|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
أسباب انشراح الصدر (لإبن القيّم) رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه عدّة أسباب ذكرها إبن القيّم رحمه الله في كتابه القيّم زاد المعاد لإنشراح الصدر حيث قال رحمه الله : فأعظم أسباب شرح الصدر : التوحيد : وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه قال الله تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } [ الزمر : 22 ] وقال تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء } [ الأنعام : 25 ] فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر والشرك والضلال : من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه ومنها : النور الذي يقذفه الله في قلب العبد وهو فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج وصار في أضيق سجن وأصعبه وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا : وما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله (ضعيف) فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور وكذلك النور الحسّي والظلمة الحسية هذه تشرح الصدر وهذه تضيقه ومنها : العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع وليس هذا لكل عالم بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه و سلم وهو العلم النافع فأهله أشرح الناس صدرا وأوسعهم قلوبا وأحسنهم أخلاقا وأطيبهم عيشا ومنها : الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته : فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك حتى إنه ليقول أحيانا : إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب وللمحبة تأثير عجيب في إنشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس به وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن فرؤيتهم قذى عينه ومخالطتهم حمى روحه ومن أعظم أسباب ضيق الصدر : الإعراض عن الله تعالى وتعلق القلب بغيره والغفلة عن ذكره ومحبة سواه فإن من أحب شيئا غير الله عذب به وسجن قلبه في محبة ذلك الغير فما في الأرض أشقى منه ولا أكسف بالا ولا أنكد عيشا ولا أتعب قلبا فهما محبتان محبة هي جنة الدنيا وسرور النفس ولذة القلب ونعيم الروح وغذاؤها ودواوها بل حياتها وقرة عينها وهي محبة الله وحده بكل القلب وانجذاب قوى الميل والإرادة والمحبة كلها إليه ومحبة هي عذاب الروح وغم النفس وسجن القلب وضيق الصدر وهي سبب الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه سبحانه ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال وفي كل موطن : فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه ومنها : الإحسان إلى الخلق ونفعهم : بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما [ وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد كلما همَّ المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت حتى يجر ثيابه ويعفي أثره وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه ] (صحيح ) رواه مسلم والبخاري والنسائي فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق وانفساح قلبه ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه ومنها الشجاعة : فإن الشجاع منشرح الصدر واسع البطان متسع القلب والجبان : أضيق الناس صدرا وأحصرهم قلبا لا فرحة له ولا سرور ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجها فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل وعلى كل معرض عن الله سبحانه غافل عن ذكره جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه متعلقُ القلبِ بغيره وإن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضا وجنة وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذابا وسجنا فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيما وعذابا وسجنا وانطلاقا ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ولا بضيق صدر هذا لعارض فإن العوارض تزول بزوال أسبابها وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه فهي الميزان والله المستعان ومنها بل من أعظمها : إخراح دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه وتحول بينه وبين حصول البرء فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحظ من انشراح صدره بطائل وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه وهو للمادة الغالبة عليه منهما ومنها : ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم : فإن هذه الفضول تستحيل آلاما وغموما وهموما في القلب تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم وما أنكد عيشه وما أسوأ حاله وما أشد حصر قلبه ولا إله إلا الله ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم وكانت همته دائرة عليها حائمة حولها فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } الإنفطار 13 ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى : { إن الفجار لفي جحيم } الانفطار 14 وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى والمقصود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرَّة العين وحياة الروح فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة وقرة العين مع ما خُصَّ به من الشرح الحسي وأكملهم متابعة له أكملهم انشراحا ولذة وقرَّة عين وعلى حسب متابعته ينال العبد انشراح صدره وقرَّة عينه ولذَّة روحه ما ينال فهو صلى الله عليه و سلم في ذروة الكمال من شرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه والله المستعان وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم وعصمته إياهم ودفاعه عنهم وإعزازه لهم ونصره لهم بحسب نصيبهم من المتابعة فمستقل ومستكثر فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه إنتهى كلامه رحمه الله وأسأل الله جلَّ وعلا أن يشرح صدورنا بالإسلام والإيمان
وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنّه سميع مجيب والله أعلم وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد
__________________
قال حامل لـواء الجرح والتعديل حفظه الله : والإجمال والإطلاق: هو سلاح أهل الأهواء ومنهجهم. والبيان والتفصيل والتصريح:هو سبيل أهل السنة والحق
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بشار ; 10-09-2010 الساعة 07:01AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
إنشراح ، الصدر |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|