|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
شرح فصل في أسباب إنشراح الصدر للعلامة ابن القيم شرح الشيخ أمان الجامي رحمهما الله
شرح
فصل في أسباب إنشراح الصدر من زاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى- شرحها الشيخ محمد أمان الجامي - رحمه الله تعالى- ملاحظة: تفريغ الأشرطة لا يعني الاستغناء عنها بسم الله الرحمن الرحيم [المتن] الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: فصل في أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيدُ وعلى حسَب كماله، وقوته، وزيادته يكونُ انشراحُ صدر صاحبه، قال اللَّه تعالى: ?أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّنْ رَبِّه?[الزمر: 22]، وقال تعالى: ?فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَـيِّقًا حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ?[الأنعام: 125]. فالهُدى والتوحيدُ مِن أعظم أسبابِ شرح الصدر، والشِّركُ والضَّلال مِن أعظم أسبابِ ضيقِ الصَّدرِ وانحراجِه، ومنها: النورُ الذي يقذِفُه اللَّه في قلب العبد، وهو نورُ الإيمان، فإنه يشرَحُ الصدر ويُوسِّعه، ويُفْرِحُ القلبَ. فإذا فُقِدَ هذا النور من قلب العبد، ضاقَ وحَرِجَ، وصار في أضيق سجنٍ وأصعبه. وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: «إذا دَخَلَ النور القلبَ، انْفَسَحَ وانشرحَ». قالوا: وما عَلاَمَةُ ذَلِكَ يَا رسُولَ اللَّهِ؟ قال: «الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ، والتَجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزوله». فيُصيبَ العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النورُ الحِسِّي، والظلمةُ الحِسِّية، هذه تشرحُ الصدر، وهذه تُضيِّقه. [الشرح] الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد: موضوع درسنا -الموضوع العام- هو الكلام في أحكام الصيام؛ ولكن استحسنا واخترنا هذا الكتاب زاد المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم ليكون هو كتابَ درسنا في أحكام الصيام في هذه الأيام المباركة المقبلة، وبين يدي أحكام الصيام [أبدى] العلامة ابن القيم بحثا مهما جدا في أسباب شرح الصدور وحصول ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجه الكمال -الكمال البشري-، لذلك نبدأ بهذه الأسباب، ولعلنا نبدأ في معالجة أنفسنا قبل أن نبدأ في الصيام، لنعدّ أنفسنا لاستقبال صيام شهر رمضان وبالله التوفيق. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (فصل في أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صلى الله عليه وسلم) فيقول (فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيدُ وعلى حسَب كماله، وقوته، وزيادته يكونُ انشراحُ صدر صاحبه). التوحيد يضعف ويقوى في نفس العبد، ويزيد وينقص؛ لأن أصل التوحيد هو الإيمان؛ الإيمان بالله تعالى وإفراده بالعبادة وتوحيده في أسمائه وصفاته بعد توحيده في ربوبيته، والناس يتفاوتون في هذا التوحيد، وعلى حسب كمال هذا التوحيد وضعف هذا التوحيد وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، وهذا شيء يعلمه الإنسان من نفسه، زيادة الإيمان ونقص الإيمان وقوة الإيمان وضعف الإيمان وقوة توحيدك وضعفه، لو درس الإنسان حول نفسه في كل لحظة يدرك، هذه أعراض تعتري كل إنسان؛ لأن القوة والضعف لهما أسباب. أسباب ضَعف التوحيد ونُقصان التوحيد وضَعف الإيمان ونقصان الإيمان المعاصي والإعراض عن الله سبحانه وتعالى. وأسباب قوة الإيمان وقوة التوحيد وزيادة الإيمان وزيادة التوحيد الطاعة والامتثال، إذا كانت الطاعة على وجه ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحن نذكر مع قوة التوحيد وضعف التوحيد قوة الإيمان وضعف الإيمان؛ لأن الإيمان تلك الحقيقة التي في النفس، حقيقتها تعظيم الرب سبحانه وتعالى، ومحبة الله وتعظيم أوامره، هذه الأمور تُنتج إفراد الله تعالى بالعبادة وعدم الالتفات إلى سواه وإفراده في أسمائه وصفاته وإفراده في ربوبيته، وذلك هو الإيمان. (قال تعالى ?أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّنْ رَبِّه?[الزمر: 22]) على نور من ربه من صدر الله صدره للإسلام، على نور من ربه سبحانه وتعالى قد نوّر الله قلبه، يعبد الله كأنه يرى الله من شدة المراقبة، ويُرزق الأنس بالله سبحانه وتعالى، فإذا اعترضته أعراض بشرية لابد منها أحس بالوحشة وفرّ، إلى من؟ إلى الله يفر إلى الله ليخلصه من شر نفس وهواه. (وقال تعالى: ?فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَـيِّقًا حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ?[الأنعام: 125]) كالذي يحاول الصعود ويتكلّف الصعود في السماء، ?فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ? من يريد الله هدايته بالهدايتين هداية الإرشاد والدلالة والبيان، وهداية التوفيق والإلهام، يشرح صدره للإسلام يحب الإسلام، ويفرح بالإسلام، الإسلام الذي هو الاستسلام والانقياد، يرى من نفسه محبة الإسلام ومحبة الالتزام ومحبة والاستقامة، إذا رأى العبد من نفسه هذه المعاني معناه إن الله شرح صدره للإسلام وهداه، وهذه هداية الإرشاد والدَّلالة والبيان حصلت. تبقى هداية التوفيق الإلهام بأن يوفقه للعمل الصالح والإخلاص فيه ومتابعة رسوله عليه الصلاة والسلام، إذ لا قَبول للأعمال إلا بالأمرين معنا إخلاص العمل لله تعالى بحيث لا يشوب شيء من الرياء، وحب الشهرة والظهور والبروز؛ ولكن يريد وجه الله وحده ويكون ذلك العمل وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوفقه إلى ذلك. أما من يريد الله أن يضله وأمسك عنه التوفيق وخذله ولم يُعنه على نفسه وشيطانه؛ فلم يُعنه إعانة تجعله يحب الله ورسوله وطاعته، ويجعل صدره ضيقا حرجا كأنّما يصعد في السماء، يرى في امتثال المأمورات واجتناب المنهيات صعوبة شديدة، لا يرى من نفسه الانشراح بأن يمتثل ويعمل ولينتهي عما نُهي عنه؛ بل يرى هذه قيود صعبة تقيد وتقضي على حريته وإنسانيته، يريد أن يطلق هذا هو الضياع، فإذا رأى الإنسان من نفسه هذا المعنى ووقف هذا الموقف عليه أن يبادر بالفرار إلى الله؛ ليخلصه وإن يوفقه الله سبحانه وتعالى في هذه الظروف بالفرار إليه يوفقه توفيقا، وإن لم يوفقه ضلّ وضاع. هكذا ثبت في علم الله سبحانه وتعالى، ومكتوب عند من يوفَّق ويُلهم ويعمل ويشرح صدره للإسلام ويحب الإسلام وأهل الإسلام ومن هو بالعكس كل ذلك سابق في علم الله تعالى وكتابه السابق، بيد أننا لا نعلم هذا السّر مطالبون بظاهر الشريعة، علينا أن نطلب من الله سبحانه وتعالى الهداية في كل لحظة، إذ قد يكون من الأسباب بأن يخلص الله عبده مما تورّط فيه الإكثار من الدعاء واللجوء إلى الله كما سيأتي في أسباب انشراح الصدر. يقول الشيخ رحمه الله تعالى العلامة ابن القيم (الهُدى والتوحيدُ مِن أعظم أسبابِ شرح الصدر) الْهُدى الذي هو ضد الضلالة، الذي هو المتابعة -صحة المتابعة- الهدى ضد الضلال، والتوحيد ضد الشرك بنوعيه الشرك الأكبر والأصغر، من رزقه الله الهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، انشرح صدره إذا وفقه الله فوحّد الله في عبادته في ربوبيته، توحيد الربوبية الذي هو توحيد الفطرة والعدل، وجاء الشرع مؤيٍّدا بذلك ثم أتبع ذلك بتوحيد العبادة؛ لأن توحيد الربوبية وحده لا يجزي ولا ينفع، ولو وحّد الإنسان رب العالمين بأنه وحده الخالق الرازق، وهو المعطي المناع وهو النافع الضار وهو القادر على اختراع كل شيء، لا شريك له في كل ذلك، لو وحّده في هذا التوحيد لكن لم يوحده في عبادته؛ يدعو معه غيره ويستغيث بغيره ويخاف خوفا غير الطبيعي من غيره، ويحب غيره محبة غير طبيعية، ويساوي بينه وبين عبد من عباده في علم الغيب والتصرف في الكون، لو وحّد الله في ربوبيته على ما ذكرنا؛ ولكن تورط في هذه الأنواع أنواع الشرك الأكبر ما نفع ذلك التوحيد أبدا؛ بل لا يدخل بذلك التوحيد في الإسلام فضلا أن يكون من أولياء الله تعالى؛ لأن ذلك التوحيد توحيد الربوبية توحيد كما قلنا غير مرة يجهله أبو جهل نفسه، أبو جهل وأمثاله يوحدون الله في ربوبيته، وإنما حُكم عليهم بالشرك والكفر واستحلت أموالهم ودماؤهم لأنهم لم يوحدوا الله في عبادته أشركوا بالله في العبادة. وهذا شيء يجب أن يعلمه صغار طلبة العلم قبل كبار طلبة العلم؛ بل جميع المسلمين يجب أن يعلموا لابد من الجمع بين التوحيدين، توحيد الربوبية وتوحيد العبادة. إذا تَمّ للمرء هذا التوحيد ثم حصل له الهدى ابتاع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك يحصل له انشراح صدره أعظم انشراح، والشرك كما مثّلنا، والضلال كما أشرنا من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحرافه، من علَّق قلبه بغير الله تعالى يخاف من هذا ويحذر من ذاك ويرجو زيدا ويخاف عمرا ويحلف بخالد، وهكذا موزع بين عباد الله، يخاف من الجن والإنس، لا يوحد الله بالمحبة والرّغبة والرهبة، ويتَّبع كل ما سمع، لا يبحث عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتّبعه في صلاته في جميع عباداته لا يتقيد بالهدي النبوي. من أُبتلي بهذا الداء أُصيب بأعظم أسباب ضيق الصدر والانحراف فإنه في حرج في ضيق لأن محبته موزعة وخوفه موزع واتباعه موزع، لم يوحّد اتجاهه في سيره إلى الله؛ لذلك فهو دائما في ضيق وفي حرج، نسأل الله لنا ولكم السلامة. ويقول العلامة ابن القيم (ومنها) من أسباب انشراح الصدر (النورُ الذي يقذِفُه اللَّه -سبحانه وتعالى- في قلب العبد) هذا النور نور الإيمان، هذا النور إنما يحصل إذا قوي الإيمان، الإيمان له نور وله طعم وله لذة، يتذوق الإنسان طعم الإيمان، ويجد في نفسه لذة الإيمان، وينوَّر قلبه بنور الإيمان، كل ذلك إذا صحّ إيمانه، لا الإيمان المدعى؛ بل الإيمان الحقيقي الذي علم الله منه إيمانه. وهذه الأمور بالنسبة لنا نحن نحكي؛ ولكن ابن القيم يتحدث حديث إنسان مجرِّب حاسّ يحس هذا المعنى في نفسه رحمه الله، (فإنه يشرَحُ الصدر) هذا النور (ويُوسِّعه)، ويرى أن ما عنده ليس بشيء لا يرى زخارف الدنيا ونعيمها وعذابها ومشاكلها كل ذلك لا يراه شيئا؛ لأنه صبر بنور الإيمان. وهذا النور يربطه بالله سبحانه وتعالى (فإنه يشرَحُ الصدر ويُوسِّعه، ويُفْرِحُ القلبَ) دائما فيما بينه وبين الله في فرح وسرور، وإن كان فيما يبدو للناس في ضيق، قد يكون في فقر في ضيق وفي تسلط الأعداء عليه، كما هو الحاصل لكثير من المصلحين من الأنبياء وورثة الأنبياء، كثيرا ما يمتحنهم الله سبحانه وتعالى بأن يسلط عليهم أعداءهم؛ لكن في الوقت نفسه يرون في أنفسهم محبة لله وسرورا؛ لذلك يحكى عن شيخه العلامة الإمام ابن تيمية عندما كان يعذب وينفى ويسجن يقول: جنتي في صدري، ماذا يعمل أعدائي؟ نفيي سياحة، سجني خلوة، وقتلي شهادة. وهل يعمل الأعداء أكثر من هذا؟ القسمة ثلاثية ليس هناك شيء آخر، إما أن يُنفى، وإما أن يُسجن، وإما أن يقتل وفي الحالات كلها هو في جنته. يقول هو أو غيره من أصحاب التحقيق: لا يدخل العبد الجنة الآخرة حتى يدخل جنة الدنيا. أي حتى يجد لذة في طاعة الله تعالى وعبادته، والأنس به، وانشراح صدره وتتحول جميع المشاق عنده كلا شيء يرى نفسه وكأنه في الجنة، وهو في الدنيا بعد ذلك يدخل الجنة الآخرة. والله المستعان. يقول العلامة ابن القيم (فإذا فُقِدَ هذا النور من قلب العبد، ضاقَ وحَرِجَ، وصار في أضيق سجنٍ وأصعبه.) قد يكون فيما يبدو للناس في نعيم، في راحة؛ لكن فيما بينه وبين الله إذا فَقَد ذلك النور ضاق صدره، وهذه المعاني كُلِّها فيما بين العبد وبين الرب. وأما ما يحصل للإنسان من مُتَع الدنيا هذه المتع قد تحصل لأعداء الله للكفار ما لا يحصل لأولياء الله تعالى. فإذن ليست هي المعيار، التنعم بنعيم الدنيا، وأن يعيش الإنسان في بحبوحة من العيش وفي سعة من الحياة وفي ضيق، كل ذلك ليس بمعيار، وليس هو محل الحديث، وإنما القضية قضية خاصة بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى. (وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: «إذا دَخَلَ النور القلبَ، انْفَسَحَ وانشرحَ») يعرف ذلك الإنسان من نفسه وقد يعرف ذلك غيره بالقرائن وبتصرفات هذا العبد، (قالوا: وما عَلاَمَةُ ذَلِكَ يَا رسُولَ اللَّهِ؟ قال: «الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ») هذه العلامة التي يعرف بها الإنسان، إذا رأيت الإنسان ذا إنابة وتوجّه وإكثار من التوبة وإقبال على الله («والتَجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ») وأنّ مُتع الحياة لا تضره لأنها دار الغرور، يأخذ منها زادا لآخرته، ما يحصل له من متاع الدنيا يستعمل زادا لآخرته، لا ينخدع بها لا تشغله عن عبادة الله وعن طاعة ربه سبحانه، وعن اتباع نبيه عليه الصلاة والسلام («والاسْتِعْدادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزوله ») كيف يستعد الإنسان للموت؟ الاستعداد للموت، أكثر أهل العلم من ذكر الاستعداد للموت في مؤلفاتهم وفي كتبهم؛ ذلك بالتوبة والإنابة والإكثار من مراجعة صفحات أعمارك الماضية ماذا عملت؟ والإقبال على الله وانكسار القلب والحزن؛ لأنك لا تدري بما يُختم لك، تُرزق الخوف مع السرور والانشراح؛ لابد أن يجمع العبد بين الخوف وبين الرجاء، لا يغلب عليه الخوف حتى يصل إلى درجة القنوت واليأس، ولا يغلب عليه الرجاء حتى يركبه الغرور؛ لكنه يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، يلازم هذه الخطّة وهذا الطريق بهذا يستعدّ للموت. بمناسبة هذا الأثر أو هذا الحديث ذكر المحققون لكتاب أن ما ذكره ابن القيم بأنه ما رواه الترمذي -يقول-؛ جعل ذلك وهما لأن الترمذي لم يذكره معناه راجع المحققون الترمذي في المظان فلم يجدوه وحكموا بهذا الحكم، وفي النهاية بعد التتبع إن الحافظ ابن كثير أثبت هذا الحديث إذ هو ثابت سواء ذكر في الترمذي أو لم يذكر، الذي يهمنا ثبوته، فجزاهم الله خيرا الذين حققوا ونقلوا إلينا هذه المعلومات. يقول العلامة ابن لقيم (فيُصيبَ العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور) وكما تقدم الناس تتفاوت بقوة الإيمان وضعف الإيمان؛ وذلك حسب قوة هذا النور وضعف هذا النور، وهذا أمر معنوي يدركه الإنسان من نفسه ويدركه غيره من بالعلامات التي ذكرها وجاء ذكرها في الحديث. وكذلك النور الحسي يريد أن يضرب بذلك المثل بالنور الحسي، النور الحسي والظلمة الحسية هذه تشرح الصدر وهذه تضيقه؛ إذا كانت في مكان منور كهذا المكان وأنت بحاجة إلى النور لتسير لتقرأ لتستفيد ينشرح صدرك بهذا النور الكهربائي الحسي، وإذا كنت في غرفة مظلمة يضيق صدرك، كذلك النور المعنوي بالنسبة للإنسان، من رُزق النور نور الإيمان انشرح صدرُه وفرح ورُزق السُّرور بالله سبحانه وتعالى وبسعادته والعكس بالعكس. نعم التعديل الأخير تم بواسطة أم البراء ; 10-09-2010 الساعة 11:16PM |
#2
|
|||
|
|||
[المتن]
ثم قال رحمه الله: ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً. ومنها: الإنابة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، ومحبتُه بكلِّ القلب، والإقبالُ عليه، والتنعُّم بعبادته، فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك. حتى إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة، فإني إذاً في عيش طيب. وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به، وكلَّما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ، كان الصدرُ أفسحَ وأشرحَ، ولا يَضيق إلا عند رؤية البطَّالين الفارِغين من هذا الشأن، فرؤيتُهم قَذَى عينه، ومخالطتهم حُمَّى روحه. ومِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى. [الشرح] قال العلامة ابن القيم رحمه تعالى (ومنها) من أسباب انشراح الصدر (العلم) العلم، (الـ) العلم للعهد العلم المعهود المعروف هو العلم النافع، وهو العلم الموروث من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا)؛ لأنه على بصيرة في دينه، على بصيرة في سيره إلى الله لا يتخبط في سيره إلى الله في عبادته في طاعته في معاملاته لإخوانه المسلمين وغير المسلمين، يعرف كيف يعامل الناس جميعا، لذلك يقول (حتى يكون أَوسعَ من الدنيا) لأنه يعلم كيف يعيش في هذه الدنيا، كيف يعامل رب العالمين وكيف يعامل أولياءه، وكيف يعامل أعداءه، يعلم كل شيء يحتاج إليه. (والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس) الجاهل الذي لا يعرف ما يجب لله، لا يعرف حق الله، لا يعرف حق رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يعرف حق عباد الله، قد يؤتي ويصرف بعباد الله محض حق الله تعالى لجهله، الجاهل الذي يجهل الضروريات من الدين، العلم الضروري الذي لا يسع مسلما أو مسلمة أن يجهله، هذا يكون في ضيق في حرج في حبس، لا يعرف حتى ما يصلحه هو، لا يصلح العبد شيء مثل معرفته لربه. الجاهل لا يعرف ربه، الجاهل يتبع كل ناهق. إذا قال له قائل: الله في صدري. كما يقول بعض شيوخ الطرق يصدق. إذا قال له قائل: الله في كل مكان. يصدق. إذا قال القائل: الله، هذه السماوات هذه الأجرام هي نفسها هي الله. يصدقها. الجاهل الذي لا يعرف ربه حقيقة المعرفة، ولا يعرف نبيه حق المعرفة، وما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام المعرفة الواجبة، في ضيق ليس بعده ضيق، وفي حرج، وفي حبس. لذلك ننصح إخواننا المسلمين أن يتعلّموا العلم الضروري، العلم علمان، علم ضروري لا يسع مسلما جهله أبدا، لذلك عندما بدأ شيخ الإسلام المصلح المجدد تجديده، ألّف للناس رسالة صغيرة كانوا يحفظونها حتى العوام والأطفال، يحفظون العوام في مساجدهم، والأطفال في بيوتهم؛ لأن هذه رسالة التي تسمى الأصول الثلاثة مشتملة على العلم الضروري الذي لا يسع مسلما جهله، لذلك على طلاب العلم وعلى المصلحين المنتشرين في العالم للإصلاح أن يبدؤوا في تربية الناس بصغار العلم، بأن يعرّفوهم رب العالمين ودينه ونبيه، وشروط الصلاة وواجبات الصلاة أركان الصلاة، معنى لا إله إلا الله، نواقض الإسلام، هذه الأمور لا يسع مسلما جهلها، من جهل هذه الأمور إسلامه على خطر، إسلام تقليدي، إيمانه تقليدي لا يجدي ولا ينفع لذلك فهو في ضيق وفي حبس، فنسأل الله أن رزقنا علما نافعا وعملا صالحا مقبولا عنده سبحانه. يقول الشيخ رحمه الله تعالى (والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس) هذا شيء ملموس، والجاهل يدرك ذلك من نفسه، الإنسان الذي أدرك مرضه، من الغباوة بما كان أن لا يبادر بالعلاج، والجاهل الذي يعلم من نفسه مثل هذا الجهل، من الغباوة بما كان عدم المبادرة بالتعلم، والتعلم في هذا الوقت أيسر من أي وقت مضى، عندما كانت الناس تسافر من مكان إلى مكان في البحث عن مسألة علمية وعن عالم يعلّم الناس بينما الآن العلم دخل عليك في بيتك بواسطة الأشرطة، وبواسطة المذياع، دخلت عليك المسائل العلمية والفتاوى الإسلامية دخلت عليك في بيتك، من قصّر في هذا الوقت بالتعلم رجالا ونساء فهو المقصر ليس لدبه أدنى عذر أبدا، أينما كان حتى المسلم الذي يعيش في غير بلاد المسلمين العلم يلحقه هناك. يقول العلامة ابن القيم (لما اتَّسع علمُ العبد انشرح صدره واتسع،) إذا تجاوز المعلومات الضرورية ودرس واتسعت معلوماته في العقيدة في الشريعة في الأحكام في المعاملات (انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم)؛ لأن العلم بالمفهوم اللّغوي بمعنى المعرفة، يشمل أي علم؛ ولكن هذا العلم الذي هو موضع حديثنا، ليس كل علم، (بل للعلم الموروث عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، العلم الشرعي، العلم الذي به تعرف الله، وتعرف به دين الله، وتعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرف الدار الآخرة والاستعداد لها، وليس معنى ذلك أنه لا يسوغ لك أن تتعلم غير هذا العلم؟ لا، تعلم هذا العلم، وبعد ذلك تعلم أي علم نافع في الدنيا والآخرة ما لم يكن ضارا، وهو العلم النافع، العلم النافع النفع المطلوب للعبد في آخرته في دينه، وقد تكون علوم الدنيا نافعة نفعا خاصا نفعا مقيدا نفعا مؤقتا؛ لكن هذا العلم (هو العلمُ النافع) النفع الذي لا تستغني عنه أبدا، (فأهلُه أشرحُ الناس صدراً) أهل هذا العلم (أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً.) لا يضيقون. ثم قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى (ومنها: الإنابة) الإنابة إلى الله من أسباب انشراح الصدر (الإنابة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، ومحبتُه بكلِّ القلب) حتى لا يكون قلبك محبوب سواه، لا تحب أحدا مع الله، حرام على قلبٍ أن يجمع... ومحبة غيره، انتبه هما محبتان، الحب في الله، والحب مع الله المحرم الذي لا يجوز أن تتورط فيه؛ أن تحب مع الله، أن تجمع في قلبك مع الله محبوبا آخر تحبه كما تحب الله، وتعظمه كما تعظم الله، وتخافه وترجوه وتراقبه، وتعتقد أنه معك في كل لحظة يعلم منك كل شيء، لا يوجد من يتصف بهذه الصفات غير رب العالمين، ولو جعلت محبوبا آخر شيخك، إمامك، شيخ طريقتك، جعلت له شيئا من هذه المحبة حل في قلبك مع الله، تعظمه وتخاف منه أشركت بالله شركا أكبر، لا يُغفر إلا بالتوبة، حتى تطرد ذاك المحبوب الثاني من قلبك، ليكون محبوب قلبك هو الله وحده لا شريك له، أما من يحب شيخه ورئيسه كما يحب الله فيعظمه كما يعظم الله، وربما يعتقد فيه معرفة علم الغيب وأنه يضرّه أو .... مشرك شركا أكبر. وهناك محبة -محبة طبيعية- تحب ابنك وأهلك، تحب سيارتك، تحب مالك، هذه محبة طبيعية ليس فيها خضوع وتذلل..، ليست محبة عبادة ، فهناك محبة عظيمة نافعة لك، الحب في الله، تحب أولياء الله ... تعتقد فيه الصلاح والتقوى والاستقامة، تحبه لا لشيء آخر؛ بل لكونه وليا من أولياء الله وعبدا صالحا لله، محبا لله، أحببته لكونه يحب الله، هذا علم صالح، لذلك إذا تحاب اثنان في الله واجتمعا على هذه المحبة وافترقا عليها يكونان من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. إذن فرق، باب المحبة باب عظيم، يجب على طلاب العلم أن يدرسوا هذا الباب، الإشراك في هذا الباب باب خطير جدا(1) لذلك قال (ومحبتُه بكلِّ القلب) كما شرحنا (والإقبالُ عليه) لا تقبل إلا عليه، لا تلتفت بقلبك إلا إليه، والتنعّم بعبادته وأن تحس التنعم والراحة بعبادته، ذلك إذا وحدت الله، أما إذا كنت تعبد معه غيره، لا تجد ذلك التنعم وأنت في قلق تخاف الله وتخاف غير الله، وربما يزين لك شيطانك فيقول: لو قصرت في حق الله الأمر هيّن؛ لأن الله غفور رحيم لكن لو قصرت في حق الشيخ الشيخ لا يتسامح لا يغفر ولا يعفو. لا تعتبر هذا الكلام فيه نوع من المبالغة، هذا وقع كثير من أتباع مشايخ الطرق الذين استولت على قلوبهم محبة شيوخهم، لدي سؤال وردني البارحة في هذا المعنى، سوف نجيب عليه تتصوروا أن أتباع مشايخ الطرق يعظمون مشايخهم أكثر من تعظيمهم رب العالمين، ويخافون منهم أكثر مما يخافون من رب العالمين، بدعوى أن الله غفور رحيم، والشيخ لا يغفر ولا يرحم، يجب أن تكون معه حرفيا، أين الإيمان؟ ما هذا؟ (والإقبالُ عليه، والتنعُّم بعبادته، فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك) اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا. العلامة ابن القيم من الذين لهم ذوق خاص في هذا المعنى، لذلك يتحدث عن معرفة وعن إحساس وعن تجربة، لا يتحدث حديث ناقل مثلما من ينقل كلام الناس إلى الناس، (، فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك. حتى إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة). يقول العلامة ابن القيم قد يصل العبد إلى درجة (إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة)، أي شغل بالدنيا جنة وأحس بهذه الجنة وتنعم بها يقول إذا وجدت في الآخرة جنة كهذه (فإني إذاً في عيش طيب)، هذا لا يقوله الذي يحكي؛ ولكن يقوله الذي تذوق رحمه الله. يقول العلامة ابن القيم (وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر) وهذه المحبة لا تحقق أيها الإخوة إلا في الإقبال الكامل وعدم الانشغال بغير الله، أما من شغل نفسه بغير الله؛ بغير عبادته، بغير طاعته، بغير اتباع دينه، من شغل نفسه بأمور تافهة لا تستحق مثل هذه المحبة؛ بل (وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به)، صدق رحمه الله؛ لا يعرف ذلك ويدركه إلا من له حس بذلك؛ بل كلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح، لذلك مع كثرة ما ابتلوا به من خصومهم وأعدائهم من الطرد ونفي وسجن ما كانوا يتضايقون أبدا؛ الذي يدلكم على ذلك؛ بل يجد راحة من أعدائه، مع ذلك أنظروا إلى مؤلفاته خصوصا مؤلفات شيخه، متى ألف هذه المؤلفات التي عجزنا الآن من استيعابها، فهو يسجن وهو يضرب وهو ينفى، متى ألف هذه المؤلفات، يدخل في السجن فيؤلف مع العبادة والخلوة، يشتغل بالتأليف والتعليم، يطرد على الإسكندرية وإلى القاهرة، ويتربع على كرسي في مسجد من المساجد فيدرس، لا يشغله الطرد، ولا يشغله النفي عن التعلم والتعليم ونفع عباد الله والاشتغال بطاعة الله؛ لأنه لا يُحس هذا الذي يحسه أحدنا عندما يحصل عليه أي شيء وأي ابتلاء يضيق صدره ويقصّر في الواجبات وفي أداء الواجبات وتعليم عباد الله، أما هم، لا، هذا دليل على أنهم وصلوا إلى أنهم أحسوا هذا الذي يتحدثون عنه. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله (وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ في انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به، وكلَّما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ، كان الصدرُ أفسحَ وأشرحَ، ولا يَضيق إلا عند رؤية البطَّالين الفارِغين من هذا الشأن) عندما يختلط البطالين أصحاب البطالة المعرضين عن الله المعرضين عن التعلم والتعليم المنشغلين في دنياهم وما يلهيهم عن الله، هؤلاء أصحاب البطالة، الفارغين بجهلهم، (فرؤيتُهم قَذَى عينه) رؤية أمثال هؤلاء عند ابن القيم وغيره هذا يتقذى ويتأذى برؤية هؤلاء؛ إذ ليس في إمكانه هدايتهم وتعليمهم جميعا ودعوتهم إلى الله، ماذا يعمل؟ يتأذى برؤيتهم، المقاهي ملآنة، والشوارع ملآ بأمثال هؤلاء، كيف له حيلة في إرشادهم وهدايتهم من ذلك يتأذى، (ومخالطتهم حُمَّى روحه) تمرض روحه إذا خالط أمثال هؤلاء لذلك يرون إن السجن خلوة لهم يستريحون فيها مع الله، يكونون مع الله، يكون الله معهم بالنصر والتأييد والتوفيق، ويعينهم ذلك على السير إلى الله. نعم |
#3
|
|||
|
|||
[المتن] ومحبةٌ هي عذاب الروح، وغمُّ النفس، وسِجْنُ القلب، وضِيقُ الصدر، وهي سببُ الألم والنكد والعناء، وهى محبة ما سواه سبحانه.] ومن أسباب شرح الصدر دوامُ ذِكره على كُلِّ حال، وفي كُلِّ موطن، فللذِكْر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثيرٌ عجيب في ضِيقه وحبسه وعذابه. ومنها: الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال، والجاهِ، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسنَ أشرحُ الناس صدراً، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم بالاً، والبخيلُ الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدراً، وأنكدُهم عيشاً، وأعظمُهم همَّاً وغمَّاً. وقد ضرب رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدِّق، «كمَثَل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ المُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ، اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابِهُ وَيُعْفِيَ أثَرَهُ، وكُلَّمَا هَمَّ البَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ، لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، وَلَمْ تَتَّسِعْ عَلَيْهِ». فهذا مَثَلُ انشِراحِ صدر المؤمن المتصدِّق، وانفساح قلبه، ومثلُ ضِيقِ صدر البخيل وانحصارِ قلبه. [الشرح] الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد: قال العلامة ابن القيم رحمه الله وتعالى (ومِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى) يذكر العلامة ابن القيم الداء، ويعطيك الدواء، (مِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: الإعراضُ عن اللَّه تعالى، وتعلُّقُ القلب بغيره، والغفلةُ عن ذِكره) الإعراض عن الله تعالى وعن دينه قد يصل إلى حد الردة، وقد عدّ بعض أهل العلم الإعراض عن دين الله تعالى من نواقض للإسلام بحيث لا يتعلم الإسلام ولا يحاول العمل به؛ بل لا يرفع رأسه لمعرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى ?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ?[السجدة:22]، الإعراض عن الدين وعن ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بحيث لا يشتغل بتعلمه والعمل به؛ بل لا يبالي به ولا يرفع رأسه إذا تعلم الهدى الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، هذا الإعراض قد يصل إلى حد الكفر، وهو معدود من نواقض الإسلام كما علِمتم ودَرَسْتم في نواقض الإسلام. (وتعلُّقُ القلب بغيره) تعالى يشمل تعلق الإنسان برئيسه بشيخه، وتعلقه بدنياه وماله ومعبوده من غير الله، (والغفلةُ عن ذِكره) سبحانه وتعالى لا يذكر الله، لا يكاد يذكر الله، مشغول بما تعلق به قلبه،( ومحبةُ سواه) مما يسبب ضيق الصدر محبة غير الله تعالى محبة لا تليق إلا بالله كما تقدم في درس البارحة، فإن من أحب شيئا غير الله عذب، به فيكون دائما يكون مشغولا بهذا المخلوق الذي أحبه، سواء أحبه لكونه شيخه أو لأنه رئيسه، أو أحب ماله ودنياه، فغلبته ماله ودنياه عن ذكر الله تعالى، وسبّب ذلك له الإعراض عن الله وشغل، وإذا أحبّ غير الله مع الله محبة التي هي محبة عبادة، فيها الخضوع والتذلل، وأحب غير الله مع الخضوع والتذلل فهو شرك أكبر ومن نواقض الإسلام، فمن ابتلي بمثل هذه المحبة أي محبة غير الله تعالى قد أبتلي، يذكر العلامة ابن القيم في بعض كتبه: إنما الشرك أعظم الذنوب، وأن من مات عليه لا يُغفر له ويكون خالدا مخلدا في النار؛ لأن الشرك تنقص به محبة الله تعالى، محبة الله روح الإيمان، الإيمان بدون محبة الله تعالى كالجسد الذي بلا روح، أي إيمانه إيمان شكلي ليس إيمانا حقيقيا، إذا فقد محبة الله، إذا أشرك مع الله في هذه المحبة العظيمة، وهذا العنصر العظيم من عناصر الإيمان، إذ قسمت هذه المحبة اثنين قسم لله وقسم لغير الله نقصت المحبة، لذلك أصبح الشرك من أعظم الذنوب. (فإن مَن أحبَّ شيئاً غيرَ اللَّه عُذِّبَ به) لأنه مشغول به ولا ينفعه ولا يضره، (وسُجِنَ قلبُه في محبة ذلك الغير) فأعرض عن الله فذلك المحبوب لا يقدم ولا يؤخر ولا ينفعه في شيء. ويقول العلامة ابن القيم (فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً) لأنه صرف هذا المعنى العظيم كله أو جله لغير الله تعالى فحرم محبة الله ومعية الله الخاصة وعونه وتوفيقه؛ فلم يستفد من محبة غيره. ثم قال (فهما محبتان) المحبة محبتان، (محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس)، من رُزق تلك المحبة دخل جنة الدنيا، ورزق سرورا لا مثيل له، ولذة القلب ونعيم الروح وغذاء الروح ودواء الروح؛ بل حياة قلبه وقرة عينه، وهي محبة الله وحده بكل القلب -بهذا القيد-، بكل القلب بحيث لا تنقسم المحبة بينه وبين غيره، من رُزق هذه المحبة بكل قلبه دخل جنة الدنيا وهو في الدنيا، ومن دخل جنة الدنيا إن شاء إنه يدخل جنة الآخرة بتوفيق الله تعالى؛ لأن هذا علامة التوفيق إن مات على ذلك يرجى له الخير، من مات على غير عمله ترجو له خيرا، هذه هي المحبة (وهى محبةُ اللَّه وحدَه بكُلِّ القلب، وانجذابُ قوى الميل، والإرادة) وقوى المحبة كلها على الله سبحانه وتعالى، بحيث لا يلتفت إلى سواه في السراء والضراء، في كل لحظة، فتصير الموجودات كلها كالجمادات إذْ لا تنفع ولا تضر حقا، لا فرْق بين الجمادات وغير الجمادات؛ لأن المخلوقات كلها لا تضرك إلا بما كُتب عليك، ولا تنفعك إلا بما كتب لك، إذن الأمر كله لله هكذا يرزق بعض عباد الله مثل هذه المحبة فيدخلون جنة الدنيا قبل جنة الآخرة هذه واحدة. المحبة الثانية (محبةٌ هي عذاب الروح، وغمُّ النفس، وسِجْنُ القلب، وضِيقُ الصدر، وهي سببُ الألم والنكد والعناء، وهى محبة ما سوى الله) من ابتلي بمحبة مخلوق ما أيا كان، مخلوقا يَعبده ويعظمه، مخلوقا يشغله عن الله تعالى ولو لم يكن من باب العبادة ولكن يشغله عن الله عن المعبود، سجن قلبه وضاق صدره، وسيقت إليه الآلام والنكد والعناء من كل فج، ويعيش في ضيق. وبهذا يشخّص العلامة ابن القيم أمراض القلب، وأمراض القلب علاجها بالطب النبوي، والأطباء لا يعالجون هذا المرض وقد يكونون هم أنفسهم مرضى؛ ولكن العلاج بالطب النبوي، اشتغل بذكر الله الأذكار المشروعة، عليك أن تقتني كتب الأذكار؛ الأذكار للنووي، والوابل الصيب، والكلم الطيب، وصحيح الكلم الطيب، وغير ذلك من الأذكار من الكتب التي جمعت لك الأذكار المأثورة، وتبيّن فضل الأذكار ومكانة الأذكار حتى لا تنسى الله، إن نسيت الله هلكت ووقعت في هذه الآلام، إذا شُخِّص المرض سهل العلاج، إذا عرفنا أنواع هذه الأمراض، علينا أن نشتغل بالعلاج، بتوفيق الله تعالى. قال العلامة ابن القيم (ومن أسباب شرح الصدر دوامُ ذِكره على كُلِّ حال) وهذا سهل ميسور على من يسره الله عليه، فاذكروا الله بالأذكار المقيدة عند نومك، عند الاستيقاظ من النوم، عند الخروج من المنزل، عند دخول المنزل، عند دخول المسجد، عند الخروج من المسجد، الأذكار المقيدة الكثيرة، فاذكروا الله في طريقك، عند ركوبك، بأذكار مشروعة، لا تحتاج إلى أن تتخذ سبحة طويلة، فاذكروا الله بالتهليل والتسبيح والاستغفار وتكثر من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وأفضل الذكر تلاوة كلامه، التالي لكلام الله القرآن لأنه يتحدث مع الله، فأفضل الذكر إلا في بعض المواطن، المواطن التي عيّن الشارع لها أذكارا معينة تشتغل بهذه الأذكار. أما في الأوقات العامة فأفضل الذكر قراءة القرآن بتعقل وتدبر ثم محاولة العمل به والدعوة إليه، (وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر)، هذا كلام مجرب يقول العلامة ابن القيم (للذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر) جرب أكثر من ذكر الله تعالى حتى ترى الأنس مع الله، فإذا فرغت ذكره وشغلك شاغل وجدت وحشة في نفسك، لا تستأنس إلا حين تذكر الله بالأذكار المشروعة، (ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه)، الغفلة عن الله تقدمت الإشارة إلى تلك الأسباب بعد الغفلة، التعلق بغير الله والانشغال بغير الله، وعدم الانشغال بتعلم شرع الله والعمل به، والانشغال بجمع المال في كل وقت حتى ينصرف إلى ذلك انصرافا كليا، وأن يشغل بمحبوب أحبه أيا كان ذلك المحبوب ماله وولده وأهله وشيخه ورئيسه، كل ذلك يوقعه في الغفلة عن الله ويسبب له الوحشة والعذاب. يقول العلامة ابن القيم من أسباب انشراح الصدر (الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال) الإحسان نوعان: الإحسان في عبادة الله تعالى بأن تعبد الله بالعبادات المشروعة بالإخلاص وبالمتابعة. النوع الثاني الإحسان إلى الخلق، الإحسان إلى عباد الله شكرا لله الذي أنعم عليك ومكنك لتكون يدك هي اليد العليا، وأعطاك ومكّنك من الإنفاق والإحسان بالإحسان إلى الخلق شُكْر لله سبحانه وتعالى ورحمة وشفقة، يرحم المرضى، ويرحم أصحاب الحاجات والمنكوبين، وكل من يحتاج إليه بما يمكنه من المال قليلا كان أو كثيرا، وينفعهم بجاهه بما لديه من الجاه والمنصب، يستغل جاهه ومنصبه ومكانته عند الناس في نفع عباد الله، (والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان) الكثيرة. يقول (فإن الكريم المحسنَ أشرحُ الناس صدراً، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم بالاً) لأنه أرضى ضميره، أرضى الله وأرضى ضميره بهذا الإحسان، وبتفريج كرب المكروبين وقضاء حاجة المحتاجين. وأمّا (البخيلُ الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدراً، وأنكدُهم عيشاً، وأعظمُهم همَّاً وغمَّاً) الذي ليس فيه إحسان فهو أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم هما وغما؛ لأنه خالف الفطرة وخالف المعقول وخالف الشرع، لذلك ضميره يؤنّبه لذلك يحمل الهم والغم. والبخل والشح لا يمكنه أن يمد يد الإحسان إلى عباد الله لا يكون قلقا بين إرضاء بخله وبين ما يحسه من... ضميره. (وقد ضرب رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدِّق، «كمَثَل رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا هَمَّ المُتَصَدِّقُ- الكريم السخي- بِصَدَقَةٍ، اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَانْبَسَطَتْ، حَتَّى يَجُرَّ ثِيَابِهُ وَيُعْفِيَ أثَرَهُ») يعفي بذلك أثره، وينفق في سبيل الله تعالى في السر والعلانية ولا ينفق رياء وسمعة، وكلما همّ البخيل بالصدقة التي لزمته تلك لزمته كل حلقة مكانها ولا تتسع، ولم تتسع عليه، حتى لا يتمكن من مد يده، هذا مثل انشراح صدر المرء المسلم المتصدق وانفتاح قلبه، ومثل قلب البخيل وانحصار قلبه. البُخل يلازم الْجُبن، والكرم يلازم الشجاعة، إذا رأيت كريما سخيا فاعلم بأنه شجاع، وإذا رأيت بخيلا شحيحا فاعلم بأنه جبان، هكذا ثبتت التجارب التلازم، سيأتي الآن في العنوان الآتي. نعم. [المتن] ثم قال رحمه الله: ومنها: الشجاعة، فإنّ الشجاع: منشرح الصدر، واسع البطان، متَّسِعُ القلب، والجبانُ: أضيق الناس صدراً، وأحصرُهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذَّة له، ولا نعيم، إلا منْ جنس ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح، ولذَّتُها، ونعيمُها، وابتهاجُها، فمحرَّمٌ على كل جبان، كما هو محرَّم علَى كل بخيلٍ، وعلى كُلِّ مُعرِض عن اللَّه سبحانه، غافلٍ عن ذِكره، جاهلٍ به وبأسمائه تعالى وصفاته، ودِينه، متعلق القلبِ بغيره. وإن هذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاً وجنة، وذلك الضيقُ والحصر، ينقلبُ في القبر عذاباً وسجناً. فحال العبد في القبر. كحال القلب في الصدر، نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً، ولا عبرةَ بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيق صدرِ هذا لعارض، فإن العوارِضَ تزولُ بزوال أسبابها، وإنما المعوَّلُ على الصِّفة التي قامت بالقلب تُوجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان.. واللَّه المستعان. [الشرح] قال العلامة ابن القيم من أسباب انشراح الصدر الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر، الشجاع الذي يبذل روحه تضحية في سبيل الله تعالى، فذلك يبذل المال ومنشرح الصدر، محبوب عند الله، (واسع البطان)، البطان حزام للـ[...]، يقال إذا أراد الإنسان أن يصف الأمر بالشدة يقول: التقت حلقتا البطان. أي الحزام حزام [...]، (واسع البطان)، متسع القلب، منشرح البال. والجبان ضيق النفس، (والجبانُ: أضيق الناس صدراً) لأنه على خلاف الفطرة السليمة والعقل الصريح وأمر الشريعة، مأمور بأن يبذل وينفق، خالف ذلك خلقه، الجبن والبخل منع من ذلك. إذن فهو بين امتثال هذا البخل وبين تحمل عتاب ضميره وعتاب الناس له؛ لذلك هو (أضيق الناس صدراً، وأحصرُهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور)، يحاول أن يفرّ من الناس، فيعرض عن أصحاب الحاجات لأن لا يمد يد المساعدة، ويحاول أن يخفي ما لديه من النعم، (ولا لذَّة له) إلا لذة البهائم البهم، (ولا نعيم، إلا منْ جنس ما للحيوان البهيمي)، يتلذذ بأكله وشربه كالحيوانات. أما كونه يتلذذ بالبذل والعطاء وقضاء حاجات الناس، والإحسان إلى المحتاجين، هذا يجد الإنسان فيه لذة، من رزقه الله مالا وهو صالح، نعم المال الصالح للرجل الصالح، الرجل الصالح عندما يرزق المال الصالح الحلال الطيب فيُنفق في مرضاة الله تعالى يجد في ذلك لذة وسرورا وانشراحا للصدر. وأما سرور الروح ولذة الروح ونعيم الروح وابتهاج الروح فمحرم على كل جبان؛ لأن كل هذه المعاني لا تحصل إلا حين يدخل وإلا حين يخرّج وإلا حين يعطي وإلا حين يحسن، فما هو محرم على كل بخيل وعلى كل معرض عن الله تعالى غافل عن ذكره، جاهل بالله ولأسمائه تعالى وصفاته، جهله بالله لأن الله سبحانه وتعالى هو المعطي المانع وهو المنعم المتفضل، وهو الذي رزقه، وهو الذي إن شاء يمسك عنه، ويزيل ماله، جهله بأسمائه وصفاته، وجهله بدينه الذي أمره بالإحسان والرحمة والشفقة، متعلق القلب بغيره، مشغول بغيره دائما، إما بماله ذاته أو بأمثاله من زملائه البخلاء، أو متعلق بغيره ليلتمس منهم البركة في ماله ليباركوا له في ماله. (وإن هذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاً وجنة) لذلك قال من قال كما سمعتم لا يدخل الإنسان جنة الآخرة حتى يدخل جنة الدنيا، إذا دخل جنة الدنيا فحصل له هذا السرور وهذه الفرحة، ونعيم القلب هذه المعاني تتحول في القبر على رياض وجنة، القبر إما روضة من رياض الجنة و حفرة من حفر النار. (وذلك الضيقُ) الذي عند البخيل وعند الجبان، (وذلك الضيقُ والحصر، ينقلبُ في القبر عذاباً وسجناً) لأن هذا البخيل قد يبخل بحق الله، لا يؤدي حقوق الله التي جعلها الله في ماله التي جعلها في يد هؤلاء العباد، المال مال الله جعله في يد بعض عباده، ليحسن البعض للبعض الآخر من مال الله، يعطي من مال الله لعباد الله، جعل الله في هذا المال حقا واجبا لازما ركنا من أركان الإسلام، وجعل فيه واجبات أخرى، يبخل في كل ذلك، ويتحول كل ذلك عذابا وسجنا. (فحال العبد في القبر. كحال القلب في الصدر) فلينظر هل هو منشرح الصدر يعيش في نعيم وفي سرور، أو هو ضيق الصدر يعيش في سجن وحصر، (نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً) التوفيق بيد الله. (ولا عبرةَ بانشراح صدر هذا لعارض) أي إنشراح هذا الذي ضاق صدره، ينشرح صدره أحيانا لعارض ويضيق صدر هذا لعارض، الإنسان له أعراض بشرية، قد تحصل للإنسان بعض الأعراض البشرية؛ يضيق صدر المؤمن في بعض الظروف وفي بعض الحالات، ولكنه يزول بذكر الله تعالى وبالالتجاء إلى الله وبالإنابة إليه، وكون الإنسان يصاب أحيانا بأمراض ثم يتعافى ويزول ذلك، وهو الذي لهذا الذي صدره ضيق أحيانا انشراح أن وُفق ومدّ يده وأحسن هذه عوارض؛ لكن الصفة الدائمة الحالة الدائمة ما وصف لك (وإنما المعوَّلُ على الصِّفة التي قامت بالقلب تُوجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان.. واللَّه المستعان). نعم [المتن] ومنها بل من أعظمها: إخراجُ دَغَلِ القَلْبِ من الصفات المذمومة التي تُوجب ضيقه وعذابه، وتحولُ بينه وبين حصول البُرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرحُ صدره، ولم يُخرِجْ تلك الأوصافَ المذمومة من قلبه، لم يحظَ مِن انشراح صدره بطائل، وغايته أن يكون له مادتان تعتوِرَانِ على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه منهما. [الشرح] يقول العلامة ابن القيم ومن الأسباب أسباب خفية؛ ولكنها خطيرة، من أعظم تلك الأسباب (إخراجُ دَغَلِ القَلْبِ من الصفات المذمومة) الحسد والحقد والحرص الشديد وطول الأمل والتسويف بالتوبة. يبتلى بالحسد؛ إذا رأى نعمة على غيره تمنى زوالها سواء انتقلت إليه أو زالت إلى أي جهة، لا تطيب نفسه عندما رأى نعمة على غيره من مال وعلم وصحة والتزام، أي نعمة، يصاب بحسد، وهذا الحاسد معترض على الله، لأن لسان حاله يقول لماذا أعطيت فلانا يا ربي هذه النعمة؟ لماذا رزقته مالا وصحة وعلما والتزاما؟ وغير ذلك من النعم، يضيق صدره، صفات مذمومة، الغيبة والنميمة، .. ربما السعي بإلحاق الضرر بالمحسود، فهي توجب ضيقه وعذابه العابد أن ترد على الله والمصاب بطول الأمل أنه سوف يفعل سوف يجمع سوف يشتري سوف يبني؛ عمل طويل وتأخير في التوبة فيما بعد، بعد أن يشيب بعد أن يعجز بعد أن يكبر، بعد كذا وكذا صفات ذميمة، وتحول بينه وبين حصول البر، فإنّ الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره التي تقدم ذكر أكثرها؛ ولكنه لم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، قد يؤتي في.. ويكثر من ذكر الله؛ لكن مع ذلك أصيب بهذه الأمراض، يقول (لم يحظَ مِن انشراح صدره بطائل) لا طائل تحت انشراح صدره طالما هو موصوف بهذه الصفات الذميمة. العلامة ابن القيم له كتاب بل كتب يعالج فيها هذه الأمراض بالطب النبوي، له كلام عظيم في طريق الهجرتين، وفي الكتيب الصغير الفوائد وفي مدارج السالكين ومفتاح دار السعادة، على شبابنا أن يستغلّوا أوقات الفراغ في دراسة هذه الكتب التي تعالج أمراض القلب، وتعمل الإنسان على أن يحاول ليلحق بركب السلف الصالح في الاستقامة، لا بالالتزام الشكلي، الالتزام الشكلي لا يجدي، الثوب القصير واللحية الطويلة الكثة مما شرع الله وحث عليه؛ ولكن إن لم توجد وراء هذا معاني إسلامية لا تجدي هذه المظاهر وحدها. أعد هذه المادة: سالم الجزائري ومنها: تركُ فضولِ النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطةِ، والأكل، والنوم، فإن هذه الفضولَ تستحيلُ آلاماً وغموماً، وهموماً في القلب، تحصُرُه، وتحبِسه، وتضيِّقهُ، ويتعذَّبُ بها، بل غالِبُ عذابِ الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا اللَّهُ ما أضيقُ صدَر مَن ضرب في كل آفةٍ من هذه الآفات بسهم، وما أنكَدَ عيشَه، وما أسوأ حاله، وما أشدَّ حصرَ قلبه، ولا إله إلا اللَّه، ما أنعمَ عيشَ مَنْ ضرب في كل خَصلةٍ من تلك الخصال المحمودة بسهم، وكانت همتُّه دائرةً عليها، حائمةً حولها، فلهذا نصيب وافر مِنْ قوله تعالى: ?إنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيم?[الانفطار: 13] ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: ?وإنَّ الفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ?[الانفطار: 14] وبينهما مراتبُ متفاوتة لا يُحصيها إلا اللَّه تبارك وتعالى . والمقصود: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أكملَ الخلق فى كلِّ صفة يحصُل بها انشراحُ الصدر، واتِّساعُ القلب، وقُرَّةُ العين، وحياةُ الروح، فهو أكملُ الخلق فى هذا الشرح والحياة، وقُرَّةِ العين مع ما خُصَّ به من الشرح الحِسِّىِّ، وأكملُ الخلق متابعة له، أكملُهم انشراحاً ولذَّة وقُرَّة عين، وعلى حسب متابعته ينالُ العبد من انشراح صدره وقُرَّة عينه، ولذَّة روحه ما ينال، فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذُروة الكمال مِن شرح الصدر، ورفع الذِكْر، ووضع الوِزْر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتِّباعه .. واللَّه المستعانُ. وهكذا لأتباعه نصيبٌ من حفظ اللَّه لهم، وعصمتِه إياهم، ودفاعِه عنهم، وإعزازه لهم، ونصرِه لهم، بحسب نصيبهم من المتابعة، فمستقِلُّ ومستكثِر، فمَن وجد خيراً، فليحمد اللَّه. ومَن وجد غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه. (1) انتهى الوجه الأول من الشريط. أعد هذه المادة: سالم الجزائري من مكتبة الشيخ أمان الجامي-رحمه الله -روح الإسلام التعديل الأخير تم بواسطة أم البراء ; 11-09-2010 الساعة 01:36PM |
#4
|
|||
|
|||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في المرفقات الشرح كامل ومنسق للأخ سالم الجزائري على ملف pdf |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|