#31
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [37] وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما ، عن النَّبيِّ ﷺ ، قَالَ : « مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ ، وَلا حَزَنٍ ، وَلا أذَىً ، وَلا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . و« الوَصَبُ » : المرض . في هذا الحديث : أَنَّ الأمراض وغيرها من المؤذيات مُطهرةٌ للمؤمن من الذنوب ، فَيَنْبَغِي الصَّبرُ على ذلك ليحصل له الأَجرُ ، والمصاب مَنْ حُرِم الثواب . [38] وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : دخلتُ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وهو يُوعَكُ ، فقلت : يَا رسُولَ الله ، إنَّكَ تُوْعَكُ وَعْكاً شَدِيداً ، قَالَ : « أجَلْ ، إنِّي أوعَكُ كمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُمْ » . قلْتُ: ذلِكَ أن لَكَ أجْرينِ ؟ قَالَ : « أَجَلْ ، ذلِكَ كَذلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَ( الوَعْكُ ) : مَغْثُ الحُمَّى ، وَقيلَ : الحُمَّى . أَجَلْ : جوابٌ مثل نعم ، إِلا أَنَّه أَحسن من نعم في التصديق ، ونعم ، أَحسن في الاستفهام . وفي هذا الحديث : فضل الصبر على الأَمراض والأَعراض ، وأَنها تُكَفِّر السيِّئات ، وتحط الذنوب . وفي الحديث الآخر : « أّشدُّ الناس بلاءً الأَنبياء ، ثم الأَمثل ، فالأَمثل » . ----------- المصدر : http://waqfeya.com/book.php?bid=3723 التصفية والتربية TarbiaTasfia@ |
#32
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [39] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ » . رواه البخاري . وَضَبَطُوا « يُصِبْ » بفَتْح الصَّاد وكَسْرها . في هذا الحديث : أَنَّ المؤمن لا يخلو من عِلَّة أَو قلة ، أَو ذلّة ، وذلك خير له حالاً ومآلاً . قال الله تعالى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة (155) ]. [40] وعن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فاعلاً ، فَليَقُلْ : اللَّهُمَّ أحْيني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيراً لِي ، وَتَوفّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيراً لي » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : النهي عن تمنِّي الموت جزعًا من البلاء الدنيوي ، بل يصبر على قدر الله ويسأَله العافية ، ويفوِّض أَمره إِلى الله . |
#33
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [41] وعن أبي عبد الله خَبَّاب بنِ الأَرتِّ رضي الله عنه قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رسولِ الله ﷺ وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الكَعْبَةِ ، فقُلْنَا : أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ألا تَدْعُو لَنا ؟ فَقَالَ : « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ في الأرضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نصفَينِ ، وَيُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَديدِ مَا دُونَ لَحْمِه وَعَظْمِهِ ، مَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأَمْر حَتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَموتَ لا يَخَافُ إلا اللهَ والذِّئْب عَلَى غَنَمِهِ ، ولكنكم تَسْتَعجِلُونَ » . رواه البخاري . وفي رواية : « وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينا مِنَ المُشْرِكِينَ شدَّةً » . في هذا الحديث : مَدْحُ الصبر على العذاب في الدين ، وكراهة الاستعجال . قال الله تعالى : ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾ [ البقرة (214) ] . |
#34
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [42] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله ﷺ نَاساً في القسْمَةِ ، فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ ، وَأَعطَى نَاساً مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ . فَقَالَ رَجُلٌ : واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا ، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ ، فَقُلْتُ : وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله ﷺ ، فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ . ثُمَّ قَالَ : « فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ ؟ » ثُمَّ قَالَ : « يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر » . فَقُلْتُ : لا جَرَمَ لا أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثاً . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَوْلُهُ : « كالصِّرْفِ » هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ : وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر . في هذا الحديث : استحبابُ الإِعراض عن الجاهل والصفح عن الأَذى والتأَسِّي بمن مضى من الصالحين ، قال الله تعالى : ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ﴾ [ الفرقان (63) ] . [43] وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ » . وَقالَ النَّبيُّ ﷺ : « إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث حسن ». في هذا الحديث : الحثُّ على الصبر على ما تجري به الأَقدار ، وأَنه خيرٌ للناس في الحال والمآل ، فمن صبر فاز ، ومن سخط فاته الأَجر وثبت عليه الوِزْر ، ومضى فيه القدر . |
#35
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [44] وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ رضي الله عنه يَشتَكِي ، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ ، فَقُبِضَ الصَّبيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ ، قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي ؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ ، قَالَتْ : وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله ﷺ فَأخْبَرَهُ ، فَقَالَ : « أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا » ، فَوَلَدَتْ غُلاماً ، فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ : احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ ﷺ ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَراتٍ ، فَقَالَ : « أَمَعَهُ شَيءٌ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، تَمَراتٌ ، فَأخَذَهَا النَّبيُّ ﷺ فَمَضَغَهَا ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبدَ الله . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية للبُخَارِيِّ : قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ : فَرَأيْتُ تِسعَةَ أوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ ، يَعْنِي : مِنْ أوْلادِ عَبدِ الله المَولُودِ . وَفي رواية لمسلمٍ : مَاتَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ مِنْ أمِّ سُلَيمٍ ، فَقَالَتْ لأَهْلِهَا : لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْه عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلِكَ ، فَوَقَعَ بِهَا . فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وأَصَابَ مِنْهَا ، قَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، أَرَأَيتَ لو أنَّ قَوماً أعارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ ، أَلَهُمْ أن يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ : لا ، فَقَالَتْ : فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ ، قَالَ : فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : تَرَكْتِني حَتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ، ثُمَّ أخْبَرتني بِابْنِي ؟! فانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رسولَ الله ﷺ فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : « بَارَكَ اللهُ في لَيْلَتِكُمَا » ، قَالَ : فَحَمَلَتْ . قَالَ : وَكانَ رسولُ الله ﷺ في سَفَرٍ وَهيَ مَعَهُ ، وَكَانَ رسولُ الله ﷺ إِذَا أَتَى المَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لا يَطْرُقُهَا طُرُوقاً فَدَنَوا مِنَ المَدِينَة ، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ ، وانْطَلَقَ رسولُ الله ﷺ . قَالَ : يَقُولَ أَبُو طَلْحَةَ : إنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أنْ أخْرُجَ مَعَ رسولِ الله ﷺ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى ، تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أجدُ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا وَضَرَبَهَا المَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلدَت غُلامَاً . فَقَالَتْ لِي أمِّي : يَا أنَسُ ، لا يُرْضِعْهُ أحَدٌ حَتَّى تَغْدُو بِهِ عَلَى رسولِ الله ﷺ ، فَلَمَّا أصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ الله ﷺ . وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيثِ . في هذا الحديث : فَضْلُ الصبر والتسليم لأَمر الله تعالى ، وأَنِّ مَنْ فعل ذلك رجي له الإِخلاف في الدنيا ، والأَجر في الآخرة كما في الدُّعاء المأثور : « ( اللهم أَجرني في مصيبتي ، واخلف لِي خيرًا منها » . وفيه : التسلية عن المصائب ، وتزين المرأَة لزوجها ، واجتهادها في عمل مصالحه ، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورةُ إليها ، ولم يترتب عليها إِبطالُ حق . وفيه : أَنَّ مَنْ ترك شيئًا لله عوضه اللهُ خيرًا منه . |
#36
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [45] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله ﷺ قَالَ : « لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « وَالصُّرَعَةُ » : بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ مَنْ يَصْرَعُ النَّاسَ كَثيراً . في هذا الحديث : مَدْح من يملك نفسه عند الغضب . قال الله تعالى : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ آل عمران (134) ] . والغضب : جماع الشر ، والتحرز منه جماع الخير ، وقال رجل للنبي ﷺ : أوصني . قال : « لا تغضب » ، فردَّد مرارًا . قال : « لا تغضب » . وقال عمر بن عبد العزيز : قد أَفْلح مَنْ عُصِم من الهوى ، والغضب ، والطمع . [46] وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ جالِساً مَعَ النَّبيّ ﷺ ، وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ ، فَقَالَ رَسُول اللهِ ﷺ : « إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، ذَهَبَ عنْهُ مَا يَجِدُ » . فَقَالُوا لَهُ : إنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ : « تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : أن الشيطان هو الذي يثير الغضب ويشعل النار ، وأن دواءه الاستعاذة . قال الله تعالى : ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الاعراف (200) ] . |
#37
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [47] وعن معاذِ بنِ أَنسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ ، قَالَ : « مَنْ كَظَمَ غَيظاً ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ » . رواه أَبو داود والترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن ) . رُوى أنَّ الحسين بن علي رضي الله عنهما كان له عبدٌ يقوم بخدمته ويقرب إليه طهره ، فقرب إليه طهره ذات يوم في كُوز ، فلما فَرَغ الحسين من طهوره رفع العبدُ الكوز من بين يديه ، فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها ، فنظر إليه الحسين ، فقال العبد : ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ قال : قد كظمتُ غيظي . فقال : ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ . قال : قد عفوت عنك . قال : ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ قال : اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى . [48] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبي ﷺ : أوصِني . قَالَ : « لا تَغْضَبْ » فَرَدَّدَ مِراراً ، قَالَ : « لا تَغْضَبْ » . رواه البخاري . هذه وصيةٌ وجيزة نافعة ؛ لأَنَّ الغضب يجمع الشرَّ كله ، وهو باب من من مداخل الشيطان . وفي الحديث دليلٌ على عظم مفسدة الغضب ، وما ينشأ منه ؛ لأَنه يُخرج الإِنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل ، ويفعل المذموم والقبيح . |
#38
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [49] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : « مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : ( حديث حسن صحيح ) . في هذا الحديث : أنَّ المصائبَ والمتاعب النازلة بالمؤمن الصابر من المرض ، والفقر ، وموت الحبيب ، وتلف المال ، ونقصه : مكفَّرات لخطاياه كلها . [50] وعن ابْنِ عباسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ وضي الله عنه ، وَكَانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجْلِس عُمَرَ رضي الله عنه وَمُشاوَرَتِهِ كُهُولاً كانُوا أَوْ شُبَّاناً ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ : يَا ابْنَ أخِي ، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ ، فاسْتَأذَن فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ . فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : هِي يَا ابنَ الخَطَّابِ ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ . فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ بِهِ . فَقَالَ لَهُ الحُرُّ : يَا أميرَ المُؤْمِنينَ ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ ﷺ : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [ الأعراف (199) ] وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ ، واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا ، وكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى . رواه البخاري . في هذا الحديث : أَنَّه ينبغي لولي الأَمر مجالسة القراء والفقهاء ليذكروه إذا نسي ، ويعينوه إذا ذكر . وفيه : الحِلْم والصفح عن الجهال . قال جعفر الصادق : ليس في القرآن آيةٌ أَجمع لمكارم الأخلاق من هذه . ورُوي أَنَّ جبريل قال للنبي ﷺ : « إِنَّ ربَّك يأمرك أن تصل مَنْ قطعك ، وتُعطي مَنْ حرمك ، وتعفوَ عَمَّن ظلمك » . والخطاب ﷺ يدخل في حكمه أُمَّته . |
#39
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [51] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رَسُول الله ﷺ قَالَ : « إنَّهَا سَتَكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها ! » قَالُوا : يَا رَسُول الله ، فَمَّا تَأْمُرُنا ؟ قَالَ : « تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « وَالأَثَرَةُ » : الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ . في هذا الحديث : الصَّبْر على جَور الولاة ، وإِن استأثروا بالأَموال ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . [52] وعن أبي يحيى أُسَيْد بن حُضَير رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ قَالَ : يَا رسولَ الله ، ألا تَسْتَعْمِلُني كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاناً ، فَقَالَ : « إنكُمْ سَتَلْقَونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوني عَلَى الحَوْضِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « وَأُسَيْدٌ » : بضم الهمزة . « وحُضيْرٌ » : بحاءٍ مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة ، والله أعلم . قيل : إِنَّ وجه المناسبة بين الجواب والسؤال أَنَّ من شأن العامل الاستئثار إِلا مَنْ عصم الله ، فَأشفق عليه ﷺ مِن أَن يقع فيما يقع فيه بعضُ من يأتي بعده من الملوك ، فَيَسْتأثر على ذوي الحقوق ، وهذا من جملة معجزاته ﷺ فقد وقع كما أَخبر . [53] وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله ﷺ في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ ، فَقَالَ : « يَا أيُّهَا النَّاسُ ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا ، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ » . ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ ﷺ : « اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وبالله التوفيق . في هذا الحديث : الدعاء حال الشدائد ، والخروج من الحول والقوة ، والنهي عن تمنِّي لقاء العدو ، والأَمر بالصبر والثبات عند اللقاء . وفيه : الحضُّ على الجهاد . وفيه : الجمع بين الأَخذ بالأَسباب ، والتوكُّل على الله تعالى . |
#40
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 4- باب الصدق قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة (119) ] . أي : اتقوا الله بترك ما نهى عنه ، وكونوا مع الصادقين في نياتهم وأعمالهم وأقوالهم . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ﴾ [ الأحزاب (35) ] . أي : الصادقين في جميع الأحوال . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ﴾ [ محمد (21) ] . أي : لو صدقوا الله في الإيمان والطاعة . وأما الأحاديث : [54] فالأول : عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : « إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . البر : اسم جامع للخير كله . والفجور : الأعمال السيئة . قال القرطبي : حق على كل من فهم عن الله أن يلازم الصدق في الأقوال ، والإخلاص في الأعمال ، والصفاء في الأحوال . فمن كان كذلك لحق بالأبرار ، ووصل إلى رضاء الغفار . وقد أرشد تعالى إلى ذلك كله بقوله عند ذكر أحوال الثلاثة التائبين : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة (119) ] . |
#41
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [55] الثاني : عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما قَالَ : حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله ﷺ : « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ » . رواه الترمذي ، وَقالَ : « حديث صحيح » . قوله : « يَريبُكَ » هُوَ بفتح الياء وضمها : ومعناه اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ . معنى هذا الحديث : يرجع إلى الوقوف عند الشبهات ، ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه . وفيه إشارة إلى الرجوع إلى القلوب الطاهرة والنفوس الصافية عند الاشتباه ، فإن نفس المؤمن جبلت على الطمأنينة إلى الصدق ، والنفر من الكذب . [56] الثالث : عن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ t في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ ، قَالَ هِرقلُ : فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ - يعني : النَّبيّ ﷺ - قَالَ أبو سفيانَ : قُلْتُ : يقولُ : « اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ ، وَالصِّدْقِ ، والعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . الصدق من أشرف مكارم الأخلاق ، وهو محبوب عند الخالق والمخلوق . والعفاف : الكف عن المحارم ، وخوارم المروءة . |
#42
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [57] الرابع : عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد ، سهل بن حُنَيْفٍ وَهُوَ بدريٌّ رضي الله عنه : أنَّ النَّبيّ ﷺ قَالَ : « مَنْ سَأَلَ الله تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ الله مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » . رواه مسلم . في هذا الحديث : أنَّ من نوى شيئًا من أعمال البرّ صادقًا من قلبه أُثيب عليه ، وإن لم يتفق له ذلك . [58] الخامس : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « غَزَا نبيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهمْ فَقَالَ لِقَومهِ : لا يَتْبَعَنِّي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأةٍ وَهُوَ يُريدُ أنْ يَبْنِي بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلا أحَدٌ بَنَى بُيُوتاً لَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلادَها . فَغَزا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ : إِنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ فَجَاءتْ - يعني النَّارَ - لِتَأكُلَهَا فَلَمْ تَطعَمْها ، فَقَالَ : إنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ، فلْيُبايعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلةٍ رَجُلٌ ، فَلَزِقَتْ يد رجل بِيَدِهِ فَقَالَ : فِيكُمُ الغُلُولُ فلتبايعني قبيلتك ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فَجَاؤُوا بِرَأْس مثل رأس بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ ، فَوَضَعَهَا فَجاءت النَّارُ فَأكَلَتْها . فَلَمْ تَحلَّ الغَنَائِمُ لأحَدٍ قَبْلَنَا ، ثُمَّ أحَلَّ الله لَنَا الغَنَائِمَ لَمَّا رَأَى ضَعْفَنا وَعَجْزَنَا فَأحَلَّهَا لَنَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . « الخَلِفَاتُ » بفتحِ الخَاءِ المعجمة وكسر اللامِ : جمع خِلفة وهي الناقة الحامِل . في هذا الحديث : أنَّ فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبةِ البقاء . وفيه : أنَّ الأمور المهمّة لا ينبغي أن تفوَّض إلا لحازم فارغ البال لها . قال القرطبي : نهي النبيُّ قومه عن اتباعه على أحد هذه الأحوال ؛ لأنَّ أصحابها يكونون متعلقي النفوس بهذه الأسباب فتضعف عزائمهم ، وتفتر رغباتهم في الجهاد والشهادة ، وربّما يفرط ذلك التعلّق فيفضي إلى كراهة الجهاد وأعمال الخير . ومقصود هذا النبي ﷺ تفرغهم من العوائق والاشتغال إلى تمنَّي الشهادة بنيِّة صادقة ، وعزم حازم ، ليتحصَّلوا على الحظ الأوفر والأجر الأكبر . |
#43
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ [59] السادس : عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله ﷺ : « البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا ، وإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . في هذا الحديث : فضل الصدق والحث عليه ، وذم الكذب والتحذير منه ، وإنه سبب لذهاب البركة . وفيه : دليل على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري |
#44
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ 5- باب المراقبة قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [ الشعراء (218 ، 219) ]. يقول تعالى مخاطبًا لنبيه محمد ﷺ وتوكَّل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم إلى الصلاة ، وتقلُّبك راكعًا وقائمًا وساجدًا وقاعدًا في الساجدين – أي : المصلين – يعني : يراك إذا صلَّيت منفردًا وإذا صلَّيت في جماعة . والمراقبة هي أحد مقامَيْ الإحسان ، وهو : أنْ تعبد الله كأنَّك تراه ، فإنْ لم تكنْ تراه فإنه يراك . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾ [ الحديد (4) ] . أي : لا ينفكّ علمه عنكم . كم قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ المجادلة (7) ] وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ [ آل عمران (5) ] . يخبر تعالى أنه يعلم غيبَ السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [ الفجر (14) ]. قال ابن كثير : وقوله تعالى : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ قال ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد خلقه فيما يعملون ، وسيجازي كلاً بسعيه في الدنيا والآخرة ، وسيعرض الخلائقَ كلّهم عليه فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلاً بما يستحقّه ، وهو المنزّه عن الظلم والجور . وَقالَ تَعَالَى : ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [ غافر (19) ] . قال ابن كثير : يخبر عزَّ وجلّ عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حقَّ الحياء ، ويتَّقوه حقَّ تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه . والآياتُ في الْبَابِ كَثيرَةٌ مَعْلُومَةٌ . كقوله تعالى : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء وَلا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يونس (61) ] . وغيرها من الآيات . |
#45
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين) للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك (1313هـ 1376هـ باب المراقبة وأما الأحاديث : [60] فالأول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله ﷺ ذَاتَ يَومٍ ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ ﷺ ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ . وَقالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أخْبرني عَنِ الإسلامِ ، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : « الإسلامُ : أنْ تَشْهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسولُ الله ، وتُقيمَ الصَّلاةَ ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلاً » . قَالَ : صَدَقْتَ . فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقهُ ! قَالَ : فَأَخْبرنِي عَنِ الإِيمَانِ . قَالَ : « أنْ تُؤمِنَ باللهِ ، وَمَلائِكَتِهِ ، وَكُتُبهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَاليَوْمِ الآخِر ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ » . قَالَ : صَدقت . قَالَ : فأَخْبرني عَنِ الإحْسَانِ . قَالَ : « أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ » . قَالَ : فَأَخْبِرني عَنِ السَّاعَةِ . قَالَ : « مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ » . قَالَ : فأخبِرني عَنْ أمَاراتِهَا . قَالَ : « أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ » . ثُمَّ انْطَلقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ، ثُمَّ قَالَ : « يَا عُمَرُ ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ ؟ » قُلْتُ : اللهُ ورسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ : « فإنَّهُ جِبْريلُ أَتَاكُمْ يعْلِّمُكُمْ دِينَكُمْ » . رواه مسلم . ومعنى « تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا » أيْ سَيِّدَتَهَا ؛ ومعناهُ : أنْ تَكْثُرَ السَّراري حَتَّى تَلِدَ الأَمَةُ السُّرِّيَّةُ بِنْتاً لِسَيِّدِهَا وبنْتُ السَّيِّدِ في مَعنَى السَّيِّدِ وَقيلَ غَيْرُ ذلِكَ . وَ« العَالَةُ » : الفُقَراءُ . وقولُهُ : « مَلِيّاً » أَيْ زَمَناً طَويلاً وَكانَ ذلِكَ ثَلاثاً . هذا حديث عظيم ، مشتمل على جميع الأعمال الظاهرة والباطنة وعلومُ الشريعة راجعة إليه ، فهو كالأمَّ للسُّنَّة ، كما سُمَّيت الفاتحة : أم القرآن . |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله- | ام عادل السلفية | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 70 | 22-01-2015 03:24AM |
مشكلة الطلاق والزواج بنية الطلاق والاختلاع عند بعض الصالحين والصالحات | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر أصول الفقه وقواعده | 1 | 09-09-2011 07:14AM |
مجاهدة النفس §من كتاب رياض الصالحين § | أم العبدين الجزائرية | منبر الأسرة والمجتمع السلفي | 1 | 09-04-2010 05:44AM |
شرح مسائل الجاهلية | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 8 | 25-10-2007 06:33PM |