|
#1
|
|||
|
|||
سيد قطب هو مصدر تكفير المجتمعات الإسلامية
سيد قطب
هو مصدر تكفير المجتمعات الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه . أما بعد – فإن الأمة الإسلامية تعيش في دوامة من البلايا والكوارث والهوان والذل بسبب بعد أغلبيتها عن تعاليم الإسلام التي بعث بها خاتم الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليم ، هذا البعد يشمل العقائد والعبادات والأخلاق والسياسة والاقتصاد ومن أدوائهم المهلكة الإصرار على الباطل والتمادي فيه وفقدان الاستعداد من معظمهم للرجوع إلى الله وإلى الرسول في قضايا الخلاف العقائدية والمنهجية والسياسية …الخ على مستوى المؤسسات العلمية والأفراد والمجتمعات . وعلى مستوى الحركات والأحزاب التي تدعي الإصلاح . ومن أشدها نكاية على الإسلام والمسلمين هذه الحركات السياسية التي تدعي أنها تحمل هموم الأمة وأنها تسعى لإنقاذها من الهوان والذل ولكنها مع الأسف لم تأت البيوت من أبوابها لم تسلك طرق الإصلاح التي شرعها الله لأنبيائه ورسله من عهد نبي الله نوح إلى خاتم الرسل محمد ألا وهي دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته وحده وإخلاص الدين والولاء لله ، لم يقوموا بهذا بل تراهم خصماء ألداء لمن يدعوا الناس إلى هذا المنهج العظيم الذي اختاره الله للإصلاح في كل الرسالات وعلى امتداد التاريخ الإسلامي . ومن بين هذه المناهج البعيدة عن منهج الأنبياء في الإصلاح العقائدي والعبادي والسياسي منهج سيد قطب الذي ما زاد الناس إلا بلاءً بل ودماراً . فهذا المنهج يزعم أنه يدعو إلى حاكمية الله . وهو يحمل في طياته الرفض لحاكمية الله في العقائد والعبادات وفي طريقة الفهم للنصوص القرآنية والنبوية ويحمل في طياته رفض الرجوع إلى الله ورسوله في قضايا الخلاف . ويهون من قضايا الشرك في العبادة وقضايا الانحراف في العقائد بكل أنواعه وقد قامت دعايات قوية وقام إعلام قوي لهذا المنهج استولى على عقول كثير من الشباب ولا سيما الطبقات المثقفة فربطهم ربطاً محكماً بسيد قطب وكتبه التي تحمل في طياتها البلايا والمنايا والدمار العقدي والمنهجي والسياسي ويحمل في طياته التكفير والتدمير والتفجير والأحقاد المهلكة والاستعلاء على الأمة واستحقارها واحتقار علمائها . فعلى كل من شارك في هذه الدعاية وفي هذا الإعلام والترويج أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً وأن يعلنوا هذه التوبة وأن يعلنوا أحكامهم الإسلامية العادلة دون مراوغة على ما يأتي من القضايا : 1- طعن سيد قطب في نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ، في كتابه "التصوير الفني " . 2- طعنه الشنيع والكثير في الخليفة الراشد عثمان وإسقاطه لخلافته وزعمه أنه تحطمت روح الإسلام في عهده وتحطمت أسس الإسلام في عهده وغير هذه الطعون وطعنه في مجتمع عثمان ومنها رمي معاوية وعمرو بن العاص بالكذب والنفاق وشراء الذمم . 3- تكفيره للمجتمعات الإسلامية . 4- قوله بالحلول ووحدة الوجود في شعره ونثره ودفاعه عن النيرفانا ومدحه لها ولأهلها كفار الهنود . 5- تعطيله لصفات الله عز وجل في الظلال وفي التصوير الفني بناء على الأصول الجهمية وقاعدة التخييل والتجسيم التي اخترعها هو . 6- قوله بأزلية الروح . 7- محاولته إنكار معجزات الرسول الكريم وادعاؤه أن معجزته الوحيدة هي القرآن الذي يقول بأنه من صنع الله أي أنه مخلوق . 8- قوله بالاشتراكية وتحريف النصوص القرآنية والنبوية من أجلها إلى قضايا أخرى والتي تضمنتها كتبه . 9- قوله بأن نصوص القرآن كلها أو جلها ميدان للفن من أنواع الموسيقى وأنواع المسرحيات والتمثيليات والسينمائيات ، وأن الدين والفن صنوان . 10- وعليهم أن ينادوا بالتحذير من كتبه التي تضمنت هذه الضلالات وصارت هي وما اشتق منها مؤلفات تكفيرية مصادر ومنابع خطيرة للتكفير والتفجير والإرهاب الأمور التي شوهت الإسلام ودفعت أعداءه في كل مكان إلى الطعن فيه وفي أهله في شتى وسائل الإعلام ورميهم للإسلام بأنه دين وحشية وهمجية وإرهاب ورمي أهله بهذه الصفات . ولقد أدركت وغيري منذ زمن خطورة منهج سيد قطب فأصدرت بحمد الله عدداً من الكتب بينت فيها فساد عقيدته ومنهجه وفكره وخطورتها على الإسلام والمسلمين منها : 1- أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره . 2- مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله . 3- العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم . 4- الحد الفاصل بين الحق والباطل . 5- نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن . 6- مقال طويل في بيان أطوار سيد قطب في وحدة الوجود بينت فيه هذه الأطوار من كتبه نثراً ونظماً . 7- ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي للأمة معرفته وردمه ، أصدرته بمناسبة كارثة التفجيرات التي ذهب في تحليلها والتحدث عن أسبابها يميناً وشمالا بعضهم عن جهل وبعضهم عن مكر وتلبيس . فبينت أن منبعها بحق هو كتب سيد قطب التي شحنها بالتكفير وتوجها بما في كتابه " لماذا أعدموني " من التربية على الاغتيالات وصنع المتفجرات والتخطيط لنسف المؤسسات والمنشآت . واليوم وبعد توالي التفجيرات وسوء التصرفات أقدم للقراء فصلاً من كتابي أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره كنت قد سقت فيه عدداً من أقوال سيد قطب الصريحة في تكفيره للمجتمعات الإسلامية قامت هذه الأقوال على تحريف معنى لا إله إلا الله وعلى تحريف كثير من الآيات القرآنية . أسأل الله أن ينفع به المسلمين فهاكم هذا الفصل. -------------------------------------------------------------------------------- سيد قطب وتكفير المجتمعات الإسلامية يقول في كتابه "معالم في الطريق": "وأخيراً؛ يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة!. وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار؛ لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا أنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً(1 )، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها؛ فهي – وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله – تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها، وشرائعها، وقيمها، وموازينها، وعاداتها، وتقاليدها... وكل مقومات حياتها تقريباً! والله سبحانه يقول عن الحاكمين: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ] (2). ويقول عن المحكومين: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(3 ). كما أنه سبحانه قد وصف اليهود والنصارى من قبل بالشرك والكفر والحيدة عن عبادة الله وحده واتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دونه لمجرد أن جعلوا للأحبار والرهبان ما يجعله الذين يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمون لناس منهم! واعتبر الله سبحانه ذلك من اليهود والنصارى شركاً؛ كاتخاذهم عيسى ابن مريم رباً يؤلهونه ويعبدونه سواء؛ فهذه كتلك: خروج من العبودية لله وحده، فهي خروج من دين الله، ومن شهادة أن لا إله إلا الله( 4). وهذه المجتمعات بعضها يعلن صراحة علمانيته وعدم علاقته بالدين أصلاً، وبعضها يعلن أنه يحترم الدين، ولكنه يخرج الدين من نظامه الاجتماعي أصلاً، ويقول: إنه ينكر الغيبية، ويقيم نظامه على العلمية؛ باعتبار أن العلمية تناقض الغيبية! وهو زعم جاهل، لا يقول به إلا الجهال(5 )، وبعضها يجعل الحاكمية الفعلية لغير الله، ويشرع ما يشاء، ثم يقول عما يشرعه من عند نفسه: هذه شريعة الله! وكلها سواء في أنها لا تقوم على العبودية لله وحده... وإذا تعين هذا؛ فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره"!!.. قلت: يلاحظ أن سيد قطب في هذا الموضع، وفي جميع كتاباته في "الظلال" وغيره؛ أنه لا يعبأ بشرك القبور، والغلو في أهل البيت وفي الأولياء بالاعتقاد بأنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وبتقديم القرابين لهم، وإراقة الدموع والخشوع عند عتباتهم، ودعائهم والاستغاثة بهم لكشف الكروب وإزالة الخطوب، وشد الرحال والحج إلى قبورهم، والطواف بها، والاعتكاف حولها، وإقامة الأضرحة والمشاهد، وتشييد القباب بالأموال الطائلة لها، وغير ذلك من التصرفات. ولا يحاسب الناس إلا على مخالفة الحاكمية، ولا يدور في تفسيره لـ (لا إله إلا الله) إلا على الحاكمية والسلطة والربوبية؛ مفرغاً لا إله إلا الله عن معناها الأساسي الذي جاءت به جميع الكتب وجميع الرسل، ودان به علماء الإسلام مفسرون ومحدثون وفقهاء، ولا يكفر الناس إلا بالعلمنة وما تفرع عنها، ويبالغ في هذا أشد المبالغة؛ لأنها ضد الحاكمية في نظره، ويرمي المجتمعات الإسلامية بالكفر من هذا المنطلق، فيكون كلامه حقاً في العلمانيين فعلاً، وهم قلة في المجتمع، ويكون كلامه باطلاً وظلماً بالنسبة للسواد الأعظم من الناس؛ فإن كثيراً منهم يعادون العلمنة، ويبغضون أهلها إذا عرفوهم بذلك، وكثير منهم لا يعرفون هذه العلمنة، فهم مسلمون في الجملة، وعندهم خرافات وبدع، فإذا عُرِّفوا بها؛ حاربوها وأهلها حاكمين أو محكومين، أحزاباً أو أفراداً. وبالجملة؛ فسيد سلك مسلكاً في تكفير الناس لا يقره عليه عالم مسلم(6 )؛ يرسل الكلام على عواهنه في باب الحاكمية، ويكفر عامة الناس بدون ذنب وبدون إقامة حجة وبدون التفات إلى تفصيلات العلماء في هذا الباب، هذا من جهة. ولا يعبأ بشرك القبور الذي يرتكبه الروافض وغلاة الصوفية ومن تابعهم من جهة أخرى، ولا يرى – في هذا الموضوع وفي كثير من المواضع – هذه الشركيات منافية لمعنى لا إله إلا الله!. لذا ترى الخوارج والروافض وكثيراً من أهل البدع والأهواء يرحبون بمنهجه وبكتبه، ويفرحون ويعتزون بها، ويستشهدون بأقواله وتفسيراته، وإني لأرجو لكل مسلم صادق في دينه، خصوصاً الشباب الذين انخدعوا بمنهج سيد قطب أن يمن الله عليهم بجوده وفضله، فيدركوا ما وقعوا فيه من خطأ وبعد عن فقه الكتاب والسنة، وفقه سلف الأمة، فيعودوا إلى رحاب الحق والعلم والفهم الصحيح. اعتبار سيد قطب مساجد المسلمين معابد جاهلية إنطلاقاً من تكفير مجتمعاتهم واعتبارها جاهلية: قال سيد قطب في تفسير قول الله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (7)؛ قال( 8): وتلك هي التعبئة الروحية إلى جوار التعبئة النظامية، وهما ضروريتان للأفراد والجماعات، وبخاصة قبيل المعارك والمشقات، ولقد يستهين قوم بهذه التعبئة الروحية، ولكن التجارب ماتزال إلى هذه اللحظة تنبئ بأن العقيدة هي السلاح الأول في المعركة، وأن الأداة الحربية في يد الجندي الخائر العقيدة لا تساوي شيئاً كثيراً في ساعة الشدة. وهذه التجربة التي يعرضها الله على العصبة المؤمنة ليكون لها فيها أسوة، ليست خاصة ببني إسرائيل، فهي تجربة إيمانية خالصة، وقد يجد المؤمنون أنفسهم ذات يوم مطاردين في المجتمع الجاهلي، وقد عمت الفتنة وتجبر الطاغوت، وفسد الناس، وأنتنت البيئة، وكذلك كان الحال على عهد فرعون في هذه الفترة، وهنا يرشدنا الله إلى أمور: 1 – اعتزال الجاهلية نتنها وفسادها وشرها ما أمكن في ذلك، وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها. 2 – اعتزال معابد الجاهلية، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح، وتزاول بالعبادة ذاتها نوعاً من التنظيم في جو العبادة الطهور". فأي تكفير بعد هذا؟! وقد ينظر هذا الرجل إلى بعض الأعمال الإسلامية، وإلى المعتقدات الإسلامية الصحيحة، فيراها جاهلية وضلالاً!!. أليس هذا منه سعياً في تخريب مساجد الله، وتعطيل أعظم شعائر الإسلام؟! هذا الرجل؛ لو عاش في بلاد التوحيد؛ لرآها تعيش في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء. قال سيد عند آية وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (9)، وذكر الشرك الخفي: "وهذا الشرك الواضح الظاهر، وهو الدينونة لغير الله في شأن من شؤون الحياة، الدينونة في شرع يتحاكم إليه، وهو نص في الشرك لا يجادل عليه، والدينونة في تقليد من التقاليد؛ كاتخاذ أعياد ومواسم يشرعها الناس ولم يشرعها الله، والدينونة في زي من الأزياء(10 ) يخالف ما أمر الله به من الستر، ويكشف أو يحدد العورات التي نصت شريعة الله أن تستر. والأمر في مثل هذه الشؤون يتجاوز منطقة الإثم والذنب بالمخالفة حين يكون طاعة وخضوعاً ودينونة لعرف اجتماعي سائد من صنع العبيد، وتركاً للأمر الواضح الصادر من رب العبيد... إنه عندئذ لا يكون ذنباً، ولكنه يكون شرعاً؛ لأنه يدل على الدينونة لغير الله فيما يخالف أمر الله... وهو من هذه الناحية أمر خطير... ومن ثم يقول الله: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(11 )"(12 ). وفي هذا الكلام أمران خطيران: أولهما: تكفير المجتمعات الإسلامية بالمعاصي والمخالفات الواقعة في العادات والتقاليد والأزياء، وهذا المذهب أشد وأخطر من مذهب الخوارج. وثانيهما: تفسير القرآن بغير ما أراده الله بالشرك، إذ المراد بالشرك هنا ما استقر في القرآن والسنة وعرفه المسلمون، وهو الشرك الأكبر المطلق، وهو اتخاذ أنداد مع الله يستغاث بهم ويذبح لهم ويتقرب إليهم ويصرف لهم حق الله من العبادات التي أمرهم الله أن يعبدوه بها ويخلصوا بها الدين لله. شرك العرب الحقيقي والأساسي عند سيد قطب إنما هو في الحاكمية فقط، وليس في العبادة والاعتقاد: قال سيد: "فهكذا كان تصورهم للحقيقة الإلهية، واستحضارهم لها في كل مناسبة، ولم يكن أمرهم أنهم لايعرفون الله، أو لا يعرفون أنه ما لأحد بالله من طاقة، أو لا يعرفون أنه هو الذي يحكم ويفصل بين الجبهتين حيث لا راد لحكمه! إنما كان شركهم الحقيقي يتمثل ابتداء في تلقي منهج حياتهم وشرائعهم من غير الله، الذي يعرفونه ويعترفون به على هذا النحو... الأمر الذي يشاركهم فيه اليوم أقوام يظنون أنهم مسلمون – على دين محمد – كما كان المشركون يظنون أنهم مهتدون على دين أبيهم إبراهيم! حتى لكان أبوجهل – وهو أبوجهل – يستفتح على الله، فيقول: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف – وفي رواية: اللهم أضل الفريقين وأقطعهما للرحم – فأحنه الغداة"! فأما تلك الأصنام التي عرف أنهم يعبدونها؛ فما كان ذلك قط لاعتقادهم بألوهية لها كألوهية الله سبحانه، ولقد صرح القرآن الكريم بحقيقة تصورهم الاعتقادي فيها، وبسبب تقديمهم الشعائر لها في قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى… (13)؛ فهذا كان مبلغ تصورهم لها... مجرد شفعاء عند الله... وماكان شركهم الحقيقي من هذه الجهة، ولا كان إسلام من أسلم منهم متمثلاً في مجرد التخلي عن الاستشفاع بهذه الأصنام، وإلا فإن الحنفاء الذين اعتزلوا عبادة الأصنام هذه وقدموا الشعائر لله وحده ما اعتبروا مسلمين! إنما تمثل الإسلام في الاعتقاد والشعائر وإفراد الله سبحانه بالحاكمية، والذين لا يفردون الله سبحانه بالحاكمية – في أي زمان وفي أي مكان – هم مشركون، لا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله – مجرد اعتقاد-، ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده... فإلى هنا يكونون كالحنفاء الذين لم يعتبرهم أحد مسلمين، إنما يعتبر الناس مسلمين حين يتمون حلقات السلسلة، أي حين يضمون إلى الاعتقاد والشعائر إفراد الله سبحانه بالحاكمية، ورفضهم الاعتراف بشرعية حكم أو قانون أو وضع أو قيمة أو تقليد لم يصدر عن الله وحده... وهذا وحده هو الإسلام؛ لأنه وحده مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ كما عرف هذا المدلول في الاعتقاد الإسلامي وفي الواقع الإسلامي سواء!... ثم أن يتجمع هؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله على هذا النحو وبهذا المدلول في تجمع حركي بقيادة مسلمة، وينسلخوا من التجمع الجاهلي وقيادته الجاهلية!. وهذا ما ينبغي أن يتبينه الذين يريدون أن يكونوا مسلمين، فلا تخدعهم عن حقيقة ماهم فيه خدعة أنهم مسلمون اعتقاداً وتعبداً؛ فإن هذا وحده لا يجعل الناس مسلمين مالم يتحقق لهم أنهم يفردون الله سبحانه بالحاكمية، ويرفضون حاكمية العبيد، ويخلعون ولاءهم للمجتمع الجاهلي ولقيادته الجاهلية. إن كثيراً من المخلصين الطيبين تخدعهم هذه الخدعة... وهم يريدون لأنفسهم الإسلام، ولكنهم يُخدعون عنه، فأولى لهم أن يستيقنوا صورة الإسلام الحقيقية والوحيدة، وأن يعرفوا أن المشركين من العرب الذين يحملون اسم المشركين لم يكونوا يختلفون عنهم في شيء! فلقد كانوا يعرفون الله بحقيقته – كما تبين -، ويقدمون له شفعاء من أصنامهم، وكان شركهم الأساسي يتمثل – لا في الاعتقاد – ولكن في الحاكمية( 14). وإذا كان ينبغي للطيبين المخلصين الذين يريدون أن يكونوا مسلمين أن يتبينوا هذه الحقيقة؛ فإن العصبة المسلمة التي تجاهد لإعادة نشأة هذا الدين في الأرض في عالم الواقع يجب أن تستيقن هذه الحقيقة بوضوح وعمق، ويجب ألا تتلجلج فيها أي تلجلج، ويجب أن تعرف الناس بها تعريفاً صريحاً واضحاً جازماً... فهذه هي نقطة البدء والانطلاق... فإذا انحرفت الحركة عنها – منذ البدء – أدنى انحراف؛ ضلت طريقها كله، وبنت على غير أساس، مهما توافر لها من الإخلاص بعد ذلك والصبر والتصميم على المضي في الطريق!"( 15). فترى الرجل يضطرب ويتناقض في هذا الموضع، ولكنه ينتهي إلى تقرير أن الشرك الحقيقي والأساسي إنما يتمثل في الحاكمية، لا في الاعتقاد، وهذه هي القاعدة الخطيرة التي ينطلق منها اليوم كثير ممن يسمون بالدعاة إلى الإسلام، في الضياع توحيد الأنبياء!. انظر قوله: "... فهذا كان مبلغ تصورهم لها (أي: الأصنام)... مجرد شفعاء عند الله... وما كان شركهم الحقيقي من هذه الجهة، ولا كان إسلام من أسلم منهم متمثلاً في مجرد التخلي عن الاستشفاع بهذه الأصنام، وإلا؛ فإن الحنفاء الذين اعتزلوا عبادة الأصنام هذه وقدموا لله وحدة الشعائر ما اعتبروا مسلمين"! أقول: هذه حال معظم الأنبياء والرسل وأممهم، حيث لم تكن لهم دول ولا حكومات، ويأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي ومعه الرهيط، والرجل، والرجلان، ويأتي النبي وليس معه أحد... وهذا يكشف لنا سر تهاون سيد قطب بالشرك الأكبر، الشرك الاعتقادي، شرك القبور، والشرك في العبادة، الذي حاربه الرسل جميعاً، والذي هو محور الصراع بينهم وبين أقوامهم. ومن موقف سيد قطب هذا من عبادة الأوثان ندرك أنه أقل حساسية وأقل مبالاة ضد عبادة الأوثان من الروافض والقبوريين؛ لأن هؤلاء لا يشكون ولا يترددون في الحكم على عبادة الأوثان أنها أعظم الذنوب، وأنها الشرك الأكبر، ولا يهونون من شأنه؛ مثل سيد، أما سيد؛ فحاله وموقفه كما رأيت مع الأسف الشديد. ومن هنا ندرك سر اهتمام أتباعه بالسياسة والحاكمية، وتجنيدهم كل طاقاتهم وإمكاناتهم في سبيلهما، وتوجيه الأمة لهما، ورمي من اشتغل بغيرهما من التوحيد وفروض الأعيان والكفايات من أمور الإسلام بالعلمنة، واستخفافهم بدعاة التوحيد وإخلاص العبادة لله على طريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام، واتباعاً لتوجيهات القرآن الكريم المنزل من رب العالمين، يستخفون بهم وبدعوتهم، ويعتبرون ذلك من الانشغال بالجزئيات، ويسمون الشرك الأكبر بالشرك البدائي والشعبي، وما يسمونه هم شركاً ويتخيلونه بالشرك الحضاري، ويلبسون على الناس دينهم وعقائدهم، ويزعمون لهم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما كانوا على منهج قطب وأمثاله، همهم الأكبر ودعوتهم الأساسية إنما هما الصراع السياسي والمصارعة على الكراسي، ومحاربة القصور لا الأوثان والقبور، فاللهم أنقذ دينك وأمة الإسلام من هذا الخبط والتلبيس والحيل والتدليس. وأما قوله: "إن الحنفاء ماكانوا مسلمين"؛ ففي غاية المجازفة والقول على الله وعلى الإسلام بغير علم، ومن البراهين الواضحة على استهانته بالتوحيد، واستهانته بالشرك الأكبر!. كيف يقول هذا في قوم بذلوا غاية وسعهم في الفرار من غضب الله والفرار من الشرك الأكبر والفرار من النار من دون داع يدعوهم إلى الله، بل ذلك بدافع من فطرتهم السليمة وعقولهم المستقيمة، بل قبل ذلك برعاية الله لهم وتوفيقه إياهم، بهذا وذاك خرجوا من الجاهلية والشرك إلى التوحيد والحنيفية دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الذي قال الله في شأنه لنبيه الكريم: قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ( 16). أفمن كان على هذا الدين وهذه الملة يقال: إنه ليس من المسلمين؟! فهذا زيد بن عمرو بن نفيل، أحد الحنفاء، يروي البخاري( 17) قصته عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "إن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالماً من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم؛ فأخبرني؟ فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله. فقال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً، أنى أستطيعه؟! فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم؛ لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد، فلقي عالماً من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله. قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئاً أبداً، وأنى أستطيع؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام؛ خرج، فلما برز؛ رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم". أفبعد هذا الجد والإلحاح في طلب الحق واختياره بعد رفــض الشرك واليهودية والنصرانية يقال فيه وفي أمثاله من الحنفاء( 18): إنهم ليسوا بمسلمين؟! وقد روى البخاري عن ابن عمر عن زيد بن عمرو: أنه كان ينكر على قريش الذبح للأوثان. وقال ابن كثير: وكان زيد بن عمرو قد ترك عبادة الأوثان، وفارق دينهم، وكان لا يأكل إلا ماذبح على اسم الله وحده( 19). وقال يونس بن بكير: عن محمد بن إسحاق، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر؛ قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو ابن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة؛ يقول: يامعشر قريش! والذي نفس زيد بيده؛ ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكنني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته"( 20). وروى ابن كثير رحلة زيد بن عمرو في البحث عن الدين الحق نحواً مما روى البخاري، وفي آخرها: "قال زيد: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم، عليه أحيا وعليه أموت، فذكر شأنه للنبي ، فقال: "هو أمة وحده"( 21)". ثم قال ابن كثير: "إن ابن عساكر أورد من طرق متعددة عن رسول الله أنه قال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده"". ثم ساق ابن كثير طريقاً عن مجالد عن الشعبي عن جابر؛ قال: سئل رسول الله عن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه كان يستقبل القبلة في الجاهلية، ويقول: إلهي إلهُ إبراهيم، وديني دين إبراهيم، ويسجد، فقال رسول الله : "يحشر ذاك أمة وحده بيني وبين عيسى بن مريم"، ثم قال: "إسناده جيد"( 22). وقال الحافظ ابن حجر: "وكان (يعني زيداً) ممن يطلب التوحيد وخلع الأوثان، وجانب الشرك، لكنه مات قبل المبعث، فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعة (وساق قصة طويلة عنه، وفيها قال النبي : "ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً""( 23). وقال الحافظ: "وروى البزار والطبراني من حديث زيد بن عمرو (وذكر قصته، وفي آخرها قال سعيد بن زيد: فسألت أنا وعمر رسول الله عن زيد، فقال: "غفر الله له ورحم؛ فإنه مات على دين إبراهيم". فهذا حاله وواقعه في نظر الإسلام وعلمائه، ومثله كل من مات على الحنيفية، وذلك يخالف ما يراه سيد قطب الذي لا يرى للتوحيد والكفر بالأوثان كبير قيمة ولا كبير وزن. والله المستعان. وانظر مرة أخرى إلى قوله – بعد تمهيد خطير فيه أن المسلمين اعتقاداً أو تعبداً ليسوا مسلمين، ولا فرق بينهم وبين مشركي العرب في الجاهلية –؛ يقول: "فأولى لهم أن يستيقنوا صورة الإسلام الحقيقية الوحيدة، وأن يعرفوا أن المشركين من العرب الذين يحملون اسم المشركين لم يكونوا يختلفون عنهم في شيء؛ فلقد كانوا يعرفون الله بحقيقته – كما تبين -، ويقدمون له شفعاء من أصنامهم، وكان شركهم الأساسي يتمثل لا في الاعتقاد، ولكن في الحاكمية"!! ألا ترى في قوله هذا أكبر مغالطة ومجازفة؟! ألا ترى في محاولة إبعاد الشرك الاعتقادي والعبادي عن ميدان الدعوة والجهاد؟! ومن هنا يكاد يحصر الشرك الأساسي والحقيقي في شرك الحاكمية، ويوجه نصيحته لأتباعه بأن الحاكمية هي نقطة البدء والانطلاق، فإذا انحرفت الحركة عنها – منذ البدء – أدنى انحراف؛ ضلت طريقها كله، وبنيت على غير أساس، مهما توافر لها من الإخلاص بعد ذلك والصبر والتصميم على المضي في الطريق. أقول: إن من يعرف دعوات الأنبياء التي قصها الله علينا في كتابه الكريم ليدرك تمام الإدراك المصادمة الواضحة بين كلام سيد وبين ما قصه الله عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في منطلق الدعوة إلى الله، وأنها تبدأ بالتوحيد ومحاربة الشرك الأكبر (عبادة الأوثان) وما شاكلها، وأن ما يدعو إليه سيد ويدعيه من أن نقطة البدء تكون من الحاكمية، والانطلاق منها، لهو الانحراف الحقيقي من البداية، وذلك لأمور: أولاً: لأن هذا الانطلاق مخالف لمنهج الأنبياء في البدء بالدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك العقائدي (عبادة الأوثان) وغيرها من دون الله. ثانياً: لأن الانطلاق من الحاكمية لابد أن يكون قائماً على الهوى والرغبة في الوصول إلى السلطة والتحكم في رقاب الناس، ولابد أن تقوم على الكذب والمراوغات، ولابد أن يندس في صفوف حملة هذه الدعوة السياسية أناس أهل أغراض وأهواء وعقائد فاسدة؛ كما هو الشأن في الدعوات السياسية. وإننا لنشاهد ثمار مثل هذه الدعوة ونتائجها متمثلة في تحالفات شيوعية وعلمانية ورافضية، ومتمثلة في نزاعات دموية للوصول للسلطة، يستعان فيها بالملاحدة والشيوعيين وأصناف الغالين. ويقول سيد قطب تحت عنوان (حاضر الإسلام ومستقبله): "ونحن ندعوا إلى استئناف حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تحكمه العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي كما تحكم الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي، ونحن نعلم أن الحياة الإسلامية – على هذا النحو – قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك. ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة، على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين.. ونجهر بها على هذا النحو في الوقت الذي ندعوا إلى استئناف حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تحكمه العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي كما تحكمه الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي، ولا نرى أن في رؤية تلك الحقيقة والجهر بها كذلك ما يدعو إلى خيبة الأمل أو اليأس من هذه الدعوة ومن هذه المحاولة، على العكس، نرى أن الجهر بهذه الحقيقة المؤلمة – حقيقة أن الحياة الإسلامية قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك – نرى أن الجهر بهذه الحقيقة ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الإسلام، ومحاولة استئناف حياة إسلامية ضرورة لا مفر منها". ثم فسر (لا إله إلا الله) بالحاكمية، والحاكمية بالقدر والشرع، وأعرض عن تفسيرها الحقيقي: (لا معبود بحق إلا الله). ثم قال: "ونحن لا نحدد مدلول الدين ولا مفهوم الإسلام على هذا النحو من عند أنفسنا... ففي مثل هذا الأمر الخطير الذي يترتب عليه تقرير مفهوم لدين الله كما يترتب عليه الحكم بتوقف وجود الإسلام في الأرض اليوم، وإعادة النظر في دعوى مئات الملايين من الناس أنهم مسلمون"( 24). "... في مثل هذا الأمر لا يجوز أن يفتي الإنسان فيما يقصم الظهر في الدنيا والآخرة جميعاً، إنما الذي يحدد مدلول الدين على هذا النحو ومفهوم الإسلام هو الله سبحانه، إله هذا الدين(25 )، ورب هذا الإسلام... وذلك في نصوص قاطعة لا سبيل إلى تأويلها ولا الاحتيال عليها. إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ(26 ). وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ(27 ). وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (28). وساق آيات أخر كلها في الحاكمية، ولم يسق آية واحدة من آيات توحيد العبادة، ولا من آيات توحيد الأسماء والصفات، ثم ساق مقطعاً حصر فيه الإسلام في الحاكمية، ثم قال: "وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم، على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نرى لهذا الدين وجوداً... إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة. ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة، وأن نجهر بها، وأن لا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثير الذين يحبون أن يكونوا مسلمين؛ فهؤلاء من حقهم أن يستيقنوا؛ كيف يكونون مسلمين؟! إن أعداء هذا الدين بذلوا طوال قرون كثيرة ومايزالون يبذلون جهوداً ضخمة ماكرة خبيثة؛ ليستغلوا إشفاق الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا مسلمين. من وقع هذه الحقيقة المريرة، ومن مواجهتها في النور، وتحرجهم كذلك من إعلان أن وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة مسلمة في الارض عن تحكيم شريعة الله في أمرها كله، فتخلت بذلك عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية [أو بالألوهية]؛ فهذه مرادفة لتلك أو ملازمة لها، ولا تتخلف"( 29). أقول: 1) فترى الرجل يدعو إلى استئناف حياة إسلامية بحرارة؛ لأنها غير موجودة. 2) ويصرح بأن الحياة الإسلامية قد توقفت. 3) وأن وجود الإسلام قد توقف. 4) ويصرح بقوله: "ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين"؛ فهو لا يراهم مسلمين، بل يرى أنهم لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين؛ فهم كفار جاهليون وليسوا مسلمين. 5) ويكرر القول بأنه لايرى لهذا الدين وجوداً: "إن هذا الدين قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله بالحاكمية في حياة البشر". ويكرر أن هذه المجتمعات تحب الإسلام فقط؛ يعني: وليسوا بمسلمين، فضلا عن أن يكونوا أو يكون جماعة منهم مؤمنين. 6) ويكرر مرة أخرى ويؤكد أن الموجودين من المسلمين إنما هم محبون للإسلام، ولا ينبغي أن يتحرجوا من إعلان أن وجود هذا الدين قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة في الأرض عن تحكيم شريعة الله، ولا يعترف أبداً بأن هناك جهاداً سلفياً في الجزيرة العربية قد قام وجدد الإسلام وأقام دولة تحكم بشريعة الله على أساس التوحيد والكتاب والسنة، أفبعد هذا التكفير للأمة تكفير؟! فما هو التكفير إذن إذا لم يكن هذا التقرير القوي بالتكفير تكفيراً أيها العقلاء؟! حكم سيد قطب على المجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات مرتدة، وأنها أشد عذاباً عند الله من الكفار الأصليين: قال سيد: "لقد استدار الزمان كهيئة يوم جاء هذا الدين إلى البشرية، وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزل هذا القرآن على رسول الله ويوم جاءها الإسلام مبنياً على قاعدته الكبرى: (شهادة أن لا إله إلا الله)... شهادة أن لا إله إلا الله بمعناها الذي عبر عنه ربعي بن عامر رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس وهو يسأله: ما الذي جاء بكم؟ فيقول: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام… وهو يعلم أن رستم وقومه لايعبدون كسرى بوصفه إلهاً خالقاً للكون( 30)، ولا يقدمون له شعائر العبادة المعروفة، ولكنهم إنما يتلقون منه الشرائع، فيعبدونه بهذا المعنى الذي يناقض الإسلام وينفيه، فأخبره أن الله ابتعثهم ليخرجوا الناس من الأنظمة والأوضاع التي يعبد العباد فيها العباد، ويقرون لهم بخصائص الألوهية – وهي: الحاكمية، والتشريع والخضوع لهذه الحاكمية، والطاعة لهذا التشريع، وهي الأديان -... إلى عبادة الله وحدة وإلى عدل الإسلام. لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بـ (لا إله إلا الله)؛ فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: لا إله إلا الله؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم، وهي مرادف الألوهية، سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب فالأفراد كالتشكيلات كالشعوب ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية... إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء... البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله؛ بلا مدلول ولا واقع... وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد – من بعد ما تبين لهم الهدى – ومن بعد أن كانوا في دين الله! فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويلاً أمام هذه الآيات البينات(31)"(32 ). ويقول سيد: "إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها هذا العذاب: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ(33 )؛ إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام (دار إسلام) تعتصم بها، وإلا أن تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه، جاهلية وأهل جاهلية، وأن تفاصل قومها على العقيدة والمنهج، وأن تطلب بعد ذلك من الله أن يفتح بينها وبين قومها بالحق وهو خير الفاتحين"( 34). ويقول سيد: "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي"( 35). ويقول سيد: "فأما اليوم؛ فماذا؟! أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده، والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد، والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته، والذي رفض بالفعل شريعة أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟ لا أحد يملك أن يزعم أن هذا المجتمع المسلم قائم موجود!"(36 ). نقول: ليس بعد هذا التكفير العنيف شيء مع معاصرته لجهاد السلفيين في الجزيرة، وإقامتهم دولة إسلامية على التوحيد والكتاب والسنة، ومعاصرته للسلفية في الهند تجاهد بالسيف وفي ميدان الدعوة، وأهلها يقدرون بالملايين، وكذلك دعوة التوحيد كانت قائمة في مصر في عصره على أيدي السلفيين أنصار السنة، والرجل لا يعد هذه المجتمعات إسلامية. ويقول وهو يتحدث عن حكم تزكية النفس: "لقد نشأ هذا الحكم – كما نزلت تلك النصوص – في مجتمع مسلم، ليطبق في هذا المجتمع، وليعيش في هذا الوسط، وليلبي حاجة ذلك المجتمع، وفق نشأته التاريخية، ووفق تركيبه العضوي، ووفق واقعه الذاتي؛ فهو من ثم حكم إسلامي، جاء ليطبق في مجتمع إسلامي، وقد نشأ في وسط واقعي، ولم ينشأ في فراغ مثالي. وهو من ثم لا يطبق ولا يصلح ولا ينشئ آثاره الصحيحة إلا إذا طبق في مجتمع إسلامي... إسلامي في نشأته وفي تركيبه وفي التزامه بشريعة الإسلام كاملة، وكل مجتمع لا تتوافر فيه هذه المقومات كلها يعتبر فراغاً بالقياس إلى ذلك الحكم، لا يملك أن يعيش فيه، ولا يصلح له كذلك. ومثل هذا الحكم كل أحكام النظام الإسلامي، وإن كنا في هذا المقام لانفصل إلا هذا الحكم، بمناسبة ذلك السياق القرآني"( 37). وهكذا يرى سيد أن المجتمعات الإسلامية اليوم لا يصلح تطبيق أحكام النظام الإسلامي ولا ينشئ آثاره فيها. فلو أن حاكماً من حكام بلدان الإسلام رغب وجد في تطبيق الإسلام في بلده؛ فإن سيد قطب يوجه له هذه النصيحة، إنه لا يصلح تطبيق الإسلام في هذا البلد، ولا ينشئ تطبيق أحكام الإسلام آثاره حتى ينشأ مجتمع إسلامي جديد، تتوافر فيه الشروط التي يشترطها سيد قطب فاعتبروا يا أولي الأبصار! ويقول سيد قطب مؤكداً ما سبق، منتقداً من يفكرون في النظام الإسلامي: "إن الذين يفكرون في النظام الإسلامي اليوم وتشكيلاته – أو يكتبون -، يدخلون في متاهة! ذلك أنهم يحاولون تطبيق قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية المدونة في فراغ، يحاولون تطبيقها في هذا المجتمع الجاهلي القائم، بتركيبه العضوي الحاضر، وهذا المجتمع الجاهلي الحاضر يعتبر – بالقياس إلى طبيعة النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية – فراغاً لا يمكن أن يقوم فيه هذا النظام، ولا أن تطبق فيه هذه الأحكام... إن تركيبه العضوي مناقض تماماً للتركيب العضوي للمجتمع المسلم. فالمجتمع المسلم – كما قلنا – يقوم تركيبه العضوي على أساس ترتيب الشخصيات والفئات كما ترتبها الحركة لإقرار هذا النظام في عالم الواقع، ولمجاهدة الجاهلية لإخراج الناس منها إلى الإسلام مع تحمل ضغوط الجاهلية، وما توجهه من فتنة وإيذاء وحرب على هذه الحركة ، والصبر على الابتلاء وحسن البلاء من نقطة البدء إلى نقطة الفصل في نهاية المطاف، أما المجتمع الجاهلي الحاضر؛ فهو مجتمع راكد، قائم على قيم لا علاقة لها بالإسلام، ولا بالقيم الإيمانية ... وهو – من ثم – يعد بالقياس إلى النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية فراغاً لا يعيش فيه هذا النظام ولا تقوم فيه هذه الأحكام"( 38). وفي هذا الكلام تكفير واضح للمجتمعات الإسلامية، لا يجادل فيه إلا مباهت معاند. ومن المستغرب أن سيدًا لا يتململ مما وقعت فيه المجتمعات الإسلامية من انحراف في توحيد الألوهية، والتعلق بالقبور دعاءً واستغاثة، وذبحاً ونذراً... إلى آخره، ولا يرى ذلك من الضلال، ولا يرى الانحراف إلا في الحاكمية، ثم مع كل هذا يعارض في تطبيق الحاكمية!! فماذا يريد هذا الرجل؟! ويقول مؤكداً ما سبق: "إن الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ، ولا يعيش في فراغ كذلك، لا ينشأ في الأدمغة والأوراق، وإنما ينشأ في الحياة، وليس أية حياة، إنما هي حياة المجتمع المسلم على وجه التحديد ومن ثم لابد أن يوجد المجتمع أولاً بتركيبه العضوي الطبيعي، فيكون هو الوسط الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي ويطبق، وعندئذ تختلف الأمور جداً، وساعتها قد يحتاج ذلك المجتمع الخاص – بعد نشأته في مواجهة الجاهلية وتحركه في مواجهة الحياة – إلى البنوك وشركات التأمين وتحديد النسل... إلخ، وقد لا يحتاج! ذلك أننا لا نملك سلفاً أن نقدر أصل حاجته، ولا حجمها ولا شكلها، حتى نشرع لها سلفاً! كما أن مالدينا من أحكام هذا الدين لا يطابق حاجات المجتمعات الجاهلية ولا يلبيها... ذلك أن هذا الدين لا يعترف ابتداء بشرعية وجود هذه المجتمعات الجاهلية، ولا يرضى ببقائها ومن ثم فهو لا يعني نفسه بالاعتراف بحاجاتها الناشئة من جاهليتها، ولا بتلبيتها كذلك"( 39). وفي هذا إلى جانب تكفيره للمجتمعات الإسلامية لأجل أن حياتها قامت على غير حاكمية الله يفهم من كلامه أنه يجيز أن تقوم شركات تأمين في المجتمع الذي سيقيمه سيد وأتباعه، وكذلك يفهم من كلامه أن يجيز تحديد النسل، وهذه فكرة يهودية ناشئة عن سوء الظن بالله. ويقول سيد بالاشتراكية الغالية، التي منها تأميم الثروات والممتلكات، ولو قامت على الأسس الإسلامية، وهي اشتراكية كافرة، ينشرها ويروج لها الشيوعيون، وقد تقوم هذه الدولة على تشييد القبور ونشر الرفض؛ فماذا يستفيد الإسلام والمسلمون من وراء هذا الهدم والبناء الفاسد، والله إن دلائل ما نقوله لتلوح، بل قد قامت في بعض البلدان التي ضاع فيها جهاد المسلمين الطويل المرير. ويقول سيد قطب مؤكداً ما سبق( 40). "إن المحنة الحقيقية لهؤلاء الباحثين أنهم يتصورون أن هذا الواقع الجاهلي هو الأصل الذي يجب على دين الله أن يطابق نفسه عليه! ولكن الأمر غير ذلك تماما... إن دين الله هو الأصل، يجب على البشرية أن تطابق نفسها عليه، وأن تحور من واقعها الجاهلي وتغير حتى تتم هذه المطابقة... ولكن هذا التحور وهذا التغير لا يتمَّان عادة إلا عن طريق واحد، هو التحرك في وجه الجاهلية، لتحقيق ألوهية الله في الأرض، وربوبيته وحده للعباد، وتحرير الناس من العبودية للطاغوت، بتحكيم شريعة الله وحدها في حياتهم... وهذه الحركة لابد أن تواجه الفتنة والأذى والابتلاء، فيفتن من يفتن، ويرتد من يرتد، ويصدق الله من يصدقه، فيقضي نحبه ويستشهد، ويصبر من يصبر، ويمضي في حركته حتى يحكم الله بينه وبين قومه بالحق، وحتى يمكن الله له في الأرض، وعندئذ فقط يقوم النظام الإسلامي، وقد انطبع المتحركون لتحقيقه بطابعه، وتميزوا بقيمه... وعندئذ تكون لحياتهم مطالب وحاجات تختلف في طبيعتها وفي طرق تلبيتها عن حاجات المجتمعات الجاهلية ومطالبها وطرق تلبيتها... وعلى ضوء واقع المجتمع المسلم يومذاك تستنبط الأحكام، وينشأ فقه إسلامي حي متحرك، لا في فراغ، ولكن في وسط واقعي محدد المطالب والحاجات والمشكلات". أقول: إن قيام الدعوة إلى الله لإصلاح المجتمعات الإسلامية بإصلاح عقائدهم وعباداتهم وأعمالهم وسياستهم أمر لازم لابد منه، ولكن كل هذا لا يعني ما يقوله سيد قطب من أنه لابد من وجود حركة تنشئ الإسلام من فراغ وتنشئه من جديد في مجتمعات جاهلية كافرة على حد قوله: "وهذه الحركة لابد أن تواجه الفتنة والأذى والابتلاء، فيفتن من يفتن، ويرتد من يرتد..." إلخ. فالداعي إلى الله قد يتعرض للابتلاء فيصبر، وقد يصاب بالعجز والفتور ولا يستمر؛ فكيف يحكم عليه سيد بالردة؟! ماسبب ذلك إلا تكفير سيد للمجتمعات الإسلامية؛ لأنها لا تؤمن بما جاء به سيد قطب من عقائد وتصورات وفهوم غريبة على الإسلام: عقائده، وفقهه، وسياسته. ويؤكد مرة أخرى ما قرره سابقاً، فيقول: "إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم، ومن ثم لن يطبق فيه النظام الإسلامي، ولن تطبق فيه الأحكام الفقهية الخاصة بهذا النظام... لن تطبق لاستحالة هذا التطبيق الناشئة من أن قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية لا يمكن أن تتحرك في فراغ؛ لأنها بطبيعتها لم تنشأ في فراغ، ولم تتحرك في فراغ كذلك!. إن المجتمع الإسلامي ينشأ بتركيب عضوي آخر غير التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي... ينشأ من أشخاص ومجموعات وفئات جاهدت في وجه الجاهلية لإنشائه، وتحددت أقدارها، وتميزت مقاماتها في ثنايا تلك الحركة. إنه مجتمع جديد، ومجتمع وليد، ومجتمع متحرك دائماً في طريقه لتحرير الإنسان؛ كل الإنسان... في الأرض؛ كل الأرض... من العبودية لغير الله، ولرفع هذا الإنسان عن ذلة العبودية للطواغيت؛ أيّاً كانت هذه الطواغيت"( 41). 1) يصرح سيد هنا باستحالة تطبيق الأحكام الفقهية الخاصة بالنظام الإسلامي. 2) يعلل ذلك بأن قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية لا يمكن أن تتحرك في فراغ... إلخ. 3) وأن المجتمع الإسلامي ينشأ بتركيب عضوي آخر غير التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي. 4) لأنه ينشأ من أشخاص ومجموعات وفئات جاهدت في وجه الجاهلية لإنشائه... إلخ. 5) ويرى أن هذا المجتمع مجتمع جديد، وليد، متحرك دائماً، لتحرير الإنسان في كل الأرض من ذل العبودية للطواغيت. والظاهر أنه يريد بالطواغيت الحكام فحسب، أما شرك القبور؛ فلايمكن أن يدور بخلده، وأما عبادة الأوثان؛ فما هي إلا أمور ساذجة، ويمكن مؤاخاة أهلها وموادتهم إذا لم يحاربونا، ولو كانوا مجوساً وشيوعيين ونصارى وغيرهم( 42). ويؤكد ماسبق من أحكام بعيدة عن العدل والرحمة، فيقول: "وكذلك من يدرينا أن المجتمع المسلم المتحرك المجاهد سيكون في حاجة إلى تحديد النسل مثلا؟! وهكذا... وإذا كنا لا نملك افتراض أصل حاجات المجتمع حين يكون مسلماً، ولا حجم هذه الحاجات أو شكلها، بسبب اختلاف تركيبه العضوي عن تركيب المجتمع الجاهلي، واختلاف تصوراته ومشاعره وقيمه وموازينه... فما هذا الضنى في محاولة تحوير وتطوير وتغيير الأحكام المدونة؛ لكي تطابق حاجات هي في ضمير الغيب، شأنها شأن وجود المجتمع المسلم". ويقول: "إن نقطة البدء في المتاهة – كما قلنا – هي افتراض أن هذه المجتمعات القائمة هي المجتمعات الإسلامية، وأنه سيجاء بأحكام الفقه الإسلامي في الأوراق لتطبق عليها، وهي بهذا التركيب العضوي ذاته، وبالتصورات والمشاعر والقيم والموازين ذاتها... كما أن أصل المحنة هو الشعور بأن واقع هذه المجتمعات الجاهلية وتركيبها الحاضر هو الأصل الذي يجب على دين الله أن يطابق نفسه عليه، وأن يحور ويطور ويغير في أحكامه ليلاحق حاجات هذه المجتمعات ومشكلاتها المنبثقة أصلاً من مخالفتها للإسلام ومن خروج حياتها جملة من إطاره"( 43). وعلى هذا المقطع من الملاحظات ما يأتي: 1) يبدو أن سيداً يرى جواز تحديد النسل!. 2) يرى أن المجتمع المسلم لايزال في ضمير الغيب، وهذا عين التكفير للمجتمعات الإسلامية، وقد عرفت على أي أساس يكفر هذه المجتمعات. 3) وأن هذه المجتمعات كافرة، وأن افتراض أنها إسلامية: دخول في متاهة. 4) وأننا لا نملك افتراض أصل حاجات هذا المجتمع؛ لأنه لا علاقة له بالإسلام؛ بسبب اختلاف تركيبه العضوي عن المجتمع الإسلامي الذي يصلح فيه تطبيق الإسلام ويمكن أن نعرف حاجاته ومتطلباته؛ فهذا المجتمع لا يزال في ضمير الغيب. شهادات على سيد قطب وأتباعه بتكفير المسلمين: 1 – شهادة القرضاوي على سيد قطب وكتبه بالتكفير: قال القرضاوي في كتابه "أولويات الحركة الإسلامية"( 44): "في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع، وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير "في ظلال القرآن" في طبعته الثانية، وفي "معالم في الطريق"، ومعظمه مقتبس من الضلال، وفي "الإسلام ومشكلات الحضارة"، وغيرها، وهذه الكتب كان لها فضلها وتأثيرها الإيجابي الكبير؛ كما كان لها تأثيرها السلبي"( 45). وقد قاوم هذا الفكر الأستاذ الهضيبي وآخرون في أبحاث أشرف عليها الهضيبي في كتاب "دعاة لا قضاة". وقاومه الأستاذ أبوالحسن الندوي في كتابه "التفسير السياسي". وقاومه العلامة المحدث ناصر الدين الألباني، وكثير من علماء المسلمين. نسأل الله أن يبصر الأمة وشبابها بالحق في كل ميادين الإسلام، وأن يجنبهم الغلو والباطل في كل مجال. 2 – شهادة فريد عبد الخالق (أحد كبار الإخوان المسلمين) على سيد قطب وأتباعه بأنهم يكفرون المسلمين: قال في كتابه "الإخوان المسلمون في ميزان الحق"( 46): "ألمعنا فيما سبق إلى أن نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، وأنهم تأثروا بكفر الشهيد سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية، وأنه قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميه إذا رضوا بذلك"( 47) اهـ. ويقول فريد عبد الخالق: "إن أصحاب هذا الفكر وإن تعددت جماعاتهم، يعتقدون بكفر المجتمعات الإسلامية القائمة، وجاهليتها جاهلية الكفار، قبل أن يدخلوا في الإسلام في عهد الرسول ، ورتبوا الأحكام الشرعية بالنسبة لهم على هذا الأساس، وحددوا علاقاتهم مع أفراد هذه المجتمعات طبقاً لذلك، وقد حكموا بكفر المجتمع لأنه لا يطبق شرع الله، ولا يلتزم بأوامره ونواهيه، ومنهم من قال بعدم كفر مخالفيهم ظاهرياً، وقالوا بنظرية (المفاصلة الشعورية)، فأجاز هذا الفريق الصلاة خلف الإمام الذي يؤم المصلين المسلمين في سجونهم ومتابعته في الحركات دون النية، وقالوا بعدم تكفير زوجاتهم، وأجلوا كفرهم(48 ) على أساس نظرية (مرحلية الأحكام)، وأنهم في عصر الاستضعاف – أي: العهد المكي – بأحكامه التي نزلت إبانه، فلا تحرم المشركات ولا الذبائح ولا تجب صلاة الجمعة ولا العيدين ولا يجوز الجهاد، ويكفرون من لم يؤمن بفكرهم، وأخذوا ببعض أساليب الباطنية في (التقية)، ألا يذكروا أسرار معتقداتهم لغيرهم، ويظهرونها لخواصهم وأتباع فكرهم، وذلك عندهم ضرورة حركية. وطائفة تمسكت بالمفاصلة الصريحة، وكفرت مخالفيهم ومن كان معهم، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين، ومرشدهم، وآباؤهم، وأمهاتهم، وزوجاتهم، وهم جماعة (التكفير والهجرة)، الذين يسمون أنفسهم (جماعة المؤمنين)"( 49). 3 – شهادة علي جريشة (وهو من كبار الإخوان المسلمين): قال بعد أن تحدث عن غلو الخوارج وتكفيرهم لعلي وأصحابه: "وفي الحديث انشقت مجموعة على جماعة إسلامية كبيرة إبان وجودهم في السجون... ومع ذلك لجأت تلك المجموعة إلى تكفير الجماعة الكبيرة؛ لأنها لا تزال على رأيها في تكفير الحاكم وأعوان الحاكم ثم المجتمع كله، ثم انشقت المجموعة المذكورة إلى مجموعات كثيرة، كل منها يكفر الآخر"( 50). كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في سياق حديثه عن الحكم بغير ما أنزل الله: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(51 )، ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله؛ فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي بنبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر؛ فإن كثيراً من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم، التي يأمر بها المطاعون؛ فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله؛ فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً كمن تقدم أمره، وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول، فقال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا(52 )، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(53 ). فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم؛ فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه؛ فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة، وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله، وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هاهنا، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية، والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقاً في كل زمان ومكان على كل أحد، ولكل أحد، والحكم بما أنزل الله على محمد هو عدل خاص، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله؛ فهو كافر، وهذا واجب على الأمة، في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية"( 54). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معنى قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ(55 ). "وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله؛ اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف للدين، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء. الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت عن النبي أنه قال: "إنما الطاعة في المعروف". ثم ذلك المحرِّم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهداً قصده اتباع الرسل، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع؛ فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه، ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ، ثم اتبعه على خطئه، وعدل عن قول الرسول ؛ فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لا سيما إن اتبع ذلك هواه ونصره باليد واللسان، مع علمه أنه مخالف للرسول ؛ فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه"( 56). -------------------------------------------------------------------------------- الحواشي: (1 ) بل كثير وكثير من هذه المجتمعات يُضفون على أناس صفات الإله؛ كاعتقادهم أنهم يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون، ويفرجون الكروب، ويتقدمون لهم بالشعائر التعبدية من الاستغاثة في الشدائد والدعاء والخوف والرجاء والتوكل والطواف بقبورهم وتعظيم هذه القبور وإقامة الأعياد والاحتفالات والموالد لهذه الأضرحة وشد الرحال إليها وتقديم الذبائح والنذور بالأموال الطائلة لها، كل هذه الأمور وغيرها من أنواع الشرك لا يعدها سيد من أنواع الشرك الناقضة للتوحيد المنافية لمعنى لا إله إلا الله، ونحن والحمد لله مع أننا نرى هذا من أنواع الشرك الأكبر، لا نفكر إلا من قامت عليه الحجة، وسيد لا يرى هذا من الشرك، ولا يستنكره؛ كحال كثير من الصوفية والروافض، لا يرون الشرك إلا في عبادة الأوثان، فإذا كفر سيد الناس؛ فإنما يكفرهم لأنهم يدينون بالحاكمية لغير الله، ولا يشترط إقامة الحجة، ولا يدرك أن أكثر من يكفرهم بالحاكمية لا يدينون بالحاكمية لأحد على الوجه الذي ذكره، ولا يدرك أن الروافض والقبوريين يفرحون بموقفه هذا من القبورية، ويأنسون إليه. (2 ) المائدة: 44. (3 ) النساء: 60 – 65. (4 ) وهذا واضح في تكفيره المجتمعات الإسلامية. (5 ) وهذا في غاية الصراحة والوضوح في تكفير المجتمعات الإسلامية. (6 ) وقد أنكر ذلك عليه كثير من الناس؛ منهم أبوالحسن الندوي، وحسن الهضيبي، ويوسف القرضاوي؛ في مؤلفاتهم. (7 ) يونس: 87. (8 ) "في ظلال القرآن" (3/1816). (9 ) يوسف: 106. (10 ) كل من سيد قطب وأخيه يحلقان لحاهما، ويكشفان رأسيهما، ويلبسان البدلة والكرفتة على طريقة الإفرنج؛ تقليداً واعتزازاً بهذا المظهر الإفرنجي، ولا ينكران على غيرهما هذا وأمثاله؛ فبماذا يحكمان على أنفسهما؟! وبعد جهد ومدة طويلة في الحجاز، أرسل محمد قطب رمزاً للحيته، وعمره يناهز الستين، ولعله على مضض، ولم يغير زيه. (11 ) يوسف: 106. (12 ) "الظلال" (4/2033). (13 ) الزمر: 3 (14 ) أقول: إن النجاشي أسلم في عهد النبي ، وكان إسلامه في الاعتقاد فقط، فلم يستطع أن يطبق شعائر الإسلام التعبدية، ولم يطبق الحاكمية في دولته، ولم يقم بالهجرة، ومع هذا كله كان له منزلة عند رسول الله ، ولما مات؛ أخبر رسول الله بموته، وقال لأصحابه: "صلوا على أخيكم"، وصلى عليه رسول الله وأصحابه. أفرأيت لو أن النجاشي آمن بالحاكمية فقط، ولم يؤمن بقعيدة التوحيد، أيعده رسول الله مؤمناً ويصلي عليه هو وأصحابه كما يصلي على المسلمين؟! نريد الإجابة على هذا السؤال الملح. ثم ألا يرى السياسيون على طريقة سيد قطب الفرق الهائل بين دعوة الأنبياء إلى التوحيد وبين دعوتهم، وأنهم متنكبون لدعوة الرسل ومنهجهم في الدعوة إلى توحيد الله في العبادة أولاً، ثم بناء مابعدها من أمور الإسلام عليها؛ إذ هي الأصل والأساس والقاعدة الصلبة لدعواتهم جميعاً. أخرجه البخاري في (كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد) عن أبي هريرة، ولفظه: "نعى لنا رسول الله النجاشي صاحب الحبشة يوم الذي مات فيه، فقال: استغفروا لأخيكم" (3/236/ رقم 1327 – الفتح). وله بلفظ آخر عن جابر؛ قال: قال النبي : "قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلم فصلوا علي..." الحديث (باب الصفوف على الجنازة/3/1320 – الفتح). وأخرجه مسلم بلفظ: "إن أخاً لكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه" (التكبير على الجنازة /7/23 – نووي). (15 ) "الظلال" (3/1492). (16 ) الأنعام: 161. (17 ) (63 – مناقب الأنصار / رقم 3826 و 3827). (18 ) كقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وشيوخ سلمان الفارسي من الرهبان الذين كانوا على دين الحق. (19 ) "البداية والنهاية" (2/221). (20 ) "البداية والنهاية" (2/221)، و"السيرة النبوية" لابن هشام (1/224). (21 ) "البداية والنهاية" (2/222). (22 ) "البداية والنهاية" (2/224). (23 ) "الفتح" (7/143). (24 ) "العدالة الاجتماعية" (ص 182/ الطبعة الثانية عشرة). (25 ) هذا التعبير غير صحيح؛ فالدين هو شرع الله وكلامه المنزل على رسوله، وليس عبداً مخلوقاً مكلفاً بعبادة الله والتأله له حتى يقال: إله هذا الدين، وإنما يقال: إله الناس، وإله الملائكة... وغيرهم ممن خلق للتأله والعبادة. (26 ) يوسف: 40. (27 ) المائدة: 49. (28 ) المائدة: 45. (29 ) "العدالة الاجتماعية" (ص 183 – 184 الطبعة الثانية عشرة). (30 ) إن الفرس الذين اندفع المسلمون لجهادهم كانوا مجوساً يعبدون النار، وعقائدهم وشرائعهم تقوم على الوثنية، والمسلمون يريدون إخراجهم من هذا الشرك بالدرجة الأولى؛ فكيف يغفل سيد قطب هذا ويحاسبهم على الجانب السياسي فقط. ليس في قول ربعى ما يفيد إلا إخراج الناس من عبادة العباد كالملائكة والأنبياء الصالحين ولا تعرض فيه للأنظمة وإنما هو تفسير سياسي فيه تحريف لهذا النص كعادة سيد قطب في تحريف معنى العبادة ومعنى الألوهية إلى الحاكمية والسلطة والأنظمة إلى آخر التحريفات الرهيبة لدعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام. وينبغي أن أسوق هنا ما أخرجه البخاري في صحيحه في الجزية حديث 3159 عن جبير بن حية قال: "… فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً، فقام ترجمان فقال ليكلمني رجل منكم. فقال المغيرة: سل عما شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد. نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر وونعبد البحر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين – تعالى ذكره وجلت عظمته – إلينا نبينا من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول ربنا أن نقابلكم حتى تعبدوا الله وحده. أو تؤدوا الجزية وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط ومن بقي منا ملك رقابكم. فهذا النص يفيد أن الجهاد إنما هو ليعبد الناس الله وحده وهذا تحقيق لمعنى لا إله إلا الله والعبادة وأنواعها معروفة ومن أبى ذلك أدى الجزية، فهل أداء الجزية عبادة لله يتحقق بها معنى لا إله إلا الله لا سيما بعد إسقاط أنظمة الكفر والشرك نعوذ بالله من هذا التحريف الخطير الذي لا يعرف له نظير. (31 ) في هذا الكلام تكفير واضح للأمة الإسلامية كلها، وحكم عليها بالردة، وأنهم أشد الكفار عذاباً؛ لأنهم ارتدوا بعدما تبين لهم الهدى. (32 ) "في ظلال القرآن" (2/1057). (33 ) الأنعام: 65. (34 ) "في ظلال القرآن" (2/1125). (35 ) "في ظلال القرآن" (4/2122). (36 ) "في ظلال القرآن" (3/1735). (37 ) "في ظلال القرآن" (4/2007). (38 ) "في ظلال القرآن" (4/2009). (39 ) "في ظلال القرآن" (4/2010). (40 ) "في ظلال القرآن" (4/2010). (41 ) "في ظلال القرآن" (4/2009 - 2010). (42 ) سيأتي توضيح ما قلناه فيما بعد إن شاء الله. (43 ) "في ظلال القرآن" (4/2011). (44 ) (ص 110). (45 ) نأسف لمثل هذا المنهج؛ أعني: منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات، الحائد عن منهج الإسلام الذي ضيع شباب الأمة، وقذف في قلوبهم حب البدع وأهلها، ولا سيما مذهب الخوارج في تكفير الأمة، وهون من شأن الرفض والتصوف الغالي، بما فيه وحدة الوجود، فمتى يستيقظ المؤمنون لمثل هذه الحيل. (46 ) ص (115). (47 ) ص (115). (48 ) لعله أراد: "نكاحهم". (49 ) (ص 118). (50 ) راجع كتابه "الاتجاهات الفكرية المعاصرة" (ص 279). (51 ) المائدة: 44. (52 ) النساء: 59. (53 ) النساء: 65. (54 ) "منهاج السنة" (3/32 – نشر مكتبة الرياض الحديثة). (55 ) التوبة: 31. (56 ) انظر كتاب الإيمان ص 67 – 68 نشر المكتب الإسلامي، و"فتح المجيد" (ص 111 – المكتبة التجارية).
__________________
استخدم زر التحكم لتعديل توقيعك |
#2
|
|||
|
|||
للـــــــــرفع
__________________
قال حامل لـواء الجرح والتعديل حفظه الله : والإجمال والإطلاق: هو سلاح أهل الأهواء ومنهجهم. والبيان والتفصيل والتصريح:هو سبيل أهل السنة والحق
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الخروج على الحكام سبب لتأخر الجهاد وضعف الدولة الإسلامية وتقوية لأعداء الدين والملة | ماهر بن ظافر القحطاني | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 04-07-2006 07:24AM |
ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي للأمة معرفته ثم ردمه | الشيخ ربيع المدخلي | منبر الملل والنحل | 0 | 12-01-2004 02:18PM |
لقاء مع الشيخ صالح آل الشيخ متعلق بفتنة التكفير (بخوص التفجيرات الأخيرة ) | ماهر بن ظافر القحطاني | السنن الصحيحة المهجورة | 0 | 23-12-2003 10:20AM |