#1
|
|||
|
|||
لا أثر للعبودية مع الأحرار
لا أثر للعبودية مع الأحرار قدم ناس من قوم حارثة مكة فرأوا زيدا فعرفوه، فلما رجعوا أخبروا أباه و كان قد وجد على فقده و سبيه وجدا شديدا، و كان دائم البحث عنه، فما أن بلغه نبأ وجوده بمكة حتى خرج هو و أخوه كعب قاصدين إلى مكة ليفتديا زيدا من مالكه بما استطاعا من المال. قدما لمكة و سألا عن محمد صلى الله عليه و آله و سلم الذي يملك ابنهما فدلا عليه في المسجد بفناء الكعبة، فدخلا عليه فقالا: " ابن عبد المطلب يا بن سيد قومه أنتم أهل حرم الله و جيرانه، تفكون العاني و تطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك تمنّ علينا و تحسن إلينا في فدائه" قال: " من هو؟" قالا: " زيد بن حارثة" فقال: " فهلا غير ذلك؟ " قالا: "ما هو إلا ذاك" قال: " ادعوه فأخبراه، فإن اختاركم فهو لكم، و إن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من يختارني أحدا " قالا: " قد رددتنا إلى النصف و أحسنت " فدعاه فقال: " هل تعرف هؤلاء؟ " قال: " نعم، هذا أبي و هذا عمي " قال: " فأنا من قد علمت و قد رأيت محبتي فاخترني أو اخترهما " قال زيد: " ما كنت بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب و العم " فقالا: " ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية و على أبيك و عمك و أهل بيتك؟ " قال: " نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا ". كان زيد بحكم العادة عبدا مملوكا و لكنه لم يشعر مع محمد صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأحرار- و هذا قبل نبوته – بشيء من آثار العبودية. إنّه لا يستبدّ بالناس، و يمتهنهم و يدوس كرامتهم إلا من لم يستكمل معنى الإنسانية و لم يكن هو في نفسه حرا، أما من كملت إنسانيته و خلصت حريته فإنه لا يستطيع أن يمتهن الإنسانية و لا يذل كرامتها، و إنّ الوصايا التي أوصى بها الإسلام في شأن المملوك و الخدم لا يشعر معها المملوك و الخادم بشيء من العبودية و انحطاط المقام، و محمد صلى الله عليه و آله و سلم المفطور على الرحمة و الإحسان، سيد الناس و سيد الأحرار لم يشعر معه زيد بشيء من أثر العبودية، و اختار البقاء معه على الأب و العم و الأقارب. جازى محمد صلى الله عليه و آله و سلم زيدا على اختياره له على أبيه و عمه و أهله فأعلن بتبنيه، فصار يدعى زيد بن محمد حتى أبطل الله التبني بقوله: ﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم ﴾ [ الأحزاب:5 ]، و زيد أحد السابقين للإسلام، و ما ظنك بمن ربي تحت جناح محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ [ آثار ابن باديس المجلد:2 ، الجزء:2 ، الصفحة: 272-273 ] |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|