|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
[ خطبة ] التمسك بالشريعة- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
التمسك بالشريعة- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى. عبادَ الله، إنه لا استقامةَ للأمّة في حياتها، ولا انتظامَ لأمورها، إلا إذا تمسكت بهذه الشريعة الإسلامية، حقَّ التمسك، فعلى قدر التمسك بهذه الشريعة، تستقر الأمور وتنتظم الحياة، وعلى قدر البعد من هذه الشريعة، يصاب الناس بالنقص في أمورهم كلِّها. أمّة الإسلام إن الخلقَ، بلا دينٍ، كأنه الوحوش بالغابات يتسلقُ القويُّ على الضعيف، والظالم على المظلوم، وهو في نفس الوقت، كأنهم الأمواتُ إذا فقدوا هذه الشريعة (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام:122] إن الخلقَ بلا دينٍ، مشابهٌ للأنعام، تشابهُ بهيمةَ الأنعام، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد:12]، وقال: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء:44]، والله جلّ وعلا حفظ هذا الدين الذي أكمله وأتم به نعمه ورضي به دينا وختم به كل الدينات (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3] فهو محفوظ بحفظ الله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]. والدياناتُ السابقةُ دخلها من التحريف، والزيادة، والنقصان، والاختلاط بآراء البشر، ما هو معلومٌ. أمّةَ الإسلام، إن كلَّ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، يؤمن بالله ورسوله، واليوم الآخر، يجب عليه أن يطبِّقَ تعاليمَ الإسلام في نفسه؛ فإذا طبقها في نفسه فقد ساهم في حفظ هذا الدين، في المجتمع. وحفظ هذا الدين يكون بوسائل، كالعمل به وتحكيمه، والتحاكم إليه، والدعوة إليه، والجهاد الحقِّ لإيضاح سبيله، وإزالة كلِّ الشبه، التي ألقاها المشبِّهون، من المشككين في دين الله. فأما العملُ بهذه الشريعة؛ فيكون بالتزام الواجبات وفرائض الإسلام، وذالك أن فرائضَ الإسلام على قسمين: فمنها واجبات عينية، مُطالَبٌ كلُّ فرد بآدائها، لا يقوم غيره مقامه فأركان الإسلام، من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وسائر واجبات الإسلام، مطالبٌ بها كلُّ مسلم، والواجبات العامة التي إذا قام بها من يكفي سقط الإثمُ عن الباقين، كالأمور المهمة، من إقامة الحدود والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقيام بتنفيذ ذالك. أيها المسلم، والله جلّ وعلا وعدَ القائمين بحفظ هذا الدين بالسعادة في الدنيا والآخرة (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:123-124] (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. ومن حفظ هذه الشريعة تحكيمُها والتحاكمُ إليها والرضى بذلك؛ فتحكيم الكتابُ والسنة و التحاكم إليهما، والرضى بالحكم، كلُّ ذلك من أسباب حفظ الدين، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) [النساء:105]، وهو عامٌ في الدماء، والأموال، والأعراض، وسائر واجبات الشريعة، قال تعالى (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) [المائدة:49]. قال الحافظ ابن كثير رحم الله: "احكُم بين الناس، عربهم وعجمهم، أميِّهم و كتابيِّهم، احكُم بينهم بهذه الشريعة؛ فإنها الشريعة العادلة المنصفة؛ المعطية كلَّ ذي حقِّ حقَّه". أيها المسلم، وقد جعل اللهُ علماءَ الأمة يُوضِحُون الحقَّ والسبيلَ، وأمرَ الحكامَ والقُضاةَ بإلزام الناس ذلك؛ لأن هذه وسيلةٌ لحفظ هذا الدينِ ببيان الحقِّ، وإلزام الناس بقبُوله، ولْيعلم المسلمُ أن معارضةَ أحكامِ اللهِ، بالآراء الشخصية، والقوانين الوضعية، أو محاولةَ عزلِ هذه الشريعة عن نظم حياة الأمة، أن ذ لك من الخطر العظيم، فتحكيمُ هذه الشريعة، بإظهار أوامرها وشعائرها، وردِّ كلِّ الأحكام إليها. ومن أسباب حفظ هذه الشريعة، تربيةُ الأجيال الحاضرة والمستقبلة، على تعاليم هذه الشريعة وصلةُ الحاضر بالماضي، والربط بين الحاضر والماضي ليكون النشءُ فاهِمًا لهذه الشريعة، عالمًا بأحكامها، فاهمًا لأصولها وقواعدها، عالمًا حقًّا أنها شريعةُ الله الكاملةُ، التي أكملها اللهُ وأتمَّها ورضيَها على دينا، فتربيةُ الأجيال في مناهجهم التعليميَّة على هذه الشريعة، وبيان أحكماها التفصيلية، على قدر كلِّ مرحلة من مراحل التعليم، ممّا يغرسُ في القلوب حبَّ الشريعة، وموالاتَها، والعملَ بها، والثباتَ عليها. إن تربيةَ الأجيال على الخير، وعلى الأعمال الصالحة، ممّا يعينُ على بقاء هذه الشريعة (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]. ومن حفظ هذه الشريعة حقًّا أن يطبِّقَ المسلمون تعاليمَها وأن يَعرِضوا كلَّ أنظمتهم لاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، وغير ذالك، على هذه الشريعة، فما وافق الشريعةَ؛ فهو الحقُ المقبولُ وما خالفها فهو الباطلُ المردودُ؛ لأن اللهَ جلَّ وعلا إنما أنزلَ هذا الكتابَ للعمل به، إنما جاءت السنةُ لنطبِّقَها ونعملَ بها، لا أن نحفظَ الألفاظَ، دون العمل بها، فما جاء الكتابُ والسنةُ إلا للعمل به، وتطبيقِ أحكامِ كتابِ الله، وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن حفظ هذه الشريعةِ أن تُطَبَّقَ، أن تجعلَ الأمةُ أنظمتَُها في حياتها كلِّها، موافقةً لهذه الشريعة قائمةً بذلك؛ لأنها شريعةُ الله الكاملة، (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام:38] (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل:89]، ومن حفظ هذه الشريعة أن ندعوَ إليها بأقلامنا بألسنتنا، بأخلاقنا، بأعمالنا، بسيرتنا، بنظم حياتنا التي نعيشها بها. أيها المسلم، لابد من هذا كلِّه؛ فإن الدعوة إلى الله أمرٌ مطلوبٌ من المسلمين، جماعةً وأفرادا أن يقومَ بالدعوة إلى الله بتبيين محاسنِ هذه الشريعة، وتوضيحِ أحكامِها وردِّ شُبَهِ المشبِّهين، الذين يرَوْنَ قصورها، ويشُكُّون فيها، ويقولون ما يقولون، قال الله جلّ وعلا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] فالدعوةُ إلى الله خُلُقُ الأنبياء والمرسلين فمن أحسن دعوةً ممّن قال ربُنا اللهُ، ثم استقام ودعا الناس إلى ما قاله وعمل به؟ هكذا أيُّها المسلمون فالدعوة إلى الله من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110] وقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]، فأمر الأمة أن يكون من بينها فئةٌ تنتصبُ لهذا الشأن العظيم؛ لتأمرَ بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتأخذَ على يد السفيه، وتأطُرَه على الحقِّ أطرا. أيها المسلم، ومن حفظ هذه الشريعة أن نجاهدَ بالدعوة إلى الله، بأقلامنا، بألسنتنا، بأخلاقنا وأعمالنا، فإن الدعوةَ إلى هذه الشريعة وإيضاحَها للعالَم بأَسْرِه أمرٌ مطلوبٌ من المسلمين؛ لتُسَخَّرَ وسائلُ الإعلام لبثِّ هذه الروحِ الإيمانيةِ في النفوس وتبيين كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، وقدرةِ الكتابِ والسنةِ على معالجة قضايا الأمة مهما كانت، لابد للأمة أن تكون داعيةً إلى الله لتبشر بهذا الدين، وتنشر هذا الدينَ فإن الدعوةَ إلى الله خُلُق الأنبياء والمرسلين، خُلُقُ علماءِ هذه الأمة التي شرَّفَها اللهُ بهذا الدين، وأعزَّها به (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164]. ومن حفظ هذه الشريعة أن تُقامَ حدودُ الله، فحدودُ الله إذا أقيمت أمنَ الناسُ على دمائهم وأمنوا على أموالهم وأمنوا على أعراضهم، أمنوا على دينهم وعبادتهم؛ فإن اللهَ جلَّ وعلا شرع حدود رتَّبها على الجرائم على حسَب اختلافها، كلُّ حدٍّ مُناسبٌ لتلك الجريمة، فإذا أُقيمت حدودُ الله اطمئنت الأمّةُ، وعاشت في أمن واستقرار، وفي الحديث "لَحَدٌّ يُقامُ في الأرض خيرٌ من أن يُمطروا أربعين صباحا" فإذا قد قُتِل قاتلُ العمْد العدوان، وقطعت يدُ السارق، وجُلِدَ شاربُ الخمر، ورُجِمَ الزاني المحصَن، ونُفِذَّت حدودُ الله؛ فعند ذلك الأمنُ والاستقرارُ والطمئنينةُ؛ لأن اللهَ جلَّ وعلا يقول (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طه:123]، لابد أن تسعدَ الأمةُ إذا أُقيمت حدودُ الله، ونُفِذَّت على الجرائم، وقُطِعَ دابرُ المفسدين في الأرض بأقوالهم وأعمالهم، فالمفسدون في الأرض ممن يهدِّدون الأمة واستقرارها، إذا أقيمت الحدود الله وحِيلَ بينهم وبين جرائمهم عاشت الأمةُ في أمن واستقرار (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم) [المائدة:33] فإذا اجتمع الأمران من الاجتماع على الخير والتقوى، وعلى العفاف والأخلاق الكريمة، وأُبعدت وسائلُ الشرِّ والفساد، وأقيمت حدودُ اللهِ؛ فإن ذلك الخير الكثير، فما في النفوس بالإيمان و التربية على أخلاق والقيم رادعُ عن الجرائم، ومن ضَعُفَ الإيمانُ في قلبه؛ فإن في حدود الله ردعٌ للمجرمين وإيقافٌ لهم عن فسادهم، قال تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179]؛ لأنّ القصاصَ، إذا علم القاتلُ أنه سيقتلُ سيَكُّفُ عن جريمته، ويرتدعُ عن فساده؛ فتحيى الأمة ولذا قال الله: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة:32]، فحدود الله إذا طُبِّقَت بقوَّةٍ وإيمان؛ فإنها كفيلةٌ بحفاظ المجتمع، على أمنه واستقراره، واستقرار حياته، وانتظام ذلك أيَّما انتظام؛ لأن المشرِّعَ لها والمُنَظِّمَ لها هو الحكيمُ الخبيرُ، العالمُ بمصالح العباد، في أحوالهم كلِّها (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:14]. بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى. عبادَ الله، يقول الله جلَّ وعلا في حقِّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128] فمن رحمته أمَّتَه صلى الله عليه وسلم أنه منعهم من كلِّ وسيلةٍ تُفضي بهم إلى المعصية، فكلُّ ذريعة، كلُّ وسيلةٍ تُفضي إلى معصيةٍ من معاصي الله؛ فقد حذَّرَنا منها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم حفاظا على ديننا، حفاظا على أعرضنا، حفاظا على دمائنا، حفاظا على أموالنا، كلُّ وسيلةٍ تُفضي إلى مُحَرَّمٍ سواء في العقيدة، أو في الأخلاق؛ فإن رسولَ الله منعنا من ذلك، لمَّا كانت عبادةُ القبور ودعاءُ الأموات والاستغاثةُ بهم أعظمَ الذنوب وأكبرَها وشركا أكبرَ حرَّم الرسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما يفضي إلى ذلك؛ فحرَّمَ على أمَّته بناءَ المساجدِ على القبورِ، وقال صلى الله عليه وسلم: "لعنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ" يحذِّرُ ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبرُه غيرَ أنه خُشِيَ أن يُتَخَذَ مسجدا، وقال "لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ؛ فإنّ صلاتَكم تبلغُني أين كنتم ". وثانيا: حرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ النافلةَ عندَ طلوع الشمس، أو عند غروبها، وقال: "إنها تطلعُ بين قرني شيطان؛ فيسجدُ لها الكفارُ، وتغربُ بين قومي شيطان فيسجد لها الكفار" فنهانا عن الصلاة خوفًا من التشبه بهم في ضلالهم، ثم أيضا نراه صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ الوسيلةَ التي ربَّما تُفضي إلى قتلِ المسلمِ، لمَّا كان قتلُ المسلمِ عُدوانا ظلما عظيما، رُتِّبَ عليه من الوعيد ما هو معلومٌ، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93] نهانا رسولُ الله أن نشيرَ لأخينا بالحديدة، خوفا أن يزِّلَ الشيطانُ بنا؛ فنقعَ في المحذور والعياذ بالله، حمايةً لدمائنا من الإراقة بالباطل، وحرَّمَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صيامَ الشك من أيام شعبانَ خوفًا من أن نَزيدَ في رمضانَ ما ليس منه، وقال "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غُمَّ عليكم؛ فأكملوا شعبانَ ثلاثين يوما" ولما كان شربُ الخمر من كبائر الذنوب حرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما يُفضي إلى شربه فقال: "ما أسكر كثيره؛ فقليله حرامٌ" فما أسكر الكثير فالقليلُ حرامٌ، ولو قطره، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر الفرق منه فَمِلْءُ الكفِّ منه حرامٌ" ولعن الخمرَ، شاربَها وعاصرَها ومُعتَصِرَها وساقيَها وبائعَها ومُشتَرِيَها وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وأكلَ ثمنها، حمايةً للمسلم من الوقوع في هذا الأمر العظيم، حمايةَ للمسلم من الوقوع في هذا الأمر العظيم. ولمَّا كان الزنا كبيرةً، من كبائر الذنوب، كما دلَّ الكتابُ والسنةُ عليه، حَمَانَا صلى الله عليه وسلم من هذه الجريمة؛ بأن منعنا من كلِّ وسيلةٍ، تُفضي إليها؛ فأوجبَ على المرأة المحرمَ في سفرها، وقال: " لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافرَ يوما إلا مع ذي محرم" وحرَّمَ عليها الخَلوةَ مع من ليس مَحرما لها؛ فقال: "إياكم والدخولَ على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحَمْوَ؟ قال: الحموُ الموتُ"، وقال: "ما خلا رجلٌ بامرأة، إلا كان الشيطانُ ثالثَهما"، وأوجبَ غضَّ البصرِ، (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور:30]، ونهى المرأةَ المسلمةَ عن الخضوع بالقول في مخاطبة الرجال، (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)[الأحزاب:32] كلُّ هذا حمايةً للمجتمع المسلمِ من الوقوع في المصائب؛ فكلُّ وسيلةِ حرامٍ حرَّمَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كانت قطيعةُ الرحم من كبائر الذنوب حرَّمَ رسولَ الله الوسيلةَ التي تؤدي إليها؛ فقال: "لا يجمعْ الرجلُ بين المرأة وعمَّتِها، ولا بين المرأة وخالتها؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك، قَطَعْتُم أرحامَكم"؛فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامَكم. وحرَّمَ على المسلم أن يَسُبَّ أبوا الغير خوفا من أن يسبوا أبويه؛ فقال صلى الله عليه وسلم" لعن اللهُ من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله، وأيُّنا يلعنُ والديه، قال:"يسبُّ أبا الرجل؛ فيسبُّ أباه ويسب أمه؛ فيَسُبُّ أمَّه" ولذا قال الله لنبيه: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم) [الأنعام:108]، ولمّا كان أيضا تفضيلُ الأولاد يؤدي إلى القطيعة، قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" وحرَّمَ على المسلم أن يوصيَ للوارث؛ فقال: "لا وصية لوارث"، كلُّ هذا حمايةً للمجتمع من التفكُّك والاختلاف. ولما كان أيضا، ولما كان قطيعة المسلمين وتتداول مصيبة عظيمة نهى المسلم أن يبع على بيعا أخيه أو يختم على ختمه أخيه كل ذالك جمع للقلوب وحرصا على ارتباط خوفا من القطيعة نسألُ اللهَ أن يُثُبِّتَنا وإيَّاكم على هذا الدين، وأن يَرزُقَنا وإيَّاكم الاستقامةَ عليه. إن المسلمَ يلزمُ العدلَ في أقواله وأعماله، يدعو إلى الله بقوله، يدعو إلى الله بأعماله الطيبة، ويلتزم الصدقَ، والله يقول (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [الأنعام:152]، فأمرنا اللهُ بالعدل في أقوالنا، وأن نفكرَ فيما نكتبُ ونقولُ، أهو حقٌّ أم باطلٌ؛ فإن المسلمَ يلزمُ الحق عندما أُناقِشُ قضيةً من القضايا، أو مشكلةً من المشاكل في الصحافةِ، هل يليقُ بي أن أسُّبَ أو أن أشتمَ أو أن أجرحَ أو أن أفتديه الكذب أم يليقُ بي أن أناقشَ أيَّ موضوع نقاشًا هادفًا بعيدا عن التجريح، بعيدا عن الإثارة، بعيدا عن السبِّ والشتمِ "سبابُ المسلم فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ" فالواجبُ على المسلم إذا ناقش قضيةً ما أن يكون متقيًّا لله فيما يقول، وفيما يكتبُ، والله يقولُ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، ومن خاصم في باطل لم يزل في سخط الله حتى ينزع؛ فالالتزاِمُ بآداب الشريعة في الأقوال والأعمال، في الأقوال والأعمال، وفي كلِّ الأحوال أمرٌ مطلوبٌ من المسلمين. نسألُ اللهَ أن يُثَبِّتَنا على صراطه المستقيم، وأن يرزُقَنا المحبةَ في ذات الله، والتعاونَ على البِرِّ والتقوى في أحوالنا كلِّها؛ إنه على كلِّ شيء قدير. واعلموا رحمكم الله أن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعة؛ ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلُّوا رحمكم الله على عبدِ الله ورسولِه، محمد صلى الله عليه وسلم، كما أمركم بذلك ربُّكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[الأحزاب: ٥٦]. اللهم صلِّ وسلِّم، وبارك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك، يا أرحم الراحمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، وانصر عبادَك الموحدين، واجعل اللَّهمَّ هذا البلدَ آمنا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلحْ أئمَّتنا وولاةَ أمرنا، اللَّهمَّ وفقهم لما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ وفق إمامَنا إمامَ المسلمين عبدَ الله بنَ عبدِ العزيز لكلِّ خير، اللَّهمَّ أمدَّه بعونك وتوفيقك وتأييدك، اللهمَّ كن له ناصراً، ومؤيِّدا، اللهمَّ أرِه الحقَّ حقا، وارزُقه اتباعَه، وأرِه الباطل الباطل وارزُقه اجتنابَه، ودُلَّه على كلِّ عمل تحبُّه وترضاه، واجعله بركةً على أمَّته، وعلى المسلمين جميعا؛ إنك على كلِّ شيء قدير، اللَّهمَّ شُدَّ عَضُدَه بوليِّ عهده سلطانَ بنِ عبدِ العزيز، وبارك له في عمره وعمله، وأمِّدَهُ بالصحة والسلامة والعافية، اللهمَّ ووفِّقْ النائبَ الثانيَ لكلِّ خير، واجعلهم جميعا دعاةَ خير وهدى؛ إنك على كلِّ شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:١٠]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: ٢٣]. اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك وبلاغا إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللهمَّ أغثنا، اللهم سقيا رحمةٍ، لا سقيا بلاءٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، اللهم اسقِنا غيثا هنيئا مريئا، سحًّا غَدَقًا طَبَقًا مُجَلِّلا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل، يا أرحمَ الراحمين؛ إنك على كلِّ شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله،(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]؛ فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكم واشكروه على عموم نعمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.. حفـظ
__________________
عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم الخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف أبو محمد أحمد بوشيحه الليبي ahmad32az@yahoo.com التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد أحمد بوشيحه ; 10-03-2010 الساعة 03:35AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|