|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
التحذير ممّا يحبط الأعمال - خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
التحذير ممّا يحبط الأعمال أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى. عبادَ الله، إنَّ من نعمِ اللهِ على العبدِ المسلمِ هدايتَه للإيمانِ، وتوفيقَه للعملِ الصالحِ؛ فعلى المؤمنِ أن يشكُرَ اللهَ على هذه النعمةِ الجليلةِ، ويسعى في إتقانِ عملهِ على وَفقِ ما دلَّ الكتابُ والسنةُ عليه، مع الإخلاصِ والصدقِ لله في ذلك، وأن يخشى المسلمُ أن يُصيبَ عمله ما يُبطِلُهُ ويُحبِطُه؛ فعليه أن يسألَ اللهَ الثباتَ، والاستقامةَ، وقبولَ العملِ. أيُّها المسلمُ، إنَّ أصحابَ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم خيارَ الأمَّةِ، كانوا أهلَ جَدٍّ في العملِ ومع جَدِّهم في العملِ وإخلاصِهم لَهُ، كانوا يخافونَ على أنفسِهم من أن يَعرِضَ لأعمالِهم الصالحةِ ما يُسَبِّبُ بُطلانَ ثوابِها، قال اللهُ جَلَّ وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:57-60]، تسألُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي اللهُ عنها النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم عن هؤلاء (الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، أَهُمْ المُقْتَرِفونَ للمُحَرَّماتِ؟ قال: "لا، ولكنهم يصومونَ ويُصَلُّونَ ويَتَصَدَّقونَ، ويخافونَ ألَّا يُقبَلَ منهم"، (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61]، يقولُ أبو الدرداءِ رضيَ اللهُ عنه صاحبُ رسولِ اللهِ: "لو أعلمُ أنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مني مثقالَ ذرَّةٍ لتَمَنَّيْتُ الموتَ؛ لأنَّ اللهَ يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]"، ويقولُ أحدُ التابعينَ: "أدركتُ نفرًا من أصحابِ رسولِ اللهِ، كُلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسِهِ، ما منهم من يقولُ: إنَّ إيمانَه كإيمانِ جبريلَ وميكائيلَ". أيُّها المسلمُ، فأتقنْ العملَ، وأصلحْهُ، وأخلصْ للهِ فيه، واحذرْ ممَّا يُسَبِّبُ بُطلانَ عملِك، وحافظْ على عملِك، من الكفرِ، والنفاقِ، والرياءِ؛ فتلك أسبابٌ تُحبِطُ الأعمالَ الصالحةَ، والعياذُ باللهِ. أخي المسلمُ، إنَّ اللهَ جلَّ وعلا أمرَنا بطاعتِه وطاعةِ رسولِه، وحذَّرنا من أن نُبطلَ أعمالَنا بما يُناقِضُها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33]. أخي المسلمُ، لعلَّكَ أن تتساءلَ كيفَ يبطَلُ ذلك العملُ، وكيف يَذهبُ ثوابُ ذلك العملِ، واللهُ يقولُ: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض) [آل عمران:195]. أخي المسلمُ، إنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملًا، كما قال جَلَّ وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف:30]، ولكن هناك أمورٌ، تُسَبِّبُ للعمل أن يذهبَ ثوابُه ويَبطُلُ، فأعظمُ ذلك الشركُ بالله لما كان توحيدُ اللهِ أعظمَ الأعمالِ، وأشرفَها، وأنَّ من لَقِيَ اللهّ بهذا التوحيدِ الخالصِ -بتوفيق الله- فمآله إلى جنات نعيم (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، وفي الحديث: "من كان آخرَ كلامِهِ من الدنيا، لا إلهَ إلا اللهُ دَخَلَ الجنةَ"، ولكن هذا العملُ العظيمُ، قد يعرضُ له ما يحبطُ ثوابَه، وهو الشركُ بالله؛ فإنَّ الشركَ باللهِ من أعظمِ أسبابِ حُبطانِ الأعمالِ، قال اللهُ جلَّ وعلا: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) [التوبة:17]، وقال الله لنبيِّه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65]، فالمشركُ باللهِ الذي أشركَ مع اللهِ غيرَه فعبدَ غيرَ اللهِ، وتَعَلَّقَ قلبُه بِغيرِ اللهِ، يدعو غيرَ اللهِ، ويرجُو غيرَ اللهِ ويستغيثُ بغيرِ اللهِ، ويُعَلِّقُ أملَه بغيرِ اللهِ، ويدعو الأولياءَ والصالحينَ، ويَنذرُ لهم ويَذبُح الذبائحَ عند قبورهم ويهتف بأسمائهم في الشدائد ويزعم أنهم يفرجون همومه، وكروبَه، ويَقضون حاجتَه، ويَنسى الربَّ القَوِيَّ العزيزَ السميعَ البصيرَ؛ فالمشركُ بهذا الشركِ أحبطَ كُلَّ أعماله لأن الله يقول: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، والمسلم يخاف على نفسه من الشرك ولا يَأمَنُ على نفسِهِ فإنَّ اللهَ يقولُ: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99]. أخي المسلمُ، وممَّا يُحبِطُ العملَ الصالحَ، الارتدادُ والانحرافُ عن الإسلامِ -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ- فإنَّ نعمةَ الإسلامِ من أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عليكَ، أنْ هداكَ للإسلامِ، وشرحَ صدرَك لقَبولِه ووَفَقَّكَ للعملِ الصالحِ، فعندما تَرْتَدُّ عن هذا الدينِ، وتنحرفُ عن هذا المنهجِ المُستقيمِ؛ فإنَّ ذلك من الأسبابِ القَوِّيَةِ لإحباطِ عملِكَ، قال جَلَّ وعلا: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:217]، فالجاحدون لأركانِ الإسلامِ كمن يُنكِرُ وجوبَ الصلاةِ، أو فَرَضِيَةَ الزكاةِ، والصومِ والحَجِّ؛ فإنَّ هذا انحرافٌ وارتدادٌ عن دينِ الإسلامِ -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ-، ومن يُحِّلُ مُحَرَّمًا أجمعَ المسلمون على تحريمِه، معلومٌ تحريمُه من الدِّينِ بالضرورةِ لدَلالَةِ الكتابِ والسنةِ على تحريمِه؛ فذاك انحرافٌ وارتدادٌ عن الإسلامِ -نسألُ اللهَ الثباتَ-؛ فإنَّ المسلمَ -حقًا- يُؤمنُ بتحريمِ ما حَرَّمَ اللهُ، وفَرضِيَةِ ما أَوْجَبَ اللهُ، فمن أباحَ المُحَرَّماتِ، مِنَ الزنا، والخمرِ، والرِّبا، وقتل النفسِ بغيرِ حقٍ، وانتهاكِ أموالِ المسلمينَ؛ فإنَّ ذلك ضلالٌ مبينٌ -نسألُ اللهَ الثباتَ على الحَقِّ-، فالمسلمُ في قلبه يقينٌ بفَرضِيَةِ ما أوجبَ اللهُ عليه من الفرائضِ، ومعتقدًا تحريمَ ما حَرَّمَ اللهُ عليه من المُحَرَّماتِ، اعتقادًا حقيقيًا، لا إشكالَ، ولا شَكَّ عنده في ذلك. أيُّها المسلمُ، ودينُ الإسلامِ الذي بعثَ اللهُ به محمدًا صلى اللهُ عليه وسلم، هو خاتمُ شرائعِ اللهِ، محمدٌ صلى الله عليه وسلم خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينَ (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب:40]، ورسالتُه لجميعِ الخلقِ أجمعين (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف:158]، (كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ:28]، وشريعتُه خاتمةُ شرائعِ اللهِ كُلِّها؛ فلا نبيَّ بعدَ نُبُوَّتِهِ، ولا شريعةَ بعد شريعتِهِ، وقد جعلَ اللهُ الحقَّ في هذا الدينِ، الذي جاء به، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران:19]، فحقيقةُ الإسلامِ بعدما بعثَ اللهُ محمدًا صلى اللهُ عليه وسلم منحصرٌ فيما جاء به محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، صلى اللهُ عليه وسلم، والانحرافُ عن هذا الدينِ، أو اعتقادُ مساواةِ هذا الدينِ بالأديانِ المَنسوخَةِ المُلغاةِ، ضلالٌ مبينٌ؛ فإنَّ اللهَ يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85]، فمن يعتقدُ التسويةَ بين الإسلامِ وسائرِ الدِّياناتِ الباطلةِ، ويرى أن للعبدِ أن يختارَ أيَّ دينٍ شاءَ؛ فذاك سببٌ لحُبْطانِ أعمالِهِ -والعياذُ باللهِ- وضلالِه عن الإسلامِ؛ إذ الإسلامُ هو الدينُ الحَقُّ، الذي اِفْتَرَضَهُ اللهُ على العبادِ، وما سِواهُ فدينٌ باطلٌ؛ قد نَسَخَهُ اللهُ جلَّ وعلا بهذه الشريعةِ المُحَمَدِيَّةِ؛ فقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ). أخي المسلمُ، وممَّا يُحبِطُ عمَلَك الصالحَ، ما أن تكرهَ شيئًا مما جاءت به شريعة الإسلام، ويكونُ عندك ترددٌ، وعدمُ قبولٍ لما جاء به محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلم، أن تكرهَ شيئا من شريعةِ الإسلام ولا ترضاها ولا تؤمنُ بها؛ فذاك ضلالٌ عظيمٌ، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:9]، قِفْ أخي معي قليلا (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)، فكراهيةُ العبدِ لأمورٍ أنزلها اللهُ بأن يكرهَ الواجباتِ، أو يكرهَ المُحَرَّماتِ، أو يرى أنَّ هذا التحريمَ غيرُ مناسِبٌ، أو أنَّ هذا الفرضَ غيرُ مُناسبٍ؛ فذاك سببٌ لحُبطانِ أعمالِه، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ* أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا* إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ* فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:22-28]. أخي المسلمُ، لِنَقِفْ قليلًا عندَ هذه الآياتِ، ونَتَأَمَلْ كيفَ يَكرهُ المسلمُ ما أنزَلَ اللهُ، وكيفَ يُطِيعُ أعداءُ الإسلامِ في بعضِ ما حَرَّمَ اللهُ عليه، وأنَّ هذا من أسبابِ حُبْطانِ الأعمالِ، إنَّ بعضَ المُنافِقينَ مِنْ هذهِ الأُمَّةِ، وليس هؤلاء المنافقينَ السابقينَ فحسبُ، ولكن منافقو هذه الأمةِ، في هذه العصورِ المُتأخِرَةِ، عندما تَسمعُ بعضَ مقالاتِهم، أو تَتَدَبَّرُ بعضَ أُطروحاتِهم، تَشُمُّ من ذلك كراهيتَهم لما جاء به محمدٌ صلى اللهُ عليه وسلم، وتَوَقُّفهم، وتردُّدُهم في ذلك، وبَعضُهم ربَّما يُصَرِّحُ بكراهيةِ هذا الحكمِ الشرعيِّ، ويسخَرُ به، ويَستهزِئُ به، وذاك -والعياذُ باللهِ- ضربٌ من النفاقِ، قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)، [محمد:30] دَيْدَنَةُ هؤلاء أن يُبَّغِضوا للناسِ شريعةِ الإسلامِ، وأن يَقدَحوا في شعائرِها، وفرائضِها، وأن يكرَهوا التحاكُمَ إليها، وتحكيمَها، ويصفون حدودَها بأنها وحشيةٌ، ورجعيةٌ، وتَخَلُّفٌ، ويروْنَ أن تمسكَ الأمةِ بدينِها وتطبيقِها لشريعة اللهِ، قَعَدَ بها عن التقدُم والرُقِيِّ الماديِّ، وأن الأمَّةَ متى تَمَسَّكَت بدينِها ستكونُ متأخرةَ، وفي مُؤَّخِرَةِ الرَّكبِ، وليس لها قيمةٌ في الوجودِ، هكذا يَتَصَوَّرُ هؤلاء، ويسيئون الظنَّ بالشريعةِ، ولم يَعودوا إلى أنفسِهم، وتقصِيرهم؛ ليَعلموا أن التقصيرَ والأخطاءَ من البشرِ، لا مِن شريعةِ اللهِ. أيها المسلم، يكرهُ أولئك شريعةَ اللهِ؛ فيَكرَهون الحُكْمَ بها والتحاكُمَ إليها، وإخضاعَ الناسِ لها، يَدْعون دائمًا لِفَصْلِِ الدِّينِ عن الدولةِ، وفَصْلِ المُجتمعِ عن الشريعةِ، يَكرَهون للمُجْتَمَعِ المُسلِمِ أن يكونَ مجتمعًا نَقِيًّا طاهرًا، يُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكرِ، وتُرَبَّى الأمَّةُ على القِيَمِ والأخلاقِ الفضيلةِ، هذا يكرهونه ولا يُريدونه، إنما يُريدون أن يُصْبِغوا الأُمَّةَ بصِبْغَةٍ غيرِ إسلاميةٍ، ويُطَبِّقوا عليها مناهجَ أعداءِ الإسلامِ، ويطبقوا عليها نُظُمَ أعداءِ الإسلامِ فيما يَتَناقَضُ مع العقيدةِ والأخلاقِ، والقِيَمِ والفضائلِ، فخُذْ يا أيُّها المسلمُ مثالَ ذلك: يَكرَهون تَعالِيمَ الإسلامِ فيما دعا إليه من الآدابِ، في المَأْكَلِ، والمَشْرَبِ، واللِّباسِ، ويَسخَرون من ذلك، يَكرَهون أخلاقَ الإسلامِ، يُنادون تارةً بأنَّ حجابَ المرأةِ المسلمةِ عَيْبٌ ونَقْصٌ؛ فيُحارِبون الحجابَ، ويَدعون إلى هذا ضدِّه، ويَسخَرون به، وبمن يُنادِي به، ويَصِفونَهم بما يَصِفونَهم به، حتى أنَّ بعضَ أولئِكَ لم يَخْجَلْ، بلْ أيَّدَ أعداءَ الإسلامِ فيما يَدْعونَ إليه من خَلْعِ حجابِ المرأةِ المسلمةِ، بل يدعو أن يكونَ ذلك في بلادِ الإسلامِ، سُخريةً واحتِقارًا لآدابِ الإسلامِ، يَكرَهون للمرأةِ أن تكونَ على حِشْمَةٍ وعَفافٍ وحياءٍ، يُريدون نَزْعَ جِلبابِ الحياءِ منها، وإبعادَها عن أخلاقِ إسلامِها، يَكرَهون للمسلمِ أن يَتَمَسَّكَ بهذا الدينِ، ويَثْبُتَ عليه عندما تدعوهم إلى التزامِ واجباتِ الإسلامِ، من الصلاةِ، والزكاةِ، والصومِ والحجٍِّ، سَخِروا من ذلك، عندما تَدعوهم إلى تركِ ما حَرَّمَ اللهُ عليهم، عندما تقولُ لهم إنَّ الخمرَ حرامٌ بتحريمِ اللهِ ورسولهِ، يقولون أنتم مُتَشدِدُّون، هذه مشروباتٌ روحِيَّةٌ؛ فلماذا تُحَرِّمونها علينا؟ ولم يَعلموا أنَّ الكتابَ والسنةَ قد حَرَّما هذا الشرابَ الخبيثَ، عندما تقولُ لهم إنَّ اللهَ حَرَّمَ الزِّنا، وحَرَّمَ كُلَّ وسيلةٍ تُفْضِي إليه، وطَهَّرَ المُجتمعَ مِنْ هذهِ الجريمةِ النكراءِ، ورَتَّبَ الحدودُ الشرعيَّةَ الرَّادِعَةَ، والوعيدَ الشديدَ في الآخرةِ، سَخِروا منك، وقالوا فتدخلتم في خصوصياتِ الناسِ، ومنعتُم من الاستمتاعِ والتَّلَذُّذِ، عندما تُحَرِّمُ الرِّبا، وتُبَيِّنُ آياتِ تحريمِ الرِّبا، يَكرهون ذلك، ويقولونعجلة الاقتصادِ إذن تتوقفُ، وكيف لنا باقتصادٍ خالٍ من الرِّبا؟ فيَكرَهون تحريمَ الرِّبا وتَضِيقُ صُدورُهم بذلك، عندما تقول لهم اختلاطُ الجِنسينِ من الرِّجالِ والنساءِ من أعظمِ الوسائلِ لهدمِ الأخلاقِ، وانتزاعِ جِلبابِ الحياءِ، يقولون: عَطَّلتُم المجتمعَ من نِصفِهِ، وفعلتُم وفعلتُم، هكذا -والعِياذُ بالله- يَكرَهون ما أنزلَ اللهُ، ويَمْقُتُونَ شرعَ اللهِ. على المسلمِ أن يَحْذَرَ من ذلك، ويعلمَ أنَّ الواجبَ عليه أن يَقْبَلَ شرعَ اللهِ فيما أَمَرَ به، ويَقْبَلَ شرعَ اللهِ فيما نَهَى عنه، ولا يُصْغِي لهذهِ الآراءِ الشَّاطَّةِ، والأفكارِ المُنحَرِفَةِ، التي يَتَبَنَّاها من لا يخافُ اللهَ ويَرجوهُ، وعلى المسلم أن يسألَ اللهَ الثباتَ على الإسلامِ، يقولُ اللهُ جَلَّ وعلا: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24]، وفي الحديثِ أنه صلى اللهُ عليه وسلم يُكثِرُ: "يا مُقَلِّبَ القلوبِ"، تَسْأَلُه عائشةُ؛ فيَقول: "إنَّ قلوبَ العبادِ بينَ أُصبُعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ، يُقَلِّبُها كيفَ يشاءُ، فإذا أرادَ أن يُقَلِّبَ قلبَ عبدٍ قَلَّبَهُ"، فَنَسأَلَ اللهَ الثباتَ على الحَقِّ والاستقامةَ على الهُدَى؛ إنه على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإيَّاكُم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم ولسائِرِ المُسلمين من كُلِّ ذنبٍ؛ فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنّه هو الغفورُ الرَّحيمُ. الخطبة الثانية: الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى. عبادَ الله، ممَّا يُحبِطُ عملَ المسلمِ تضييعُ الصلاةِ، وعدمُ المبالاةِ بها، والنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم قال في صلاة العصر: "من فاتَتْهُ صلاةُ العصرِ؛ فقد حَبِطَ عملُه"، فعملُك في ذلك اليومِ إذا ضَيَّعْتَ صلاةَ العصرِ، ولم تُؤَدِّها؛ فإنَّ عملَ ذلك اليومِ يَحْبَطُ، ومَن عَطَّلَ الصَّلاةَ حَبِطَتْ أعمالُه، فعلى المسلمِ أن يُحافِظَ عليها (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238]. وممَّا يُحبِطُ عملَ المسلمِ السحرُ، تَعَلُّمُهُ وتَعْلِيمُهُ، وإِتيانُ السحرةِ وقصدُهم، وطلبُ العلاجِ منهم، فذاك مُحْبِطٌ للعملِ، وفي الحديث: "مَن أتى كاهنًا فَصَدَّقَهُ بما يقولُ فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على محمدٍ" صلى اللهُ عليه وسلم، وممَّا يُحبِطُ عملَ المسلمِ أيُّها المسلمُ المَنُّ والأذى بالعبادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) [البقرة:264]، (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة:263]، وممّا يُحبِطُ العملَ التَأَلِّي على اللهِ ألا يغفرَ لأيِّ إنسانٍ مُذْنِبٍ، يقول في الحديث: إن رجلا كان يأمرُ بالمعروفِ، وينهى عن المنكرِ، يأمرُ رجلا بالمعروفِ، وينهاه عن المنكر، فرآه مُستَمِّرًا على خَطَئِه فقال: "واللهِ لا يغفرُ الله لك"، فأوقفه اللهُ بين يديه، وقال: "من يَتَأَلَّى عليَّ ألا أغفِرَ لفلانٍ، قد غفرتُ له، وأحبطتُ عملَكَ"، وممَّا يُحبِطُ العملَ الحِيَلُ الرِّبَوِيَةُ والتعاملُ بالرِّبا؛ فإنه مُحبطٌ للأعمالِ، باعَ زيدُ بنُ الأرقمِ أمَّ ولدِه غلامًا بثمانِ مائةِ درهمً إلى العطاء، ثم اشتراه منه بست مائة نقدًا؛ فقالت عائشةُ لأمِّ ولدِ زيدٍ: "أخبري زيدًا أنه قد أبطلَ جِهادَهُ معَ رسولِ اللهِ إلا أن يَرجِع؛ لأنَّ اللهَ يقول: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279]"، فلنتقِّ اللهَ في أعمالِنا، ولنُجَنِّبْها من الأقوالِ البذيئةِ، والأعمالِ الشنيعةِ، التي هي سببٌ لحُبطانِ أعمالِنا، ولْنُحافِظْ عليها، ونسألْ اللهَ أن يُثَبِّتَنا على الطريقِ المستقيمِ، وأن نلقاه غيرَ مُبَدِّلِين ولا مُغَيِّرِينَ، مؤمنينَ بكتابِه، عاملين به، مُعتقِدِينَ تحريمَ ما حَرَّمَ اللهُ علينا، وإباحةَ ما أباحه اللهُ لنا، غيرَ مُتَوَقِّفِينَ، ولا شاكِّينَ، قابِلينَ ما أنزلَ اللهُ، غيرَ مُتَرَدِّدِينَ في ذلك، هذا هو الحَقُّ، نسألُ اللهَ الثباتَ على الإسلامِ، والاستقامةَ عليه. واعلموارحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ؛ ومن شذَّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رحمكم اللهُ على محمدِ بنِ عبدِ الله، كما أمركم بذلك ربُّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:٥٦]. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خلفائِه الراشدين الأئمة المهديين، أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتََََّنا ووُلاةَ أمرِنا، اللهمَّ وفِّقْهُم لما فيه خيرُ الإسلامِ والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ، عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمَّ أَمِدَّهُ بعونِك، وتوفيقِك، وتأييدِك، وكُنْ له عونًا ونصيرًا في كلِّ ما أهمَّه، اللهم انصُرْ به دينَكَ، وأعْلِ به كلمَتَك، واجمعْ به كلمةَ الأمةِّ، واجمعْ به قلوبَ الأمَّةِ على الخيرِ والهُدى، اللّهُمَّ شُدَّ عَضُدَهُ بوليِّ عهدِه سلطانَ بنِِ عبدِ العزيزِ، ووفقْهُ لصالحِ الأقوالِ والأعمالِ، وأمِدَّهُ بالصحةِ والسلامةِ والعافيةِ، ووفِّقْ النائبَ الثانيَ لكلِّ خيرٍ، وأعنْهُ على مسؤولِيَتِه؛ إنك على كُلُّ شيءٍ قديرٌ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الأحزاب:٥٦] (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار. عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكروه على عمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنعون. استمـاع – حفـظ
__________________
عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم الخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف أبو محمد أحمد بوشيحه الليبي ahmad32az@yahoo.com |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|