|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
إخلاص العمل لله - خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
إخلاص العمل لله الحمد لله، إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى. عبادَ الله، ديننا قائم على اعتقاد القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح فلا يكون العبد مؤمنًا حتى يعتقد في قلبه حقيقة الإيمان في الله والإيمان في رسوله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء خيره وشره يعتقد ذلك في قلبه اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا بد من نطق اللسان بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا بد من أعمال صالحة تبرهن حقيقة هذا الإيمان وتدل على أن هذا الإيمان حقا، فالأعمال الصالحة هي المترجمة لما قام في القلب من تصديق ويقين وإذا تخلفت الأعمال عن الإيمان دلّ على نقص الإيمان وقد يدل على انعدامه والعياذ بالله. أيها المسلم، كما أن الأعمال وحدها بلا إيمان لا تنفعه شيئا ولا تفيده شيئا (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، فالأعمال بلا إيمان وعقيدة لا تنفع والإيمان بلا عمل لا يفيده شيئا ولذا نرى في كتاب الله اقتران الإيمان بالعمل في مواضع بالقرآن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)، إذا فمنال الإيمان بالعمل الصالح مع الاعتقاد الجازم. أخي المسلم، إنك مأمور بالعمل مطالب بالعمل (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، مطالب بالعمل فواجبك العمل الصالح ليدل ذلك على أن في القلب اعتقادًا جازمًا كاملاً. أخي المسلم، إذا نظرت إلى عظيم نِعَم الله عليك وأن الله وحده منَّ عليك بالإيمان منَّ عليك بالإسلام وشرح صدرك للإسلام وجعلك تنقاد لشرع الله تَقْبل شرع الله وتنفّذ أوامر الله وتجتنب نواهيه فاعلم أنها مِنَّة عظيمة من الله عليك (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ). أخي المسلم، تذكر وتفكر في نفسك وأن الله شرح صدرك للإسلام فجعلك توحّد ربك وجعلك تؤدي هذه الصلوات وتخرج الزكاة وتصوم وتحج وتبرّ الوالدين وتصل الرحم وتتخلق بالأخلاق الكريمة رجاءاً لثواب الله وطمعًا في وعده الصادق الذي وعد به العاملين الذين عملوا وأخلصوا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. أيها المسلم، ثم تفكر في أقوام مثلك أُعطوا أسماعًا وأبصارًا وعقولًا وحواساً ولكن الله صرف قلوبهم عن الإيمان وحال بينهم وبين الإيمان فما أغنت عنهم تلك الحواس شيئا لم يقبلوا شرع الله ولم تنشرح صدورهم لدين الله قال جل وعلا: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). أخي المسلم، لهم قلوب لكن ما فقهوا شرع الله وأعين ما بصروا الحق وآذان ما أصغوا للحق قال جل وعلا: (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)، فعليك أن تشكر الله أن هداك لهذا الدين وقد أضل عنه الأكثرون إِحْمد الله على هذه النعمة وازدد شكرًا لله وثناءاً عليه وَجُدَّ اجتهادًا في طاعة الله لأنك على الصراط المستقيم فاحمد الله على هذه النعمة واسأله التوفيق والسداد وأن يختم لك بصالح العمل. أخي المسلم، وإن وُفِّقت للعمل الصالح فأخلصت لله أعمالك وصدقت واتبعت شرع الله وكان عملك مع الإخلاص لله موافق لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فاحمد الله على هذه النعمة واسمع قول الله عن أهل الجنة يقولون: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)، فلولا توفيق الله لك ما قبلت الإسلام لولا فضل الله عليك ما أدَّيت الفرائض لولا هداية الله لك ما استقمت على هذا الدين وَثَبَتَّ عليه. أخي المسلم، إن المسلم يَجِدُّ في العمل فيخلصه لله ويوقعه على وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكنه مع هذا الإخلاص والمتابعة هو على خوف عظيم وخجل عظيم خوف من قبل نفسه لا يسيء ظنه بربه فهو يعلم أن الله يقول: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)، لكنه يخاف أن يؤتى من نفسه فيزل لسانه بكلمة توبق دنياه وآخرته يخشى من رياء يعرض له فيحبط عمله أو إعجاب بنفسه وتكبر بعمله فيكون ذلك من أسباب حبطان العمل قال رجل والله لا يغفر الله لفلان قال الله: (من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر له قد غفرت له وأحبطت عملك)، فهو دائما يخاف على عمله من أن يأتيه ما ينقصه نسأل الله العافية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)، سلفكم الصالح يعملون ويخلصون ويجدون ويجتهدون ولكنهم يخافون على أعمالهم سوء ظن بأنفسهم مع الثقة بربهم جل وعلا قال الله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، تسأل عائشة أم المؤمنين رسول الله عن هؤلاء وأعمالهم قال: "قوم يصلون ويصومون ويتصدقون ولكن يخشون ألا يقبل منهم"، لا والله سوء الظن بربهم ولكن خوف على أعمالهم وخوف من أن يُؤْتَوا من قبل أنفسهم فتذكَّر أخي نعمة الله عليك بالإستقامة على الهدى وتذكَّر حال قوم، الصلاة ثقيلة عليهم والزكاة شاقة عليهم والصيام لا يعبئون به والحج لا يبالون به والمنكرات لا يكفُّون عنها والواجبات يعطلونها وقد هداك الله للإسلام وعرفت الحق من الباطل فاحمد الله على هذه النعمة فأعظم نعمة عليك أن هداك الله للإسلام (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، فَجُدَّ واجتهد أخي في بقية شهرك فلعلك أن توفق في توبة نصوح تتدارك بها ما مضى من سيئات أقوالك وأعمالك. أيها المسلمون، إن نبينا صلى الله عليه وسلم فرض علينا في بقية شهرنا صدقة الفطر وجعلها فريضة على المسلمين جميعا أحرارهم وعبيدهم ذكورهم وإناثهم صغارهم وكبارهم لأنها زكاة للبدن شكرًا لله على نعمته بإكمال هذا بعافيتك وسلامتك وإكمال صيامك وقيامك هذه الفريضة أعني زكاة الفطر فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على فرضيتها صريح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر رضي الله عنهما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر أو صاع من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وعموم القرآن يدل عليه فإن الله أمرنا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نقبل أوامره ونطبقها ونواهيه فنجتنبها (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، هكذا بينه الله في كتابه فهذه الزكاة فريضة على المسلم الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى فريضة عليه إذا كان يملكها زائدة عن قوت يومه وليلته فإنه يخرج صاعًا من الأمور المذكورة فرضها رسول الله على المسلم فيؤديها المسلم عن نفسه ويؤديها عمن ينفق عليه من زوجة وأولاده ذكورهم وإناثهم وخدم ونحو ذلك يخرجها عنهم كاملة هكذا دلت السنة ومن كان قادرًا من الأولاد وأخرجها عن نفسه فإنه مخاطب بذلك واستحب أمير المؤمنين عثمان إخراجها عن الجنين وإن كان غير مخاطب فدل على أن إخراجها عن الجنين سنة سنها عثمان رضي الله عنه. أيها المسلم، وهذه صدقة الفطر لها حكم عظيمة وفوائد كثيرة فمن حكمها أنها إحسان للفقراء والمساكين وكفَّاً لهم عن السؤال في يوم العيد يقول صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم عن الطواف في ذلك اليوم"، واتصافهم بِخُلُق البذل والعطاء وفيه أيضًا شكر لله على إكمال الصيام والقيام وفيه شكر لله على سلامة البدن وعافيته وهي تطهر الصائم مما حصل عليه بصيامه من اللغو والرفث من أقوال أو أعمال قال ابن عباس رضي الله عنهما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات وهذه الفطرة تخرج من طعام الآدميين من البر والأرز والتمر والشعير والأقط والزبيب أنواع ما يأكلهن الآدميون لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعًا من طعام وكان طعامهم إن ذاك التمر والشعير والأقط والزبيب، فيخرجها المسلم من قوت بلده وينظر أي الأنواع أنفع للفقراء فيعطيه فإن كان الأرز أنفع فأعطاهم وإن كان التمر أنفع أعطاهم وإن كان البر أنفع أعطاهم المهم أن يبذل ما يرى أن الفقير يقبله منه وينتفع به هكذا دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب فيها صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وقد حرره كثير من العلماء بأنه ثلاث كيلو من الأرز أو من غيره فإخراج الكيلو فيه احتياط وإبراء للذمة باليقين وهذا أمر مطلوب من المسلم أن يحتاط لإبراء ذمته أن يجعلها ثلاثة كيلو عن نفسه وعن كل فرد من أفراد عائلته ولا ينبغي لنا أن نخرج قيمتها لأن إخراج قيمتها يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي فرضها من أنواع مختلفة متغايرة القيمة وفي أوقات معينة فلو أخرجنا قيمتها لكان خلافًا لما عيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ولأن النبي فرضها من أنواع مختلفة وقيمها مختلفة فلو كانت القيمة مجزَّأة لقال هذا أو ما يعادل قيمتها فالمطلوب أن نبقى على إخراجها من الطعام من طعام الآدميين كما كان عليه رسول الله وصحابته الكرام. أيها المسلم، وهذه صدقة يستلمها الفقير من نفسه أو من أنابه عنه ليقبضها من دافعها فلا تبرأ ذمة الدافع إلا أن يسلمها للفقير أو يسلمها لمن أنابه الفقير ليقبضها منه وهذه الزكاة لها أوقات فوقت وجوبها على المسلم أن يدرك غروب الشمس أخر يوم من أيام رمضان فمن غربت عليه الشمس ذلك اليوم آخر أيام رمضان فقد وجبت زكاة الفطر في ذمته لأنها مضافة للفطر فإذا غربت الشمس آخر يوم من رمضان فإنها تسمى ليلة الفطر فلهذا يجب إخراجها بذلك الوقت ولها وقتان لإخراجها وقت أفضل لمن قَدِرَ أن يخرجها يوم العيد قبل الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأدائها قبل الصلاة ومن شق الأمر عليه ورأى أن ذلك غير ممكن فأخرجها قبل العيد بيوم أو يومين فإن ذلك مجزئ واختر لها نوعًا جيدا ولا تقصد الرديء منها قال الله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)، وابحث عن المستحقين لها من العوائل المحتاجين لها الذين تنفعهم إذا أخذوها وتفيدهم قوتهم في شهور متعددة أم الذين يأخذونها ويبيعونها وليسوا بحاجة لها فإن هؤلاء لا يعطون منها إنما يعطى الفقراء المستحقون لها ولا بد من إخراجها قبل يوم العيد فلا يجب التساهل بها وإهمالها لابد من إخراجها قبل يوم العيد لأن من أداها بعد الصلاة فإنها صدقة من الصدقات وقد ذهبت هذه الفريضة بذهاب وقتها فالمطلوب منا المبادرة بها والاهتمام والعناية بإخراجها لأنها فريضة فرضها نبينا صلى الله عليه وسلم فإن المسلم يشكر الله أن بلَّغه رمضان وأعانه على الصيام والقيام فهي نعمة من الله عليه فيشكر الله جل وعلا بلسانه وقلبه بإخراج هذه الزكاة زكاة الفطر وإعطائها المستحقين لها فإنها من شكر الله على نعمته وإفضاله عليه أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى. عباد الله، إن الله جل وعلا تفضل علينا فافترض علينا صيام رمضان رحمنا فافترض علينا صيام رمضان كما افترضه على الأمم قبلنا وخصنا فيه بخصائص لم تكن لأمة قبلنا جعل صيام رمضان مكفرًا لما قبله من الذنوب "من صام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، وجعل قيامه مكفر لما مضى من الذنوب "من قام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، واختص هذا الشهر بليلة عظيمة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها جعل قيامها مكفر لما مضى من الذنوب "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، هذه الليلة هي في رمضان سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر أهي مع الأنبياء فإذا قبضوا رفعت أم هي ليوم القيامة قال: "بل هي إلى يوم القيامة"، هذه الليلة المباركة تعود على الأمة في كل رمضان هذه الليلة المباركة جعلها الله في العشر الأخيرة من رمضان نبينا صلى الله عليه وسلم كان العشر الأول والوسط ينتظرها فلما أُخبر أنها في العشر الأخيرة إذ جعل اعتكافه خاصًا بالعشر الأخيرة من رمضان وهذه الليلة أخبرنا الله عن فضلها وعظيم شأنها فقال جل وعلا: (حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). أيها المسلم، هذه ليلة مباركة وحق لها أن تكون مباركة فمن أعظم بركاتها أن الله ابتدأ إنزال القرآن على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها لأن الله قال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)، وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، إذا فهي من بركتها إنزال القرآن فيها الذي قال الله فيه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، ومن بركاتها أن من وافق إحياء تلك الليلة غفر الله له مما تقدم من ذنبه وإحياءها يكون بالصلاة بتلاوة القرآن بالذكر والتسبيح والتهليل والالتجاء إلى الله والتضرع بين يديه أن يكشف الله ضره ويوفقه لعمل صالح ويختم له بخاتمة خير إن الله جل وعلا جعل لعبادة تقادير ثلاثة فمنها التقدير العام في أم الكتاب فإن الله جل وعلا علم ما العباد عاملون وكتب ذلك العلم قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة أول ما خلق الله القلم قال: (اكتب)، قال: ما أكتب؟ قال: (اكتب) فجرى في تلك الساعة مما هو كائن إلى يوم القيامة (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، وهناك التقدير العمري فإن الجنين في بطن أمه عندما يبلغ المئة والعشرين يوما يأتيه الملك فيكتب رزقه ويكتب أجله ويكتب عمله وشقيٌ أم سعيد وهناك التقدير الحولي في ليلة القدر فيها يفرق كل أمر حكيم تعطى الملائكة من اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى مثلها من رمضان الآتي من الخير والشر والرزق والآجال وكل ما قضاه الله وقدَّره وأحكمه من قضاء محكم ،الذي لا يلحقه شبه ولا عيب ولا باطل وإنما هو أمر محكم (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ). أيها المسلم، فيرتجي المسلم يلتمسها في هذه الليالي المباركة يلتمسها بقوة الإيمان والصدق والإخلاص والتضرع بين يدي الله يلتمسها لعل الله أن يغفر بها ذنبه ولعل الله أن يكفر خطيئته ولعل الله أن يوفقه في مستقبل أمره لعمل صالح يكون سببا لنجاته من عذاب الله فارتقبوها في هذه الليالي المباركة بالجد والنشاط والقيام في آخر الليل والتضرع بين يدي الله في الليل والنهار فإن الله يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، والله يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). أخي المسلم، إن الله جل وعلا فتح بابه للسائلين وبسط يده ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل إن الله أكرم الأكرمين وأجود الأجودين يدعوك يا عبده لتنوب إليه يدعوك لتسأله وتتضرع بين يديه يدعوك لترجوا ، يدعوك ليكشف همك ويزيل غمك ويشفي مرضك ويقضي دينك ويذهب همك وحزنك يدعوك لأن تشكو إليه كل همومك وأحزانك يدعوك لأنه الكريم الأكرم يدعوك لأن عطاءه لا ينفذ (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)، يدعوك لتكون راجيا له معلق أملك به جل وعلا إن الخلق لا ينفعونك وإن أعطوك فعن منَّة يعطونك وعن قلَّة يعطونك مع المنَّة والتكبُّر عليك وربك أكرم الأكرمين كلما دعوته وتضرعت بين يديه أدناك وقربك وأعزك ورفع شأنك كلما ازددت له تضرعًا وخضوعًا وذلًا ازداد لك حبًا وعطاء وفضلا فلا تنسى ربك أخي المسلم لا تنسى خالقك ورازقك لا تنسى من بيده رزقك ومن بيده أجلك ومن بيده نفعك ومن بيده ضرك لا تنساه وتعرض عنه وتعلق قلبك بهذه المخلوقين فما عندهم إلا الضرر والبلاء تعلق قلبك بربك وخالقك واشكو إليه همومك يقول يعقوب عليه السلام: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، وأيوب يقول الله عنه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ)، وذا النون ينادي في ظلمات البحار (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)، كم ديون حملتها للخلق لا تستطيع وفائها إلجأ إلى الله أن ييسر عليك أمورها ويهون عليك قضاءها ويعينك على كل حال كم معاص اقترفتها وسيئة ارتكبتها فاسأل الله التوبة منها والعفو والعافية كم من جرائم اقترفتها نسيت أو علمت فالجأ إلى الله فإنه عالم سرك ونجواك عالم بكل أحوالك مد يد الضراعة إليه وارفع أكف الضراعة إليه فإنه حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردها خائبتين ألح عليه في الدعاء فإما أن تعجل دعوتك وإما أن تُدَّخر لك في الآخرة وإما أن يصرف عنك من السوء ما لا تعلمه فلست ندمانًا في دعاءه ولا في التضرع بين يديه في هذه الأيام والليالي المباركة فعسى توبة نصوح وعسى فضل من ربنا الكريم ادعوه مخلصين له الدين تقول عائشة يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول قال: "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"، سبقت رحمة ربنا غضبه فعلينا أن نغتنم ذلك ولا ننخدع بنفوسنا اللهم إنا نسألك بأن نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل نسألك بوجهك الكريم الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيمانا واحتسابا اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهر وقامه إيمانًا واحتسابا اللهم اجعل لنا في هذه الليالي والأيام المباركة أوفر حظ ونصيب اللهم اجعلنا فيها ممن غفرت ذنبه اللهم اجعلنا فيها ممن غفرت ذنبه وأقلت عثرته وسترت عيبه وأجبت دعاءه وقبلت عمله وتفضلت عليه فأعتقته من النار اللهم اجعلنا من العتقاء من عذابك اللهم اجعلنا من العتقاء من عذابك اللهم اجعلنا فيها من الفائزين برضوانك اللهم اغفر لأمهاتنا اللهم اغفر لأمهاتنا اللهم اغفر لأمهاتنا اللهم اغفر لآبائنا اللهم اغفر لآبائنا اللهم أصلح ذرياتنا اللهم اجمع قلوبنا على طاعتك اللهم اجعلنا من أولياءك المتقين وعبادك المخلصين اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور اللهم اجعل جمعنا جمعًا مباركا مرحوم واجعل تفرقنا بعده تفرقا معصوما اللهم اقبل يسير أعمالنا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء نرفع أكف الضراعة إليك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا أكرم من دعي وخير من رجي اللهم اجعل لنا في هذه الليلة المباركة أوفر حظ ونصيب اللهم اغفر ما مضى من ذنوبنا اللهم اغفر ما مضى من ذنوبنا اللهم رُدَّه علينا سنوات عديدة وأعوام مديدة بخير وعز للإسلام والمسلمين اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح ولاة أمرنا اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه اللهم وفق إمام المسلمين لكل خير وأعنه على كل خير واجعله مباركا أينما كان ووفق ولي عهده ونائبه لكل خير إنك على كل شيء قدير اللهم من أرادنا وسائر المسلمين بسوء فاجعل شره في نحره وَحُل بينه وبين مراده إنك على كل شيء قدير اللهم كما أنعمت علينا بنعمك العظيمة فارزقنا شكرها والقيام بحقها يا سميع الدعاء يا خير من تجاوز وعفا. واعلموارحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ؛ ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على محمد صلى الله عليه وسلم، كما أمركم بذلك ربُّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم، وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين الأئمةِ المَهدِيِّين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وأعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين. اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتََََّنا ووُلاةَ أمرِنا، ووفِّقْهُم لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار. عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
__________________
عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم الخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف أبو محمد أحمد بوشيحه الليبي ahmad32az@yahoo.com التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بشار ; 13-09-2010 الساعة 12:20AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|