القائمة الرئيسية
الصفحة الرئيسية للمجلة »
موقع الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني »
المحاضرات والدروس العلمية »
الخطب المنبرية الأسبوعية »
القناة العلمية »
فهرس المقالات »
فتاوى الشيخ الجديدة »
برنامج الدروس اليومية للشيخ »
كيف أستمع لدروس الشيخ المباشرة ؟ »
خارطة الوصول للمسجد »
تزكيات أهل العلم للشيخ ماهر القحطاني »
اجعلنا صفحتك الرئيسية »
اتصل بنا »
ابحث في مجلة معرفة السنن والآثار »
ابحث في المواقع السلفية الموثوقة »
لوحة المفاتيح العربية
البث المباشر للمحاضرات العلمية
دروس الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله والتي تنقل عبر إذاعة معرفة السنن والآثار العلمية حسب توقيت مكة المكرمة حرسها الله :: الجمعة|13:00 ظهراً| كلمة منهجية ثم شرح كتاب الضمان من الملخص الفقهي للعلامة الفوزان حفظه الله وشرح السنة للبربهاري رحمه الله :: السبت|19:00| شرح كشف الشبهات للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :: الأحد|19:00 مساءً| شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي رحمه الله :: الاثنين|19:00 مساءً| شرح سنن أبي داود السجستاني:: الثلاثاء|19:00 مساءً| شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج وسنن أبي عيسى الترمذي رحمهما الله :: الأربعاء|19:00 مساءً| شرح الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله :: الخميس|19:00 مساءً| شرح صحيح الإمام البخاري رحمه الله
 
جديد فريق تفريغ المجلة


العودة   مجلة معرفة السنن والآثار العلمية > السـاحة الإســلاميـــة > منـبر السنة النبوية والآثار السلفية > الأحاديث الصحيحة فقهها وشرحها
مشاركات اليوم English
نود التنبيه على أن مواعيد الاتصال الهاتفي بفضيلة الشيخ ماهر بن ظافر القحطاني حفظه الله، ستكون بمشيئة الله تعالى من الساعة الحادية عشرة صباحاً إلى الثانية عشرة والنصف ظهراً بتوقيت مكة المكرمة، وفي جميع أيام الأسبوع عدا الخميس و الجمعة، آملين من الإخوة الكرام مراعاة هذا التوقيت، والله يحفظكم ويرعاكم «رقم جوال الشيخ: السعودية - جدة 00966506707220».

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 02-04-2015, 09:14PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -




[98] : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب " .


موضوع الحديث :

أهمية فاتحة الكتاب في الصلاة وبطلان صلاة من لم يقرأ بها .

المفردات :

لا صلاة : لا نافية للجنس ، والنفي هنا يتوجه على الصلاة الشرعية المعتد بها التي يترتب على فعلها
حصول الثواب وانتفاء العقاب ، والمعنى لا صلاة صحيحة ، ومن موصولة في محل جر باللام والباء
زائدة للتأكيد ، والله أعلم .


المعنى الإجمالي :

فاتحة الكتاب سورة عظيمة تتضمن الثناء على الله بما هو أهله من الكمالات ، ثم إفراده بالعبادة
لأنه لا يستحق العبادة شرعاً وعقلاً إلا صاحب هذه الكمالات ، التي نقص فيها بوجه من الوجوه ، ثم إقرار
العبد بالعجز والقصور عن الاستقلال بمصالح نفسه وذلك بطلبه العون من الله بارئه وخالقه والمتصرف فيه
ثم سؤاله الهداية إلى الطريق المستقيم طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وأن يجنبه الطرق المنحرفة المعوجة ، وهذه الصفة بارزة في العقيدة النصرانية والوثنية الضالة ، أو ناشئاً عن
العناد والمكابرة مع معرفة الحق ، وهذا الصفة بارزة في اليهود ، ومن هدي إلى الطريق المستقيم فقد أصاب
الخير كله لأنها هي الطريق الجامعة لخيري الدنيا والآخرة ولما كانت كذلك أمر الشارع بقراءتها في كل
صلاة ، ونَزل الصلاة التي لا يقرأ فيها بفاتحة الكتابة منـزلة العدم فقال :

" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " . والله أعلم .

فقه الحديث :

في الحديث دليل لما ذهب إليه الجمهور من فرضية قراءة فاتحة الكتاب على كل مصل سواء كان إماماً
أو مأموماً أو منفرداً ، إلا أن الحنابلة والمالكية خصوا الفرضية بالسرية في حق المأموم ، وما لم يسمع فيها
قراءة الإمام من الجهرية . وذهبت الحنفية فيما نقل عنهم إلى عدم الوجوب ، مستدلين بقوله سبحانه وتعالى :
_ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ _ (المزمل: من الآية20) .



لكن رد ذلك الحافظ في "الفتح" ورجح أنهم يقولون بالوجوب ، ولكن لا يقولون بالشرطية ، وتبعه على
ذلك الشوكاني ، أما الذين قالوا بعدم وجوبها على المأموم في الجهرية المسموعة كالحنابلة والمالكية
أو في الجميع كالحنفية ، فاستدلوا بحديث : "من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة". إلا أنه حديث
ضعيف ضعفه الحافظ في الفتح وحكى تضعيفه عن الحفاظ وقال في التلخيص .



فائدة :

حديث " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " مشهور من حديث جابر وله طرق عن جماعة من الصحابة
كلها معلولة .

قلت : وعلى هذا فإنه لا ينتهض للاستدلال به ، واستدلوا أيضاً بقوله سبحانه : _ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا _ (الأعراف:204) . ولا حجة لهم في الآية ؛ لأن الأمر بالإنصات عام مخصوص بالأحاديث
الدالة على وجوب قراءة فاتحة الكتاب من غير فرق بين إمام ومأموم ، كهذا الحديث ، وعلى وجوبها على
المأموم نصاً كحديث ابن حبان في صحيحه ، أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن يحيى
الذهلي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن العلا بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله ﷺ : " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " .



قلت : وإن كنت خلف الإمام ؟ ، قال : فأخذ بيدي وقال : " اقرأ بها في نفسك " قال الزيلعي في
نصب الراية : ورواه ابن خزيمة في صحيحة كما تراه . قاله النووي في "الخلاصة" .



قلت : أخرجه ابن خزيمة برقم (490) كما تراه هنا سنداً ومتناً وزاد في آخره : " يا فارسي " ، وأخرجه
برقم (489) من طريق يعقوب الدروقي حدثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ،
أن أبا السائب أخبره سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : " من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم
القرآن فهي خداج غير تمام " .


فقلت : يا أبا هريرة إني أكون أحياناً وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعي وقال : يا فارسي اقرأ بها في نفسك .
وأخرجه مسلم من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن العلاء ، عن أبيه ،
عن أبي هريرة ولفظه قريب من لفظ الحديث الماضي وزاد في آخره : فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول :
قال الله تعالى : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ..." الحديث ، وهذه الأحاديث
كلها صحاح ، رجالها كلهم أئمة مخرج لهم في الصحيحين وغيرهما ، ولذلك فهي حجة على من خالفها .



ومن أدلة وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم في الجهرية والسرية على السواء حديث عبادة
بن الصامت رضي الله عنه قال : صلى رسول ﷺ الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال :
"إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم" ، قلنا : يا رسول الله ، إي والله ، قال : " لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه
لا صلاة لمن لا يقرأ بها " ، وفي لفظ : " فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن " .
أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني وقال : رجاله كلهم ثقات . ورواه البخاري في جزء القراءة ،
وصححه وأخرجه ابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال : حدثني مكحول ، عن محمود
بن الربيع ، عن عبادة وتابعه زيد بن واقد عن مكحول .



وبهذا يتبين أنه لا حجة فيه لمن قال بعدم الوجوب على المأموم وعلى فرض أن قوله : " فانتهى الناس عن
القراءة مع رسول الله. ﷺ " محفوظاً عن الصحابي ، فإنه يحمل على الانتهاء عما عدا فاتحة الكتاب
فلا يخالف المحفوظ . والله أعلم .



ثانياً : اختلف القائلون بوجوبها ، هل تجب في كل ركعة من الصلاة أو في أكثرها أو في ركعة واحدة منها ؟ ،
فذهب الشافعية والحنابلة إلى الأول وهي رواية عن مالك وذهب أبو حنيفة وزيد بن علي والناصر إلى قراءتها
في الأوليين فقط مع الاختلاف السابق عن أبي حنيفة في تعيين الفاتحة ، وذهب الحسن البصري وهو
رواية عن مالك وبه قال داود الظاهري وإسحاق إلى وجوبها في ركعة واحدة ، والمذهب الأول أرجح لقوله
ﷺ من حديث المسيء : " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " وفي رواية لأحمد وابن حبان والبيهقي :
" ثم افعل ذلك في كل ركعة " بعد أن أمره بالقراءة ولحديث أبي سعيد : أمرنا رسول الله ﷺ أن نقرأ بفاتحة
الكتاب في كل ركعة ، عزاه الحافظ في التلخيص إلى ابن الجوزي في التحقيق ، قال : فقال روى
أصحابنا من حديث عبادة وأبي سعيد قالا فذكره ، قال : وما عرفت هذا الحديث . اهـ.



قال : وفي سنن ابن ماجة معناه ، وهو ضعيف الإسناد .
قلت : يستأنس به وإن كان ضعيفاً مع الرواية السابقة " وافعل ذلك في صلاتك كلها " ، ومع حديث أبي
قتادة الذي سيأتي بعد هذا أن النبي ﷺ كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الأخريين
بفاتحة الكتاب ، فإذا ضممنا هذا إلى قوله ﷺ " صلوا كما رأيتموني أصلي " تكونت منها حجة على
وجوب قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة . والله أعلم .



ثالثاً : اختلفوا في المسبوق إذا لحق الإمام راكعاًَ هل يعتد بالركعة ويعفى عنه من القراءة أم لا ؟ .
فذهب الجمهور إلى أنه يعتد بها مستدلين بحديث أبي بكرة عند الشيخين أنه دخل المسجد والنبي ﷺ
راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ، فقال النبي ﷺ : " زادك الله حرصاً ولا تعد ".



وهو صحيح غير صريح في الاعتداد إذْ لم يذكر أنه أنه اعتد بتلك الركعة ، واستدلوا أيضاً بما رواه الدارقطني
من حديث أبي هريرة مرفوعاً من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة من صلاته يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ،
وفي سنده ياسين بن معاذ وهو متروك ، وأخرجه الدارقطني بلفظ آخر من طريق فيها سليمان بن داود
الحراني وهو متروك أيضاً ، ومن طريق آخر فيها صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف ، ذكر ذلك الشوكاني
في نيل الأوطار ، وقال ورد حديث من أدرك ركعة من صلاة الجمعة بألفاظ لا تخلو طرقها من مقال حتى
قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لا أصل لهذا الحديث ، إنما المتن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها ،
وكذا قال الدارقطني والعقيلي ، وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه ﷺ . اهـ.



قلت : أخرجه البيهقي بهذا اللفظ ، وقال بعد إخراجه : قال أبو حمد : هذه الزيادة قبل أن يقيم الإمام
صلبه يقولها يحيى بن حميد عن قرة وهو مصري ، قال أبو أحمد : سمعت ابن حماد يقول : قال البخاري :
يحيى بن حميد عن قرة عن ابن شهاب سمع من ابن وهب مصري لا يتابع في حديثه(_) .


واحتجوا أيضاً بما رواه أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ : " إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا
ولا تعدوا شيئاً ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " ، وفي سنده يحيى بن أبي سليمان المدني وهو منكر
الحديث قاله البخاري(_) .


فقد ترى أن هذه الأحاديث ليس فيها دليل لمن قال بالاعتداد ، أما حديث أبي بكرة فلاحتماله ، ومع
الاحتمال يسقط الاستدلال كما يقولون ، وأما سائر الأحاديث فلعدم انتهاض شيء منها للاحتجاج والأصل
وجوب قراءة الفاتحة والقيام بقدر قراءتها ، ولا يسقطان إلا بدليل صحيح ، وإلى ذلك ذهب البخاري في
جزء القراءة وإليه ذهب الشوكاني وحكاه عن ابن خزيمة وابن السبكي من محدثي الشافعية ، وحكاه البخاري
في جزئه عن كل من يرى وجوب قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة من الصحابة .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf












رد مع اقتباس
  #17  
قديم 03-04-2015, 07:51PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله.-




تكملة الدرس السابق :

هذا ما كتبته وكنت أعتقده برهة من الزمن ، ثم ترجح لدي بعد ذلك الاعتداد لأمور :
أحدها : مارواه الدارمي في سننه بقوله أخبرنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع. ، حدثنا حميد الطويل ،
حدثنا بكر بن عبد الله المزني ، عن حمزة بن المغيرة ، عن أبيه ، أنه قال : فانتهينا إلى القوم وقد قاموا
يصلي بهم عبد الرحمن ابن عوف وقد ركع بهم ، فلما أحس النبي ﷺ ذهب يتأخر ، فأومأ إليه بيده
فصلى بهم فلما سلم قام النبي صلى وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا .


والحديث رجاله كلهم ثقات أئمة مخرج لهم في الصحيحين إلا حمزة بن المغيرة فإنه من رجال مسلم ،
فإن قيل حميد الطويل مدلس .



فالجواب : أنه قد صرح بالتحديث في هذا الحديث ، فإذا ضممنا إلى هذا الحديث حديث عروة
بن المغيرة بن شعبة في القصة نفسها حيث قال – أي المغيرة بن شعبة - : ثم أقبل فأقبلت معه يعني
النبي ﷺ حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم ، فأدرك الرسول ﷺ إحدى
الركعتين فصلى مع الناس الركعة الآخرة ، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله ﷺ يتم صلاته ،
ورواه الدارمي من طريق فيها عبد الله بن صالح كاتب الليث ، وهو صدوق ثبت في كتابه إلا أنه أكثر
الغلط ، وفي روايته : فصلى بهم عبد الرحمن ركعة من صلاة الفجر قبل أن يأتي رسول الله ﷺ ، ثم
جاء رسول الله ﷺ فصف مع الناس وراء عبد الرحمن في الركعة الثانية .

وأخرجه أبو داود من طريق
أحمد بن صالح المصري ، عن ابن وهب وأحمد بن صالح من رجال البخاري ، وفي روايته : فوجدنا
عبد الرحمن قد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر ، فإذا ضممنا هذه الأحاديث بعضها إلى بعض ، تكون لنا
منها دليل على الاعتداد بالركعة لمن لحق الركوع .



وجه الاستدلال :

وجه الاستدلال منها أن هذه الأحاديث كلها متفقة أن عبد الرحمن بن عوف والناس صلوا ركعة قبل
مجيء النبي ﷺ ، وأن النبي ﷺ أدرك الركعة الثانية معهم ، أما على أي حال أدركهم في الركعة
الثانية فهذا لم يذكر إلا في رواية حمزة عند الدارمي فقد ذكر فيها أن النبي ﷺ أدركهم في الركوع
وأنه لم يقض إلا ركعة واحدة وسنده صحيح على شرط مسلم ، فتبين أنه اعتد بها وهذا مما فتح الله
به عليَّ ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


الأمر الثاني : تبين لي أخيراً أن أبا بكرة رضي الله عنه إنما ركع قبل أن يصل إلى الصف حرصاً على أن
يلحق الركوع مع النبي ﷺ ولو لم يكن يحتسب تلك الركعة التي لحق ركوعها ما حرص على
الركوع ذلك الحرص ، ولهذا فقد قال أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبرى ، باب : من ركع دون الصف ،
وفي ذلك دليل على إدراك الركعة ولولا ذلك ما تكلفوه .



الأمر الثالث : أخرج البيهقي بسند صحيح وهو مرسل عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل عن النبي ﷺ
قال : " إذا جئتم والإمام راكع فاركعوا وإن كان ساجداً فاسجدوا ، ولا تعتدوا بالسجود إذا لم يكن معه الركوع " .


‎ وأخرج عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت الاعتداد بالركعة لمن لحق الركوع وأخرج عن
مالك بلغه أن أبا هريرة كان يقول من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ، ومن فاتته قراءة أم القرآن فقد
فاته خير كثير .




الأمر الرابع : أن الاعتداد يناسب يسر الشريعة وسماحتها ، فقد يقال أنه يُعفى عن المسبوق في قراءة
الفاتحة تيسيراً عليه ، وقد كان هذا الترجيح بعد استخارة تبعها مواصلة أبحاث ، ولله الحمد والمنة وهو
الهادي إلى سواء السبيل .



رابعاً : يؤخذ من قوله : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " أن من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة
له ويعارضه حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي. الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى فقال : إني لا أستطيع
أن أتعلم شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني في صلاتي ، قال : " قل سبحان الله والحمد لله .. الخ "
رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن إبراهيم السكسكي وابن حبان والحاكم من طريق أبي خالد الدالاني وقد
وثقه أبو حاتم ، وقال النسائي : لا بأس به .


وقال إبراهيم السكسكي : ضعفه شعبة . وقال ابن عدي استشهد به البخاري . وقال ابن القطان :
ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة . وله شاهد ضعيف عند الطبراني ، وعلى هذا فالحديث فيه ضعف مقارب
ويصح أن يكون من ما لا بأس به غير أنه لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة ، اللهم إلا أن يقال
أنه محمول على الحالة الراهنة ، بمعنى أنه لا يستطيع التعلم في تلك الساعة لعسر فهمه وضعف حفظه ،
فأرشده النبي ﷺ إلى هذا الذكر حتى يتعلم ، وبهذا يحصل التوفيق بين الأدلة . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf










رد مع اقتباس
  #18  
قديم 04-04-2015, 07:15PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -





[99] : عن أبي قتادة رضيي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة
الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ، وفي الأخريين بأم الكتاب وكان يطول
في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية.



موضوع الحديث :

القراءة في الصلاة .


المفردات :

الأوليين : تثنية أولى .
والأخريين : تثنية أخرى .


المعنى الإجمالي :

يخبر أبو قتادة رضي الله عنه في هذا الحديث عن قراءة رسول الله ﷺ في الصلاة أنه يقرأ في الأولى
والثانية بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة منها ، وفي الثالثة والرابعة بفاتحة الكتاب فقط لا يقرأ معها
شيئاً ، وأنه يطول في الأول ويقصر في الثانية من أجل أن يلحق المتأخر ، وأنه يسمعهم الآية أحياناً أي يجهر
بها في السرية .



فقه الحديث :

أولاً : في الحديث دليل على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ، وقد تقدم بحث ذلك بما فيه
الكفاية .



ثانياً : فيه دليل على مشروعية قراءة سورة مع فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين . قال ابن دقيق العيد :
وهو متفق عليه ، والعمل به متصل من الأمة ، وإنما اختلفوا في الوجوب وعدمه .


ثالثاًً : يؤخذ من تطويل الركعة الأولى على الثانية حتى يلحق المتأخر ، وفي صحيح مسلم عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع ، فيقضي
حاجته ، ثم يتوضأ ، ثم يأتي ورسول الله ﷺ في الركعة الأولى مما يطيلها .



رابعاً : يؤخذ منه الإسرار في موضع الجهر والجهر في موضع الإسرار لا يوجب سجود السهو ،
ولا يخل بصحة الصلاة .



خامساً : يؤخذ من قوله وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ، أن الزيادة على فاتحة الكتاب في
الركعتين الأخريين لا تشرع ، ويعارضه حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم أن النبي ﷺ كان
يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة بقدر ثلاثين آية ، وفي الركعتين الأخريين قدر
خمس عشرة آية ، أو قال النصف من ذلك ...... الحديث .

والجمع بينه وبين حديث أبي قتادة أن النبي ﷺ كان يفعل هذا ، وأن الكل جائز . والله أعلم .


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf




رد مع اقتباس
  #19  
قديم 06-04-2015, 05:29AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[100] : عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقرأ في المغرب بــ : الطور .

[101] : عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان في سفر فصلى العشاء الاخرة،
فقرأ في إحدى

الركعتين والتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه.

موضوع الحديثين :

القراءة في المغرب. والعشاء.


المفردات :

الطور : اسم لسورة من طوال المفصل، افتتحت باقسم بالطور، فحذفت واو القسم، وبقي اسم الطور علما
على السورة، والطور : اسم لجبل في سيناء كلّم الله عليه نبيه موسى عليه السلام، وذكر في القرآن في مواضع..


والتين والزيتون : شجرتان لهما ثمر. يأكله الناس، وقد ذكرهما الله ﷻ في هذه السورة مقسماً بهما،
وذكر الزيتون. في سورة الأنعام والمؤمنين.


المعنى الإجمالي :

يخبر جبير بن مطعم. أن النبي ﷺ ﷺ بــــ : "الطور " في المغرب، وهي من طوال المفصل ، ويخبر
البراء بن عازب أن النبي ﷺ ﷺ بــ : "التين " في العشاء وهي من. قصاء المفصل ؛ فدل ذلك
على مشروعية التطويل في المغرب، والتقصير في العشاء.


فقه الحديثين
:
ورد في القراءة في الصلاة أحاديث مختلفة المقادير، وهي بمجوعها تدل على التوسعة فيي القراءة واستحباب
التطويل في وقتي الظهر والفجر، والتوسط في العصر والعشاء. ، والتخفيف في المغربب، وقد يخالف فيطوّل
فيما العادة فيه التقصير، ويقصّر فيما العادة فيه التطويل.


أما إنكار زيد بن ثابت رضي الله عنه على مروان المداومة على قراءة المفصل في المغرب، فهو إنكار
للجريي على وتيرة واحدة.

فإن_قلت : فأين الدليل على أغلبية الإيجاز من فعل النبي ﷺ؟

قلت : حديث رافع بن خديج عند البخاري : كنا نصلي المغرب مع النبي ﷺ، فينصرف أحدنا
وإنه ليبصر مواقع نبله. لأن ". كان " تفيد الاستمرار، ولا يبصر أحدهم مواقع نبله بعد الخروج من الصلاة ؛
إلا لأن النبي ﷺ يقرأ. فيها بقصار المفصل.


أما الأدلة على تطويل النبي ﷺ في الظهر والصبح، فهي كثيرة :

-منها : حديث أبي برزة الأسلمي، وفيه : كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان
يقرأ فيها بالستين إلى المائة. وقد مضى في الجزء الأول ص 123.

- ومنها : حديث أبي قتادة الذي قبل هذا، وفيه : وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح، ويقصّر
في الثانية.


-ومنها : حديث أبي سعيد عند مسلم الذيي ذكرته في شرح حديث أبي قتادة، ولفظه : لقد كانت
صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله ﷺ
قائم في الركعة الأولى مما يطولها.


وروى النسائي بسند رجاله كلهم موثوقون، عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال : كنا نصلي خلف.
النبي ﷺ الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة "لقمان" و"الذاريات" ‏ إلى غير ذلك.


أما التوسط في العصر :
فيدل له حديثا أبي سعيد عند مسلم أنهم حزروا قيام رسول الله ﷺ في الظهر قدر ثلاثين آية وفي
العصر قدر النصف من ذلك ، وفي حديثه الثاني أنهم حزروا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر
[ألم ، السجدة ] ، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك وفي الأوليين من العصر قدر قيامه في
الركعتين الأخريين من الظهر ،


وأما التوسط في العشاء :
فيدل له حديث جابر في قصة معاذ عند الشيخين حيث قال له النبي ﷺ. : " فلولا صليت بسبح اسم
ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى " وما ذكر هو الغالب .


وقد ورد عن النبي ﷺ ما يخالف ذلك . فقد روى النسائي بسند جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه
أن النبي ﷺ قرا في الصبح بالمعوذتين ، وروى النسائي أيضاً عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي ﷺ
قرأ في المغرب بالأعراف ، ورجاله رجال مسلم وأصله في البخاري ، وله شاهد من حديث عائشة عنده
– أي النسائي – إلا أن في سنده بقية بن الوليد مدلس ، وقد عنعن . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf








رد مع اقتباس
  #20  
قديم 07-04-2015, 01:00AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[102] : عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ بعث رجلاً على سرية ، فكان يقرأ في صلاتهم
فيختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " ،
فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن عز وجل ، فأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال رسول الله ﷺ :
" أخبروه أن الله تعالى يحبه ".



موضوع الحديث :


جواز تكرار سورة بعينها في جميع ركعات الصلاة .


المفردات :


المحبة : في اللغة الوداد وكل ما قيل في المحبة من تفسير فالمراد به محبة المخلوق للمخلوق أما محبة
الله للعبد فهي صفة من صفاته تحمل على ما تقضيه في اللغة من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تأويل
ولا تعطيل .


السرية : الفرقة القليلة تغزو ، سميت بذلك لأن غالب سيرهم يكون بالليل ، إما لأن ذلك أرفق بهم
أو بقصد التخفي لقلتهم ، أما في اصطلاح أهل المغازي والسير ، فهم يطلقون السرية والبعث على
ما لم يخرج فيها النبي ﷺ والغزوة على ما خرج فيها .


وقد يسمون السرية غزوة إذا كثر عدد جيشها وبعد وجههم كما قالوا غزوة مؤتة . والله أعلم .


المعنى الإجمالي :


المحبة دافع يتحكم بإرادة العبد فيضطرها إلى التوجه إلى جهة المحبوب فيحصل المحب على الراحة
بملابسة محبوبه ، والملابسة تحصل بذكر المحبوب والتحدث عن صفاته حتى قيل من أحب شيئاً
أكثر من ذكره ، لهذا تحكمت محبة هذا الصحابي لربه ولصفات ربه التي ملكت عليه قلبه ومشاعره
تحكمت في إرادته حتى جعلته لا يستطيع ترك قراءة سورة الإخلاص التي تشتمل على صفة الله
عز وجل حتى شكاه أصحابه إلى النبي ﷺ لجهلهم بما في قلبه ، ولكنهم ذهبوا شاكين متزمتين
وحاسدين ثم رجعوا حامدين ومُكبرين (أخبروه أن الله تعالى يحبه) .



فقه الحديث :


أولاً : فيه جواز القراءة في الركعة الواحدة بسورتين فأكثر وقد روى البخاري عن ابن مسعود
رضي الله عنه أنه قال : إني لأعرف القرائن ، أي السور التي كان رسول الله ﷺ يقرن بينها في
الركعة ثم عد سوراً ، وروى مسلم عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قرأ في صلاة الليل
بسورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران .



ثانياً : فيه فضل سورة الإخلاص وأنها صفة الرحمن ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن كما صح عنه
ﷺ فيما رواه الشيخان وغيرهما ، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً سماه " جواب أهل العلم
والإيمان أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن " .



ثالثاً : فيه أن محبة هذه السورة موجبة لمحبة الله لأنها صفة الله ، ومن أحب صفة الله أحبه الله .


رابعاً : قول ابن دقيق العيد يحتمل أن يريد بمحبته قراءة هذه السورة خطأ لأنه لو كانت محبة الله
للعبد هي قراءة هذه السورة لما كان لهذا الصحابي مزية ، بل يلزم من ذلك أن كل من قرأ هذه السورة
يحبه الله ولو كان منافقاً أو كافراً ، فإذا فسرت المحبة بأنها مجرد القراءة لزم منه ذلك .



وقولـه : ويحتمل أن يكون لما شهد به كلامه من محبته لذكر صفات الرب وصحة اعتقاده خطأ أيضاً ،
لأنه تفسير لمحبة الله عز وجل التي هي صفة من صفاته بخلقه سبحانه وتعالى محبة الذكر في قلب العبد ،
فهو تفسير لصفة الله تعالى بفعله في غيره ، والصفة معنى قائم بالذات وخلقه محبة الذكر في قلب العبد
أثر من آثار اسمه الخالق ، واسمه الرحمن وآثار الأسماء ظهور مقتضياتها في غير المسمى بها ، وهو
الله جل شأنه ، فالخلق أثر من آثار اسمه الخالق يطلق على المخلوق وعلى الخلق الذي هو فعل الاسم
المقدس في غيره ، وكذلك يقال في الصفة . فعلم من هذا بطلان ما فسر به ابن دقيق العيد – رحمه الله – .



والذي حمل الشيخ – رحمه الله – على هذه المجازفة هو الفرار من التجسيم لأن إثبات الصفة
يقتضي ذلك على حد زعمه .

والحق ما ذهب إليه السلف الصالح – رحمهم الله – وهو أن إثبات الصفة إثبات وجود لا إثبات كيفية .


قال الإمام مالك – رحمه الله :
" الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " .


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وأما ما سألت عنه من الصفات ، وما جاء منها
بالكتاب والسنة ، فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ، ونفي الكيفية ، والتشبيه عنها " ،
وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله ، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه ، والتكييف ،
وإنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين ، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه.



والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله ،
فإذا كان معلوماً أن إثبات ذات الباري تعالى إنما هو إثبات وجود ، لا إثبات كيفية فكذلك إثبات صفاته
إنما هو إثبات وجود ، لا إثبات تحديد وتكييف . اهـ نقلاً من الحموية .



ولا نبطل بأكثر من هذا فلاستقصاء البحث في ذلك كتب تختص به وهي كتب العقائد ،


#وخلاصة القول أن المحبة صفة من صفات الله – عز وجل – ثابتة بالكتاب والسنة كقوله تعالى :
_ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا _ (الصف: من الآية4) ، وقال : _ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ _
(التوبة: من الآية108) ، وقال : _ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ _ (التوبة: من الآية4) . إلى غير ذلك ،



ويجب إثباتها ، واعتقاد معناها الذي تقتضيه على وجه الكمال الذي يليق بجلاله تعالى ، والله الموفق
والهادي إلى سبيل الرشاد .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf








رد مع اقتباس
  #21  
قديم 07-04-2015, 08:41PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[103] : عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : لمعاذ : " فلولا صليت بـ_ سبح اسم ربك
الأعلى _ ، _ والشمس وضحاها _ ، _ والليل إذا يغشى _ ، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو
الحاجة "_.



موضوع الحديث :

القراءة في الصلاة ومشروعية التخفيف فيها .


المفردات :

فلولا : بمعنى هلا ومعناها التحضيض .
الكبير : الطاعن في السن الذي استولى عليه الضعف لكبره .
الضعيف : يدخل فيه الضعيف خلقة ومن عرض له الضعف لمرض أو شبهه .
ذو الحاجة : صاحب الحاجة .

المعنى الإجمالي :

الشرع الإسلامي يتصف بالسماحة واليسر وعدم الشديد ، لأن التشديد والتعسير من مساوئهما التنفير ،
لذلك أمر النبي ﷺ من أم الناس أن يخفف مراعاة لحالة الضعفاء وذوي الحاجة ، فإذا صلى لنفسه
فليطول ما شاء .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث مشروعية التخفيف والتيسير في الصلاة لمن أم الناس .

ثانياً : يؤخذ منه أن قراءة هذه السور تخفيف .

ثالثاً : يؤخذ منه عناية الشرع بالضعفاء ومراعاة أحوالهم ، وقد قال النبي ﷺ لعثمان بن أبي العاص
حين قال : اجعلني إمام قومي ، قال له :" أنت إمامهم واقتد بأضعفهم " .


رابعاً : يؤخذ منه مشروعية التخفيف في صلاة العشاء ، لأنها هي السبب وقد تقدم تقريباً بحث القراءة
في الصلاة واختلاف مقاديرها ، وأن المقصود منه التوسعة .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
  #22  
قديم 10-04-2015, 12:34AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي

-رحمه الله -


باب ترك الجهر بـ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ]


[104] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه ؛ أن النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر كانوا يستفتحون الصلاة
بالحمد لله رب العالمين ، وفي رواية : صليت مع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم.


ولمسلم : صليت خلف النبي ﷺ وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فكانوا يستفتحون بـ[ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ]، لا يذكرون [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] في أول قراءة ولا في آخرها .


موضوع الحديث :

إسرار البسملة في الصلاة الجهرية .

المفردات :

يستفتحون : يدخلون أو يبدؤون الصلاة على حذف مضاف أي القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين ،
ويجوز في الحمد الرفع على الحكاية إذا كان المعنى أنه يبدأ بهذا اللفظ ، ويجوز فيه الجر إذا كان المعنى
يبدؤون بالفاتحة قبل السورة ، والحمد لله رب العالمين : اسم لها في أول قراءة هي الفاتحة ولا في آخرها
هي السورة .


المعنى الإجمالي :

يخبر أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يدخلون في قراءة الصلاة بالحمد لله
رب العالمين أي يبدؤون بهذا اللفظ دون ذكر البسملة ، أو دون إسماعها ، وعلى الوجه الثالث تحمل
الروايتان الأخيرتان .


فقه الحديث :

اعلم أن بحث الإسرار بالبسملة بحث كبير وهام ، ولذلك فقد أفرده جماعة من العلماء بالتأليف ،
كابن عبد البر ، والدارقطني، والمقدسي ، وغيرهم ، ومدار البحث في هذا الموضوع يرتكز على أمرين :



الأمر الأول : قرآنية البسملة .

الأمر الثاني : قراءتها في الصلاة ، وهل تسر أو تجهر ؟ .
فأما الأمر الأول : وهو قرآنية البسملة ، فقد اختلف العلماء فيه .
فذهب مالك في المشهور عنه
أنها ليست قرآناً إلا من سورة النمل ، ونقل هذا القول عن الأوزاعي ، وابن جرير الطبري ، وداود الظاهري وحكاه
الطحاوي. عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، وهو رواية عن أحمد ، وقول لبعض أصحابه ، واختاره ابن
قدامة في "المغني" ، وذهب أحمد إلى أنها آية من الفاتحة وليست قرآناً من باقي السور ، وهو قول إسحاق ،
وأبي عبيد ، وأهل الكوفة وأهل مكة وأهل العراق ، قال : وهو أيضاً رواية عن الشافعي ، وقال الشافعي هي
آية من كل سورة سوى براءة ، قال : وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وطاووس
ومكحول قال : وحكاه ابن كثير عن أبي هريرة وعلي وسعيد بن جبير والزهري وهو رواية عن أحمد .
اهـ نقلاً من تعليقات أحمد شاكر على الترمذي .


وإذ قد سردنا مذاهب العلماء فسنستعرض الأدلة ونؤيد ما تؤيده فنقول وبالله التوفيق :


وقال الشافعي هي آية من كل سورة سوى براءة ، قال : وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن
الزبير وعطاء وطاووس ومكحول



روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : بينا رسول الله بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ، ثم
رفع رأسه فضحك . فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : " أنزلت عليّ آنفا سورة " فقرأ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ] " الحديث ، وعزاه في المنتقى للنسائي وأحمد ، فهذا يدل على أن البسملة من السورة
حيث قال : أنزلت عليّ سورة ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم منها ، وهذا دليل واضح على قرآنيتها ، ويضاف
إلى ذلك إجماع الصحابة على كتابتها في أول كل سورة ماعدا براءة ، وزعم القرطبي أن ذلك لا يدل
على قرآنيتها فقال : فإن قيل إنها تثبت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله كما نقلت
في النمل وذلك متواتر عنهم .

قلنا : ما ذكرتموه صحيح ولكن لكونها قرآناً ولكونها فاصلة بين السور ... أو للتبرك (94/95) .

قلت : ما قرر القرطبي مردود ؛ لأن الأمة أجمعت على أنه لم يدخل المصحف شيء سوى القرآن ، حتى لقد استبعدوا
حين كتبوا المصاحف في عهد عثمان _ ما كتب على المصاحف من تفسير وإيضاح ، فلو كانت البسملة من
غير القرآن لاستبعدوها ، ومن هنا تبين ضعف ما ذهب إليه مالك ومن نحى منحاه من قولهم أن البسملة
غير قرآن إلا في سورة النمل فقط .


أما كونها من الفاتحة فقد دل عليه مارواه الدارقطني والبيهقي ، من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :
"إذا قرأتم _ الحمد لله _ فاقرأوا _ بسم الله الرحمن الرحيم _ فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني
_ وبسم الله الرحمن الرحيم _ إحدى آياتها " . ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم (742) وقال :
صحيح ، وأومأ أنه في الأحاديث الصحيحة (1183) .


وقال الحافظ في التلخيص : وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات وصححه غير واحد من الأئمة ورجح وقفه
على رفعه ، وأعله ابن القطان بتردد نوح فيه ، فإنه رفعه تارة ووقفه أخرى . قال : وأعله ابن الجوزي من
أجل عبد الحميد بن جعفر فإن فيه مقالاً ومتابعة نوح له مما يقويه . اهـ .



قلت : يظهر لي من إسناده أن نوح بن أبي بلال شيخه فيه وليس بمتابع ، وقد اقتنيت سنن الدارقطني بعد
فرأيت الحديث فيه (1/312) ونوح بن أبي بلال شيخ عبد الحميد بن جعفر فيه وفي آخره قال أبو بكر الحنفي
ثم لقيت نوحاً فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه وقال الحافظ ويؤيده
رواية الدارقطني من طريق أبي أويس عن العلائي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان إذا
قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم قال أبو هريرة هي الآية السابعة .



قلت : رواه الدارقطني عن منصور بن أبي مزاحم عن أبي أويس من طريقين الأول من طريق أبي طالب أحمد
بن نصر حدثنا أحمد بن محمد ابن منصور بن أبي مزاحم حدثنا جدي حدثنا أبو أويس والطريق الثاني حدثنا
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي حدثنا عثمان ابن خُرّزاذ حدثنا منصور بن مزاحم .



وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي في التلعيق المغني على الدارقطني (ص306) على الحديث :
أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون ، وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم الرازي ،
وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه ، وروى له مسلم في صحيحه ومجرد
الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذا لم يسلم من كلام الناس
إلا من عصمه الله . قاله الزيلعي . اهـ .


وحديث أم سلمة أنه ﷺ : كان إذا قرأ القرآن بدأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فعدها آية ثم قرأ الحمد لله
رب العالمين فعدها ست آيات . أخرجه الشافعي من رواية البويطي أخبرني غير واحد عن حفص بن غياث
والطحاوي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق عمر بن حفص عن أبيه .الأحاد



وأما الأمر الثاني : وهو قراءة البسملة في الصلاة فقد اختلف العلماء فيه ، فذهب مالك في المشهور عنه إلى
عدم قراءتها في الصلاة أصلاً لا سراً ولا جهراً ، وذهب أحمد بن حنبل وأبو حنيفة إلى قراءتها سراً في
الجهرية والسرية ، وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود مع اختلاف عن بعضهم .


وذهب الشافعي إلى أنها تبع للسورة فيسر بها في السرية ويجهر بها في الجهرية وهو مروي عن أبي هريرة
وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبي بن كعب بأسانيد صحيحة ، وقال به من التابعين مجاهد وسعيد بن جبير
ومعمر والزهري وسليمان التيمي ، حكى ذلك عنهم عبد الرزاق والشافعي .

استدل القائلون بالإسرار بحديث
أنس هذا وهو مروي في الصحاح والسنن والمسانيد بألفاظ مختلفة ، ذكر المصنف أصولها غير أن اللفظ
المتفق عليه منها " كانوا يستفتحون أو يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " .



ولهذا فقد ادعى جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر والخطيب أن ماعداه من الألفاظ مضطرب ، وأنها رويت
بالمعنى ، واستدلوا على ذلك بإعراض البخاري عنها وإلى ذلك أشار الحازمي في الناسخ والمنسوخ ، وقد تصدى
الحافظ بن حجر لهذه الدعوى فردها وأثبت صحة جميع ألفاظه بما ثبت له من الطرق والمتابعات في جميع أدوار
السند من بدايته إلى نهايته ، ومن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى فتح الباري (ج2) أبواب صفة الصلاة ،
باب : ما يقال بعد التكبير ، واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق معنا في أول هذا
الجزء بلفظ : "كان يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمن ".



وتأول الشافعي هذين الحديثين بأن المراد منها أنه كان يبدأ بالفاتحة قبل السورة وذلك لا ينفي قراءة البسملة
وهذا التأويل يتمشى في حديث عائشة وفي اللفظ المتفق عليه من حديث أنس ، أما سائر الألفاظ فلا يتمشى
فيها .


واستدلوا أيضاً بما رواه الخمسة إلا أبا داود عن ابن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعني أبي وأنا
أقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : أي بني محدث .. الحديث .‏

وقد ضُعف بسعد الجريري ، فإنه قد اختلط في آخر عمره ، ضعف أيضاً بجهالة ابن عبد الله بن مغفل ،
أما الإسرار فهو ثابت من حديث أنس بألفاظ لا تحتمل التأويل ، ولا يجوز أن ننتحل التأويلات المتعسفة
ولا أن نتمسك بأوهى الأسباب لتضعيف ما صح لا لشيء سوى أنه لم يوافق مذهب إمام معين ، فالله لم
يكلفنا باتباع فلان ولا علان وإنما كلفنا باتباع عبده ورسوله محمد صلى كما قال تعالى : [ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما _ (النساء:65) ،
ولسنا بمثابة سرد الأدلة على وجوب التسليم لأمره فذلك شيء لا يحتمل الشك ، ولكن العجيب أن
ترى باحثاً يتحامل على بعض النصوص فيردها لا لشيء سوى أنها لم توافق مذهب إمامه .


والذي ينبغي أن تعلمه أيها القارئ الكريم أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ، وأنه لا ينبغي الإنكار على
من فعل واحداً منها . قال الشوكاني في "نيل الأوطار" : وأكثر ما في المقام الاختلاف في مستحب ومسنون
وليس شيء من الجهر وتركه يقدح في الصلاة ببطلان ، بالإجماع ، فلا يهولنك تعظيم جماعة من
العلماء لهذه المسألة والخلاف فيها . اهـ .‏



ولعلك تلاحظ أني قد تعجلت بإثبات أحاديث الجهر قبل سبرها وتطلب مني ذلك فأقول : وردت في الجهر
أحاديث كثيرة غير أن الكثير منها لم يسلم من الطعن وسأذكر منها ما بلغ درجة الصحة أو قاربها .


وأولها ما رواه النسائي بسنده عن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ... الحديث وفي آخره يقول : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ.


ورواه ابن خزيمة (1/251) في باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة جميعاً
مباح ليس واحد منها محظور ، وهذا من اختلاف المباح .



وقد ادعى بعضهم عدم صراحته ويبعد جداً أن يقسم صحابي أنه أشبههم صلاة برسول الله ﷺ ،
وفي صلاته شيء يخالف صلاة رسول الله ﷺ، وإذا ضم إلى ذلك أن صحبته لرسول الله ﷺ
كانت متأخرة وأنه كان أحفظ القوم للسنن كان أبين في الدلالة .



وقد ضعف الشيخ الألباني – رحمه الله – الحديث بسعيد بن أبي هلال لأنه اختلط تبعاً لابن حزم .
قلت : قال الحافظ : لم أر لابن حزم سلفاً في تضعيفه إلا أن الساجي حكى عن أنه اختلط. وروى البخاري
في صحيحه من طريق قتادة قال : سالت أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله _ ؟ قال : كانت مداً ثم
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، وهو أعم من كونه خارج الصلاة .

ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم ، وهو أعم من كونه خارج الصلاة .


ثالثاً : ما رواه الشافعي في "الأم" فقال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : حدثني عبد الله بن عثمان بن خيثم
عن إسماعيل بن عبيد أو ابن عبيد الله بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم ، ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع ، فناداه المهاجرون حين سلم الأنصار : أن يا معاوية سرقت صلاتك ،
أين بسم الله الرحمن الرحيم وأين التكبير ؟ . ورجال إسناده كلهم ثقات . ورواه الشافعي أيضاً من طريق
يحيى بن سليم وقال أحسبه أحفظ .



ورواه أيضاً من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ،
عن أبي بكر بن حفص بن عمر عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو شاهد لحديث عبيد الله بن رفاعة ،
ورواه الحاكم من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن الربيع بن سليمان عن الشافعي بالسند
المذكور وقال : صحيح على شرط مسلم ، فقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم .
ووافقه على ذلك الذهبي .



رابعاً : ما رواه الحاكم قال : ومنها ما حدثناه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان قال :
حدثنا عثمان بن خرزاذ الأنطاكي ، قال : حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني قال : صليت خلف
المعتمر بن سليمان مالا أحصي صلاة الصبح والمغرب ، فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة
الكتاب وبعدها ، وسمعت المعتمر يقول : ما آلو أن اقتدي بصلاة أبي وقال أبي : ما آلو أن اقتدي بصلاة
أنس ، وقال أنس : ما آلو أن اقتدي بصلاة الرسول ﷺ . وقال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم
ثقات . ووافقه الذهبي وأشار ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى تصحيحه ، وهو كما قالوا .



خامساً : ما رواه الحاكم أيضاً قال ومنها ما حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال : حدثنا علي بن
أحمد بن سليمان حدثنا سليمان بن داود المهري قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل
عن شريك بن عبد الله ابن أبي نمر ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله ﷺ يجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم .

قال الحاكم رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ووافقه الذهبي .


سادساً : ما رواه الدارقطني من طريق العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ :
" أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم اله الرحمن الرحيم " رواه الدارقطني (1/306) من طريق أبي
أويس ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة وأبو أويس قال عنه في التقريب : قريب مالك وصهره ، صدوق يهم .
وقال في التعليق المغني على الدارقطني على الحديث : أبو أويس وثقه جماعة وضعفه آخرون .

وممن ضعفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم ، وممن وثقه الدارقطني وأبو زرعة وقال ابن عدي :
يُكتب حديثه .

وروى له مسلم في صحيحه ، ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم
السنة ، إذ لم يسلم من كلام الناس إلا من عصمه الله قاله الزيلعي .


قلت : ترجم له في التهذيب (5/477) (ص280و81 و82) ترجمة مطولة ورأيت كلام الأئمة
حوله يدور حول عبارات صالح مقارب ، ليس بالقوي ، يحتمل حديثه ، يكتب حديثه ، وقليل من صرح بتضعيفه ،
وهذا يدل على أن ضعفه من قبل حفظه فقط ، ومثل هذا يرتفع بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره .



سابعاً : ما رواه الدارقطني والبيهقي من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله ﷺ : إذا قرأتم _ الحمد لله _ فاقرأوا : _ بسم الله الرحمن الرحيم _ إنها أم القرآن
وأم الكتاب والسبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ". وقد تقدم الكلام عليه ، وأن الألباني
– رحمه الله- صححه ، وحكى الحافظ تصحيحه موقوفاً عن جماعة من أهل العلم بالحديث وائمة
هذا الشأن فارجع إليه (1/233) .



ثامناً : حديث أم سلمة عند الحاكم أنها قالت :كان رسول الله ﷺ يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
يقطعها حرفاً حرفا ، قال الحاكم : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ،
وقد تقدم .



تاسعاً : حديث ابن عباس عند الترمذي قال : كان النبي ﷺ يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك ، وأبو خالد هو الوالبي . اهـ.

قلت : قال الحافظ : اسمه هرمز ويقال هَرِم ، مقبول من الثانية وفد على عمر اهـ.


وذكر الزيلعي في "نصب الراية" أن العقيلي وابن عدي ضّعفا هذا الحديث بجهالة أبي خالد ، إذ زعم
بعضهم أنه مجهول .


قلت : هذا زعم لا يثبت عن البحث العلمي ، فهاهو الترمذي قد عرفه ، وقال الحافظ في التهذيب :
وعنه الأعمش ومنصور وفطر بن خليفة وإسماعيل بن حماد ابن أبي سليمان وزائدة بن نشيط ، وقال ابن أبي
حاتم : صالح الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ، فتبين بهذا أنه غير مجهول ؛ لأن الجهالة تنتفي
عن الشخص إذا روى عنه اثنان فأكثر كما تقرر في علم المصطلح ، وهذا قد روى عنه خمسة وزيادة يقال
أن قول الترمذي هو الوالبي يغلب على ظني أنها مقحمة .



وخلاصة القول أن هذا الحديث مما يحتج به في المتابعات وسنده مقارب وقد احتج أهل العلم بمثله
في المتابعات .

أما هنا فالأحاديث عشرة ، منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو مقارب يرتفع
بالشواهد إلى رتبة الحسن لغيره ، وهي بمجموعها تكون حجة قوية لا يجوز إطراحها بل يجب الأخذ بها ،
ومن أجل ذلك أقول : أن الجهر ثابت كما أن الإسرار ثابت ، ولا يلام من أخذ بواحد منهما ، فمن جهر
فبسنة أخذ ، ومن أسر فبسنة أخذ ، وإلى ذلك ذهب بعض المحققين من العلماء كابن القيم – رحمه الله –

وبه أخذ شيخنا عبد الله بن محمد القرعاوي ، وتلميذه حافظ بن
أحمد الحكمي رحمهما الله
تعالى وعليه مشى حافظ في نظم " السبل السوية " حيث قال :


وجاء في البسملة الإسرار *كذاك في الجهر أتت أخبار

وقد أسرها النبي وقد جهر *بها وكل قد روى لما حضر
وأنس قد شاهد الحالين. * ثم رواهما مفصلين


وإليه مال الشيخ عبد العزيز بن بازفي تعليقة على الفتح مع ترجيح الإسرار على الجهر كما سيأتي .
فإن قيل أحاديث الإسرار رواها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم فلذلك تكون ارجح
لشهرتها وصحتها .


فالجواب عنه من وجوه :

الوجه الأول : أن حديث الإسرار عن أنس وحده وقد عارضه روايته هو ورواية غيره كما مضى .


الوجه الثاني : أن الرواية عن أنس مختلفة فتارة يروي الإسرار وتارة أخرى يروي الجهر وتارة يخبر بأنه قد
نسي الجميع .

والجمع حاصل بين هذه الروايات وذلك أن أنساً طال عمره حتى نيف على المائة ، ومن طال عمره هذا
الطول فإنه لابد أن ينسى كثيراً .


وسليمان بن طرخان التيمي والد المعتمر توفي في 143 بعد أن عاش سبعاً وتسعين سنة فيكون قد
عاش في القرن الأول أربعاً وخمسين سنة منها سبع وأربعون في حياة أنس ، وعلى هذا فإنه قد أخذ عنه
الجهر قبل أن يطرقه الكبر وحين كان يؤم الناس ثم نسي فسأله أبو مسلمة سعيد بن يزيد فأجابه بأنه
قد نسي ثم تذكر الإسرار فأجاب به قتادة بحضرة جماعة من أقرانه الذين تتلمذوا على أنس بن مالك
ثم تذكر الجهر أيضاً فأجاب به قتادة أيضاً .


وبقريب من هذا الجمع جمع الحافظ في الفتح ج2ص228 حيث قال وغايته أن أنساً أجاب قتادة
بالحكم دون أبي مسلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قولـه في رواية أبي مسلمة ما سألني عنه أحد
قبلك أو قاله لهما فحفظه قتادة دون أبي مسلمة فإن قتادة أحفظ من أبي مسلمة بلا نزاع اهـ.


قلت : أما سليمان التيمي فقد أخذ الجهر من فعل أنس لا من قوله .
ثم قال الحافظ : وإذا انتهى
البحث إلى أن محصل حديث أنس نفي الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين الروايات ،
فمتى وجدت رواية فيها إثبات قدمت على نفيه لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافي ، بل لأن أنساً يبعد
أن يصحب النبي ﷺ عشر سنين ثم أبا بكر وعمر وعثمان خمساً وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر
بها في صلاة واحدة ، بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا كأنه لبعد عهده به ثم تذكر منه الافتتاح
بها سراً ولم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر اهـ.


وتعقبه الشيخ عبد العزيز بن باز فقال : هذا فيه نظر ، والصواب تقديم ما دل عليه حديث أنس من شرعية
الإسرار بالبسملة لصحته وصراحته في هذه المسألة وكونه نسي ذلك ثم ذكره لا يقدح في روايته كما علم
ذلك في الأصول والمصطلح وتحمل رواية من روى الجهر بالبسملة على أن النبي _ كان يجهر في بعض
الأحيان ليعلم من وراءه أنه يقرأها وبهذا تجتمع الأدلة . اهـ.


الوجه الثالث : أن الجهر قد ثبت من رواية غيره ولم يختلف عنهم فثبت من رواية أبي هريرة مرفوعاً كما
تقدم ، وعنه موقوفاً وهو أحفظ القوم وصحبته للنبي ﷺ متأخرة .

وثبت عن ابن عمر من فعله وهو معروف بحرصه الشديد على متابعة السنن .
وثبت عن ابن عباس من
فعله ومرفوعاً يحتمل الصحة ورواه عبد الرازق عن أبي ابن كعب أيضاً ، وليست رواية أنس وحده بأولى
بالاتباع من روايته مع غيره .


الوجه الرابع : أن البسملة آية من الفاتحة ، وكونها من الفاتحة يلزم منه أن تكون تبعاً لها في الإسرار والجهر ،
فتُسر فيما تُسر فيه الفاتحة والسورة ، وتجهر فيما نُجهر فيه الفاتحة والسورة ، ولولا أن الإسرار ثابت لاتجه عدم
جواز إسرارها فيما تجهر فيه الفاتحة والسورة . والله أعلم .


الوجه الخامس : أن الإسرار دائماً يؤدي إلى ترك البسملة عند كثير من الناس ، ومن وترك البسملة ترك
آية من الفاتحة ، ومن ترك آية من الفاتحة فصلاته باطلة لقول النبي ﷺ : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } .

وقد صح أن البسملة آية من الفاتحة كما تقدم ويلزم من ذلك بطلان صلاة من لم يقرأها مع الفاتحة
وهذا أمر يجب التنبه له والتنبيه عليه . والله أعلم ، ومعذرة عن الإطالة ، فالمقام مقام بيان ، والحاجة داعية .
والله المستعان .



تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
  #23  
قديم 11-04-2015, 04:15PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



[باب سجود السهو]


[104] : عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي – قال ابن سيرين : سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا – قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبّك بين أصابعه ، وخرجت السَّرعان من أبواب المسجد فقالوا : قصرت الصلاة ، وفي القوم أبو بكر وعمر ، فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ! أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ . قال : لم أنس ولم تُقصر فقال : بل نسيت ، فقال : أكما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا : نعم . فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ن ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، فربما سألوه ثم سلم ، قال : نبئت أن عمران بن الحصين ، قال : ثم سلم .


موضوع الحديث :

سجود السهو إذا سلم على نقص .


المفردات :

إحدى صلاتي العشي : العشي هو ما بعد الزوال ، وقد وردت الروايات في تعيينها مختلفة فتارة بالشك ، وتارة بالجزم بالظهر ، وتارة بالجزم بالعصر ، والجمع بين هذه الروايات حاصل بأن الراوي تردد مرة فروى بالشك ، وجزم بالظهر مرة ، وبالعصر مرة .


اتكأ : استند عليها .
كأنه غضبان : فعلان من الغضب .
شبك بين أصابعه : أدخل بعضها بين بعض .
وخرجت السَّرعان : بفتح السين المشددة وفتح الراء المهملة ويجوز إسكانها ، أي المسارعون للخروج والمتعجلون فيه .
قُصرت : بضم القاف وكسر الصاد مبني للمجهول وبفتحها وضم الصاد مبني للمعلوم والصلاة على الوجه الأول نائب فاعل ، وعلى الوجه الثاني فاعل .
هابا : من الهيبة وهي الخشية ، أي خوف يصحبه تعظيم .
ذو اليدين : صاحب اليدين .
لم أنسَ ولم تقصر : أي حسب علمي .
نبئت : أخبرت .


المعنى الإجمالي :

الرسل أكمل الناس عقولاً ، وأثبتهم قلوباً ، وأحسنهم تحملاً ، وأقومهم بحق الله تعالى ومع هذا فإنهم لم يخرجوا عند حدود البشرية ، ورسول الله _ أكمل الرسل في هذه الصفات ، ومع ذلك فقد طرأ عليه النسيان بحكم بشريته ليشرع الله لعباده أحكام السهو ، فقد صلى بهم إحدى صلاتي العشي التي هي الظهر أو العصر فسلم على ركعتين ، وسكت الصحابة ظناً منهم أن الصلاة قصرت واستبعاداً للنسيان منه _ ، فقام ذو اليدين وسأله : أقصرت الصلاة أن نسيت يا رسول الله ؟! فأجاب بنفي الجميع حسب علمه ، وبعد ذلك استثبت من الصحابة ، فأخبروه أنه قد نسي ، فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم سجد للسهو سجدتين يكبر في كل انتقال ، ولم يحفظ ابن سيرين السلام من حديث أبي هريرة ، وحفظه عن عمران بن حصين بواسطة .


فقه الحديث :

أولاً : اختلفت الرواية في الشك ، هل هو من أبي هريرة أو من ابن سيرين ؟ وهل هي الظهر أو العصر ؟.
والحقيقة أن مثل هذا الشك لا يضر لا سيما ومحل الحكم محفوظ .


ثانياً : اختلف العلماء في جواز النسيان عليه النبي _ ، فقيل لا يجوز النسيان عليه مطلقاً وإنما يتعمد صورة النسيان ليسنّ . قال ابن دقيق العيد : وهذا باطلٌ قطعاً ؛ لإخباره ﷺ أنه نسى .
قلت : ليت قائل هذا القول استحيا من الله ! إذ يكذب رسوله ﷺ من حيث يزعم أنه ينـزهه ، وينتقصه من حيث يزعم أنه يغالي فيه ويرفع من قدره ، وقد فرق جماعة من العلماء بين الأقوال التبليغية ، والأفعال ، وأجازوا النسيان في الثاني دون الأول .


قال ابن دقيق العيد : وهو مذهب عامة العلماء والنظار . وهذا الحديث مما يدل عليه ، وأهل هذا القول قالوا إنه لا يقر على النسيان في الأفعال التبليغية احترازاً عما فعله بحكم الجبلة .
وأجاز آخرون النسيان في الجميع – أي الأقوال والأفعال – أما القاضي عياض فقد نقل الإجماع على عدم جوازه في الأقوال التبلغية ، وتعقبه الحافظ في الفتح .


قلت : الذي دلت عليه الآيات القرآنية جوازه في الأقوال التبليغية مقيداً بالمشيئة الشرعية كما في قوله تعالى : _ سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ _ (الأعلى:6،7) . وقوله تعالى : _ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا _ (البقرة: من الآية106) . من النسيان في _ نُنْسِهَا _ لا من النسأ وهو التأخير .


والذي يجب أن يتفطن له المسلم أن الرسل بشر ، ولكن الله منحهم أعلى درجات الكمال البشري ، بل وزيادة على ذلك أن الله حرسهم من الغفلة حتى في النوم ، وهذا شيء يختصون به دون غيرهم .
وفي الحديث : أن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، وهذا يطّرد فيما إذا لم تكن مصلحة التشريع في النسيان ، فإذا كانت مصلحة التشريع في النسيان ردّهم الله إلى الطبع البشري لكي يحقق بذلك حكماً لولا النسيان لم يتحقق على الوجه المطلوب ؛ لأنه لو قال لهم : إذا نسيتم كذا فافعلوا كذا ما كان لـه الأثر الكامل الذي يحصل بالصورة الفعلية ، وذلك لا يكون إلا بنسيانه _ ، والله سبحانه أعلم بالصواب .


ولهذا قال في حديث ابن مسعود _ : "إني بشر أنسى كما تنسون" وأقرّ ذا اليدين حين قال له : "بلى قد نسيت" ، أما حديث : "لا أنسى بل أُنسي" فهو لم يثبت ؛ لأنه من بلاغات مالك ، ولم يوجد ذلك مسنداً كما نص على ذلك أصحاب الحديث . والله أعلم .


ثالثاً : يؤخذ من قوله : "وصلى ما ترك" جواز البناء على ما تقدم بعد السلام والكلام ، وإليه ذهب الجمهور ، ونقل عن سحنون أنه لا يجيز البناء إلا إذا سلم على اثنتين ، ونقل الشوكاني عن الهادوية أنهم لا يجيزون البناء فيما خرج منه المصلي بسلامين ، والحديث دليل عليهم إلا أنهم قد ادعوا نسخ ذلك ، ورد أنه قد روى البناء عمران بن حصين وإسلامه كان متأخراً .


رابعاً : اختلف القائلون بالبناء في جوازه هل يتحدد بوقت أم لا ؟ .
فقال الجمهور ما لم يطل الفصل ، والأوْلَى أن يرجع في ذلك إلا العرف فيما زاد على الوارد في هذا الحديث فإن فيه السَّرعان خرجوا من باب المسجد وأن النبي ﷺ قام إلى خشبة في المسجد فاتكأ عليها ، وفي رواية : قد دخل بيته ، ومع هذا فقد بنى على الركعتين الأوليين وأتم الباقي ، فإذا زاد على ذلك وفحش الفصل أو تلبس بعبادة أخرى أعاد الصلاة من جديد ، والله أعلم .


خامساً : يؤخذ من الحديث أن السجود لا يتعدد بتعدد السهو ، فقد سلم النبي _ وقام ومشى واتكأ على الخشبة وراجع ذا اليدين واستثبت من الباقين ، ولم يسجد إلا سجدتين ، وهذا هو مذهب الجمهور وهو أن سجود السهو يتداخل ، وحكى عن الأوزاعي وابن أبي ليلى أن السجود يتعدد بتعدد السهو ، وقيل : إن كان السهوان من جنس واحد سجد لهما سجدتين ، وإن كان كل واحد من جنس كأن يكون أحدهما زيادة والآخر نقصاً ، سجد لكل واحد سجدتين ، وهو رواية عن أحمد واستدلوا بحديث : " لكل سهو سجدتان " رواه أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش ، وفيه كلام إذا روى عن غير الشاميين ، وهذا الحديث رواه عن عبيد الله بن عبيد أبو وهب الكلاعي الدمشقي أحد الشاميين ، وثّقه عثمان الدارمي ودحيم ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وتابعهم الهيثم بن حميد الغساني عند ابن أبي شيبة في المصنف ، والمهم أن الحديث بسنده هذا ليس مما يطرح ، ولا سيما وله شواهد ، وتأويل الحديث أولى من اطراحه ، وقد تأوله بعضهم أن المعنى : لكل ساهٍ سجدتان ، جمعاً بينه وبين سائر الأحاديث . والله أعلم .


سادساً : يؤخذ منه أن تعدد الأفعال المنافية للصلاة سهواً أو بظن التمام لا تبطل الصلاة ، وفرق في هذا مذهب الشافعي بين الأفعال الكثيرة والقليلة ، فأبطلوا بالكثيرة دون القليلة ، واستدل لعدم البطلان بما ذكر في الحديث ، أفاده ابن دقيق العيد – رحمه الله - .


سابعاً : يؤخذ منه دليل على مشروعية سجود السهو .
ثامناً : يؤخذ منه دليل على أنه سجدتان .


تاسعاًَ : يؤخذ منه دليل على أنه في آخر الصلاة ؛ لأن النبي ﷺ لم يفعله إلا في آخرها ، والحكمة في ذلك احتمال وجود سهو آخر فيكون جابراً للكل ، وفرع الفقهاء على ذلك أنه لو سجد ثم تبين له أنه لم يكن في آخرها لزمه إعادته في آخر الصلاة . ذكر ذلك ابن دقيق العيد .
قلت : وعلى هذا فإنه يلزم المسبوق إذا سجد مع إمامه في أثناء صلاته أن يعيده في آخرها إذا انفرد . والله أعلم .


عاشراً : يؤخذ منه أن السجود في مثل هذه الصورة محله بعد السلام ، وقد اختلف العلماء في ذلك .
فذهب الشافعي إلى أن سجود السهو كله قبل السلام . وذهب أبو حنيفة إلى أنه كله بعد السلام ، وذهب مالك إلى أنه إذا كان لنقص فهو قبل السلام ، وإن كان لزيادة فهو بعد السلام ، ذهب أحمد إلى أنه يسجد في المواضع التي سجد فيها الرسول _ كما سجد ، فما سجد فيه قبل السلام نسجد فيه قبل السلام ، وما سجد فيه بعد السلام نسجد فيه بعد السلام .


هذا ما نقله أهل الحديث عن مذهب الإمام أحمد ، والمشهور في المذهب التخيير .
قال في المحرر : ويجوز السجود للسهو قبل السلام وبعده ، وقبله أفضل ، وقد أوصل الشوكاني الأقوال في موضع سجود السهو إلى ثمانية ، ولعل الراجح منها أن يسجد العارف بمواضع سجود النبي _ كما سجدها ، ويخير من لا علم عنده بين السجود قبل السلام وبعده ، وإلى التخيير ذهب جماعة من المحققين ، وهو الذي رجحه البيهقي – رحمه الله - .


الحادي عشر : يؤخذ منه وجوب سجود السهو على المأمومين مع إمامهم وإن لم يحصل منهم سهو لأن جميع المأمومين سجدوا مع النبي _ ولم يحصل منهم سهو واستدل لذلك بما رواه الدارقطني بلفظ : " ليس على من خلف الإمام سهو فإن سهى الإمام فعليه ، وعلى من خلفه " وفي سنده خارجة بن مصعب وهو ضعيف ، وفي الباب عن ابن عباس رواه أبو أحمد بن عدي في ترجمة عمر بن أبي عمر العسقلاني وهو متروك . اهـ فتح .


قلت : الحديث الأول له مفهومان :
المفهوم الأول : أنه ليس على من خلف الإمام سهو ، ومقتضاه أن سهو المأموم لا يوجب سجوداً لا عليه ولا على إمامه .
المفهوم الثاني : إيجاب السجود على المأموم مع إمامه وإن لم يسه ، وهذا تؤخذ دلالته من حديث الباب لا من هذا الحديث الضعيف .


الثاني عشر : يؤخذ منه مشروعية التشهد لسجود السهو إذا كان بعد السلام ، وبه قال أحمد وإسحاق وبعض الشافعية وبعض المالكية ، أما إذا كان السجود قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد بعده ، وحكي عن الليث إعادته وهو رأي شاذ ، والقول في مشروعيته في السجود الذي بعد السلام هو الأرجح ؛ لما روى الترمذي من طريق محمد بن يحيى النيسابوري ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أشعث بن عبد الملك ، عن ابن سيرين ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين _ ، أن النبي _ صلى بهم فسهى ، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب ، وفي بعض النسخ الاقتصار على التحسين فقط .


قال أحمد شاكر – رحمه الله - : والذي نقله العلماء عن الترمذي التحسين فقط . ورواه أبو داود وسكت عليه ولا يسكت إلا على ما هو صحيح أو مقارب ، ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ في الفتح : ضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين ، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد ، قال : وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة قلت لابن سيرين : التشهد ، قال : لم أسمع شيئاً في التشهد ... إلى أن قال : وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد من حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد ، كما أخرجه مسلم فصارت زسادة أشعث شاذة ، ولهذا قال ابن المنذر : لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت ، لكن ورد التشهد عن ابن مسعود عند أبي داود ، والنسائي ، وعن المغيرة بن شعبة عند البيهقي ، وفي إسنادهما ضعف .


فقد يقال أن الأحاديث الثلاثة ترتفع إلى درجة الحسن ، قال العلائي : وليس ذلك ببعيد ، وقد صح عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة اهـ. فتح .
قلت : والقول بتحسينه هو الأولى ؛ بل هو أقل ما يقال فيه لما يأتي :

أولاً : أن زيادة الثقة مقبولة كما تقرر في علم المصطلح ، وأشعث بن عبد الملك الحمراني قال فيه الحافظ : ثقة ثبت ، ورمز له "خ" أي : روى له البخاري ، وتوهيم الثقة خلاف الأصل .

ثانياً : أن هذه الزيادة لا تعارض رواية الجماعة حتى يحكم بشذوذها ؛ لأن رواية الجماعة لم تتعرض للتشهد بنفي ولا إثبات ، وإذا كان كذلك فإن هذه الزيادة تعد بمثابة حديث مستقبل .

ثالثاً : أن نفي محمد بن سيرين يحمل على حديث أبي هريرة _ أي أنه لم يسمع في التشهد شيئاً من حديث أبي هريرة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ، حيث قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد ، عن سلمة بن علقمة ، قال : لمحمد : في سجدتي السهو تشهد ؟ قال : ليس في حديث أبي هريرة .
قلت : بل إن هذا النفي يشعرك أن هناك رواية عن غيره ، والله أعلم .


الرابع عشر : يؤخذ من قول محمد بن سيرين : فنبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم مشروعية السلام من سجود السهو إذا كان بعد السلام ، وهو ثابت من حديث عمران _ عند مسلم – رحمه الله – فيجب المصير إليه لثبوته ، والله أعلم .


تنبيه :

ورد في هذا الحديث أن الصحابة – رضوان الله عليهم – تابعوا النبي _ في تسليمه على نقص لاحتمال النسخ في حياة النبي _ ، ولذلك قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت ؟ . فأجاب بقوله :" لم أنس ، ولم تقصر الصلاة " ، أي حسب علمي ، فقال ذو اليدين : بل نسيت ، ومن هنا ينبغي التنبيه على أنه لا يجوز للمأمومين أن يسحبوا ، فإن تنبه وإلا فارقوه ، ولا يجوز لهم أن يسلموا معه على نقص مع علمهم بالسهو ، ومن سلم معه وهو يعلم بطلت صلاته ، وعليه أن يعيد من جديد ، وإن قام الإمام لخامسة وجب عليهم أن يسبحوا له ولا يجوز لهم أن يتابعوه على القيام ، فمن تابعه على القيام وهو يعلم بطلت صلاته ، وإن سبحوا له ولم يرجع وجب عليهم أحد أمرين : إما مفارقته ، وإما انتظاره حتى يكمل ، فيسلم ويسلمون معه . والله أعلم وبالله التوفيق .



ملحق : وفي الحديث من المسائل غير ما يتعلق بالسهو ما يأتي :
أولاً : فيه جواز التشبيك بين الأصابع بعد تمام الصلاة لقوله : وشبك بين أصابعه ، فيخصص النهي الوارد في ذلك بما قبل الصلاة جمعاً بين الحديثين ، والله أعلم .
ثانياً : فيه فضيلة أبي بكر وعمر في الصحابة ، وأنهما أفضل الصحابة ؛ بل أفضل الأمة على الإطلاق ، ويرد فيه على الشيعة في تقديمهم لعلي بن أبي طالب عليهما ، رضوان الله عليهم أجمعين .
ثالثاً : فيه ما كان عليه الصحابة من إجلال لرسول الله _ .
رابعاً : يؤخذ منه أن من أنكر شيئاً بناء على ما في ظنه لا يعد كاذباً ولا آثماً وإن تبين خلاف ذلك ، ويفرع عليه أن من حلف على شيء بحسب علمه ثم تبين خلاف ذلك ، فإنه لا يعد آثماً ، ولا تكون يمينه فاجرة ، ولا يلزمه حنث . والله أعلم .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
  #24  
قديم 11-04-2015, 07:25PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -




[105] : وعن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه ، وكان من أصحاب النبي ﷺ ، أن النبي ﷺ صلى
بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس ، فقام الناس معه ، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه
كبّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلّم .


موضوع الحديث :

مشروعية سجود السهو لمن ترك التشهد الأول سهواً .

المفردات :

فقام من الركعتين الأوليين : أي بعد تمام الركعتين .
ولم يجلس : أي لم يجلس للتشهد الأول ، وجملة لم يجلس تأكيد للفعل قام .
قضي الصلاة : أي أكملها .
وانتظر الناس تسليمه : أي توقعوا أن يسلم .

المعنى الإجمالي :

سهى النبي الكريم ﷺ عن التشهد الأول فقام وتركه وتابعه الناس في القيام حتى إذا أكمل الصلاة ولم يبق
سوى السلام كبر وهو جالس ، وسجد سجدتين قبل السلام ، ثم سلم ، وكان ذلك السجود جبراً للتشهد المتروك .


فقه الحديث :

يؤخذ من الحديث دليل لمن قال أن السجود إذا كان من نقص فهو قبل السلام ، وهو قول مالك – رحمه الله –
وليس فيه دليل على مطلق السجود عن النقص أنه قبل السلام ، فقد ثبت من حديث أبي هريرة الماضي وعمران
بن حصين أن النبي ﷺ سجد بعد السلام ، وكان سهوه عن نقص ، اللهم إلا أن يقال بالفرق بين نقص ينجبر
بالسجود ، ونقص لا ينجبر إلا بالإتيان به .

نعم فيه دليل على من قال إن سجود السهو كله بعد السلام ، وهم الحنفية والله أعلم .


ثانياً : يؤخذ منه أن التشهد الأول والجلوس له غير واجبين ، قال ابن دقيق العيد من حيث أنه جبر بالسجود ،
ولا يجبر الواجب إلا بتداركه وفعله .

قلت : هذا يتمشى على مذهب من يرى أن الواجب نظير الفرض كالشافعية ، أما على مذهب من يفرق
بينهما كالحنابلة والحنفية فإن الواجب عندهم يجبر بسجود السهو والركن لا يجبر إلا بالإتيان به . والله أعلم .


ثالثاً : يؤخذ منه أن سجود السهو لا يتعدد بتعدد السهو ، فإنه هنا ترك التشهد الأول والجلوس له وسجد لهما
سجدتين ، وقد تقدم فيه بحث في الحديث السابق .


رابعاً : يؤخذ منه وجوب متابعة المأمومين للإمام على القيام عن هذا الجلوس إذا استمر .

خامساً : إذا تذكر الإمام قبل أن يستتم قائماً ، فعليه أن يعود ، وهل عليه سجود سهو أم لا ؟ في ذلك خلاف :
ذهب النخعي ، وعلقمة ، والأسود ، والشافعي إلى أنه لا سهو عليه ، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود ،
وابن ماجة ، وأحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. قال : قال رسول الله ﷺ : " إذا قام أحدكم من الركعتين
فلم يستتم قائماً فليجلس " ، وفي رواية : " ولا سهو عليه ، وإن استتم قائماً فلا يجلس وسجد سجدتي السهو " ،
ومداره على جابر الجعفي وهو متروك ، قال أبو داود بعد إخراج هذا الحديث من طريقه : لم أخرج في كتابي عن
جابر الجعفي غير هذا الحديث .



وذهب الإمام أحمد والعترة إلى أنه يجب السجود وإن لم يستتم لفعل القيام ، لما رواه البيهقي والدارقطني عن
أنس موقوفاً عليه : أنه تحرك للقيام في الركعتين الأخيرتين من العصر على جهة السهو فسبحوا له فقعد ،
ثم سجد للسهو . وفي بعض طرقه قال : هذه السنة ، قال الحافظ في التلخيص : تفرد به سليمان بن بلال
عن يحيى بن سعيد عن أنس ، ورجاله ثقات .



قلت : وبهذا يظهر رجحان مذهب الإمام أحمد ومن معه ، لأمور ثلاثة :
أولها : أن أنساً قال في بعض
طرق الحديث : وهذه السنة ، وما كان كذلك فهو في حكم الرفع كما تقرر من علم المصطلح .

ثانيها : أن النبي ﷺ سجد في حديث الباب ولم يفصل .
ثالثها : أن التحرك للقيام على سبيل النسيان والوهم سهو ، وكل سهو يجب أن يجبر بالسجود كما
أفاده حديث : "لكل سهو سجدتان" وغيره .



أما حديث جابر الجعفي فهو مع ضعفه مخالف للنصوص الصحيحة ، وكذلك حديث ابن عمر عند الحاكم
والبيهقي والدارقطني : " لا سهو إلا من قيام عن جلوس ، أو جلوس عن قيام " . فهو ضعيف أيضاً ، في سنده
أبو بكر العنسي ، مجهول ، وإن كان ابن أبي مريم فهو ضعيف ، رغم أن الذهبي قد وافق الحاكم على
تصحيحه ، وجلَّ من لا يغفل . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
  #25  
قديم 12-04-2015, 06:00PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[باب المرور بين يدي المصلي]

[106] : عن أبي جهيم الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لو يعلم
المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم ، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ".

قال أبو النضر : لا أدري أربعين يوماً ، أو شهر ، أو سنة .


ترجمة الصحابي أبو جهميم :
قال ابن دقيق العيد : عبد الله بن جهيم وقال في الكاشف للذهبي أبو جهيم بن الحارث بن الأنصاري له صحبة
عن يسر بن سعيد وعبد الله بن يسار .


موضوع الحديث :

بيان إثم المار بين يدي المصلي وأنه أعظم من الوقوف مدة طويلة من الزمن .


المفردات :

بين يدي المصلي : أي أمامه .
ماذا عليه : أي شيء عليه والاستفهام للتفخيم .
من الإثم : من لبيان الجنس .
لكان : جواب لو .
أن يقف : إن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم كان ، وخيراً خبرها ، أي لكان الوقوف أربعين خيراً له
من المرور بين يديه .


المعنى الإجمالي :

بيَّن الشارع الحكيم أن أعظم مشقة تحصل على العبد في الدنيا هي أيسر على العبد من يسير الإثم على ما يظنه
العبد سهلاً كالمرور بين يدي المصلي ، فمشقة الوقوف أربعين يوماً الذي هو أقل احتمالاً في تفسير الأربعين
أخف من إثم المرور بين يديه .


فقه الحديث :

أولاً : الرواية المشهورة أن زيد بن خالد الجهني أرسل بُسر بن سعيد إلى أبي جهيم يسأله ، وهذه رواية
مالك بن أنس ، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجة وغيرهما ، وخالفهما ابن عيينة
فرواه عن أبي النضر فقال عن بسر ابن سعيد قال : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله ، كما رواه ابن
أبي خيثمة وخطأه يحيى بن معين وقال : الصواب رواية مالك . اهـ ويمثل به لمقلوب السند .



ثانياً : عِيبَ على صاحب العمدة أنه أثبت جملة من الإثم في كتابه مع أنها ليست ثابتة ، فلم ترد في شيء
من الصحاح والسنن والمسانيد ، وإنما وردت في رواية للكشميهني وحده "من الإثم" وخالفه جميع رواة البخاري
فرووه بدونها ، وورد في رواية لابن أبي شيبة يعني من الإثم .



ثالثاً : مميز أربعين غير متعين أي مشكوك فيه ، وكذلك هو في رواية غير ابن عيينة رواية واحدة ، وكذلك
رواه الحافظ عن ابن عيينة ، كما أخرجه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور وغيرهم ، وورد في رواية
في مسند البزار بالجزم فقال : "لكان أن يقف أربعين خريفاً" وأشار الحافظ إلى ضعفها ، فقال : ويبعد أن
يكون الجزم والشك من راوٍ واحدٍ في حالة واحدة .


رابعاً : يؤخذ منه تحريم المرور بين يدي المصلي ، وأن المار قد عرض نفسه لإثم كبير وخطر عظيم إذا كان
المصلي بدون سترة أو كانت له سترة ومرّ بينه وبينها ، وقد قسّم ابن دقيق العيد المرور إلى أربعة أقسام ،


وأربع حالا :

الأولى : أن يكون للمار مندوحة والمصلي لم يتعرض ، أي كانت له سترة فيختص المار بالإثم .


الثانية : عكس ذلك وهو أن لا يكون للمار مندوحة والمصلي قد تعرض ، أي ترك السترة فيختص المصلي
بالإثم .



الثالثة :أن لا يكون للمار مندوحة ولم يتعرض المصلي ، فلا يأثمان معاً .
الرابعة : أن يكون للمار مندوحة
والمصلي قد تعرض ، فيأثمان معاً .



قال الحافظ بعد أن ساق كلام ابن دقيق العيد : وظاهر الحديث يدل على المنع من المرور مطلقاً ، ولو لم
يجد مسلكاً ؛ بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته .

قلت : وهذا هو الحق ؛ لأن الحديث علق الإثم على المرور ولم يفصل ؛ بل جعل الوقوف مدة طويلة خيرٌ
من المرور . والله أعلم .


خامساً : يؤخذ منه أن الإثم المترتب على المعصية في الآخرة وإن قل فهو أعظم من أي مشقة في الدنيا مهما
كانت شديدة وفظيعة . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf








رد مع اقتباس
  #26  
قديم 13-04-2015, 06:22PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




[107] : عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره
من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه ، فليدفعه ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان ".


موضوع الحديث :

سترة المصلي ومشروعية دفع من أراد أن يمر بين يدي المصلي وبين سترته .


المفردات :

إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس : أي يمنع قطع صلاته .
فليدفعه : أي يمنعه من المرور أمامه .
فليقاتله : أي ليدفعه دفعاً شديداً .
فإنما هو شيطان : أي مدفوع بأمر الشيطان فصار لذلك شيطاناً ، والشيطان مأخوذ من شَطَنَ ، بمعنى بعُدَ أي
بعيد عن الله وعن رحمته .


المعنى الإجمالي :

يأمر الشرع باتخاذ الحزم والحيطة في الأمور كلها ، وأهم أمور الدين والدنيا الصلاة ، لذل حث الشارع الحكيم
على العناية بها واتخاذ السترة لها قبل الدخول فيها والدنو من السترة ومنع من أراد قطع صلاته بالمرور بينه وبينها ،
ومقاتلته إن أصر على ذلك بالدفع الشديد ، فإنما هو شيطان ، فالشيطان هو الذي يحرص على قطع أعمال
الخير وأهمها الصلاة .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه ..."
يؤخذ منه أن الدفع لا يجوز إلا إذا صلى إلى سترة معتبرة شرعاً ، وقد ورد تقييد جواز الدفع بوجود السترة
من رواية سليمان بن المغيرة وهو هذا اللفظ ، وورد من رواية يونس غير مقيد أخرجها البخاري في بدء
الخلق ، نبَّه على ذلك الحافظ ، وذكر عن الإسماعيلي أن سليم بن حيان تابع يونس على عدم التقييد عن
حميد بن هلال قال : والمطلق محمول على المقيد .


قلت : وهي القاعدة الأصولية ، ولكن الذي يظهر لي أن التقييد إنما هو لوجوب الدفع أو استحبابه .
وإذا قصر بترك السترة فإنه لا يستحب له الدفع مع تقصيره ، وهل يجوز للمار أن يمر بين يديه ؟ في هذه الحالة
لا يحرم والأولى تركه ، هذا هو ظاهر كلام الحافظ فيما نقله عن الشافعية في الروضة ، وتعقبه الشيخ عبد العزيز
بن باز وقال : اللهم إلا أن يضطر المار إلى ذلك لعدم وجود متسع إلا ما بين يديه .

قلت : الظاهر من حديث أبي جهيم السابق عدم جواز المرور وإن لم يجد متسعاً ، وهو الذي فهمه راوي
الحديث أبو سعيد الخدري كما يتضح من قصته مع الشاب .

وماذا يضير المار لو وقف حتى يسلم المصلي والنبي ﷺ يقول : " لكان أن يقف أربعين خير له من
أن يمر بين يديه " .



ثانياً : يؤخذ من قوله : " إلى شيء يستره من الناس " أن الدفع لا يجوز إلا عند وجود السترة المعتبرة شرعاً
وهي قدر مؤخر الرَّحل ، كما ثبت عند مسلم من طريق عائشة وطلحة بن عبيد الله وأبي ذر رضي الله عنهم
أجمعين ، ولفظ حديث عائشة : سئل رسول الله ﷺ. ، وفي لفظ : في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال :
" مثل مؤخرة الرَّحل " والرَّحْل : بالراء المشددة والحاء المهملة هو الذي يوضع على ظهر الجمل للركوب عليه .


وبهذه الأحاديث أخذ الجمهور فقالوا أقل ما يجزئ في سترة المصلي مثل مؤخرة الرحل ، وذلك ذراع أو
ثلثي ذراع على خلاف .

واختلفوا في جلة هذه السترة ، فقال مالك : كجلة الرمح ، وروى عبد الرازق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي ﷺ قال : " يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرحل في دقة الشعرة " .

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين وليس عندهما آخره ، وهو يدل على عدم التحديد في الجلة .
والله أعلم .


وقد ذهب الإمام أحمد وإسحاق إلى حديث الخط الذي رواه أبو داود وفيه : " فمن لم يجد فليخط خطا " وقد
ضُعَّف هذا الحديث بجهالة حريث بن عمار الراوي له عن أبي هريرة وحفيده أبي محمد بن عمرو بن حريث ،
أو أبي عمرو بن محمد بن حريث ، ورواه عبد الرازق في المصنف من طريق ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل
بن أمية عن حريث بن عمار عن أبي هريرة فأسقط الواسطة وهو ابن حريث ، ورجح ابن خزيمة رواية بشر بن
المفضل وسماه أبي عمرو بن حريث عن أبيه ، وضعفه الألباني وقال : إنه مضطرب ، ونقل الحافظ في
التهذيب عن الطحاوي أنه قال :مجهول ، ونقل الخلال عن أحمد أنه قال : حديث الخط ضعيف . وقال الدارقطني :
لا يصح ولا يثبت ، وقال الشافعي في سنن حرملة : ولا يخط المصلي بين يديه إلا أن يكون في حديث
ثابت فيتبع . اهـ تهذيب (12/181) .


وسئل الإمام أحمد عن الخط فوصفه مقوساً كالمحراب ، وهو أولى من قول من قال يكون مستقيماً عن يمين
المصلي ، ألا أن دليله ضعيف كما تقدم .


ثالثاً : يؤخذ منه مشروعية المدافعة لمن أراد المرور بينه وبين سترته ، وهل تجب أو تُسنّ ؟
ذهبت الظاهرية إلى الوجوب ، وذهب الجمهور إلى السنية ، حتى قال النووي : لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بوجوب
هذا الدفع ، وتعقبه الحافظ بأن المعروف عن الظاهرية القول بالوجوب .

قلت : الوجوب أظهر هنا لورود الأمر ، ولا صارف ، وعلى هذا فيأثم المصلي إن قصر فيه ، فإن قيل الإجماع
على عدم الوجوب يصلح لصرفة من الوجوب إلى الندبية ، قلنا : وأين الإجماع والظاهرية تقول بالوجوب ؟
والله أعلم .


رابعاً : يؤخذ من قوله : "فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان " جواز المقاتلة بدفع أشد من الدفع الأول كما فسره
فعل الراوي في صدر هذا الحديث عند البخاري ،



وحاصل القصة : أن أبا سعيد كان في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس ، فأراد شاب من بني أبي
معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره ، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه فعاد ليجتاز ،
فدفعه أبو سعيد أشدّ من الأولى ، فنال من أبي سعيد ، ودخل على مروان فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد ،
ودخل أبو سعيد خلفه على مروان ، فقال مالك : ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي ﷺ يقول :
"... الحديث " ،

وتتمة حديث الباب ، ولم يصب من حمل المقاتلة على ظاهرها فإن ذلك يتنافى مع خشوع الصلاة .
والله أعلم .


خامساً : يؤخذ من قوله : "فإنما هو شيطان" جواز هذه التسمية لكل من حاول قطع عمل خيري ، أو فتح
باب شر ، وإن هذا الاسم لا يختص بالشيطان الجني والله تعالى يقول : _ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً
شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا
يَفْتَرُونَ _ (الأنعام:112) .


سادساً : يؤخذ منه مشروعية الدفع في الحرم المكي لعموم حديث أبي سعيد ، وبه أخذ جماعة من السلف ، وحكى
عن ابن عمر أنه دفع في الكعبة أي عندها .

وقد ذهب آخرون إلى سقوط الدفع والسترة في الحرم المكي ، وأن ذلك عفو وممن قال بهذا القول ابن الزبير
وطاووس وابن جريج ومحمد بن الحنفية ، مستدلين بما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وعبد الرازق في المصنف
من طريق كثير بن كثير بن عبد المطلب بن أبي وداعة عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله ﷺ يصلي
في المسجد الحرام ، والناس يطوفون بالبيت بينه وبين القبلة بين يديه ، ليس بينه وبينهم سترة . هذا لفظ
عبد الرزاق ، ولفظ النسائي : رأيت رسول الله ﷺ طاف بالبيت سبعاً ، ثم صلى ركعتين بحذائه في
حاشية المقام ، وليس بينه وبين الطواف أحد .



وقد أشار محقق المصنف حبيب الأعظمي إلى أن فيه علة ، وقال الشوكاني في النيل الحديث من رواية
كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده ، وفي سنده مجهول .

قلت : الروايات التي رأيتها كلها متفقة على أن الحديث عن كثير بن أبي كثير ، عن أبيه ، عن جده ، ألا رواية
عند أبي داود قال فيها : عن بعض أهله ، عن جده ، وقد اتفق على الرواية الأولى ثلاثة من الحفاظ هم
سفيان بن عيينة وعمرو بن قيس الملائي عند عبد الرزاق ، وابن جريج عند النسائي وابن ماجة ، وهؤلاء
الثلاثة كلهم ثقاة أئمة مخرج لهم في الصحيحين وغيرهما ، وكثير بن كثير ثقة ، وأبوه مقبول ، وجده صحابي
من مسلمة الفتح .


فتبين بهذا صحة الحديث ، وإن كان قد ورد في بعض الروايات عن بعض أهله كما في سنن أبي داود فإن ذلك
البعض قد تعين بالرواية الآخرى أنه أبوه ، وإن كان غير أبيه فإن ذلك يحمل على أن الحديث كان مشهوراً
عند أهل بيت المطلب فحمله عن أبيه وعن غيره ، وحدَّث به تارة عن أبيه ، وتارة عن بعض أهله ، والذي
يخشى منه تدليس ابن جريج ، وبالمتابعة له قد زال ، علماً بأن ابن جريج وكثير مكيّان وقد عاشا في
زمن واحد ، وبلد واحد ، فاتضح بذلك صحة الحديث ، وتعين الأخذ به ولعل السبب في العفو عن ذلك
في الحرم ؛ لأنه مثابة المسلمين ومجتمعهم ، فيقع فيه من الزحام ما يصعب الاحتراز معه، والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf






رد مع اقتباس
  #27  
قديم 14-04-2015, 08:59PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -




[108] : وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : أقبلتُ راكباً على حمار أتانٍ وأنا يومئذٍ قد ناهزت
الاحتلام ، ورسول الله ﷺ يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررتُ بين يدي بعض الصف فلم ينكر
ذلك علي أحد .


موضوع الحديث :

المرور بين يدي المصلي ، وهل يقطع صلاته مرور الحمار بين يديه ؟

المفردات :

أتان : هي الأنثى من الحمر ولا يقال فيها أتانة .
ناهزت : قاربت الاحتلام .
إلى غير جدار : كأنه يشير إلى أنه كان يصلي إلى غير سترة ، وقيل : لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة .

المعنى الإجمالي :

يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه أقبل إلى مصلى النبي ﷺ بمنى ورسول الله ﷺ يصلي بالناس ،
فمر بالأتان بين يدي بعض الصف
ثم أرسلها ودخل في الصف يصلي ، فلو كان مرور الحمار بين يدي المصلي يبطل الصلاة لأنكروا ذلك عليه ،
ولكن عدم الإنكار يدل على عدم الإبطال .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf









رد مع اقتباس
  #28  
قديم 16-04-2015, 05:32PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -




[109] : وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله ﷺ ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد
غمزني ، فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتهما ، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح .



موضوع الحديث :

سترة المصلي ، وأن الاضطجاع أمام المصلي لا يعد قطعاً ولو كان من امرأة .


المفردات :

بين يدي رسول الله ﷺ : أي أمامه .
ورجلاي في قِبلته : أي في محل سجوده .
فقبضت رجلي : سحبتها من محل سجوده .
بسطتهما : أي أعدتهما إلى مكانهما الأول .


المعنى الإجمالي :

تخبر عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنام أمام النبي ﷺ وهو يصلي صلاة الليل ، وليس له مكان يسجد
فيه إلا موضع رجليهما ولم يَعُدُّه النبي ﷺ قطعاً .



فقه حديثي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما :

أولاً : يؤخذ من الحديث أن المرأة والحمار لا يقطعان الصلاة ، وهو معارض لحديث أبي ذر عند مسلم بلفظ :
قال رسول الله ﷺ : " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره من الناس إذا كان بين يديه مثل آخرة الرَّحل ،
فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود " .


قلت : يا أبا ذر : ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ ، قال : يا ابن أخي
سألت رسول الله ﷺ كما سألتني ، فقال : "الكلب الأسود شيطان" .

وحديث أبي هريرة عنده أيضاً بلفظ قال : قال رسول الله ﷺ : " يقطع الصلاة المرأة والحمار
والكلب ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ".



وقد ورد تقييد المرأة بالحائض عند أبي داود من طريق ابن عباس ، قال الزيلعي في "نصب الراية" : قال يحيى
بن سعيد لم يرفعه غير شعبة ، وقال أبو داود : وقفه سعيد وهشام وهمام ، عن قتادة ، عن ابن عباس .



قلت : وإذ قد صح موقوفاً فإنه مما لا مجال للرأي فيه ، فله حكم الرفع والله أعلم .

وقد اختلف العلماء في القطع المنصوص هنا هل المراد به نقص الأجر أو الإبطال .
فذهب الجمهور إلى أن المراد به نقص الأجر ، وممن قال بذلك الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي .
وذهب داود الظاهري إلى أن المراد بالقطع الإبطال بالكلية ، فمن مرت واحدة من هذه الثلاث بين يديه وهو
بدون سترة ، أو كانت له سترة فمرت بينه وبين سترته بطلت صلاته ، ماعدا المرأة المضطجعة ، صرح بذلك
ابن حزم في المحلى ، وذهب الإمام أحمد إلى الإبطال بالكلب الأسود ، واختلف قوله في المرأة والحمار .



وقد استدل الجمهور على عدم الإبطال بأحاديث :

1-2: منها هذان الحديثان واعتذر القائلون بالقطع عن الحديثين بما يلي :
قالوا حديث عائشة ليس فيه حجة ؛ لأنه لم يكن فيه مرور ، والقطع مقيد بالمرور لأنه يحصل به شدة
التشويش دون الاضطجاع أمام المصلي .

أما حديث ابن عباس فإنه ليس فيه حجة أيضاً ؛ لأنه لم يقطع بين الإمام وبين سترته ، ولا بين المأمومين
والإمام ؛ بل كان مروره بين يدي بعض الصف ، وهذا المرور لا يقطع الصلاة .


موقفه ................................................
3- ومنها حديث أبي سعيد الخدري عند أبي داود بلفظ قال : قال رسول الله ﷺ : " لا يقطع الصلاة شيء ،
وادرؤوا ما استطعتم فإنما هو شيطان " . وفي سنده مجالد بن سعيد الهمداني أخرج له مسلم مقروناً ، وقال الحافظ :
ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره ، وأبو الوداك جبر بن نوف البكالي أخرج له مسلم أيضاً ، وقال
فيه الحافظ : صدوق يهم .

قلت : مثل هؤلاء لا يطرح حديثهم بل يرتفع بالشواهد لدرجة الصحيح لغيره .


4- ومنها حديث أبي أمامة عند الطبراني في "الكبير" من طريق عفير بن معدان ، عن سليم بن عامر ،
عن أبي أمامة ، عن النبي ﷺ قال : " لا يقطع الصلاة شيء" ، وقد نقل الشيخ أحمد شاكر في تعليقة
على الترمذي أن الهيثمي قال في مجمع الزوائد : إسناده حسن وضعفه ابن الجوزي بعفير بن معدان ،
وقال الحافظ في التقريب : عفير بن معدان الحمصي المؤذن ضعيف من السابعة .



5- ومنها حديث أنس قال في "نصب الراية" : وأما حديث أنس فأخرجه الدارقطني عن صخر بن عبد الله
بن حرملة ؛ أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول ، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ صلى بالناس فمر
بين أيديهم حمار ، فقال عياش ابن أبي ربيعة : سبحان الله ، سبحان الله ، فلما سلّم رسول الله ﷺ
قال : من المسبح آنفاً ؟ قال : أنا يا رسول الله ، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة . قال : "لا يقطع الصلاة شيء" .



وضعفه ابن الجوزي بصخر بن عبد الله ، وقال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالأباطيل ، عامة ما يرويه منكراً
ومن موضوعاته ... وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه قال الزيلعي وتعقبه صاحب التنقيح وقال : إنه
وهم في صخر هذا ، فإن صخر بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عدي
ولا ابن حبان بل ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي : هو صالح .

وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة
روى عن مالك والليث وغيرهما . اهـ.



وقال الحافظ : صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي ،حجازي مقبول ، غلط ابن الجوزي فنقل عن ابن عدي
أنه اتهمه وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي .

وبهذا يتبين أن الحديث من قبيل الحسن إن شاء الله .


وقال الشيخ أحمد محمد شاكر - رحمه الله – في تعليقه على المحلى والترمذي – بعد أن ساق
الكلام المتقدم : ثم إن الباغندي قال من مسند عمر بن عبد العزيز : حدثنا هشام بن خالد الأزرق ، أنبأنا
الوليد بن مسلم ، عن بكر بن مضر المصري ، عن صخر بن عبد الله المدلجي ، قال سمعت عمر
بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن ربيعة قال : بينما رسول الله ﷺ يصلي يوماً بأصحابه .. الحديث . مثل
ما تقدم ، قال : وهذا إسناد صحيح ، إلا أن عمر بن عبد العزيز لم يسمع من عياش بن ربيعة فقد مات سنة
15هـ ، ولكنه محمول على الرواية الأخرى عن أنس ، وكأن عمر لما سمعه من أنس صار مرة يرويه عن أنس ،
ومرة يرسله عن عياش يريد بذلك رواية القصة لا ذكر الإسناد ، وهذا كثير عند رواة الحديث وخصوصاً
القدماء ، وهو صريح في أن الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة بالمرأة والحمار والكلب منسوخة
فقد سمع عياش أن الحمار يقطع الصلاة ، وعياش من السابقين الأولين هاجر الهجرتين ثم حبس بمكة
وكان النبي ﷺ. يدعو لـه كما ثبت في الصحيحين ، فعلم الحكم الأول ثم غاب عن نسخه ، فأعلمه
الرسول ﷺ أن الصلاة لا يقطعها شيء ، وهذا تحقيق دقيق واستدلال طريف لم أر من سبقني إليه . اهـ.
من تعليق أحمد شاكر على المحلى والترمذي .



6- ومنها ما رواه أبو داود والنسائي من طريق عبد الملك بن شعيب بن الليث قال : حدثني أبي ، عن جدي ،
عن يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن العباس بن عبيد الله بن عباس ، عن الفضل بن عباس
رضي الله عنه قال : أتانا رسول الله ﷺ ونحن في بادية لنا ومعه العباس ، فصلى في صحراء ليس بين
يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه ، فما بالى ذلك .


سند هذا الحديث رجاله كلهم ثقات . ولهذا فإن ابن حزم الظاهري لم يجد شيئاً يضعفه به غير أنه أعله
بالانقطاع بين عباس بن عبيد الله وبين عمه الفضل بن العباس .

وقد ذكر الحافظ بن حجر في الإصابة عباساً ممن روى عن عمه الفضل وكذلك قال ابن أبي حاتم في
الجرح والتعديل عن أبيه أن عباساً سمع من عمه الفضل ، وقال في تهذيب التهذيب (5/123) ، قال
أعله ابن حزم بالانقطاع ، قال : لأن عباساً لم يدرك عمه الفضل ، وهو كما قال ، وقرر في المصدر نفسه
(5/280) في ترجمة الفضل أن رواية العباس عن عمة مرسلة .



7- ومنها حديث الشيطان الذي عرض للنبي ﷺ في صلاته ، وفي لفظ صححه الألباني في صفة الصلاة
وعزاه إلى أحمد والدارقطني والطبراني ولفظه : " وصلى صلاة مكتوبة فضم يده ، فلما صلى ، قالوا يا رسول الله ،
أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : لا ، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته .." الحديث ، والمروي
في الصحيحين أنه في صلاة الليل .



قلت : هذه الأحاديث يعضد بعضها بعضاً ، وتبلغ بمجموعها درجة الصحة التي لا سبيل إلى ردها وهي
تفيد مفاداً واحداً هو عدم القطع الذي هو الإبطال سواء سلكنا مسلك الجمع ، وقلنا المراد بالقطع الوارد
في حديثيي أبي ذر وأبي هريرة النقص بما يحصل للعبد من التشويش كما هو مذهب الجمهور ، أو سلكنا
مسلك النسخ الذي مال إليه الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – وبه يقول بعض العلماء . والله أعلم .



ثانياً : يؤخذ من قوله : "فمررت بين يدي بعض الصف .." الحديث ، أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ،
أو أن الإمام سترة لمن خلفه .



أما حديث " سترة الإمام سترة لمن خلفه " عزاه في جمع الفوائد إلى الطبراني في الأوسط بضعف ، وقال في
أعذب الموارد : في سنده سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف ، كذا في مجمع الزوائد .

ثالثاً : يؤخذ منه أن لمس المرأة لا يبطل الوضوء إلا إذا كان بشهوة ، وذهب الشافعي إلى الإبطال بمطلق اللمس
مستدلاً بآية التيمم _ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ _ ويرده تفسير ابن عباس للملامسة بالجماع .


وفي الحديث دليل واضح على أن مطلق اللمس لا يبطل الوضوء ، فالحق ما ذهب إليه الإمام أحمد أن
اللمس لا يبطل الوضوء ، إلا إذا كان بشهوة وذلك والله أعلم لا يكون إلا بدون حائل ، ومع
وجود الحائل لا تحصل الشهوة .


رابعاً : يؤخذ منه ما كان عليه النبي ﷺ من التقلل من الدنيا ، حتى أن بيته لا يتسع لمكان يصلي
فيه غير مضجع زوجته ، والله أعلم .


خامساً : يؤخذ منه أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح في باب الجمعة ، والله أعلم .‏


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
  #29  
قديم 16-04-2015, 05:48PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[باب جامع]


[110] : عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " إذا دخل
أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " .



موضوع الحديث :

تحية المسجد .

المفردات :

إذا دخل : إذا ظرفية شرطية ، ودخل فعل الشرط .
فلا يجلس : جواب الشرط وجزاؤه .
حتى يصلي ركعتين : حتى غاية للنهي عن الجلوس قبل الركوع .


المعنى الإجمالي :

نهى النبي ﷺ كل داخل للمسجد أن يجلس قبل أن يصلي ركعتين ؛ لأن المساجد بيوت الله ، ومن دخل
على الملك بيته لابد أن يقدم لـه التحية ، وتحية ملك الملوك ورب الأرباب وجبار السموات والأرض ومبدعهما
أن تخضع لجلاله وتحني جبهتك لعزته بأن تصلي لـه ركعتين ، وقد أشار إلى ذلك رسول الله ﷺ حيث
يقول : " أعطوا المساجد حقها " .


فقه الحديث :

أولاً : اختلف العلماء في حكم هاتين الركعتين فذهب الجمهور إلى أنها سنة وحكاه الحافظ في الفتح إجماعاً
فقال واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب ونقله ابن بطال عن أهل الظاهر والذي صرح به ابن
حزم عدمه .اهـ.



وجنح ابن دقيق العيد في شرح العمدة إلى الوجوب فقال : " ونقل عن بعض الناس أنهما واجبتان تمسكاً بالنهي
عن الجلوس قبل الركوع وعلى الرواية الأخرى التي وردت بصيغة الأمر يكون التمسك بصيغة الأمر ولا شك
أن ظاهر الأمر بالوجوب وظاهر النهي التحريم ومن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى دليل " . اهـ.



وقال الصنعاني في العدة تعليقاً على قول ابن دقيق العيد هذا ، أقول هذا هو الصواب وإيجابهما هو الجاري
على مقتضى الأوامر والنواهي ، وهذا الاعتذار الذي ذكره الشارح قد أبان وجه ضعفه وظهر من كلامه قوة القول
بوجوبهما وهو الذي نختار ، وقد قطع النبي _ خطبته وأمر من رآه دخل المسجد وهو يخطب ولم يصلهما ،
أمره بصلاتهما وهو من مؤكدات الإيجاب وكذلك الشوكاني صرح بالوجوب في النيل حيث قال : " إذا عرفت
هذا لاح لك أن الظاهر ما قال أهل الظاهر من الوجوب " .



قلت : القول بالوجوب هو الأولى لوجود الأمر ولا صارف ، أما صرفه بحديث " خمس صلوات كتبهن الله .." ،
وحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله أخبرني ما فرض الله عليَّ من صلاة ، قال :

" الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً " وفي آخره قال : والذي أكرمك لا أطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله
عليَّ شيئاً . فقال الرسول صلى : " أفلح إن صدق أو دخل الجنةة إن صدق " .



أقول : صرف الأمر عن الوجوب إلى الندبية بهذين الحديثين ليس بجيد لما يأتي :
أولاً : أن هذين الحديثين وردا في الصلوات المتكررة في اليوم والليلة .
ثانياً : الأظهر الفرق بين الواجب والفرض ، وأن درجات الوجوب متفاوتة فأعلى درجات الوجوب وآكدها ما يسمى
فرضاً وركناً ، والركن ما لا يصح الشيء بدونه كأركان الإسلام الخمسة ، والركن في العبادة ما لا تصح بدونه
كالركوع والسجود في الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بالإتيان بهما والركن في العقد ما لا يصح العقد إلا به كأركان
النكاح ، فهذه الأركان هي في الأصل واجبات لكنها امتازت بزيادة تأكيد في الوجوب ، ولذلك كانت تعتبر ركناً ،
أي جزءاً مما هي فيه ولا يصح بدونها ، ولكن لا ينفي ذلك وجود واجبات أخرى هي أقل منها في الوجوب ،
وفرقوا بينهما بأن الركن في الصلاة مثلاً مالا ينجبر بسجود السهو بدون الإتيان به ، أما الواجب فهو ما ينجبر
بالسجود من الإيتان بالمتروك كالتشهد الأول مثلاً وتكبير النقل عند من يرى وجوبه .



ومثل ذلك قالوا في الحج فقالوا : الركن في الحج ما لا يصح الحج إلا به ولا يجبره الدم ، كالوقوف بعرفة
والطواف والسعي ، الواجب ما يجبره الدم كالجمع بين الليل والنهار بعرفة ورمي الجمار والمبيت بمنى
وما أشبه ذلك .

وهنا نقول : وجود واجبات أو فرائض الإسلام تعتبر أركاناً فيه لا يصح بدونها لا ينفي وجود واجبات أخرى
هي أقل من الأولى في التأكيد والأهمية ، والتفريق بين الفرض والواجب هو الحق كما هو رأى الحنفية والحنابلة .



ثالثاً : أن الذين حصروا الوجوب في الصلوات الخمس قد أوجبوا صلوات غيرها كالعيدين والجنازة والوتر عند
من يرى وجوبه ، وركعتي الطواف عند من يرى وجوبها .

رابعاً : أن قوله : " أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق " بعد قوله : والذي أكرمك لا أطوع شيئاً معناه
– والله أعلم – أن من أتى بالصلوات سيكون مآله الفلاح ونهايته الجنة ، ولكن ذلك لا ينفي وقوع اللوم
والعذاب عليه قبل ذلك إن قصر في شيء من الواجبات الأخرى ، أو ارتكب شيئاً من المحرمات .



كما صح عن النبي ﷺ. أن أقواماً من الموحدين يدخلون النار ويعذبون فيها ، فإذا أتى إليهم الشافعون
ليخرجوهم من النار يجدونهم قد امتحشوا ، فلا يعرفونهم إلا بمواضع السجود وحرام على مواضع السجود
أن تأكلها النار .

والمهم أن إخبار النبي ﷺ عن الفلاح هو إخبار عن المآل بقطع النظر عن كون العبد يدخل الجنة أولاً
أو بعد العذاب ، والله أعلم .



خامساً : من تكرر دخوله إلى المسجد هل يؤمر بتكرار الركوع كلما دخل أم يسقط عنه قياساً على الحطابين
والفكاهين والمترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم ؟ .

قال ابن دقيق العيد والحديث يقتضي تكرار الركوع بتكرار الدخول .


قلت : الفرق حاصل بين هذا وذاك ، فهنا علق الأمر بالركوع على مجرد الدخول أما في الإحرام فإن
الأمر به معلق على إرادة الحج والعمرة قال ﷺ : " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج
والعمرة " . ولهذا قال الصنعاني – رحمه الله – الأولى أن هذه الصورة وجهها غير صبيح وبين الجامع بين
عدم التحية وعدم الطواف بون فسيح .



قلت : وما صرح به ابن دقيق العيد والصنعاني هو الأولى إن شاء الله والله أعلم .
سادساً : إذا صلى العبد في المسجد هل يركع أم لا ؟ لأنه جاء عن النبي ﷺ أنه لم يصل قبل العيد ولا بعدها ،
ذكر ذلك ابن دقيق العيد ، وقال والنبي ﷺ لم يصل العيد في المسجد .‏

قلت : كونه لم يصل قبلها في الصحراء لا يمنع من فعل التحية في المسجد إذا وقعت صلاة العيد فيه .
والله أعلم .



سابعاً : إذا ركع ركعتي الفجر في بيته ثم أتى المسجد ولم تقم الصلاة فيه يركع ركعتي التحية ؟
الأظهر أنه يركع لأن الأمر بها في حال الخطبة يدل على طلب فعلها فيما هو أقل منه شأناً من باب أولى .
والله أعلم .





تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
  #30  
قديم 17-04-2015, 08:26PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




[111] : عن زيد بن أرقم _ قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى
نزلت : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ _ فأمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام .

الراوي : زيد بن أرقم الخزرجي صحابي جليل غزا مع النبي _ سبع عشرة غزوة ، وهو الذي أخبر النبي ﷺ
بكلام عبد الله بن أبي بن سلول المنافق فحلف ما قال فأنزل الله تصديق زيد في سورة المنافقين .



موضوع الحديث :


تحريم الكلام في الصلاة ما عدا الذكر وقراءة القرآن والدعاء .


المفردات :

وهو إلى جنبه : أي قريباً منه .
وقوموا لله قانتين : أي خاشعين أو ساكتين ، وللقنوت عدة معان ، وهي : الخشوع ، والسكوت ، والدعاء ،
وطول القيام ، ودوام الطاعة ، والإقرار بالعبودية .



المعنى الإجمالي :

يخبر زيد بن أرقم أن الكلام في الصلاة كان مباحاً في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ _ ،
فأمروا بالسكوت عن كلام الناس وقصر الكلام في الصلاة على ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء .



فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث دليل على النسخ وهو إجماع ممن يعتد به .
ثانياً : يؤخذ منه أن القنوت المذكور في هذه الآية المراد به السكوت عن الكلام وهو قصر اللفظ المشترك
على بعض معانيه وتعيينه لواحد منها وهو كالنص فيه لأن قول الصحابي حتى نزل قوله تعالى : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
_ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، يدل على أن المراد بالقنوت في هذه الآية السكوت ولا يقال أن هذا
حصل من الصحابي بطريق اجتهادي بل هذا الحكم من الصحابي لا يخلو عن أحد أمرين :

إما أن يكون الصحابي أخذه عن النبي ﷺ أي أن المراد بالقنوت السكوت وعلى هذا فهو مرفوع ويتعين هذا
المعنى لكلمة القنوت هنا .


والثاني : أن يكون الصحابي أخذه من قرائن الأحوال التي احتفت بالآية وقت نزولها كمنع النبي _ عن الكلام
بعد نزولها وعلى هذا فإنه مقدم على غيره .

قال ابن دقيق العيد : والأرجح في هذا كله حمله على ما أشعر به كلام الراوي فإن المشاهدين للوحي
والتنـزيل يعلمون بسبب التنـزيل والقرائن المحتفة به ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات وبيان المجملات ،
فهم في ذلك كله كالناقلين للفظ يدل على التعليل والتسبيب ، وقد قالوا : إن قول الصحابي في الآية نزلت
في كذا يتنـزل منـزلة المسند .


وقال الصنعاني في العدة في تعليقه على الكلام الآنف الذكر : " أقول : بل المقطوع به أن لا يطلق الراوي
في مقال الاحتمال إلا ما صار عنده قطعاً لا يبقى معه احتمال كما قرر في أصول الحديث . اهـ.

ثانياً : اختلف الفقهاء في أشياء هل تبطل الصلاة أم لا ؟ وهي النحنحة والبكاء والنفخ .
فأما النحنحة فإن الشوكاني حكى عن أبي حنيفة ومحمد والهادوية أنها مفسدة ، وقد ذهب إلى ذلك الإمام يحيى
والشافعي وأبي يوسف كذا في البحر النيل 2/323 .

قلت : المشهور عند الشافعية أنها تفسد الصلاة بناء على أن النحنحة يبين فيها حرفان قال في المهذب : فإن
تنحنح أو تنفس أو نفخ أو بكى أو تبسم عامداً ، ولم يبن منه حرفان لم تبطل صلاته . وبعدم البطلان والفساد
قالت الحنابلة في الثلاثة اعتماداً على الأحاديث الواردة في ذلك ، ولعله هو الأقرب . ففي النحنحة ما رواه
النسائي بسند رجاله كلهم ثقات عن عبد الله بن نجي ، عن علي _ قال : كان لي من رسول الله _ ساعة
آتيه فيها ، فإذا أتيته استأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلت وإن وجدته فارغاً أذن لي . إلا أنه قد اختلف
فيه على عبد الله بن نجي فتارة قال عن علي وتارة قال عن أبيه عن علي وصله أبو أسامة ، عن شرحبيل
بن مدرك . ورواه مرسلاً جرير وإسماعيل بن عياش كلاهما ، عن مغيرة بن مقسم ، عن الحارث العكلي
عن ابن نجي ، عن عليّ .


ووراه ابن خزيمة في صحيحه (2/54) وقال : قال أبو بكر : قد اختلفوا في هذا الخبر عن عبد الله نجي فلست
أحفظ أحداً قال عن أبيه غير شرحبيل بن مدرك هذا ، ورواه عمارة بن القعقاع ومغيرة بن مقسم جميعاً ، عن الحارث
العكلي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن عبد الله بن نجي ، عن عليّ . وقال جرير ، عن المغيرة ، عن الحارث
وعمارة ، عن الحارث يسبح . وقال أبو بكر بن عياش ، عن المغيرة يتنحنح . اهـ.


قلت : ينحصر الخلاف في هذا في ثلاث نقط : واحدة في المتن ، واثنتان في السند ، فأما التي في المتن فهي
إبدال "يتنحنح" بـ"يسبح" ، وكلا اللفظين ثابت والجمع بينهما ممكن وهو أن يحمل على أنه كان أحياناً يسبح ،
وأحياناً يتنحنح ، فيبقى الاستدلال بالحديث على جواز النحنحة قائم كما هو ، وأما النقطتان اللتان في السند
فهما زيادة نجي بين عبد الله بن نجي وعلي ، وزيادة أبي زرعة عمرو بن جرير بين الحارث العكلي وعبد الله بن نجي .


والنقطة الثانية بسيطة ؛ فإنه يحمل على أن الحارث العكلي سمع الحديث من عبد الله بن نجي بواسطة ، وسمعه
منه بدون واسطة ، ثم إن الواسطة وهو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ثقة متفق على الإخراج له وهو وعبد الله بن نجي
من الطبقة الثالثة والحارث من السادسة .


أما النقطة الأولى وهو إثبات واسطة بين عبد الله بن نجي وعلي بن أبي طالب والواسطة هو نجي وبإسقاط نجي
يكون السند منقطعاً على ما ذكره الألباني – رحمه الله – وبإثباته يضعف الحديث بجهالة نجي .

والحاصل أن الألباني أعلّ الحديث بعلتين هما الانقطاع والجهالة ، أما الانقطاع فبناء على أن عبد الله بن نجي
لم يسمع من علي ابن أبي طالب ، وقد قال ابن حجر : روى عن أبيه ، وكان على مطهرة علي وعمار وحذيفة
والحسين بن علي وغيرهم .


قلت : إذا كان قد روى عن حذيفة وعمار وقد توفيا قبل علي بأعوام وكان أبوه نجي على مطهرة علي رضي الله
عنهم أجمعين فما الذي يمنعه من سماع علي وإذ قد وثقه النسائي ، وقال البزار : سمع هو وأبوه من علي ،
فإن الحديث محمول على الاتصال لتوفر الدواعي على ذلك بالمعاصرة واللقي ، فيبعد جداً أن يكون أبوه
على مطهرة علي ولا يلقى علياً ، مع أن الخلفاء الراشدين كانوا لا يحتجبون من الناس ، وقد ذكر ابن ماكولا أن
نجياً كان له عشرة أولاد قُتل منهم سبعة مع علي رضي الله عنه ، أما نجي فقد وثقه العجلي فقال : تابعي ثقة ،
فالحديث في رأيي لا يبعد أن يكون حسناً . والله أعلم .



ثم إن النحنحة ليست كلاماً حتى تبطل الصلاة فهي لا تسمى كلاماً في العرف اللغوي ، والحديث
دال على المنع من الكلام .



قال ابن دقيق العيد رحمه الله : "والأقرب أن ينظر إلى مواقع الإجماع والخلاف حيث لا يسمى الملفوظ
به كلاماً ، فما أجمع على إلحاقه بالكلام ألحقناه ، وما لم يجمع عليه مع كونه لا يسمى كلاماً فيقوى فيه عدم
الإبطال ، قالوا من هذا استبعد القول بإلحاق النفخ بالكلام ، ومن ضعف التعليل فيه قول من علل البطلان
به بأنه يشبه الكلام وهذا ركيك مع ثبوت السنة الصحيحة أن النبي ﷺ نفخ في صلاة الكسوف في سجوده .



وقال الصنعاني : واعلم أن الكلام المنهي عنه هو المخاطبة كما قال الراوي يخاطب بعضنا بعضاً ، ثم قال :
ونهينا عن الكلام ، أي الذي نهي عنه وهو المخاطبة ، وكذلك حديث "لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"
المراد به من مخاطباتهم ، والتنحنح والأنين والتأوه ليست من الكلام ، فإنه ما تركب من حرفين ولا مركب
فيما ذكر " اهـ.



قلت : وكذلك البكاء ، فقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل ، وأقر عائشة
لما قالت : " إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قرأ غلبه البكاء " .

وكان عمر يُسمع نشيجه من مؤخر الصفوف ، ومما ذكر تبين أنه ليس شيء منها يبطل الصلاة ويكره فعل
شيء منها لغير حاجة . والله أعلم .



رابعاً : نشأ من هذا الحديث إشكال وهو أن ظاهر حديث زيد بن أرقم أن نسخ الكلام كان بعد الهجرة ؛
لأن زيد بن أرقم أنصاري حديث السِنّ ، لم يسلم إلا بعد الهجرة مع أن الآية مكية ، وحديث ابن مسعود حين
قدم من الحبشة سلّم على النبي ﷺ وهو في الصلاة فلم يرد عليه وقال بعد ذلك : "إن الله يحدث في أمره
ما يشاء وإن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" .

والجواب عنه صعب ، إلا أن يقال : إن إباحة الكلام في الصلاة تكررت وتكرر بذلك التحريم والله أعلم . اهـ.

نقلاً عن ابن دقيق العيد .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شرح احاديث عمدة الاحكام لفضيلة الشيخ العلامه احمد بن يحيى النجمي -رحمه الله- ام عادل السلفية الأحاديث الصحيحة فقهها وشرحها 75 28-07-2015 09:53PM
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام بشرح أحاديث عمدة الأحكام للعلامة : احمد النجمي ام عادل السلفية مكتبة معرفة السنن والآثار العلمية 1 14-02-2015 01:42AM
بشرى ...حمل التعليقات على عمدة الأحكام للسعدي.pdf أبو عبد الودود سعيد الجزائري مكتبة معرفة السنن والآثار العلمية 1 22-05-2011 12:55PM
«عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر» للشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله طارق بن حسن منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك 3 16-09-2010 06:54AM
ردع الشيخ المحدث مقبل الوادعي لجناية علي رضا على كتب العلل واستخفافه ببعض المتقدمين ماهر بن ظافر القحطاني منبر الجرح والتعديل 0 05-05-2005 01:07AM




Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd