|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#16
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -123-باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف: 191، 192]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله بين فيه الأدلة على بطلان الشرك وبيان حال المدعون من دون الله، وفي ذلك تقريرٌ للتوحيد بالبراهين القاطعة. أيشركون: استفهام إنكار وتوبيخ على من يشرك في العبادة مع الله. ما لا يخلق شيئاً: أي مخلوقات لا تقدر على الخلق وليس فيها ما تستحق به العبادة. وهم يُخلقون: أي وهؤلاء المعبودون مخلوقون محدثون والمخلوق لا يكون شريكان للخالق. ولا يستطيعون لهم نصراً: أي وهؤلاء المعبودون لا يقدرون على نصر عابديهم. ولا أنفسهم ينصرون: أي ولا يقدرون على أن يدفعوا عن أنفسهم من أراد بهم ضراً فكيف يدفعونه عن غيرهم. المعنى الإجمالي للآية: يوبخ الله سبحانه وتعالى المشركين بأنهم يعبدون معه معبودات لا تخلِق شيئاً وليس فيها ما تستحق العبادة به ولا تدفع ص -124- الضر عمن دعاها، بل ولا تدفعه عن أنفسها وإذا كانت هذه حالتهم بطلت دعوتهم؛ لأن المخلوق لا يكون شريكاً للخالق، والعاجز لا يكون شريكاً للقادر الذي لا يعجزه شيءٌ. ما يستفاد من الآية: 1- بطلان الشرك من أساسه؛ لأنه تعلق على مخلوق عاجز. 2- أن الخالق هو المستحق للعبادة. 3- الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية. 4- مشروعية محاجة المشركين لنصر الحق وقمع الباطل. ص -125- وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ 13 إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13،14]. والذين تدعون من دونه: أي الذين تدعونهم غيرَ الله: من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها. قطمير: القطمير هو اللفافة التي تكون على نواة التمر. لا يسمعوا دعاءكم: لأنهم أموات أو ملائكة مشغولون بما خلقوا له. ما استجابوا لكم: لا يقدرون على ما تطلبون منهم. يكفرون بشرككم: ينكرونه ويتبرؤون ممن أشرك بهم مع الله. ولا ينبِئك: يخبرك بعواقب الأمور ومآلها. مثل خبير: عالمٌ بها وهو الله سبحانه وتعالى. المعنى الإجمالي للآية: يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم، وأنهم قد انتفت عنهم الشروط التي لا بد أن تكون في المدعو، وهي: ملك ما طُلب منه، وسماع الدعاء، والقدرة على استجابته. فمتى عُدم شرطٌ بطُل أن يكون مدعواً فكيف إذا عُدمت كلها. مناسبة الآية للباب: أن فيها البرهان القاطع على بطلان الشرك والرد على المشركين. ص -126- ما يستفاد من الآية: 1- بطلان الشرك بالدليل القاطع والبرهان الواضح. 2- بيان الشروط التي يجب توافرها في المدعو المستغاث به وهي: أ- ملكه لما طُلب منه. ب- سماعه لدعاء من دعاه. ج- القدرة على إجابته. 3- أن العقيدة مبناها على البرهان واليقين لا على الظن والتخرص والتقليد الأعمى. 4- إثبات علم الله بعواقب الأمور. ص -127- وفي "الصحيح" عن أنس –رضي الله عنه- قال: شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: "كيف يفلح قوم شَجُّوا نبيهم" فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}"1" [آل عمران: 128]. في الصحيح: أي في الصحيحين. شُجّ: الشجة الجرح في الرأس والوجه خاصة. أحد: جبل معروف شمالي المدينة كانت عنده الوقعة المشهورة فنُسبت إليه. الرباعية: هي السن التي بعد الثنية. والإنسان له أربع رباعيات. كيف يفلح قومٌ.. إلخ: أي كيف يحصل لهم الفوزُ والظفرُ والسعادة مع فعلهم هذا بنبيهم. من الأمر: من الحكم في العباد. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر أنسٌ عما حصل للنبي –صلى الله عليه وسلم- في وقعة أحد من الابتلاء والامتحان على أيدي أعدائه من الإصابة في موضعين من جسده الشريف فكأنه –صلى الله عليه وسلم- لحقه يأسٌ من فلاح كفار قريش. فقيل له بسبب ذلك: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]. أي: عواقبُ الأمور وحكم العباد بيد الله فامض أنت لشأنك ودُم على دعوتك. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على بطلان الشرك بالأولياء "1" أخرجه البخاري تعليقاً في كتاب المغازي باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ص 772 ط بيت الأفكار الدولية. ص -128- والصالحين، لأنه إذا كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يدفع عن نفسه الضر، وليس له من الأمر شيءٌ، فغير من باب أولى. ما يستفاد من الحديث: 1- بطلان الشرك بالأولياء والصالحين؛ لأنه إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يملك من الأمر شيئاً فغيره من باب أولى. 2- وقوع الأسقام والابتلاء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 3- وجوب إخلاص العبادة لله، لأنه هو الذي له الأمر وحده. 4- مشروعية الصبر وتحمل الأذى والضرر في سبيل الدعوة إلى الله. 5- النهي عن اليأس من رحمة الله ولو فعل الإنسان ما فعل من المعاصي التي هي دون الشرك. ص -129- وفيه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد". فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}"1" [آل عمران: 128]. وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية وسُهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}"2" [آل عمران: 128]. ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صحابي جليل من عبّاد الصحابة وعلمائهم مات سنة 73هـ. وفيه: أي في الصحيح والمراد به صحيح البخاري. أنه سمع رسول الله: أي بعدما شُج وكسرت رباعيّته يوم أحد. اللهم العن: أي اطرد وأبعد من رحمتك. فلاناً وفلاناً: منهم صفوان بن أمية، وسُهيل بن عمرو، والحارثُ ابن هشام. سمع الله لمن حمده: أجاب الله من حمده وتقبّله. لأنه قد عُدِّي باللام. الحمد: ضد الذم، ويكون على محاسن المحمود مع المحبة له. "1" أخرجه البخاري برقم "4069". "2" أخرجه البخاري برقم "4070". ص -130- يدعو على صفوان... إلخ: لأنهم رؤوس المشركين يوم أحد، وقد تاب الله عليهم فأسلموا وحسن إسلامهم. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر عبد الله بن عمَر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يدعو في الصلاة على أشخاص معينين من الكفار آذوه يوم أحد فعاتبه الله بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]. وتاب الله عليهم، فآمنوا بالله ورسوله. مناسبة الحديث للباب: أن فيه بيان أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يقدر أن يدفع أذى المشركين عن نفسه ولا عن أصحابه، بل لجأ إلى ربه القادر المالك، مما يدل على بطلان ما يعتقده عبّاد القبور في الأولياء والصالحين. ما يستفاد من الحديث: 1- بطلان التعلق بالأولياء والصالحين لطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات. 2- جواز الدعاء على المشركين في الصلاة. 3- دليلٌ على أن تسمية الشخص المدعو له أو عليه لا يضر الصلاة. 4- التصريح بأن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد. ص -131- وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين أنزل الله عليه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]. فقال: "يا معشر قريش - أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً""1". أبو هريرة: قيل: الصحيح أن اسمه عبد الرحمن بن صخر، دوسيّ من فضلاء الصحابة وحفّاظهم وعلمائهم. روى أكثر من خمسة آلاف حديث، توفي سنة سبع أو ثمانٍ أو تسعٍ وخمسين للهجرة. وفيه: أي في صحيح البخاري. قام: أي صعد على الصفا. عشيرتك: عشيرةُ الرجل هم بنو أبيه الأدنون، أو قبيلته. الأقربين: أي الأقرب فالأقرب منهم. يا معشر: المعشرُ: الجماعة. أو كلمة: بنصبِ "كلمةٍ" عطفٌ على ما قبله. أي: أو قال كلمةً نحوها شكٌّ من الراوي. اشتروا أنفسكم: أي خلِّصوها من العذاب بتوحيد الله وطاعته، ولا تعتمدوا على شرف النسب. "1" أخرجه البخاري برقم "2753" ومسلم برقم "206" والترمذي برقم "3184". ص -132- لا أغني عنكم من الله: لا أدفع عنكم عذاب الله، رفعٌ لما قد يتوهم أنه يغني عنهم من الله شيئاً بشفاعته. عباسُ، وصفيةُ، وفاطمةُ: بالرفع على البناء، ويجوز النصب بالنداء. وابنَ، وعمةَ، وبنتَ: بالنصب لا غير بدلاً من المنادي أو عطف بيان. سليني من مالي: لأن هذا هو الذي يقدر عليه وما كان من أمر الله فلا قدرة له عليه. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر أبو هريرة –رضي الله عنه- عمّا صنع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حينما أمره الله في كتابه الكريم أن ينذر قرابته؛ أنه قام ممتثلاً أمر ربه، فنادى قريشاً ببطونها ونادى عمه وعمته وبنته، فأنذرهم نذارة خاصة وأمرهم أن يخلِّصوا أنفسهم من عذاب الله بتوحيده وطاعته وبلغهم أنه لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئاً إذا لم يؤمنوا فمجرد قربهم منه غير نافع لهم بدون إيمان. مناسبة الحديث للباب: أن فيه أنه لا يجوز أن يطلب من الرسول ولا من غيره من باب أولى إلا ما يقدر عليه من أمور الدنيا. وأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يُطلب إلا من الله، ففيه الرد على عبّاد القبور الذين يستغيثون بالأموات لتفريج الكربات وقضاء الحاجات. ما يستفاد من الحديث: 1- الرد على عبّاد الأنبياء والصالحين الذين يتعلقون بالمخلوقين في قضاء حوائجهم التي لا يقدر عليها إلا الله. 2- أنه لا يجوز أن يطلب العبد إلا ما يقدر عليه. 3- مسارعة النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى امتثال أمر ربه وتبليغ رسالته. ص -133- 4- أنه لا ينجي من عذاب الله إلا الإيمان والعمل الصالح لا الاعتماد على مجرد الانتساب للأشخاص. 5- إن أولى الناس برسول الله – صلى الله عليه وسلم- أهل طاعته ومتابعته من قرابته وغيرهم. 6- أن مجرد القرابة من الرسول – صلى الله عليه وسلم- لا ينفع بدون إيمان وعمل صالح وعقيدة صحيحة. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 10-01-2015 الساعة 03:33PM |
#17
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -134- باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن فيه بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عُبد من دون الله فإذا كان حالهم مع الله ما ذُكر من هيبتهم منه وخشيتهم له فكيف يُدعون مع الله فغيرهم من باب أولى. ففي ذلك ردٌّ على جميع المشركين الذين يدعون مع الله من لا يُداني الملائكة. فُزِّع عن قلوبهم: أُزيل الفزع عن قلوب الملائكة من الغشية التي تصيبهم عند سماع كلام الله بالوحي إلى جبريل. قالوا: أي قال بعضهم لبعضٍ استبشاراً: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23]. قالوا الحق: أي: قال الله الحق. وهو العلي: الذي له علوُّ القدر وعلوُّ القهر وعلوُّ الذات. الكبير: أي الذي لا أكبر ولا أعظم منه تبارك وتعالى. المعنى الإجمالي للآية: يخبر الله سبحانه عن الملائكة أنها إذا سمعت الوحي من الله إلى جبريل فزِعت عند ذلك تعظيماً وهيبةً وأرعدت حتى يصيبها مثل الغشيِّ، فإذا أُزيل الفزع من قلوبهم أخذوا يتساءلون فيقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}؟ فيقولون: قال الحق وهو العالي ص -135- فوق كل شيء، الذي لا أكبر منه ولا أعظم. ما يستفاد من الآية: 1- الرد على جميع فرق المشركين الذين يعبدون مع الله من لا يُداني الملائكة ولا يساويهم في صفة من صفاتهم. 2- إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله. 3- أن كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق، لأنهم يقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}؟ لم يقولوا: ماذا خلق ربكم؟ 4- إثبات العلوّ لله سبحانه فوق مخلوقاته. 5- إثبات عظمة الله. ص -136- في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفُذُهم ذلك. حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع" ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفِّه فحرَّفَها وبدَّد بين أصابعه: "فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة. فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيصدَّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء""1". سفيان: هو ابن عُيَينة بن ميمون الهلاليّ ثقةٌ حافظٌ حجةٌ من كبار الأئمة، مات سنة 198هـ. في الصحيح: أي في صحيح البخاري. إذا قضى الله الأمر: أي إذا تكلم به. خَضَعاناً: بفتحتين من الخضوع. وروي بضم أوله وسكون ثانيه أي خاضعين. "1" أخرجه البخاري برقم "4701". ص -137- لقوله: أي لقول الله تعالى. كأنه: أي الصوت المسموع. صفوان: هو الحجر الأملس. ينفذهم ذلك: أي يخلص هذا القول ويمضي في الملائكة. فيسمعها: أي الكلمة التي قضاها الله. مسترق السمع: المختطف لكلام الملائكة من الشياطين. وصفه: أي وصف ركوب الشياطين بعضهم فوق بعض حتى يصلوا إلى حيث يسمعون تحدّث الملائكة بالأمر يقضيه الله. فحرّفها: أمالها. وبدد بين أصابعه: أي فرّق بينها. الساحر: الذي يتعاطى السحر: وهو عبارة عما خفي ولطُف سببه من عمل العُقَد والرّقى وغيرها. والكاهن: هو الذي يخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار. أدركه الشهاب: أي أدرك المسترق الشهاب: وهو الذي يُرمى به قبل إلقائها فيحرقه. فيكذب: أي الساحر أو الكاهن. معها: أي الكلمة التي ألقاها. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن تعظيم الملائكة لكلام الله وما يعتريهم من الخوف وتساؤلهم عما قال ربهم وإجابة بعضهم لبعض. وما تعلمه الشياطين الذين يختطفون كلامَ ص -138- الملائكة في ذلك لتُلقيه إلى السحرة والكهان من الناس وما تلاقيه الشياطين من الرمي بالشهب حينئذ، وأنه قد يتمكن الشيطان من إيصال الكلمة المسموعة من الملائكة إلى الساحر أو الكاهن –لحكمة يعلمها الله وإلا فهو سبحانه لا يفوته شيء- فيُزاد مع تلك الكلمة من قِبل الشيطان أو الآدمي تسعٌ وتسعون كذبة وتُذاع كلها في الناس فيصدِّقونها كلها بسبب تلك الكلمة المسموعة. مناسبة الحديث للباب: أن فيه الرد على المشركين. فإنه إذا كان هذا حال الملائكة عند سماع كلام الله مع ما أعطاهم الله من القوة عُلم أنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لهم فكيف بمن دونهم. ما يستفاد من الحديث: 1- الرد على المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين. 2- تعظيم الله سبحانه وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له. 3- إثبات علو الله على خلقه وإثبات تكلمه بكلام يُسمع. 4- إبطال السحر والكهانة وإن صدُق الكاهن والساحر في بعض الأحيان. 5- أن العبرة بالغالب الكثير لا بالنادر القليل. ص -139- وعن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة" أو قال: "رعدة شديدة خوفاً من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا أوخروا سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد. ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحقَّ وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل""1". النواس: هو النواس بن سِمعان –بكسر السين- ابن خالد الكلابي صحابيٌّ جليلٌ رضي الله عنه. الوحي: أي: كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه. أخذت السماوات: أي أصاب السماوات. رجفة: بالرفع فاعلُ أخذتْ. أي ارتجفت واضطربت. خوفاً من الله: لأنها تخاف من الله بما جُعل فيها من الإحساس والمعرفة بالله. صعقوا: الصعق الغشي. "1" أخرجه ابن خزيمة في التوحيد رقم "206" وابن أبي عاصم في السنة رقم "515" والآجري في الشريعة. ص -140- خروا: خرّ: سقط من أعلى، والمراد هنا انحطوا بالسجود. أول: بالفتح خبر يكون. إلى حيث أمره الله: من السماء والأرض. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر نبي الله –صلى الله عليه وسلم- عن عظمة ربه عز وجل بأنه سبحانه إذا تكلم بما شاء من وحيه، فإنه يصيب السماوات ارتجافٌ وحركة شديدة من خوف الله عز وجل لمعرفتها بعظمة الله، فإذا سمعت الملائكة كلام الله عز وجل غُشي عليهم وانحطوا بالسجود تعظيماً لله وخوفاً منه، ثم يكون جبريل عليه السلام أو من يرفع رأسه منهم لأنه السفير بين الله وبين رسله، فيكلمه الله بما شاء من أمره، ثم يمر جبريل على ملائكة السماوات فيسألونه عما قال الله؟ فيجيبهم بقوله: "قال الحق وهو العلي الكبير" فيقولون مثل ما قال، ثم يمضي جبريل بالوحي فيبلغه إلى من أمره الله بتبليغه إياه. مناسبة الحديث للباب: أن فيه ما في النصوص قبله من بيان عظمة الله وخوف الملائكة والسماوات منه، ففيه الرد على من عبد غير الله. ما يستفاد من الحديث: 1- الرد على المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة من مخلوقاته. 2- بيان عظمة الله جل وعلا واستحقاقه للعبادة وحده. 3- إثبات أن الله يتكلم متى شاء بما يشاء كيف يشاء. 4- إثبات علو الله على خلقه. 5- فضل جبريل عليه السلام. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 10-01-2015 الساعة 03:34PM |
#18
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -141- باب الشفاعة وقول الله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 151]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أنه لما كان المشركون يبررون ما هم عليه من الشرك من دعاء الملائكة والأنبياء والأولياء، ويقولون نحن نعلم أنهم مخلوقون ولكنهم لهم جاه عند الله فنحن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله، أراد المصنف رحمه الله بهذا الباب إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك الذي نهى الله عنه، وأبطل كل وسيلة تؤدي إليه. الشفاعة: مصدر شفع بمعنى ضم الشيء إلى مثله –تقول: شفعت الشيء شفعاً بمعنى ضممته إلى الفرد. وشفع فيه أعانه في تحصيل مطلبه ممن هو عنده. وأنذِرْ: الإنذار هو: الإعلام بموضع المخافة والتحذير منها. به: أي: بالقرآن. يخافون: يخشون. أن يحشروا: يُجمعوا ويُبعثوا. ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع: في موضع نصبٍ على الحال أي؛ متخلِّين من كل ولي ينصرهم وشفيع يشفع لهم. المعنى الإجمالي للآية: يقول تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم-: خوِّف بالقرآن ص -142- الذين يخشون ربهم من أصحاب القلوب الواعية الذين يتذكرون الوقوف بين يدي ربهم متخلّين عن كل قريب ينصرهم وواسطة تشفع لهم –عنده- بغير إذنه لعلهم يعدون العُدة لذلك فيعملون في هذه الدار عملاً ينجّيهم الله به من عذابه يوم القيامة. مناسبة الآية للباب: أن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة. ما يستفاد من الآية: 1- الرد على المشركين الذين يتقربون إلى الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة. 2- مشروعية الوعظ والتذكير بيوم القيامة. 3- أن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالموعظة. ص -143- وقوله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44]. وقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]. لله الشفاعة: أي: هي ملك لله فليس لمن تطلبونها منهم شيءٌ منها. جميعاً: حالٌ مؤكدة. من ذا الذي: أي لا أحد. يشفع عنده إلا بإذنه: له فيها، فلا أحدٌ يتكلم بشفاعةٍ ولا غيرها إلا إذا أذن الله تعالى له في الكلام. المعنى الإجمالي للآيتين: يأمر الله نبيه أن يقول للذين يتعلقون على الأولياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة: ليس لمن تدعونهم من الشفاعة شيء، إنما هي كلُّها ملكٌ لله لا يستطيع أحدٌ شفاعةً لأحد إلا بإذنه، فلا أحدٌ يملك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن الله سبحانه وتعالى له في الكلام. مناسبة الآيتين للباب: أن فيهما الرد على المشركين الذين اتخذوا الشفعاء من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام المصورة على صور الصالحين، يظنون أنهم يملكون من الشفاعة شيئاً فيستطيعون أن يشفعوا عند الله سبحانه وتعالى بغير إذنه. ما يستفاد من الآيتين: 1- الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من المخلوقين. 2- أن الشفاعة ملكٌ لله وحده فيجب طلبها منه وحده. ص -144- 3- بيان عظمة الله وكبريائه وخضوع جميع الخلق لسلطانه. 4- في الآية الثانية إثبات الشفاعة لمن أذن الله له بها. ص -145- وقوله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26]. كم: خبريةٌ في موضع رفعٍ على الابتداء. ومعناها: كثيرٌ من الملائكة. لا تغني: لا تُجدي ولا تنفع. في موضع رفع خبر المبتدأ. إلا من بعد أن يأذن الله: لهم في الشفاعة. لمن يشاء: من عباده. ويرضى: عنه قولَه وعمَله. معنى الآية إجمالاً: يخبر تعالى أن كثيراً من الملائكة مع مكانتهم عنده لا تجدي شفاعتهم في أحد شيئاً، ولا تنفعه إلا إذا أذن الله لهم أن يشفعوا فيمن يشاء الشفاعة له من عباده، وكان المشفوع فيه ممن رضي الله قوله وعمله بأن يكون سالماً من الشرك قليلِه وكثيرِه، وإذا كان هذا في حقّ الملائكة فغيرهم من باب أولى. مناسبة الآية للباب: أن فيها الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من الملائكة وغيرهم من المخلوقين. ما يستفاد من الآية: 1- الرد على المشركين الذين يتقرّبون إلى المخلوقين يطلبون منهم الشفاعة. 2- أن الشفاعة ملكٌ لله وحده لا تُطلب إلا منه. 3- أن الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين: ص -146- الشرط الأول: إذن الرب للشافع أن يشفع. الشرط الثاني: رضاه عن المشفوع فيه بأن يكون من أهل التوحيد والإخلاص. ص -147- وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} الآيتين. تمام الآيتين: قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 22، 23]. قل: أي: للمشركين. زعمتم: أي: زعمتموهم آلهة. من دون الله: أي: غيره لينفعوكم بزعمهم. من دون الله: أي: غيره لينفعوكم بزعمكم. مثقال: وزن. ذرة: من خير أو شر، والمراد بالذرة النملة الصغيرة. ويُقال لكل جزء من أجزاء الهباء ذرةٌ. شرك: شركة مع الله. منهم: من الآلهة. من ظهير: معين يعينه على تدبير أمر السماوات والأرض. ولا تنفع الشفاعة عنده: أي عند الله تعالى ردٌّ لقولهم: إن آلهتهم تشفع عنده. إلا لمن أذن له: أن يشفع لغيره. المعنى الإجمالي للآيتين: يأمر الله سبحانه نبيه أن يقول للمشركين على وجه التحدي: اطلبوا من آلهتكم التي زعمتم أنها تنفعكم وتكشفُ ص -148- الضر عنكم. فإنهم لا يقدرون على ذلك لأنهم لا يملكون من الكون وزن أصغر نملة ملكاً مستقلاً، وليس لهم في الكون أدنى شركة مع الله، وليس منهم أحد يعين الله في تصريف الأمور، ولا يقدرون على التقدم بين يديه في الشفاعة لكم إلا إذا أذن لهم بذلك وهو، لا يأذن بالشفاعة لمشرك، فهم لا يملكون شيئاً استقلالاً ولا يشاركون في الملك ولا يعاونون المالك ولا يملكون الشفاعة عنده بغير إذنه. فبطُلت عبادتهم من دون الله. مناسبة الآيتين للباب: أن فيهما الرد على المشركين الذين يتقربون إلى الأولياء، يطلبون منهم الشفاعة ويدعونهم لجلب النفع ودفع الضر. ما يستفاد من الآيتين: 1- الرد على المشركين الذين يدعون مع الله آلهة من الملائكة وغيرهم، يزعمون أنهم يملكون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً. 2- مشروعية محاجة المشركين لإبطال الشرك ومناظرتهم في ذلك. 3- قطع الأسباب التي يتعلق بها المشركون، وذلك أن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له من النفع. والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلةٌ من أربع: الأولى: إما أن يكون مالكاً لما يريده منه عابده. الثانية: وإما أن يكون شريكاً للمالك. الثالثة: وإما أن يكون ظهيراً أو معيناً له. الرابعة: وإما أن يكون شفيعاً عنده. وقد نفى سبحانه وتعالى هذه الأسباب الأربعة في آلهة المشركين. فبطُلت عبادتها. ص -149- 4- إثبات الشفاعة التي تكون بإذن الله. 5- أن المشركين لا تنفعهم الشفاعة؛ لأن الله تعالى لا يأذن فيها لمشرك. ص -150- قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]. فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً- ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشَفّع"1". وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه""2". فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضّل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليُكرمه وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه. أبو العباس هو: شيخ الإسلام تقيّ الدين أحد بن عبد الحليم بن "1" أخرجه البخاري برقم "3340" ومسلم برقم "194". "2" أخرجه البخاري برقم "99". ص -151- عبد السلام ابن تيمية الإمام المشهور صاحب المصنفات المفيدة، كانت وفاته سنة 728هـ رحمه الله. قسط: القسط هو النصيب. الشفاعة التي يظنها المشركون أي: التي يطلبونها من غير الله من الأنداد. وأخبر النبي: أي في الحديث الثابت في الصحيحين. وغيرهما من حديث الشفاعة. وقال أبو هريرة: أي: في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة. أسعد الناس: أكثرهم سعادة بها. خالصاً من قلبه: احتراز من المنافق الذي يقولها بلسانه فقط. وحقيقته: أي: حقيقة الأمر في بيان الشفاعة الصحيحة لا كما يظنه المشركون. المقام المحمود: أي: الذي يحمده فيه الخلائق كلهم. مقصود المؤلف من سياق كلام شيخ الإسلام هنا.أن فيه شرحاً وتفسيراً لما في هذا الباب من الآيات، ففيه: 1- صفة الشفاعة المنفية، وصفة الشفاعة المثبتة. 2- ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود، وماذا يفعل النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى يؤذن له فيها. 3- أن أسعد الناس بالشفاعة أهل الإيمان. فائدة: له –صلى الله عليه وسلم- ستة أنواع من الشفاعة. الأول: الشفاعة التي يختص بها نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-، وهي ص -152- الشفاعة لأهل الموقف، ليفصل الله بينهم ويريحهم من مقامهم في الموقف. الثاني: شفاعته لأهل الجنة حتى يدخلوها. الثالث: الشفاعة لقوم من العصاة استوجبوا دخول النار أن لا يدخلوها. الرابع: الشفاعة في قوم من العصاة دخلوا النار أن يخرجوا منها. الخامس: الشفاعة في قوم من أهل الجنة لزيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم. السادس: شفاعته –صلى الله عليه وسلم- في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذاب النار. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 10-01-2015 الساعة 03:35PM |
#19
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -153-باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}. ص -154- الله، فهو الذي يوفق من شاء له، وهو أعلم بمن يستحقه ممن لا يستحقه.تمام الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن فيه الرد على عُبّاد القبور الذين يعتقدون في الأنبياء والصالحين النفع والضر. وذلك أنه إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد حرص على هداية عمّه في حياته فلم يتيسر له، ودعا له بعد موته فنُهي عن ذلك، وذكر سبحانه أن الرسول لا يقدر على هداية من أحبّ، فهذا يدل على أنه –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا نفعاً، فبطل التعلق به لجلب النفع ودفع الضر، وغيره من باب أولى. إنك: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. لا تهدي: هداية توفيقٍ للدخول في الإسلام. وأما هداية الدعوة والبيان فإن الرسول يملكها {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. من أحببت: هدايته. ولكن الله يهدي من يشاء: يوفِّق للدخول في الإسلام. وهو أعلم بالمهتدين: أي: أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية. المعنى الإجمالي للآية: يقول تعالى لرسوله –صلى الله عليه وسلم-: إنك لا تقدر على توفيق من تحب دخوله في الإسلام، ولكن ذلك إنما يكون بيد مناسبة الآية للباب: أن فيها دلالة واضحة على أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا عطاء ولا منعاً، وأن الأمر كله بيد الله، ففيها الرد على الذين ينادونه لتفريج الكربات وقضاء الحاجات. ما يستفاد من الآية: 1- الرد على الذين يعتقدون أن الأولياء ينفعون أو يضرون ويتصرفون بعد الموت على سبيل الكرامة. 2- أن هداية التوفيق بيد الله سبحانه. 3- إثبات العلم لله سبحانه. 4- إثبات الحكمة لله سبحانه. 5- إبطال التعلق بغير الله. ص -155- في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل. فقال له: "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم-، فأعادا. فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك" فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة: 113]. وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}"1" [القصص: 56]. أ – ترجمة ابن المسيب: هو سعيد بن المسيب أحد العلماء والفقهاء الكبار من التابعين مات بعد التسعين. في الصحيح: أي: صحيح البخاري. عن أبيه: المسيب صحابيّ توفي في خلافة عثمان. لما حضرت أبا طالب الوفاة: أي: علاماتها ومقدماتها. يا عم: "عمِّ" منادى مضاف حذفت منه الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها. "1" أخرجه البخاري برقم "1360" ومسلم برقم "24" وأحمد في المسند "5/168، 443". ص -156- كلمة: بالنصب على البدل من "لا إله إلا الله". أحاج: بتشديد الجيم مفتوحة على الجزم بجواب الأمر –من المحاجة وهي بيان الحجة- أي أشهد لك بها عند الله. أترغب؟ أتترك؟ ملة عبد المطلب: هي الشرك وعبادة الأصنام، ذكّره بحجة المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]. فأعاد عليه النبي: أي: أعاد عليه مقالته وهي قولُه: يا عم قل لا إله إلا الله. وأعادا عليه: أي: أعاد عليه أبو جهل وعبد الله مقالتهما وهي: "أترغب عن ملة عبد المطلب"؟ هو على ملة عبد المطلب: استبدل الراوي بضمير المتكلم ضمير الغائب استقباحاً للفظ المذكور. وأبى أن يقول: لا إله إلا الله: هذا تأكيدٌ لما قبله. ما كان للنبي: أي: ما ينبغي، وهو خبرٌ بمعنى النهي. المعنى الإجمالي للحديث: كان أبو طالب يحمي النبي –صلى الله عليه وسلم- من أذى قومه، وفعل من حمايته ما لم يفعله غيرُه من الناس، فكان –صلى الله عليه وسلم- حريصاً على هدايته، ومن ذلك أنه عاده لما مرض فجاءه وهو في سياق الموت وعرض عليه الإسلام؛ ليكون خاتمة حياته ليحصل له بذلك الفوز والسعادة، وطلب منه أن يقول كلمة التوحيد. وعرض عليه المشركون أن يبقى على دين آبائه الذي هو الشرك؛ لعلمهم بما تدل عليه هذه الكلمة من نفي الشرك وإخلاص العبادة لله وحده. وأعاد النبي –صلى الله عليه وسلم- طلب التلفظ بالشهادة من عمه. وأعاد المشركون المعارضة وصاروا ص -157- سبباً لصده عن الحق وموته على الشرك. وعند ذلك حلف النبي –صلى الله عليه وسلم- ليطلُبن له من الله المغفرة ما لم يمنع من ذلك. فأنزل الله المنع من ذلك وبيّن له أن الهداية بيد الله يتفضل بها على من يشاء؛ لأنه يعلم من يصلح لها ممن لا يصلح. مناسبة الحديث للباب: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك نفعاً لمن هو أقرب الناس إليه، مما يدل على بطلان التعلق عليه –صلى الله عليه وسلم- لجلب النفع أو دفع الضر، وغيره من باب أولى. ما يستفاد من الحديث: 1- جواز عيادة المريض المشرك إذا رُجي إسلامه. 2- مضرة أصحاب السوء وقرناء الشر على الإنسان. 3- أن معنى لا إله إلا الله ترك عبادة الأصنام والأولياء والصالحين وإفراد الله بالعبادة. وأن المشركين يعرفون معناها. 4- أن من قال لا إله إلا الله عن علمٍ ويقين واعتقادٍ دخل في الإسلام. 5- أن الأعمال بالخواتيم. 6- تحريم الاستغفار للمشركين وتحريم موالاتهم، ومحبتهم. 7- بطلان التعلق على النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيره لجلب النفع أو دفع الضرر. 8- الرد على من زعم إسلام أبي طالب. 9- مضرة تقليد الآباء والأكابر بحيث يُجعل قولهم حجة يرجع إليها عند التنازع. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 10-01-2015 الساعة 03:36PM |
#20
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -158- باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين وقول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله لما بين بعض ما يفعله عبّاد القبور مع الأموات من الشرك المضاد للتوحيد أراد في هذا الباب أن يبين السبب في ذلك ليحذر ويجتنب وهو الغلو في الصالحين. ما جاء: أي: من الأدلة. تركهم: بالجر عطفاً على المضاف إليه "كفر". الغلو: هو: مجاوزة الحد والإفراط في التعظيم بالقول والاعتقاد وتعدي ما أمر الله تعالى به. في الصالحين: من الأنبياء والأولياء وغيرهم. أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى. لا تغلوا في دينكم: لا تتعدوا ما حدد الله لكم، فغلا النصارى في المسيح وغلا اليهود في عزيز. المعنى الإجمالي للآية: ينهى الله اليهود والنصارى عن تعدّي ما حدد الله لهم بأن لا يرفعوا المخلوق فوق منزلته التي أنزله الله وينزلوه ص -159- المنزلة التي لا تنبغي إلا لله. مناسبة الآية للباب: أن فيها النهي عن الغلو مطلقاً، فيشمل الغلو في الصالحين، والخطاب وإن كان لأهل الكتاب فإنه عام يتناول جميع الأمة تحذيراً لهم أن يفعلوا في نبيهم وصالحيهم فعل النصارى في المسيح واليهود في عزيز. ما يستفاد من الآية: 1- تحريم الغلو في الأشخاص والأعمال وغير ذلك. 2- الرد على اليهود والنصارى ومن شابههم في غلوهم في الأشخاص والأعمال وغير ذلك. 3- الحث على لزوم الاعتدال في الدين وجميع الأمور بين جانبي الأفراط والتفريط. 4- التحذير من الشرك وأسبابه ووسائله. ص -160- وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]. قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت""1". وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. ترجمة ابن القيم: هو الإمام العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، مات سنة 751هـ رحمه الله. وله مؤلفات مفيدة مشهورة. لا تذرن آلهتكم: لا تتركوا عبادتها. ولا تذرون وداً... إلخ: أي: ولا تتركوا هؤلاء خصوصاً. فلما هلكوا: أي: مات أولئك الصالحون وحزن عليهم قومهم حزناً شديداً. "1" أخرجه البخاري برقم "4920". ص -161- أوحى الشيطان إلى قومهم: أي: وسوس وألقى إليهم. انصبوا: بكسر الصاد. أنصاباً: أي: أصناماً مصورة على صورهم. حتى إذا هلك أولئك: أي: الذين نصبوها ليتذكروا برؤيتها أفعال أصحابها فينشطوا على العبادة. ونُسي العلم: أي: زالت المعرفة وغلب الجهال الذين لا يميزون بين الشرك والتوحيد. عُبدت: أي: تلك الأصنام لما قال لهم الشيطان: إن آباءكم كانوا يعبدونها. ج- المعنى الإجمالي للأثر: يفسر ابن عباس –رضي الله عنهما- هذه الآية الكريمة بأن هذه الآلهة التي ذكر الله أن قوم نوح تواصوا بالاستمرار على عبادتها بعدما نهاهم نبيهم نوح –عليه السلام- عن الشرك بالله –أنها في الأصل أسماء رجال صالحين منهم، غلوا فيهم بتسويل الشيطان لهم حتى نصبوا صورهم، فآل الأمر بهذه الصور إلى أن صارت أصناماً تعبد من دون الله. وما ذكره ابن القيم هو بمعنى ما ذكره البخاري إلا أنه ذكر أن عكوفهم على قبورهم كان قبل تصويرهم، فهو يضيف إلى ما سبق أن العكوف على القبور سببٌ لعبادتها أيضاً. مناسبة الأثر للباب: أنه يدل على أن الغلو في الصالحين سببٌ لعبادتهم من دون الله. ما يستفاد من الأثر: 1- أن الغلو في الصالحين سببٌ لعبادتهم من دون الله وترك الدين ص -162- بالكلية. 2- التحذير من التصوير وتعليق الصور، لا سيما صور العظماء. 3- التحذير من مكر الشيطان وعرضه الباطل في صورة الحق. 4- التحذير من البدع والمحدثات ولو حسُن قصد فاعلها. 5- أن هذه وسائل إلى الشرك فيجب الحذر منها. 6- معرفة قدر وجود العلم ومضرة فقده. 7- أن سبب فقد العلم هو موت العلماء. 8- التحذير من التقليد، وأنه قد يؤول بأهله إلى المروق من الإسلام. ص -163- وعن عمر –رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجاه"1". ترجمة عمر رضي الله عنه: هو عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي أمير المؤمنين وأفضل الصحابة بعد الصديق استشهد في ذي الحجة سنة 23هـ. لا تطروني: الإطراء؛ مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه. كما أطرت النصارى ابن مريم: أي: كما غلت النصارى في عيسى –عليه السلام- حتى ادَّعوا فيه الألوهية. فقولوا عبد الله ورسوله: أي: صفوني بذلك كما وصفني به ربي. معنى الحديث إجمالاً: يقول –صلى الله عليه وسلم-: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألوهية. إني لا أعدو أن أكون عبداً لله ورسولاً منه فصفوني بذلك ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله. مناسبة الحديث للباب: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الغلو في حقه بإعطائه شيئاً من خصائص الربوبية، مما يدل على تحريم الغلو، وأنه يفضي إلى الشرك كما أفضى بالنصارى في حق عيسى. "1" أخرجه البخاري برقم "3445". والحديث ليس موجوداً في صحيح مسلم كما قال المصنف رحمه الله. والحديث أخرجه أحمد "1/23، 24، 47، 55". ص -164- ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم مجاوزة الحد في مدح النبي –صلى الله عليه وسلم- وإخراجه من دائرة العبودية، لأن ذلك هو الشرك بالله. 2- شدة نصحه –صلى الله عليه وسلم- لأمته. 3- أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك. 4- التحذير من التشبه بالكفار. ص -165- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو""1". راوي الحديث: هذا الحديث ذكره المصنف رحمه الله دون ذكر روايه. وقد رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس. إياكم: كلمة تحذير. والغلو: منصوب على التحذير بفعل مقدر، وهو مجاوزة الحد. من كان قبلكم: من الأمم. معنى الحديث إجمالاً: يحذر النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته من الزيادة في الدين على الحد المشروع، وهو عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، ومن ذلك الغلو في تعظيم الصالحين مما يكون سبباً في هلاك الأمم السابقة؛ وذلك يقتضي مجانبة هديهم في هذا إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به؛ لأن المشارك لهم في بعض هديهم يُخاف عليه من الهلاك مثلهم. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن الغلو مطلقاً، وبيان أنه سببٌ للهلاك في الدنيا والآخرة، فيدخل فيه النهي عن الغلو في "1" أخرجه أحمد في المسند "1/215، 347"، وابن ماجه برقم "3029"، وابن خزيمة برقم "2867"، والحاكم "1/466"، وصححه ووافقه الذهبي. ص -166- الصالحين من باب أولى؛ لأنه سبب للشرك. ما يستفاد من الحديث: 1- النهي عن الغلو وبيان سوء عاقبته. 2- الاعتبار بمن سبقنا من الأمم لتجنب ما وقعوا فيه من الأخطاء. 3- حرصه –صلى الله عليه وسلم- على نجاة أمته من الشرك ووسائله وابتعادهم عنه. 4- الحث على الاعتدال في العبادة وغيرها بين جانبيّ الإفراط والتفريط. 5- أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك. 6- شدة خوفه –صلى الله عليه وسلم- من الشرك والتحذير عنه. ص -167- ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثاً"1". المتنطعون: المتعمقون في الشيء من كلامٍ وعبادةٍ وغيرها. ثلاثاً: أي: قال هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في الإبلاغ والتعليم. المعنى الإجمالي للحديث: يوضح النبي –صلى الله عليه وسلم- أن التعمق في الأشياء والغلو فيها يكون سبباً للهلاك، ومراده –صلى الله عليه وسلم- النهي عن ذلك. مناسبة الحديث للباب: أن التنطع من الغلو المنهي عنه، ويدخل في ذلك التنطع في تعظيم الصالحين إلى الحد الذي يفضي إلى الشرك. ما يستفاد من الحديث: 1- الحث على اجتناب التنطع في كل شيء؛ لا سيما في العبادات وتقدير الصالحين. 2- الحث على الاعتدال في كل شيء. 3- شدة حرصه على نجاة أمته، واجتهاده في الإبلاغ –صلى الله عليه وسلم-. "1" أخرجه مسلم برقم "2670"، وأبو داود برقم "4608" وأحمد "1/386". المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 10-01-2015 الساعة 03:37PM |
#21
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -168- باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده في الصحيح عن عائشة: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله""1". فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور، وفتنة التماثيل. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: هي بيان أن عبادة الله عند القبر وسيلةٌ إلى الشرك المنافي للتوحيد. ترجمة أم سلمة: هي أم المؤمنين هند بنت أمية المخزومية القرشية ماتت سنة 62هـ رضي الله عنها. ذكرتْ للنبي –صلى الله عليه وسلم-: أي: في مرض موته. كنيسة: بفتح الكاف وكسر النون: معبد النصارى. "1" أخرجه البخاري برقم "427" ومسلم برقم "528" وأحمد "6/51". ص -169- أولئك؛ بفتح الكاف وكسرها. الرجل الصالح أو العبد الصالح: هذا –والله أعلم- شكٌّ من الراوي. تلك الصور: أي: التي ذكرتْ أم سلمة. فهؤلاء... إلخ: هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ذكره المصنف كالتوضيح لمعنى الحديث. المعنى الإجمالي للحديث: أن أمّ سلمة وصفت عند النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو في مرض الموت –ما شاهدته في معبد النصارى من صور الآدميّين. فبين –صلى الله عليه وسلم- السبب الذي من أجله اتخذوا هذه الصور؛ وهو الغلو في تعظيم الصالحين؛ مما أدى بهم إلى بناء المساجد على قبورهم ونصب صورهم فيها، ثم بيّن حكم من فعل ذلك بأنهم شرار الناس؛ لأنهم جمعوا بين محذورين في هذا الصنيع هما: فتنة القبور باتخاذها مساجد، وفتنة تعظيم التماثيل مما يؤدي إلى الشرك. مناسبة الحديث للباب: أن فيه الدلالة الواضحة على المنع من عبادة الله عند قبور الصالحين واتخاذها مساجد؛ لأن ذلك من فعل النصارى ومن فَعَله فهو من شرار الخلق. ما يستفاد من الحديث: 1- المنع من عبادة الله عند قبور الصالحين؛ لأنه وسيلة إلى الشرك وهو من فعل النصارى. 2- التحدث عما يفعله الكفار –ليحذره المسلمون. 3- التحذير من التصوير ونصب الصور؛ لأن ذلك وسيلةٌ إلى الشرك. 4- أن من بنى مسجداً عند قبر رجل صالح فهو من شرار الخلق وإن حسنت نيته. ص -170- ولهما عنها قالت: "لما نُزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً"1". أخرجاه. ولهما: أي: البخاري ومسلم، وهو يغني عن قوله في آخره: أخرجاه، فلعله سبق قلم. عنها: أي: عائشة –رضي الله عنها-. لما نُزل: بضم النون وكسر الزاي أي: نزل به ملك الموت. طفق: بكسر الفاء وفتحها أي: جعل. خميصة: كساءٌ له أعلام أي: خطوط. اغتم بها: أي: غمّته فاحتبس نفسُه عن الخروج. كشفها: أي: أزالها عن وجهه الشريف. فقال وهو كذلك: أي: في هذه الحالة الحرجة يقاسي شدة النزع. يحذّر ما صنعوا: أي: لعنهم تحذيراً لأمته أن تصنع ما صنعوا. ولولا ذلك: أي: لولا تحذير النبي –صلى الله عليه وسلم- مما صنعوا ولعنُه من فعَله. لأُبرز قبرُه: أي: لدُفن خارج بيته. خَشي: يُروى بفتح الخاء بالبناء للفاعل فيكون المعنى: أنّ "1" أخرجه البخاري برقم "435" ومسلم برقم "531". ص -171- الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمرهم بعدم إبراز قبره. ويُروى بضم الخاء بالبناء للمفعول فيكون المعنى: أن الصحابة هم الذين خشوا ذلك فلم يُبرزوا قبره. المعنى الإجمالي للحديث: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- حرصاً منه على حماية التوحيد وتجنيب الأمة ما وقعت فيه الأمم الضالة من الغلو في قبور أنبيائهم حتى آل ذلك بهم إلى الشرك جعل –صلى الله عليه وسلم- وهو في سياق الموت ومقاساة شدة النزع- يحذر أمته أن لا يغلو في قبره فيتخذوه مسجداً يصلون عنده؛ كما فعلت اليهود والنصارى ذلك مع قبور أنبيائهم، فصلى الله عليه لقد بلّغ البلاغ المبين. مناسبة الحديث للباب: أن فيه المنع من عبادة الله عند قبور الأنبياء واتخاذها مساجد؛ لأنه يُفضي إلى الشرك بالله. ما يستفاد من الحديث: 1- المنع من اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يُصلى فيها لله، لأن ذلك وسيلة إلى الشرك. 2- شدة اهتمام الرسول –صلى الله عليه وسلم- واعتنائه بالتوحيد وخوفِه أن يعظّم قبره، لأن ذلك يفضي إلى الشرك. 3- جواز لعن اليهود والنصارى ومن فعل مثل فعلهم من البناء على القبور واتخاذها مساجد. 4- بيان الحكمة من دفن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته، وأن ذلك لمنع الافتتان به. 5- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بشرٌ يَجري عليه ما يجري على البشر من الموت وشدة النزع. ص -172- ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمسٍ وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً. ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك""1". التراجم: 1- جندب هو: جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي صحابيٌّ مشهور، مات بعد الستين –رضي الله عنه-. 2- أبا بكر هو؛ أبو بكرٍ الصديق: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التيمي خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأفضل الصحابة بالإجماع، مات سنة 13 وله 63 سنة رضي الله عنه. بخمس: أي: خمس ليال. وقيل: خمس سنين. إني أبرأ: أي: أمتنع وأنكر. خليلاً؛ الخليل هو: المحبوب غاية الحب. ألا: حرف استفتاح وتنبيه. من كان قبلكم: يعني: اليهود والنصارى. يتخذون قبور أنبيائهم مساجد: بالصلاة عندها وإليها، وبناءِ "1" أخرجه مسلم برقم "532". ص -173- المساجد والقباب عليها. المعنى الإجمالي للحديث: يتحدث –صلى الله عليه وسلم- قبيل وفاته إلى أمته بحديث مهمّ، فيخبر عن مكانته عند الله، وأنها بلغت أعلى درجات المحبة؛ كما نالها إبراهيم عليه السلام، ولذلك نفى أن يكون له خليلٌ غير الله؛ لأن قلبه امتلأ من محبته وتعظيمه ومعرفته؛ فلا يتسع لأحد. ولو كان له خليلٌ من الخلق لكان أبا بكر الصديق، وهو إشارةٌ إلى فضل أبي بكر واستخلافه من بعده. ثم أخبر عن غلو اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم حتى صيّروها متعبدات شركية، ونهى أمته أن يفعلوا مثل فعلهم. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن اتخاذ القبور أمكنة للعبادة؛ لأنه وسيلة إلى الشرك. كما تفعل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل البدع. ما يستفاد من الحديث: 1- النهي عن اتخاذ القبور أمكنة للعبادة يُصلى عندها أو إليها ويُبنى عليها مساجد أو قبابٌ، حذراً من الوقوع في الشرك بسبب ذلك. 2- سد الذرائع المفضية إلى الشرك. 3- إثبات المحبة لله سبحانه على ما يليق بجلاله. 4- فضل الخليلين: محمد وإبراهيم عليهما السلام. 5- فضل أبي بكر الصديق، وأنه أفضل الأمة على الإطلاق. 6- أنه دليل على خلافة أبي بكر الصديق. ص -174- فقد نهى عنه وهو في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق مَن فَعَلَه. والصلاة عندها من ذلك وإن لم يُبْنَ مسجد. وهو معنى قولِها: خشي أن يتخذ مسجداً. فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً. وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً، كما قال - صلى الله عليه وسلم-: "جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً""1". هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يوضح به ما تدل عليه الأحاديث السابقة في الباب. توضيح كلام ابن تيمية: فقوله: "فقد نهى عنه في آخر حياته": كما في حديث جندب. وقوله: "ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله": كما في حديث عائشة. وقوله: "والصلاة عندها من ذلك" أي: من اتخاذها مساجد. وقوله: "وإن لم يُبن مسجدٌ" أي: الصلاة عند القبور من اتخاذها مساجد الملعون من فعله ولو بدون بناء مساجد. وقوله: "وهو معنى قولِها: خَشي أن يُتخذ مسجداً" أي: معنى قول عائشة في تعليل دفن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته وعدم إبراز قبره. وقوله: "فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً" أي: "1" أخرجه البخاري برقم "335" ومسلم برقم "521". ص -175- لما علموا من تشديده –صلى الله عليه وسلم- في ذلك وتغليظه ولعنِ من فعله فيكون المقصود النهي عن الصلاة عندها. وقوله: "وكل موضع قُصدت الصلاة فيه فقد اتُخذ مسجداً"؛ لكونه أُعد للصلاة وإن لم يُبن. وقوله: "بل كل موضع يُصلى فيه يسمى مسجداً" أي: وإن لم يقصد بذلك بخصوصه، بل أوقعت فيه الصلاة عرضاً لما حان وقتها فيه. وقوله: كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" أراد به الاستدلال للجملة التي قبله، حيث سمى –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الأرض مسجداً، تجوز الصلاة في كل بقعة منها إلا ما استثناه الدليل. ص -176- ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود –رضي الله عنه- مرفوعاً: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد""1" ورواه أبو حاتم في صحيحه. شرار الناس: بكسر الشين جمع شرّ، أفعل تفضيل. من تدركهم الساعة: أي: مقدماتها: كخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها. يتخذون القبور مساجد: أي: بالصلاة عندها وإليها. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- عمن تقوم الساعة عليهم وهم أحياءٌ أنهم شرار الناس، ومنهم الذين يصلون عند القبور وإليها ويبنون عليها القباب، وهذا تحذيرٌ لأمته أن تفعل مع قبور نبيهم وصالحيهم مثل فعل هؤلاء الأشرار. مناسبة الحديث للباب: أن فيه التحذير من اتخاذ القبور مساجد، يُصلى في ساحتها ويُتبرك بها؛ لأنه ذريعةٌ إلى الشرك. ما يستفاد من الحديث: 1- التحذير عن الصلاة عند القبور، لأنه وسيلةٌ إلى الشرك. 2- أن من اتخذ قبور الصالحين مساجد للصلاة فيها فهو من شرار الخلق، وإن كان قصده التقرب إلى الله. 3- أن الساعة تقوم على شرار الناس. "1" أخرجه أحمد في مسنده "1/435"، وصححه ابن حبان في صحيحه برقم "340". ص -177- 4- التحذير عن الشرك ووسائله وما يقرب إليه، مهما كان قصد صاحب تلك الوسائل. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#22
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -178- باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله روى مالك في الموطأ: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد. اشتد غضبُ الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد""1". مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله لما حذر في الباب الذي قبله من الغلو في الصالحين أراد أن يبين في هذا الباب أن الغلو في القبور وسيلةٌ إلى الشرك المضاد للتوحيد وذلك بعبادة الأموات. كما أراد أيضاً التحذير من الغلو في القبور. ترجمة الإمام مالك: هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي –إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة توفي سنة 179 هـ رحمه الله تعالى. اللهم: منادى مبنيٌ على الضم في محل نصب، والميم المشددة زائدة. وثناً: هو المعبود الذي لا صورة له: كالقبور والأشجار والعُمد والحيطان والأحجار ونحوِها. "1" أخرجه مالك في موطئه برقم "85" وأحمد في مسنده "2/246". ص -179- المعنى الإجمالي للحديث: خاف –صلى الله عليه وسلم- أن يقع في أمته مع قبره ما وقع من اليهود والنصارى مع قبور أنبيائهم من الغلو فيها حتى صارت أوثاناً، فرغِب إلى ربه أن لا يجعل قبره كذلك. ثم نبّه –صلى الله عليه وسلم- على سبب لحوق شدة الغضب واللعنة باليهود والنصارى. أنه ما فعلوا في حق قبور الأنبياء حتى صيّروها أوثاناً تعبد، فوقعوا في الشرك العظيم المضاد للتوحيد. مناسبة الحديث للباب: أن الغلو في القبور يجعلها أوثاناً تُعبد؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد" وبيّن ذلك بقوله: "اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". ما يستفاد من الحديث: 1- أن الغلو في قبور الأنبياء يجعلُها أوثاناً تُعبد. 2- أن من الغلو في القبور اتخاذها مساجد، وهذا يؤدّي إلى الشرك. 3- إثبات اتصاف الله سبحانه بالغضب على ما يليق بجلاله. ص -180- ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19]. قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره. وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج. التراجم: 1- ابن جرير هو: الإمام الحافظ محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير مات سنة 310 هـ رحمه الله. 2- سفيان: الأظهر أنه سفيان بن سعيد الثوري إمامٌ حجة عابد، مات سنة 161هـ. رحمه الله. 3- منصور هو: ابن المعتمر ثقةٌ فقيهٌ مات سنة 132هـ. رحمه الله. 4- مجاهد هو: ابن جبر ثقة إمام في التفسير، أخذ عن ابن عباس وغيره مات سنة 104هـ. رحمه الله. 5- أبو الجوزاء هو؛ أوس بن عبد الله الرّبعي ثقةٌ مشهورٌ مات سنة 83هـ. رحمه الله. يلت السويق: أي يخلطه بسمن ونحوه. عكفوا على قبره: أقبلوا وواظبوا واحتبسوا عليه. مناسبة الأثر للباب: أن سبب عبادة اللات هو الغلو في قبره حتى صار وثناً يُعبد. ص -181- وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج""1" رواه أهل السنن. أهل السنن: أي: أبو داود والترمذي وابن ماجه. ولم يروِه النسائي. زائرات القبور: أي: من النساء. والسُّرج: أي: الذين يوقِدون السرج على المقابر ويضيؤونها. معنى الحديث إجمالاً: يدعو –صلى الله عليه وسلم- باللعنة وهي الطرد والإبعاد عن رحمة الله للنساء اللاتي يزُرن القبور؛ لأن زيارتهن يترتب عليها مفاسد منا النياحة والجزع وافتتان الرجال بهن. ولَعن الذين يتخذون المقابر مواطن عبادة أو يضيؤونها بالسّرج والقناديل؛ لأن هذا غلوٌ فيها ومدعاة للشرك بأصحابها. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على تحريم الغلو في القبور؛ لأن ذلك يصيّرها أوثاناً تُعبد. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الغلوّ في القبور باتخاذها مواطن للعبادة؛ لأنه يفضي إلى الشرك. "1" أخرجه أبو داود برقم "3236" والترمذي برقم "320" وابن ماجه برقم "1575"، وأحمد في مسنده "1/229، 287، 324، 337". ص -182- 2- تحريم تنوير المقابر؛ لأن ذلك وسيلةٌ لعبادتها. 3- أن الغلو في القبور من الكبائر. 4- أن علة النهي عن الصلاة عند القبور هي: خوف الشرك، لا لأجل النجاسة؛ لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قرن بين اتخاذها مساجد وإسراجها ولعن على الأمرين. وليس اللعن على إسراجها من أجل النجاسة، بفكذا الصلاة عندها. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#23
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -183- باب ما جاء في حماية المصطفى –صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد وسده كل طريق يوصّل إلى الشرك وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} الآية. تمام الآية: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله لما بين في الأبواب السابقة شيئاً من حمايته –صلى الله عليه وسلم- لجناب التوحيد، أراد أن يبين في هذا الباب حمايته الخاصة. المصطفى: هو المختار. جناب: أي: جانب. جاءكم: يا معشر العرب. من أنفسكم: من جنسكم وبلغتكم. عزيز عليه: أي: شديد عليه جداً –وهو خبرٌ مقدم. ما عنتم: ما يشق عليكم ويلحق الأذى بكم من كفر وضلال وقتل وأسر و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأٌ مؤخر. حريص عليكم: أي: شديد الحرص والرغبة في هدايتكم وحصول النفع العاجل والآجل لكم. ص -184- بالمؤمنين: أي: لا بغيرهم. رءوف: بليغ الشفقة. رحيم: بليغ الرحمة. المعنى الإجمالي للآية: يخبر تعالى عباده على سبيل الامتنان أنه بعث فيهم رسولاً عظيماً من جنسهم وبلغتهم، يشق عليه جداً ما يشق عليهم، ويؤذيه ما يؤذيهم، شديد الحرص على هدايتهم وحصول النفع لهم، شديد الشفقة والرحمة بالمؤمنين خاصة منهم. مناسبة الآية للباب: أن هذه الأوصاف المذكورة فيها في حق النبي –صلى الله عليه وسلم- تقتضي أنه أنذر أمته وحذّرهم عن الشرك الذي هو أعظم الذنوب؛ لأن هذا هو المقصود الأعظم في رسالته. ما يستفاد من الآية: 1- أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد حذّر أمته من الشرك وباعدها منه وسد كل طريق يفضي بها إليه. 2- التنبيه على نعمة الله على عباده بإرسال هذا الرسول الكريم إليهم وكونه منهم. 3- مدح نسب الرسول –صلى الله عليه وسلم- فهو من صميم العرب وأشرفهم بيتاً ونسباً. 4- بيان رأفته ورحمته بالمؤمنين. 5- فيها دليلٌ على غلظته وشدته على الكفار والمنافقين. ص -185- وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم""1" رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات. لا تجعلوا بيوتكم قبوراً: لا تعطّلوها من صلاة النافلة والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور. ولا تجعلوا قبري عيداً: العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان. أي: لا تتخذوا قبري محل اجتماعٍ تترددون إليه وتعتادونه للصلاة والدعاء وغير ذلك. فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم: أي ما ينالني منكم من الصلاة يحصل مع قربكم وبعدكم من قبري فلا حاجة بكم إلى المجيء إليه والتردد عليه. المعنى الإجمالي للحديث: نهى –صلى الله عليه وسلم- عن تعطيل البيوت من صلاة النافلة فيها والدعاء وقراءة القرآن فتكون بمنزلة القبور؛ لأن النهي عن الصلاة عند القبور قد تقرر عندهم فنهاهم أن يجعلوا بيوتهم كذلك، ونهى عن تكرار زيارة قبره والاجتماع عنده على وجهٍ معتاد لأجل الدعاء والتقرب؛ لأن ذلك وسيلةٌ إلى الشرك، وأمر بالاكتفاء عن ذلك بكثرة الصلاة والسلام عليه في أي مكان من الأرض؛ لأن ذلك يبلغه من القريب والبعيد على حدّ سواء، فلا حاجة إلى انتياب قبره. مناسبة الحديث للباب: أن فيه حسماً لمادة الشرك، وسداً للطرق "1" أخرجه أبو داود برقم "3042" وأحمد في مسنده "2/367". ص -186- الموصلة إليه؛ حيث أفاد أن القبور لا يصلَّى عندها، ونهى عن الاجتماع عند قبره واعتياد المجيء إليه؛ لأن ذلك مما يوصل إلى الشرك. ما يستفاد من الحديث: 1- سد الطرق المفضية إلى الشرك من الصلاة عند القبور والغلو في قبره –صلى الله عليه وسلم- بأن يجعل محل اجتماع وارتياد ترتب له زيارات مخصوصة. 2- مشروعية الصلاة والسلام عليه في جميع أنحاء الأرض. 3- أنه لا مزية للقرب من قبره –صلى الله عليه وسلم-. 4- المنع من السفر لزيارة قبره –صلى الله عليه وسلم-. 5- حمايته –صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد. ص -187- وعن علي بن الحسين: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرجة كانت عند قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً فإن تسليمكم يبلغني أينما –أو حيث- كنتم" رواه في المختارة. ترجمة علي بن الحسين: هو: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين أفضل التابعين مات سنة 93هـ. فرجة: أي: فتحة في الجدار. المختارة: اسم كتابٍ يشتمل على الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين لمؤلفه ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي –رحمه الله-. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن قصد قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- لأجل الدعاء عنده، فغيرُه من القبور من باب أولى؛ لأن ذلك نوعٌ من اتخاذه عيداً، وهو وسيلةٌ إلى الشرك. ما يستفاد من الحديث: 1- النهي عن الدعاء عند قبر النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ حمايةً لحمى التوحيد. 2- مشروعية إنكار المنكر وتعليم الجاهل. 3- المنع من السفر لزيارة قبر الرسول –صلى الله عليه وسلم-؛ حمايةً للتوحيد. 4- أن الغرض الشرعي من زيارة قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- هو السلام عليه فقط؛ وذلك يبلغه من القريب والبعيد. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#24
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -188- باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف لما ذكر التوحيد وما ينافيه أو يُنقِصه من الشرك، ذكر هذا الباب أن هذا الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة، قصد بذلك الردّ على عُبّاد القبور الذين يفعلون الشرك ويقولون: لا يقع في هذه الأمة المحمدية شركٌ، وهم يقولون: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله. الأوثان: جمع وثن، وهو ما قُصد بنوع من أنواع العبادة من القبور والمشاهد وغيرها. ألم تر: ألم تنظر. الذين أوتوا: أُعطوا وهم اليهود والنصارى. نصيباً: حظاً. يؤمنون: يصدقون. بالجبت: وهو كلمةٌ تقع على الصنم والكاهن والساحر. والطاغوت: من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فكل من تجاوز الحد المقدار والحد فهو طاغوت، والمراد به هنا الشيطان. ص -189- المعنى الإجمالي للآية: يقول الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم- على وجه التعجب والاستنكار! ألم تنظر إلى هؤلاء اليهود والنصارى الذين أُعطوا حظاً من كتاب الله الذي فيه بيان الحق من الباطل، ومع هذا يصدقون بالباطل من عبادة الأصنام والكهانة والسحر، ويطيعون الشيطان في ذلك. مناسبة الآية للباب: أنه إذا كان الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، فهذه الأمة التي أوتيت القرآن لا ينكرولا يستبعد أن تعبد الجبت والطاغوت؛ لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه سيكون في هذه الأمة من يفعل مثل فعل اليهود والنصارى موافقةً لهم ولو كان يبغضها ويعرف بُطلانها. ما يستفاد من الآية: 1- أنه سيكون في هذه الأمة من يعبد الأوثان كما حدث لليهود والنصارى. 2- أن الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع معناه موافقةُ أصحابها ولو كان يبغضها ويعرف بُطلانها. 3- أن الكفر بالجبت والطاغوت واجبٌ في جميع الكتب السماوية. 4- وجوب العمل بالعلم، وأن من لم يعمل بعلمه ففيه شبهٌ من اليهود والنصارى. ص -190- وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60]. قل: الخطاب لمحمد –صلى الله عليه وسلم-. هل أنبئكم: أخبركم. بشرّ من ذلك: الذي ذكرتم في حقّنا من الذم زوراً وبهتاناً من قولكم في حقنا: "ما رأينا شراً منكم". مثوبة عند الله: أي: جزاءً عنده يوم القيامة نُصب على التمييز، وهذا يصدق عليكم أنتم أيها المتصفون بهذه الصفات لا نحن. من لعنه الله: طرده وأبعده من رحمته. وغضب عليه: غضباً لا يرضى بعده. وجعل منهم القردة: وهم: أصحاب السبت من اليهود. والخنازير: وهم كفار مائدة عيسى من النصارى. وقيل كِلا المَسخين في أصحاب السبت من اليهود. فالشباب مُسخوا قردةً والشيوخ مُسخوا خنازير. وعبدَ الطاغوتَ: أي: وجعل منهم من عبد الشيطان أيْ: أطاعه فيما سوّل له. المعنى الإجمالي للآية: يقول تعالى لنبيه: قل لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هُزُواً ولعباً من أهل الكتاب: هل أخبركم بمن ينال شر الجزاء يوم القيامة عند الله؛ إنه من اتصف بهذه الصفات التي هي الإبعاد ص -191- عن رحمة الله، ونيل غضبه الدائم، ومن مُسخت صورته ظاهراً بتحويله إلى قردٍ أو خنزير، وباطناً بطاعة الشيطان وإعراضه عن وحي الرحمن. وهذه الصفات إنما تنطبق عليكم يا أهل الكتاب ومن تشبه بكم لا علينا. مناسبة الآية للباب: أنه إذا كان في أهل الكتاب من عبَد الطاغوت من دون الله، فكذلك يكون في هذه الأمة من يفعل ذلك. ما يستفاد من الآية: 1- وقوع الشرك في هذه الأمة، كما كان في اليهود والنصارى من عبد الطاغوت. 2- محاجة أهل الباطل وبيان ما فيهم من العيوب إذا نبزوا أهل الحق بما ليس فيهم. 3- أن الجزاء إنما يكون على الأعمال، ويكون من جنس العمل. 4- وصف الله بأنه يغضب ويلعن العصاة. 5- أن طاعة الشيطان هي منشأ الشرك بالله. ص -192- وقوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} [الكهف: 21]. الذين غلبوا على أمرهم: أي على أمر أصحاب الكهف وهم أصحاب الكلمة والنفوذ. لنتخذن عليهم: حولهم. مسجداً: يُصلى فيه ويقصدهم الناس ويتبركون بهم. المعنى الإجمالي للآية: يخبر تعالى عن الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف على وجه الذم لهم أنهم قالوا لنتخذن حولهم مصلى يقصِده الناس ويتبركون بهم. مناسبة الآية للباب: أن فيها دليلاً على أنه سيكون في هذه الأمة من يتخذ المساجد على القبور، كما كان يفعله من كان قبلهم. ما يستفاد من الآية: 1- تحريم اتخاذ المساجد على القبور والتحذير من ذلك؛ لأنه يؤدي إلى الشرك. 2- أنه سيكون في هذه الأمة من يتخذ المساجد على القبور كما فعله من كان قبلهم. 3- التحذير من الغلو في الصالحين. 4- أن اتخاذ المساجد على القبور من الغلو في الصالحين. ص -193- عن أبي سعيد –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القُذّة بالقُذَّة حتى لو دخلوا جُحر ضبّ لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن""1" أخرجاه. سَنَنَ: بفتح السين أي: طريق. من كان قبلكم: أي الذين قبلكم من الأمم. حذو: منصوبٌ على المصدر أي: تحذون حذوهم. القُذّة: بضم القاف: واحدة القُذَذ وهي ريش السهم. وله قذّتان متساويتان. حتى لو دخلوا جُحر ضب: أي: لو تُصوِّر دخولهم فيه مع ضيقه. لدخلتموه: لشدة سلوككم طريق من قبلكم. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى: أي: أهم اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم، أو تعني اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ استفهامٌ إنكاريٌّ أي: فمن هم غير أولئك. أخرجاه: أي: البخاري ومسلم. وهذا لفظ مسلم. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- خبراً معناه النهي عما يتضمنه هذا الخبر: أن أمته لا تدع شيئاً مما كان يفعله اليهود والنصارى إلا فعلته كلَّه، لا تترك منه شيئاً ولو كان شيئاً تافهاً. ويؤكد هذا الخبرَ "1" أخرجه البخاري برقم "3456" ومسلم برقم "2669". ص -194- بأنواع من التأكيدات، وهي اللام الموطئة للقسم، ونون التوكيد، ووصف مشابهتهم بأنها كمشابهة قذة السهم للقذة الأخرى، ثم وصفها بما هو أدق في التشبه بهم؛ بحيث لو فعلوا شيئاً تافهاً غريباً لكان في هذه الأمة من يفعله تشبُّهاً بهم. مناسبة الحديث للباب: أن فيه دليلاً على وقوع الشرك في هذه الأمة؛ لأنه وُجد في الأمم قبلنا، ويكون في هذه الأمة من يفعله اتباعاً لهم. ما يستفاد من الحديث: 1- وقوع الشرك في هذه الأمة تقليداً لمن سبَقها من الأمم. 2- علمٌ من أعلام نبوته حيث أخبر بذلك قبل وقوعه فوقع كما أخبر. 3- التحذير من مشابهة الكفار. 4- التحذير مما وقع فيه الكفار من الشرك بالله وغيره مما حرَّم الله تعالى. ص -195- ولمسلم عن ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها. وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنَة بِعَامَّة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضًا""1". ورواه البرقاني في صحيحه، وزاد: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذَّابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى". ترجمة ثوبان: هو: مولى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صحِبَه ولازمَه وسَكَنَ "1" أخرجه مسلم برقم "2889". ص -196- بعده بالشام، ومات بحمص سنة 54هـ. زوى لي الأرض: طواها وجعلها مجموعة كهيئة كفٍّ في مرآةٍ ينظره، فأبصر ما تملكه أمته من أقصى مشارق الأرض ومغاربها. ما زُوِيَ لي منها: يحتمل أن يكون مبنياً للفاعل، وأن يكون مبنياً للمفعول. الكنزين: كنزُ كسرى وهو ملكُ الفرس وكنز قيصرَ وهو ملكُ الروم. الأحمر: عبارةٌ عن كنز قيصر، لأن الغالب عندهم كان الذهب. والأبيض: عبارةٌ عن كنز كِسرى، لأن الغالب عندهم كان الجوهر والفضة. والأحمر والأبيضَ منصوبان على البدل. بسنة: السنة: الجدْب. بعامّة: صفةٌ لسنةٍ رُوي بالباء وبحذفها –أي: جدبٌ عامّ يكون به الهلاك العام. من سوى أنفسهم: أي: من غيرهم من الكفار. بيضتهم: قيل ساحتهم وما حازوه من البلاد، وقيل معظمهم وجماعتهم. حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً: أي: حتى يوجد ذلك منهم، فعند ذلك يسلِّط عليهم عدوَّهم من الكفار. الأئمة المضلين: أي: الأمراء والعلماء والعباد الذين يقتدي بهم الناس. وإذا وقع عليهم السيف: أي: وقعت الفتنة والقتال بينهم. لم يُرفع إلى يوم القيامة: أي: تبقى الفتنة والقتال بينهم. ص -197- يلحق حيٌّ من أمتي: الحي واحد الأحياء وهي القبائل. بالمشركين: أي: ينزلون معهم في ديارهم. فئامٌ: أي: جماعات. خاتم النبيين: أي: آخر النبيين. حتى يأتي أمر الله: الظاهر أن المراد به: الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين. تبارك: كمُل وتعاظم وتقدَّس، ولا يقال إلا لله. وتعالى: تعاظم وكمُل علُوُّه. المعنى الإجمالي للحديث: هذا حديثٌ جليلٌ يشتمل على أمور مهمة وأخبار صادقة، يخبر فيها الصادق المصدوق –صلى الله عليه وسلم- أن الله سبحانه جمع له الأرض حتى أبصر ما تملكه أمته من أقصى المشارق والمغارب، وهذا خبرٌ وُجد مخبره، فقد اتسع ملك أمته حتى بلغ من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وأخبر أنه أُعطي الكنزين فوقع كما أخبر، فقد حازت أمته ملكي كسرى وقيصر بما فيهما من الذهب والفضة والجوهر، وأخبر أنه سأل ربه لأمته أن لا يهلكهم بجدبٍ عامٍّ ولا يسلط عليهم عدواً من الكفار يستولي على بلادهم ويستأصل جماعتهم. وأن الله أعطاه المسألة الأولى، وأعطاه المسألة الثانية ما دامت الأمة متجنبة للاختلاف والتفرق والتناحر فيما بينها –فإذا وُجد ذلك سلط عليهم عدوهم من الكفار، وقد وقع كما أخبر حينما تفرقت الأمة. وتخوّف –صلى الله عليه وسلم- على أمته خطر الأمراء والعلماء الضالين المضلين؛ لأن الناس يقتدون بهم في ضلالهم. وأخبر أنها إذا وقعت الفتنة والقتال والأمة فإن ذلك يستمر فيها إلى يوم القيامة وقد وقع كما أخبر، فمنذ حدثتِ ص -198- الفتنة بمقتل عثمان رضي الله عنه وهي مستمرة إلى اليوم. وأخبر أن بعض أمته يلحقون بأهل الشرك في الدار والديانة. وأن جماعاتٍ من الأمة ينتقلون إلى الشرك وقد وقع كما أخبر، فعُبدت القبور والأشجار والأحجار. وأخبر عن ظهور المدّعين للنبوة –وأن كل من ادعاها فهو كاذب؛ لأنها انتهت ببعثته –صلى الله عليه وسلم-. وبشّر –صلى الله عليه وسلم- ببقاء طائفة من أمته على الإسلام رغمَ وقوع هذه الكوارث والويلات، وأن هذه الطائفة مع قِلّتها لا تتضرر بكيد أعدائها ومخالفيها. مناسبة الحديث للباب: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر فيه أن جماعات من أمته ستعبد الأوثان؛ ففيه الرد على من أنكر وقوع الشرك في الأمة. ما يستفاد من الحديث: 1- وقوع الشرك في هذه الأمة والرد على من نفى ذلك. 2- علمٌ من أعلام نبوته –صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر بأخبار وقع مضمونها كما أخبر. 3- كمال شفقته –صلى الله عليه وسلم- بأمته حيث سأل ربه لها ما فيه خيرها وأعظمُه التوحيد، وتخوّف عليها ما يضرها وأعظمُه الشرك. 4- تحذير الأمة من الاختلاف ودعاة الضلال. 5- ختم النبوة به –صلى الله عليه وسلم-. 6- البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية وببقاء طائفة عليه لا يضرها من خذلها ولا من خالفها. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#25
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -199- باب ما جاء في السحر وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102]. وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]. قال عمر: الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان. وقال جابر: الطواغيت: كهّان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حيٍّ واحد. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: أنه لمّا كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يأتي السحر بدون الشرك، عقد له المصنف هذا الباب في كتاب التوحيد؛ ليبين ذلك تحذيراً منه. ما جاء: أي: من الوعيد وبيان منافاته للتوحيد وتكفير فاعله. في السحر: السحر لغة: عبارةٌ عما خفي ولطُف سببه. وشرعاً: عزائم ورقى وكلام يُتكلم به وأدوية وتدخينات وعُقد، يؤثر في القلوب والأبدان، فيُمرض ويَقتل ويفرّق بين المرء وزوجه. ولقد علموا: أي: علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسل. لمن اشتراه: أي: رضي بالسحر عوضاً عن شرع الله ودينه. من خلاق: من نصيب. ص -200- الجبت:كلمةٌ تقع على الصنم والساحر والكاهن. وتفسير عمر له بالسحر من تفسير الشيء ببعض أفراده. الطاغوت:من الطغيان وهو: مجاوزة الحد، فكل من تجاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغوت. الطواغيت كهّانٌ: المراد به أن الكهان من الطواغيت فهو من أفراد المعنى وليس المراد الحصر. ينزل عليهم الشيطان: أي: الشياطين لا إبليس خاصة فهو اسم جنس. في كل حي: في كل قبيلة. المعنى الإجمالي للآيتين: يقول تعالى: ولقد علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسل والإيمان بالله لمن استبدل السحر بكتاب الله ومتابعة رسله ما له نصيب في الآخرة، وفي الآية الثانية: يخبر تعالى عن اليهود أنهم يصدقون بالجبت الذي منه السحر. مناسبة الآيتين للباب: أنهما يدلان على تحريم السحر وأنه من الجبت. ما يستفاد من الآيتين: 1- تحريم السحر. 2- كفر الساحر. 3- الوعيد الشديد لمن أعرض عن كتاب الله، واستبدل به غيره. 4- أن السحر من الشرك المنافي للتوحيد؛ لأنه استخدامٌ للشياطين وتعلق بهم. ص -201- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات""1". هذا الحديث رواه البخاري ومسلمٌ. اجتنبوا: أبعدوا. الموبقات: المهلكات، سُميت موبقات؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا والآخرة. الشرك بالله: بأن يجعل لله نداً يدعوه ويرجوه ويخافه. التي حرم الله: أي: حرم قتلها. إلا بالحق: أي: بفعل موجبٍ للقتل. وأكل الربا: أي؛ تناوله بأي وجه. وأكل مال اليتيم: يعني: التعدي فيه –واليتيم: من مات أبوه وهو دون البلوغ. التولي يوم الزحف: أي الإدبار من وجوه الكفار وقت القتال. وقذفُ المحصنات: رميهن بالزنا –والمحصنات: المحفوظات من الزنا. والمراد: الحرائر العفيفات. "1" أخرجه البخاري برقم "2766" ومسلم برقم "89" وأبو داود برقم "2874". ص -202- الغافلات: عن الفواحش وما رمين به – أي البريئات. المؤمنات: بالله. المعنى الإجمالي للحديث: يأمر –صلى الله عليه وسلم- أمته بالابتعاد عن سبع جرائم مهلكاتٍ، ولما سُئل عنها ما هي؟ بيّنها بأنها الشرك بالله، باتخاذ الأنداد له من أي شكل كانت، وبدأ بالشرك؛ لأنه أعظم الذنوب، وقتلِ النفس التي منع الله من قتلها إلا بمسوغٍ شرعي، وتناول الربا بأكلٍ أو بغيره من وجوه الانتفاع، والتعدي على مال الطفل الذي مات أبوه، والفرار من المعركة مع الكفار، ورمي الحرائر العفيفات بالزنا. وجه سياق الحديث في باب السحر: أن فيه دليلاً على تحريم السحر واعتباره من الكبائر المهلكة. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الشرك، وأنه هو أكبر الكبائر وأعظم الذنوب. 2- تحريم السحر، وأنه من الكبائر المهلكة ومن نواقض الإسلام. 3- تحريم قتل النفس بغير حق. 4- جواز قتل النفس إذا كان بحقٍّ كالقصاص والردة والزنا بعد إحصان. 5- تحريم الربا وعظيم خطره. 6- تحريم الاعتداء على مال الأيتام. 7- تحريم الفرار من الزحف. 8- تحريم القذف بالزنا واللواط. 9- أن قذف الكافر ليس من الكبائر. ص -203- وعن جندب مرفوعاً: "حد الساحر ضربهُ بالسيف" رواه الترمذي. وقال: الصحيح أنه موقوف"1". وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عَبَدة قال: كتب عمر بن الخطاب: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة". قال: فقتلنا ثلاث سواحر"2". وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها. فقُتلت"3". وكذلك صح عن جندب. قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-. حد الساحر: أي: عقوبته. ضربهُ بالسيف: أي: قتله، رُوي "ضربه" بالهاء والتاء. موقوفٌ: أي: من كلام الصحابي لا من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم-. عن ثلاثة من أصحاب رسول الله: هم: عمر، وحفصة، وجندب. مناسبة الآثار للباب: أن فيها بيانَ حدّ الساحر بأنه القتل؛ مما يدل على عِظَم جريمة السحر وأنه من الكبائر. ما يستفاد من الآثار: 1- بيان حد الساحر وأنه يُقتل ولا يُستتاب. 2- وجود تعاطي السحر في المسلمين على عهد عمر فكيف بمن بعده. "1" أخرجه الترمذي برقم "1460"، والبيهقي في سننه الكبرى "8/136"، والحاكم في المستدرك "4/360". "2" أخرجه البخاري برقم "3156" وأحمد في المسند "1/190". "3" أخرجه مالك في موطئه "2/872". المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#26
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -204- باب بيان شيء من أنواع السحر قال أحمد: حدّثنا محمد بن جعفر حدّثنا عَوف عن حَيَّان بن العَلَاء حدثنا قَطَن بن قَبِيْصة عن أبيه، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العِيَافَة والطَّرْق والطِّيَرة من الجِبْت""1". قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يُخط بالأرض. والجبت قال: الحسن: رَنّة الشيطان. إسناده جيد. ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسنَدُ منه. مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن المصنف رحمه الله لما ذكر في الباب الذي قبل هذا السحر، ذكر في هذا الباب شيئاً من أنواعه؛ لكثرة وقوعها، وخفائها على الناس، حتى ظنّوها من كرامات الأولياء، وآل بهم الأمر إلى أن عبدوا أصحابها فوقعوا في الشرك العظيم. التراجم: 1- أحمد هو: الإمام أحمد بن حنبل. "1" أخرجه أحمد في المسند "3/477" وأبو داود برقم "3907"، وابن حبان كما في الموارد برقم "1426". ص -205- 2- محمد بن جعفر هو: المشهور بغُندُر الهُذَليّ البصري ثقةٌ مشهور. 3- عوف هو: ابن أبي جَميلة المعروف بعوفٍ الأعرابي ثقة. 4- عن أبيه هو: قبيصة بن المُخارق الهلالي صحابي مشهور. 5- الحسن هو: الحسن البصريّ. زجر الطير: التفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها. من الجبت: أي: من أعمال السحر. يُخط بالأرض: يخطه الرمالون ويدعون به علم الغيب. الجبت رنّة الشيطان: هذا تفسير للجبت ببعض أفراده. والرنة: الصوت، ويدخل فيه كل أصوات الملاهي، وأضافه إلى الشيطان لأنه يدعو إليه. ولأبي دواد... إلخ: أي: أن هؤلاء رَوَوا الحديث واقتصروا على المرفوع منه ولم يذكروا تفسير عوف. مناسبة الحديث للباب: بيان أن العِيافة والطرْق والطيَرة من الجبت الذي هو السحر المنافي للتوحيد. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم ادعاء علم الغيب؛ لأنه ينافي التوحيد. 2- تحريم الطيرة؛ لأنها تنافي التوحيد أو كماله. 3- تحريم الملاهي بأنواعها؛ لأنها تنافي طاعة الله وكمال توحيده. 4- أن الملاهي بأنواعها –من الأغاني والمزامير وسائر آلات اللهو- من رنّة الشيطان الذي شأنه كله الصد عن سبيل الله. ص -206- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زادَ ما زادَ""1" رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح. من اقتبسَ: من تعلّم. شعبة: طائفة وقطعة. شعبة من السحر: المعلوم تحريمه. زاد ما زاد: يعني: كلما زاد من علم النجوم زاد له من الإثم مثل إثم الساحر أو زاد من اقتباس شعب السحر مثل ما زاد من اقتباس علم النجوم. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- في هذ الحديث خبراً معناه النهيُ والتحذيرُ أن من تعلّم شيئاً من التنجيم فقد تعلّم شيئاً من السحر المحرّم، وكلما زاد تعلّمه التنجيم زاد تعلمه السحر؛ وذلك لأن التنجيم تحكمٌ على الغيب، بحيث إن المنجم يحاول اكتشاف الحوادث المستقبلة التي هي من علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه. مناسبة الحديث للباب: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر فيه أن التنجيم نوعٌ من أنواع السحر. "1" أخرجه أبو داود برقم "3905" وابن ماجه برقم "3726"، وأحمد في مسنده "1/277، 311". ص -207- ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم التنجيم الذي هو الإخبار عن المستقبل اعتماداً على أحوال النجوم؛ لأنه من ادعاء علم الغيب. 2- أن التنجيم من أنواع السحر المنافي للتوحيد. 3- أنه كلما زاد تعلّمه للتنجيم زاد تعلّمه للسحر. ص -208- وللنسائي من حديث أبي هريرة: "من عقد عُقدة ثم نفث فيها فقد سَحَر، ومن سحر فقد أشرك، ومَنْ تعلَّقَ شيئاً وُكل إليه""1". من عقد عقدة: على شكل ما يفعله السحرة من عقدِ الخيوط ونحوها. ونفَث فيها: النفث هو: النفخ مع ريقٍ وهو دون التفل. فقد سحَر: أي: فعل السحر المحرم. ومن سحر فقد أشرك: لأن السحر لا يتأتى بدون الشرك؛ لأنه استعانة بالشياطين. ومن تعلّق شيئاً وُكل إليه: أي: من تعلق قلبه بشيء واعتمد عليه وكله الله إلى ذلك الشيء وخذله. معنى الحديث إجمالاً: يبين –صلى الله عليه وسلم- نوعاً من أنواع السحر وحكمَه، محذراً أمته من تعاطيه. فيقول: إن من أنواع السحر أن يعقد العقد في الخيوط ونحوها، وينفخ في تلك العُقد نفخاً مصحوباً بالريق؛ وذلك أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط، ونفثوا على كل عقدةٍ حتى ينعقد ما يريدون من السحر، فتتكيف نفسه الخبيثة بالشر، ويستعين بالشياطين، وينفخ في تلك العقد، فيخرج من نفسه الخبيثة نفَسٌ مقترنٌ "1" أخرجه النسائي، وللجزء الأخير من الحديث شواهد يتقوى بها أخرج الشاهد الترمذي برقم "2073" وأحمد "4/310، 311" والحاكم "4/216". ص -209- بالريق الممازج للشر، ويستعين بالشياطين فيصيب المسحورَ بإذن الله الكونيّ القدريّ. مناسبة الحديث للباب؛ أن فيه بيان نوع من أنواع السحر، وهو سحر العقد المسمى بالعزيمة. ما يستفاد من الحديث: 1- بيان نوع من أنواع السحر وهو ما كان بواسطة العقد والنفث. 2- أن السحر شركٌ؛ لأنه استعانة بالشياطين. 3- أن من اعتمد على غير الله خذله الله وأذله. ص -210- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا هل أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي: النميمة القالةُ بين الناس""1". رواه مسلم. ألا: أداة تنبيه. أنبئكم: أخبركم. العضْهُ: بفتح العين وسكون الضاد مصدر عَضَه يعْضَهُ عضْهاً بمعنى كذَب وسحر والمراد به هنا: السحر. النميمة: نقل الحديث على وجه الإفساد. القالة: كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس بما يُحكى للبعض عن البعض. المعنى الإجمالي للحديث: أراد –صلى الله عليه وسلم- أن يحذّر أمته عن السعاية بين الناس بنقل حديث بعضهم في بعض على وجه الإفساد، فافتتح حديثه بصيغة الاستفهام، ليكون أوقع في النفوس وأدعى للانتباه، فسألهم ما العَضْهُ –أي ما السحر- ثم أجاب عن هذا السؤال –بأن العضه هو نقل الخصومة بينهم؛ لأن ذلك يفعل ما يفعله السحر من الفساد وتفريق القلوب. مناسبة الحديث للباب: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بيّن فيه أن النميمة نوعٌ من أنواع السحر. "1" أخرجه مسلم برقم "2606". ص -211- ما يستفاد من الحديث: 1- أن النميمة نوعٌ من أنواع السحر؛ لأنها تفعل ما يفعله السحر من التفريق بين القلوب والإفساد بين الناس –لا أن النمام يأخذ حكم الساحر من حيثُ الكفر وغيره. 2- تحريم النميمة، وأنها من الكبائر. 3- التعليم على طريقة السؤال والجواب، لأن ذلك أثبتُ في الذهن وأدعى للانتباه. ص -212- ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من البيان لسحراً""1". البيان: البلاغة والفصاحة. لسحراً: أي: يعمل عمل السحر، فيجعل الحق في قالب الباطل والباطلَ في قالب الحق، فيستميل قلوب الجهال. المعنى الإجمالي للحديث: يبين –صلى الله عليه وسلم- نوعاً آخر من أنواع السحر وهو: البيان المتمثل في الفصاحة والبلاغة؛ لما يُحدِثه هذا النوع من أثر في القلوب والأسماع؛ حتى ربما يصور الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق؛ كما يفعل السحر. والمراد ذمّ هذا النوع من البيان الذي يلبس الحق بالباطل ويموّه على السامع. مناسبة الحديث للباب: أن فيه بيانَ نوع من أنواع السحر وهو بعض البيان. ما يستفاد من الحديث: 1- بيان نوع من أنواع السحر وهو البيان الذي فيه التمويه. 2- ذمّ هذا النوع من البيان –وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل الباطل ويدحضه فهو ممدوح. "1" أخرجه البخاري برقم "5146" ومسلم برقم "869". المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#27
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -213-باب ما جاء في الكهّان ونحوهم روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء فصدّقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً""1". الكهان: جمع كاهن وهو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل اعتماداً على الاستعانة بالشياطين. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لما كان الكهان ونحوهم يدّعون علم الغيب الذي قد اختص به الله تعالى، وذلك دعوى مشاركة الله تعالى في علم الغيب، أراد المصنف أن يبين في هذا الباب ما جاء في حقهم وحق من صدّقهم من الوعيد. ما جاء في الكهان: أي: من التغليظ والوعيد. ونحوهم: كالعرافين والمنجّمين والرمّالين. عن بعض أزواج النبي: هي: حفصة. لم تقبل له صلاة: أي: لا ثواب له فيها. المعنى الإجمالي للحديث: يبين –صلى الله عليه وسلم- الوعيد المترتب على الذهاب إلى الكهان ونحوهم لسؤالهم عن المغيبات التي لا يعلمها إلا الله، أن جزاءَ من فعل ذلك حرمانُه من ثواب صلاته لمدة أربعين يوماً؛ لتلبّسه بالمعصية. وفي هذا وعيد شديد ونهيٌ أكيد عن هذا الفعل، مما "1" أخرجه مسلم برقم "2240" وأحمد في مسنده "4/68"، "5/380". ص -214- يدل على أنه من أعظم المحرمات، وإذا كان هذا جزاءُ من أتى الكاهن فكيف بجزاء الكاهن نفسه! نعوذ بالله من ذلك ونسأل الله العافية. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن إتيان الكُهّان ونحوهم، وعن تصديقهم لمنافاته للتوحيد. ما يستفاد من الحديث: 1- المنع من الذهاب إلى الكهان وسؤالهم عن المغيبات وتصديقهم في ذلك وأنه كفر. 2- تحريم الكهانة، وأنها من الكبائر. فائدة؛ من ذهب إلى الكهّان ولم يصدقهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما جاء في ذلك الحديث الآخر وأما من صدّقهم فقد كفر بما أنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم-. ص -215- وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-""1" رواه أبو داود. وللأربعة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-""2". ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود موقوفاً"3". بما أُنزل على محمد: أي: الكتاب والسنة. المعنى الإجمالي للحديث بروايتيه: الوعيد الشديد على إتيان الكهان والعرافين لسؤالهم عن المغيبات وتصديقهم في ذلك؛ لأن علم الغيب قد اختص الله تعالى به. فمن أتاهم وصدّقهم فقد كفر بالوحي المنزّل على محمد –صلى الله عليه وسلم-. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي عن إتيان الكهّان والعرافين وبيان الوعيد في ذلك. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين وسؤالهم ووجوب الابتعاد "1" أخرجه أبو داود برقم "3904" وأحمد في مسنده "2/408، 429، 476". "2" أخرجه الحاكم في المستدرك "1/8" وأحمد في المسند "2/429". "3" أخرجه أبو يعلى في مسنده "رقم 5408" والبزار كما في الكشف "رقم 2067" وقال الهيثمي في مجمع الزوائد "5/118": رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن يريم وهو ثقة. ص -216- عنهم؛ لأن ذلك كفرٌ إذا صدقهم، ومحرمٌ إذا لم يصدقهم. ص -217- وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ليس منا من تَطيّر أو تُطير له،2- وجوب تكذيب الكهان والمنجمين. 3- من أتاهم وصدقهم فقد كفر بالوحي المنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم-. 4- أنه الكهانة شرك؛ لأنها تتضمن دعوى مشاركة الله تعالى في علم الغيب. أو تَكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم-""1" رواه البراز بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: "ومن أتى" إلى آخره. قال البغوي: العرَّاف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك -وقيل: هو الكاهن. والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير. وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجِّم والرّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق. ليس منا: أي: لا يفعل هذا من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا المقتفين لشرعنا. من تطيّر: فَعل الطيرة. "1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "5/117": رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة. ص -218- أو تُطير له: أمر من يُتطير له. ومثله بقية الألفاظ. ص -219- وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد، وينظرون في النجوم: ما أرى من فعلالمعنى الإجمالي للحديث: يقول –صلى الله عليه وسلم-: لا يكون من أتباعنا المتبعين لشرعنا من فعل الطيرة أو الكهانة أو السحر أو فُعلت له هذه الأشياء؛ لأن فيها ادعاء لعلم الغيب الذي اختص الله به، وفيها إفساد للعقائد والعقول، ومن صدّق من يفعل شيئاً من هذه الأمور فقد كفر بالوحي الإلهي الذي جاء بإبطال هذه الجاهليات ووقاية العقول منها. ويلحق بذلك ما يفعله بعض الناس من قراءة ما يسمّى بالكف، أو ربط سعادة الإنسان وشقائه وحظّه بالبروج ونحو ذلك. وقد بين كلٌّ من الإمامين البغوي وابن تيمية معنى العرّاف والكاهن المنجم والرّمّال بما حاصلُه: أن كل من يدعي علم شيءٍ من المغيبات فهو إما داخلٌ في اسم الكاهن أو مشاركٌ له في المعنى فيلحق به، والكاهن هو الذي يخبر عما يحصل في المستقبل ويأخذ عن مسترق السمع من الشياطين كما سبق في أول كتاب التوحيد. مناسبة الحديث للباب: أن فيه النهي والتغليظ عن فعل الكهانة ونحوها وتصديق أهلها. ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم ادعاء علم الغيب؛ لأنه ينافي التوحيد. 2- تحريم تصديق من يفعل ذلك بكهانةٍ أو غيرها؛ لأنه كفرٌ. 3- وجوب تكذيب الكهان ونحوهم ووجوب الابتعاد عنهم وعن علومهم. 4- وجوب التمسك بما أُنزل على الرسول –صلى الله عليه وسلم- وطرح ما خالفه. ذلك له عند الله من خلاق"1". يكتبون أبا جاد: أي: يقطعون حروف "أبجد هوز... إلخ" التي تسمى حروف الجمل ويتعلمونها لادعاء علم الغيب. وينظرون في النجوم: أي: ويعتقدون أن لها تأثيراً فيبنون أمورهم على زعمٍ فاسدٍ واعتقادٍ باطل في النجوم والحساب الذي يظنون أنهم يدركون به علم الغيب. ما أرى: بفتح الهمزة بمعنى: لا أعلم، وبضمها بمعنى: لا أظن. من خلاق: من نصيب. المعنى الإجمالي للأثر: يقول ابن عباس: لا أعلم ولا أظن أن من يكتب حروف أبا جاد وينظر في النجوم ويبني على ذلك الحكم على المستقبل، ما أرى لمن فعل ذلك نصيباً عند الله؛ لأن ذلك يدخل في حكم العرّافين المدّعين لعلم الغيب. مناسبة الأثر للباب: أنه يدل على أن كتابة أبا جاد وتعلّمها لمن يدعي بها معرفة علم الغيب والنظر في النجوم على اعتقاد أن لها تأثيراً، كل ذلك يدخل في العرافة ومن فعله فقد أضاع نصيبه من الله. ما يستفاد من الأثر: 1- تحريم تعلّم أبي جاد على وجه ادعاء علم الغيب به؛ لأنه ينافي "1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "5/118": رواه الطبراني وفيه خالد بن يزيد العمري وهو كذاب. ص -220- التوحيد. أما تعلّمها للتهجّي وحساب الجمل فلا بأس به. 2- تحريم التنجيم؛ لأنه وسيلةٌ إلى الشرك بالله تعالى. 3- عدم الاغترار بما يُؤتاه أهل الباطل من معارفهم وعلومهم. لأن ذلك من باب الاستدراج لهم. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#28
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -221- باب ما جاء في النُّشْرَة عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سئل عن النشرة فقال: "هي من عمل الشيطان""1" رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لمّا ذكر المصنف حكم السحر والكهانة، ذكر في هذا الباب ما جاء في النُّشرة؛ لأنها قد تكون من قبَل الشياطين والسحرة، فتكون مضادة للتوحيد. النُّشْرة: نوع من العلاج والرقية يعالَج به من كان يظن أن به مسّاً من السحر؛ سميت بذلك لأنها ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يُكشف ويزال. سئل عن النشرة: أي: النشرة التي كان أهل الجاهلية يعملونها. هي من عمل الشيطان: لأنهم ينشرون عن المسحور بأنواع من السحر واستخداماتٍ شيطانية. يكره هذا كله: أي: النشرة التي هي من عمل الشيطان. المعنى الإجمالي للحديث: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل عن علاج المسحور "1" أخرجه أبو داود برقم "3868" وأحمد في المسند "3/294". ص -222- على الطريقة التي كانت تعلمها الجاهلية ما حكمه، فأجاب –صلى الله عليه وسلم- بأنه من عمل الشيطان أو بواسطته؛ لأنه يكون بأنواع سحرية واستخداماتٍ شيطانيةٍ، فهي شركية ومحرمة. مناسبة الحديث للباب: أنه دل على تحريم النشرة التي هي من عمل الشيطان وهي نُشرة الجاهلية. ما يستفاد من الحديث: 1- النهي عن النشرة على الصفة التي تعملها الجاهلية؛ لأنها سحر والسحر كفر. 2- مشروعية سؤال العلماء عما أشكل حكمه؛ حذراً من الوقوع في المحذور. ص -223- وفي البخاري عن قتادة: قلت لابن المسيّب: رجل به طِبّ أو يؤَخَّذ عن امرأته، أيُحَلُّ عنه أو يُنَشَّر؟ قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه. ورُوي عن الحسن أنه قال: لا يَحُلُّ السحر إلا ساحر. قال ابن القيم: النُّشْرة: حل السحر عن المسحور -وهي نوعان: إحداهما: حلٌّ بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يُحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمُنْتَشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز. ترجمة قتادة: هو ابن دُعامة السدوسي البصري ثقة من أحفظ التابعين، مات سنة بضع عشرة ومائة. به طبٌّ: بكسر الطاء أي سحرٌ –كنوا عنه بالطب تفاؤلاً. يؤَخَّذ: بفتح الواو مهموزة وتشديد الخاء –أي: يُحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها. لا بأس به: أي: بمعالجته بأمور مباحة لم يُرد بها إلا المصلحة ودفع المضرة. لا يَحُل السحر إلا ساحر: أي: لا يقدر على حلِّه إلا من يعرف ص -224- السحر. المعنى الإجمالي للأثرين: أن ابن المسيب سُئل عن حكم النشرة فأفتى بجوازها؛ نظراً لأن المقصود منها النفع وزوال الضرر، ولم يُنه عما كان كذلك، ومقصوده نوعٌ من النشرة لا محذور فيه: كالرقى بأسماء الله وكلامه. وأما الحسن فمقتضى كلامه منع النشرة؛ لأنه لا يقدر على حل السحر إلا من له معرفةٌ بالسحر. وهذا محمولٌ على حل السحر بسحرٍ مثله، وهو من عمل الشيطان. وفي التفصيل الذي ذكره ابن القيم جمعاً بين القولين –حاصله: أن علاج المسحور بأدوية مباحة وقراءة قرآن أمر جائز – وعلاجه بسحر مثله محرم. والله أعلم. مناسبة الأثرين للباب: بيان التفصيل في حكم النشرة وبيان الجائز والممنوع منها. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#29
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -225- باب ما جاء في التطيُّر وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 131] وقوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: 19]. تمام الآية الثانية: {أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [يس: 19]. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لما كانت الطيرة نوعاً من الشرك الذي يتنافى مع التوحيد أو ينقص كماله عقد المصنف لها هذا الباب في كتاب التوحيد تحذيراً منها. ما جاء في التطير: أي: من الوعيد –والتطير: مصدر تطيرَ- وهو التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع. ألا: أداة تنبيه. إنما: أداة حصر. طائرهم: ما قُضي عليهم وقُدِّر لهم. عند الله: أي: إنما جاءهم الشؤم من قبله وبحكمه الكوني القدري بسبب كفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله. لا يعلمون: وصفٌ لهم بالجهالة وعدم العلم وأنهم لا يدرون. طائركم: أي: حظكم وما نابكم من شرّ. ص -226- معكم: أي: بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين. أئن ذكرتم: أي: من أجل أنا ذكرناكم قابلتمونا بقولكم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: 18]. بل أنتم قوم مسرفون: عادتكم الإسراف في العصيان فمن ثمّ جاءكم الشؤم. والسرف: الفساد وهو مجاوزة الحد في مخالفة الحق. المعنى الإجمالي للآيتين: الآية الأولى: لمّا كان قوم فرعون إذا أصابهم غلاء وقحط قالوا: هذا أصابنا بسبب موسى وأصحابه وبشؤمهم –رد الله تعالى عليهم بأن ما أصابهم من ذلك إنما هو بقضائه وقدره عليهم بكفرهم، ثم وصف أكثرهم بالجهالة وعدم العلم، ولو فهموا وقلوا لعلموا أن موسى ما جاء إلا بالخير والبركة والفلاح لمن آمن به واتبعه. 2- الآية الثانية: أن الله سبحانه رد على من كذّب الرسل فأصيب بالبلاء، ثم ادعى أن سببه جاء من قبل الرسل وبسببهم، فبيّن الله سبحانه أن سبب هذا البلاء من قِبَل أنفسهم، وبسبب أفعالهم وكفرهم، لا من قبَل الرسل كما ادَّعوا. وكان اللائق بهم أن يقبلوا قول الناصحين ليسلموا من هذا البلاء؛ لكنهم قومٌ متمادون في المعاصي فمن ثَم جاءهم الشؤم والبلاء. مناسبة الآيتين للباب: أن الله ذكر أن التطير من عمل الجاهلية والمشركين، وقد ذمهم الله تعالى ومقَتهم. ما يستفاد من الآيتين: 1- أن التطير من عمل الجاهلية والمشركين. 2- إثبات القضاء والقدر والإيمان بهما. 3- أن المصائب بسبب المعاصي والسيئات. ص -227- 4- في الآية الأولى: ذمٌّ للجهل؛ لأنه يؤدي إلى عدم معرفة الشرك ووسائله، ومن ثمّ الوقوع فيه. 5- في الآية الثانية: وجوب قبول النصيحة؛ لأن عدم قبولها من صفات الكفار. 6- أن ما جاءت به الرسل فهو الخير والبركة لمن اتبعه. ص -228- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى، ولا طِيَرة، ولا هامة، ولا صَفَر" أخرجاه"1". زاد مسلم: "ولا نَوْء، ولا غُول""2". لا عدوى: العدوى اسمٌ من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفيّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العلة تسري بطبْعها لا بقدر الله. ولا طيَرة: الطيرة هي: التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص و-ولا- يحتمل أن تكون نافية أو ناهية والنفي أبلغ. ولا هامة: الهامة بتخفيف الميم: البُومة كانوا يتشاءمون بها، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله. ولا صفر: قيل المراد به: حيةٌ تكون في البطن تصيب الماشية والناس، يزعمون أنها أشد عدوى من الجرب، فجاء الحديث بنفي هذا الزعم، وقيل المراد: شهر صفر كانوا يتشاءمون به، فجاء الحديث بإبطال ذلك. ولا نَوْءَ: سيأتي بيان ذلك في بابه إن شاء الله. ولا غُول: الغُول جنسٌ من الجن والشياطين، يزعمون أنها تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فجاء الحديث بإبطال ذلك، وبيان أنها لا تستطيع أن تضل أحداً أو تهلكه. "1" أخرجه البخاري برقم "5757" ومسلم برقم "2220" "102". "2" أخرجه مسلم برقم "2220" "106". ص -229- المعنى الإجمالي للحديث: ينفي –صلى الله عليه وسلم- ما كانت تعتقده الجاهلية من اعتقادات باطلة من التشاؤم بالطيور وبعض الشهور والنجوم وبعض الجن والشياطين، فيتوقعون الهلاك والضرر منها؛ كما كان يعتقدون سريان الأمراض من محل الإصابة إلى غيرها بأنفسها. فيرد –صلى الله عليه وسلم- كل هذه الخرافات، ويغرس مكانها التوكل على الله وعقيدة التوحيد الخالص. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على إبطال الطيرة، وأنها اعتقادٌ جاهليٌّ. ما يستفاد من الحديث: 1- إبطال الطيرة. 2- إبطال اعتقاد الجاهلية أن الأمراض تُعدي بطبيعتها لا بتقدير الله تعالى. 3- إبطال التشاؤم بالهامة وشهر صفر. 4- إبطال اعتقاد تأثير الأنواء. 5- إبطال اعتقاد الجاهلية في الغيلان. 6- وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه. 7- أن من تحقيق التوحيد الحذر من الوسائل المفضية إلى الشرك. 8- إبطال ما يفعله بعض الناس من التشاؤم بالألوان، كالأسود والأحمر، أو بعض الأرقام والأسماء والأشخاص وذوي العاهات. ص -230- ولهما عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل" قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الطيبة""1". الفأل: مهموزٌ فيما يُسِرّ ويسوء بخلاف الطيرة، فلا تكون إلا فيما يسوء. الكلمة الطيبة: كأن يكون الرجل مريضاً فيسمع من يقول: يا سالم. فيؤمل البرء من مرضه. مناسبة ذكر الحديث في الباب: أن فيه بيان أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها. ما يستفاد من الحديث: 1- أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها. 2- تفسيرُ الفأل. 3- مشروعية حسن الظن بالله والنهي عن سوء الظن به. الفرق بين الفأل والطيرة: 1- الفأل يكون فيما يسر. 2- الفأل فيه حسن ظنٍّ بالله، والعبد مأمورٌ أن يحسن الظن بالله. 3- الطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. 4- الطيرة فيها سوء ظن بالله، والعبد منهيّ عن سوء الظن بالله. "1" أخرجه البخاري برقم "5756" ومسلم برقم "2224". ص -231- ولأبي داود بسند صحيح عن عروة بن عامر، قال: ذُكِرت الطيرة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: "أحسنها الفأل، ولا تَردّ مسلماً, فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك""1". ترجمة عروة: هو: عروة بن عامر القرشي، وقيل: الجهَني المكي. ذكره ابن حبان في الثقات. ولا ترد مسلماً: بخلاف الكافر فإنها تردّه عن قصده. لا يأتي بالحسنات... إلخ: أي: ولا تأتي الطيرة بالحسنات ولا تدفع السيئات. ولا حول: الحول: التحول والانتقال من حالٍ إلى حالٍ. ولا قوة: على ذلك. إلا بك: وحدك. المعنى الإجمالي للحديث: يذكر الراوي أن الطيرة ذُكرت عند النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ ليبين حكمَها وما يُعمل حيالَها، فأبطل النبي –صلى الله عليه وسلم- الطيرة، وأخبر أن الفأل منها؛ ولكن خيرٌ منها –وأخبر –صلى الله عليه وسلم- أن الطيرة لا تردُّ مسلماً عن قصده؛ لإيمانه أنه لا ضارّ ولا نافع إلا الله، وإنما ترد المشرك الذي يعتقدها –ثم أرشد –صلى الله عليه وسلم- إلى العلاج الذي تدفع به الطيرة وهو هذا الدعاء المتضمن تعلق القلب وحده في جلب النفع ودفع "1" أخرجه أبو داود برقم "3719". ص -232- الضر والتبري من الحول والقوة إلا بالله. مناسبة الحديث للباب: أن فيه إبطال الطيرة وبيان ما تُفع به واستثناء الفأل منها. ما يستفاد من الحديث: 1- إبطال الطيرة وبيان ما تدفع به من الدعاء والذكر. 2- أن ما يقع في القلب من الطيرة لا يضر بل يُذهِبه الله بالتوكل. 3- أن الفأل من الطيرة وهو خيرُها. 4- وجوب التوكل على الله والتبرّي من الحول والقوة. ص -233- وعن ابن مسعود مرفوعاً: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل""1" رواه أبو داود والترمذي وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود. الطيرة شرك: لما فيها من تعلق القلب على غير الله. وما منا إلا: فيه إضمارٌ تقديره: وما منا إلا وقع في قلبه شيءٌ منها. يذهبه بالتوكل: أي: التوكل على الله في جلب النفع ودفع الضر يذهب الطيرة. آخره من قول ابن مسعود: وهو قوله: "وما منا... إلخ" وهو الصواب؛ لأنها شركٌ، والنبي معصومٌ من الشرك. المعنى الإجمالي للحديث: أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يخبر ويكرر الإخبار؛ ليتقرر مضمونه في القلوب، أن الطيرة شرك؛ لما فيها من تعلق القلب على غير الله وسوء الظن به. مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على أن الطيرة شركٌ. ما يستفاد من الحديث: 1- أن الطيرة شركٌ؛ لأن فيها تعلق القلب على غير الله. 2- مشروعية تكرار إلقاء المسائل المهمة؛ لتحفظَ وتستقر في القلوب. 3- أن الله يذهب الطيرة بالتوكل عليه، فلا تضر من وجد في نفسه شيئاً منها ثم توكَّل على الله ولم يلتفت إليها. "1" أخرجه أبو داود برقم "3910" والترمذي برقم "1614" وقال: هذا حديث حسن صحيح. ص -234- ولأحمد من حديث ابن عمرو: "من ردته الطيَرة عن حاجته فقد أشرك"، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: "أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك""1". وله من حديث الفضل بن عباس: "إنما الطيَرة ما أمضاك أو ردك""2". التراجم: 1- ابن عمرو هو: عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أحد السابقين المكثرين. 2- الفضل هو: الفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي –صلى الله عليه وسلم-. فقد أشرك: لأنه لم يُخلص توكله على الله بالتفاته إلى غيره. كفارة ذلك: أي: ما يقع من الطيرة. لا إله غيرك: أي: لا معبود بحقٍّ سواك. إنما الطيرة: أي: المنهي عنها. ما أمضاك: أي: حملك على المضيّ فيما أردت. أو ردّك: عن المضي فيه. المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن الطيرة المنهي عنها "1" أخرجه أحمد "2/220". "2" أخرجه أحمد "1/213". ص -235- والتي هي شركٌ، حقيقتها وضابطُها ما حمل الإنسان على المضيّ فيما أراده أو رده عنه اعتماداً عليها، فإذا ردته عن حاجته التي عزِم عليها كإرادة السفر ونحوه فقد ولَج باب الشرك وبرئ من التوكل على الله وفتح على نفسه باب الخوف. ومفهوم الحديث أن من لم تثنِه الطيرة عن عزمه فإنها لا تضره. ثم أرشد –صلى الله عليه وسلم- إلى ما تدفع به الطيرة من الأدعية فيما فيه الاعتماد على الله والإخلاص له في العبادة. مناسبة الحديثين للباب: أن فيهما بياناً لحقيقة الطيرة الشركية. ما يستفاد من الحديثين: 1- أن الطيرة شركٌ. 2- أن حقيقة الطيرة الشركية ما دفعت الإنسان إلى العمل بها. 3- أن ما لم يؤثِّر على عزم الإنسان من التشاؤم فليس بطيَرة. 4- معرفة الذكر الذي تُدفع به الطيرة عن القلب وأهميته للمسلم. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
#30
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الملخص في شرح كتاب التوحيد لفضيله الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ورعاه- ص -236- باب ما جاء في التنجيم قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يُهتدى بها. فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصِيْبَه، وتكلّف ما لا علم له به""1" انتهى. مناسبة الباب لكتاب التوحيد: لمّا كان بعض التنجيم باطلاً، لِما فيه من دعوى مشاركة الله في علم الغيب، وتعلُّق القلب بغير الله، ونسبة التصرف إلى النجوم، وذلك ينافي التوحيد، ناسب أن يُعقد له بابٌ هنا يبين فيه الممنوع والجائز منه، ليكون المسلم على بصيرةٍ من ذلك. ما جاء في التنجيم: أي: ذكرُ ما يجوز منه وما لا يجوز منه وذمُّه وتحريمه وما ورد من الوعيد فيه. والتنجيم هو: الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، وهو ما يسمّى بعلم التأثير. قال البخاري في صحيحه: أي: تعليقاً. خلق الله النجوم لثلاثٍ: هذا مأخوذٌ من القرآن الكريم. زينةً للسماء: إشارة إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5]. ورجوماً للشياطين: إشارة إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5]. "1" أخرجه البخاري معلقاً في كتاب بدء الخلق، باب في النجوم "ص 614" ط بيت الأفكار الدولية. ص -237- وعلامات: أي دلالات على الجهات والبلدان وغير ذلك. يُهتدى بها: أي: يهتدي بها الناس إشارة إلى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]. فمن تأول فيها غير ذلك: أي: من زعم فيها غير ما ذكره الله تعالى في هذه الثلاث فادعى علم الغيب. فقد أخطأ: حيث تكلم رجماً بالغيب. وأضاع نصيبه: أي: حظّه من عمره؛ لأنه اشتغل بما لا فائدة فيه، بل فيه مضرّة. المعنى الإجمالي للأثر: أن قتادة رحمه الله يذكر الحكمة التي خلق الله من أجلها النجوم –كما ذكره الله في كتابه- رداً على الذين ظهروا في عصره، ويعتقدون في النجوم غير ما ذكره خالقها في كتابه. وهؤلاء قالوا بلا علمٍ، وأفنوا أعمارهم فيما يضرّهم، وكلّفوا أنفسهم ما ليس في مقدورها الحصول عليه. وهكذا كل من طلب الحق من غير الكتاب والسنة. مناسبة الأثر للباب: أن فيه بيان الحكمة في خلق النجوم –كما ذكرها الله في كتابه- والرد على من زعم في النجوم حكمةً تخالف ما ذكره الله فيها. ما يستفاد من الأثر: 1- بيان الحكمة في خلق النجوم كما دلّ عليها القرآن. 2- الرد على من زعم أن النجوم خُلقت لحكمة غير ما ذكر الله فيها. 3- أنه يجب الرجوع إلى كتاب الله؛ لبيان الحق من الباطل. 4- أن من طلب الهدى من غير الكتاب والسنة فقد الصواب وضيّع وقته وتكلّف ما لا قدرة له في الوصول إليه. ص -238- وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق. التراجم: 1- ابن عيينة: أي: سفيان بن عيينة. 2- حربٌ: أي: حربٌ الكرمانيّ من جلة أصحاب أحمد. 3- أحمد: أي الإمام أحمد بن حنبل. 4- وإسحاق: أي: إسحاق بن راهَوَيْه. منازل القمر: التي ينزل القمر في كل ليلة منزلة منها، وهي ثمانٍ وعشرون منزلة، ومعرفة ذلك تسمى بعلم التسيير. الغرض من هذا السياق: بيان خلاف العلماء في حكم تعلم منازل القمر الذي هو: "علم التسيير" الذي الغرض منه الاستدلال به على القبلة، وأوقات الصلوات، ومعرفة الفصول. فإذا كان هذا اختلافهم في هذا النوع الذي لا محذور فيه حسْماً للمادة؛ -لئلا يتوصل إلى الممنوع- فما بالك بمنعهم من تعلُّم علم التأثير الذي هو ضلالٌ وخطَرٌ. ص -239- وعن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدِّق بالسحر""1" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. ترجمة أبي موسى: هو أبو موسى الأشعريّ عبد الله بن قيس، صحابي جليل مشهور، مات بالكوفة سنة 50 هـ. لا يدخلون الجنة: هذا من نصوص الوعيد التي تُمر كما جاءت. مدمن الخمر: المداوم على شربها حتى مات ولم يتب. قاطع الرحم: أي: الذي لا يقوم بواجب القرابة. ومصدِّقٌ بالسحر: الذي من أنواعه التنجيم، كما مر في الحديث: "من اقتبس شُعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر" المعنى الإجمالي للحديث: يخبر –صلى الله عليه وسلم- على وجه التحذير أن ثلاثةً من العصاة لا يدخلون الجنة: الأول: المداوم على شرب المسكر من أيّ شيء كان. الثاني: الذي لا يقوم بواجب القرابة التي أمر الله بصلتها. الثالث: مصدِّقٌ بالسحر الذي يجمع أنواعاً كثيرة وأشكالاً متعددة. ومنها التنجيم. مناسبة الحديث للباب: أن فيه وعيد مصدق بالسحر، ومنه التنجيم الذي هو موضوع الباب. "1" أخرجه أحمد في المسند "4/399" وابن حبان في موارد الظمآن برقم "1380، 1381". ص -240- ما يستفاد من الحديث: 1- تحريم التنجيم وأنه من الكبائر؛ لأنه داخلٌ في السحر الذي لا يدخل الجنة من صدّق به. 2- تحريم شرب الخمر والوعيد الشديد في حقّ من مات ولم يتُب من شربها. 3- وجوب صلة القرابة وتحريم قطيعتها. 4- وجوب التكذيب بالسحر بجميع أنواعه. المصدر : http://ia600304.us.archive.org/34/it...mskt2/mskt.pdf |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[جمع] الجمع الثمين لكلام أهل العلم في المصرّين على المعاصي والمدمنين | أبو عبد الودود عيسى البيضاوي | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 0 | 13-09-2011 09:33PM |
أقوال العلماء السلفيين في حكم من حكَّم القوانين | أبو حمزة مأمون | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 10-06-2010 01:51AM |
(الشيخ ربيع بين ثناء العلماء ووقاحة السفهاء) | أبوعبيدة الهواري الشرقاوي | منبر الجرح والتعديل | 0 | 21-12-2008 12:07AM |
مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك | 4 | 08-11-2007 12:07PM |
صحيح المقال في مسألة شد الرحال (رد على عطية سالم ) | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر البدع المشتهرة | 0 | 12-09-2004 12:02PM |