|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#16
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب صلاة التطوع اعلموا أن ربكم سبحانه وتعالى شرع لكم بجانب فرائض الصلوات التقرب إليه بنوافل الصلوات ; فالتطوع بالصلاة من أفضل القربات بعد الجهاد في سبيل الله وطلب العلم ; لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم على التقرب إلى ربه بنوافل الصلوات , وقال عليه الصلاة والسلام : استقيموا ولن تحصوا , واعلموا أن خير أعمالكم الصلاةوالصلاة تجمع أنواعا من العبادة ; كالقراءة , والركوع , والسجود , والدعاء , والذل , والخضوع , ومناجاة الرب سبحانه وتعالى , والتكبير , والتسبيح , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . وصلوات التطوع على نوعين : النوع الأول : صلوات مؤقتة بأوقات معينة , وتسمى بالنوافل المقيدة . والنوع الثاني : صلوات غير مؤقتة بأوقات معينة , وتسمى بالنوافل المطلقة . والنوع الأول أنواع متعددة , بعضها آكد من بعض , وآكد أنواعه صلاة الكسوف , ثم صلاة الاستسقاء , ثم صلاة التراويح , ثم صلاة الوتر , وكل من هذه الصلوات سيأتي عنه حديث خاص إن شاء الله تعالى . باب في صلاة الوتر وأحكامها ولنبدأ الآن بالحديث عن صلاة الوتر لأهميته , فقد قيل : إنه آكد التطوع , وذهب بعض العلماء إلى وجوبه , وما اختلف وجوبه ; فهو آكد من غيره مما لم يختلف في عدم وجوبه . اتفق المسلمون على مشروعية الوتر , فلا ينبغي تركه , ومن أصر على تركه ; فإنه ترد شهادته : قال الإمام أحمد : " من ترك الوتر عمدا ; فهو رجل سوء , لا ينبغي أن تقبل شهادته " , وروى أحمد وأبو داود مرفوعا : من لم يوتر , فليس منا والوتر : اسم للركعة المنفصلة عما قبلها , ولثلاث الركعات وللخمس والسبع والتسع والإحدى عشرة ( إذا كانت هذه الركعات متصلة بسلام واحد ) , فإذا كانت هذه الركعات بسلامين فأكثر , فالوتر اسم للركعة المنفصلة وحدها . ووقت الوتر يبدأ من بعد صلاة العشاء الآخرة ويستمر إلى طلوع الفجر , ففي " الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها ; قالت : من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ; من أوله , وأوسطه , وآخره , وانتهى وتره إلى السحر وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن جميع الليل وقت للوتر , إلا ما قبل صلاة العشاء , فمن كان يثق من قيامه في آخر الليل , فتأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل , ومن كان لا يثق من قيامه في آخر الليل ; فإنه يوتر قبل أن ينام , بهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ; فقد روى مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أيكم خاف ألا يقوم من آخر الليل ; فليوتر ثم ليرقد , ومن وثق بقيامه من آخر الليل ; فليوتر من آخره ; فإن قراءة آخر الليل مشهودة , وذلك أفضل وأقل الوتر ركعة واحدة ; لورود الأحاديث بذلك , وثبوته عن عشرة من الصحابة رضي الله عنهم , لكن الأفضل والأحسن أن تكون مسبوقة بالشفع . وأكثر الوتر إحدى عشرة ركعة , أو ثلاث عشرة ركعة , يصليها ركعتين ركعتين , ثم يصلي ركعة واحدة يوتر بها , لقول عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة , يوتر منها بواحدة رواه مسلم , وفي لفظ : يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة وله أن يسردها , ثم يجلس بعد العاشرة , ويتشهد ولا يسلم , ثم يقوم ويأتي بالحادية عشرة , ويتشهد ويسلم . وله أن يسردها , ولا يجلس إلا بعد الحادية عشرة , ويتشهد ويسلم . والصفة الأولى أفضل . وله أن يوتر بتسع ركعات , يسرد ثمانيا , ثم يجلس عقب الركعة الثامنة , ويتشهد التشهد الأول ولا يسلم , ثم يقوم , فيأتي بالركعة التاسعة , ويتشهد التشهد الأخير ويسلم . وله أن يوتر بسبع ركعات أو بخمس ركعات , لا يجلس إلا في آخرها , ويتشهد ويسلم , لقول أم سدرة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام وله أن يوتر بثلاث ركعات , يصلي ركعتين ويسلم , ثم يصلي الركعة الثالثة وحدها , ويستحب أن يقرأ في الأولى ب ( سبح ) , وفي الثانية : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ والثالثة : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقد تبين مما مر أن لك أن توتر : بإحدى عشرة ركعة , أو ثلاث عشرة , وبتسع ركعات , وبسبع ركعات , وبخمس ركعات , وبثلاث ركعات , وبركعة واحدة ; فأعلى الكمال إحدى عشرة , وأدنى الكمال ثلاث ركعات , والمجزئ ركعة واحدة . ويستحب لك أن تقنت بعد الركوع في الوتر ; بأن تدعو الله سبحانه , فترفع يديك , وتقول : " اللهم اهدني فيمن هديت . .. " إلخ الدعاء الوارد . باب صلاة التراويح وأحكامها مما شرعه نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان المبارك صلاة التراويح , وهى سنة مؤكدة , سميت تراويح لأن الناس كانوا يستريحرن فيها بين كل أربع ركعات , لأنهم كانوا يطيلون الصلاة . وفعلها جماعة في المسجد أفضل ; فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في المسجد ليالي , ثم تأخر عن الصلاة بهم , خوفا من أن تفرض عليهم ; كما ثبت في " الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها ; أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة , وصلى بصلاته ناس , ثم صلى من القابلة , وكثر الناس , ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة , فلم يخرج إليهم , فلما أصبح ; قال : قد رأيت الذي صنعتم , فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان , وفعلها صحابته من بعده , وتلقتها أمته بالقبول , وقال صلى الله عليه وسلم : من قام مع الإمام حتى ينصرف ; كتب له قيام ليلة وقال عليه الصلاة والسلام : من قام رمضان إيمانا واحتسابا , غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه . فهي سنة ثابتة , لا ينبغي للمسلم تركها . أما عدد ركعاتها , فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , والأمر في ذلك واسع . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . " له أن يصلي عشرين ركعة , كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعي , وله أن يصلي ستا وثلاثين , كما هو مذهب مالك , وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة ركعة , وكل حسن , فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره " . وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي ; صلى بهم عشرين ركعة , والصحابة رضي الله عنهم منهم من يقل ومنهم من يكثر , والحد المحدود لا نص عليه من الشارع . وكثير من الأئمة ( أي : أئمة المساجد ) في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها , ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود , والطمأنينة ركن , والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى , واتعاظه بكلام الله إذ يتلى , وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة , وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة ; لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل , ورب قليل خير من كثير , وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة , والسرعة المباحة هي التي لا يحصل معها إسقاط شيء من الحروف , فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة , لم يجز ذلك , وينهى عنه , وأما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه ; فحسن . وقد ذم الله الذين يقرءون القرآن بلا فهم معناه , فقال تعالى : وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ أي : تلاوة بلا فهم , والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة انتهى كلامه رحمه الله . وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع ; لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح , ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود , والطمأنينة ركن من أركان الصلاة , ويأخذون بالعدد الأقل من الركعات , فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة , وهذا تلاعب بالعبادة , فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم , ولا يحرموا أنفسهم ومن خلفهم من أداء التراويح على الوجه المشروع . وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#17
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في السنن الراتبة مع الفرائض اعلموا أيها الأخوان أن السنن الراتبة يتأكد فعلها ويكره تركها , ومن داوم على تركها ; سقطت عدالته عند بعض الأئمة , وأثم بسبب ذلك ; لأن المداومة على تركها تدل على قلة دينه , وعدم مبالاته .وجملة السنن الرواتب عشر ركعات , وبيانها كالتالي : - ركعتان قبل الظهر , وعند جمع من العلماء أربع ركعات قبل الظهر ; فعليه تكون جملة السنن الرواتب اثنتي عشرة ركعة . - وركعتان بعد الظهر . - وركعتان بعد المعرب . - وركعتان بعد العشاء . - وركعتان قبل صلاة الفجر بعد طلوع الفجر . والدليل على هذه الرواتب بهذا التفصيل المذكور هو حديث ابن عمر رضي الله عنهما ; قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر , وركعتين بعدها , وركعتين بعد المغرب في بيته , وركعتين بعد العشاء في بيته , وركعتين قبل الصبح , كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحد , حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر , صلى ركعتين متفق عليه . وفي " صحيح مسلم " عن عائشة رضي الله عنها : " كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي , ثم يخرج فيصلي بالناس , ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين فيؤخذ من هذا أن فعل الراتبة في البيت أفضل من فعلها في المسجد , وذلك لمصالح تترتب على ذلك ; منها : البعد عن الرياء والإعجاب ولإخفاء العمل عن الناس , ومنها : أن ذلك سبب لتمام الخشوع والإخلاص , ومنها : عمارة البيت بذكر الله والصلاة التي بسببها تنزل الرحمة على أهل البيت ويبتعد عنه الشيطان , وقد قال عليه الصلاة والسلام : اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم , ولا تجعلوها قبورا وآكد هذه الرواتب ركعتا الفجر ; لقول عائشة رضي الله عنها : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر متفق عليه , وقال صلى الله عليه وسلم : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهما وعلى الوتر في الحضر والسفر . وأما ما عدا ركعتي الفجر والوتر من الرواتب ; فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى راتبة في السفر غير سنة الفجر والوتر . وقال ابن عمر رضي الله عنهما لما سئل عن سنة الظهر في السفر ; قال : لو كنت مسبحا ; لأتممت وقال ابن القيم رحمه الله : " وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض , ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها , إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر " . والسنه تخفيف ركعتي الفجر ; لما في " الصحيحين " وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح ويقرأ في الركعة الأولى من سنة الفجر بعد الفاتحة : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثانية : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أو يقرأ في الأولى منهما : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الآية التي في سورة البقرة , ويقرأ في الركعة الثانية : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا الآية التي في سورة آل عمران . - وكذلك يقرأ في الركعتين بعد المغرب بالكافرون والإخلاص ; لما روى البيهقي والترمذي وغيرهما عن ابن مسعود , قال : " ما أحصي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وإذا فاتك شيء من هذه السنن الرواتب , فإنه يسن لك قضاؤه , وكذا إذا فاتك الوتر من الليل , فإنه يسن لك قضاؤه في النهار ; لأنه صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنهما , وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر , ويقاس الباقي من الرواتب في مشروعية قضائه إذا فات على ما فيه النص , وقال صلى الله عليه وسلم : من نام عن الوتر أو نسيه , فليصله إذا أصبح أو ذكر رواه الترمذي وأبو داود . ويقضى الوتر مع شفعه ; لما في " الصحيح " عن عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع ; صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة أيها المسلم ! حافظ على هذه السنن الرواتب ; لأن في ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , وقد قال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وفي المحافظة على هذه السنن الرواتب أيضا جبر لما يحصل في صلاة الفريضة من النقص والخلل , والإنسان معرض للنقص والخلل , وهو بحاجة إلى ما يجبر به نقصه ; فلا تفرط بهذه الرواتب أيها المسلم , فإنها من زيادة الخير الذي تجده عند ربك , وهكذا كل فريضة ليشرع إلى جانبها نافلة من جنسها , كفريضة الصلاة , وفريضة الصيام , وفريضة الزكاة , وفريضة الحج , كل من هذه الفرائض يشرع إلى جانبها نافلة من جنسها ; تجبر نقصها وتصلح خللها , وهذا من فضل الله على عباده , حيث نوع لهم الطاعات ليرفع لهم الدرجات , ويحط عنهم الخطايا . فنسأل الله لنا جميعا التوفيق لما يحبه ويرضاه , إنه سميع مجيب . .. باب في صلاة الضحى اعلم أيها المسلم أنه قد وردت في صلاة الضحى أحاديث كثيرة : منها ما في " الصحيحين " : عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : " أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر , وركعتي الضحى , وأن أوتر قبل أن أنام وفي حديث أبي سعيد ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى حتى نقول : لا يدعها , ويدعها حتى نقول : لا يصليهاوأقل صلاة الضحى ركعتان ; لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الذي ذكرنا قريبا : " وركعتي الضحى " , ولحديث أنس : من قعد في مصلاه حين ينصرف من الصبح , حتى يسبح ركعتي الضحى , لا يقول إلا خيرا , غفرت له خطاياه , وإن كانت أكثر من زبد البحر رواه أبو داود . وأكثرها ثمان ركعات ; لما روت أم هانئ , أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح صلى ثمان ركعات سبحة الضحى رواه الجماعة , ولمسلم عن عائشة رضي الله عنها : كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله ووقت صلاة الضحى يبتدئ من ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح , ويمتد إلى قبيل الزوال , أي : وقت قيام الشمس في كبد السماء , والأفضل أن يصلي إذا اشتد الحر ; لحديث : صلاة الأوابين حين ترمض الفصال رواه مسلم ; أي : حين تحمى الرمضاء ; فتبرك الفصال من شدة الحر . باب في سجود التلاوة ومن السنن سجود التلاوة , سمي بذلك من إضافة المسبب للسبب ; لأن التلاوة سببه , فهو سجود شرعه الله ورسوله عبودية عند تلاوة الآيات واستماعها ; تقربا إليه سبحانه , وخضوعا لعظمته , وتذللا بين يديه . ويسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع , وقد أجمع العلماء على مشروعيته . قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة , فيسجد , ونسجد معه , حتى ما يجد أحدنا موضعا لجبهته متفق عليه . قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله : " ومواضع السجدات أخبار وأوامر : خبر من الله عن سجود مخلوقاته له عموما أو خصوصا ; فسن للتالي والسامع أن يتشبه بهم عند تلاوته آية السجدة أو سماعها , وآيات الأوامر ( أي : التي تأمر بالسجود ) بطريق الأولى " . وعن أبي هريرة مرفوعا : إذا قرأ ابن آدم السجدة , فسجد ; اعتزل الشيطان يبكي , يقول : يا ويله ! أمر ابن آدم بالسجود , فسجد ; فله الجنة ; وأمرت بالسجود , فأبيت , فلي النار رواه مسلم وابن ماجه . ويشرع سجود التلاوة في حق القارئ والمستمع , وهو الذي يقصد الاستماع للقراءة , وفي حديث ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة ; فيسجد ونسجد معه ففيه دلالة على مشروعية سجود المستمع , وأما السامع , وهو الذي لم يقصد الاستماع ; فلا يشرع في حقه سجود التلاوة ; لما روى البخاري ; أن عثمان رضي الله عنه مر بقارئ يقرأ سجدة ليسجد معه عثمان ; فلم يسجد , وقال : " إنما السجدة على من استمع وروي ذلك عن غيره من الصحابة . وسجدات التلاوة والقرآن ; في : الأعراف , والرعد , والنحل , والإسراء , ومريم , والحج , والفرقان , والنمل , و ( ألم تنزيل ) , و ( حم ) السجدة , والنجم , والانشقاق , و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وفي سجدة ( ص ) خلاف بين العلماء , هل هي سجدة شكر أو سجدة تلاوة ; والله أعلم . ويكبر إذا سجد للتلاوة لحديث ابن عمر : كان عليه الصلاة والسلام يقرأ علينا القرآن , فإذا مر بالسجدة ; كبر , وسجد , وسجدنا معه رواه أبو داود . ويقول في سجوده : " سبحان ربي الأعلى " ; كما يقول في سجود الصلاة , وإن قال : " سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره , وشق سمعه وبصره , بحوله وقوته , اللهم اكتب لي بها أجرا , وضع عني بها وزرا , واجعلها لي عندك ذخرا , وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود " ; فلا بأس . والإتيان بسجود التلاوة عن قيام أفضل من الإتيان به عن قعود . أيها المسلم ! إن طرق الخير كثيرة , فعليك بالجد والاجتهاد فيها , والإخلاص في القول والعمل , لعل الله أن يكتبك من جملة السعداء . باب في التطوع المطلق روى أهل السنن ; أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ; قال : الصلاة في جوف الليل وقال صلى الله عليه وسلم : إن في الليل ساعة , لا يوافقها عبد مسلم , يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة ; إلا أعطاه إياه وقال صلى الله عليه وسلم : وعليكم بقيام الليل , فإنه دأب الصالحين قبلكم , وهو قربة إلى ربكم , ومكفرة للسيئات , ومنهاة عن الإثم " رواه الحاكم . وقد مدح الله القائمين من الليل : قال تعالى : إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وقال تعالى : تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ والنصوص في ذلك كثيرة تدل على فضل قيام الليل , فالتطوع المطلق أفضله قيام الليل ; لأنه أبلغ في الإسرار , وأقرب إلى الإخلاص , ولأنه وقت غفلة الناس , ولما فيه من إيثار الطاعة على النوم والراحة . ويستحب التنفل بالصلاة في جميع الأوقات ; غير أوقات النهي , وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار , لما سبق , وأفضل صلاة الليل الصلاة في ثلث الليل بعد نصفه ; لما في " الصحيح " مرفوعا : أفضل الصلاة صلاة داود , كان ينام نصف الليل , ويقوم ثلثه , وينام سدسه فكان يريح نفسه بنوم أول الليل , ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه , فيقول : هل من سائل فأعطيه سؤله ؟ ثم ينام بقية الليل في السدس الأخير , ليأخذ راحته , حتى يستقبل صلاة الفجر بنشاط , هذا هو الأفضل , وإلا ; فالليل كله محل القيام . قال الإمام أحمد رحمه الله : " قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر " . وعليه ; فالنافلة بين العشاءين من قيام الليل , لكن تأخير القيام إلى آخر الليل أفضل كما سبق , قال تعالى : إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا والناشئة هي القيام بعد النوم , والتهجد إنما يكون بعد النوم فينبغي للمسلم أن يجعل له حظا من قيام الليل , يداوم عليه , وإن قل . - وينبغي أن ينوي قيام الليل . - فإذا استيقظ ; استاك , وذكر الله , وقال : " لا إله إلا الله وحده , لا شريك له , له الملك , وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , الحمد لله , وسبحان الله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , ولا حول ولا قوة إلا بالله " , ويقول : " الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور , الحمد لله الذي رد علي روحي , وعافاني في جسدي , وأذن لي بذكره " . - ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين ; لحديث أبي هريرة : إذا قام أحدكم من الليل ; فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين رواه مسلم وغيره . - ويسلم في صلاة الليل من كل ركعتين ; لقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى رواه الجماعة , ومعنى : " مثنى مثنى " ; أي : ركعتان ركعتان , بتشهد وتسليمتين , فهي ثنائية لا رباعية . - وينبغي إطالة القيام والركوع والسجود . - وينبغي أن يكون تهجده في بيته ; فقد اتفق أهل العلم على أن صلاة التطوع في البيت أفضل , وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته , وقال عليه الصلاة والسلام : صلوا في بيوتكم , فإن أفضل صلاة المرء في بيته ; إلا المكتوبة رواه مسلم , ولأنه أقرب إلى الإخلاص . - وصلاة النافلة قائما أفضل من الصلاة قاعدا بلا عذر , لقوله صلى الله عليه وسلم : من صلى قائما ; فهو أفضل , ومن صلى قاعدا ; فله نصف أجر صلاة القائم متفق عليه . - وأما من صلى النافلة قاعدا لعذر ; فأجره كأجر القائم , لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد أو سافر ; كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم وجواز التطوع جالسا مع القدرة على القيام مجمع عليه . - ويختم صلاته بالوتر ; فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل آخر صلاته بالليل وترا , وأمر بذلك في أحاديث كثيرة . ومن فاته تهجده من الليل ; استحب له قضاؤه قبل الظهر ; لحديث : من نام عن حزبه من الليل , أو عن شيء منه , فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر ; كتب له , كأنما قرأه من الليل أيها المسلم ! لا تحرم نفسك من المشاركة في قيام الليل , ولو بشيء قليل تداوم عليه ; لتنال من ثواب القائمين المستغفرين بالأسحار , وربما يدفع بك القليل إلى الكثير , والله لا يضيع أجر المحسنين . باب في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها سبق أن بينا جملا من أحكام صلاة التطوع , ويجدر بنا الآن أن ننبه على أن هناك أوقاتا ورد النهي عن الصلاة فيها ; إلا ما استثني , وهي أوقات خمسة : الأول : من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ; لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا طلع الفجر ; فلا صلاة إلا ركعتي الفجر رواه أحمد وأبو داود وغيرهما , فإذا طلع الفجر ; فإنه لا يصلي تطوعا إلا راتبة الفجر . الثاني : من طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح في رأي العين . والثالث : عند قيام الشمس حتى تزول , وقيام الشمس يعرف بوقوف الظل , لا يزيد ولا ينقص , إلى أن تزول إلى جهة الغرب ; لقول عقبة بن عامر : ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع , وحين يقول قائم الظهيرة حتى تزول , وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم . والرابع : من صلاة العصر إلى غروب الشمس ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس , ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس متفق عليه . والخامس : إذا شرعت الشمس في الغروب حتى تغيب . واعلم أنه يجوز قضاء الفرائض الفائتة في هذه الأوقات ; لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة أو نسيها , فليصلها إذا ذكرها متفق عليه . يجوز أيضا فعل ركعتي الطواف في هذه الأوقات ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار رواه الترمذي وصححه ; فهذا إذن منه صلى الله عليه وسلم بفعلها في جميع أوقات النهي , ولأن الطواف جائز قي كل وقت ; فكذلك ركعتاه . ويجوز أيضا على الصحيح من قولي العلماء في هذه الأوقات فعل ذوات الأسباب من الصلوات ; كصلاة الجنازة , وتحية المسجد , وصلاة الكسوف , للأدلة الدالة على ذلك , وهي تخص عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات , فتحمل على ما لا سبب له ; فلا يجوز فعلها بأن تبتدأ في هذه الأوقات صلاة تطوع لا سبب لها . ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر , وكذا يجوز أن يقضي سنة الظهر بعد العصر , ولا سيما إذا جمع الظهر مع العصر ; فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه قضى سنة الظهر بعد العصر. المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#18
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في وجوب صلاة الجماعة وفضلها شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام , وهى صلاة الجماعة في المساجد , فقد اتفق المسلمون على أن أداء الصلوات الخمس في المساجد من أوكد الطاعات وأعظم القربات , بل وأعظم وأظهر شعائر الإسلام . فقد شرع الله لهذه الأمة الاجتماع في أوقات معلومة , منها ما هو في اليوم والليلة , كالصلوات الخمس ; فإن المسلمين يجتمعون لأدائها في المساجد كل يوم وليلة خمس مرات , ومن هذه الاجتماعات ما هو في الأسبوع مرة ; كالاجتماع لصلاة الجمعة , وهو اجتماع أكبر من الاجتماع للصلوات الخمس , ومنها اجتماع يتكرر كل سنة مرتين , وهو الاجتماع لصلاة العيدين , وهو أكبر من الاجتماع لصلاة الجمعة , بحيث يشرع فية اجتماع أهل البلد , ومنها اجتماع مرة واحدة في السنة , وهو الاجتماع في الوقوف بعرفة , وهو أكبر من اجتماع العيدين ; لأنه يشرع للمسلمين عموما في كل أقطار الأرض . وإنما شرعت هذه الاجتماعات العظيمة في الإسلام ; لأجل مصالح المسلمين ; ليحصل التواصل بينهم بالإحسان والعطف والرعاية , ولأجل التوادد والتحابب بينهم في القلوب , ولأجل أن يعرف بعضهم أحوال بعض , فيقومون بعيادة المرضى , وتشييع المتوفى , وإغاثة الملهوفين , ولأجل إظهار قوة المسلمين وتعارفهم وتلاحقهم , فيغيظون بذلك أعداءهم من الكفار والمنافقين , ولأجل إزالة ما ينسجه بينهم شياطين الجن والإنس من العداوة والتقاطع والأحقاد , فيحصل الائتلاف واجتماع القلوب على البر والتقوى , ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تختلفوا ; فتختلف قلوبكمومن فوائد صلاة الجماعة ; تعليم الجاهل , ومضاعفة الأجر والنشاط على العمل الصالح عندما يشاهد المسلم إخوانه المسلمين يزاولون الأعمال الصالحة , فيقتدي بهم . وفي الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم : صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وفي رواية : بخمس وعشرين .فصلاة الجماعة فرض على الرجال في الحضر والسفر , وفي حال الأمان وحال الخوف , وجوبا عينيا , والدليل على ذلك الكتاب والسنة وعمل المسلمين قرنا بعد قرن , خلفا عن سلف . ومن أجل ذلك ; عمرت المساجد , ورتب لها الأئمة والمؤذنون , وشرع النداء لها بأعلى صوت : حي على الصلاة , حي على الفلاح .وقال الله تعالى في حال الخوف : وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الآية ; فدلت هذه الآية الكريمة على تأكد وجوب صلاة الجماعة , حيث لم يرخص للمسلمين في تركها حال الخوف , فلو كانت غير واجبة , لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ; فإن الجماعة في صلاة الخوف يترك لها أكثر واجبات الصلاة , فلولا تأكد وجوبها ; لم يترك من أجلها تلك الواجبات الكثيرة ; فقد اغتفرت في صلاة الخوف أفعال كثيرة من أجلها . وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه قال : أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر , ولو يعلمون ما فيهما , لأتوهما ولو حبوا , ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام , ثم آمر رجلا فيصلي بالناس , ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب , إلى قوم لا يشهدون الصلاة , فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ووجه الاستدلال من الحديث على وجوب صلاة الجماعة من ناحيتين : الناحية الأولى : أنه وصف المتخلفين عنها بالنفاق , والمتخلف عن السنة لا يعد منافقا ; فدل على أنهم تخلفوا عن واجب . والناحية الثانية : أنه صلى الله عليه وسلم هم بعقوبتهم على التخلف عنها , والعقوبة إنما تكون على ترك واجب , وإنما منعه صلى الله عليه وسلم من تنفيذ هذه العقوبة من في البيوت من النساء والذراري الذين لا تجب عليهم الجماعة . وفي " صحيح مسلم أن رجلا أعمى قال : يا رسول الله ! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد , فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته , فرخص له , فلما ولى ; دعاه , فقال : " هل تسمع النداء ؟ " , قال : نعم , قال : " فأجب فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالحضور إلى المسجد لصلاة الجماعة وإجابة النداء مع ما يلاقيه من المشقة , فدل ذلك على وجوب صلاة الجماعة . وقد كان وجوب صلاة الجماعة مستقرا عند المؤمنين من صدر هذه الأمة :قال ابن مسعود رضي الله عنه : ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق , ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف فدل ذلك على استقرار وجوبها عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم , ومعلوم أن كل أمر لا يتخلف عنه إلا منافق يكون واجبا على الأعيان . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : الجفاء كل الجفاء , والكفر والنفاق , من سمع المنادي إلى الصلاة , فلا يجيبه وثبت حديث بذلك : يد الله على الجماعة , فمن شذ ; شذ في النار وسئل ابن عباس عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار ولا يحضر الجماعة , فقال : " هو في النار نسأل الله العافية والتوفيق لمعرفة الحق واتباعه , إنه سميع مجيب . حكم المتخلف عن صلاة الجماعة وما تنعقد به صلاة الجماعة إن المتخلف عن صلاة الجماعة إذا صلى وحده ; فله حالتان : الحالة الأولى : أن يكون معذورا في تخلفه لمرض أو خوف , وليس من عادته التخلف لولا العذر , فهذا يكتب له أجر من صلى في جماعة لما في الحديث الصحيح : إذا مرض العبد أو سافر ; كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما فمن كان عازما على الصلاة مع الجماعة عزما جازما , ولكن حال دونه ودون ذلك عذر شرعي ; كان بمنزلة من صلى مع الجماعة ; نظرا لنيته الطيبة . والحالة الثانية : أن يكون تخالفه عن الصلاة مع الجماعة لغير عذر ; فهذا إذا صلى وحده , تصح صلاته عند الجمهور , لكنه يخسر أجرا عظيما وثوابا جزيلا , لأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة , وكذلك يفقد أجر الخطوات التي يخطوها إلى المسجد , ومع خسرانه لهذا الثواب الجزيل يأثم إثما عظيما , لأنه ترك واجبا عليه من غير عذر , وارتكب منكرا يجب إنكاره عليه وتأديبه من قبل ولي الأمر , حتى يرجع إلى رشده . أيها المسلم ! ومكان صلاة الجماعة هو المساجد , لإظهار شعار الإسلام , وما شرعت عمارة المساجد إلا لذلك , وفي إقامة الجماعة في غيرها تعطيل لها : وقد قال الله تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ وقال تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ففي هاتين الآيتين الكريمتين تنويه بالمساجد وعمارها , ووعد لهم بجزيل -136- الثواب , وفي ضمن ذلك ذم من تخلف عن الحضور للصلاة فيها . وقد روي أنه : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وعن علي رضي الله عنه مثله , وزاد : وجار المسجد من أسمعه المنادي رواه البيقهي بإسناد صحيح . قال ابن القيم رحمه الله : " ومن تأمل السنة حق التأمل ; تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجماعة , فترك حضور المساجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر , وبهذا تتفق الأحاديث وجميع الآثار . .. " انتهى . وقد توعد الله من عطل المساجد ومنع إقامة الصلاة فيها , فقال تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ وفي إقامة صلاة الجماعة خارج المسجد تعطيل للمساجد أو تقليل من المصلين فيها , وبالتالي يكون في ذلك تقليل من أهمية الصلاة في النفوس , والله تعالى يقول : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وهذا يشمل رفعها حسيا ومعنويا ; فكل ذلك مطلوب . لكن إذا دعت حاجة لإقامة صلاة الجماعة خارج المسجد , كأن يكون المصلون موظفين في دائرتهم وفي مجمع عملهم , وإذا صلوا في مكانهم , كان أحزم للعمل , وكان في ذلك إلزام الموظفين بحضور الصلاة وإقامتها , ولا يتعطل من جراء ذلك المسجد الذي حولهم لوجود من يصلي فيه غيرهم , لعله في تلك الحال - ونظرا لهذه المبررات - لا يكون عليهم حرج في الصلاة في دائرتهم. وأقل ما تنعقد به صلاة الجماعة اثنان ; دون الجماعة مأخوذة من الاجتماع , والاثنان أقل ما يتحقق به الجمع , ولحديث أبي موسى مرفوعا : الاثنان فما فوقهما جماعة رواه ابن ماجه , ولحديث : من يتصدق على هذا . فقام رجل فصلى معه , فقال : وهذان جماعة رواه أحمد وغيره , ولقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث : وليؤمكما أكبركما وحكي الإجماع على هذا. يباح للنساء حضور صلاة الجماعة في المساجد بإذن أزواجهن غير متطيبات وغير متبرجات بزينة مع التستر التام والابتعاد عن مخالطة الرجال , ويكن وراء صفوف الرجال ; لحضورهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ويسن حضورهن مجالس الوعظ ومجالس العلم منفردات عن الرجال . ويسن لهن أن يصلين مع بعضهن جماعة منفردات عن الرجال , سواء كانت إمامتهن منهن , أو يومهن رجل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم ورقة أن تجعل لها مؤذنا , وأمرها أن تؤم أهل دارها رواه أحمد وأهل السنن , وفعله غيرها من الصحابيات , ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم : تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجهوالأفضل للمسلم أن يصلي في المسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة إلا بحضوره ; لأنه يحصل بذلك على ثواب عمارة المسجد ; فقد قال الله تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ثم الأفضل بعد ذلك صلاة الجماعة في المسجد الذي يكون أكثر جماعة من غيره , لأنه أعظم أجرا , لقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده , وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل , وما كان أكثر , فهو أحب إلى الله رواه أحمد وأبو داود , وصححه ابن حبان ; ففيه أن ما كثر جمعه فهو -138- أفضل ; لما في الاجتماع من نزول الرحمة والسكينة , ولشمول الدعاء ورجاء الإجابة , لا سيما إذا كان فيهم من العلماء وأهل الصلاح , قال تعالى : فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ففيه استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين المحافظين على الطهارة لإسباغ الوضوء . ثم الأفضل بعد ذلك الصلاة في المسجد القديم ; لسبق الطاعة فيه على المسجد الجديد . ثم الأفضل بعد ذلك الصلاة في المسجد الأبعد عنه مسافة , فهو أفضل من الصلاة في المسجد القريب , لقوله صلى الله عليه وسلم : أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى , وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء , وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ; لم يخط خطوة ; إلا رفع له بها درجة , وحط عنه بها خطيئة , حتى يدخل المسجد ولقوله عليه الصلاة والسلام : يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم وبعض العلماء يرى أن أقرب المسجدين أولى , لأن له جوارا , فكان أحق بصلاته فيه , ولأنه قد ورد : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولأن تعدي المسجد القريب إلى البعيد قد يحدث عند جيرانه استغرابا , ولعل هذا القول أولى ; لأن تخطي المسجد الذي يليه إلى غيره ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه , وإحراج لإمامه , بحيث يساء به الظن . ومن أحكام صلاة الجماعة أنه يحرم أن يؤم الجماعة في المسجد أحد غير إمامه الراتب , إلا بإذنه أو عذره ; ففي " صحيح مسلم " وغيره : ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه قال النووي : " معناه أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره , ولأن في ذلك إساءة إلى إمام المسجد الراتب , وتنفيرا عنه , وتفريقا بين المسلمين " . وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا صلى بجماعة المسجد غير إمامه الراتب بدون إذنه أو عذر شرعي يسوغ ذلك , أنها لا تصح صلاتهم , مما يدل على خطورة هذه المسألة , فلا ينبغي التساهل في شأنها , ويجب على جماعة المسلمين أن يراعوا حق إمامهم , ولا يتعدوا عليه في صلاحيته , كما يجب على إمام المسجد أن يحترم حقا المأمومين ولا يحرجهم . وهكذا ; كل يراعي حق الآخر , حتى يحصل الوئام والتآلف بين الإمام والمأمومين , فإن تأخر الإمام عن الحضور وضاق الوقت , صلوا , لفعل أبي بكر الصديق وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم , فصلى أبو بكر رضي الله عنه , وصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس لما تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة أخرى , وصلى معه النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة , ثم أتم صلاته وقال : " أحسنتم " ومن أحكام صلاة الجماعة أن من سبق له أن صلى , ثم حضر إقامة الصلاة في المسجد ; سن له أن يصلي مع الجماعة تلك الصلاة التي أقيمت , لحديث أبي ذر : صل الصلاة لوقتها , فإن أقيمت وأنت في المسجد ; فصل , ولا تقل : إني صليت , فلا أصلي رواه مسلم . وتكون هذه الصلاة في حقه نافلة ; كما جاء في الحديث الآخر من قوله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة : فإنهما لكما نافلة ولئلا يكون قعوده والناس يصلون ذريعة إلى إساءة الظن به وأنه ليس من المصلين . ومن أحكام صلاة الجماعة , أنها إذا أقيمت الصلاة - أي : إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة - ; لم يجز الشروع في صلاة نافلة لا راتبة ولا تحية مسجد ولا غيرها , لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا أقيمت الصلاة , فلا صلاة إلا المكتوبة رواه مسلم , وفي رواية : فلا صلاة إلا التي أقيمت فلا تنعقد صلاة النافلة التي أحرم فيها بعد إقامة الفريضة التي يريد أن يفعلها مع ذلك الإمام الذي أقيمت له . قال الإمام النووي رحمه الله : " والحكمة أن يتفرغ للفريضة من أولها , فيشرع فيها عقب شروع الإمام , والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالناقلة , ولأنه نهى صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف على الأئمة , ولحصول تكبيرة الإحرام , ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام " . وإن أقيمت الصلاة وهو في صلاة نافلة قد أحرم بها من قبل ; أتمها خفيفة , ولا يقطعها ; إلا أن يخشى فوات الجماعة ; لقول الله تعالى : وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ فإن خشي فوت الجماعة , قطع النافلة ; لأن الفرض أهم . باب في الأحكام التي تتعلق بالمسبوق الصحيح من قولي العلماء أن المسبوق لا يدرك صلاة الجماعة ; إلا بإدراك ركعة , فإن أدرك أقل من ذلك ; لم يكن مدركا للجماعة , لكن يدخل مع الإمام فيما أدرك , وله بنيته أجر الجماعة , كما إذا وجدهم قد صلوا ; فإن له بنيته أجر من صلى في جماعة ; كما وردت به الأحاديث ; أن من نوى الخير ولم يتمكن من فعله ; كتب له مثل أجر من فعله . وتدرك الركعة بإدراك الركوع على الصحيح ; لقوله صلى الله عليه وسلم : من أدرك الركوع , فقد أدرك الركعة رواه أبو داود , ولما في " الصحيح " من حديث أبي بكرة , وقد جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع , فركع دون الصف , ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة , فدل على الاجتراء بها . فإذا أدرك الإمام راكعا فإنه يكبر تكبيرة الإحرام قائما , ثم يركع معه بتكبيرة ثانية , هذا هو الأفضل , وإن اقتصر على تكبيرة الإحرام ; أجزأته عن تكبيرة الركوع ; فتكبيرة الإحرام , لا بد من الإتيان بها وهو قائم , وأما تكبيرة الركوع ; فمن الأفضل الإتيان بها بعدها . وإذا وجد المسبوق الإمام على أي حال من الصلاة ; دخل معه ; لحديث أبي هريرة وغيره : إذا جئتم إلى الصلاة , ونحن سجود , فاسجدوا , ولا تعدوها شيئافإذا سلم الإمام التسليمة الثانية ; قام المسبوق ليأتي بما فاته من الصلاة , ولا يقوم قبل التسليمة الثانية . وما أدرك المسبوق مع إمامه ; فهو أول صلاته على القول الصحيح , وما يأتي به بعد سلام الإمام هو آخرها ; لقوله عليه الصلاة والسلام : وما فاتكم ;فأتموا وهو رواية الجمهور للحديث , وإتمام الشيء لا يأتي إلا بعد تقدم أوله , ورواية : وما فاتكم ; فاقضوا لا تخالف رواية : " فأتموا " لأن القضاء يراد به الفعل , لقوله تعالى : فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ وقوله تعالى : فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فيحمل قوله : " فاقضوا " على الأداء والفراغ . .. , والله أعلم . وإذا كانت الصلاة جهرية ; وجب على المأموم أن يستمع لقراءة الإمام , ولا يجوز له أن يقرأ وإمامه يقرأ , لا سورة الفاتحة ولا غيرها ; لقوله تعالى : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قال الإمام أحمد رحمه الله : " أجمعوا على أن هذه الآية في الصلاة " . فلو أن القراءة تجب على المأموم ; لما أمر بتركها لسنة الاستماع , ولأنه إذا انشغل المأموم بالقراءة ; لم يكن لجهر الإمام فائدة , ولأن تأمين المأموم على قراءة الإمام ينزل منزلة قراءتها ; فقد قال تعالى لموسى وهارون : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا وقد دعا موسى , فقال . : رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الآية , وأمن هارون على دعائه , فنزل تأمينه منزلة من دعا , فقال تعالى : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فدل على أن من أمن على دعاء ; فكأنما قاله . أما إذا كانت الصلاة سرية , أو كان المأموم لا يسمع الإمام ; فإنه يقرأ الفاتحة في هذه الحال , وبهذا تجتمع الأدلة ; أي : وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية . .. والله أعلم . ومن أحكام صلاة الجماعة المهمة وجوب اقتداء المأموم بالإمام بالمتابعة التامة له , وتحريم مسابقته ; لأن المأموم متبع لإمامه , مقتد به , والتابع المقتدي لا يتقدم على متبوعه وقدوته : وقد قال صلى الله عليه وسلم أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار , أو يجعل صورته صورة حمار ؟ ! متفق عليه , فمن تقدم على إمامه ; كان كالحمار الذي لا يفقه ما يراد بعمله , ومن فعل ذلك ; استحق العقوبة . وفي الحديث الصحيح : إنما جعل الإمام ليؤتم به ; فلا تركعوا حتى يركع , ولا تسجدوا حتى يسجدوروى الإمام أحمد وأبو داود : إنما جعل الإمام ليؤتم به , فإذا ركع ; فاركعوا , ولا تركعوا حتى يركع , وإذا سجد ; فاسجدوا , ولا تسجدوا حتى يسجد وكان الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لا يحني أحد منهم ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا , ثم يقعون سجودا بعده .و لما رأى عمر رضي الله عنه رجلا يسابق الإمام ; ضربه , وقال : لا وحدك صليت , ولا بإمامك اقتديت وهذا شيء يتساءل فيه أو يتجاهله بعض المصلين , فيسابقون الإمام , ويتعرضون للوعيد الشديد , بل يخشى أن لا تصح صلاتهم . وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه قال : لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " مسابقة الإمام حرام باتفاق الأئمة , لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه , ولا يرفع قبله , ولا يسجد قبله , وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك " . ومسابقة الإمام تلاعب من الشيطان ببعض المصلين حتى يخل بصلاته , وإلا ; فماذا يستفيد الذي يسابق الإمام ; لأنه لن يخرج من الصلاة إلا بعد سلام الإمام ؟ ! فيجب على المسلم أن يتنبه لذلك , وأن يكون ملتزما لأحكام الائتمام والاقتداء . نسأل الله للجميع الفقه في دينه والبصيرة في أحكامه , إنه سميع مجيب ; فإنه من يرد الله به خيرا ; يفقهه في الدين . باب في حكم حضور النساء إلى المساجد إن ديننا كامل وشامل لمصالحنا في الدنيا والآخرة , جاء بالخير للمسلمين رجالا ونساء : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فهو قد اهتم بشأن المرأة , ووضعها موضع الإكرام والاحترام , إن هي تمسكت بهديه , وتحلت بفضائله . ومن ذلك أنه سمح لها بالحضور إلى المساجد للمشاركة في الخير من صلاة الجماعة وحضور مجالس الذكر مع الاحتشام والتزام الاحتياطات التي تبعدها عن الفتنة وتحفظ لها كرامتها . فإذا استأذنت إلى المسجد ; كره منعها , قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله , وبيوتهن خير لهن , وليخرجن تفلات رواه أحمد وأبو داود , وذلك لأن أداء الصلاة المكتوبة في جماعة فيها فضل كبير للرجال والنساء , وكذلك المشي إلى المسجد , وفي " الصحيحين " وغيرهما : إذا استأذنت نساؤكم بالليل إلى المسجد ; فأذنوا لهن ووجه كونها تستأذن الزوج في ذلك , لأن ملازمة البيت حق للزوج , وخروجها للمسجد في تلك الحال مباح ; فلا تترك الواجب لأجل مباح , فإذا أذن الزوج , فقد أسقط حقه , وقوله صلى الله عليه وسلم : وبيوتهن خير لهن أي : خير لهن من الصلاة في المساجد , وذلك لأمن الفتنة بملازمتهن البيوت . وقوله صلى الله عليه وسلم : وليخرجن تفلات أي : غير متطيبات , وإنما أمرن بذلك ; لئلا يفتن الرجال بطيبهن , ويصرفوا أنظارهم إليهن , فيحصل بذلك الافتتان بهن , ويلحق بالطيب ما كان بمعناه كحسن الملبس وإظهار الحلي , فإن تطيبت أو لبست ثياب زينة ; حرم عليها ذلك , ووجب منعها من الخروج , وفي " صحيح مسلم " وغيره : أيما امرأة أصابت بخورا ; فلا تشهدن معنا العشاء الأخير وكذلك إذا خرجت المرأة إلى المسجد ; فلتبتعد عن مزاحمة الرجال . -147- قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " يجب على ولي الأمر أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال , وهو مسئول عن ذلك , والفتنة به عظيمة , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . .. إلى أن قال : " يجب عليه منعهن متزينات متجملات , ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة الرقاق , ومنعهن من حديث الرجال ; أي : التحدث إليهم في الطرقات , ومنع الرجال من ذلك " انتهى . فإذا تمسكت المرأة بآداب الإسلام من لزوم الحياء , والتستر , وترك الزينة والطيب , والابتعاد عن مخالطة الرجال , أبيح لها الخروج إلى المسجد لحضور الصلاة والاستماع للتذكير , وبقاؤها في بيتها خير لها من الخروج في تلك الحال ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : وبيوتهن خير لهن وأجمع المسلمون على أن صلاة المرأة في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد ; ابتعادا عن الفتنة , وتغليبا لجانب السلامة , وحسما لمادة الشر . أما إذا لم تلتزم بآداب الإسلام , ولم تجتنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم من استعمالها الزينة والطيب للخروج , فخروجها للمسجد حينئذ حرام , ويجب على وليها وذوي السلطة منعها منه . وفي " الصحيحين " من حديث عائشة رضي الله عنها : " لو رأى ( تعني : الرسول صلى الله عليه وسلم ) ما رأينا , لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل فخروج المرأة إلى المساجد مراعى فيه المصلحة واندفاع المفسدة , فإذا كان جانب المفسدة أعظم ; منعت . وإذا كان هذا الشأن في خروجها للمسجد ; فخروجها لغير المسجد من باب أولى أن تراعى فيه الحيطة والابتعاد عن مواطن الفتنة . -147- وإذا كان هناك اليوم قوم ينادون بخروج المرأة لمزاولة الأعمال الوظيفية كما هو شأنها في الغرب ومن هم على شاكلة الغرب ; فإن هؤلاء يدعون إلى الفتنة , ويقودون المرأة إلى شقائها وسلب كرامتها . .. فالواجب إيقاف هؤلاء عند حدهم , وكف ألسنتهم وأقلامهم عن هذه الدعوى الجاهلية , وكفى ما وقعت فيه المرأة في بلاد الغرب ومن حذا حذوها من ويلات , وتورطت فيه من واقع مؤلم , تئن له مجتمعاتهم , وليكن لنا فيهم عبرة , فالسعيد من وعظ بغيره . وليس لهؤلاء من حجة يبررون بها دعوتهم ; إلا قولهم : إن نصف المجتمع معطل عن العمل , وبهذا يريدون أن تشارك المرأة الرجل في عمله وتزاحمه فيه جنبا إلى جنب , ونسوا أو تناسوا أو تجاهلوا ما تقوم به المرأة من عمل جليل داخل بيتها , وما تؤديه للمجتمع من خدمة عظيمة , لا يقوم بها غيرها , تناسب خلقتها , وتتمشى مع فطرتها ; فهي الزوجة التي يسكن إليها زوجها , وهي الأم والحامل والمرضع , وهي المربية للأولاد , وهي القائمة بعمل البيت , فلو أنها أخرجت من البيت , وشاركت الرجال في أعمالهم , من ذا سيقوم بهذه الأعمال ؟ ! إنها ستتعطل , ويومها سيفقد المجتمع نصفه الثاني ; فماذا يغنيه النصف الباقي ؟ ! سيختل بنيانه , وتتداعى أركانه . إننا نقول لهؤلاء الدعاة : ثوبوا إلى رشدكم , ولا تكونوا ممن بدلوا نعمة الله كفرأ وأحلوا قومهم دار البوار , كونوا دعاة بناء ولا تكونوا دعاة هدم . أيتها المرأة المسلمة ! تمسكي بتعاليم دينك , ولا تغرنك دعايات المضللين الذين يريدون سلب كرامتك التي بوأك منزلتها دين الإسلام , وليس غير الإسلام , ومن يبغ غير الإسلام دينا ; فلن يقبل منه , وهو في الأخرى من الخاسرين . وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#19
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في بيان أحكام الإمامة هذه الوظيفة الدينية المهمة التي تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وتولاها خلفاؤه الراشدون . وقد جاء في فضل الإمامة أحاديث كثيرة ; منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة وذكر أن منهم رجلا أم قوما وهم به راضون , وفي الحديث الآخر , أن له من الأجر مثل أجر من صلى خلفهولهذا ; كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعلني إمام قومي ; لما يعلمون في ذلك من الفضيلة والأجر . لكن مع الأسف الشديد ; نرى في وقتنا هذا كثيرا من طلبة العلم يرغبون عن الإمامة , ويزيدون فيها , ويتخلون عن القيام بها , إيثارا للكسل وقلة رغبة في الخير , وما هذا إلا تخذيل من الشيطان . فالذي ينبغي لهم القيام بها بجد ونشاط واحتساب للأجر عند الله ; فإن طلبة العلم أولى الناس بالقيام بها وبغيرها من الأعمال الصالحة . وكلما توافرت مؤهلات الإمامة في شخص ; كان أولى بالقيام بها ممن هو دونه , بل يتعين عليه القيام بها إذا لم يوجد غيره : - فالأولى بالإمامة الأجود قراءة لكتاب الله تعالى , وهو الذي يجيد قراءة القرآن , بأن يعرف مخارج الحروف , ولا يلحن فيها , ويطبق قواعد القراءة من غير تكلف ولا تنطع , ويكون مع ذلك يعرف فقه صلاته وما يلزم فيها ; كشروطها وأركانها وواجباتها ومبطلاتها , لقوله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وما ورد بمعناه من الأحاديث الصحيحة , مما يدل على أنه يقدم في الإمامة الأجود قراءة للقرآن الكريم , الذي يعلم فقه الصلاة ; لأن الأقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أفقه . - فإذا استووا في القراءة , قدم الأفقه ( أي : الأكثر فقها ) ; لجمعه بين ميزتين : القراءة والفقه , لقوله صلى الله عليه وسلم : فإن كانوا في القراءة سواء ; فأعلمهم بالسنة أي : أفقههم في دين الله , ولأن احتياج المصلي إلى الفقه أكثر من احتياجه إلى القراءة ; لأن ما يجب في الصلاة من القراءة محصور , وما يقع فيها من الحوادث غير محصور . - فإذا استووا في الفقه والقراءة , قدم الأقدم هجرة , والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام . - فإذا استووا في القراءة والفقه والهجرة ; قدم الأكبر سنا ; لقوله صلى الله عليه وسلم : وليؤمكم أكبركم متفق عليه , لأن كبر السن في الإسلام فضيلة , ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء . والدليل على هذا الترتيب الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ; قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله , فإن كانوا في القراءة سواء , فأعلمهم بالسنة , فإن كانوا في السنة سواء ; فأقدمهم هجرة , فإن كانوا في الهجرة سواء ; فأقدمهم سنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالفضيلة بالعلم بالكتاب والسنة , فإن استووا في العلم ; قدم بالسبق إلى العمل الصالح , وقدم السابق باختياره إلى العمل الصالح ( وهو المهاجر ) على من سبق بخلق الله وهو كبر السن " انتهى . وهناك اعتبارات يقدم أصحابها في الإمامة على من حضر ولو كان أفضل منه , وهي : أولا : إمام المسجد الراتب إذا كان أهلا للإمامة ; لم يجز أن يتقدم عليه غيره , ولو كان أفضل منه ; إلا بإذنه . ثانيا : صاحب البيت إذا كان يصلح للإمامة ; لم يجز أن يتقدم عليه أحد في الإمامة ; إلا بإذنه . ثالثا : السلطان , وهو الإمام الأعظم أو نائبه , فلا يتقدم عليه أحد في الإمامة , إلا بإذنه , إذا كان يصلح للإمامة . والدليل على تقديم أصحاب هذه الاعتبارات على غيرهم ما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه وفي " صحيح مسلم " : ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه إلا بإذنه وسلطانه محل ولايته أو ما يملكه . قال الخطابي : " معناه : أن صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته إذا كان من القراءة أو العلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة , وإذا كان إمام المسجد قد ولاه السلطان أو نائبه أو اتفق على تقديمه أهل المسجد ; فهو أحق ; لأنها ولاية خاصة , ولأن التقدم عليه يسيء الظن به , وينفر عنه " مما تقدم يتبين لك شرف الإمامة في الصلاة وفضلها ومكانتها في الإسلام ; لأن الإمام في الصلاة قدوة , والإمامة مرتبة شريفة ; فهي سبق إلى الخير , وعون على الطاعة وملازمة الجماعة , وبها تعمر المساجد بالطاعة , وهي داخلة في عموم قوله تعالى فيما حكاه من دعاء عباد الرحمن : وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا فالإمامة في الصلاة من الإمامة في الدين , ولا سيما إذا كان الإمام يبذل النصح والوعظ والتذكير لمن يحضره في المسجد , فإنه بذلك من الدعاة إلى -152- الله , الذين يجمعون بين صالح القول والعمل , وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلا يرغب عن القيام بالإمامة إلا محروم , ولا حول ولا قوة إلا بالله . باب في من لا تصح إمامته في الصلاة إن الإمامة في الصلاة مسئولية كبرى , وكما أنها تحتاج إلى مؤهلات يجب توافرها في الإمام أو يستحب تحليه بها ; كذلك يجب أن يكون الإمام سليما من صفات تمنعه من تسنم هذا المنصب أو تنقص أهليته له : فلا يجوز أن يولى الفاسق إمامة الصلاة , والفاسق هو من خرج عن حد الاستقامة بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب التي هي دون الشرك . والفسق نوعان : فسق عملي , وفسق اعتقادي : فالفسق العملي : كارتكاب فاحشة الزنى , والسرقة , وشرب الخمر . .. ونحو ذلك . والفسق الاعتقادي : كالرفض , والاعتزال , والتجهم . فلا يجوز تولية إمامة الصلاة الفاسق , لأن الفاسق لا يقبل خبره , قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا فلا يؤمن على شرائط الصلاة وأحكامها , ولأنه يكون قدوة سيئة لغيره ; ففي توليته مفاسد . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تؤمن امرأة رجلا , ولا أعرابيا مهاجرا , ولا فاجر مومنا ; إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه رواه ابن ماجه , والشاهد منه قوله : " ولا فاجر مؤمنا " والفجور هو العدول عن الحق . فالصلاة خلف الفاسق منهي عنها , ولا يجوز تقديره مع القدرة على ذلك ; فيحرم على المسئولين تنصيب الفاسق إماما للصلوات ; لأنهم مأمورون بمراعاة المصالح ; فلا يجوز لهم أن يوقعوا الناس في صلاة مكروهة , بل قد اختلف العلماء في صحة الصلاة خلف الفاسق , وما كان كذلك ; وجب تجنيب الناس من الوقوع فيه . ولا تصح إمامة العاجز عن ركوع أو سجود أو قعود ; إلا بمثله ; أي : مساويه في العجز عن ركن أو شرط , وكذا لا تصح إمامة العاجز عن القيام لقادر عليه ; إلا إذا كان العاجز عن القيام إماما راتبا لمسجد , وعرض له عجز عن القيام يرجى زواله ; فتجوز الصلاة خلفه , ويصلون خلفه في تلك الحال جلوسا ; لقول عائشة رضي الله عنها : صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك , فصلى جالسا , وصلى وراءه قوم قياما , فأشار إليهم أن اجلسوا , فلما انصرف , قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به . .. الحديث , وفيه : وإذا صلى جالسا ; فصلوا جلوسا أجمعون وذلك لأن الإمام الراتب يحتاج إلى تقديمه . ولو صلوا خلفه قياما أو صلى بعضهم قائما في تلك الحالة ; صحت صلاتهم على الصحيح , وإن استخلف الإمام في تلك الحال من يصلي بهم قائما ; فهو أحسن ; خروجا من الخلاف , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ; فقد فعل الأمرين ; بيانا للجواز , والله أعلم . ولا تصح إمامة من حدثه دائم ; كمن به سلس أو خروج ريح أو نحوه مستمر ; إلا بمن هو مثله في هذه الآفة , أما الصحيح ; فلا تصح صلاته خلفه ; لأن في صلاته خللا غير مجبور ببدل ; لأنه يصلي مع خروج النجاسة المنافي للطهارة , وإنما صحت صلاته للضرورة , وبمثله لتساويهما في خروج الخارج المستمر . وإن صلي خلف محدث أو متنجس ببدنه أو ثوبه أو بقعته , ولم يكونا يعلمان بتلك النجاسة أو الحدث حتى فرغ من الصلاة ; صحت صلاة المأموم دون الإمام ; لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا صلى الجنب بالقوم ; أعاد صلاته , وتمت للقوم صلاتهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين ; فإنهم صلوا بالناس , ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة , فأعادوا , ولم يأمروا الناس -155- بالإعادة , وإن علم الإمام أو المأموم بالحدث أو النجاسة في أثناء الصلاة ; بطلت صلاتهم " . ولا تصح إمامة الأمي , والمراد به هنا من لا يحفظ سورة الفاتحة أو يحفظها ولكن لا يحسن قراءتها ; كأن يلحن فيها لحنا يحيل المعنى ; ككسر كاف ( إياك ) , وضم تاء ( أنعمت ) , وفتح همزة ( اهدنا ) , أو يبدل حرفا بغيره , وهو الألثغ , كمن يبدل الراء غينا أو لاما , أو السين تاء . .. ونحو ذلك ; فلا تصح إمامة الأمي إلا بأمي مثله ; لتساويهما , إذا كانوا عاجزين عن إصلاحه , فإن قدر الأمي على الإصلاح لقراءته , لم تصح صلاته ولا صلاة من صلى خلفه ; لأنه ترك ركنا مع القدرة عليه . ويكره أن يؤم الرجل قوما أكثرهم يكرهه بحق ; بأن تكون كراهتهم لها مبرر من نقص في دينه ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الأبق حتى يرجع , وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط , وإمام قوم وهم له كارهون رواه الترمذي وحسنه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إذا كانوا يكرهونه لأمر في دينه , مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك , ويحبون آخر أصلح منه في دينه ; مثل أن يكون أصدق أو أعلم أو أدين ; فإنه يجب أن يولى عليهم هذا الذي يحبونه , وليس لذلك الرجل الذي يكرهونه أن يؤمهم ; كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ; أنه قال : ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : رجل أم قوما وهم له كارهون , ورجل لا يأتي الصلاة إلا دبارا , ورجل اعتبد محررا وقال أيضا : " إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء -156- والمذاهب ; لم ينبغ أن يؤمهم , لأن المقصود بالصلاة جماعة أن يتم الائتلاف , وقال عليه الصلاة والسلام : لا تختلفوا , فتختلف قلوبكم ا ه . أما إذا كان الإمام ذا دين وسنة , وكرهوه لذلك ; لم تكره الإمامة في حقه , وإنما العتب على من كرهه . وعلى كل ; فينبغي الائتلاف بين الإمام والمأمومين , والتعاون على البر والتقوى , وترك التشاحن والتباغض تبعا للأهواء والأغراض الشيطانية ; فيجب على الإمام أن يراعي حق المأمومين , ولا يشق عليهم , ويحترم شعورهم , ويجب على المأمومين أن يراعوا حق الإمام , ويحترموه , وبالجملة ; فينبغي لكل منهما أن يتحمل ما يواجهه من الآخر من بعض الانتقادات التي لا تخل بالدين والمروءة , والإنسان معرض للنقص : ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه هذا ; ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق . باب في ما يشرع للإمام في الصلاة الإمام عليه مسئولية عظمى , وهو ضامن , وله الخير الكثير إن أحسن , وفضل الإمامة مشهور , تولاها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه , ولم يختاروا لها إلا الأفضل , وفي الحديث : ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة : رجل أم قوما وهم به راضون الحديث , وفي الحديث الآخر أن له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه . ومن علم من نفسه الكفاءة ; فلا مانع من طلبه للإمامة ; فقد قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعلني إمام قومي . قال : " أنت إمامهم , واقتد بأضعفهم ويشهد لذلك أيضا قوله تعالى : وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا وينبغي لمن تولى الإمامة أن يهتم بشأنها , وأن يوفيها حقها ما استطاع , وله في ذلك الأجر العظيم , ويراعي حالة المأمومين , ويقدر ظروفهم , ويتجنب إحراجهم , ويرغبهم ولا ينفرهم ; عملا بقوله عليه الصلاة والسلام : إذا صلى أحدكم بالناس ; فليخفف ; فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة , وإذا صلى لنفسه ; فليطول ما شاء رواه الجماعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , وفي " الصحيح " من حديث أبي مسعود : أيها الناس إن منكم منفرين , فأيكم أم الناس ; فليوجز ; فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ويقول أحد الصحابة . " ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم " وهو القدوة في ذلك وفي غيره . قال الحافظ : " من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والإتمام ; لا يشتكى منه تطويل , والتخفيف المطلوب هو التخفيف الذي يصحبه إتمام الصلاة بأداء أركانها وواجباتها وسننها على الوجه المطلوب , والتخفيف المأمور به أمر نسبي يرجع إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وأمر به , لا إلى شهوة المأمومين. قال بعض العلماء : ومعنى التخفيف المطلوب : هو الاقتصار على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة , وأدنى الكمال في التسبيح في الركوع والسجود هو أن يأتي بثلاث تسبيحات , وإذا آثر المأمومون التطويل , وعددهم ينحصر , بحيث يكون رأيهم في طلب التطويل واحدا ; فلا بأس أن يطول الإمام الصلاة ; لاندفاع المفسدة , وهي التنفير . قال الإمام ابن دقيق العيد : " قول الفقهاء : " لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات " ; لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه كان يزيد على ذلك ; لأن رغبة الصحابة في الخير . تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا " انتهى . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ليس له أن يزيد على قدر المشروع , وينبغي أن يفعل غالبا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبا , ويزيد وينقص للمصلحة ; كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانا للمصلحة " . وقال النووي : " قال العلماء : واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من حال المؤمنين في وقت أنهم يؤثرون التطويل ; فيطول بهم , وفي وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه ; فيخفف , وفي وقت يريد إطالتها , فيسمع بكاء الصبي , فيخفف كما ثبت ذلك في الصحيح " انتهى . ويكره أن يخفف الإمام في الصلاة تخفيفا لا يتمكن معه المأموم من الإتيان بالمسنون ; كقراءة السورة , والإتيان بثلاث تسبيحات في الركوع والسجود . ويسن أن يرتل القراءة , ويتمهل في التسبيح والتشهد بقدر ما يتمكن من خلفه من الإتيان بالمسنون من التسبيح ونحوه , وأن يتمكن من ركوعه وسجوده . ويسن للإمام أن يطيل الركعة الأولى ; لقول أبي قتادة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى متفق عليه . ويستحب للإمام إذا أحس بداخل وهو في الركوع أن يطيل الركوع حتى يلحقه الداخل فيه ويدرك الركعة ; إعانة له على ذلك ; لما رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن أبي أوفى في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه كان يقول في الركعة الأولى من صلاة الظهر , حتى لا يسمع وقع قدم . ما لم يشق هذا الانتظار على مأموم , فإن شق عليه ; تركه , لأن حرمة الذي معه أعظم من حرمة الذي لم يدخل معه . وبالجملة ; فيجب على الإمام أن يراعي أحوال المأمومين , ويراعي إتمام الصلاة وإتقانها , ويكون مقتديا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم , عاملا بوصاياه وأوامره ; ففيها الخير للجميع . وبعض الأئمة قد يتساهل في شأن الإمامة ومسئوليتها , ويتغيب كثيرا عن المسجد , أو يتأخر عن الحضور , مما يحرج المأمومين , ويسبب الشقاق , ويشوش على المصلين , ويكون هذا الإمام قدوة سيئه للكسالى والمتساهلين بالمسئولية ; فمثل هذا يجب الأخذ على يده , حتى يواظب على أداء مهمته بحزم , ولا ينفر المصلين , ويعطل إمامة المسجد , أو ينحى عن الإمامة إذا لم يراجع صوابه . اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#20
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في صلاة أهل الأعذار أهل الأعذار هم المرضى والمسافرون والخائفون الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور , فقد خفف الشارع عنهم , وطلب منهم أن يصلوا حسب استطاعتهم , وهذا من يسر هذه الشريعة وسماحتها , فقد جاءت برفع الحرج : قال الله تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقال تعالى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وقال تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر ; فأتوا منه ما استطعتم . ..إلى غير ذلك من النصوص التي تبين فضل الله على عباده وتيسيره في تشريعه . ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه , وهو ; كيف يصلي من قام به عذر من مرض أو سفر أو خوف ؟ أولا : صلاة المريض إن الصلاة لا تترك أبدا ; فالمريض يلزمه أن يؤدي الصلاة قائما , وإن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه في قيامه ; فلا بأس بذلك ; لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . فإن لم يستطع المريض القيام في الصلاة ; بأن عجز عنه أو شق عليه أو خيف من قيامه زيادة مرض أو تأخر برء ; فإنه - والحالة ما ذكر - يصلي قاعدا . ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام , ولا يكفي لذلك أدنى مشقة , بل المعتبر المشقة الظاهرة . وقد أجمع العلماء على أن من عجز عن القيام في الفريضة ; صلاها قاعدا , ولا إعادة عليه , ولا ينقص ثوابه , وتكون هيئة قعوده حسب ما يسهل عليه , لأن الشارع لم يطلب منه قعدة خاصة ; فكيف قعد ; جاز . فإن لم يستطع المريض الصلاة قاعدا , بأن شق عليه الجلوس مشقة ظاهرة , أو عجز عنه , فإنه يصلي على جنبه , ويكون وجهه إلى القبلة , والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن , وإن لم يكن عنده من يوجهه إلى القبلة , ولم يستطع التوجه إليها بنفسه ; صلى على حسب حاله , إلى أي جهة تسهل عليه . فإذا لم يقدر المريض أن يصلي على جنبه ; تعين عليه أن يصلي على ظهره , وتكون رجلاه إلى القبلة مع الإمكان . وإذا صلى المريض قاعدا , ولا يستطيع السجود على الأرض , أو صلى على جنبه أو على ظهره كما سبق ; فإنه يومئ برأسه للركوع والسجود , ويجعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع . وإذا صلى المريض جالسا وهو يستطيع السجود على الأرض ; وجب عليه ذلك , ولا يكفيه الإيماء . والدليل على جواز صلاة المريض على هذه الكيفية المفصلة ما أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ; قال : كانت بي بواسير , فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : " صل قائما , فإن لم تستطع ; فصل قاعدا , فإن لم تستطع ; فعلى جنبك زاد النسائي : " فإن لم تستطع , فمستلقيا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وهنا يجب التنبيه على أن ما يفعله بعض المرضى ومن تجرى لهم عمليات جراحية , فيتركون الصلاة بحجة أنهم لا يقدرون على أداء الصلاة بصفة كاملة , أو لا يقدرون على الوضوء , أو لأن ملابسهم نجسة , أو غير ذلك من الأعذار , وهذا خطأ كبير ; لأن المسلم لا يجوز له ترك الصلاة . إذا عجر عن بعض شروطها أو أركانها وواجباتها , بل يصليها على حسب حاله , قال الله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وبعض المرضى يقول : إذا شفيت ; قضيت الصلوات التي تركتها , وهذا جهل منهم أو تساهل ; فالصلاة تصلى في وقتها حسب الإمكان , ولا يجوز تأخيرها عن وقتها , فينبغي الانتباه لهذا , والتنبيه عليه , ويجب أن يكون في المستشفيات توعية دينية , وتفقد لأحوال المرضى من ناحية الصلاة وغيرها من الواجبات الشرعية التي هم بحاجة إلى بيانها . وما سبق بيانه هو في حق من ابتدأ الصلاة معذورا , واستمر به العذر إلى الفراغ منها , وأما من ابتدأها وهو يقدر على القيام , ثم طرأ عليه العجز عنه , أو ابتدأها وهو لا يستطيع القيام , ثم قدر عليه في أثنائها , أو ابتدأها قاعدا , ثم عجز عن القعود في أثنائها , أو ابتدأها على جنب , ثم قدر على القعود ; فإنه في تلك الأحوال ينتقل إلى الحالة المناسبة له شرعا , ويتمها عليها وجوبا ; لقوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فينتقل إلى القيام من قدر عليه , وينتقل إلى الجلوس من عجز عن القيام في أثناء الصلاة . .. وهكذا . وأن قدر على القيام والقعود , ولم يقدر على الركوع والسجود , فإنه يومئ برأسه بالركوع قائما , ويومئ بالسجود قاعدا ; ليحصل الفرق بين الإيماءين حسب الإمكان . وللمريض أن يصلي مستلقيا مع قدرته على القيام إذا قال له طبيب مسلم ثقة : لا يمكن مداواتك إلا إذا صليت مستلقيا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا حين جحش شقه , وأم سلمة تركت السجود لرمد بها . ومقام الصلاة في الإسلام . عظيم ; فيطلب من المسلم , بل يحتم عليه أن يقيمها في حال الصحة وحال الأرض ; فلا تسقط عن المريض , لكنه يصليها على حسب حاله ; فيجب على المسلم أن يحافظ عليها كما أمره الله . وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه . ثانيا : صلاة الراكب ومن أهل الأعذار الراكب إذا كان يتأذى بنزوله للصلاة على الأرض بوحل أو مطر , أو يعجز عن الركوب وإذا نزل , أو يخشى فوات رفقته إذا نزل , أو يخاف على نفسه إذا نزل من عدو أو سبع , ففي هذه الأحوال يصلي على مركوبه ; من دابة وغيرها , ولا ينزل إلى الأرض ; لحديث يعلى بن مرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه , وهو على راحلته , والسماء من فوقهم , والبلة من أسفل منهم , فحضرت الصلاة , فأمر المؤذن فأذن وأقام , ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته , فصلى بهم يومئ إيماء ; يجعل السجود أخفض من الركوع " رواه أحمد والترمذي . ويجب على من يصلي الفريضة على مركوبه لعذر مما سبق أن يستقبل القبلة إن استطاع ; لقوله تعالى : وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ويجب عليه فعل ما يقدر عليه من ركوع وسجود وإيماء بهما وطمأنينة ; لقوله تعالى . فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وما لا يقدر عليه لا يكلف به . وإن لم يقدر على استقبال القبلة ; لم يجب عليه استقبالها , وصلى على حسب حاله , وكذلك راكب الطائرة يصلي فيها بحسب استطاعته من قيام أو قعود وركوع وسجود أو إيماء بهما ; بحسب استطاعته , مع استقبال القبلة ; لأنه ممكن . ثالثا : صلاة المسافر ومن أهل الأعذار المسافر , فيشرع له قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين ; كمـا دل على ذلك الكتـاب والسنة والإجمـاع , قال الله تعالى : وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ والنبي صلى الله عليـه وسلم لم يصل في السفر إلا قصرا , والقصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلمـاء , وفي " الصحيحين " : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ; فأقرت صلاة السفر , وزيد في صلاة الحضر وقال ابن عمر : صلاة السفر ركعتان , تمام غير قصر . ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده ; لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض , وقبل خروجه من بلده لا يكون ضاربا في الأرض ولا مسافرا , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل , ولأن لفظ السفر معناه الإسفار ; أي : الخروج إلى الصحراء , يقال : سفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته , فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن ; لم يكن مسافرا . ويقصر المسافر الصلاة , ولو كان يتكرر سفره , كصاحب البريد وسيارة الأجرة ممن يتردد أكثر وقته في الطريق بين البلدان . ويجوز للمسافر الجمع بين الظهر والعصر , والجمع بين المغرب والعشاء ; في وقت أحدهما ; فكل مسافر يجوز له القصر , فإنه يجوز له الجمع , وهو رخصة عارضة , يفعله عند الحاجة , كما إذا جد به السير ; لما روى معاذ رضي الله عنه ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك : إذا ارتحل قبل زيغ الشمس ; أخر الظهر حتى يجمعه إلى العصر ويصليهما جميعا , وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس ; صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار , وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء رواه أبو داود والترمذي . وإذا نزل المسافر في أثناء سفره للراحة ; فالأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع . ويباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة , فإذا احتاجوا الجمع , جمعوا , والأحاديث كلها تدل على أنه يجمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته , فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة , وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى " اه . وقال أيضا : " يجمع المرضى كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين , ويباح الجمع لمن يعجز عن الطهارة لكل صلاة ; كمن به سلس بول , أو جرح لا يرقأ دمه , أو رعاف دائم ; قياسا على المستحاضة ; فقد قال عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة : وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر , فتغتسلين , ثم تصلين الظهر والعصر جمعا , ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء , ثم تغتسلين , وتجمعين بين الصلاتين ; فافعلي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه . ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة لحصول مطر يبل الثياب , وتوجد معه مشقة ; لأنه عليه الصلاة والسلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة , وفعله أبو بكر وعمر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك , وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء , وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم , بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة ; إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة , وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين , والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع , كمالك والشافعي وأحمد " انتهى . ومن يباح له الجمع ; فالأفضل له أن يفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم , والأفضل بعرفة جمع التقديم بين الظهر والعصر , وبمزدلفة الأفضل جمع التأخير بين المغرب والعشاء , لفعله عليه الصلاة والسلام , وجمع التقديم بعرفة لأجل اتصال الوقوف , وجمع التأخير بمزدلفة من أجل مواصلة السير إليها . وبالجملة , فالجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة سنة , وفي غيرهما مباح يفعل عند الحاجة , وإذا لم تدع إليه حاجة , فالأفضل للمسافر أداء كل صلاة في وقتها ; فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في أيام الحج إلا بعرفة ومزدلفة , ولم يجمع بمنى ; لأنه نازل , وإنما كان يجمع إذا جد به السير . هذا ونسأل الله للجميع التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح . رابعا : صلاة الخوف تشرع صلاة الخوف في كل قتال مباح ; كقتال الكفار والبغاة والمحاربين ; لقوله تعالى : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقيس عليه الباقي ممن يجوز قتاله , ولا تجوز صلاة الخوف في قتال محرم . والدليل على مشروعية صلاة الخوف الكتاب والسنة والإجماع : قال الله تعالى : وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ قال الإمام أحمد رحمه الله : " صحت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة كلها جائزة " اهـ . فهي مشروعة في زمنه عليه الصلاة والسلام , وتستمر مشروعيتها إلى آخر الدهر , وأجمع على ذلك الصحابة وسائر الأئمة ما عدا خلافا قليلا لا يعتد به . وتفعل صلاة الخوف عند الحاجة إليها سفرا وحضرا , إذا خيف هجوم العدو على المسلمين ; لأن المبيح لها هو الخوف لا السفر , لكن صلاة الخوف في الحضر لا يقصر فيها عدد الركعات , وإنما تقصر فيها صفة الصلاة , وصلاة الخوف في السفر يقصر فيها عدد الركعات إذا كانت رباعية , وتقصر فيها الصفة . وتشرع صلاة الخوف بشرطين : الشرط الأول : أن يكون العدو يحل قتاله كما سبق . الشرط الثاني : أن يخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة ; لقوله تعالى : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقوله : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ومن صفات صلاة الخوف الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهل ابن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه , وقد اختار الإمام أحمد العمل بها ; لأنها أشبه بالصفة المذكورة في القرآن الكريم , وفيها احتياط للصلاة واحتياط للحرب , وفيها نكاية بالعدو , وقد فعل عليه الصلاة والسلام هذه الصلاة في غزوة ذات الرقاع , وصفتها كما رواها سهل هي : أن طائفة صفت مع النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة وجاه العدو , فصلى بالتي معه ركعة , ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم , ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو , وجاءت الطائفة الأخرى , فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته , ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم , ثم سلم بهم " متفق عليه . ومن صفات صلاة الخوف ما روى جابر , قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف , فصففنا صفين - والعدو بيننا وبين القبلة - , فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا , ثم ركع وركعنا جميعا , ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا , ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه , وقال الصف المؤخر في نحر العدو , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود , وقام الصف الذي يليه ; انحدر الصف المؤخر بالسجود , وقاموا , ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم , ثم ركع وركعنا جميعا , ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا , ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وكان مؤخرا في الركعة الأولى , وقال الصف المؤخر في نحر العدو , فلما قضى صلى الله عليه وسلم السجود , وقال الصف الذي يليه ; انحدر الصف المؤخر بالسجود , فسجدوا , ثم سلم صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا رواه مسلم . ومن صفات صلاة الخوف ما رواه ابن عمر , قال : صلى النبي صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين والأخرى مواجهة العدو , ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو , وجاء أولئك , فصلى بهم ركعة , ثم سلم , ثم قضى هؤلاء ركعة , وهؤلاء ركعة متفق عليه . ومن صفات صلاة الخوف أن يصلي بكل طائفة صلاة , ويسلم بها , رواه أحمد وأبو داود والنسائي. ومن صفات صلاة الخوف ما رواه جابر ; قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , " حتى إذا كنا بذات الرقاع " قال : " فنودي للصلاة , فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا , فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين " قال : " فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان متفق عليه . وهذه الصفات تفعل إذا لم يشتد الخوف , فإذا اشتد الخوف , بأن تواصل الطعن والضرب والكر والفر , ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما ذكر , وحان وقت الصلاة ; صلوا على حسب حالهم , رجالا وركبانا , للقبلة وغيرها يومئون بالركوع والسجود حسب طاقتهم , ولا يؤخرون الصلاة , لقوله تعالى : فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا أي : فصلوا رجالا أو ركبانا , والرجال جمع راجل , وهو الكائن على رجليه ماشيا أو واقفا , والركبان جمع راكب . ويستحب أن يحمل معه في صلاة الخوف من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله , لقوله تعالى : وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ومثل شدة الخوف حالة الهرب من عدو أو سيل أو سبع أو خوف فوات عدو يطلبه ; فيصلي في هذه الحالة راكبا أو ماشيا , مستقبل القبلة وغير مستقبلها , يومئ بالركوع والسجود . ونستفيد من صلاة الخوف على هذه الكيفيات العجيبة والتنظيم الدقيق : أهمية الصلاة في الإسلام , وأهمية صلاة الجماعة بالذات ; فإنهما لم يسقطا في هذه الأحوال الحرجة ; كما نستفيد كمال هذه الشريعة الإسلامية , وأنها شرعت لكل حالة ما يناسبها , كما نستفيد نفي الحرج عن هذه الأمة , وسماحة هذه الشريعة , وصلاحيتها لكل زمان ومكان . نسأل الله أن يرزقنا التمسك بها والوفاة عليها ; إنه سميع مجيب . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#21
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في أحكام صلاة الجمعة سميت بذلك لجمعها الخلق الكثيـر , ويومها أفضل أيـام الأسبوع , ففي " الصحيحين " وغيرهما : من أفضل أيامكم يوم الجمعة وقال صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة , بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا , ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم , فاختلفوا فيه , فهدانا الله له , والناس لنا فيه تبع وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا , فكان لليهود يوم السبت , وللنصارى يوم الأحد , فجاء الله بنا , فهدانا ليوم الجمعة شرع اجتماع المسلمين فيه لتنبيههم على عظم نعمة الله عليهم , وشرعت فيه الخطبة لتذكيرهم بتلك النعمة , وحثهم على شكرها , وشرعت فيه صلاة الجمعة في وسط النهار , ليتم الاجتماع في مسجد واحد . وأمر الله المؤمنين بحضور ذلك الاجتماع واستماع الخطبة وإقامة تلك الصلاة , قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابن القيم : " كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره , وقد اختلف العلماء , هل هو أفضل أم يوم عرفة ; على قولين , هما وجهان لأصحاب الشافعي , وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( الم تنزيل ) , و هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ إلى أن قال : " وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها ; فإنهما اشتملتا على خلق آدم , وعلى ذكر المعاد , وحشر العباد , وذلك يكون يوم الجمعة , وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون , والسجدة جاءت تبعا , ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت ( يعني : من أي سورة ) " ومن خصائص يوم الجمعة استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته ; لقوله صلى الله عليه وسلم : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة رواه البيهقي . ومن أعظم خصائص يوم الجمعة صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين , من تركها تهاونا بها , طبع الله على قلبه . ومن خصائص يوم الجمعة الأمر بالاغتسال فيه , وهو سنة مؤكدة , ومن العلماء من يوجبه مطلقا , ومنهم يوجبه في حق من به رائحة يحتاج إلى إزالتها . ومن خصائص يوم الجمعة استحباب التطيب فيه , وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع . ومن خصائص هذا اليوم ; استحباب التبكير للذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة , والاشتغال بالصلاة النافلة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام للخطبة , ووجوب الإنصات للخطبة إذا سمعها , فإن لم ينصت للخطبة , كان لاغيا , ومن لغا , فلا جمعة له , وتحريم الكلام وقت الخطبة ; ففي " المسند " مرفوعا : والذي يقول لصاحبه : أنصت , فلا جمعة له ومن خصائص يوم الجمعة قراءة سورة الكهف في يومها ; فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ; سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء , يضيء به يوم القيامة , وغفر له ما بين الجمعتين رواه الحاكم والبيهقي . ومن خصائص يوم الجمعة أن فيه ساعة الإجابة ; ففي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة : إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا , إلا أعطاه إياه ( وقال بيده ; يقللها ) ومن خصائص يوم الجمعة أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله جمع بالرسالة وتذكير العباد . وخصائص هذا اليوم كثيرة , ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه " زاد المعاد " , فأوصلها إلى ثلاث وثلاثين ومئة . ومع هذا ; يتساهل كثير من الناس في حق هذا اليوم , فلا يكون له مزية عندهم على غيره من الأيام , والبعض الآخر يجعل هذا اليوم وقتا للكسل والنوم , والبعض يضيعه باللهو واللعب والغفلة عن ذكر الله , حتى إنه لينقص عدد المصلين في المساجد في فجر ذلك اليوم نقصا ملحوظا ; فلا حول ولا قوة إلا بالله . ويستحب التبكير في الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة , فإذا دخل المسجد ; صلى تحية المسجد ركعتين . وإن كان مبكرا فأراد أن يتنفل بزيادة صلوات ; فلا مانع من ذلك ; لأن السلف كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام ; لما في " الصحيح " من قوله صلى الله عليه وسلم " ثم يصلي ما كتب له " , بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت , وهو المأثور عن الصحابة , كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة ; يصلون من حين يدخلون ما تيسر ; فمنهم من يصلي عشر ركعات , ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة , ومنهم من يصلي ثماني ركعات , ومنهم من يصلي أقل من ذلك , ولهذا ; كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد , والصلاة قبل الجمعة حسنة , وليست بسنة راتبة , وإن فعل أو ترك , لم ينكر عليه , وهذا أعدل الأقوال , وحينئذ ; فقد يكون الترك أفضل , إذا اعتقد الجهال أنها سنة راتبة " ا ه . هذا ما يتعلق بصلاة النافلة قبل صلاة الجمعة ; فليس لها راتبة قبلها , وإنما راتبتها بعدها , ففي " صحيح مسلم " : إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات وفي " الصحيحين " : أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين والجمع بين الحديثين أنه إن صلى في بيته ; صلى ركعتين , وإن صلى في المسجد , صلى أربع ركعات , وإن شاء صلى ست ركعات ; لقول ابن عمر : و كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة , تقدم فصلى ركعتين , ثم تقدم فصلى أربعاوالأحقية في المكان في المسجد للسابق بالحضور بنفسه , وأما ما يفعله الناس من حجز مكان في المسجد , توضع فيه سجادة أو عصا أو نعلان , ويتأخر هو عن الحضور , ويحرم المتقدم من ذلك المكان , فإن ذلك عمل غير سائغ , بل صرح بعض العلماء أن لمن أتى المسجد رفع ما وضع في ذلك المكان والصلاة فيه ; لأن السابق يستحق الصلاة في الصف الأول , ولأن وضع الحمى للمكان في المسجد دون حضور من الشخص اغتصاب للمكان . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش ونحوها إلى المسجد يوم الجمعة قبل صلاتهم ; فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين , بل محرم , وهل تصح صلاة على ذلك المفروش ؟ فيه قولان للعلماء ; لأنه غصب بقعة في المسجد بفرش ذلك المفروش فيها , ومنع غيره من المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان , والمأمور به أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد , فإذا قدم المفروش ونحوه وتأخر هو ; فقد خالف الشريعة من جهتين : من جهة تأخره وهو مأمور بالتقدم , ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد ومنعه السابقين له , وأن يتموا الصف الأول فالأول , ثم إنه إذا حضر يتخطى رقاب الناس " ا هـ . ومن أحكام الجمعة أن من دخل المسجد والإمام يخطب ; لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما ; لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام ; فليصل ركعتين , متفق عليه زاد مسلم : وليتجوز فيهما أي : يسرع . فإن جلس ; قام فأتى بهما , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذي جلس قبل أن يصليهما , فقال له : قم فاركع ركعتين ومن أحكام صلاة الجمعة أنه لا يجوز الكلام والإمام يخطب : لقوله تعالى : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قال بعض المفسرين : " إنها نزلت في الخطبة , وسميت قرانا ; لاشتمالها على القرآن " , وحتى على القول الآخر بأن الآية نزلت في الصلاة , فإنها تشمل بعمومها الخطبة . وقال صلى الله عليه وسلم : من قال صه ; فقد لغا , ومن لغا ; فلا جمعة له رواه أحمد . وفي الحديث الآخر : من تكلم , فهو كالحمار يحمل أسفارا , والذي يقول له : أنصت ; ليست له جمعة والمراد لا جمعة له كاملة . وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة : إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب ; فقد لغوت أي : قلت اللغو , واللغو الإثم , فإذا كان الذي يقول للمتكلم : أنصت - وهو في الأصل يأمر بمعروف - , قد لغا , وهو منهي عن ذلك ; فغير ذلك من الكلام من باب أولى . ويجوز للإمام أن يكلم بعض المأمومين حال الخطبة , ويجوز لغيره أن يكلمه لمصلحة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم سائلا , وكلمه هو , وتكرر ذلك في عدة وقائع كلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة وكلموه حال الخطبة فيما فيه مصلحة وتعلم , ولأن ذلك لا يشغل عن سماع الخطبة . ولا يجوز لمن يستمع الخطبة أن يتصدق على السائل وقت الخطبة , لأن السائل فعل ما لا يجوز له فعله ; فلا يعينه على ما لا يجوز , وهو الكلام حال الخطبة . وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعها من الخطيب , ولا يرفع صوته بها ; لئلا يشغل غيره بها . ويسن أن يؤمن على دعاء الخطيب بلا رفع صوت . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ورفع الصوت قدام الخطيب مكروه أو محرم اتفاقا , ولا يرفع المؤذن ولا غيره صوته بصلاة ولا غيرها " اه . ويلاحظ أن هذا الذي نبه عليه الشيخ لا يزال موجودا في بعض الأمصار , من رفع الصوت بالصلاة على الرسول أو غير ذلك من الأدعية حال الخطبة أو قبلها أو بين الخطبتين , وربما أن بعض الخطباء يأمر الحاضرين بذلك , وهذا جهل وابتداع لا يجوز فعله . ومن دخل والإمام يخطب ; فإنه لا يسلم , بل ينتهي إلى الصف بسكينة , ويصلي ركعتين خفيفتين كما سبق , ويجلس لاستماع الخطبة , ولا يصافح من بجانبه . ولا يجوز له العبث حال الخطبة بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك ; لقوله صلى الله عليه وسلم : من مس الحصا ; فقد لغا , ومن لغا , فلا جمعة له صححه الترمذي , ولأن العبث يمنع الخشوع . وكذلك لا ينبغي له أن يتلفت يمينا وشمالا , ويشتغل بالنظر إلى الناس , أو غير ذلك , لأن ذلك يشغله عن الاستماع للخطبة , ولكن ليتجه إلى الخطيب كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة . وإذا عطس ; فإنه يحمد الله سرا بينه وبين نفسه . ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها وإذا جلس الإمام بين الخطبتين لمصلحة , لكن لا ينبغي التحدث بأمور الدينا . وبالجملة ; فخطبتا الجمعة لهما أهمية عظيمة في الإسلام ; لما تشتملان عليه من تلاوة القرآن وذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم , وتضمنهما التوجيهات النافعة والموعظة الحسنة والتذكير بأيام الله , فيجب الاهتمام بهما من قبل الخطيب ومن قبل المستمعين ; فليست خطبة الجمعة مجرد حديث عادي كالأحاديث التي تلقى في النوادي والاحتفالات والاجتماعات العادية . ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض المستمعين لخطبتي الجمعة يرفع صوته بالتعوذ عندما يسمع شيئا من الوعيد في الخطبة , أو يرفع صوته بالسؤال والدعاء عندما يسمع شيئا من ذكر الثواب أو الجنة , وهذا شيء لا يجوز , وهو داخل في الكلام المنهي عنه حال الخطبة . وقد دلت النصوص على أن الكلام حال الخطبة يفسد الأجر , وأن المتكلم لا جمعة له , وأنه كالحمار يحمل أسفارا , فيجب الحذر من ذلك والتحذير منه . وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن صلاة الجمعة فرض مستقل , ليست بدلا من الظهر . قال عمر رضي الله عنه : " صلاة الجمعة ركعتان , تمام غير قصر , على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وذلك لأنها تخالف صلاة الظهر في أحكام كثيرة , وهي أفضل من صلاة الظهر , وآكد منها , لأنه ورد على تركها زيادة تهديد , ولأن لها شروطا وخصائص ليست لصلاة الظهر , ولا تجزئ عنها صلاة الظهر ممن وجبت عليه ما لم يخرج وقتها ; فصلاة الظهر حينئذ تكون بدلا عنها . وصلاة الجمعة فرض عين على كل مسلم ذكر حر مكلف مستوطن : روى أبو داود بسنده عن طارق بن شهاب مرفوعا : الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة , إلا أربعة : عبد مملوك , أو امرأة , أو صبي , أو مريض إسناده ثقات , وصححه غير واحد . وروى الدارقطني بسنده عن جابر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ; فعليه الجمعة يوم الجمعة ; إلا مريضا , أو مسافرا , أو صبيا , أو مملوكا قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " كل قوم مستوطنين ببناء متقارب , لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا , تقام فيه الجمعة إذا كان مبنيا بما جرت به عادتهم من مدر أو خشب أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك , فإن أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك , وإنما الأصل أن يكونوا مستوطنين , ليسوا كأهل الخيام والحلل , الذين ينتجعون في الغالب مواقع القطر , وينتقلون في البقاع , وينقلون بيوتهم معهم إذا انتقلوا " انتهى . ولا تجب الجمعة على مسافر سفر قصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره , فلم يصل أحد منهم الجمعة في السفر . ومن خرج إلى البر في نزهة أو غيرها , ولم يكن حوله مسجد تقام فيه الجمعة , فلا جمعة عليه , ويصلي ظهرا . ولا تجب على امرأة . قال ابن المنذر وغيره : " أجمعوا أن لا جمعة على النساء , وأجمعوا أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة ; أن ذلك يجزئ عنهن , وكذلك إذا حضرها المسافر ; أجزأته , وكذلك المريض ; لأن إسقاطها عن هؤلاء للتخفيف عنهم , ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد زوال الشمس حتى يصليها , وقبل الزوال يكره السفر إن لم يكن سيصليها في طريقه " و يشترط لصحة الجمعة 1- دخول الوقت ; لأنها صلاة مفروضة , فاشترط لها دخول الوقت كبقية الصلوات ; فلا تصح قبل وقتها ولا بعده , لقوله تعالى : إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا وأداؤها بعد الزوال أفضل وأحوط ; لأنه الوقت الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته , وأداؤها قبل الزوال محل خلاف بين العلماء , وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر , بلا خلاف . 2 - أن يكون المصلون مستوطنين بمساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به ; فلا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر الذين ينتجعون في الغالب مواطن القطر وينقلون بيوتهم ; فقد كانت قبائل العرب حول المدينة , ولم يأمرهم النبي -179- صلى الله عليه وسلم بصلاة الجمعة . ومن أدرك مع الإمام من صلاة الجمعة ركعة ; أتمها جمعة ; لحديث أبي هريرة مرفوعا : من أدرك ركعة من الجمعة , فقد أدرك الصلاة رواه البيهقي , وأصله في " الصحيحين " . وإن أدرك أقل من ركعة , بأن رفع الإمام رأسه من الركعة الثانية قبل دخوله معه ; فاتته صلاة الجمعة , فيدخل معه بنية الظهر , فإذا سلم الإمام , أتمها ظهرا . 3 - ويشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتين ; لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما , وقال ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم , يفصل بينهما بجلوس متفق عليه . ومن شروط صحتهما : حمد الله , والشهادتان , والصلاة على رسوله , والوصية بتقوى الله , والموعظة , وقراءة شيء من القرآن , ولو آية ; بخلاف ما عليه خطب بعض المعاصرين اليوم , من خلوها من هذه الشروط أو غالبها .قال الإمام ابن القيم : " ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه ; وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد , وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الإيمان الكلية , والدعوة إلى الله , وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه , وأيامه التي تخوفهم من بأسه , والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه ; فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه , ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه , فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم . ثم طال العهد , وخفي نور النبوة , وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها , فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها , وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها , فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع , فنقص بل عدم حظ القلوب منها , وفات المقصود بها " . هذا ما قاله الإمام ابن القيم في طابع الخطب في عصره , وقد زاد الأمر على ما وصف , حتى صار الغالب على الخطب اليوم أنها حشو من الكلام قليل الفائدة : فبعض الخطباء أو كثير منهم يجعل الخطبة كأنها موضوع إنشاء مدرسي , يرتجل فيه ما حضره من الكلام بمناسبة وبدون مناسبة , ويطيل الخطبة تطويلا مملا , حتى إن بعضهم يهمل شروط الخطبة أو بعضها , ولا يتقيد بمواصفاتها الشرعية , فهبطوا بالخطب إلى هذا المستوى الذي لم تعد معه مؤدية للغرض المطلوب من التأثير والتأثر والإفادة . وبعض الخطباء يقحم في الخطبة مواضيع لا تتناسب مع موضوعها , وليس من الحكمة ذكرها في هذا المقام , وقد لا يفهمها غالب الحضور , لأنها أرفع من مستواهم , فيدخلون فيها المواضيع الصحفية والأوضاع السياسية وسرد المجريات التي لا يستفيد منها الحاضرون . فيا أيها الخطباء ! عودوا بالخطبة إلى الهدي النبوي , لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ركزوا مواضيعها على نصوص من القرآن والسنة التي تتناسب مع المقام , ضمنوها الوصية بتقوى الله والموعظة الحسنة , عالجوا بها أمراض مجتمعاتكم بأسلوب واضح مختصر , أكثروا فيها من قراءة القرآن العظيم الذي به حياة القلوب ونور البصائر . إنه ليس المقصود وجود خطبتين فقط , بل المقصود أثرهما في المجتمع ; كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت , لأنه لا بد من اسم الخطبة عرفا بما يحرك القلوب ويبعث بها إلى الحير , وذم الدنيا والتحذير منها مما تواصى به منكرو الشرائع , بل لا بد من الحث على الطاعة , والزجر عن المعصية , والدعوة إلى الله , والتذكير بآلائه " , وقال . " ولا تحصل الخطبة باختصار يفوت به المقصود , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب , احمرت عيناه , وعلا صوته , واشتد غضبه , حتى كأنه منذر جيش , يقول : صبحكم ومساكم " اه . وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يسن في خطبتي الجمعة أن يخطب على منبر ; لفعله عليه الصلاة والسلام , ولأن ذلك أبلغ في الإعلام وأبلغ في الوعظ حينما يشاهد الحضور الخطيب أمامهم . قال النووي رحمه الله : " واتخاذه سنة مجمع عليها " . ويسن أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا أقبل عليهم ; لقول جابر : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر , سلم رواه ابن ماجه وله شواهد . ويسن أن يجلس على المنبر إلى فراغ المؤذن , لقول ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن , ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود . ومن سنن خطبتي الجمعة أن يجلس بينهما , لحديث ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم , يفصل بينهما بجلوس متفق عليه . ومن سننهما أن يخطب قائما ; لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم , ولقوله تعالى : وَتَرَكُوكَ قَائِمًا وعمل المسلمين عليه . ويسن أن يعتمد على عصا ونحوه . ويسن أن يقصد تلقاء وجهه ; لفعله صلى الله عليه وسلم , ولأن التفاته إلى أحد جانبيه إعراض عن الآخر ومخالفة للسنة ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد تلقاء وجهه في الخطبة , ويستقبله الحاضرون بوجوههم ; لقول ابن مسعود رضي الله عنه : كان إذا استوى على المنبر ; استقبلناه بوجوهنا رواه الترمذي . ويسن أن يقصر الخطبة تقصيرا معتدلا , بحيث لا يملوا وتنفر نفوسهم , ولا يقصرها تقصيرا مخلا , فلا يستفيدون منها , فقد روى الإمام مسلم عن عمار مرفوعا : إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ; فأطيلوا الصلاة , وأقصروا الخطبة ومعنى قوله : " مئنة من فقهه " ; أي : علامة على فقهه . ويسن أن يرفع صوته بها ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب ; علا صوته , واشتد غضبه , ولأن ذلك أوقع في النفوس , وأبلغ في الوعظ , وأن يلقيها بعبارات واضحة قوية مؤثرة وبعبارات جزلة . ويسن أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم , ويدعو لإمام المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق , وكان الدعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفا عند المسلمين , وعليه عملهم ; لأن الدعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والصلاح من منهج أهل السنة والجماعة , وتركه من منهج المبتدعة , قال الإمام أحمد : " لو كان لنا دعوة مستجابة ; لدعونا بها للسلطان " , ولأن في صلاحه صلاح المسلمين . وقد تركت هذه السنة حتى صار الناس يستغربون الدعاء لولاة الأمور , ويسيئون الظن بمن يفعله . ويسن إذا فرغ من الخطبتين أن تقام الصلاة مباشرة , وأن يشرع في الصلاة من غير فصل طويل . وصلاة الجمعة ركعتان بالإجماع , يجهر فيهما بالقراءة , ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بسورة الجمعة بعد الفاتحة , ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة بسورة المنافقين ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما ; كما رواه مسلم عن ابن عباس , أو يقرأ في الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية بـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانا بالجمعة والمنافقين , وأحيانا ب ( سبح ) والغاشية , ولا يقسم سورة واحدة من هذه السور بين الركعتين , لأن ذلك خلاف السنة . والحكمة في الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة كون ذلك أبلغ في تحصيل المقصود . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#22
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في أحكام صلاة العيدين صلاة العيدين - عيد الفطر وعيد الأضحى - مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين , وقد كان المشركون يتخذون أعيادا زمانية ومكانية , فأبطلها الإسلام , وعوض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى ; شكرا لله تعالى على أداء هاتين العبادتين العظيمتين : صوم رمضان , وحج بيت الله الحرام . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه لما قدم المدينة , وكان لأهلها يومان يلعبون فيهما ; قال صلى الله عليه وسلم : قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما , يوم النحر , ويوم الفطر قلا تجوز الزيادة على هذين العيدين بإحداث أعياد أخرى كأعياد الموالد وغيرها ; لأن ذلك زيادة على ما شرعه الله , وابتداع في الدين , ومخالفة لسنة سيد المرسلين , وتشبه بالكافرين , سواء سميت أعيادا أو ذكريات أو أياما أو أسابيع أو أعواما , كل ذلك ليس من سنة الإسلام , بل هو من فعل الجاهلية , وتقليد للأمم الكفرية من الدول الغربية وغيرها , وقد قال صلى الله عليه وسلم : من تشبه بقوم , فهو منهما وقال صلى الله عليه وسلم : إن أحسن الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها , وكل بدعة ضلالة نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه , وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . وسمي العيد عيدا لأنه يعود ويتكرر كل عام , ولأنه يعود بالفرح والسرور , ويعود الله فيه بالإحسان على عباده على إثر أدائهم لطاعته بالصيام والحج . والدليل على مشروعية صلاة العيد : قوله تعالى : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وقوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يداومون عليها . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حتى النساء , فيسن للمرأة حضورها غير متطيبة ولا لابسة لثياب زينة أو شهرة ; لقوله عليه الصلاة والسلام : وليخرجن تفلات , ويعتزلن الرجال , ويعتزل الحيض المصلى قالت أم عطية رضي الله عنها : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد , حتى تخرج البكر من خدرها , وحتى تخرج الحيض , فيكن خلف الناس , فيكبرن بتكبيرهم , ويدعون بدعائهم ; يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته والخروج لصلاة العيد وأداء صلاة العيد على هذا النمط المشهود من الجميع فيه إظهار لشعار الإسلام , فهي من أعلام الدين الظاهرة , وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للعيد يوم الفطر من السنة الثانية من الهجرة , ولم يزل صلى الله عليه وسلم يواظب عليها حتى فارق الدنيا صلوات الله وسلامه عليه , واستمر عليها المسلمون خلفا عن سلف , فلو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها فيهم , قاتلهم الإمام ; لأنها من أعلام الدين الظاهرة ; كالأذان . وينبغي أن تؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة ; فعن أبي سعيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى متفق عليه , ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر , ولأن الخروج إلى الصحراء أوقع لهيبة المسلمين والإسلام , وأظهر لشعائر الدين , ولا مشقة في ذلك ; لعدم تكرره ; بخلاف الجمعة ; إلا في مكة المشرفة ; فإنها تصلى في المسجد الحرام . ويبدأ وقت صلاة العيد إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح , لأنه الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها فيه , ويمتد وقتها إلى زوال الشمس . فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال , صلوا من الغد قضاء ; لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار ; قالوا : غم علينا هلال شوال , فأصبحنا صياما , فجاء ركب في آخر النهار , فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم , وأن يخرجوا غدا لعيدهما رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وحسنه , وصححه جماعة من الحفاظ , فلو كانت تؤدى بعد الزوال ; لما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغد , ولأن صلاة العيد شرع لها الاجتماع العام ; فلا بد أن يسبقها وقت يتمكن الناس من التهيؤ لها . ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر ; لما روى الشافعي مرسلا ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم : أن عجل الأضحى , وأخر الفطر , وذكر الناس وليتسع وقت التضحية بتقديم الصلاة في الأضحى , وليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر قبل صلاة الفطر . ويسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات , وأن لا يطعم يوم النحر حتى يصلي ; لقول بريدة : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر , ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي رواه أحمد وغيره . قال الشيخ تقي الدين : " لما قدم الله الصلاة على النحر في قوله : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وقدم التزكي على الصلاة في قوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى كانت السنة أن الصدقة قبل الصلاة في عيد الفطر , وأن الذبح بعد الصلاة في عيد النحر . ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد ; ليتمكن من الدنو من الإمام , وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة , فيكثر ثوابه . ويسن أن يتجمل المسلم لصلاة العيد بلبس أحسن الثياب , لحديث جابر . كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة رواه ابن خزيمة قي " صحيحه " , وعن ابن عمر أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه رواه البيهقي بإسناد جيد . ويشترط لصلاة العيد الاستيطان ; بأن يكون الذين يقيمونها مستوطنين في مساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به , كما في صلاة الجمعة ; فلا تقام صلاة العيد إلا حيث يسوغ إقامة صلاة الجمعة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق العيد في حجته , ولم يصلها , وكذلك خلفاؤه من بعده . وصلاة العيد ركعتان قبل الخطبة , لقول ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه , وقد استفاضت السنة بذلك وعليه عامة أهل العلم , قال الترمذي : " والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم , أن صلاة العيدين قبل الخطبة " . وحكمة تأخير الخطبة عن صلاة العيد وتقديمها على صلاة الجمعة أن خطبة الجمعة شرط للصلاة , والشرط مقدم على المشروط , بخلاف خطبة العيد ; فإنها سنة . وصلاة العيدين ركعتان بإجماع المسلمين , وفي " الصحيحين " وغيرهما عن ابن عباس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر , فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما و قال عمر : صلاة الفطر والأضحى ركعتان , تمام غير قصر , على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم , وقد خاب من افترى رواه أحمد وغيره . ولا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة ; لما روى مسلم عن جابر : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين , فبدأ بالصلاة قبل الخطبة , بغير أذان ولا إقامة ويكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ست تكبيرات ; فتكبيرة الإحرام ركن , لا بد منها , لا تنعقد الصلاة بدونها , وغيرها من التكبيرات سنة , ثم يستفتح بعدها ; لأن الاستفتاح في أول الصلاة , ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد الست , ثم يتعوذ عقب التكبيرة السادسة ; لأن التعوذ للقراءة , فيكون عندها , ثم يقرأ . ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال ; لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة , سبعا في الأولى , وخمسا في الآخرة وإسناده حسن . وروي غير ذلك في عدد التكبيرات : قال الإمام أحمد رحمه الله : " اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير , وكله جائز " ويرفع يديه مع كل تكبيرة ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير . ويسن أن يقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا , وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا ; لقول عقبة بن عامر : سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد ; قال : " يحمد الله , ويثني عليه , ويصلي على النبي ورواه البيهقي بإسناده عن ابن مسعود قولا وفعلا . وقال حذيفة : " صدق أبو عبد الرحمن " . وإن أتى بذكر غير هذا ; فلا بأس , لأنه ليس فيه ذكر معين . قال ابن القيم : " كان يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة , ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات " اه . وإن شك في عدد التكبيرات , بنى على اليقين , وهو الأقل . وإن نسي التكبير الزائد حتى شرع في القراءة ; سقط ; لأنه سنة فات محلها وكذا إن أدرك المأموم الإمام بعدما شرع في القراءة ; لم يأت بالتكبيرات الزوائد , أو أدركه راكعا ; فإنه يكبر تكبيرة الإحرام , ثم يركع , ولا يشتغل بقضاء التكبير . وصلاة العيد ركعتان , يجهر الإمام فيهما بالقراءة , لقول ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء رواه الدارقطني , وقد أجمع العلماء على ذلك , ونقله الخلف عن السلف , واستمر عمل المسلمين عليه . ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ويقرأ في الركعة الثانية بالغاشية , لقول سمرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ رواه أحمد . أو يقرأ في الركعة الأولى ب ( ق ) , وفي الثانية ب ( اقتربت ) , لما في " صحيح مسلم " و " السنن " وغيرها ; أنه صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ ب ( ق ) و ( اقتربت ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " مهما قرأ به ; جاز , كما تجوز القراءة في نحوها من الصلوات , لكن إن قرأ : ( ق ) و ( اقتربت ) أو نحو ذلك مما جاء في الأثر ; كان حسنا , وكانت قراءته في المجامع الكبار بالسور المشتملة على التوحيد والأمر والنهي والمبدأ والمعاد وقصص الأنبياء مع أممهم وما عامل الله به من كذبهم وكفر بهم وما حل بهم من الهلاك والشقاء ومن آمن بهم وصدقهم وما لهم من النجاة والعافية " انتهى . فإذا سلم من الصلاة ; خطب خطبتين , يجلس بينهما ; لما روى عبيد الله بن عبيد الله بن عتبة ; قال : السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين , يفصل بينهما بجلوس رواه الشافعي , ولابن ماجه عن جابر : خطب قائما , ثم قعد قعدة , ثم قام وفي " الصحيح " وغيره : بدأ بالصلاة , ثم قام متوكئا على بلال , فأمر بتقوى الله , وحث على طاعته . .. الحديث , ولمسلم . ثم ينصرف , فيقوم مقابل الناس , والناس جلوس على صفوفهم ويحثهم في خطبة عيد الفطر على إخراج صدقة الفطر , ويبين لهم أحكامها ; من حيث مقدارها , ووقت إخراجها , ونوع المخرج فيها . ويرغبهم في خطبة عيد الأضحى في ذبح الأضحية , ويبين لهم أحكامها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في خطبة الأضحى كثيرا من أحكامها . وهكذا ينبغي للخطباء أن يركزوا في خطبهم على المناسبات ; فيبينوا للناس ما يحتاجون إلى بيانه في كل وقت بحسبه بعد الوصية بتقوى الله والوعظ والتذكير , لا سيما في هذه المجامع العظيمة والمناسبات الكريمة ; فإنه ينبغي أن تضمن الخطبة ما يفيد المستمع ويذكر الغافل ويعلم الجاهل . وينبغي حضور النساء لصلاة العيد , كما سبق بيانه , وينبغي أن توجه إليهن موعظة خاصة ضمن خطبة العيد , لأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى أنه لم يسمع النساء ; أتاهن , فوعظهن , وحثهن على الصدقة , وهكذا ينبغي أن يكون للنساء نصيب من موضوع خطبة العيد ; لحاجتهن إلى ذلك , واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . ومن أحكام صلاة العيد أنه يكره التنفل قبلها وبعدها في موضعها , حتى يفارق المصلي ; لقول ابن عباس رضي الله عنهما : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد ; فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما متفق عليه , ولئلا يتوهم أن لها راتبة قبلها أو بعدها . قال الإمام أحمد : " أهل المدينة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها " . وقال الزهري : " لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها , وكان ابن مسعود وحذيفة ينهيان الناس عن الصلاة قبلها " . فإذا رجع إلى منزله ; فلا بأس أن يصلي فيه ; لما روى أحمد وغيره , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل إلى منزله ; صلى ركعتين ويسن لمن فاتته صلاة العيد أو فاته بعضها قضاؤها على صفتها , بأن يصليها ركعتين ; بتكبيراتها الزوائد ; لأن القضاء يحكي الأداء , ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم فما أدركتم ; فصلوا , وما فاتكم , فأتموا فإذا فاتته ركعة مع الإمام ; أضاف إليها أخرى , وإن جاء والإمام يخطب ; جلس لاستماع الخطبة , فإذا انتهت ; صلاها قضاء , ولا بأس بقضائها منفردا أو مع جماعة . ويسن في العيدين التكبير المطلق , وهو الذي لا يتقيد بوقت , يرفع به صوته , إلا الأنثى ; فلا تجهر به , فيكبر في ليلتي العيدين , وفي كل عشر ذي الحجة ; لقوله تعالى : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ويجهر به في البيوت والأسواق والمساجد وفي كل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى , ويجهر به في الخروج إلى المصلى ; لما أخرجه الدارقطني وغيره عن ابن عمر ; أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى ; يجهر بالتكبير , حتى يأتي المصلى , ثم يكبر حتى يأتي الإمام وفي " الصحيح " : كنا نؤمر بإخراج الحيض , فيكبرن بتكبيرهم ولمسلم : يكبرن مع الناس فهو مستحب لما فيه من إظهار شعائر الإسلام . والتكبير في عيد الفطر آكد ; لقوله تعالى : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ فهو في هذا العيد آكد ; لأن الله أمر به . ويزيد عيد الأضحى بمشروعية التكبير المقيد فيه , وهو التكبير الذي شرع عقب كل صلاة فريضة في جماعة , فيلتفت الإمام إلى المأمومين , ثم يكبر ويكبرون ; لما رواه الدارقطني وابن أبي شيبة وغيرهما من حديث جابر ; أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة , يقول : الله أكبر . .. الحديث . ويبتدأ التكبير المقيد بأدبار الصلوات في حق غير المحرم من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق , وأما المحرم ; فيبتدئ التكبير المقيد في حقه من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق ; لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية . روى الدارقطني عن جابر : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق حين يسلم من المكتوبات وفي لفظ : كان إذا صلى الصبح من غداة عرفة ; أقبل على أصحابه فيقول : مكانكم , ويقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وقال الله تعالى : وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وهي أيام التشريق . وقال الإمام النووي : " هو الراجح وعليه العمل في الأمصار " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أصح الأقوال في التكبير الذي عليه الجمهور من السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة : أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة ; لما في " السنن " : يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام , وهي أيام أكل وشرب وذكر لله وكون المحرم يبتدئ التكبير المقيد من صلاة الظهر يوم النحر ; لأن التلبية تقطع برمي جمرة العقبة , ووقت رمي جمرة العقبة المسنون ضحى يوم النحر , فكان المحرم فيه كالمحل , فلو رمى جمرة العقبة قبل الفجر , فلا يبتدئ التكبير إلا بعد - صلاة الظهر أيضا ; عملا على الغالب " . انتهى . وصفة التكبير أن يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , والله أكبر الله -193- أكبر ولله الحمد . ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضا ; بأن يقول لغيره : تقبل الله منا ومنك . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه , ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره " اه . والمقصود من التهنئة التودد وإظهار السرور . وقال الإمام أحمد : " لا أبتدئ به , فإن ابتدأني أحد ; أجبته " . وذلك لأن جواب التحية واجب , وأما الابتداء بالتهنئة ; فليس سنة مأمورا بها , ولا هو أيضا مما نهي عنه , ولا بأس بالمصافحة في التهنئة . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#23
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في أحكام صلاة الكسوف قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وقال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ صلاة الكسوف سنة مؤكدة باتفاق العلماء , ودليلها السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والكسوف آية من آيات الله يخوف الله بها عباده , قال تعالى : وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ولما كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , خرج إلى المسجد مسرعا فزعا , يجر رداءه , فصلى بالناس , وأخبرهم أن الكسوف آية من آيات الله , يخوف الله به عباده , وأنه قد يكون سبب نزول عذاب بالناس , وأمر بما يزيله , فأمر بالصلاة عند حصوله والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق وغير ذلك . من الأعمال الصالحة , حتى ينكشف ما بالناس ; ففي الكسوف تنبيه للناس وتخويف لهم ليرجعوا إلى الله ويراقبوه . وكانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف إنما يحصل عند ولادة عظيم أو موت عظيم , فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الاعتقاد , وبين الحكمة الإلهية في حصول الكسوف : فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود الأنصاري , قال : انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم , فقال الناس : انكسفت الشمس لموت إبراهيم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتم ذلك ; فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة وفي حديث آخر في " الصحيحين " : فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي وفي صحيح البخاري عن أبي موسى ; قال : هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته , ولكن الله يخوف بها عباده , فإذا رأيتم شيئا من ذلك ; فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره فالله تعالى يجري على هاتين الآيتين العظيمتين الشمس والقمر الكسوف والخسوف ليعتبر العباد ويعلموا أنهما مخلوقان يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما من المخلوقات ; ليدل عباده بذلك على قدرته التامة واستحقاقه وحده للعبادة ; كما قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ووقت صلاة الكسوف من ابتداء الكسوف إلى التجلي , لقوله عليه الصلاة والسلام : فإذا رأيتم ذلك , فصلوا متفق عليه , وفي حديث آخر : وإذا رأيتم شيئا من ذلك , فصلوا حتى ينجلي رواه مسلم . ولا تقضى صلاة الكسوف بعد التجلي ; لفوات محلها , فإن تجلى الكسوف قبل أن يعلموا به ; لم يصلوا له . و صفة صلاة الكسوف أن يصلي ركعتين يجهر فيهما بالقراءة على الصحيح من قولي العلماء : ويقرأ في الركعة الأولى الفاتحة وسورة طويلة كسورة البقرة أو قدرها , ثم يركع ركوعا طويلا , ثم يرفع رأسه ويقول : " سمع الله لمن حمده , ربنا لك الحمد " , بعد اعتداله كغيرها من الصلوات , ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى بقدر سورة آل عمران , ثم يركع فيطيل الركوع , وهو دون الركوع الأول , ثم يرفع رأسه ويقول : " سمع الله لمن حمده , ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " ثم يسجد سجدتين طويلتين , ولا يطيل الجلوس بين السجدتين , ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى بركوعين طويلين وسجودين طويلين مثلما فعل في الركعة الأولى , ثم يتشهد ويسلم . هذه صفة صلاة الكسوف ; كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكما روي ذلك عنه من طرق , بعضها في " الصحيحين " ; منها ما روت عائشة رضي الله عنها : " أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقام وكبر وصف الناس وراءه , فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة , فركع ركوعا طويلا , ثم رفع رأسه , فقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد , ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى , ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأولى , ثم قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد , ثم سجد , ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك , حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات , وانجلت الشمس قبل أن ينصرف متفق عليه . ويسن أن تصلى في جماعة ; لفعل النبي صلى الله عليه وسلم , ويجوز أن تصلى فرادى كسائر النوافل , لكن فعلها جماعة أفضل ويسن أن يعظ الإمام الناس بعد صلاة الكسوف , ويحذرهم من الغفلة والاغترار , ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار ; ففي " الصحيح " عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف , فخطب الناس , فحمد الله وأثنى عليه , وقال : " إن الشمس والقصر آيتان من آيات الله , لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتم ذلك ; فادعوا الله , وصلوا , وتصدقوا . .. الحديث . فإن انتهت الصلاة قبل أن ينجلي الكسوف , ذكر الله ودعاه حتى ينجلي , ولا يعيد الصلاة , وإن انجلى الكسوف وهو في الصلاة ; أتمها خفيفة , ولا يقطعها , لقوله تعالى : وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ فالصلاة تكون وقت الكسوف ; لقوله : " حتى ينجلي " , وقوله : " حتى ينكشف ما بكم " قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والكسوف يطول زمانه تارة ويقصر أخرى , بحسب ما يكسف منه ; فقد تكسف كلها , وقد يكسف نصفها أو ثلثها , فإذا عظم الكسوف ; طول الصلاة حتى يقرأ بالبقرة ونحوها في أول ركعة , وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك , وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا , وشرع تخفيفها لزوال السبب , وكذا إذا علم أنه لا يطول , وإن خف قبل الصلاة ; شرع فيها وأوجز , وعليه جماهير أهل العلم , لأنها شرعت لعلة , وقد زالت , وإن تجلى قبلها ; لم يصل . . . " انتهى . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#24
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في أحكام صلاة الاستسقاء الاستسقاء هنا هو طلب السقي من الله تعالى ; فالنفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها , وهو الله وحده , وكان ذلك معروفا في الأمم الماضية , وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , قال الله تعالى : وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ واستسقى خاتم الأنبياء نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لأمته مرات متعددة وعلى كيفيات متنوعة , وأجمع المسلمون على مشروعيته . ويشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض - أي : أمحلت - وانحبس المطر وأضر ذلك بهم ; فلا مناص لهم أن يتضرعوا إلى ربهم ويستسقوه ويستغيثوه بأنواع من التضرع : تارة بالصلاة جماعة أو فرادى , وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة , يدعو الخطيب والمسلمون يؤمنون على دعائه , وتارة بالدعاء عقب الصلوات وفي الخلوات بلا صلاة ولا خطبة ; فكل ذلك وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم . وحكم صلاة الاستسقاء أنها سنة مؤكدة ; لقول عبد الله بن زيد : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي , فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه , ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه , ولغيره من الأحاديث . و صفة صلاة الاستسقاء في موضعها وأحكامها كصلاة العيد ; فيستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد , وأحكامها كأحكام صلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة , وفي كونها تصلى قبل الخطبة , وفي التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة ; كما سبق بيانه في صلاة العيد . قال ابن عباس رضي الله عنهما : صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " , وصححه الحاكم وغيره . ويقرأ في الركعة الأولى بسورة : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية بسورة الغاشية . ويصليها أهل البلد في الصحراء , لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء , ولأن ذلك أبلغ في إظهار الافتقار إلى الله تعالى . وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء ; فإنه ينبغي أن يتقدم ذلك تذكير الناس بما يلين قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه , ويأمرهم بالتوبة من المعاصي , والخروج من المظالم , بردها إلى مستحقيها ; لأن المعاصي سبب لمنع القطر وانقطاع البركات , والتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء , قال الله تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين , لأن ذلك سبب للرحمة , ثم يعين لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بها من الصفة المسنونة , ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى بتواضع وتذلل وإظهار للافتقار إلى الله تعالى , ولقول ابن عباس رضي الله عنهما : خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " وينبغي أن لا يتأخر أحد من المسلمين يستطيع الخروج , حتى الصبيان والنساء اللاتي لا تخشى الفتنة بخروجهن , فيصلي بهم الإمام ركعتين كما سبق , ثم يخطب خطبة واحدة , وبعض العلماء يرى أنه يخطب خطبتين , والأمر واسع , ولكن الاقتصار على خطبة واحدة أرجح من حيث الدليل , وكذلك كون الخطبة بعد صلاة الاستسقاء هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم , واستمر عمل المسلمين عليه , وورد أنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة , وقال به بعض العلماء , والأول أرجح , والله أعلم . وينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به , لأن ذلك سبب لنزول الغيث , ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى , ويرفع يديه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه بالاستسقاء , حتى يرى بياض إبطيه , ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم , لأن ذلك من أسباب الإجابة , ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن ; اقتداء به , . قال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ويسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء , ويحول رداءه ; فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين , وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة ونحوها , لما في " الصحيحين " ; أن النبي صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره , واستقبل القبلة يدعو , ثم حول رداءه . . . والحكمة في ذلك - والله أعلم - التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث , ويحول الناس أرديتهم لما روى الإمام أحمد : وحول الناس معه أرديتهم ولأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته , ما لم يدل دليل على اختصاصه به , ثم إن سقى الله المسلمين , وإلا ; أعادوا الاستسقاء ثانيا وثالثا ; لأن الحاجة داعية إلى ذلك . وإذا نزل المطر يسن أن يقف في أوله ليصيبه منه ويقول : اللهم صيبا نافعا , ويقول : مطرنا بفضل الله ورحمته . وإذا زادت المياه وخيف منها الضرر ; سن أن يقول : اللهم حوالينا ولا علينا , اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك , متفق عليه , والله أعلم . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#25
|
|||
|
|||
الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في أحكام الجنائز إن شريعتنا - ولله الحمد - كاملة شاملة لمصالح الإنسان في حياته وبعد مماته , ومن ذلك ما شرعه الله من أحكام الجنائز , من حين الأرض والاحتضار إلى دفن الميت في قبره , من عيادة المريض , وتلقينه , وتغسيله , وتكفينه , والصلاة عليه , ودفنه , وما يتبع ذلك من قضاء ديونه , وتنفيذ وصاياه , وتوزيع تركته , والولاية على أولاده الصغار . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي , مخالفا لهدي سائر الأمم , مشتملا على إقامة العبودية لله تعالى على أكمل الأحوال , وعلى الإحسان للميت ومعاملته بما ينفعه قي قبره ويوم معاده , من عيادة , وتلقين , وتطهير , وتجهيز إلى الله تعالى على أحسن الأحوال وأفضلها , فيقفون صفوفا على جنازته , يحمدون الله , ويثنون عليه , ويصلون على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويسألون للميت المغفرة والرحمة والتجاوز , ثم يقفون على قبره , يسألون له التثبيت , ثم زيارة قبره , والدعاء له , كما يتعاهد الحي صاحبه في الدنيا , ثم الإحسان إلى أهل الميت وأقاربه وغير ذلك " ا ه . ويسن الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له بالتوبة من المعاصي ورد المظالم إلى أصحابها , والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل هجوم الموت على غرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكثروا من ذكر هاذم اللذات رواه الخمسة بأسانيد صحيحة , وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما , وهاذم اللذات : بالذال : هو الموت . وروى الترمذي وغيره عن ابن مسعود مرفوعا : استحيوا من الله حق الحياء . قالوا : إنا نستحي يا نبي الله والحمد لله . قال : ليس كذلك , ولكن من استحيا من الله حق الحياء , فليحفظ الرأس وما وعى , وليحفظ البطن وما حوى , وليذكر الموت والبلى , ومن أراد الآخرة , ترك زينة الدنيا , ومن فعل ذلك , فقد استحيا في الله حق الحياء أولا : أحكام المريض والمحتضر وإذا أصيب الإنسان بمرض , فعليه أن يصبر ويحتسب ولا يجزع ويسخط لقضاء الله وقدره , ولا بأس أن يخبر الناس بعلته ونوع مرضه , مع الرضى بقضاء الله , والشكوى إلى الله تعالى , وطلب الشفاء منه لا ينافي الصبر , بل ذلك مطلوب شرعا ومستحب , فأيوب عليه السلام نادى ربه وقال : أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وكذلك لا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة بل ذهب بعض العلماء إلى تأكد ذلك , حتى قارب به الوجوب , فقد جاءت الأحاديث بإثبات الأسباب والمسببات , والأمر بالتداوي , وأنه لا ينافي التوكل . كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالطعام والشراب . ولا يجوز التداوي بمحرم , لما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه , أنه قال : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وروى أبو داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعا : إن الله أنزل الدواء , وأنزل الداء , وجعل لكل داء دواء , ولا تداووا بحرام وفي " صحيح مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخمر : إنه ليس بدواء ولكنه داء وكذلك يحرم التداوي بما يمس العقيدة , من تعليق التمائم المشتملة على ألفاظ شركية أو أسماء مجهولة أو طلاسم أو خرز أو خيوط أو قلائد أو حلق تلبس على العضد أو الذراع أو غيره , يعتقد فيها الشفاء ودفع العين والبلاء , لما فيها من تعلق القلب على غير الله في جلب نفع أو دفع ضر , وذلك كله من الشرك أو من وسائله الموصلة إليه , ومن ذلك أيضا التداوي عند المشعوذين من الكهان والمنجمين والسحرة والمستخدمين للجن فعقيدة المسلم أهم عنده من صحته . وقد جعل الله الشفاء في المباحات النافعة للبدن والعقل والدين , وعلى رأس ذلك القرآن الكريم والرقية به وبالأدعية المشروعة . قال ابن القيم : " ومن أعظم العلاج فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة , وتأثيره أعظم من الأدوية , لكن بحسب استعداد النفس وقبولها " . انتهى . ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة على أيدي الأطباء العارفين بتشخيص الأمراض وعلاجها في المستشفيات وغيرها . وتسن عيادة المرضى , لما في " الصحيحين " وغيرهما : خمس تجب للمسلم على أخيه , وذكر منها عيادة المريض فإذا زاره , سأل عن حاله , فقد كان النبي يدنو من المريض , ويسأله عن حاله وتكون الزيارة يوما بعد يوم , أو بعد يومين , ما لم يكن المريض يرغب الزيارة كل يوم , ولا يطيل الجلوس عنده , إلا إذا كان المريض يرغب ذلك , ويقول للمريض : " لا بأس عليك , طهور إن شاء الله " , ويدخل عليه السرور , ويدعو له بالشفاء , ويرقيه بالقرآن , لا سيما سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين . ويسن للمريض أن يوصي بشيء من ماله في أعمال الخير , ويجب أن يوصي بماله وما عليه من الديون وما عنده من الودائع والأمانات , وهذا مطلوب , حتى من الإنسان الصحيح , لقوله صلى الله عليه وسلم : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده متفق عليه , وذكر الليلتين تأكيد لا تحديد , فلا ينبغي أن يمضي عليه زمان , وإن كان قليلا , إلا ووصيته مكتوبة عنده , لأنه لا يدري متى يدركه الموت . ويحسن المريض ظنه بالله , فإن الله عز وجل يقول . أنا عند ظن عبدي بي ويتأكد ذلك عند إحساسه بلقاء الله . ويحسن لمن يحضره تطميعه في رحمة الله , ويغلب في هذه الحالة جانب الرجاء على جانب الخوف , وأما في حالة الصحة , فيكون خوفه ورجاؤه متساويين , لأن من غلب عليه الخوف , أوقعه في نوع من اليأس , ومن غلب عليه الرجاء , أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله . فإذا احتضر المريض , فإنه يسن لمن حضره أن يلقنه لا إله إلا الله , لقوله صلى الله عليه وسلم : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله رواه مسلم , وذلك لأجل أن يموت على كلمة الإخلاص , فتكون ختام كلامه , فعن معاذ مرفوعا : من كان آخر كلامه لا إله إلا الله , دخل الجنة ويكون تلقينه إياها برفق , ولا يكثر عليه , لئلا يضجره وهو في هذه الحال . ويسن أن يوجه إلى القبلة ، ويقرأ عنده سورة ( يس ) , لقوله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا على موتاكم سورة " يس " رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان , والمراد بقوله : " موتاكم " . من حضرته الوفاة , أما من مات , فإنه لا يقرأ عليه , فالقراءة على الميت بعد موته بدعة , بخلاف القراءة على الذي يحتضر , فإنها سنة , فالقراءة عند الجنازة أو على القبر أو لروح الميت , كل هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان , والواجب على المسلم العمل بالسنة وترك البدعة . ثانيا : أحكام الوفاة ويستحب إذا مات الميت تغميض عينيه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة رضي الله عنه لما مات , وقال : إن الروح إذا قبض , تبعه البصر , فلا تقولوا إلا خيرا , فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون رواه مسلم , ويسن ستر الميت بعد وفاته بثوب , لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي , سجي ببرد حبرة متفق عليه . وينبغي الإسراع في تجهيزه إذا تحقق موته , لقوله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله رواه أبو داود , ولأن في ذلك حفظا للميت من التغير , قال الإمام أحمد رحمه الله : " كرامة الميت تعجيله " , ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليه أو غيره إن كان قريبا ولم يخش على الميت من التغير . ويباح الإعلام بموت المسلم , للمبادرة لتهيئته , وحضور جنـازته , والصلاة عليه , والدعاء له , وأما الإعلام بموت الميت على صفة الجزع وتعداد مفاخره فذلك من فعل الجاهلية , ومنه حفلات التأبين إقامة المآتم . ويستحب الإسراع بتنفيذ وصيته , لما فيه من تعجيل الأجر , وقد قدمها الله تعالى في الذكر على الدين , اهتماما بشأنها , وحثا على إخراجها . ويجب الإسراع بقضاء ديونه , سواء كانت لله تعالى من زكاة وحج أو نذر طاعة أو كفارة , أو كانت الديون لآدمي كرد الأمانات والغصوب والعارية , سواء أوصى بذلك أم لم يوص به , لقوله صلى الله عليه وسلم : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه رواه أحمد والترمذي وحسنه , أي : مطالبة به , عليه من الدين محبوسة , ففي هذا الحث على الإسراع في قضاء الدين عن الميت وهذا فيمن له مال يقضى منه دينه , ومن لا مال له ومات عازما على القضاء , فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله يقضي عنه . ثالثا : تغسيل الميت ومن أحكام الجنازة وجوب تغسيل الميت على من علم به وأمكنه تغسيله , قال صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته : اغسلوه بماء وسدر . .. الحديث متفق عليه , وقد تواتر تغسيل الميت في الإسلام قولا وعملا , وغسل النبي صلى الله عليه وسلم وهو الطاهر المطهر , فكيف بمن سواه , فتغسيل الميت فرض كفاية على من علم بحاله من المسلمين . والرجل يغسله الرجل , والأولى والأفضل أن يختار لتغسيل الميت ثقة عارف بأحكام التغسيل , لأنه حكم شرعي له صفة مخصوصة , لا يتمكن من تطبيقها إلا عالم بها على الوجه الشرعي , ويقدم قي تولي تغسيل الميت وصيه , فإذا كان الميت قد أوصى أن يغسله شخص معين , وهذا المعين عدل ثقة , فإنه يقدم في تولي تغسيله وصيه بذلك ; لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس , فالمرأة يجوز أن تغسل زوجها , كما أن الرجل يجوز أن يغسل زوجته , وأوصى أنس رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين ثم يلي الوصي في تغسيل الميت أبو الميت , فهو أولى بتغسيل ابنه , لاختصاصه بالحنو والشفقة على ابنه , ثم جده , لمشاركته للأب في المعنى المذكور , ثم الأقرب فالأقرب من عصباته , ثم الأجنبي منه , وهذا الترتيب في الأولوية إذا كانوا كلهم يحسنون التغسيل وطالبوا به , وإلا , فإنه يقدم العالم بأحكام التغسيل على من لا علم له . والمرأة تغسلها النساء , والأولى بتغسيل المرأة الميتة وصيتها , فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة , قدمت على غيرها إذا كان فيها صلاحية لذلك , ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى فالقربى من نسائها . فالمرأة تتولى تغسيلها النساء على هذا الترتيب , والرجل يتولى تغسيله الرجال على ما سبق , ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه , فالرجل له أن يغسل زوجته والمرأة لها أن تغسل زوجها ; لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله زوجته ولأن عليا رضي الله عنه غسل فاطمة وورد مثل ذلك عن غيرهما من الصحابة . ولكل من الرجال والنساء غسل من له دون سبع سنين ذكرا كان أو أنثى , قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبي الصغير " ا ه ; ولأنه لا عورة له في الحياة , فكذا بعد الموت , ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساءوليس لامرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر , ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر . ولا يجوز لمسلم أن يغسل كافرا أو يحمل جنازته أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته , لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فالآية الكريمة تدل بعمومها على تحريم تغسيله وحمله واتباع جنازته , وقال تعالى : وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وقال تعالى : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولا يدفنه , لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار , فإن المسلم يواريه , بأن يلقيه في حفرة , منعا للتضرر بجثته , ولإلقاء قتلى بدر في القليب , وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدا وصاحب البدعة المكفرة , وهكذا يجب أن يكون موقف المسلم من الكافر حيا وميتا , موقف التبري والبغضاء : قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم والذين معه : إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُوقال تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ وذلك لما بين الكفر والإيمان من العداء , ولمعاداة الكفار لله ولرسله ولدينه , فلا تجوز موالاتهم أحياء ولا أمواتا . نسأل الله أن يثبت قلوبنا على الحق , وأن يهدينا صراطه المستقيم . ويشترط أن يكون الماء الذي يغسل به طهورا مباحا , والأفضل أن يكون باردا , إلا عند الحاجة لإزالة وسخ على الميت أو في شدة برد , فلا بأس بتسخينه . ويكون التغسيل في مكان مستور عن الأنظار ومسقوف من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن . ويستر ما بين سرة الميت وركبته وجوبا قبل التغسيل ثم يجرد من ثيابه , ويوضع على سرير الغسل منحدرا نحو رجليه , لينصب عنه الماء وما يخرج منه . ويحضر التغسيل الغاسل ومن يعينه على الغسل , ويكره لغيرهم حضوره . ويكون التغسيل بأن يرفع الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه , ثم يمر يده على بطنه ويعصره برفق , ليخرج منه ما هو مستعد للخروج , ويكثر صب الماء حينئذ , ليذهب بالخارج , ثم يلف الغاسل على يده خرقة خشنة , فينجي الميت , وينقي المخرج بالماء , ثم ينوي التغسيل , ويسمي , ويوضئه كوضوء الصلاة , إلا في المضمضة والاستنشاق , فيكفي عندنا مسح الغاسل أسنان الميت ومنخريه بإصبعيه مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماء , ولا يدخل الماء فمه ولا أنفه , ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون , ثم يغسل ميامن جسده , وهي صفحة عنقه اليمنى , ثم يده اليمنى وكتفه , ثم شق صدره الأيمن وجنبه الأيمن وفخذه الأيمن وساقه وقدمه الميامن , ثم يقلبه على جنبه الأيسر , فيغسل شق ظهره الأيمن , ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك , ثم يقلبه على جنبه الأيمن , فيغسل شق ظهره الأيسر , ويستعمل السدر مع الغسل أو الصابون , ويستحب أن يلف على يده خرقة حال التغسيل . والواجب غسله واحدة إن حصل الإنقاء , والمستحب ثلاث غسلات , وإن لم يحصل الإنقاء , زاد في الغسلات حتى ينقي إلى سبع غسلات , ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ; لأنه يصلب بدن الميت , ويطيبه , ويبرده , فلأجل ذلك , يجعل في الغسلة الأخيرة , ليبقي أثره . ثم ينشف الميت بثوب ونحوه , ويقص شاربه , وتقلم أظافره إن طالت , ويؤخذ شعر إبطيه , ويجعل المأخوذ معه في الكفن , ويضفر شعر رأس المرأة ثلاثة قرون , ويسدل من ورائها . وأما إذا تعذر غسل الميت لعدم الماء , أو خيف تقطعه بالغسل كالمجذوم والمحترق , أو كان الميت امرأة مع رجال ليس فيهم زوجها , أو رجلا مع نساء ليس فيهم زوجته , فإن الميت في هذه الأحوال ييمم بالتراب , بمسح وجهه وكفيه من وراء حائل على يد الماسح , وإن تعذر غسل بعضا الميت , غسل ما أمكن غسله منه , ويمم عن الباقي . ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل بعد تغسيله , وليس ذلك بواجب . رابعا : أحكام التكفين وبعد تمام الغسل والتجفيف يشرع تكفين الميت ويشترط في الكفن أن يكون ساترا , يستحب أن يكون أبيض نظيفا , سواء كان جديدا - وهو الأفضل - أو غسيلا . ومقدار الكفن الواجب ثوب يستر جميع الميت , والمستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف , وتكفين المرأة في خمسة أثواب , إزار وخمار وقميص ولفافتين , ويكفن الصغير في ثوب واحد , ويباح في ثلاثة أثواب , وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين , ويستحب تجمير الأكفان بالبخور بعد رشها بماء , الورد ونحوه , لتعلق بها رائحة البخور . ويتم تكفين الرجل بأن تبسط اللفائف الثلاث بعضها فوق بعض , ثم يؤتى بالميت مستورا وجوبا بثوب ونحوه ويوضع فوق اللفائف مستلقيا , ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في قطن بين أليتي الميت , ويشد فوقه خرقة , ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه ومنخريه وفمه وأذنيه وعلى مواضع سجوده : جبهته , وأنفه , ويديه , وركبتيه , وأطراف قدميه , ومغابن البدن : الإبطين , وطي الركبتين وسرته , ويجعل من الطيب بين الأكفان وفي رأس الميت , ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن , ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر , ثم الثانية كذلك ثم الثالثة كذلك , ويكون الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر مما عند رجليه , ثم يجمع الفاصل عند رأسه ويرد على وجهه , ويجمع الفاضل عند رجليه فيرد على رجليه , ثم يعقد على اللفائف أحزمة , لئلا تنتشر وتحل العقد في القبر . وأما المرأة فتكفن في خمسة أثواب إزار تؤزر به , ثم تلبس قميصا , ثم تخمر بخمار على رأسها , ثم تلف بلفافتين . خامسا : أحكام الصلاة على الميت ثم يشرع بعد ذلك الصلاة على الميت المسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد الجنازة حتى يصلى عليها , فله قيراط , ومن شهدها حتى تدفن , فله قيراطان . قيل : وما القيراطان , قال : مثل الجبلين العظيمين متفق عليه . والصلاة على الميت فرض كفاية , إذا فعلها البعض , سقط الإثم عن الباقين , وتبقى في حق الباقين سنة , وإن تركها الكل , أثموا . ويشترط في الصلاة على الميت : النية , واستقبال القبلة , وستر العورة , وطهارة المصلي والمصلى عليه واجتناب النجاسة , وإسلام المصلي والمصلى عليه , وحضور الجنازة إن كانت بالبلد , وكون المصلي مكلفا . وأما أركانها , فهي : القيام فيها , والتكبيرات الأربع , وقراءة الفاتحة , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم , والدعاء للميت والترتيب , والتسليم . وأما سننها , فهي : رفع اليدين مع كل تكبيرة , والاستعاذة قبل القراءة , وأن يدعو لنفسه وللمسلمين , والإسرار بالقراءة , وأن يقف بعد التكبيرة الرابعة وقبل التسليم قليلا , وأن يضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره , والالتفات على يمينه في التسليم . تكون الصلاة على الميت بأن يقوم الإمام والمنفرد عند صدر الرجل ووسط المرأة ويقف المأمومون خلف الإمام , ويسن جعلهم ثلاثة صفوف , ثم يكبر للإحرام , ويتعوذ بعد التكبير مباشرة فلا يستفتح , ويسمي , ويقرأ الفاتحة , ثم يكبر , ويصلي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة عليه قي تشهد الصلاة , ثم يكبر , ويدعو للميت بما ورد , ومنه : اللهم اغفر لحينا وميتنا , وشاهدنا وغائبنا , وصغيرنا وكبيرنا , وذكرنا وأنثانا , إنك تعلم منقلبنا ومثوانا , وأنت على كل شيء قدير , اللهم من أحييته منا , فأحيه على الإسلام والسنة , ومن توفيته منا , فتوفه عليهما , اللهم اغفر له , وارحمه , وعافه , واعف عنه , وأكرم نزله , ووسع مدخله , واغسله بالماء والثلج والبرد , ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس , وأبدله دارا خيرا من داره , وزوجا خيرا من زوجه , وأدخله الجنة , وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار , وأفسح له في قبره , ونور له فيه وإن كان المصلى عليه أنثى , قال : " اللهم اغفر لها " , بتأنيث الضمير في الدعاء كله , وإن كان المصلى عليه صغيرا , قال : اللهم اجعله ذخرا لوالديه , وفرطا , وأجرا , وشفيعا مجابا , اللهم ثقل به موازينهما , وأعظم به أجورهما , وألحقه بصالح سلف المؤمنين , واجعله في كفالة إبراهيم , وقه برحمتك عذاب الجحيم , ثم يكبر , ويقف بعدها قليلا , ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه . ومن فاتته بعض الصلاة على الجنازة , دخل مع الإمام فيما بقى , ثم إذا سلم الإمام قضى ما فاته على صفته , وإن خشي أن ترفع الجنازة , تابع التكبيرات ( أي : بدون فصل بينها ) , ثم سلم . ومن فاتته الصلاة على الميت قبل دفنه , صلى على قبره . ومن كان غائبا عن البلد الذي فيه الميت , وعلم بوفاته , فله أن يصلي عليه صلاة الغائب بالنية. وحمل المرأة إذا سقط ميتا وقد تم له أربعة أشهر فأكثر , صلي عليه صلاة الجنازة , وإن كان دون أربعة أشهر , لم يصل عليه . سادسا : حمل الميت ودفنه حمل الميت ودفنه من فروض الكفاية على من علم بحاله من المسلمين , ودفنه مشروع بالكتاب والسنة , قال الله تعالى : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وقال تعالى : ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ أي : جعله مقبورا , والأحاديث في دفن الميت مستفيضة , وهو بر وطاعة وإكرام للميت واعتناء به . ويسن اتباع الجنازة وتشييعها إلى قبرها , ففي " الصحيحين " : من شهد جنازة حتى يصلى عليها , فله قيراط , ومن شهدها حتى تدفن , فله قيراطان . قيل : وما القيراطان , قال : مثل الجبلين العظيمين وللبخاري بلفظ : من شيع ولمسلم بلفظ : من خرج معها , ثم تبعها حتى تدفن ففي الحديث برواياته الحث على تشييع الجنازة إلى قبرها . ويسن لمن تبعها المشاركة في حملها إن أمكن , ولا بأس بحملها في سيارة أو على دابة , لا سيما إذا كانت المقبرة بعيدة . ويسن الإسراع بالجنازة , لقوله صلى الله عليه وسلم : أسرعوا بالجنازة , فإن تك صالحة , فخير تقدمونها إليه , وإن تك سوى ذلك , فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه , لكن , لا يكون الإسراع شديدا , ويكون على حامليها ومشيعيها السكينة , ولا يرفعون أصواتهم , لا بقراءة ولا غيرها من تهليل وذكر أو قولهم : استغفروا له , وما أشبه ذلك ; لأن هذا بدعة . ويحرم خروج النساء مع الجنائز , لحديث أم عطية : نهينا عن اتباع الجنائز ولم تكن النساء يخرجن مع الجنائز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فتشييع الجنائز خاص بالرجال. ويسن أن يعمق القبر ويوسع , لقوله صلى الله عليه وسلم : احفروا وأوسعوا وعمقوا قال الترمذي : " حسن صحيح " . ويسن ستر قبر المرأة عند إنزالها فيه لأنها عورة . ويسن أن يقول من ينزل الميت في القبر : " بسم الله , وعلى ملة رسول الله " لقوله صلى الله عليه وسلم إذا وضعتم موتاكم في القبور , فقولوا : بسم الله , وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الخمسة إلا النسائي , وحسنه الترمذي . ويوضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة , لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة : قبلتكم أحياء وأمواتا رواه أبو داود وغيره . ويجعل تحت رأسه لبنة أو حجر أو تراب , ويدنى من حائط القبر الأمامي , ويجعل خلف ظهره ما يسنده من تراب , حتى لا ينكب على وجهه , أو ينقلب على ظهره . ثم تسد عليه فتحة اللحد باللبن والطين حتى يلتحم , ثم يهال عليه التراب , ولا يزاد عليه من غير ترابه . ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر , ويكون مسنما - أي : محدبا كهيئة السنام - لتنزل عنه مياه السيول , ويوضع عليه حصباء , ويرش بالماء ليتماسك ترابه ولا يتطاير , والحكمة في رفعه بهذا المقدار , ليعلم أنه قبر فلا يداس , ولا بأس بوضع النصائب على طرفيه لبيان حدوده , وليعرف بها , من غير أن يكتب علمها . ويستحب إذا فرغ من دفنه أن يقف المسلمون على قبره ويدعوا له ويستغفروا له لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فرغ من دفن الميت , وقف عليه , وقال : استغفروا لأخيكم , واسألوا له التثبيت , فإنه الآن يسأل رواه أبو داود , وأما قراءة شيء من القرآن عند القبر , فإن هذا بدعة ; لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام , وكل بدعة ضلالة . ويحرم البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها , لقول جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر , وأن يقعد عليه , وأن يبنى عليه رواه مسلم , وروى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعا : نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن توطأ ولأن هذا من وسائل الشرك والتعلق بالأضرحة ; لأن الجهال إذا رأوا البناء والزخرفة على القبر , تعلقوا به . ويحرم إسراج القبور - أي : إضاءتها بالأنوار الكهربائية وغيرها , ويحرم اتخاذ المساجد عليها - أي : ببناء المساجد عليها - , والصلاة عندها أو إليها , وتحرم زيارة النساء للقبور لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج رواه أهل السنن , وفي " الصحيح " لعن الله اليهود والنصارى , اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولأن تعظيم القبور بالبناء عليها ونحوه هو أصل شرك العالم . وتحرم إهانة القبور بالمشي عليها ووطئها بالنعال والجلوس عليها وجعلها مجتمعا للقمامات أو إرسال المياه عليها , لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : لأن يجلس أحدكم على جمرة , فتحرق ثيابه , فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " من تدبر نهيه عن الجلوس على القبر والاتكاء عليه والوطء عليه , علم أن النهي إنما كان احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال على رءوسهم " . سادسا : أحكام التعزية وزيارة القبور وتسن تعزية المصاب بالميت , وحثه على الصبر والدعاء للميت , لما روى ابن ماجه - وإسناده ثقات - عن عمرو بن حزم مرفوعا : ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة , إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة ووردت بمعناه أحاديث .ولفظ التعزية أن يقول : " أعظم الله أجرك , وأحسن عزاءك , وغفر لميتك " ولا ينبغي الجلوس للعزاء والإعلان عن ذلك كما يفعل بعض الناس اليوم , ويستحب أن يعد لأهل الميت طعامًا يبعثه إليهم لقوله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما , فقد جاءهم ما يشغلهم رواه أحمد والترمذي وحسنه . أما ما يفعله بعض الناس اليوم من أن أهل البيت يهيئون مكانا لاجتماع الناس عندهم , ويصنعون الطعام , ويستأجرون المقرئين لتلاوة القرآن , ويتحملون في ذلك تكاليف مالية , فهذا من المآتم المحرمة المبتدعة , لما روى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله , قال : " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة " إسناده ثقات . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " جمع أهل المصيبة الناس على طعامهم ليقرئوا ويهدوا له ليس معروفا عند السلف , وقد كرهه طوائف من أهل العلم من غير وجه " , انتهى . وقال الطرطوشي : " فأما المآتم , فممنوعة بإجماع العلماء , والمأتم هو الاجتماع على المصيبة , وهو بدعة منكرة , لم ينقل فيه شيء , وكذا ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والرابع والسابع والشهر والسنة , فهو طامة , وإن كان من التركة وفي الورثة محجور عليه أو من لم يأذن , حرم فعله , وحرم الأكل منه " انتهى . وتستحب زيارة القبور للرجال خاصة , لأجل الاعتبار والاتعاظ , ولأجل الدعاء للأموات والاستغفار لهم , لقوله صلى الله عليه وسلم : كنت نهيتكم عن زيارة القبور , فزوروها رواه مسلم والترمذي , وزاد : فإنها تذكركم الآخرة , , ويكون ذلك بدون سفر , فزيارة القبور تستحب بثلاث شروط : 1 - أن يكون الزائر من الرجال لا النساء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله زوارات القبور 2- أن تكون بدون سفر , لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد 3- أن يكون القصد منها الاعتبار والاتعاظ والدعاء للأموات , فإن كان القصد منها التبرك بالقبور والأضرحة وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الموتى فهذه زيارة بدعية شركية . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " زيارة القبور على نوعين : شرعية وبدعية , فالشرعية : المقصود بها السلام على الميت والدعاء له كما يقصد بالصلاة على جنازته من غير شد رحل , والبدعية : أن يكون قصد الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت , وهذا شرك أكبر , أو يقصد الدعاء عند قبره , أو الدعاء به , وهذا بدعة منكرة , ووسيلة إلى الشرك , وليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم , ولا استحبه أحد من سلف الأمة وأئمتها , انتهى , والله تعالى أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . المصدر : https://uqu.edu.sa/page/ar/195170 |
#26
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
【 كتاب الصيام 】 باب في وجوب الصيام ووقته صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام. · والحكمة في شرعيته أن فيه تزكية للنفس وتطه يرا لها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. · ويبتدئ الصوم بطلوع الفجر الثاني. · ويبدأ وجوب صوم شهر رمضان إذا علم دخوله. طرق العلم بدخوله ثلاث : الطريقة الأولى : رؤية هلاله. الطريقة الثانية : الشهادة على الرؤية. الطريقة الثالثة : إكمال عدة شعبان ثلاثين يو م ا, وذلك حين لا ي رى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان. ويلزم صوم رمضان كل مسلم مكلف. ولا يجب الصوم على صغير. ولا يجب الصوم على مجنون. ولا يجب الصوم أداء على مريض يعجز عنه ولا على مسافر , ويقضيانه حال زوال العذر. والخطاب بإيجاب الصيام يشمل المقيم والمسافر , والصحيح والمريض , والطاهر والحائض والنفساء , والمغمى عليه , فإن هؤلاء كلهم يجب عليهم الصوم في ذممهم. ومن أفطر لعذر ثم زال عذره في أثناء نهار رمضان فإن يلزمه الإمساك بقية اليوم ويقضيه. باب في بدء صيام اليوم ونهايته بدايته من طلوع الفجر الثاني , ونهايته إلى غروب الشمس . ولا بد أن ينوي الصيام الواجب من الليل , فلو نوى الصيام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر ,فإنه يمسك , وصيامه صحيح تام إن شاء الله . ويستحب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس . والسنة أن يفطر على رطب ,فإن لم يجد , فعلى تمر , فإن لم يجد , فعلى ماء . ويستحب أن يدعو عند إفطاره بما أحب. كتاب الصيام باب في مفسدات الصوم الجماع. إنزال المني. الأكل أو الشرب عمدا. ومن المفطرات القيء . إخراج الدم من البدن : بحجامة أو فصد أو سحب دم ليتبرع به لإسعاف مريض. أما الدم القليل كالذي يستخرج للتحليل , فهذا لا يؤثر. باب ما جاء في بيان أحكام القضاء للصيام )1 من أفطر في رمضان بسبب مباح وجب عليه القضاء. )2 ويستحب له المبادرة بالقضاء , لإبراء ذمته , ويستحب أن يكون القضاء متتابعا , ويجوز له التأخير ; لأن وقته موسع, كما يجوز تفرقته , بأن يصومه متفرقا , لكن إذا لم يبق من شعبان إلا قدر ما عليه , فإنه يجب عليه التتابع إجماعا , لضيق الوقت. )3 فإن أخر القضاء حتى أتى عليه رمضان الجديد ,فإنه يصوم رمضان الحاضر , ويقضي ما عليه بعده, وإن كان لغير عذر , وجب عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد . )4 وإذا مات من عليه القضاء قبل دخول رمضان الجديد ,فلا شيء عليه وإن كان تأخيره لغير عذر , وجبت الكفارة في تركته , بأن يخرج عنه إطعام مسكين عن كل يوم . )5 وإن مات من عليه صوم كفارة كصوم كفارة الظهار والصوم الواجب عن دم المتعة في الحج , فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينا , ولا يصام عنه. )6 وإن مات من عليه صوم نذر ,استحب لوليه أن يصوم عنه. باب في ما يلزم من أفطر لكبر أو مرض لا يستطيعون الصيام أداء ولا قضاء كالكبير الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه, فالواجب عليه بدل الصيام إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من الطعام . وأما من أفطر لعذر يزول كالمسافر والمريض مرضا يرجى زواله والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما , والحائض والنفساء , فإن كلا من هؤلاء يتحتم عليه القضاء. وإن صام المسافر أو المريض الذي يشق عليه الصوم ,صح صومهما مع الكراهة , وأما الحائض والنفساء , فيحرم في حقها الصوم حال الحيض والنفاس , ولا يصح. يجب مع القضاء على من أفطرت للخوف على ولدها إطعام مسكين عن كل يوم أفطرته . ويجب الفطر على من احتاج إليه لإنقاذ من وقع في هلكة , كالغريق . تعيين نية الصوم الواجب من الليل ,كصوم رمضان , وصوم الكفارة , وصوم النذر . أما صوم النقل , فيجوز بنية من النهار. فشرط صحة صوم النفل بنية من النهار أن لا يوجد قبل النية مناف للصيام من أكل وشرب ونحوهما , فإن فعل قبل النية ما يفطره , لم يصح الصيام بغير خلاف . التصفية والتربية TarbiaTasfia@ الملخص الفقهي فضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- رابط تحميل الكتاب : http://alfawzan.af.org.sa/sites/defa...s/mofeqhy1.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 06-05-2015 الساعة 09:49AM |
#27
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
【 كتاب الصيام 】 لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله ورعاه - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد فهذا ملخص مختصر على هيئة سؤال وجواب وضع لتقريب مقرر الفقه لطلاب الانتساب من كتاب الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح الفوزان وفقه الله. كتاب الصيام س1) ما حكم صوم رمضان؟ أجمع المسلمون على وجوب صوم رمضان وأن من أنكره كفر. قال تعالى: ( يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وقال تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (بني الإسلام على خمس) ، وذكر منها الصوم . س2) متى يبدأ وجوب الصوم اليومي؟ يبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني ، وهو البياض المعترض في الأفق ، وينتهي بغروب الشمس ، قال تعالى ( فالآن باشروهن ) يعني الزوجات ( وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) س3) ما هي الطرق التي يُعلم بها دخول شهر رمضان ؟ يُعلم دخول الشهر بثلاث طرق :ـ الطريقة الأولى : رؤية الهلال، قال تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (صوموا لرؤيته)، فمن رأى الهلال بنفسه ، وجب عليه الصوم. الطريقة الثانية: الشهادة على الرؤية ، أو الإخبار عنها ، فيصام برؤية عدل مكلف ، ويكفي إخباره بذلك ، لقول ابن عمر : ( تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه ). س4) من الذي يجب عليه الصيام ؟ يجب الصوم على كلِ : مسلم ، مكلف (عاقل ، بالغ) ، قادر . س5) هل يصح الصوم من الصغير والمجنون ؟ يصح من الصغير المميِّز ولا يجب عليه بل يكون في حقه نافلة . ولا يصح من المجنون لعدم النية. س6) هل يجب الصوم على المريض الذي يعجز عنه والمسافر ؟ لا يجب عليهما الصوم ويجب عليهما القضاء حال زوال عذر المرض والسفر . قال تعالى ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيام أخر) . س7) ما حكم السحور ؟ السحور مستحب ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر . س8) متى تجب نية الصوم ؟ لابد أن ينوي الصيام الواجب من الليل . س9) ما حكم تعجيل الفطور ؟ يُستحب تعجل الفطور إذا تحقق غروب الشمس . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) . س10) ما هي السنة في الطعام الذي يفطر عليه الصائم ؟ السنه أن يفطر على رطب ، فإن لم يجد ، فعلى تمر ، فإن لم يجد ، فعلى ماء ، لقول أنس رضي الله عنه ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رُطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات ، حسا حسوات من ماء ...) س11) ماحكم الدعاء عند الإفطار ؟ مع ذكر شيء مما ورد من الدعاء عند الإفطار ؟ يستحب للصائم الدعاء عند الإفطار قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن للصائم دعوة عند فطره ما ترد) ومن الدعاء الوارد أن يقول (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر يقول :( ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله ) س12) أذكر خمساً من مفسدات الصوم ؟ 1ــ الجماع. 2ــ إنزال المني بسبب تقبيل أو لمس أو استمناء ، أو تكرار نظر. 3ــ الأكل والشرب متعمداً. 4ــ إخراج الدم من البدن بحجامة أو فصد ، أو سحب دم تبرعاً لمريض . 5ــ التقيُّؤُ عمداً. أما بغير عمد فلا يفطر لقوله صلى الله عليه وسلم :( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء عمداً فليقضِ) س13) ما الذي يترتب على من فسد صومه بجماع ؟ يترتب عليه ما يلي :ــ 1ــ يبطل صومه 2ــ يلزمه قضاء ذلك اليوم 3ــ تلزمه الكفارة. س14) ما هي الكفارة لمن أفسد صومه بجماع ؟ عليه عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يجد ، فليطعم ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من طعام البلد. س15) ما حكم من أنزل المني باحتلام في نومه ؟ لا شيء عليه لأنه بدون اختياره ، لكن يجب عليه الغسل . س16) ما حكم من أكل أو شرب ناسياً ؟ لا شيء عليه كما جاء في الحديث : ( من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه). س17) ما حكم إدخال الماء إلى الجوف عن طريق الأنف ( السَّعوط) واستعمال المغذيات وحقن الدم؟ كل هذه يَفسُد بها الصيام . س18) ما حكم استعمال الإبر غير المغذية ؟ يجوز ولو أخرها إلى الليل كان أفضل. س19) ما حكم خروج الدم من الصائم ؟ * إن كان باختياره :- فإن كان كثيراً: فإنه يفطر مثل تبرع الدم . وإن كان قليلاً : كالذي يستخرج للتحليل فهذا لا يؤثر على صومه . * وإن كان بغير اختياره برعاف أو جرحٍ أو خلع سن فهذا لا يؤثر على صومه سواءً كان كثيراً أو قليلاً . س20) ما حكم السواك للصائم ؟ السواك مستحب للصائم وغيره ، ولا يؤثر على الصوم . س21) ما حكم دخول غبار أو ذباب إلى الحلق ؟ لو طار إلى حلقه غبار أو ذباب لم يؤثر على صومه . س22) ما الذي يلزم الصائم حيال المضمضة والاستنشاق ؟ على الصائم ألا يبالغ في المضمضة والاستنشاق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) . س23) ماذا يقول من سابه أحد أو شاتمه وهو صائم ؟ يجب على الصائم اجتناب الكذب والغيبة والشتم فإن سابَّه أحد فليقل : (إني صائم). س24) ماذا يستحب لمن أفطر في رمضان ؟ 1ــ يستحب له المبادرة بالقضاء لإبراء ذمته. 2ــ يستحب أن يكون القضاء متتابعاً ، لأن القضاء يحكي الأداء. س25) هل يجوز تأخير القضاء ؟ نعم يجوز لأن وقته موسع مع العزم عليه ، ولا يجوز تأخيره حتى يدخل عليه رمضان الذي يليه . س26) متى يجب التتابع في قضاء رمضان ؟ يجب التتابع إذا لم يبق من أيام شعبان إلا قدر ما عليه من قضاء. س27) ما حكم من أخر القضاء حتى دخل رمضان الجديد ؟ إن كان بعذر فإنه يقضي بعد رمضان الجديد . س28) ما حكم من كان عليه قضاء ومات قبل دخول رمضان الجديد؟ لا شيء عليه . س29) ما حكم من كان عليه قضاء ومات بعد دخول رمضان الجديد ؟ إن كان تأخره لعذر لا شيء عليه . س30) ما حكم من مات وعليه صوم كفارة كصوم كفارة الظهار والصوم الواجب عن دم المتعة في الحج؟ يُطعَم عنه عن كل يوم مسكين ، ولا يصام عنه . ويكون الإطعام من تركته . س31) ما حكم من مات وعليه صوم نذر ؟ يستحب لوليه أن يصوم عنه لما ثبت في الصحيحين أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صيام نذر أفأ صوم عنها ؟ فقال :( نعم) . والولي هو الوارث. س32) ما الواجب على من أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ؟ يجب عليه بدل الصيام إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من الطعام. س33) ما الواجب على من أفطر لعذر يزول كالمسافر و المريض مرضاً يرجى زواله والحائض والنفساء، والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما ؟ يجب على كل واحد من هؤلاء قضاء الأيام التي أفطرها ، قال تعالى : ( ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أُخر). س34) ما حكم الفطر للمريض الذي يضره الصوم والمسافر الذي يجوز له قصر الصلاة ؟ الفطر في حقهما سنة . ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أختار أيسرهما. وفي الصحيحين (ليس من البر الصيام في السفر). س35) هل يصح صوم المسافر والمريض الذي يشق عليه الصوم ؟ نعم يصح مع الكراهه. س36) ما حكم صوم الحائض والنفساء ؟ يحرم عليهما الصوم ولا يصح منهما . س37) ما الواجب على الحامل والمرضع التي أفطرت خوفاً على ولدها؟ يجب عليها القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم أفطرته . س38) ما حكم الفطر لمن اُحتيج إليه لإنقاذ من وقع في هلكة كالغريق ونحوه ؟ يجب عليه الفطر لإنقاذ من يحتاج إليه . س39) ما حكم من نوى صوم النفل في النهار ولم يَََُبَيِّت النية من الليل ؟ يجوز عقد نية صوم النفل من النهار لحديث عائشة رضي الله عنها :( دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال ( هل عندكم من شيء ؟) ، فقلنا :لا ، قال : (فإني صائم) . س40) ما شرط صحة صوم النفل لمن نوى الصوم نهاراً ؟ يشترط ألا يوجد قبل النية منافٍ للصيام من أكل وشرب ونحوهما . https://uqu.edu.sa/page/ar/196475 |
#28
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
【 كتاب الزكاة 】 باب في مشروعية الزكاة ومكانتها والزكاة في الشرع حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص , هو تمام الحول في الماشية والنقود وعروض التجارة وعند اشتداد الحب وبدو الصلاح في الثمار. حكمها : فريضة واجبة, فرضت في السنة الثانية للهجرة النبوية, وأجمع المسلمون على فرضيتها , وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام. شروط من تجب عليه الزكاة: • الحرية , فلا تجب على مملوك. • أن يكون صاحب المال مسلما. • امتلاك نصاب. • استقرار الملكية , بأن لا يتعلق بها حق غيره . • مضي الحول على المال. وهذا في غير الخارج من الأرض كالحبوب والثمار , أما الخارج من الأرض , فتجب فيه الزكاة عند وجوده فلا يعتبر فيه الحول. • ومن له دين على معسر , فإنه يخرج زكاته إذا قبضه لعام واحد على الصحيح , وإن كان له دين على مليء, فإنه يزكيه كل عام . • وما أعد من الأموال للقنية والاستعمال , فلا زكاة فيه ,كدور السكنى, وأثاث المنزل , والسيارات , والدواب المعدة للركوب والاستعمال . • وما أعد للكراء كالسيارات والدكاكين والبيوت , فلا " زكاة في أصله ,وإنما تجب الزكاة في أجرته إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول . • ومن وجبت عليه الزكاة , ثم مات قبل إخراجها , " وجب إخراجها من تركته. باب في زكاة بهيمة الأنعام تجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم بشرطين: الشرط الأول: أن تتخذ لدر ونسل لا للعمل . الشرط الثاني :أن تكون سائمة أي : راعية, والسوم : الرعي , فلا تجب الزكاة في دواب تعلف بعلف اشتراه لها أو جمعه - من الكلأ أو غيره. باب في زكاة الحبوب والثمار والعسل والمعدن والركاز وتجب الزكاة في الثمار كالتمر والزبيب ونحوهما من كل ما يكال ويدخر. فيشترط لوجوب الزكاة في الحبوب والثمار شرطان: الشرط الأول: بلوغ النصاب على ما سبق بيانه . الشرط الثاني: أن يكون مملوكا له وقت وجوب الزكاة . والقدر الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار: يختلف باختلاف وسيلة السقي : .1 فإذا سقي بلا مؤنة من, يجب فيه العشر . .2 ويجب فيما سقي بمؤنة من الآبار وغيرها نصف العشر. ووقت وجوب الزكاة في الحبوب حين تشتد, وفي الثمر حين يبدو صلاحه, بأن يحمر أو يصفر. فما لا يكال ولا يدخر منها , لا تجب فيه الزكاة , كالجوز , والتفاح , والخوخ , والسفرجل , والرمان , وسائر الخضروات والبصل , والجزر ونحوها. باب في زكاة النقدين المراد بزكاة النقدين زكاة الذهب والفضة وما اشتق منهما من نقود وحلي . فتجب الزكاة في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا , وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم إسلامي , ربع العشر منهما. ما يباح للرجل لبسه من الذهب والفضة: يباح للذكر أن يتخذ خاتما من الفضة. ويحرم عليه اتخاذ الخاتم من الذهب. ويباح للذكر أيضا من الذهب ما دعت إليه حاجة , كأنف , ورباط أسنان . ما يباح للنساء التحلي به من الذهب والفضة يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه. ولا زكاة في حلي النساء من الذهب والفضة إذا كان معدا للاستعمال أو للإعارة. وإن اتخذ رصيدا للحاجة أو للادخار تجب فيه الزكاة ; لأن الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة , وإنما سقط وجوبها فيما أعد للاستعمال أو العارية , فيبقى وجوبها فيما عداه على الأصل . حكم اتخاذ الأواني بالذهب والفضة وتمويهها منهما ويحرم اتخاذ الأواني من الذهب والفضة , أو تمويه الأواني بذلك. باب في زكاة عروض التجارة تسميتها : سميت بذلك لأنه يعرض ليباع ويشترى. شروط وجوبها: الشرط الأول :أن يملكها بفعله , كالبيع, وقبول الهبة, والوصية, وغير ذلك من وجوه المكاسب . الشرط الثاني :أن يملكها بنية التجارة, بأن يقصد التكسب بها. الشرط الثالث :أن تبلغ قيمتها نصا ب ا. الشرط الرابع :تمام الحول عليها. إخراج زكاة العروض تقوم عند تمام الحول فإذا قومت, أخرج ربع العشر من قيمتها. باب في زكاة الفطر والحكمة أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث , وطعمة للمساكين , وشكر لله تعالى على إتمام فريضة الصيام . وتجب على كل مسلم , ذكرا كان أو أنثى , صغيرا أو كبيرا , حرا كان أو عبدا. جنس ما يخرج هو من غالب قوت البلد , برا, أو شعيرا, أو تمرا, أو غير هذه الأصناف مما اعتاد الناس أكله في البلد. وقت الإخراج الأفضل بغروب الشمس ليلة العيد , ويجوز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين . وإخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل. ويخرج المسلم زكاة الفطر عن نفسه وعمن يعولهم أي : ينفق عليهم . - - ويستحب إخراجها عن الحمل. وأما إخراج القيمة, فهو خلاف السنة فلا يجزئ. باب في بيان أهل الزكاة ومن لا يجوز دفع الزكاة أهل الزكاة على قسمين : القسم الأول : المحتاجون من المسلمين عامة . القسم الثاني : الأصناف الثمانية المخصوصة, وهم: الفقراء. المساكين , وهم أحسن حالا من الفقراء. العاملون عليها. الرقاب. الغارم. في سبيل الله . المؤلفة قلوبهم . ابن السبيل , وهو المسافر المنقطع به في سفره بسبب نفاد ما معه أو ضياعه . يجوز صرف جميع الزكاة في صنف واحد من هذه الأصناف المذكورة. ولا يجوز دفع الزكاة إلى بني هاشم. ولا يجوز للإنسان أن يدفع زكاة ماله إلى أقاربه الذين يلزمه الإنفاق عليهم. التصفية والتربية TarbiaTasfia@ الملخص الفقهي فضيلة الشيخ العلامة / صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- رابط تحميل الكتاب : http://alfawzan.af.org.sa/sites/defa...s/mofeqhy1.pdf |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[جمع] الجمع الثمين لكلام أهل العلم في المصرّين على المعاصي والمدمنين | أبو عبد الودود عيسى البيضاوي | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 0 | 13-09-2011 09:33PM |
أقوال العلماء السلفيين في حكم من حكَّم القوانين | أبو حمزة مأمون | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 10-06-2010 01:51AM |
(الشيخ ربيع بين ثناء العلماء ووقاحة السفهاء) | أبوعبيدة الهواري الشرقاوي | منبر الجرح والتعديل | 0 | 21-12-2008 12:07AM |
شرح كتاب ثلاثة الأصول | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 3 | 13-10-2007 08:38PM |
صحيح المقال في مسألة شد الرحال (رد على عطية سالم ) | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر البدع المشتهرة | 0 | 12-09-2004 12:02PM |