يصح الوتر إلا بثلاث وقد نقل الإيتار بركعة عن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وحذيفة ، أخرج ذلك عنهم عبد الرزاق في المصنف بأسانيد صحيحة . وروى محمد بن نصر في قيام الليل الإيتار بركعة عن ابن عمر ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي هريرة ، وفضالة بن عبيد وأبي موسى ، ومن التابعين عن عطاء ومحمد بن سيرين والحسن البصري وبن شهاب الزهري ، وحكاه أيضاً عن مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو ثابت عن النبي ﷺ من قوله وفعله ، فأما القول ففي حديث عبد الله بن عمر الثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها وفيه فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى ، وفي لفظ عبد الرحمن بن القاسم الذي ذكرته في هذا البحث فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت . وأما الفعل فقد ثبت إيتاره بركعة من حديث ابن عباس عند البخاري ومسلم من حديث عائشة عند مسلم ومن حديث ابن عمر عن البخاري ومسلم . وقال الشوكاني في السيل الجرار (1/326) : أما الإيتار بركعة فقد ثبت ثبوتاً متواتر وذلك واضح ظاهر لمن له أدنى اطلاع على السنة المطهرة اهـ. وروى الطحاوي في معاني الآثار بسند في غاية الصحة من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله ﷺ يصلي فيما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة . وهذه الأحاديث الصحاح كلها أدلة ساطعة تدل على سنية الإيتار بركعة وترد على من كره ذلك . والله يعلم أنه ضاق صدري حينما قرأت باب الوتر في معاني الآثار للطحاوي فرأيته- رحمنا الله وإياه – على كثرة ما أورد من أحاديث وآثار تدل على سنية الإيتار بواحدة أو بثلاث متصلة بتشهد وسلام ، أو بثلاث يفصل شفعها عن وترها بتشهد وسلام ، فتعود إلى الإيتار بواحدة ، يدعى إجماعاً على خلاف ما دلت عليه هذه الأحاديث والآثار ، ويتأول الأحاديث والآثار بتأويلات متعسفة لكي توافق رأي إمامه . وكم ترى من جهبذ في العلم كهذا يحاول التخلص من سنة ثابتة لكي ينـزل على رأي إمامه كأن رأي الإمام هو الأصل وسنة النبي ﷺ هي الفرع وفي هذا من شرك التحكيم ما فيه . خامساً : يؤخذ من قوله " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة " وفي رواية فليركع ركعة توتر له ما صلى أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر ، قال ابن دقيق العيد وفي مذهب الشافعي وجهان أحدهما أنه ينتهي بطلوع الفجر والثاني أنه ينتهي بصلاة الصبح . اهـ. قلت : وفي المذهب الحنبلي أن وقته ينتهي بطلوع الفجر قال في المغني ، ووقته ما بين العشاء وطلوع الفجر الثاني فلو أوتر قبل العشاء لم يصح وتره ، وقال الثوري وأبو حنيفة إن صلاها قبل العشاء ناسياً لم يعده وخالفه صاحباه فقالا يعيد ، وكذلك قال مالك والشافعي اهـ. وهذا القول هو الذي تؤيده الأدلة وعليه الإجماع . قال المقريزي في مختصر قيام الليل والوتر للمروزي في باب وقت الوتر والذي اتفق عليه أهل العلم أن ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر وقت للوتر ، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يصلي الفجر وقد روى عن النبي ﷺ أنه أمر بالوتر قبل طلوع للفجر اهـ. قلت : وحديث عائشة الآتي بلفظ من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى وانتهى وتره إلى السحر . يدل دلالة واضحة أن وقت الوتر ينتهي بانقضاء وقت السحر ، ووقت السحر ينقضي بطلوع الفجر الثاني . ومما يدل على انقضاء وقت الوتر بطلوع الفجر القاني حديث أبي سعيد عند مسلم أنهم سألوا النبي ﷺ عن الوتر فقال أوتر قبل الصبح وفي لفظ له أوتر قبل أن تصبحوا . وقد أخذنا بما صح عن النبي ﷺ وما انعقد عليه الإجماع من أمته وتركنا ماعدا ذلك لأنه اجتهاد من غير معصوم والله أعلم . سادساً : يؤخذ من قوله فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت . دليل على وجوب الوتر إلا أن في الاستدلال بهذا الحديث على الوجوب نظر لأنه كان جواباً على سؤال واستدل القائلون بالوجوب أيضاً بحديث إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن، وليس فيه دليل على الوجوب العام وإن صح واستدل للوجوب أيضاً بحديث أن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر قال في نصب الراية روى من حديث خارجة بن حذافة ومن حديث عمرو بن العاص وعقبة بن عامر ومن حديث ابن عباس ومن حديث أبي بصرة الغفاري ، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . ومن حديث ابن عمر ومن حديث أبي سعيد ثم ساقها ، ونقل عن البزار أنه قال في مسنده : وقد روى في هذا المعنى أحاديث كلها معلولة ونقل عن ابن الجوزي في التنقيح أنه قال لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزاد فيه . قلت : وعلى تقدير صحة هذا الحديث فليس فيه دليل على الوجوب بل غاية ما فيه أنه يدل على الفضيلة ؛ لأن كلمة الإمداد والزيادة لا تفيد الوجوب . والله أعلم . واستدل للوجوب أيضاً بحديث ابن بريدة " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " . أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود وابن أبي شيبة وأخرج ابن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة عن أبي هريرة نحو حديث ابن بريدة ، وفي سنده خليل بن مرة الضبعي البصري ضعيف من السابعة قاله في التقريب وهو منقطع بين معاوية وأبي هريرة واستدل للوجوب أيضاً بحديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا أخرجه الشيخان وتعقب بأن صلاة الليل ليست بواجبة فكذا آخره . وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب اهـ. قال الشيخ مباركفوري في تحفة الأحوذي . قلت : هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة الليل وتراً لا على وجوب نفس الوتر المطلوب هذا لا ذا فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح ، وكذا الاستدلال بحديث جابر أوتروا قبل أن تصبحوا رواه الجماعة إلا البخاري ليس بصحيح فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار . واستدل أيضاً بحديث أبي أيوب عند أبي داود والنسائي وابن ماجة مرفوعاً بلفظ الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل الحديث . قال في مختصر السنن وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه إلى رسول الله ﷺ. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة مرفوعاً كما ذكرناه من رواية بكر بن وائل عن الزهري وتابعه على رفعه الإمام أبو عمرو الأوزاعي وسفيان بن حسن ومحمد بن أبي حفصة وغيرهم ويحتمل أن يكون يرويه مرة من فتياه ومرة من روايته اهـ. وقال في معالم السنن وقد دلت الأخبار الصحيحة أنه لم يرد بالحق الوجوب الذي لا يسع غيره ومنها خبر عبادة بن الصامت رضي الله عنه لما بلغه أن أبا محمد "رجلاً من الأنصار" يقول الوتر حق فقال كذب أبو محمد ثم روى عن رسول الله ﷺ حديث خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة الحديث اهـ. وبهذا تعلم أن كل ما أجلب به الحنفية لا ينتهض للوجوب ولا يصلح دليلاً عليه ، نعم هذه الأحاديث تفيد الحث على الوتر والمبالغة في تأكيده ولذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوتر سنة وليس بواجب ولهم أدلة على ما ذهبوا إليه منها الصحيح ومنها الضعيف وأصح تلك الأدلة وأبينها في الدلالة على ما ذهبوا إليه ما رواه الشيخان عن ابن عمر بلفظ كان رسول الله ﷺ يسبح على الراحلة قِبَل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ، وهذا لفظ مسلم ، وأخرج البخاري هذا اللفظ عن الليث معلقاً من طريق يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه وقال الحافظ وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قبل ببابين وقد أخرجه جماعة غيرهم قال النووي في شرح مسلم على قوله ويوتر على الراحلة ، فيه دليل لمذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه يجوز الوتر على الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة وليس بواجب . وقال أبو حنيفة رحمه الله هو واجب ولا يجوز على الراحلة . ومما يدل على عدم الوجوب حديث علي المتقدم الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله ﷺ وحديث عبادة الذي سبقت الإشارة إليه أنه قال حين أخبر عن أبي محمد أنه يقول الوتر حق فقال كذب أبو محمد سمعت رسول الله ﷺ يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد الحديث . ومما يدل على عدم الوجوب ما أخرجه مسلم عن عائشة أن النبي ﷺ. صلى في المسجد ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس الحديث وفيه فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ، وأخرج ابن نضر في قيام الليل والوتر من طريق عيسى بن جارية وفيه لين عن جابر بمعنى حديث عائشة وفيه فقلنا يا رسول الله رجونا أن تخرج فتصلي بنا فقال إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر . أما حديث : "ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى" . فهو ضعيف ؛ لأنه من رواية أبي جنّاب الكلبي وهو ضعيف ، وتابعه جابر الجعفي وهو أضعف منه وتابعهما أيضاً وضاح بن يحيى ، عن مندل بن علي ، عن يحيى بن سعيد عن عكرمة وهو ضعيف أيضاً ، قال ابن حبان : لا يحتج به كان يروي الأحاديث التي كأنها معلولة ومندل أيضاً ضعيف ، ولهذا فقد أطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد وابن الصلاح وابن الجوزي والبيهقي والنووي وروى الدارقطني له شاهداً من حديث أنس وفيه عبد الله بن محرر وهو ضعيف جداً اهـ. ومن ما سبرته تعلم أن الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب ، وفيما ذكرته مقنع لمن أراد الحق وتجرد عن الهوى . والله أعلم . سابعاً : يؤخذ من قوله ﷺ : وأنه كان يقول : " اجعلوا آخر صلاتكم باليل وتراً " وجوب ختم صلاة الليل بالوتر وجعله في آخرها ، وقد اختلفوا في ذلك هل هو على الإيجاب أم على الندب ؟ . فذهب جماعة إلى وجوب جعل الصلاة من آخر الليل وتراً واحتجوا بقولـه ﷺ : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " ، حكى ذلك عنهم المروزي في قيام الليل ، وقال : منهم إسحاق بن إبراهيم وجماعة من أصحابنا يذهبون إلى هذا اهـ. وهؤلاء يأمرون من أوتر من أول الليل ثم قام آخره أن يشفع وتره بركعة ثم يصلي مثنى ، فإذا كان آخر صلاته أوتر ، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان قال : إني إذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة فإذا قمت ضممت إليها ركعة ، فما شبهتها إلا بالغريبة من الإبل تضم إلى الإبل . وفعله عبد الله بن عمر وأخبر أنه من رأيه لا رواية وهو مروي أيضاً – أي الشفع بركعة – عن أبي سعيد الخدري وعروة بن الزبير ، وأسامة بن زيد . وأبى ذلك الأكثرون وقالوا : إذا أوتر أول الليل ثم قام آخر الليل فصلى ركعة أخرى لتشفع وتره الأول بعد السلام والكلام والحدث والنوم لم تشفعه بعد ما ذُكر بل تكون وتراً آخراً ، فإذا أوتر من آخر صلاته كان قد صلى ثلاثة أوتار وخالفوا قول النبي ﷺ لا وتران في ليلة وعن ابن عباس أنه لما بلغه فعل ابن عمر لم يعجبه وقال ابن عمر يوتر في ليلة ثلاثة أوتار . وهؤلاء يقولون إن أوتر ثم قام من آخر الليل صلى شفعاً حتى يصبح فإنه إذا صلى شفعاً إلى الوتر يكون قد قطع صلاته على الوتر وممن قال بهذا القول عبد الله بن عباس وعائشة وأبو هريرة ورافع بن خديج وأبو بكر الصديق وعمار بن ياسر وعائذ ابن عمرو ومن التابعين سعيد بن جبير وسعبد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن قال محمد بن نصر وهذا مذهب الشافعي وأحمد وهو أحب إليّ وإن شفع وتره إتباعاً للأخبار التي رويناها رأيته جائزاً . وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن الشعبي أنه سئل عن نقص الوتر فقال إنما أمرنا بالإبرام ولم نؤمر بالنقص وروى عدم النقض عمن ذكروا سابقاً وعن سعد بن أبي وقاص وعلقمة والحسن وإبراهيم النخعي ومكحول وقال الترمذي وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد وابن المبارك وهذا أصح لأنه روى من غير وجه أن النبي ﷺ قد صلى بعد الوتر ركعتين . قلت : الصلاة بعد الوتر قد أخرجها مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي في حديث سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها وأخرجه أبو داود من طريق علقمة بن وقاص عن عائشة وأخرج الترمذي وأحمد وابن ماجة أن النبي ﷺ كان يصلي بعد الوتر ركعتين زاد ابن ماجة وهو جالس من طريق الحسن عن أمه عن أم سلمة. وحكى الساعاتي تصحيحه عن الدارقطني وأخرج أحمد أيضاً عن أبي أمامة _ الركعتين بعد الوتر وهو جالس وقال فقرأ بـ_ إذا زلزلت _ و _ قل يا أيها الكافرون _ وإذ قد ثبت أن النبي ﷺ صلى بعد الوتر ركعتين فالجمع بين هذه الأحاديث وبين قول النبي ﷺ " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ، أن هذه الأحاديث التي أثبتت أن النبي ﷺ صلى بعد الوتر ركعتين صرفت الأمر في قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً من الإيجاب إلى الندبية إذ أن فعله كان بياناً للجواز . هذا هو رأي الجمهور قال النووي الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما ﷺ بعد الوتر جالساً لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك وأبى ذلك الشوكاني في النيل فقال أما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة بجعل آخر صلاة الليل وترا فلا معارضة بينها وبين فعله ﷺ للركعتين بعد الوتر لما تقرر في الأصول أن فعله لا يعارض القول الخاص بالأمة بلا معنى للاستنكار . اهـ. وأقول : الحق أن الأصل في أفعاله ﷺ التشريع إلا ما دل الدليل على خصوصيته به ولا دليل على الخصوصية هنا فلم يبق سوى التشريع وبذلك يترجح قول من قال أن النبي ﷺ فعلها لبيان الجواز وخلاصة هذا البحث أن حديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" محمول على الاستحباب وأن الأفضل في الوتر أن يكون آخر صلاة الليل شفعاً ، وأن من أوتر أول الليل وقام في آخره تشرع له الصلاة شفعً ، وأن نقض الوتر لا يمكن ولا يشرع بل هو اجتهاد من غير معصوم خالف النص . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 01-05-2015 الساعة 03:55AM |
#44
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي - رحمه الله - 125] : عن عائشة رضي الله عنها قال : من كل الليل أوتر رسول الله ﷺ ، من أول الليل ، وأوسطه ، وآخره ، وانتهى وتره إلى السَحَر.. موضوع الحديث : وقت الوتر . المفردات : من كل الليل أوتر : أي صلى وتره في أول الليل ، وصلى وتره في أوسط الليل وصلاه في آخر الليل . وانتهى وتره : أي وصل وقت وتره إلى السحر أي وقت السحور . المعنى الإجمالي : تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ تنقل بوتره في كل الليل ليشرّع لأمته جواز الوتر في كل الليل وحتى لا يكون على أحد من أمته حرج إذا صلاه في أي وقت من الليل وانتهى وقت أداء وتره إلى السحر . فقه الحديث : أولاً : يؤخذ من الحديث أن كل الليل وقت للوتر ويبدأ من بعد صلاة العشاء إلى وقت السحر . ثانياً : يؤخذ منه أن الأفضل في الوتر أن يكون في آخر الليل ، وذلك إذا فسرنا وانتهى وتره إلى السحر أي انتهى عمله لوتره في آخر عمره إلى السحر ولكن هذا يعكر عليه أن النبي ﷺ قد كان مشدداً على نفسه في قيام الليل منذ نبوته حتى أنزل الله عليه _ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى _ (طـه:1-2) ، فهو قول مرجوح والراجح أن المعنى وانتهى وتره إلى السحر بالنسبة إلى الليل وليس بالنسبة إلى عمره ولكن أفضلية تأخير الوتر تؤخذ من الآيات القرآنية التي تحث على قيام الليل مع قوله "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً". ثالثاً : يؤخذ منه أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر الثاني وقد تقدم في الحديث الذي قبله بحث هذه المسألة والخلاف فيها والترجيح . رابعاً : يؤخذ منه أن الوتر أول الليل أفضل لمن لا يثق من نفسه بالقيام ، وقد ورد في ذلك حديث رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة بلفظ من خاف ألا يقوم ولأحمد من ظن منكم ألا يستيقظ آخر الليل فليوتر أوله ، الحديث وفي آخره للجميع فإن قراءة آخر الليل مشهودة وفي رواية محضورة وذلك أفضل . خامساً : إذا أوتر العبد أول الليل ثم استيقظ من آخره فهل يشفع وتره أو يصلي شفعاً حتى يصبح سبق بحث هذه المسألة مستوف ولله الحمد والمنة . سادساً : إذا فات وقت الوتر بنوم أو نسيان فهل يقضيه أم لا ؟ ذهب إلى قضائه جماعة من أهل العلم مستدلين بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكر أو استيقظ ، أخرجه الترمذي وابن ماجة في سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم متروك ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وأخرجه أبو داود بسند صحيح صححه العراقي وغيره كما ذكر ذلك الشوكاني في النيل وبحديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي ﷺ بلفظ إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . وبحديث أبي نهيك أن أبا الدرداء خطب الناس فقال : " لا وتر لمن أدركه الصبح " فانطلق رجال إلى عائشة فأخبروها فقالت كذب أبو الدرداء كان النبي صلى يصبح فيوتر ، أخرجه المروزي وسنده حسن . وبحديث معاوية بن قرة قال جاء رجل إلى النبي صلى فقال إني لم أوتر حتى أصبحت فقال إنما الوتر من الليل فأعاد عليه فأمره أن يوتر وفي سنده خالد بن أبي كريمة صدوق يخطئ ويرسل كثيراً ، وبحديث ابن عمر عند الدارقطني مرفوعاً من فاته وتره من الليل فليقضه من الغد ، وفي سنده أبو عصام رواد وفيه مقال ونهشل بن سعيد الورداني وهو متروك وكذبه إسحاق . وهذه الأحاديث بمجموعها تكون حجة للقائلين بالقضاء ولهذا فقد قال بالقضاء جماعة من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومن التابعين القاسم بن محمد وسعيد بن جبير وعطاء وأبي نضرة وطاووس وغيرهم وحكاه الشوكاني عن الأئمة الأربعة إلا أنهم اختلفوا في الوقت الذي يقضي فيه فقال بعضهم يقضيه ما لم يصل الصبح وقال بعضهم يقضيه ما لم تطلع الشمس وقال بعضهم يقضيه ما لم يصل الظهر أو ما لم تزل الشمس ، وهذا القول الأخير هو الأسعد بالدليل لحديث عمر بن الخطاب مرفوعاً من نام عن حزبه من الليل وعن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل . رواه الجماعة إلا البخاري ومعلوم أن ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس غير مقصود لأنه وقت نهي بعموم قوله ﷺ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وعليه يحمل فعل الصحابة للوتر بعد طلوع الفجر أنهم فعلوا قضاء ولم يفعلوا أداء وبهذا تجتمع الأدلة . فإن قيل فكيف تجمع بين الأحاديث الدالة على قضاء الوتر وبين حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم وغيره كان رسول الله ﷺ إذا عمل عملاً أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة . فأقول : الجمع بينهما أن حديث عائشة فيمن كان له ورد من الليل لا يتركه فمتى نام عنه أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة وأحاديث قضاء الوتر فيمن فاته الوتر وحده . والله أعلم . وقد ذهب قوم إلى عدم فضاء الوتر وهو مروي عن ابن عباس وابن شهاب ونافع والحسن والبصري وقتادة ومكحول وإبراهيم النخعي والشعبي ومالك بن أنس والشافعي في رواية الزعفراني عنه والإمام أحمد بن حنبل وأيوب وأبو خيثمة وإسحاق وذكر ذلك عنهم ابن نصر المروزي في قيام الليل واحتج لهم بما رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل طلوع الفجر وقال سليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ قال وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق لا يرون الوتر بعد صلاة الصبح . قلت : سليمان بن موسى الأموي الأشدق قال في التقريب صدوق فقيه في حديثه بعض لين وخلط قبل موته بقليل . واحتج لهم أيضاً بما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له وإسناده صحيح وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ نادى منادي رسول الله صلى " لا وتر بعد الفجر " إلا أنه في سنده أبا هارون العبدي وهو متروك ، وقد كذبه بعضهم ولكن حديث ابن خزيمة صحيح صححه الألباني – رحمه الله – وهو كما قال ، وإذ قد صح حديثا ابن عمر وابي سعيد وظاهرهما المنع من الإيتار بعد الصبح مطلقاً . والقاعدة الاصطلاحية أن ينظر بين الحديثين المتعارضين فإن أمكن الجمع بينهما عمل به وإلا رجع إلى الترجيح وهنا يمكن الجمع بأن يحمل حديث ابن عمر على أنه إذا طلع الفجر الثاني فقد ذهب وقت الأداء ويحمل حديث ابن عمر على أنه إذا طلع الفجر الثاني فقد ذهب وقت الأداء ويحمل حديث أبي سعيد أن من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له أداء ويحمل ما عدا ذلك من الأحاديث الدالة على الأمر بفعله بعد الفجر محمول على القضاء وكذلك فعل الصحابة له بعد طلوع الفجر يحمل على أنهم فعلوه قضاء وبهذا تجتمع الأدلة ويعمل بكل حديث في موضعه من غير تصادم بين الأدلة الشرعية ولا إطراح لبعضها . والله أعلم . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf |
#45
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي -رحمه الله - [126] : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشر ركعة ، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منها إلا في آخرها. موضوع الحديث : عدد ركعات صلاة الليل . المفردات : يوتر من ذلك بخمس : أي يجعلها وتراً لكونها متصلة بسلام وتشهد واحد . المعنى الإجمالي : تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ. كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس متصلة لا يفصل بينها بتشهد ولا سلام . فقه الحديث : أولاً : اختلفت الروايات عن عائشة رضي الله عنها في عدد صلاة النبي ﷺ بالليل فرواية تقول كان يصلي إحدى عشرة ركعة أربعاً وأربعاً وثلاثاً ولا يزيد عليها لا في رمضان ولا في غيره وهي رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها ، والرواية الثانية تقول كانت صلاة النبي ﷺ بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر وهي رواية القاسم بن محمد عنها. والرواية الثالثة تقول كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء الصبح ركعتين خفيفتين فتكون الثلاث عشرة من غير ركعتي الفجر ، وهذه الرواية توافق الحديث الذي نحن بصدد شرحه وهي رواية هشام بن عروة عنها. ومن أجل ذلك فقد أُدعى الاضطراب في حديثها في صفة صلاة النبي ﷺ بالليل ونفى القرطبي ذلك وقال : وهذا – أي الاضطراب – إنما يتم لو كان الراوي عنها واحد أو أخبرت عن وقت الصواب أن كل شيء ذكرته من ذلك محمول على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز. قلت : الذي يظهر لي في الجمع بين هذه الروايتين أن عائشة رضي الله عنها أخبرت أبا سلمة بما علمته من فعله في بيتها في صلاة الليل وحدها ثم ضمت إليها ركعتي الفجر كما في الرواية الأخرى ثم علمت أن النبي ﷺ صلى في بيت ميمونة ثلاث عشرة من غير ركعتي الفجر فحدثت به كما في الرواية الثالثة والله أعلم . ثانياً : يؤخذ منه عدد صلاة النبي ﷺ في الليل وأنها لم تزد على ثلاث عشرة وإذا كان هذا عدد صلاة النبي ﷺ في رمضان وغيره فما حكم الزيادة على ذلك في التراويح ، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب _ جمع الناس في خلافته على قارئ وأنهم كانوا يصلون إحدى وعشرين أو ثلاثاً وعشرين . وإليك تفصيل القول في هذه المسألة مع بيان مذاهب العلماء فيها ، وبيان الراجح مؤيداً بالأدلة ، فأقول ومن الله أستمد العون وأسأله أن يلهمني الصواب : أولاً : ينبغي أن نعلم أن النفل المطلق لم يرد في الشرع حصره في عدد معين ففي صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال لعبد الله بن عمرو : " ألم أُخبر أنك تقوم الليل وصوم النهار " قال : إني أفعل ذلك ، قال : " فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينيك ، ونفهت نفسك ، وإن لنفسك حقاً ، ولأهلك حقاً فصم وأفطر ، وقم ونم ". فلم يحده على عدد معين في قيام الليل ، ولم ينهه عن قيام كل الليل من أجل ذلك ، ولكن من أجل أن ذلك يؤدي إلى ضعف القوى وتلف الجسم ثم يؤدي بعد ذلك إلى الإخلال بالحقوق الواجبة لله أو للنفس أو الناس . ومثل ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله ﷺ فقال : من هذه ؟ قلت : فلانة لا تنام الليل – تذكر من صلاتها - ، فقال : " مَهْ ! عليكم ما تطيقون من الأعمال ، فإن الله لا يملّ حتى تملوا " . فقولـه :" عليكم ما تطيقون من الأعمال " تحديد للعمل بالطاقة وليس بالعدد وهو إن كان عاماً في جميع الأعمال إلا أن نوافل الصلاة تدخل في ذلك دخولاً أولياً ؛ لأنها السبب في صدور هذا القول من النبي ﷺ . وقوله : "فإن الله لا يمل حتى تملوا" أي : أن الله لا يمل من إعطاء الثواب والأجر حتى تملوا من العمل . ومثل قولـه ﷺ : " الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر " ، وفي هذا كله دليل أن النفل المطلق لا يحدد بعدد معين بل يترك لكل إنسان فيه طاقته وجهده . ومما يدل على ذلك أيضاً حديث عمرو بن عبسة الذي رواه مسلم في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها وفيه : فقلت : يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ، قال : " صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذٍ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ". فقوله :" ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة أمر إباحة لا تحديد فيه ، وكذلك قوله ﷺ في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فصل واحدة .. " الحديث يدل على إباحة الصلاة بدون عدد معين ومما يدل على هذا المعنى من القرآن قوله تعالى : _ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ _ (البقرة: من الآية148) . فالأمر بالتسابق إلى الخيرات عام يشمل النفل في الصلاة وغيره . ثانيا : أن الناس كانوا يصلون في زمن النبي وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر متفرقين ، هذا يصلي في بيته ، وهذا يصلي في المسجد ، وهذا يصلي وحده وهذا يصلي بصلاته الجماعة ولم يأمر النبي _ أحداً منهم بعدد لا يتجاوزه . فقد روى البخاري من طريق عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى قال : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لـه ما تقدم من ذنبه " قال بان شهاب : فتوفي رسول الله ﷺ والناس على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما . وعن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاعاً متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاة الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال : " نعم البدعة هذه " ، والتي ينامون عنها أفضل. ثالثاً : أن تسمية أمير المؤمنين عمر رضيي الله عنه لجمع الناس على قارئ واحد بدعة وإنما هو من باب التجوّز لهضم نفسه وإلا فصلاة النبي ﷺ بالناس الذين حضروا معه أتموا به فيها ثلاث ليال كافية لشرعية الجماعة في التراويح ولا ينافي الشرعية امتناعه عن الخروج إليهم في الليلة الرابعة لأنه قد بين السبب في عدم خروجه وهو خشية أن تكتب عليهم. رابعاً : قد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يصليا بالناس التراويح إحدى وعشرين ركعة ، فكانوا يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر . وأخرج عبد الرزاق أيضاً عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : كنا ننصرف من القيام على عهد عمر رضيي الله عنه. وقد دنا فروع الفجر ، وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرون ركعة . وأخرج ابن نصر في قيام الليل عن السائب بن يزيد أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة ويقرؤون بالمئين من القرآن وأنهم كانوا يعتمدون على العصي في زمان عمر بن الخطاب . والجمع بين هذه الآثار : أنهم كانوا أحياناً يوترون بواحدة فتكون إحدى وعشرين ، وأحياناً يوترون بثلاث فتكون ثلاثاً وعشرين ، وأحياناً يحكي التراويح بدون وتر ، ولا يعكر عليه ما رواه محمد بن نصر عن السائب بن يزيد . أمر عمر ن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وفي رواية : كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح . فالجمع بين هذه الآثار ممكن بحمل هذا الأثر والذي قبله على البدء والآثار المتقدمة على النهاية وتوضيح ذلك والله أعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرهم أن يقوموا بإحدى عشرة أو ثلاث عشرة يطيلون فيها القيام والركوع والسجود اقتداء بالنبي ﷺ في صلاته ، وكانوا يصلون معظم الليل فطال عليهم ذلك وهذا ما يوحي به قوله : " وكانوا يعتمدون على العصي من طول القيام " فلعله قد اشتكى بعضهم إلى عمر فأمرهم أن يضعفوا عدد الركعات ليخف عليهم القيام فبدلاً من عشر وركعة أو ثمان وثلاث أو عشر وثلاث يصلون عشرين وركعة أو عشرين وثلاثاً ليكون في ذلك دفعاً لهمة الضعيف وإشباعاً لنهمة الراغب في العبادة وجمعاً بين مصلحة هؤلاء وهؤلاء فلو أبقى الأمر على ما كان عليه أولا من طول القيام والركوع والسجود مع عدد الركعات لا نقطع ضعيف الهمة ولو التزم تقصير القيام الركوع والسجود مع عدد الركعات التي علمت عن النبي صلى وهي الإحدى عشرة والثلاث عشرة لبقي قوي الإيمان الراغب في العبادة المطبق لها يطلب الزيادة فكان في زيادة عدد الركعات وتخفيف القيام والقعود والركوع والسجود علاج حكيم يجمع بين رغبة الفريقين ولا يفوت على أحد منهم شيئاً ، وهذا إنما يكون حسناً في حق من احتاج إلى تكثير عدد الركعات ليشغل وقتاً طويلاً من الليل في العبادة من دون مشقة تحصل لـه بطول القيام . أما من كان يصلي عشرين ركعة بجزء أو نصف جزء مثلاً فالأفضل له أن يصلي ثمان ركعات بجزء أو نصف جزء مثلاً ويوتر بثلاث فإن أدى الأمر بالمصلي إلى الاستعجال المخل مع التزام عدد الركعات عشرين أو ثلاثين ، أو غير ذلك يرى أنه لزاماً عليه أن يأتي بها ولو بالإخلال بالركوع والسجود والاعتدال فأخشى على مثل هذا أن يكون آثماً لا مثاباً ، ومأزوراً لا مأجوراً ، فالله قد خاطب عباده باتباع رسوله ﷺ دون غيره ، وأمرهم بطاعته دون سواه . ولسنا ننكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمر النبي ﷺ بطاعتهم واتباع سنتهم حيث يقول عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ . إلا أن عمر رضي الله عنه لم يأمر بزيادة الركعات التي زادها إلا للعلة التي سبرناها سابقاً وهي المشقة الحاصلة بطول القيام لأنهم ما كانوا يخرجون من الصلاة إلا في وجاه الصبح أي الصبح الأول الذي يحل فيه السحور كما في الأثر السابق وورد في بعض الروايات أنهم كانوا إذا خرجوا يستعجلون الخدم بالسحور خوف الفوات بطلوع الفجر الثاني . ومن ما فصلته تعلم أن فعل النبي ﷺ هو الأكمل والأفضل وأن الزيادة عليه داخلة تحت عمومات القول فلا مكان للتبديع ، وأن من التزم عدداً معيناً كالعشرين أو ست وثلاثين أو غير ذلك كالتزام الفريضة ولو أخل بالقراءة أو الركوع والسجود فإنه قد أساء ويخشى عليه أن يبلغ به ذلك إلى شرك التحكيم . وقد زعم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – في صلاة التراويح له وهي الرسالة الثانية من كتاب تسديد الإصابة له ، أن التراويح لم يثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاها عشرين ثم قال : تحقيق الأخبار الواردة في ذلك وبيان ضفعها ... ثم ساق الآثار الواردة في ذلك وضعفها جميعاً بتحامل شديد . وأنا مع احترامي للشيخ الألباني – رحمه الله – وحبي إياه ؛ أرى أنه قد جازف في ذلك ، إذ أن الأمر بالعشرين قد ثبت بنقل العدل عن العدل المؤيد بالعمل المستمر على ذلك الذي تؤكده الآثار المستفيضة التي تدل أن السلف قد فهموا أن النفل المطلق لا تحديد فيه ؛ بل يترك لكل إنسان فيه طاقته وجهده ، وأن ما نقل عن النبي ﷺ من الإحدى عشرة والثلاث عشرة مع طول القيام والركوع والسجود هو الأفضل وأن من خفف القيام والركوع والسجود وكثر عدد الركعات فإن ذلك جائز له ما لم يصل التخفيف إلى حد الإخلال الممقوت . أما كون العدد الذي صلاه النبي ﷺ هو اللازم الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه أو يقصر عنه فهذا مردود بأمور : أولاً : أن النبي ﷺ لم يأمر أحداً بالتزام ذلك العدد الذي كان يصليه صلوات الله وسلامه عليه فلا يزيد عليه ولا يقصر عنه ولو فعل لتحول التطوع إلى فرض وهذا ما كان النبي ﷺ يحذره على أمته . ثانياً : أنا قد قدمنا نقل أحاديث صحاح تدل على أن النفل المطلق لا تحديد فيه بل هو موكول إلى الطاقة والجهد والرغبة في العبادة . ثالثاً : أن النبي ﷺ قد أخذ بالأفضل مع التوسط في العدد واليسير الذي يلائم الكثرة الكاثرة من أمته من دون مشقة تحصل عليهم وقد كان صلوات الله وسلامه عليه يحب اليسر وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما . رابعاً : أنه لا يختلف اثنان فيما أعلم أنه لو قام أحد الليل كله بركعتين أو أربع لاعتبر قد قامه ولا يستطيع أحد أن يقول أنه مبتدع أو مخالف للسنة أو عاص لله ، وقد ورد عن بعض السلف أنهم قرأوا القرآن كله في ليلة وفي ركعة أو ركعتين . خامساً : أن أهل العلم قد اختلفوا هل الأفضل طول القيام والركوع والسجود مع قلة الركعات أو تكثير الركعات مع تخفيف القيام والركوع والسجود ، وفي ذلك حديثان مختلفان وقد نقل محمد بن نصر عن الشافعي أنه فضل طول القيام والركوع والسجود ، وأما الإمام أحمد فقد نقل عنه التوقف . سادساً : من المعلوم أن طاقات الناس تختلف في القوة والضعف وفي شرعية الوجهين تيسير على أمة محمد ليعمل كل واحد أو كل جماعة على قدر حالهم فالذين يشق عليهم طول القيام ويريدون مع ذلك أن يشغلوا وقتاً طويلاً في العبادة ، فلا شيء عليهم أن يكثروا عدد الركعات ويقصروا القيام ، وهذا في رأيي هو الذي حمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأمر بإضعاف عدد الركعات من عشر إلى عشرين مع الوتر ليجمع بين المصلحتين فيكون في ذلك دفعاً لهمة الضعف وإشباعاً لنهمة الراغب في العبادة . سابعاً : أن حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " يحمل على الكيف والكم في الفرائض والسنن الرواتب ، وأعنى بالكيف والكم أي كيف نصليها وكم نصليها ؟ فلا يجوز أن نصلي المغرب أربعاً ، ولا أن نصليها ثلاثاً بتشهد واحد وسلام . أما النفل المطلق كصلاة الليل فيحمل فيه حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " أن المراد به الكيف لا الكم ، أي فالأمر فيه محمول على الكيفية لا على العدد ؛ لأن الأحاديث الدالة على عدم التحديد فيه مخصصة لهذا الحديث على وجوب التأسي في الكيفية لا في العدد ، ولا مانع أن يكون الأفضل التأسي به أيضاً في العدد فيكون صارفاً له من الوجوب إلى الندبية . والله أعلم . ثامناً : أنه لا منافاة بين المرفوع والموقوف إذ الجمع ممكن بحمل ما ثبت عن النبي ﷺ من الإحدى عشرة والثلاث عشرة على الأفضل ، وما ثبت عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من الأمر بالعشرين على جواز الزيادة على ذلك إذا دعت الحاجة . وقد عُلم من القاعدة الأصولية أنه لا يجوز الانتقال إلى الترجيح إلا عند تعذر الجمع ؛ ذلك لأن الجمع يعمل فيه بالنصين معاً ، أما الترجيح لأحدهما فلابد فيه من إلغاء أحد النصين بتضعيفه ، أو الحكم بشذوذه ، أو نسخه . ومن هنا نعلم أن تضعيف هذه الآثار وتلمس القدح في رواتها العدول أمر لا ينبغي . تاسعاً : وإلى القارئ الكريم رد ما قدح به الشيخ الألباني – رحمه الله – في رواية العشرين ، والله يعلم أني لم أكتب هذا الرد انتصاراً لمذهب ولا تحيزاً إلى أحد ، ولكن كتبته بياناً للحق الذي ظهر لي بعد البحث والتأمل للنصوص ، مع أني قد كنت برهة من الزمن أعتقد ما اعتقده الشيخ الألباني في هذه المسألة . فأقول : روى مالك في الموطأ من طريق محمد بن يوسف الكندي عن السائب ابن يزيد الكندي أنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداري – رضي الله عنهما – أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر . قال الشيخ الألباني في صلاة التراويح (ص52) : قلت : إسناده صحيح جداً ، فإن محمد بن يوسف شيخ مالك ثقة اتفاقاً واحتج به الشيخان ، والسائب بن يزيد صحابي حج مع النبي ﷺ وهو صغير . وقد تابع مالكاً على الإحدى عشرة ركعة يحيى بن سعيد القطان عند أبي شيبة ، وإسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد ومحمد بن إسحاق عند النيسابوري ، وإسماعيل بن جعفر المدني عند ابن خزيمة ، كلهم قالوا عن محمد بن يوسف به إلا ابن إسحاق ، فإنه قال ثلاث عشرة . اهـ. وقلت : فإذا كان مالك قد روى عن محمد بن يوسف الإحدى عشرة وتابعه جماعة من الثقات على ذلك ، فقد خالفه داود بن قيس الفراء أبو سليمان القرشي مولاهم المدني عند عبد الرزاق في المصنف (4/260) فقال عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر . وإذا كان مالك مجمع على توثيقه محتج به في الصحيحين فإن داود بن قيس مجمع على توثيقه محتج به في الصحيحين ، وقد أثنى عليه أئمة هذا الشأن ووثقوه . أما قوله – رحمه الله - : ولا يجوز أن تعارض هذه الرواية – يعني رواية مالك المتقدمة – الصحيحة بما رواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف بلفظ إحدى وعشرين لظهور خطأ هذه الرواية من وجهين : الأول : مخالفته لرواية الثقة المتقدمة بلفظ إحدى عشرة . الثاني : أن عبد الرزاق قد تفرد بروايته على هذا اللفظ ،فإن سلم ممن بينه وبين محمد بن يوسف فالعلة منه – أعني عبد الرزاق - لأنه وإن كان ثقة حافظاً ومصنفاً مشهوراً فقد كان عمي في آخر عمره ، فتغير . والجواب على هذا سهل : فإن عبد الرزاق ثقة مخرّج له في الصحيحين ، وقد خرج هذا الأثر في أول كتابه المصنف الذي هو أكثر من عشر مجلدات ضخام ، فهل يستطيع الشيخ أن يقول إنه ألف كتابه هذا بعد أن عمي ؟ لا إخاله يقول ذلك ، والذي يقطع به أنه قد ألف كتابه هذا في وقت قوته وصحته والاختلاط إنما حصل لـه بعد أن عمي في آخر عمره الذي بلغ خمساً وثمانين سنة . ومن جهة أخرى فإن كان عبد الرزاق قد تفرد بهذا الرواية عن داود بن قيس فإن داود بن قيس لم يتفرد بها عن محمد بن يوسف ، والدلالة على ذلك قول عبد الرزاق – رحمه الله – في هذا السند عن داود بن قيس وغيره ، وكأنه لم يذكر أسماء الذين شاركوا داود بن قيس للاختصار ، واكتفى بعدالة داود بن قيس لشهرتها . ثانياً : أن محمد بن يوسف قد تفرد براوية الإحدى عشر التي رواها مالك عنه عن السائب ولم يتفرد برواية الإحدى والعشرين التي رواها عنه داود بن قيس بل رواها معه يزيد بن عبد الله بن خصيفة والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب ، عن السائب رضي الله عنه ، فكيف نحكم بالشذوذ على روايته التي وافق فيها ثقتين ، ونجعل المحفوظ ما انفرد به ؟ لا أشك أن مثل هذا التصرف يتنافى مع القواعد الحديثية . فقد روى البيهقي في السنن من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة ، قال : وكانوا يقرأون بالمئين ، وكانوا يتوكأون على عصيهم في عهد عثمان رضي الله عنه من شدة القيام . وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق الأسلمي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر ، وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة . قلت : ولا تنافي بين رواية العشرين ورواية الإحدى وعشرين ورواية الثلاث والعشرين ، فرواية العشرين بحذف الوتر ورواية الإحدى وعشرين باعتبار الوتر ركعة ، ورواية الثلاث والعشرين باعتبار الوتر ثلاث ركعات . ثالثاً : أن القاعدة في رواية الثقة إذا خالفت الثقات أنها إما تكون منافية لرواية من هو أوثق بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، ففي هذه الحالة يحكم بشذوذها ، وإما أن تكون غير منافية فيكون حكمها حكم حديث مستقل ، فتقبل سواء كانت مقيدة لإطلاق المحفوظ أو مخصصة لعمومه ، أو تفيد حكماً مستقلاً ، وقد قبل أهل العلم زيادة مالك – رحمه الله – في حديث زكاة الفطر حيث قال غيره : على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير ، وزاد هو : من المسلمين ، فكانت مقيدة لإطلاق المحفوظ ، فلم يوجبوا الزكاة إلا على المسلمين من الأرقاء . فإذا قلنا أن داود بن قيس قد تفرد بهذه الزيادة وهي رواية الإحدى وعشرين فإن تفرده لا يعتبر شذوذاً ولو كان وحده ؛ لأن روايته لاتنافي المحفوظ ، وقد قالوا : زيادة الثقة مقبولة ، أما وقد وافقه غير محمد بن يوسف وعضدت هذه الرواية عن محمد بن يوسف رواية يزيد بن خصيفة وهو ثقة مخرج له في الصحيحين ، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب وهو ثقة خرّج له مسلم فكيف نحكم عليها بالشذوذ ؟ . رابعاً : فإن قيل أن محمد بن يوسف ابن أخبت السائب فتقدم روايته لأنه أضبط لحديث خاله ، قلنا : ورواية يزيد بن عبد الله خصيفة أيضاً لا تقل عن رواية محمد بن يوسف في الضبط ؛ لأنه ابن ابن أخيه فخصيفة جد يزيد هو أخو السائب كما جزم بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء ، وذكر الحافظ في التهذيب عن ابن عبد البر غير مجزوم به ، وعلى هذا فلا يكون أحدهما أولى من الآخر بالضبط لحديثه . خامساً : ولرواية العشرين شاهدٌ من حديث أبي جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي ابن كعب أن عمر أمر أبيّاً أن يصلي بالناس في رمضان فقال إن الناس يصومون ولا يحسنون أن يقرأوا فلو قرأت القرآن عليهم بالليل ، فقال يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن ، فقال قد علمت ولكنه أحسن فصلى بهم عشرين ركعة . ولكن هذا الأثر ضعفه الألباني بأبي جعفر الرازي عيسى بن ماهان وهو وإن كان فيه كلام إلا أن الكلام فيه كله يدور حول سوء حفظه وكثرة وهمه ، ولم يقدح أحد من علماء الجرح والتعديل في عدالته ، ومثل هذا لا يوجب رد روايته ولكن يوجب التوقف فيما يرويه حتى يوجد له شاهد ، فإن وجد لـه شاهد علم أنه مما حفظه ولم يخطئ فيه كما هو معلوم من علم المصطلح . سادساً : أن رواية العشرين قد أيدتها آثار كثيرة فمنها أثر عن علي من طريق عبد الله بن قيس عن شُتير بن شكل وكان من أصحاب علي رضي الله عنه أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث ، وفي ذلك قوله . ومنها أثر عن أبي الحسناء عن علي بمعناه وأبو الحسناء مجهول ، فإن كانت جهالته جهالة حال فقد تقوى بالآثار الأخرى ، ورواه عنه أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان عند البيهقي وهو ضعيف ، وعمرو بن قيس لعله الملائي عند ابن أبي شيبة ، وعمرو بن قيس ثقة خرّج له مسلم . ومنها أثر عن علي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي ، وفي سنده عطاء الخراساني ، قال في التقريب صدوق يهم ويرسل ويدلس كثيراً . ومنها أثر عن عبد الله بن مسعود من طريق زيد بن وهب ولفظه : كان يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل ، قال الأعمش : كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث وسنده صحيح . ومنهما أثر عن يزيد بن رومان : كان الناس يقومون في رمضان بعشرين ركعة ويوترون بثلاث ، رواه في الموطأ وسنده صحيح . ومنها أثر عن سويد بن غفلة من طريق أبي الخصيب قال : كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة ، وسنده صحيح . وآثار أخرى عن محمد بن سيرين ، ووهب بن كيسان ، وصالح مولى التوأمة ، ونافع ، وسعيد بن جبير ، وزرارة بن أوفى ، والحسن البصري ، وأبي مجلز وغيرهم . والخلاصة : فإن هذه الآثار وإن كان في بعضها ضعفٌ ، وفي بعضها انقطاع إلا أنها كلها مروية عن التابيعن ، إما من فعلهم أو حكاية فعل عن قدماء الصحابة كعمر وعلي وأبيّ وعبد الله بن مسعود ومجموعة يعطي دلالة قوية على صحة ما نقل عن عمر رضي الله عنه للأمور الآتية : الأول : أن الانقطاع بين الصحابي والتابعي فيه احتمال أن يكون الواسطة صحابي لذلك فهو في حكم المرسل ، وقد قالوا عن المرسل هو مرفوع التابعي وجعلوه مما يجب التوقف فيه ، حتى يوجد له عاضد مثله في القوة يرفعه من وهدة التوقف إلى أدنى درجات القبول . الثاني : أن القدماء كان الإرسال في غير الحديث النبوي عندهم كثير ، لأنهم كانوا يقصدون به حكاية الفعل لا الرواية فيروى كذلك . الثالث : أن هؤلاء التابعين الأخيار الذين صح عنهم أنهم صلوا التراويح عشرين أو أكثر ، لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن صح عندهم عن الصحابة إما بالمشاهدة أو بالنقل . الرابع : وهو الذي سوغ هذه الزيادة عند الجميع في اعتقادي ، وهو عدم التحديد في النفل المطلق ومنه قيام الليل في رمضان أو في غيره قال تعالى : _ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً _ (المزمل:1-4) . وقد قال النبي ﷺ " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فعلقه بمجرد القيام من غير تحديد بعدد ، وقد تقدم الاستدلال على هذه الفقرة بما فيه كفاية . تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ تَأْلِيف فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2] [ المجلد الثاني ] http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 06-05-2015 الساعة 05:29AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
شرح احاديث عمدة الاحكام لفضيلة الشيخ العلامه احمد بن يحيى النجمي -رحمه الله- | ام عادل السلفية | الأحاديث الصحيحة فقهها وشرحها | 75 | 28-07-2015 09:53PM |
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي | ام عادل السلفية | مكتبة معرفة السنن والآثار العلمية | 1 | 14-02-2015 01:42AM |
بشرى ...حمل التعليقات على عمدة الأحكام للسعدي.pdf | أبو عبد الودود سعيد الجزائري | مكتبة معرفة السنن والآثار العلمية | 1 | 22-05-2011 12:55PM |
«عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر» للشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله | طارق بن حسن | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 3 | 16-09-2010 06:54AM |
ردع الشيخ المحدث مقبل الوادعي لجناية علي رضا على كتب العلل واستخفافه ببعض المتقدمين | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر الجرح والتعديل | 0 | 05-05-2005 01:07AM |