|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#16
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
أخطاء في الصيام بسم الله الرحمن الرحيم لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله ورعاه - الحمد لله الذي جعل لعباده المؤمنين مواسم للخيرات يطهرهم فيها من الذنوب والسيئات فجعل الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اُجتنبت الكبائر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسار على سنته إلى يوم القيامة وسلم تسليمًا كثيرًا. يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعد أيام قلائل هي ما تبقى من شعبان يستقبلون شهر رمضان الذي جعله الله موسمًا للرحمة والغفران وفتح فيه أبواب الجنان وأغلق فيه أبواب النيران وصفد فيه كل مارد شيطان لأجل أن المسلمين يتزودون من الأعمال الصالحة ويتطهرون من ذنوبهم وسيئاتهم فهذا من رحمة الله جل وعلا بعباده ولطفه بهم وإحسانه إليهم. أيها الإخوة إن شهر رمضان شهر عظيم موسم كريم والمسلم لا يفرح بطول العمر من أجل أن يجمع المال أو أن يبني القصور أو يجمع الأرصدة الضخمة من الأموال هذا شأن أهل الدنيا المغترون بها وإنما المؤمن يفرح بطول العمر ليدرك هذه المواسم العظيمة اليومية والأسبوعية والحولية ليدركها ليتدارك نفسه ويتزود من الخير للدار الآخرة هذا هو مهمة المؤمن من الحياة فإنه وإن جُمعت له الدنيا بحذافيرها ونال من لذاتها ومسراتها ما نال فإن ذلك عرض ذلك، وإنما الغنيمة كل الغنيمة والذخيرة كل الذخيرة هي ما يوفق الله به عبده لاغتنام مواسم الخير واغتنام عمره في طاعة الله سبحانه وتعالى. إننا بعد أيام قلائل لمن له بقية من العمر بعد أيام قلائل نستقبل شهرًا عظيمًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر به أصحابه قبل قدومه ويرغبهم للأعمال الصالحة في هذا الشهر العظيم فينبغي لنا أن نحمد الله ونشكره إذا بلغنا هذا الشهر وأن يوفقنا لاغتنامه فيما ينفعنا عنده سبحانه وتعالى. كثير من المسلمين اعتادوا أن يخرجوا زكاة أموالهم في شهر رمضان لأجل شرف الزمان ومضاعفة الأجر وهذا شيء طيب ونرجو الله لهم القبول ولكن قبل أن يزكوا أموالهم عليهم أن يزكوا أنفسهم وان يزكوا أبدانهم ثم يزكوا أموالهم. أما زكاة النفس يكون بطاعة الله سبحانه وتعالى وترك معاصيه والزكاة معناها الطهارة أو من معانيها الطهارة فيطهر العبد نفسه من الذنوب والسيئات قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [سورة الشمس:7- 10]، أفلح من زكى نفسه بالأعمال الصالحة وطهرها من الذنوب والسيئات بالتوبة والأعمال الصالحة هذا هو المفلح وأما من أهمل نفسه وضيعها وأعطاها ما تشتهي من الكسل والخمول ونيل الشهوات فهذا خاب (خَابَ مَن دَسَّاهَا) مع أنه يظن أنه يكرمها الإنسان عندما يعطي نفسه ما تشتهي ويطيعها فيما تأمره به يظن أنه زكاها في حين أنه دنسها ودساها أما إذا حملها على طاعة الله ومرضاته وترك محرماته فإنه هو الذي زكاها التزكية الصحيحة وطهرها من الذنوب والمعاصي ونماها بالطاعة، ومن معاني الزكاة أيضًا النماء فإذا نمى أعماله فقد زكاها فعلى الإنسان أن يهتم بتزكية نفسه وفي الحديث "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها". وأما الذي يمدح نفسه ويزكيها بالكذب فقد قال الله جل وعلا: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [سورة النجم: 32]، لا تمدحوا أنفسكم وتعجبوا بأعمالكم هذا شيء نهى الله عنه وإنما تزكي نفسك بالأعمال الصالحة تشكر الله على ذلك وفي الحقيقة أن الله هو الذي زكاها حيث وفقك لتزكيتها بالأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [سورة النساء: 49]، فعليك أيها المسلم أن تزكي نفسك بالأعمال الصالحة بأداء الفرائض واجتناب المحرمات والإكثار من الطاعات فرصتك في هذه الحياة الزائلة هذه هي التزكية المطلوبة للنفس، وأما التزكية بالمدح والتزكية بالثناء على النفس والإعجاب بالأعمال هذه تزكية باطلة وصاحبها خائب وخاسر (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)، دل على أن التقوى هي الزكاة وأما غير التقوى فإنه ليس زكاة للنفس مهما ادعى الإنسان وأيضًا الإنسان لا يعجب بأعماله وهو لا يدري هل تقبلت أم لا، لا يدري هل هي خالصة لله أم لا، (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) فلا تعجب بأعمالك أو تستكثر أعمالك تدلي بها على الله جل وعلا، بل اعتبر نفسك مقصرًا مهما فعلت أنت مقصر ولا تدري هل تقبلت أم لا أدعو الله بالقبول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [سورة المائدة: 27]. هذه تزكية النفس. النوع الثاني: تزكية البدن وذلك بدفع زكاة الفطر بعد صيام رمضان صدقة الفطر زكاة الفطر وهي زكاة للبدن ولذلك تجب على كل مسلم غنيًا كان أو فقيرًا ذكرًا كان أو أنثى حرًا كان أو عبدًا لأنها زكاة للبدن هذا البدن الذي أعطاك الله إياه وركبه من أعضاء وقوى التركيب العجيب هذا يحتاج إلى زكاة فصدقة الفطر زكاة لهذا البدن وهي صاع من الطعام فرضه الله على كل مسلم عند نهاية شهر رمضان فليعتني المسلم بهذه الزكاة ويؤديها من كسب طيب ويؤديها للفقراء والمساكين في وقتها في وقت إخراجها هذه زكاة البدن. والنوع الثالث زكاة المال وهذه إنما تجب على الأغنياء الذين عندهم أموال تبلغ النصاب فأكثر، قال تعالى: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [سورة الذاريات:19]، والزكاة زكاة المال هي الركن الثالث من أركان الإسلام قرنها الله بالصلاة في مواضع كثيرة من كتابه فلا يأتي ذكر الصلاة في الغالب في القرآن إلا ومعه ذكر الزكاة لأهميتها وفائدتها وهي طهرة للمال وتنمية للمال. (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادعوا لهم (إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ). فهي طهرة (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) ليست مغرمًا وإنما هي مغنم فالمؤمن يدي الزكاة على أنها مغنم أما المنافق فيؤديها على أنها مغرم ولا يعتقد أنها مغنم، (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة التوبة: 97-99]. فالمؤمن يفرح بأداء هذه الزكاة طيبة بها نفسه ويعتبرها مغنمًا ويعتبرها طهرة لنفسه طهرة لماله طهرة لأعماله فيؤديها راغبًا في ثوابها طامعًا في أجرها عند الله سبحانه وتعالى. هذه زكاة المال. ليس المقصود أنك تدفع مبالغ من المال بدون أن تعتقد أنها ركن من أركان الإسلام وبدون أن تعتقد أنها بركة وأنها خير ونماء وطهارة لا بد من هذا حتى تكون هذه الزكاة واقعة موقعها ومفيدة، لا بد أيضًا أن تدفعها للأصناف التي حدد الله عددهم في كتابه ما تدفعها لأي أحد تدفعها للأصناف التي جعلها الله فيها فالله لم يكل الزكاة إلى رسوله ولم يكلها إلى أحد بل هو سبحانه تولى قسمتها بنفسه. (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سورة التوبة: 60]. ليس بلازم أنك تشمل هذه الأنواع الثمانية إذا أخرجتها لنوع واحد كفى هذا كأن تعطيها للفقراء المساكين هذا يكفي والحمد لله، لكن لا تخرج الزكاة على هذه الأصناف الثمانية لو دفعتها كلها في سبيل لله للغزاة والمجاهدين الذين ليس لهم راتب من الدولة المتطوعون يكفي هذا أيضًا يكفي أن تضعها في صنف واحد إذا كان هذا الصنف يستغرقها وكان محتاجًا إليها إلا إنك لا تخرج عن هذه الأصناف حتى في المشاريع الخيرية لا تصرف الزكاة فيها فلا تصرفها في بناء المساجد لا تصرفها في بناء المدارس لا تصرفها في بناء المستشفيات والمشاريع التي تنفع العموم من المسلمين لا توضع فيها الزكاة هذه تمول من التبرعات لا تُعطل مطلوبة لكن لا تمولها من الزكاة مولها من التبرع وصدقة التطوع. فهذه مصارف الزكاة. فلو أنك أخرجتها كاملة لكن لم تتقيد بمصارفها فإنها لا تجزيك ولا تبرأ ذمتك كذلك لا بد من إحصاء المال بأن لا يبقى شيء منه لم تخرج زكاته فلا يكفي أنك تدفع مبلغًا مقطوعًا من باب التخمين وتقول هذا يكفي لا لازم من الحساب تحسب أموالك تحصيها تجردها ثم تخرج زكاتها كل شيء بمقداره الشرعي فالدراهم النقود هي ربع العشر، الخارج من الأرض إن كان يسقى بمؤونة نصف العشر وإن كان يسقى بدون مؤونة كالذي يشرب من الأنهار أو من الأمطار فهذا فيه العشر كاملاً، وإن كانت من المواشي الإبل البقر والغنم هذه لها مقادير بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وحددها فلا بد أن تعرف هذا وأن تُخرج زكاتها على الوجه المشروع وإن كانت الأموال التي عندك عروض تجارة سلع للبيع والشراء فإنك تقومها عند رأس الحول تجردها عند رأس الحول تجردها أولاً ثم تحصيها تحصي السلع التي عندك بالكامل ثم تقومها بما تساوي بالسعر الحاضر ثم تخرج ربع العشر من قيمتها المقدرة. لا بد أن تفقه فقه الزكاة لأنها ركن من أركان الإسلام من أجل أن تبرأ ذمتك منها لأنها الركن الثالث من أركان الإسلام قرينة الصلاة في كتاب الله ولما منع قوم الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما ندفعها إلا للرسول ولما مات لا ندفعها لغيره فأبوا أن يدفعوها لخليفة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند ذلك جهز الجيوش لقتالهم قاتلهم حتى أدوها وخضعوا لحكم الإسلام. فمن امتنع من إخراج الزكاة فإن كان امتناعه عن جحود لفرضيتها هو كافر بإجماع المسلمين أما إن كان امتناعه من أجل البخل منعها بخلاً فهذا تؤخذ منه قهرًا يأخذها ولي الأمر منه قهرًا لأنها حق للفقراء والمساكين حق واجب عليه فإن لم يمكن أخذها قهرًا وكان معه جنود وشوكة وغلبة فإن ولي أمر المسلمين يقاتله ويجهز الجيوش لقتاله كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه مما يدل على أهمية الزكاة ومكانتها في الإسلام، هذا ما يتعلق بالزكاة. وأما ما يتعلق بمخالفة الصائمين أو مخالفة بعض المسلمين بما ينبغي في شهر رمضان، مخالفات كثيرة. من الناس الذين وفقهم الله من يعد العدة لشهرة رمضان بالأعمال الصالحة يستعد للصيام يستعد للقيام لقيام الليل يستعد لتلاوة القرآن يستعد لذكر الله يستعد للصدقات والإحسان إلى الفقراء والمساكين وهذا هو الموفق الذي عرف قدر الشهر وأدى واجبه ومن الناس من يستعد لشهر رمضان لشراء الحاجيات والكماليات وكأن شهر رمضان شهر الأكل والشهوات وليس شهر الصيام، المطلوب من المسلم أن يقلل الطعام والشراب في شهر رمضان من أجل أن ينشط على العبادة وعلى قيام الليل وعلى ذكر الله عز وجل لأن الإكثار من الطعام يكسل ويثقل الإنسان عن الطاعة، فلا تنبغي هذه المبالغات في شراء الكماليات المنوعة من الأطعمة والأشربة ينبغي أن يكون شهر رمضان أقل من غيره في شراء الحاجيات لأنه ليس شهر أكل وشرب وشهوات وإنما هو شهر الصيام والإقلال من الطعام فهذا ينبغي التنبه له، فبعض الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه شهر الأكل والشرب وإعطاء النفس ما تشتهي والسهر بالليل والنوم بالنهار على أنه صائم يقول صائم وينام كل النهار حتى أنه يترك الصلوات الخمس في مواقيتها ومع الجماعة ولا يصليها إلا إذا استيقظ في آخر النهار أو عند الإفطار هذه خسارة عظيمة المطلوب منه أن ينشط في الطاعات المستحبة ويكثر منها فكيف يضيع الفرائض التي أوجبها الله عليه في شهر رمضان وينام بحجة أنه صائم نعم ينام لا بأس لكن ينام بقدر ينام نومًا لا يثقله عن طاعة الله ولا يغفل قلبه عن ذكر الله ولا يترك به الصلوات في مواقيتها مع الجماعة لا يترك تلاوة القرآن والذكر يجعل للنوم وقتًا ويجعل للطاعات وقتًا أكثر فهذا هو الموفق كذلك وهذا أسوأ وأشر الذين يعدون البرامج الملهية في وسائل الإعلام يعدون البرامج والمسلسلات والمضحكات والشرور لشهر رمضان أين حرمة الشهر أين قدر الشهر عند هؤلاء، وليت شرهم يقتصر عليهم بل إنهم يتعدى شرهم إلى المسلمين الذين يشاهدون هذه المسلسلات وهذه التمثيليات وهذه السواقط، فعلى المسلم أن يحذر من هؤلاء ولا يشغل وقته بهذه المسلسلات وهذه الملهيات والمغفلات يسهر عليها وتأخذ وقته تغفله عن ذكر الله (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [سورة الكهف: 28]. نسأل الله العافية، هؤلاء حرموا أنفسهم وحرموا غيرهم وصاروا قدوة سيئة صدوا عن سبيل الله وانتهكوا الشهر بهذه المسلسلات والتمثيليات والمضحكات والترهات والمسابقات التي أغلبها من القمار مسابقات أغلبها قمار ضياع للأموال أكل للمال بالباطل ليشغلوا الناس يخسرون أموالهم ليشغلوا الناس، نسأل الله العافية. فعلينا أن نتنبه لهذه الأمور، كذلك مما ينبغي التنبيه عليه بيان آداب الصيام التي يخل بها كثير من الناس. آداب الصيام وذلك بأن يجعل السحور قبل طلوع الفجر ينتهي بطلوع الفجر بعض الناس يتسحر مبكرًا إذا أراد أن ينام يسهر أول الليل وإذا أراد أن ينام ملأ بطنه ثم نام يقول هذا سحور فيصوم قبل وقت الصيام ويقدم السحور قبل وقته، الله جل وعلا قال: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [سورة البقرة: 187]. فمن آداب الصيام تأخير السحور بحيث ينتهي عند طلوع الفجر، من الناس من إذا استيقظ وتنبه تسحر ولو كان الفجر قد طلع وقد يجامع زوجته أيضًا والفجر قد طلع فيكون صيامه باطلاً لأنه لم يصم الصوم الذي أمره الله به فلا أكل ولا شرب ولا جماع بعد طلوع الفجر (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)، فيؤخر السحور فيجعله قبيل طلوع الفجر عملاً بالسنة ويكون السحور مقويًا له على الصيام، أما إذا قدمه مبكرًا فإنه لن يعينه على الصيام مخالفة للسنة، ولننبه على مسألة حصلت ويدعو إليها بعد المتعالمين وهو أنهم يقولون: لا تصوموا على طلوع الفجر مع الآذان، الآذان خطأ، يخطئون المسلمين كلهم ويقولون ما بعد صار الفجر ويأكلون ويشربون بعد الناس ويؤخرون الصلاة بعد الناس وربما يجامعون زوجاتهم بعد الناس بعد ما يصوم الناس فهذا شذوذ ومخالفة لما عليه المسلمون، والمسلمون ولله الحمد واثقون من وقت صيامهم فلا يأتي أحد ويشكك في هذا الأمر ويقول للناس تأخروا ثلث ساعة عن صيام الناس والناس كلهم مخطئون إلا هذا فهو المصيب ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلنحذر من هؤلاء. كذلك من آداب الصيام تعجيل الإفطار عند غروب الشمس (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) والليل يبدأ عند غروب الشمس، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من هاهنا"، يعني من المشرق، "وأدبر النهار من هاهنا"، يعني من جهة المغرب "وغابت الشمس فقد أفطر الصائم"، هذا وقت الإفطار إذا غربت الشمس وعلامة غروبها ما هو الغروب أنها تتواري وراء جبل ولا وراء عمارة لا الغروب علامته الصادقة أن يأتي الظلام من جهة المشرق فالتفت إلى المشرق فإذا رأيت ظلام الليل مقبلاً فقد غربت الشمس "إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" علامة واضحة، هناك من المبتدعة من يؤخر الإفطار إلى ظلام الليل إلى أن تشتبك النجوم وهذا مخالفة للسنة. "أحب عباد الله إليه أعجلهم فطر" هؤلاء يخالفون السنة فلا يفطرون إلا إذا اشتبكت النجوم وأظلم الليل في منتصف ما بين العشاءين هذا فعل المبتدعة، المسلم يتقيد بالسنة التي أمر الله بها وأمر بها رسوله في الإفطار. كذلك وهذه مسألة مهمة وكثر السؤال عنها وكثر الواقعون فيها وهي أنهم يعاشرون زوجاتهم وهم صائمون يعاشرونهن حتى ربما أنهم يقعون في الجماع، الصائم منهي عن الرفث وهو الجماع ودواعيه، يتجنب ما يسبب له الشهوة ويثير الشهوة مع زوجته فلا ينظر إليها نظر شهوة ولا يلمسها أو يقبلها تقبيل شهوة لأن هذا يوقعه في المحرم وهو الجماع فعليه أن يتجنب هذه الأمور. نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل زوجاته وهو صائم لأنه كان مالكًا لإربه لا تثور شهوته صلى الله عليه وسلم، الذي يملك إربه ولا تثور شهوته لا بأس أن يقبل تقبيل عِشرة لا تقبيل شهوة إنما هو تقبيل مودة ولا تثور شهوته أما الشاب الذي تثور شهوته فإنه يتجنب الأسباب التي تفسد صيامه. كذلك بعض الناس بل كثير من الناس يصومون عن الطعام والشراب وعن الجماع يصومون عن المفطرات الحسية لكنهم لا يصومون عن المفطرات المعنوية وهي الغيبة والنميمة والشتم وقول الزور وفي الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". فعلى المسلم أنه إذا صام عن الطعام والشراب أن يصوم أيضًا عن الغيبة وعن النميمة وعن الشتم والسباب، قال صلى الله عليه وسلم: "فإن سابه أحد أو شاتمه أحد فليقل إني صائم إني صائم" يذكر نفسه ويعلن ذلك بأن يمنع نفسه من الرد السيئ، هذا إذا كان يرد فكيف إذا كان هو البادي باللغو والنميمة وقول الزور فهذا أمر أشد، فعلى المسلم أنه يصون صيامه عما يخل به ويلزم طاعة الله وذكر الله وتلاوة القرآن والمحافظة على الصلوات مع الجماعة في وقتها حتى يكونوا صومهم صومًا صحيحًا تامًا ولا يخرقه بالغيبة والنميمة والسباب والشتم وقول الزور وغير ذلك من آفات اللسان. كذلك يصون صيامه عن الاستماع للمحرمات الاستماع للغيبة الاستماع للنميمة الاستماع للأغاني والمزامير من الإذاعات ووسائل الإعلام أو من غيرها من آلات اللهو، يصون سمعه من سماع الأغاني والمزامير ومن سماع الغيبة والنميمة وكل سماع محرم. كذلك يصون بصره يغض بصره عن النظر إلى الحرام فلا ينظر إلى النساء المتبرجات سواءً في الأسواق أو في الشاشات في التلفزيون والفضائيات فيها نساء كاسيات عاريات متبرجات مائلات مميلات تعرض في شاشات التلفاز والفضائيات فعلى المسلم أن يتجنبها دائمًا، وفي حالة الصيام يكون هذا أشد فيصون لسانه ويصون نظره ويصون سمعه عما حرم الله سبحانه وتعالى فليس الصيام هو مجرد ترك الطعام والشراب والجماع هذا صوم هيّن ولكن الصوم الصعب أن يصون لسانه وأن يصون نظره وأن يصون سمعه هذا هو الصوم الصعب لأن كثير من الناس ما يقدر يصوم لسانه ولا يقدر يصوم سمعه ولا بصره ولا حول ولا قوة إلا بالله هو يقدر يترك الطعام والشراب ولكن ما يقدر يترك الغيبة والنميمة ولا يقدر يترك النظر المحرم وكذلك النظر إلى الصور الماجنة في الصحف والمجلات لا يتصفحها وينظر إليها لا يجوز هذا دائمًا وهو من الصائم أشد. فعلى المسلم أن يصون صيامه عما يبطله وعما ينقصه ويخل به حتى يكون صيامًا صحيحًا ولا يكون حظه من صيامه الجوع والعطش كما قال صلى الله عليه وسلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربما قائم حظه من قيامه السهر" ليس له أجر في ذلك، يتعب ولا يؤجر بسبب منه هو لأنه لم يصن صيامه ولم يصن قيامه بما حرام الله سبحانه وتعالى، فعلينا أن نستعد لهذا الشهر بما يليق به كذلك على المسلم أن يكون دائمًا في طاعة الله وعبادته حافظًا على الفرائض تاركًا للمحرمات في رمضان وفي غيره لأن بعض الناس يجتهد في رمضان فإذا خرج رمضان انفلت وعاد إلى الأحوال السيئة هذا لا ينفعه رمضان لأنه بنيته أنه إذا خرج رمضان أنه يعود إلى ما كان من قبل من المعاصي والسيئات واللغو والغفلة فهذا لا ينفعه شهر رمضان لأن طاعة الله ليست مؤقتة بوقت ثم ينتهي –لا- وإنما طاعة الله دائمة، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [سورة الحجر: 99]، يعني الموت. فلا ينتهي عمل المسلم إلا بالموت "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". أيها الإخوة يجب أن نعظم حرمات الله (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [سورة الحج: 30]. (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [سورة الحج: 32]، علينا أن نعظم شعائر الله في رمضان وفي غيره نسأل الله لنا ولكم التوفيق بالعلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. المصدر : http://www.alfawzan.af.org.sa/node/5429 |
#17
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم أحكام الصيام الحمد لله ذي الفضل والإنعام، فضل شهر رمضان على سائر شهور العام، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وإلهيته وسمائه وصفاته (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليماً كثيرا أما بعد: أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واحمدوه واشكروه إذ بلغكم شهر رمضان، ومكنكم في من الصيام والقيام والأعمال الصالحة، فإن هذه من أكبر النعم فاغتنموه رحمكم الله، فيما ينفعكم عند الله (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً). عباد الله، واعلموا أن الصيام له أحكام تجب معرفتها حتى يؤدى على الوجه المشروع، فمن أحكامه، أنه لابد من النية فيه لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، فمن ترك المفطرات من غير نية الصوم فليس بصائم شرعا، والنية هي القصد والعزيمة في القلب محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها، ولابد أن توجد النية في صيام الفرض، لابد أن توجد من الليل قبل السحر أو مع السحر لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صيام لمن لم يجمع النية من الليل"، وأما المعذور الذي أفطر لعذر ثم زال عذره في أثناء النهار كالمريض الذي يشفى، أو المسافر الذي ينتهي سفره، أو الصغير الذي يبلغ، أو المرأة الحائض أو النفساء ينتهي حيضها أو نفاسها في أثناء النهار، أو الكافر الذي يسلم في أثناء النهار، أو ألا تقوم البينة بدخول الشهر إلا في أثناء النهار فإن هؤلاء يمسكون بقية اليوم احتراماً للوقت ويقضونه بعد رمضان، لأنه مضى وقت من النهار وهم لم ينو الصيام، ومن أحكام الصيام أن يتجنب الصائم ما يبطل صومه من المفطرات من الأكل والشرب وما في حكمهما لقوله تعالى من الأكل والشرب والجماع لقوله تعالى:(فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ يعني في الليل وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فبداية الصيام اليومي من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس في هذه الأثناء لا يتناول المسلم شيئاً لا يتناول المسلم الصائم شيئاً من الأكل والشرب والجماع لأن الله حرم عليه ذلك حتى يبدأ الليل بغروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" علامات واضحة ولله الحمد، يرها الناس بأعينهم علق الله بها هذه العبادة طلوع الفجر الثاني وهو البياض المعترض في الأفق وغروب الشمس في الأفق إذا أقبل الليل من المشرق لأن الشمس علامة غروب الشمس إذا اقبل الليل من المشرق، أما إذا توارت الشمس من وراء مرتفع فليس هذا هو الغروب لأنه لا يأتي الليل من المشرق علامة واضحة ولله الحمد كلاً يعرفها، فيتجنب المسلم في أثناء الصيام في هذه المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يتجنب سائر المفطرات ويصون صيامه عما يخل به، فالأكل متعمداً قليلاً كان أو كثيراً يبطل الصوم، أما إذا أكل أو شرب ناسياً فإنه لا حرج عليه ولا يبطل صومه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" فمثل الأكل والشرب ما يقوم مقامهما من الإبر المغذية والوريدية التي تأخذ في الوريد فإنها بمعنى الأكل والشرب لأنها تسير في الدم وتنشط الجسم وتغذي الجسم فهيا بمعنى الأكل والشرب، وكذلك مثل الأكل والشرب تناول الأدوية سواً كانت حبوباً أو شربات يتناولها من طريق الفم أو تحقن بجسمه فإنها بمعنى الأكل والشرب فتفطر الصائم، ومثلها المحاليل الطبية التي تحقن في المريض في معدته أو في أمعاءه تحقن من أجل العلاج، من أجل إجراء المناظير الطبية، أو من أجل أخذ إشاعة للمعدة، لابد من محاليل تسبقها، وهذه المحاليل فيها ماء وأدوية فهذه تفطر الصائم، وكذلك المحاليل التي تجرى للصائم من أجل غسيل الكلى بما يصاحبه من المحاليل الطبية التي تدخل إلى الجسم هذه تفطر الصائم لأنها بمعنى الأكل والشرب، وكذلك من المفطرات إذا تعمد الصائم القيء إذا تعمد التقي والاستفراغ بأن يستخرج ما في معدته عن طريق الفم فإن هذا يبطل الصيام، أما إذا غلبه القيء وخرج بدون اختياره فإن هذا لا يؤثر على صيامه، لما في الحديث أن الإنسان إذا تعمد الاستفراغ فإنه يفطر، إذا لم يتعمد فإنه لا يفطر بذلك لأن هذا ليس باختياره، ومن المفطرات سحب الدم الكثير من الجسم إما بالحجامة وإما بالطرق والوسائل الطبية سواً سحبه للعلاج كالحجامة أو سحبه للتبرع به أو لإسعاف مريض، فإن هذا يبطل صيامه لأنه أخرج من جسمه ما فيه قوته، وسحب الدم من الجسم يضعف الإنسان فلا يتحمل الصيام وقد قال صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يحتجام وهو صائم قال:"أفطر الحاجم والمحجوم" فحكم صلى الله عليه وسلم على المحجوم بالفطر لأنه أخرج الدم من جسمه متعمداً والحاجم الذي يمص الدم بواسطة القرن بواسطة المحجم لأنه يتطاير شيء من الدم إلى حلقه بواسطة المص فيفطر بذلك، وأما حديث أنه صلى الله عليه وسلم احتجما وهو صائم فهذه اللفظة وهو صائم غير محفوظة وإنما الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم احتجما وهو محرم وأما لفظة وهو صائم فهذه غير محفوظة كمال قال الإمام أحمد رحمه الله، أما لو أن جرح الصائم، الصائم أنجرح وخرج دم منه ونزف منه دم فإن هذا لا يؤثر في صيامه لأنه بغير اختياره وكذلك الدم اليسير الذي يؤخذ عينةً للتحاليل فهذا ليس بمعنى الحجامة فلا يؤثر على الصيام، ومن المفطرات التي ورد النص والإجماع عليها الجماع في نهار رمضان فإذا جامع امرأته بطل صيامه وصيامها إذا كانت مطاوعةً له فإنه يبطل صيام الاثنين بالجماع لأن الله قال:(فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فجعل الجماع مثل الأكل والشرب متعمداً في النهار يبطل الصيام، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت وأهلكت قال:"وما أهلكك؟" قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم قال له صلى الله عليه وسلم:"أتجد ما تعتق رقبة"، قال: لا، قال:" تصوم شهرين متتابعين"، قال: وهل أوقعني فيما وقعت فيه إلا الصيام، قال:"تطعم ستين مسكيناً"، قال: لا أقدر على ذلك، فجلس عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى أوتي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر يعني زمبيل فيه تمر فقال صلى الله عليه وسلم للرجل:"خذ هذا تصدق به"، قال: أعلى أفقر منا يا رسول الله، والله ما بين ليبيتيها أفقر منا، قال:"خذه فأطعمه أهلك" فهذا شاهد في أن الجماع يبطل الصيام ويوجب الكفارة، والمراد بالجماع الإلج في الفرج حتى ولو لم ينزل فإذا أولج بطل صيامه ولو لم ينزل، وكذلك استفراغ المني عن غير طريق الجماع كستفراغيه بالعادة السرية وهي الاستمناء فإنها تبطل الصيام وتوجب القضاء، وهي محرمة لكنها لا توجب الكفارة لأنها ليست جماعاً، فهذه جملٌ من مفطرات الصائم عليه أن يتجنبها، وأن يحفظ صيامه من الوسائل التي توقعه فيها، فإن بعض الناس خصوصاً الشباب وقريب العهد بالزواج يقربون من نسائهم ويباشروهن فتثور شهوتهم فإنه يجب عليهم أن يبتعدوا، أما الإنسان الذي لا تثير شهوته ولا يخشى على نفسه من ذلك، فلا مانع أن يمس زوجته ويباشرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل نسائه وهو صائم لأنه كان مالكاً لأربه كان صلى الله عليه وسلم لا يخاف من ثوران الشهوة. فتقوا الله، عباد الله، حافظوا على صيامكم تقربوا بذلك إلى الله لتنالوا منه الأجر والثواب، فإن ثواب الصائم غير ثواب سائر الأعمال، فالصيام أختصه الله لنفسه وتولى جزاءه حيث قال سبحانه وتعالى، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي:"كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، فاستبشروا يا عباد الله، بهذه النعمة العظيمة، وحافظوا عليها، واشكروا الله إذ شرع لكم الصيام تتقربون به إليه ويثيبكم عليه الثواب الذي لا يعلم مقداره إلا الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قول هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيرا، أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الصيام ليس مجرد ترك الشهوات، شهوات البطن والفرج، وإنما هو ومع ذلك ترك كل ما حرم الله من النظر المحرم والكلام المحرم والسماع المحرم صونوا ألسنتكم عن الكلام المحرم من الغيبة والنميمة والسباب والشتم وقول الزور في الحديث:"من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وفي الحديث:"فإن سابه أحد فليقل إني صائم" فيحفظ لسانه عن السباب حتى لو أن أحداً سابه فلا يرد عليه بل يقول إني صائم، وكذلك صيانة النظر عن النظر إلى المحرم مما يثير الشهوة من الفتنة بالنساء المتبرجات فينظر إليهن ويتابعهن في أي مكان سواً في الأسواق، أو سواً في مجالات العمل الوظيفية، فيتجنب النظر ويصون بصره وهو صائم وغير صائم، يجب على المسلم أن يحفظ بصره دائماً لقوله تعالى:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)الآية، فالبصر مسئوليه عليك أن تحفظه وأن لا تنتظر إلا فيما يباح لك النظر إليه وإلا فإنه خطير جدا، ومن الناس من يتابع الفضائيات والشاشات والانترنت وما يعرض فيها من الشرور وما يعرض فيها من النساء العاريات الفاتنات، ويشاهد الفحش والفجور وهو جالس في بيته أو على فراشه وقد يكون صائماً، فإين الصيام يا عباد الله؟، وكذلك يصون سمعه عن استماع الحرام، عن استماع الكلام المحرم واللغو والكلام الفاحش والأغاني والمزامير، فإن بعض الناس لا يصون سمعه عن هذه الأمور فتجده يستمع إلى ما حرم الله من الكلام الغيبة والنميمة والسباب والشتم أو أشد من ذلك يستمع إلى الأغاني الماجنة والمزامير وآلات اللهو هذا وهو يدعي أنه صائم، إن الصيام يا عباد الله، ليس مجرد ترك الأكل والشرب، وإنما هو ترك كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، فقد يصوم الإنسان ويجوع ويعطش وليس له أجر لأنه لم يصن سمعه ولا بصره ولا لسانه عن الحرام فليس له أجرٌ كما سمعتم في الحديث:"من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وفي الحديث الآخر:"رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر". فتقوا الله، عباد الله، وحافظوا على صيامكم، هناك صيام محدد عن الأكل والشرب والمفطرات في شهر رمضان أو في نهار الصيام ويباح في غير الصيام، وهناك صيام مؤبد طول الحياة إلى أن يموت الإنسان وهو صائم عنه، وهو الصيام عن الحرام في كلامه وفي سمعه وفي بصره، فإنه يصون دائما عن هذه الأمور، فإذا وافقت أنه صائم عن الطعام والشراب اشتد الإثم عليه أكثر من ذي قبل. فتقوا الله، عباد الله، وحافظوا على صيامكم لتنالوا ما وعد الله الصائمين من الأجر العظيم، لتكونوا مع الذين يدخلون من الباب الذي خصصه الله للصائمين في الجنة وهو باب الريان باب مخصص للصائمين يدخلون منه إلى الجنة لا يدخل منه غيرهم، فإذا دخلوا أغلق ويقال لهم(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ). ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلٌ بدعة ضلالة. وعليكم بالجماعة، فإن يدا الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين،الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين. اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفينا شر شرارنا، اللَّهُمَّ اجعل وليتنا فيما خافك واتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفق ولاة أمورنا، وولاة أمور المسلمين لكل خير ولما فيه صلاحهم وصلاح الإسلام والمسلمين (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). عبادَ الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)،فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون. فضيلة الشيخ العلامة الفقيه / صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله ورعاه - .
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[جمع] الجمع الثمين لكلام أهل العلم في المصرّين على المعاصي والمدمنين | أبو عبد الودود عيسى البيضاوي | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 0 | 13-09-2011 09:33PM |
أقوال العلماء السلفيين في حكم من حكَّم القوانين | أبو حمزة مأمون | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 10-06-2010 01:51AM |
(الشيخ ربيع بين ثناء العلماء ووقاحة السفهاء) | أبوعبيدة الهواري الشرقاوي | منبر الجرح والتعديل | 0 | 21-12-2008 12:07AM |
شرح كتاب ثلاثة الأصول | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 3 | 13-10-2007 08:38PM |
صحيح المقال في مسألة شد الرحال (رد على عطية سالم ) | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر البدع المشتهرة | 0 | 12-09-2004 12:02PM |