|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- بسم الله الرحمن الرحيم التعليق على رسالة حقيقة الصيام لابن تيمية تقديم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد: فإن من توفيق الله تعالى - وله الحمد والشكر - أن يسَّر لصاحب الفضيلة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى التعليق على رسالة «حقيقة الصيام» (1) لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم عبد السلام ابن تيمية الحراني المتوفي عام 728 هـ رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً. ولقد كان من منهج صاحب الفضيلة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أن يستقبل مواسم الخيرات بتدريس ما يخصها من أحكام، وما يتعلق بها من مسائل، حرصاً على اغتنام أوقاتها الفاضلة، وتقريراً لمعرفة آدابها، وتطبيق سنتها، إخلاصاً لوجه الله تعالى وإتباعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فجاء هذا التعليق في شهر شعبان عام 1417هـ ضمن الدروس العلمية التي كان يعقدها فضيلته رحمه الله تعالى في جامعه بمدينة عنيزة. ثم إنه - رحمه الله تعالى - تناول في دروسه العلمية التي عقدها في شهر شعبان عام 1419هـ التعليق على كتاب الصيام من الفروع للعلامة الفقيه المحدث شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي المتوفي عام 763 هـ رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً. وإنفاذاً للقواعد والتوجيهات التي قررها فضيلة شيخنا العلامة رحمه الله لإخراج مؤلفاته ودروسه، شرع القسم العلمي في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية بإعداد تلك الدروس التي تضمنت التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع وتجهزها للطباعة والنشر، ثم تفضل الشيخ الدكتور سامي بن محمد الصقير - أثابه الله - بالمراجعة. كما يتضمن هذا الكتاب مسائل مختاره من الفروع محررة بقلم فضيلة شيخنا العلامة رحمه الله تعالى أثناء قراءته كتاب الصيام في شهر شعبان عام 1391 هـ مع زيادات عليها وتدوين مسائل الخلاف في المفطرات من الفروع. نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، موافقا لمرضاته، نافعاً لعباده، وأن يجزي صاحب الفضيلة شيخنا عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ويسكنه فسيح جناته ويجزل له الثواب، ويضاعف له الأجر يُوم الحساب، إنه سميع مجيب. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، خاتم النبيين، وإمام المتبعين، وسيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللجنة العلمية في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية 10/8/1428 هـ المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18282.shtml التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 01-05-2015 الساعة 04:42AM |
#2
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. فيما يفطر الصائم وما لا يفطره بسم الله الرحمن الرحيم ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً. فصل وهذا نوعان: منه ما يفطر بالنص والإجماع، وهو الأكل والشرب والجماع، قال تعالى: { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فأذن في المباشرة، فعقل من ذلك أن المراد الصيام من المباشرة، والأكل، والشرب، ولما قال أولا: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} كان معقولا عندهم أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، ولفظ « الصيام » كانوا يعرفونه قبل الإسلام ويستعملونه، كما في «الصحيحين» عن عائشة -رضي الله عنها- أن يوم عاشوراء كان يوماً تصومه قريش في الجاهلية (2). فيما يفطر الصائم وما لا يفطره وقد ثبت عن غير واحد أنه قبل أن يفرض شهر رمضان أمر بصوم يوم عاشوراء، وأرسل منادياً ينادي بصومه، فعلم أن مسمى هذا الاسم كان معروفاً عندهم. وكذلك ثبت بالسنة واتفاق المسلمين أن دم الحيض ينافي الصوم، فلا تصوم الحائض لكن تقضي الصيام. وثبت بالسنة أيضا من حديث لقيط بن صبرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» فدل على أن إنزال الماء من الأنف يفطر الصائم، وهو قول جماهير العلماء(3). وفي «السنن» حديثان: أحدهما : حديث هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض». وهذا الحديث لم يثبت عند طائفة من أهل العلم، بل قالوا : هو من قول أبي هريرة، قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل قال : ليس من ذا شيء. قال الخطابي: يريد أن الحديث غير محفوظ. وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عنه، فلم يعرفه إلا عن عيسى بن يونس، قال : وما أُراه محفوظاً. قال : وروى يحيى بن [أبي] كثير، عن عمر بن الحكم : أن أبا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم(4). قال الخطابي : وذكر أبو داود : أن حفص بن غياث رواه عن هشام، كما رواه عيسى بن يونس. قال : ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامداً فعليه القضاء، ولكن اختلفوا في الكفارة، فقال عامة أهل العلم : ليس عليه غير القضاء، وقال عطاء : عليه القضاء والكفارة، وحكي عن الأوزاعي، وهو قول أبي ثور. قلت: وهو مقتضى إحدى الروايتين عن أحمد في إيجابه الكفارة على المحتجم، فإنه إذا أوجبها على المحتجم فعلى المستقيء أولى، لكن ظاهر مذهبه أن الكفارة لا تجب بغير الجماع، كقول الشافعي(5). والذين لم يثبتوا هذا الحديث لم يبلغهم من وجه يعتمدونه، وقد أشاروا إلى علته، وهو انفراد عيسى بن يونس، وقد ثبت أنه لم ينفرد به، بل وافقه عليه حفص بن غياث. والحديث [الآخر] يشهد له، وهو: ما رواه أحمد، وأهل السنن – كالترمذي- عن أبي الدرداء : أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فذكرت ذلك لثوبان، فقال : صدق، أنا صببت له وضوءاً. لكن لفظ أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ. رواه أحمد عن حسين المعلم. قال الأثرم : قلت لأحمد : قد اضطربوا في هذا الحديث، فقال: حسين المعلم يجوده. وقال الترمذي : حديث حسين أرجح شيء في هذا الباب. وهذا قد استدل به على وجوب الوضوء من القيء، ولا يدل على ذلك، فإنه إذا أراد بالوضوء الوضوء الشرعي(6) فليس فيه إلا أنه توضأ، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل يدل على أن الوضوء من ذلك مشروع، فإذا قيل : إنه مستحب كان فيه عمل بالحديث . وكذلك ما روي عن بعض الصحابة من الوضوء من الدم الخارج، ليس في شيء منه دليل على الوجوب، بل يدل على الاستحباب. وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على وجوب ذلك، كما قد بسط في موضعه، بل قد روى الدارقطني وغيره عن حميد عن أنس قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه. ورواه ابن الجوزي في حجة المخالف ولم يضعفه، وعادته الجرح بما يمكن . وأما الحديث الذي يروى: «ثلاث لا تفطر : القيء، والحجامة، والاحتلام». وفي لفظ: «لا يفطرن، لا من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم»، فهذا إسناده الثابت: ما رواه الثوري وغيره، عن زيد بن أسلم، عن رجل من أصحابه، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، رواه أبو داود، وهذا الرجل لا يعرف، وقد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن عبد الرحمن ضعيف عند أهل العلم بالرجال. قلت: روايته عن زيد من وجهين مرفوعا لا يخالف روايته المرسلة، بل يقويها، والحديث ثابت عن زيد بن أسلم؛ لكن هذا فيه: «إذا ذرعه القيء». [ورواه غير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا، وقال يحيى بن معين : حديث زيد بن أسلم ليس بشيء، ولو قدر صحته لكان المراد من ذرعه القيء، فإنه قرنه بالاحتلام، ومن احتلم بغير اختياره كالنائم لم يفطر باتفاق الناس، وأما من استمنى فأنزل فإنه يفطر، ولفظ الاحتلام إنما يطلق على من احتلم في منامه]. وأما حديث الحجامة، فإما أن يكون منسوخا، وإما أن يكون ناسخا لحديث ابن عباس أنه احتجم وهو محرم صائم أيضا، ولعل فيه القيء إن كان متناولا للاستقاءة هو أيضا منسوخ، وهذا يؤيد أن النهي عن الحجامة هو المتأخر، فإنه إذا تعارض نصان ناقل وباق على الاستصحاب، فالناقل هو الراجح في أنه الناسخ، ونسخ أحدهما يقوي نسخ قرينه. وقد ظن طائفة، أن القياس أن لا يفطر شيء من الخارج، وأن المستقيء إنما أفطر ؛ لأنه مظنة رجوع بعض الطعام، وقالوا : إن فطر الحائض على خلاف القياس(7). وقد بسطنا في الأصول أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس الصحيح. فإن قيل : فقد ذكرتم أن من أفطر عامداً بغير عذر كان فطره من الكبائر، وكذلك من فوت صلاة النهار إلى الليل عامداً من غير عذر كان تفويته لها من الكبائر، وأنها ما بقيت تقبل منه على أظهر قولي العلماء، كمن فوت الجمعة، ورمي الجمار، وغير ذلك من العبادات المؤقتة، وهذا قد أمره بالقضاء، وقد روي في حديث المجامع في رمضان أنه أمره بالقضاء ؟ قيل: هذا إنما أمره بالقضاء لأن الإنسان إنما يتقيأ لعذر، كالمريض يتداوى بالقيء، أو يتقيأ لأنه أكل ما فيه شبهة، كما تقيأ أبو بكر من كسب المتكهن (8)، وإذا كان المتقيئ معذورا كان ما فعله جائزا، وصار من جملة المرضى الذين يقضون، ولم يكن من أهل الكبائر(9) الذين أفطروا بغير عذر. وأما أمره للمجامع بالقضاء فضعيف، ضعفه غير واحد من الحفاظ،وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة، ومن حديث عائشة، ولم يذكر أحد أمره بالقضاء، ولو كان أمره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم وهو حكم شرعي يجب بيانه، ولما لم يأمره به، دل على أن القضاء لم يبق مقبولا منه، وهذا يدل على أنه كان متعمداً للفطر، لم يكن ناسياً ولا جاهلا (10). والمجامع الناسي فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، ويذكر ثلاث روايات عنه: إحداها: لا قضاء عليه ولا كفارة، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، والأكثرين. والثانية: عليه القضاء بلا كفارة، وهو قول مالك. والثالثة: عليه الأمران، وهو المشهور عن أحمد. والأول أظهر كما قد بسط في موضعه، فإنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن من فعل محظوراً مخطئاً أو ناسياً لم يؤاخذه الله بذلك، وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله، فلا يكون عليه إثم(11)، ، ومن لا إثم عليه، لم يكن عاصيا، ولا مرتكبا لما نهي عنه، وحينئذ فيكون قد فعل ما أمر به، ولم يفعل ما نهي عنه، ومثل هذا لا يبطل عبادته، إنما يبطل العبادات إذا لم يفعل ما أمر به، أو فعل ما حظر عليه. وطرد هذا أن الحج لا يبطل بفعل شيء من المحظورات، لا ناسياً، ولا مخطئاً، لا الجماعِ ولا غيرِه، وهو أظهر قولي الشافعي. وأما الكفارة والفدية فتلك وجبت ؛ لأنها بدل المتلف من جنس ما يجب ضمان المتلف بمثله، كما لو أتلفه صبي، أو مجنون، أو نائم ضمنه بذلك، وجزاء الصيد إذا وجب على الناسي والمخطئ فهو من هذا الباب، بمنزلة دية المقتول خطأ، والكفارة الواجبة بقتله خطأ بنص القرآن (12) وإجماع المسلمين. وأما سائر المحظورات فليست من هذا الباب، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والترفه المنافي للتفث، كالطيب واللباس، ولهذا كانت فديتها من جنس فدية المحظورات، ليست بمنزلة الصيد المضمون بالبدل(13). فأظهر الأقوال في الناسي والمخطئ إذا فعل محظورا أن لا يضمن من ذلك إلا الصيد. وللناس فيه أقوال: هذا أحدها، وهو قول أهل الظاهر. والثاني: يضمن الجميع مع النسيان، كقول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره القاضي وأصحابه. والثالث: يفرق بين ما فيه إتلاف كقتل الصيد والحلق والتقليم، وما ليس فيه إتلاف كالطيب واللباس، وهذا قول الشافعي وأحمد في الرواية الثانية، واختارها طائفة من أصحابه، وهذا القول أجود من غيره؛ لكن إزالة الشعر والظفر ملحق باللباس والطيب، لا بقتل الصيد، هذا أجود. والرابع: أن قتل الصيد خطأ لا يضمنه، وهو رواية عن أحمد، فخرجوا عليه الشعر والظفر بطريق الأولى. وكذلك طرد هذا أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا أو مخطئا فلا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف والخلف. ومنهم من يفطر الناسي والمخطئ كمالك. وقال أبو حنيفة : هذا هو القياس، لكن خالفه لحديث أبي هريرة في الناسي. ومنهم من قال: لا يُفْطِر الناسي، ويُفْطِر المخطئ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، فأبو حنيفة جعل الناسي موضع استحسان، وأما أصحاب الشافعي وأحمد فقالوا: النسيان لا يفطر؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه، بخلاف الخطأ فإنه يمكنه أن لا يفطر حتى يتيقن غروب الشمس، وأن يمسك إذا شك في طلوع الفجر. وهذا التفريق ضعيف، والأمر بالعكس، فإن السنة للصائم أن يعجل الفطر ويؤخر السحور، ومع الغيم المطبق لا يمكن اليقين الذي لا يقبل الشك إلا بعد أن يذهب وقت طويل جداً يُفَوِّت المغرب، ويفوت معه تعجيل الفطور، والمصلي مأمور بصلاة المغرب وتعجيلها، فإذا غلب على ظنه غروب الشمس أمر (14) بتأخير المغرب إلى حد اليقين، فربما يؤخرها حتى يغيب الشفق وهو لا يستيقن غروب الشمس، وقد جاء عن إبراهيم النخعي وغيره من السلف - وهو مذهب أبي حنيفة - أنهم كانوا يستحبون في الغيم تأخير المغرب وتعجيل العشاء، وتأخير الظهر وتقديم العصر، وقد نص على ذلك أحمد وغيره، وقد علل ذلك بعض أصحابه بالاحتياط لدخول الوقت، وليس كذلك؛ فإن هذا خلاف الاحتياط في وقت العصر والعشاء، وإنما سُنَّ ذلك لأن هاتين الصلاتين يجمع بينهما للعذر، وحال الغيم حال عذر، فأخرت الأولى من صلاتي الجمع، وقدمت الثانية لمصلحتين: إحداهما: التخفيف عن الناس حتى يصلوها مرة واحدة؛ لأجل خوف المطر، كالجمع بينهما مع المطر. والثانية: أن يتيقن دخول وقت المغرب، وكذلك يجمع بين الظهر والعصر على أظهر القولين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ويجمع بينهما للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة ونحو ذلك في أظهر قولي العلماء، وهو قول مالك، وأظهر القولين في مذهب أحمد. الثاني: أن الخطأ في تقديم العصر والعشاء أولى من الخطأ في تقديم الظهر والمغرب، فإن فعل هاتين قبل الوقت لا يجوز بحال، بخلاف تينك فإنه يجوز فعلهما في وقت الظهر والمغرب؛ لأن ذلك وقت لهما حال العذر، وحالُ الاشتباه حالُ عذرٍ، فكان الجمع بين الصلاتين مع الاشتباه أولى من الصلاة مع الشك. وهذا فيه ما ذكره أصحاب المأخذ الأول من الاحتياط ؛ لكنه احتياط مع تيقن الصلاة في الوقت المشترك، ألا ترى أن الفجر لم يذكروا فيها هذا الاستحباب، ولا في العشاء والعصر؟ ولو كان لعلم خوف الصلاة قبل الوقت لطرد هذا في الفجر، ثم يطرد في العصر والعشاء. وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتبكير بالعصر في يوم الغيم، فقال: « بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله». فإن قيل: فإذا كان يستحب أن يؤخر المغرب مع الغيم فكذلك يؤخر الفطور. قيل : إنما يستحب تأخيرها مع تقديم العشاء، بحيث يصليهما قبل مغيب الشفق، فأما تأخيرها إلى أن يخاف مغيب الشفق فلا يستحب، ولا يستحب تأخير الفُطور إلى هذه الغاية، ولهذا كان الجمع المشروع مع المطر هو جمع التقديم في وقت المغرب، ولا يستحب أن يؤخر بالناس المغرب إلى مغيب الشفق، بل هذا حرج عظيم على الناس، وإنما شرع الجمع لئلا يحرج المسلمون. وأيضاً فليس التأخير والتقديم المستحب أن يفعلهما مقترنتين؛ بل أن يؤخر الظهر ويقدم العصر ولو كان بينهما فصل في الزمان، وكذلك في المغرب والعشاء بحيث يصلون الواحدة وينتظرون الأخرى، لا يحتاجون إلى ذهاب إلى البيوت ثم رجوع، وكذلك جواز الجمع لا يشترط له الموالاة في أصح القولين، كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع (15). وأيضاً فقد ثبت في «صحيح البخاري» عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا يوما من رمضان في غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم طلعت الشمس. وهذا يدل على شيئين: على أنه لا يستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقن الغروب؛ فإنهم لم يفعلوا ذلك ولم يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم؛ والثاني: أنه لا يجب القضاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك، كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يأمرهم به (16). فإن قيل : فقد قيل لهشام بن عروة : أمروا بالقضاء ؟ قال : أو بد من القضاء ؟ قيل : هشام قال ذلك برأيه، لم يرو ذلك في الحديث، ويدل على أنه لم يكن عنده بذلك علم: أن معمرا روى عنه قال: سمعت هشاما قال : لا أدري أقضوا أم لا ؟ ذكر هذا وهذا عنه البخاري، والحديث رواه عن أمه فاطمة بنت المنذر عن أسماء(17). وقد نقل هشام عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء، وعروة أعلم من ابنه (18)، وهذا قول إسحاق بن راهويه، وهو قرين أحمد بن حنبل، ويوافقه في المذهب: أصولِه وفروعِه، وقولهما كثيرا ما يجمع بينه، والكوسج سأل مسائله لأحمد وإسحاق، وكذلك حرب الكرماني سأل مسائله لأحمد وإسحاق، وكذلك غيرهما ؛ ولهذا يجمع الترمذي قول أحمد وإسحاق، فإنه روى قولهما من مسائل الكوسج، وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم وابن قتيبة، وغير هؤلاء من أئمة السلف والسنة والحديث، كانوا يتفقهون على مذهب أحمد وإسحاق، يقدمون قولهما على أقوال غيرهما، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم هم أيضا من أتباعهما، وممن يأخذ العلم والفقه عنهما، وداود من أصحاب إسحاق. وقد كان أحمد بن حنبل إذا سئل عن إسحاق يقول : أنا أسأل عن إسحاق ؟! إسحاق يسأل عني (19). والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن نصر المروزي وداود بن علي ونحو هؤلاء كلهم فقهاء الحديث رضي الله عنهم أجمعين. وأيضاً فإن الله قال في كتابه : {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} وهذه الآية مع الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين أنه مأمور بالأكل إلى أن يظهر الفجر، فهو مع الشك في طلوعه مأمور بالأكل، كما قد بسط في موضعه (20). ------------------------- (1) [النسخة التي قرئت في الدرس هي المطبوعة في «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية», جمع ابن قاسم, وكان مع الشيخ النسخة المطبوعة في المكتب الإسلامي, وينبه رحمه الله على موضع الاختلاف بينهما إن وجد, والمتن المعتمد في هذه الطبعة هو الأول, وتم وضع الزيادات من نسخة المكتب الإسلامي بين معكوفتين]. (2) قوله: «الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب..» لكن لابد أن يضاف إلى هذا التعبد لله بالإمساك عن المفطرات، حتى يكون عبادة؛ لأن الإمساك عن المفطرات له أسباب متعددة، فإذا كان ذلك لغرض التعبد لله كان صياما شرعا، وكما قال الشيخ -رحمه الله-: الأشياء المفطرة بالنص والإجماع هي هذه الثلاثة: الأكل، والشرب، والجماع، وما عدا ذلك فإما ثابت بأقيسة، وإما ثابت بنص مختلف في صحته، أو في دلالته، لكن هذه الثلاثة مجمع عليها. والصيام كان معروفا في الجاهلية، وفي الشرائع الأخرى، كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183]. وكما قالت عائشة -رضي الله عنها- : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية [أخرجه البخاري في الصوم/باب صيام يوم عاشوراء (2002)] . فلم تأت الشريعة الإسلامية بجديد إلا في بيان الحكمة من الصوم، وهي أنه ليس الحكمة من الصوم أن يمنع الإنسان من فضل الله -عز وجل- من شراب وطعام ونكاح، ولكن الحكمة شيء فوق ذلك، وهو تقوى الله -عز وجل-، كما قال الله تعالى حين ذكر فرض الصيام : {لعلكم تتقون}، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [أخرجه البخاري في الصيام/باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم (1903)]. فالحاجة هنا: بمعنى الإرادة، يعني أنه ليس لله إرادة أن يدع الإنسان طعامه وشرابه بدون أن يدع قول الزور والعمل به والجهل، وإن قوما يمسكون عن ملاذهم، ويتقون الله -عز وجل- شهرا كاملا، لابد أن تتغير مناهجهم؛ ولهذا كان شهر الصيام -لمن وفق- تربية عظيمة للنفس، بالصبر، والتحمل، والتقوى، وكثرة الطاعات. وفي قوله عز وجل: { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم } الإشارة إلى معنى نفيس، وهو أن لا يريد الإنسان بالجماع مجرد نيل الشهوة، بل ابتغاء ما كتب الله له، يعني من الذرية، وهو إذا نوى هذا حصل له هذا وهذا، فلا يفوته إذا نوى ابتغاء ما كتبه الله له أن لا يكون له ذرية، بل يحصل على هذا وعلى هذا، ولهذا قال بعض المفسرين في قوله: {ما كتب الله} أي: بطلب الولد. (3) يعني: إذا أدخل الإنسان الشراب من غير الفم ففيه خلاف بين العلماء، ولكن ما دل عليه الحديث يجب أن يكون معتبرا، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إلا أن تكون صائما» [أخرجه أبو داود في الطهارة /باب في الاستنثار (142)؛ والنسائي في الطهارة/باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)؛ والترمذي في الصوم/باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788)؛ وصححه ابن خزيمة (150)؛ وابن حبان (1087)]. ولا نعلم فائدة لهذا الاستثناء إلا خوف أن ينزل الماء من الأنف إلى المعدة، وإلا لا يكون للاستثناء فائدة، فالصواب ما دل عليه الحديث. لكن لو جاء مجادل وقال: المسألة ليست إجماعية، وأنا لا أعتبر إلا ما ثبت بالنص والإجماع فقط،ولا أعترف بما ثبت قياسا. قلنا له: الحمد لله، هذا ثابت بالنص؛ لأننا لا نعلم فائدة لاستثناء الصائم إلا خوف أن ينزل الماء من أنفه إلى معدته فيفطر. (4) المؤلف -رحمه الله- سيبين ثبوت هذا الحديث أو عدم ثبوته، لكن في قوله «وإن استقاء فليقض» [أخرجه أحمد (2/498)؛ وأبو داود في الصيام/باب الصائم يتقيء عمدا (2380)؛ والترمذي في الصوم/باب ما جاء فيمن استقاء عمدا (720)؛ والنسائي في «الكبرى» (3117)؛ وابن ماجه في الصيام/باب ما جاء في الصائم يقيء (1676)؛ وصححه ابن خزيمة (1960)؛ وابن حبان (3518)؛ والحاكم (1/427)] فائدة، وهي: أن الإنسان إذا أفطر متعمدا فعليه القضاء، خلافا لما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، حيث قال: إن من تعمد الإفطار فلا يقضي، والصواب : أنه يقضي، بخلاف من لم يصم اليوم من أوله، فهذا لا يقضي، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن الأول شرع في العبادة فلزمته بشروعه فيها، والتزمها في أول نهاره، والثاني لم يلتزمها إطلاقا، فإذا قضاها بعد فوات الوقت فقد فعل فعلا ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد تعدى حدود الله؛ لأن الله تعالى حد الصوم بشهر معين، وفي زمن معين من هذا الشهر، فإذا لم يقم بالصوم في هذا فقد تعدى حدود الله، وقد قال الله تعالى: { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } [البقرة: 229]، والله لا يقبل من ظالم . فهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: قول الجمهور أنه يقضي، سواء صام ثم أفطر عمدا، أو أنه ترك الصيام من الأصل. القول الثاني: أنه لا يقضي، سواء ترك الصيام من الأصل، أو تعمد الإفطار. القول الثالث: التفصيل، بأنه إن ترك الصيام ثم صامه بعد رمضان فإنه لا يقضيه ؛ لأنه لن ينتفع به، وأما إذا صام ثم أفطر عمدا وجب عليه القضاء، وهذا هو الراجح، لحديث أبي هريرة: «وإن استقاء فليقض» يعني: من استقاء عمدا فليقض. مسألة: لو أن الإنسان أحس بالقيء، فهل يجب عليه أن يمنعه ؟ الجواب: لا يجب، كما لو فكر وأحس بانتقال المني، فإنه لا يلزمه أن يحجزه ؛ لما في ذلك من الضرر؛ ولأنه لم يتعمد. مسألة أخرى: لو أنه أحس بهيجان المعدة ثم استقاء، أيفطر أو لا؟ الجواب: نعم يفطر؛ لأنه تعمد القيء، والمعدة قد تهيج أحيانا، ويتهيأ الإنسان للقيء، ولكن تسكن ولا يحصل شيء. (5) وهذا هو الصحيح أنه لا كفارة إلا بالجماع، وذلك أن الأصل براءة الذمة، ولا يمكن أن نلزم عباد الله بشيء دون دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع ؛ لأننا مسئولون عن إيجاب ما لا يجب، كما أننا مسئولون عن تحريم ما لم يحرم، فالصواب: أن الإنسان إذا تعمد الفطر في رمضان، يعني: صام ثم أفطر عمدا أنه آثم، ويلزمه الإمساك بقية اليوم، وعليه القضاء، وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع. (6) قول المؤلف: « إذا أراد بالوضوء الوضوء الشرعي» : أفاد بأن هناك وضوءا ليس شرعيا، وهو الوضوء اللغوي، وهو النظافة، ولكن لدينا قاعدة مهمة، وهي أن ألفاظ الشرع تحمل على الحقائق الشرعية، والحقيقة الشرعية للوضوء أنه التطهر المعروف، ولكن يمنع القول بوجوب الوضوء من القيء ما ذكره الشيخ -رحمه الله- أن هذا فعل مجرد، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب. (7) ولهذا عندهم قاعدة، يقولون : لا وضوء مما دخل، بل مما خرج، ولا فطر مما خرج، بل مما دخل، لكن لا أصل لهذه القاعدة. (8) كلام الشيخ -رحمه الله- فيه نظر، فحصره التقيؤ بكونه دواءا، أو أكل ما فيه شبهة فيه نظر، فقد يتقيأ الإنسان – مثلا - لثقل بطنه، أو للتداوي بالتقيؤ بدون ضرورة، لكن ما قلنا أقرب للأصول، أنه إذا أفسد صومه بالقيء أو غيره، وجب عليه القضاء؛ لأنه بشروعه فيه صار كالناذر له؛ ولهذا سمى الله تعالى مناسك الحج نذورا، ومدح الذين يوفون بنذورهم، وليس هذا النذر الذي امتدح الله فاعله هو النذر المعروف، كما توهمه بعض الناس، بل إن قوله- تعالى-: { يوفون بالنذر} [الإنسان:7]، يعني بالعبادات الواجبة، وكذلك قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج:29] المراد: المناسك . (9) الشيخ رحمه الله يريد أن يدفع الأحاديث التي وردت في قضاء من تقيأ عمدا بأنه إنما يتقيأ غالبا للتداوي أو لوجود شبهة، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، مع أن أبا بكر رضي الله عنه لا نعلم أنه كان صائما صوما واجبا، لكن هل استمر في صومه أو أفطر؟ لا ندري، الله أعلم عنه، ثم أتى بحديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المجامع أن يقضي فأجاب عنه. (10) أما كونه لم يكن ناسيا أو جاهلا فظاهر من قوله: «هلكت» فإن هذا يدل على أنه ليس بجاهل ولا ناس، وأما كونه لم يأمره بالقضاء فقد تعقبه الشيخ الألباني في قوله: «ولم يذكر أحد أنه أمره بالقضاء» فقال: (فيه نظر، فقد ذكره أكثر من واحد، وأصل الحديث في «الصحيحين» ... ثم ساقه، ثم قال: ورواه البيهقي من طريق أبي مروان، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: أخبرنا الليث بن سعد، عن الزهري بإسناده هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقض يوما مكانه». قال البيهقي: وكذلك روي عن عبدالعزيز الدراوردي ... إلى أن قال: ولهذه الروايات شاهد من مرسل سعيد بن المسيب عند مالك، ومن مرسل نافع بن جبير ومحمد بن كعب، ذكرهما الحافظ في «الفتح»، ثم قال: «وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا») ا.هـ كلام الشيخ الألباني. (11) الحقيقة أن هذا هو الفقه العظيم، إذا كان الله لم يؤاخذه فمعناه أنه بمنزلة من لم يفعله، فما دام معفوا عنه فكأنه لم يفعله، وإذا لم يفعله هل يجب عليه قضاء أو كفارة ؟ قلنا : لا يجب قضاء ولا كفارة، وكذلك يقال في جميع المحظورات في العبادات، ففي الصلاة إذا تكلم جاهلا أو ناسيا لم يؤاخذ، فيكون بمنزلة من لم يتكلم، وفي الصيام إذا أكل أو شرب ناسيا لم يؤاخذ، فيكون بمنزلة من لم يأكل ويشرب، وفي الحج إذا فعل محظورا ناسيا أو جاهلا فيكون غير مؤاخذ، فهو بمنزلة من لم يفعله، وهذا الفقه من شيخ الإسلام - رحمه الله - عظيم، فكل ما لم تؤاخذ عليه فكأنه معدوم، إلا في شيء واحد وهو المأمورات، وذلك إذا تركت شيئا مأمورا فالعبادة ناقصة، وما أتيت بها، فلابد أن تأتي بها على ما أمرت ؛ ولهذا لم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الجاهل الذي كان يصلي بلا طمأنينة، بل قال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل» [أخرجه البخاري في صفة الصلاة/باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت (724)؛ ومسلم في الصلاة/باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (397)] ؛ لأنه ترك واجبا، لكن لم يأمره بقضاء ما سبق من الصلوات؛ لأنه لم تبلغه الشريعة، ولا تلزم الشرائع إلا بعد العلم. (12) قوله: «المقتول» يعني: الإنسان، فإن القرآن نص نصا صريحا بوجوب الكفارة في قتل الخطأ، وكلامه هنا يظهر منه أنه يرى وجوب الجزاء في قتل الصيد على الجاهل والناسي، لكن كلام الفقهاء عنه، ولاسيما تلميذه ابن مفلح - رحمه الله - فإنه نقل عنه في «الفروع» أنه يقول: إنه لا يجب في قتل الصيد خطأ أو نسيانا جزاء، وهذا القول هو الراجح، وهو نص القرآن، قال الله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95]، ومتعمدا مشتق، وهو وصف مناسب للحكم، فوجب أن يختلف الحكم بفقده، وأنه إذا قتله غير متعمد فليس عليه جزاء، وهذا هو الصواب، وهو أيضا مقتضى طرد القاعدة أن جميع المحظورات إذا فعلها جاهلا أو ناسيا فليس فيها شيء، ولا يصح قياس هذا على إتلاف الصبي لأموال بني آدم، ولا على إتلاف الجاهل والناسي لأموال بني آدم؛ لأن الصيد في الإحرام، إنما حرم لحق الله عز وجل وليس لحق الإنسان، أو لأنه ملك لفلان أو فلان، وعلى هذا فإذا قتل المحرم صيدا ناسيا أو جاهلا وهو مملوك لفلان، فعليه مثله إن أمكن أو قيمته. (13) خلافا للمذهب في هذه المسألة: أن تقليم الأظفار وقص الشارب كالصيد، يعني: لا يسقط بالنسيان والجهل، والصواب خلاف ذلك، وأنها ليست من باب المتلفات؛ لأنه لا قيمة للظفر أو الشعر إذا قصه المحرم. (14) لعلها: (وأُمر) أي: وقلنا بأمره بذلك. (15) الموالاة والترتيب في الجمع، فالترتيب هو أن يبدأ بالأولى قبل الثانية، والموالاة أن لا يفصل بينهما بفاصل كثير، فشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن الجمع معناه ضم أحد الوقتين إلى الآخر، وأنه لا تشترط الموالاة، لا في جمع التقديم، ولا في جمع التأخير، والمشهور من المذهب أنه تشترط الموالاة إذا كان الجمع تقديما، وأما التأخير فلا، والاحتياط بلا شك أن يوالي بينهما في التقديم والتأخير، لكن كون ذلك شرطا في جمع التقديم فيه شيء من القلق، فلا يطمئن إليه الإنسان كثيرا، أما الترتيب فلا بد منه بأن يبدأ بالأولى قبل الثانية. (16) وعلى هذا فإذا كان يوم غيم فلا نقول للناس: انتظروا حتى تتيقنوا الغروب؛ لأنه لو كان الانتظار حتى يتيقنوا الغروب واجبا لتأخر الصحابة رضي الله عنهم حتى يتيقنوا الغروب، وهذا قد يكون أمرا يستدعي وقتا طويلا، خصوصا مع كثافة الغيم، فإنه قد لا يتفرق إلا بعد مدة طويلة، فيفوت تعجيل الفطر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» [أخرجه البخاري في الصوم/باب تعجيل الإفطار (1957)؛ ومسلم في الصيام/باب فضل السحور (1098)]، هذا إذا لم يكن مع الإنسان ساعات، أما الآن -وقد جاءت الساعات- فالانتظار إن قلنا به مع الغيم فلن يعدو أن يكون دقيقتين أو ثلاث دقائق، يعني: لا يتأخر كثيرا، لكن في عهد المؤلف وما حوله ليس هناك ساعات تحدد الوقت . وأما الأمر الثاني – وهو المهم-: أنه لا يجب القضاء بناءا على القاعدة، وهي: العذر بالجهل والنسيان والإكراه، والإنسان مأمور بأن يفطر ويعجل الفطر، فإذا فعل ما أمر به ثم تبين الأمر بخلاف ذلك، فإنه لا يُلزم بالقضاء، وكيف يُلزم بالقضاء من أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟! (17) ومعلوم أنه حتى اللفظ الأول لا يدل على أنه رفع الحديث، بل على أنه قاله تفقها لقوله «أو بد من القضاء؟» [أخرجه البخاري في الصوم/باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1959)] كأنه يقول: لابد من القضاء، وهذا قاله تفقها من عنده -رحمه الله-، لكن اللفظ الثاني: «لا أدري أقضى أم لا؟» [نفس الموضع السابق] أوضح من اللفظ الأول، مع أن الأول عند التأمل يدل على أنه قاله تفقها من عنده. (18) إذن يكون أبو هشام - وهو: عروة بن الزبير، أحد الفقهاء السبعة التابعي- قال: إنه لم يأمر بالقضاء، وعلى هذا فيكون المعتمد عدم أمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك، إذ لا يمكن أن يؤخر البلاغ مع حاجة الناس إليه، ثم لو أمرهم بالقضاء لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم بالقضاء صار القضاء من شريعة الله، ولا بد أن تبقى إلى أن يأذن الله تعالى بفناء أهل الأرض، فكلما تأملت الحديث وجدت أنه كالمُتَيْقَن أنهم لم يقضوا. (19) هذا تواضع عظيم منه رحمه الله, ومن عرف قدر نفسه, عرف غيره قدره, والله المستعان. (20) وعند المتعمقين يقولون إذا شككت في الفجر وجب عليك الإمساك، ولهذا عندهم مدفع إمساك ومدفع فجر، وهذا لاشك أنه من التعمق المذموم؛ لأن الرب عز وجل هو الذي يتعبد عباده، وقد قال سبحانه: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187]، ولم يقل: حتى يطلع، بل حتى يتبين، فأنت مأمور أن تأكل وتشرب ما دمت شاكا في طلوع الفجر حتى يتبين لك، فإذا تبين أمسك. مسألة: لو أنه تبين للإنسان الفجر، وهو يجامع زوجته ماذا يفعل؟ الجواب: قال الفقهاء: إن بقي فعليه الكفارة، وإن نزع فعليه الكفارة؛ لأن النزع جماع عندهم، فماذا يصنع؟! نقول: بل ينزع فورا ولا شيء عليه؛ لأن هذا عمل للتخلص من الإثم، وفرق بين الإنسان الذي يتخلص من الإثم، والذي يريد الوقوع في الإثم، ونظير ذلك لو أن المحرم أصابه طيب في ثوبه أو في بدنه، فإن مس المحرم للطيب محرم، لكن لو أراد أن يغسله فلا نقول له: حرام عليك أن تغسله؛ لأن هذا للتخلص منه، ونظير ذلك أيضا الرجل يستنجي بالماء ويباشر النجاسة - البول أو الغائط- بيده، ومباشرة النجاسة منهي عنها، فلا نقول: لا تفعل، بل افعل؛ لأنه يريد التخلص، ونظير ذلك الرجل يغصب أرضا، ثم يمن الله عليه بالتوبة وهو فيها، ويجمع متاعه وما يتعلق به؛ ليخرج منها فلا نقول: إنه آثم؛ لأنه من التخلص، ويجب التنبه لهذه الفائدة، وهو أن من باشر المحرم للتخلص منه، فإن ذلك أمر واجب عليه، ولا يدخل في الحرام. وفهمنا من كلام الشيخ رحمه الله أنه يأكل ويشرب حتى مع الشك في طلوع الفجر، وأنه لا أثم عليه، وأن هذا مقتضى قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم}، وأنه متى غلب على ظنه أن الشمس غربت فله أن يفطر؛ لفعل الصحابة رضوان الله عليهم في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، لكن مع الشك في غروب الشمس لا يجوز الفطر، بخلاف الشك في طلوع الفجر، والفرق ظاهر؛ لأن الشك في طلوع الفجر يعارضه أن الأصل بقاء الليل، والشك في غروب الشمس يعارضه أن الأصل بقاء النهار، لكن مع غلبة الظن يعمل بغلبة ظنه، ويأكل ويشرب فإن تبين له بعد أن الشمس لم تغرب أمسك، وصح صومه. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18283.shtml التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 01-05-2015 الساعة 09:09AM |
#3
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل في الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة وأما الكحل، والحقنة، وما يقطر في إحليله، ومداواة المأمومة، والجائفة، فهذه مما تنازع فيه أهل العلم: فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير، ومنهم من لم(21) يفطر بالكحل، ولا بالتقطير، ويفطر بما سوى ذلك. والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثا صحيحا ولا ضعيفا، ولا مسنداً ولا مرسلا، علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك (22). والحديث المروي في الكحل ضعيف رواه أبو داود في «السنن» ولم يروه غيره، ولا هو في «مسند أحمد» ولا سائر الكتب المعتمدة (23). قال أبو داود : حدثنا النفيلي ثنا علي بن ثابت حدثني عبد الرحمن بن النعمان ثنا معبد بن هوذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المُرَوَّح عند النوم، وقال: «ليتقه الصائم ». قال أبو داود : وقال يحيى بن معين : هذا حديث منكر. قال المنذري: وعبد الرحمن قال يحيى بن معين : ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي : هو صدوق، لكن من الذي يعرف أباه وعدالته وحفظه؟! وكذلك حديث معبد قد عورض بحديث ضعيف، وهو ما رواه الترمذي بسنده عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت عيني، أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: «نعم ». قال الترمذي: ليس بالقوي، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء. وفيه أبو عاتكة. قال البخاري : منكر الحديث (24). والذين قالوا : إن هذه الأمور تفطر - كالحقنة ومداواة المأمومة والجائفة(25) - لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، وأقوى ما احتجوا به قوله: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما». قالوا : فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ(26) يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها، سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه. والذين استثنوا التقطير قالوا: التقطير لا ينزل إلى جوفه وإنما يرشح(27) رشحاً، فالداخل إلى إحليله كالداخل إلى فمه وأنفه (28). والذين استثنوا الكحل قالوا: العين ليست كالقبل والدبر، ولكن هي تشرب الكحل كما يشرب الجسم الدهن والماء(29). والذين قالوا الكحل يفطر قالوا : إنه ينفذ إلى داخله حتى يتنخمه الصائم؛ لأن في داخل العين منفذا إلى داخل الحلق (30). وإذا كان عمدتهم هذه الأقيسة ونحوها لم يجز إفساد الصوم بمثل هذه الأقيسة لوجوه: أحدها: أن القياس وإن كان حجة إذا اعتبرت شروط صحته فقد قلنا في الأصول: إن الأحكام الشرعية كلها بينتها النصوص أيضا، وإن دل القياس الصحيح على مثل ما دل عليه النص دلالة خفية، فإذا علمنا بأن الرسول لم يحرم الشيء ولم يوجبه علمنا أنه ليس بحرام ولا واجب، وأن القياس المثبت لوجوبه وتحريمه فاسد، ونحن نعلم أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء التي ذكرها بعض أهل الفقه، فعلمنا أنها ليست مفطرة. الثاني: أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه، وهذا كما يعلم أنه لم يفرض صيام شهر غير رمضان، ولا حج بيت غير البيت الحرام، ولا صلاة مكتوبة غير الخمس، ولم يوجب الغسل في مباشرة المرأة بلا إنزال، ولا أوجب الوضوء من الفزع العظيم(31)، وإن كان في مظنة خروج الخارج، ولا سن الركعتين بعد الطواف بين الصفا والمروة كما سن الركعتين بعد الطواف بالبيت(32)، وبهذا يعلم أن المني ليس بنجس؛ لأنه لم ينقل عن أحد بإسناد يحتج به أنه أمر المسلمين بغسل أبدانهم وثيابهم من المني مع عموم البلوى بذلك، بل أمر الحائض أن تغسل قميصها من دم الحيض مع قلة الحاجة إلى ذلك، ولم يأمر المسلمين بغسل أبدانهم وثيابهم من المني. والحديث الذي يرويه بعض الفقهاء: «يغسل الثوب من البول والغائط والمني والمذي والدم»، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها(33)، ولا رواه أحد من أهل العلم بالحديث بإسناد يحتج به، وإنما روي عن عمار وعائشة من قولهما. وغسل عائشة للمني من ثوبه وفركُها إياه لا يدل على وجوب ذلك، فإن الثياب تغسل من الوسخ والمخاط والبصاق، والوجوب إنما يكون بأمره، لاسيما ولم يأمر هو سائر المسلمين بغسل ثيابهم من ذلك، ولا نقل أنه أمر عائشة بذلك، بل أقرها على ذلك، فدل على جوازه أو حسنه واستحبابه، وأما الوجوب فلا بد له من دليل. وبهذه الطرق يعلم أيضاً أنه لم يوجب الوضوء من لمس النساء، ولا من النجاسات الخارجة من غير السبيلين، فإنه لم ينقل أحد عنه بإسناد يثبت مثله أنه أمر بذلك، مع العلم بأن الناس كانوا لا يزالون يحتجمون ويتقيئون ويجرحون في الجهاد وغير ذلك، وقد قطع عرق بعض أصحابه ليخرج منه الدم وهو الفصاد، ولم ينقل عنه مسلم أنه أمر أصحابه بالتوضؤ من ذلك (34). وكذلك الناس لا يزال أحدهم يلمس امرأته بشهوة وبغير شهوة، ولم ينقل عنه مسلم أنه أمر الناس بالتوضؤ من ذلك، والقرآن لا يدل على ذلك؛ بل المراد بالملامسة الجماع كما بسط في موضعه (35). وأمره بالوضوء من مس الذكر إنما هو استحباب إما مطلقا وإما إذا حرك الشهوة(36)، وكذلك يستحب لمن لمس النساء فتحركت شهوته أن يتوضأ، وكذلك من تفكر فتحركت شهوته فانتشر، وكذلك من مس الأمرد أو غيره فانتشر(37) . فالتوضؤ عند تحرك الشهوة من جنس التوضؤ عند الغضب، وهذا مستحب لما في «السنن» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ»، وكذلك الشهوة الغالبة هي من الشيطان والنار، والوضوء يطفئها، فهو يطفئ حرارة الغضب، والوضوء من هذا مستحب. وكذلك أمره بالوضوء مما مسته النار أمر استحباب؛ لأن ما مسته النار يخالط البدن، فليتوضأ فإن النار تطفأ بالماء، وليس في النصوص ما يدل على أنه منسوخ، بل النصوص تدل على أنه ليس بواجب، واستحباب الوضوء منه أعدل الأقوال، من قول من يوجبه، وقول من يراه منسوخا، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره . وكذلك بهذه الطريق(39) يعلم أن بول ما يؤكل لحمه وروثه ليس بنجس، فإن هذا مما تعم به البلوى، والقوم كانوا أصحاب إبل وغنم، يقعدون ويصلون في أمكنتها، وهي مملوءة من أبعارها، فلو كانت بمنزلة المراحيض كانت تكون حشوشاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم باجتنابها، وأن لا يلوثوا أبدانهم وثيابهم بها، ولا يصلون فيها (40). فكيف وقد ثبتت الأحاديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون في مرابض الغنم، وأمر بالصلاة في مرابض الغنم، ونهى عن الصلاة في معاطن الإبل؟! فعلم أن ذلك ليس لنجاسة الأبعار، بل كما أمر بالتوضؤ من لحوم الإبل، وقال في الغنم: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ»، وقال: «إن الإبل خلقت من جن، وإن على ذروة كل بعير شيطانا». وقال: «الفخر والخيلاء في الفدادين أصحاب الإبل، والسكينة في أهل الغنم»(41). فلما كانت الإبل فيها من الشيطنة ما لا يحبه الله ورسوله أمر بالتوضؤ من لحمها، فإن ذلك يطفئ تلك الشيطنة، ونهي عن الصلاة في أعطانها؛ لأنها مأوى الشياطين، كما نهي عن الصلاة في الحمَّام لأنها مأوى الشياطين، فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه، وفي موضع الأجسام الخبيثة، بل الأرواح الخبيثة تحب الأجسام الخبيثة. ولهذا كانت الحشوش محتضرة تحضرها الشياطين، والصلاة فيها أولى بالنهي من الصلاة في الحمَّام ومعاطن الإبل والصلاة على الأرض النجسة، ولم يرد في الحشوش نص خاص؛ لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين أن يحتاج إلى بيان؛ ولهذا لم يكن أحد من المسلمين يقعد في الحشوش(42) ولا يصلي فيها، وكانوا ينتابون البرية لقضاء حوائجهم قبل أن تتخذ الكنف(43) في بيوتهم. وإذا سمعوا نهيه عن الصلاة في الحمَّام أو أعطان الإبل علموا أن النهي عن الصلاة في الحشوش أولى وأحرى، مع أنه قد روي الحديث الذي فيه: النهي عن الصلاة في المقبرة، والمجزرة، والمزبلة، والحشوش، وقارعة الطريق، ومعاطن الإبل، وظهر بيت الله الحرام، وأصحاب الحديث متنازعون فيه، وأصحاب أحمد فيه على قولين: منهم من يرى هذه من مواضع النهي، ومنهم من يقول: لم [يثبت] هذا الحديث(44)، ولم أجد في كلام أحمد في ذلك إذنا ولا منعا، مع أنه قد كره الصلاة في مواضع العذاب، نقله عنه ابنه عبد الله؛ للحديث المسند في ذلك عن علي الذي رواه أبو داود، وإنما نص على الحشوش وأعطان الإبل والحمَّام، وهذه الثلاثة هي التي ذكرها الخرقي(45) وغيره، والحكم في ذلك عند من يقول به قد يثبته بالقياس على موارد النص، وقد يثبته بالحديث، ومن فرق يحتاج إلى الطعن في الحديث وبيان الفارق (46) ، وأيضا المنع قد يكون منع كراهة وقد يكون منع تحريم. وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولا بد أن تنقل الأمة ذلك، فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن. والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجساما، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز [تطيبه وتبخره](47) وادهانه، وكذلك اكتحاله. وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم - إما في الجهاد، وإما في غيره- مأمومة وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبين لهم ذلك، فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطراً. الوجه الثالث: إثبات التفطير بالقياس يحتاج إلى أن يكون القياس صحيحا، وذلك إما قياس علة بإثبات الجامع، وإما بإلغاء الفارق، فإما أن يدل دليل على العلة في الأصل فيعدى بها إلى الفرع، وإما أن يعلم أن لا فارق بينهما من الأوصاف المعتبرة في الشرع، وهذا القياس هنا منتف. وذلك أنه ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلا إلى دماغ أو بدن، أو ما كان داخلا من منفذ أو واصلا إلى الجوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله، ويقولون: إن الله ورسوله إنما جعل الطعام والشراب مفطراً لهذا المعنى المشترك من الطعام والشراب، ومما يصل إلى الدماغ والجوف من دواء المأمومة والجائفة، وما يصل إلى الجوف من الكحل، ومن الحقنة والتقطير في الإحليل، ونحو ذلك. وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكم بهذا الوصف دليل، كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعلا هذا مفطراً لهذا قولا بلا علم، وكان قوله: إن الله حرم على الصائم أن يفعل هذا قولا بأن هذا حلال وهذا حرام بلا علم، وذلك يتضمن القول على الله بما لا يعلم، وهذا لا يجوز (48). ومن اعتقد من العلماء أن هذا المشترك مناط الحكم (49) ، فهو بمنزلة من اعتقد صحة مذهب لم يكن صحيحا، أو دلالة لفظ على معنى لم يرده الرسول، وهذا اجتهاد يثابون عليه، ولا يلزم أن يكون قولا بحجة شرعية يجب على المسلم اتباعها (50). الوجه الرابع: أن القياس إنما يصح - إذا لم يدل كلام الشارع على علة الحكم - إذا سبرنا أوصاف الأصل فلم يكن فيها ما يصلح للعلة إلا الوصف المعين، وحيث أثبتنا علة الأصل بالمناسبة أو الدوران أو الشبه المطرد - عند من يقول به - فلا بد من السبر، فإذا كان في الأصل وصفان مناسبان لم يجز أن يقول الحكم بهذا دون هذا. ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائما، وقياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم كما تقدم، وهو قياس ضعيف، وذلك لأن من نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه، فحصل له بذلك ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك الماء، ويزول العطش، ويطبخ الطعام في معدته، كما يحصل بشرب الماء(51). فلو لم يرد النص بذلك لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب، فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم، وذلك غير معتبر، بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر، فليس هو مفطراً ولا جزءاً من المفطر؛ لعدم تأثيره، بل هو طريق إلى الفطر، وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة؛ فإن الكحل لا يغذي البتة، ولا يدخل أحد كحلا إلى جوفه، لا من أنفه ولا فمه، وكذلك الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن كما لو شم شيئا من المسهلات، أو فزع فزعا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة، والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه، والله سبحانه قال: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } (52)، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصوم جنة»، وقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع بالصوم»، فالصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوي، فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء، لا عن حقنة، ولا كحل، ولا ما يقطر في الذكر، ولا ما يداوى به المأمومة والجائفة، وهو متولد عما استنشق من الماء (53)؛ لأن الماء مما يتولد منه الدم، فكان المنع منه من تمام الصوم. فإذا كانت هذه المعاني وغيرها موجودة في الأصل الثابت بالنص والإجماع، فدعواهم أن الشارع علق الحكم بما ذكروه من الأوصاف معارض بهذه الأوصاف، والمعارضة [في الأصل] تبطل كل نوع من الأقيسة، إن لم يتبين أن الوصف الذي ادعوه هو العلة دون هذا، (54). الوجه الخامس: أنه ثبت بالنص والإجماع منع الصائم من الأكل والشرب والجماع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»، ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين؛ ولهذا قال: «فضيقوا مجاريه بالجوع»، وبعضهم يذكر هذا اللفظ مرفوعا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، فإن مجاري الشياطين الذي هو (55) الدم ضاقت، وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات التي بها تفتح أبواب الجنة، وإلى ترك المنكرات التي بها تفتح أبواب النار، وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم (56)، فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره، ولم يقل: إنهم قتلوا، ولا ماتوا، بل قال: «صفدت»، والمصفد من الشياطين قد يؤذي، لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان، فهو بحسب كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملا دفع الشيطان دفعاً لا يدفعه [ ] الصوم الناقص، فهذه المناسبة ظاهرة في منع الصائم من الأكل والشرب، والحكم ثابت على وفقه، وكلام الشارع قد دل على اعتبار هذا الوصف وتأثيره، وهذا [المعنى] (57) منتف في الحقنة والكحل وغير ذلك. فإن قيل: بل الكحل قد ينزل إلى الجوف ويستحيل دما. قيل: هذا كما قد يقال في البخار الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ، فيستحيل دما، وكالدهن الذي يشربه الجسم، والممنوع منه إنما هو ما يصل إلى المعدة فيستحيل دما ويتوزع على البدن. ونجعل هذا وجها سادسا: فنقيس الكحل والحقنة ونحو ذلك على البخور والدهن ونحو ذلك؛ لجامع ما يشتركان فيه من أن ذلك ليس مما يتغذى به البدن، ويستحيل في المعدة دما (58)، وهذا الوصف هو الذي أوجب أن لا تكون هذه الأمور مفطرة، وهذا موجود في محل النزاع، والفرع قد يتجاذبه أصلان، فيلحق كلا منهما بما يشبهه من الصفات [المعتبرة في الشرع، وقد ذكرنا الصفة المعتبرة في الشرع. فإن قيل: فلو أكل ترابا أو حصى أو غير ذلك مما لا يغذي غذاء نافعا. قيل]: هذا تطبخه المعدة ويستحيل دما ينمي عنه البدن، لكنه غذاء ناقص، فهو كما لو أكل سما أو نحوه مما يضره، وهو بمنزلة من أكل أكلا كثيراً أورثه تخمة ومرضاً، فكان منعه في الصوم عن هذا أوكد؛ لأنه ممنوع عنه في الإفطار، [ففي] الصوم أوكد، وهذا كمنعه من الزنا (59)، فإنه إذا منع من الوطء المباح فالمحظور أولى (60). فإن قيل: فالجماع مفطر، [ودم الحيض مفطر]، وهذه العلة منتفية فيهما؟ قيل: تلك أحكام ثابتة بالنص والإجماع، فلا يحتاج إثباتها إلى القياس، بل يجوز أن تكون العلل مختلفة، فيكون تحريم الطعام والشراب والفطر بذلك لحكمة، وتحريم الجماع والفطر به لحكمة، والفطر بالحيض لحكمة، فإن الحيض لا يقال فيه: إنه يحرم، وهذا لأن المفطرات بالنص والإجماع لما انقسمت إلى أمور اختيارية تحرم على العبد كالأكل والجماع، وإلى أمور لا اختيار له فيها كدم الحيض، كذلك تنقسم عللها. فنقول: أما الجماع فإنه باعتبار أنه سبب إنزال المني يجري مجرى الاستقاءة والحيض والاحتجام -كما سنبينه إن شاء الله تعالى-، فإنه من نوع الاستفراغ، لا الامتلاء كالأكل والشرب. ومن جهة أنه إحدى الشهوتين فجرى مجرى الأكل والشرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله تعالى: «قال: الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي» (61)، فترك الإنسان ما يشتهيه لله هو عبادة مقصودة يثاب عليها، كما يثاب المحرم على ترك ما اعتاده من اللباس والطيب ونحو ذلك من نعيم البدن (62). والجماع من أعظم نعيم البدن وسرور النفس وانبساطها، وهو يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل، فإذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والغذاء يبسط الدم الذي هو مجاريه، فإذا أكل أو شرب انبسطت نفسه إلى الشهوات، وضعفت إرادتها ومحبتها للعبادات، فهذا المعنى في الجماع أبلغ، فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات، ويضعف إرادتها عن العبادات أعظم (63)؛ بل الجماع هو غاية الشهوات، وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب، ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار، فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع؛ لأن هذا أغلظ، وداعيه أقوى، والمفسدة به أشد، فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع (64)، وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ فذاك حكمة أخرى، فصار فيهما كالأكل والحيض، وهو في ذلك أبلغ منهما، فكان إفساده الصوم أعظم من إفساد الأكل والحيض. فنذكر حكمة الحيض وجريان ذلك على وفق القياس، فنقول : إن الشرع جاء بالعدل في كل شيء، والإسراف في العبادات من الجور الذي نهى عنه الشارع، وأمر بالاقتصاد في العبادات؛ ولهذا أمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، ونهى عن الوصال، وقال: «أفضل الصيام وأعدل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى» (65)، فالعدل في العبادات من أكبر مقاصد الشارع؛ ولهذا قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } الآية، فجعل تحريم الحلال من الاعتداء المخالف للعدل، وقال تعالى: { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه}، فلما كانوا ظالمين عوقبوا بأن حرمت عليهم الطيبات؛ بخلاف الأمة الوسط العدل فإنه أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث (66). وإذا كان كذلك فالصائم قد نهي عن أخذ ما يقويه ويغذيه من الطعام والشراب، فينهى عن إخراج ما يضعفه ويخرج مادته التي بها يتغذى، وإلا فإذا مكن من هذا ضره، وكان متعديا في عبادته لا عادلا. والخارجات نوعان : نوع يخرج لا يقدر على الاحتراز منه، أو على وجه لا يضره، فهذا لا يمنع منه كالأخبثين، فإن خروجهما لا يضره، ولا يمكنه الاحتراز منه أيضا، ولو استدعى خروجهما فإن خروجهما لا يضره، بل ينفعه، وكذلك إذا ذرعه القيء لا يمكنه الاحتراز منه، وكذلك الاحتلام في المنام لا يمكنه الاحتراز منه. وأما إذا استقاء، فالقيء يُخرج ما يتغذى به من الطعام والشراب المستحيل في المعدة، وكذلك الاستمناء مع ما فيه من الشهوة، فهو يخرج المني الذي هو مستحيل في المعدة عن الدم، فهو يخرج الدم الذي يتغذى به، ولهذا كان خروج المني إذا أفرط فيه يضر الإنسان ويخرج أحمر. والدم الذي يخرج بالحيض فيه خروج الدم، والحائض يمكنها أن تصوم في غير أوقات الدم في حال لا يخرج فيها دمها، فكان صومها في تلك الحال صوما معتدلا لا يخرج فيه الدم الذي يقوي البدن الذي هو مادته، وصومها في الحيض يوجب أن يخرج فيه دمها الذي هو مادتها، ويوجب نقصان بدنها وضعفها، وخروج صومها عن الاعتدال، فأمرت أن تصوم في غير أوقات الحيض، بخلاف المستحاضة؛ فإن الاستحاضة تعم أوقات الزمان، وليس لها وقت تؤمر فيه بالصوم، وكان ذلك لا يمكن الاحتراز منه، كذرع القيء وخروج الدم بالجراح والدمامل والاحتلام، ونحو ذلك مما ليس له وقت محدد يمكن الاحتراز منه، فلم يُجعل هذا منافيا للصوم كدم الحيض (67). وطرد هذا إخراج الدم بالحجامة والفصاد ونحو ذلك، فإن العلماء متنازعون في الحجامة هل تفطر الصائم أم لا ؟ والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» كثيرة قد بينها الأئمة الحفاظ، وقد كره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم، وكان منهم من لا يحتجم إلا بالليل، وكان أهل البصرة إذا دخل شهر رمضان أغلقوا حوانيت الحجامين، والقول بأن الحجامة تفطر مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم، وأهل الحديث الفقهاء فيه العاملون به أخص الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم (68). والذين لم يروا إفطار المحجوم احتجوا بما ثبت في «الصحيح»: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم. وأحمد وغيره طعنوا في هذه الزيادة، وهي قوله: (وهو صائم)، وقالوا: الثابت أنه احتجم وهو محرم. قال أحمد: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع الحكم حديث مِقْسم في الحجامة للصائم. يعني: حديث شعبة عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم. قال مهنا: سألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم، فقال: ليس بصحيح، وقد أنكره يحيى بن سعيد الأنصاري. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله رد هذا الحديث فضعفه، وقال: كانت كتب الأنصاري ذهبت في أيام المنتصر، فكان بعد يحدث من كتب غلامه، وكان هذا من تلك. وقال مهنا: سألت أحمد عن حديث قبيصة عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس... إلخ، فقال: هو خطأ من قبل قبيصة. وسألت يحيى عن قبيصة، فقال: رجل صدق، والحديث الذي يحدث به عن سفيان عن سعيد خطأ من قبله. قال مهنا: سألت أحمد عن حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم، فقال: ليس فيه «صائم» إنما هو محرم، ذكره سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه وهو محرم (69). وعن طاوس وعطاء مثله عن ابن عباس، وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله، وهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صائما. قلت: وهذا الذي ذكره الإمام أحمد هو الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم، ولهذا أعرض مسلم عن الحديث الذي ذكر حجامة الصائم، ولم يثبت إلا حجامة المحرم. وتأولوا أحاديث الحجامة بتأويلات ضعيفة، كقولهم: كانا يغتابان، وقولهم أفطرا لسبب آخر (70) . وأجود ما قيل ما ذكره الشافعي وغيره: أن هذا منسوخ، فإن هذا القول كان في رمضان، واحتجامه وهو محرم كان بعد ذلك؛ لأن الإحرام بعد رمضان. وهذا أيضا ضعيف، بل هو صلوات الله عليه أحرم سنة ست عام الحديبية بعمرة في ذي القعدة، وأحرم من العام القابل بعمرة القضية في ذي القعدة، وأحرم من العام الثالث سنة الفتح من الجعرانة في ذي القعدة بعمرة، وأحرم سنة عشر بحجة الوداع في ذي القعدة، فاحتجامه صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم لم يبين في أي الإحرامات كان؟ [وإنما يمكن دعوى النسخ بشرطين: أحدهما : أن يكون ذلك في حجته ، أو في عمرة الجعرانة ؛ فإن قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم» فيه أنه كان في غزوة الفتح، فلعل احتجامه كان في عمرته قبل هذا، إما عمرة القضية، وإما عمرة الحديبية. الثاني : أن يعلم أنه لمَّا احتجم لم يفطر ، وليس في هذا الحديث ما يدل على هذا، وذلك الصوم لم يكن شهر رمضان، فإنه لم يحرم في شهر رمضان، وإنما كان في السفر، والصوم في السفر لم يكن واجباً؛ بل الذي ثبت عنه في الصحيح: أن الفطر في السفر كان آخر الأمرين منه ، وأنه خرج عام الفتح حتى إذا بلغ كديد أفطر ، والناس ينظرون إليه ، ولم يعرف بعد هذا أنه صام في سفر ، ولا علمنا أنه صام في إحرامه بالحج]. والذي يقوي أن إحرامه الذي احتجم فيه كان قبل فتح مكة : قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» فإنه كان عام الفتح بلا ريب، هكذا في أجود الأحاديث، وروى أحمد بإسناده عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان، قال: «أفطر الحاجم والمحجوم». وقال أحمد : أنبأنا إسماعيل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن [أبي] الأشعث عن شداد بن أوس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على رجل محتجم بالبقيع، لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم». [وقال الإمام أحمد أيضاً : حدثنا إسماعيل قال : ثنا هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجلٍ يحتجم في رمضان ، فقال : «أفطر الحاجم والمحجوم» . وقال : حدثنا أبو الجواب ، عن عمار بن زريق ، عن عطاء بن السائب قال : حدثني الحسن ، عن معقل بن سنان الأشجعي أنه قال : مرَّ عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أحتجم في ثمان عشرة خلت من رمضان ، فقال : «أفطر الحاجم والمحجوم» . وذكر الترمذي عن علي بن المديني أنه قال : أصح شيءٍ في هذا الباب حديث ثوبان ، وحديث شداد بن أوس]. وقال الترمذي: سألت البخاري، فقال: ليس في هذا الباب أصح من حديث شداد بن أوس، وحديث ثوبان. فقلت: وما فيه من الاضطراب؟ فقال: كلاهما عندي صحيح؛ لأن يحيى بن سعيد روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، [و]عن أبي الأشعث عن شداد الحديثين جميعاً. قلت: وهذا الذي ذكره البخاري من أظهر الأدلة على صحة كلا الحديثين اللذين رواهما أبو قلابة ...[ فإن الذي قال : مضطرب ، إنما هو لأنه روي عن أبي قلابة بإسنادين ، فبين أن يحيى بن سعيد الإمام روى عن أبي قلابة بهذا الإسناد ، وهذا الإسناد، ومثل هذا كان يكون عنده الحديث بطرق، والزهري روى الحديث بإسناده عن سعيد عن أبي هريرة ، وتارة عن غيره عن أبي هريرة. فيكون هذا هو الناسخ ، ولو لم يعلم التاريخ، فإذا تعارض خبران أحدهما ناقلٌ عن الأصل والآخر مبقٍ على الأصل كان الناقل هو الذي ينبغي أن يجعل ناسخاً ، لئلا يلزم تغير الحكم مرتين ، فإذا قدر احتجامه قبل نهيه الصائم عن الحجامة لم يغير الحكم الأمر ، وإن قدر بعد ذلك لزم تغييره مرتين . وأيضاً فإذا لم يكن الصوم واجباً فقد يكون أفطر بالحجامة للحاجة ، فقد كان يفطر في صوم التطوع لما هو دون ذلك ؛ يدخل إلى بيته ، فإن قالوا : عندنا طعام ، قال : «قربوه؛ فإني أصبحت صائماً» . وابن عباس وإن لم يعلم ما في نفسه ، غايته أنه رآه أو أخبره من رآه أنه أصبح صائماً واحتجم ، وهذا لا يقتضي أنهم علموا من نفسه أنه استمر صومه ، وكأن من ادعى عليه النسخ تغْلُبُ عليه هذه الحجة من وجهين : أحدهما : أنه لا حجة فيه؛ والثاني : أنه منسوخ.وقد روي ما يدل على أن الفطر هو الناسخ ، ومما احتج به على النسخ : ما رواه الدارقطني: حدثنا البغوي قال : ثنا عثمان بن أبي شيبة قال : ثنا خالد بن مخلد ، عن عبد الله بن المثنى ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : أولُ ما كرهنا الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أفطر هذان». ثم رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة للصائم . وكان أنس يحتجم وهو صائم . قال الدارقطني : كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة . قال أبو الفرج ابن الجوزي : قال أحمد بن حنبل : خالد بن مخلد له أحاديث مناكير . قلت : ومما يدل على أن هذا من مناكيره : أنه لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمدة ، مع أنه في الظاهر على شرط البخاري، والمشهور عن البصريين أن الحجامة تفطر ، وأيضاً: فجعفر بن أبي طالب إنما قدم من الحبشة عامَ خيبر في آخر سنة ست ، أو أول سنة سبع ، فإن خيبر كانت في هذه المدة في سنة سبع ، وقيل: عام مؤتة قبل الفتح ، ولم يشهد فتح مكة ، فصام مع النبي صلى الله عليه وسلم واحداً سنة سبع، وإذا كان هذا الحكم قد شرع في ذلك العام فإنه ينشر ويظهر، والحديث المتقدم كان سنة ثمانٍ بعد هذا، فإن كان هذا محفوظاً فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك في عام بعد عام ، ولم ينقل عنه أحد لفظاً ثابتاً أنه رخص في الحجامة بعد ذلك ، فلعل هذا مدرج عن أنس لم يقله هو ، ولعل أنساً بلغه أنه أرخص ولم يسمع ذلك منه ، ولعل بعض التابعين حدثه بذلك . ومما يبين أن هذا ليس بمحفوظٍ عن أنس ولا عن ثابت : ما رواه البخاري في «صحيحه» عن ثابت قال : سئل أنس بن مالك : أكنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال : لا ، إلا من أجل الضعف . وفي رواية : على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا ثابت يذكر عن أنس أمر الحجامة، وليس فيها إلا أنهم كانوا يكرهونها من أجل الضعف، ليس فيها أنه فطر الحاجم، ولا أنه رخص فيها بعد ذلك، وكلاهما يناقض قوله : لم يكونوا يكرهونها إلا من أجل الضعف، فإنه لو كان علم أنه فطر بها لم يقل هذا، ولو علم أنه رخص فيها لم يكره ما أرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أن أنساً إنما كان عنده علم بما رآه من الصحابة من كراهة الحجامة لأجل الضعف، وهذا معنى صحيح، وهو العلة في إفطار الصائم كما يفطر بالاستقاءة، و تفطر المرأة بدم الحيض ]. ومما يقوي أن الناسخ هو الفطر بالحجامة أن ذلك رواه عنه خواص أصحابه الذين كانوا يباشرونه حضرا وسفرا، ويطلعون على باطن أمره، مثل بلال وعائشة، ومثل أسامة وثوبان مولياه، ورواه عنه الأنصار الذين هم بطانته، مثل: رافع بن خديج وشداد بن أوس. وفي «مسند أحمد»: [ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبدالله بن قارظ ، عن السائب بن يزيد] عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم». قال أحمد: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع. [ وقال أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن أشعث الحراني ، عن أسامة بن زيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أفطر الحاجم والمحجوم». وقال أحمد : حدثنا يزيد بن هارون قال : ثنا أبو العلاء ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم». وقال أحمد : حدثنا علي بن عبد الله قال : ثنا عبد الوهاب الثقفي قال : ثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أفطر الحاجم والمحجوم». وقال أحمد : حدثنا أبو النضر قال : ثنا أبو معاوية ، عن سفيان ، عن ليث ، عن عطاء ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفطر الحاجم والمحجوم». والحسن البصري وإن قيل : إنه لم يسمع من أسامة وأبي هريرة، فقد كان عنده من هذا الباب عدة أحاديث عن الصحابة يفتي بها، عن معقل بن سنان وأسامة وأبي هريرة، قال البخاري : وكان الحسن ... وكانت البصرة إذا دخل شهر رمضان يغلقون حوانيت الحجامين ، ذكره أحمد وغيره ، وأنس بن مالك كان آخر من مات بالبصرة ، والبصريون كلهم يأخذون عنه ، فلو كان عند أنس سنة من النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص فيها بعد النهي ، لكان هذا مما يعرفه البصريون منه ، وكانوا يأخذون به الحسن وأصحابه ، لاسيما وقد ذكر أن ثابتاً سمع هذا من أنس ، وثابت من مشايخها المشهورين، من أخص أصحاب الحسن ، فكيف يكون أنس عنده هذه السنة وأهل البصرة قد اشتهر بينهم السنة المنسوخة ، وهذه الناسخة عند أنس ، وهم يأخذون (71) ليلاً ونهاراً ، ولا يعرفون هذه السنة ، ولا تحفظ عن علمائهم الذين اشتهر عنهم أمر الفطر ؟! ويؤيد ذلك أن أبا قلابة هو أيضاً من أخص أصحاب أنس ، وهو الذي يروي قوله : «أفطر الحاجم والمحجوم» من طريقين. ثم القائلون بأن الحجامة تفطر] اختلفوا [على أربعة] أقوال [في مذهب أحمد وغيره]: أحدها: يفطر المحجوم دون الحاجم، [فإن الحاجم لم يوجد منه ما يفطر]، وهذا الذي ذكره الخرقي؛ فإنه ذكر في المفطرات: «إذا احتجم»، ولم يذكر: إذا حجم, لكن المنصوص عن أحمد وجمهور أصحابه الإفطار بالأمرين، والنص دال على ذلك، فلا سبيل إلى تركه، [ولو لم نعقل علته]. والثاني: أنه يفطر المحجوم الذي يحتجم ويخرج منه الدم، ولا يفطر بالافتصاد ونحوه؛ لأنه لا يسمى احتجاما، وهذا قول القاضي وأصحابه، فالتشريط في الآذان هل هو داخل في مسمى الحجامة؟ تنازع فيه المتأخرون، فبعضهم يقول : التشريط كالحجامة (72) كما يقوله شيخنا أبو محمد المقدسي، وعليه يدل كلام العلماء قاطبة، فليس منهم من خص التشريط بذكر، ولو كان عندهم لا يدخل في الحجامة لذكروه كما ذكروا الفصاد، فعلم أن التشريط عندهم من نوع الحجامة، وقال شيخنا أبو محمد: هذا هو الصواب. [ ومنهم من قال : التشريط ليس من الحجامة ؛ بل هو أضعف من الفصاد ، فإذا قيل : الفصاد لا يفطر ، احتمل التشريط وجهين ، وهذا قول أبي عبد الله بن حمدان . والأول أصح ، فإن التشريط نوع من الحجامة أو مثلها من كل وجه ، إذ الحجامة لا تختص بالساق ؛ بل تكون في الرأس والعنق والقفا وغير ذلك ، ومن فرَّق بينهما قال : الشارط لا يمتص من قارورة الدم كما يمتص الحاجم ، فلا يدخل في لفظ «الحاجم» ، وكذلك لا يدخل في لفظ «المحجوم» ، فيقال : بل هو داخل في لفظ «المحجوم» ، وإن لم يدخل في لفظ «الحاجم» ، أو إن لم يدخل في اللفظ فهو مثله من كل وجه ، وليس بينهما فرق أصلاً ، وقد يقال : الشارط حاجم أيضاً ، لكن لا يفطر ، لأن لفظ الرسول ( يتناول الحاجم المعروف المعتاد ، ولم يكونوا يشرطون ، وأما لفظ «المحجوم» فإنه يتناول ما كان يعرفه وما لا يعرفه؛ لأن المعنى المدلول عليه بلفظ «المحجوم» يتناول ذلك كله ، بخلاف المعنى المقصود بلفظ «الحاجم» ، أو يقال : وإن شمله لفظ «الحاجم» لكن الحاجم الممتص أقوى؛ لأنه ذريعة إلى وصول الدم إلى حلقه، هذا على ما نصرناه . ومنهم من يقول : بل الشارط يفطر أيضاً ، وهو قول من يجعل اللفظ يتناولهما ، ويجعل الحكم تعبداً. وهؤلاء الذين قالوا : يفطر بالحجم دون الفصاد ، قالوا : هذا الحكم تعبد لا يعقل معناه ، فلا يقاس عليه . وقال لهذا (73) بعض هؤلاء قولاً تالفا (74) ، قاله ابن عقيل ، وهو : أنه يفطر المحجوم بنفس شرط الجلد ، وإن لم يخرج الدم ، قال : لأن هذا يسمى حجامة . وهذا أضعف الأقوال ]. والرابع : وهو الصواب واختاره أبو المظفر ابن هبيرة الوزير العالم العادل وغيره، أنه يفطر بالحجامة والفصاد ونحوهما، وذلك لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد شرعا وطبعا، وحيث حض النبي صلى الله عليه وسلم على الحجامة وأمر بها فهو حض على ما في معناها من الفصاد وغيره ؛ لكن الأرض الحارة تجتذب الحرارة فيها دم البدن فيصعد إلى سطح الجلد فيخرج بالحجامة، والأرض الباردة يغور الدم فيها إلى العروق هربا من البرد، فإن شبه الشيء منجذب إليه، كما تسخن الأجواف في الشتاء، وتبرد في الصيف، فأهل البلاد الباردة لهم الفصاد وقطع العروق، كما للبلاد الحارة الحجامة، لا فرق بينهما في شرع ولا عقل . وقد بينا أن الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس، وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاءة وبالاستمناء، وإذا كان كذلك فبأي وجه أراد إخراج الدم أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر، سواء جذب القيء بإدخال يده، أو بشم ما يقيئه، أو وضع يده تحت بطنه واستخرج القيء، فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم، ولهذا كان خروج الدم بهذا وهذا سواء في باب الطهارة، فتبين بذلك كمال الشرع واعتداله وتناسبه، وأن ما ورد من النصوص ومعانيها فإن بعضه يصدق بعضا ويوافقه، { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً }. وأما الحاجم فإنه يجتذب الهواء الذي في القارورة بامتصاصه، والهواء يجتذب ما فيها من الدم، فربما صعد مع الهواء شيء من الدم ودخل في حلقه وهو لا يشعر، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بالمظنة، كما أن النائم الذي تخرج منه الريح ولا يدري يؤمر بالوضوء، فكذلك الحاجم يدخل شيء من الدم مع ريقه إلى بطنه وهو لا يدري، والدم من أعظم المفطرات، فإنه حرام في نفسه لما فيه من طغيان الشهوة، والخروج عن العدل، والصائم أمر بحسم مادته، فالدم يزيد الدم فهو من جنس المحظور، فيفطر الحاجم لهذا، كما ينتقض وضوء النائم، وإن لم يستيقن خروج الريح منه؛ لأنه يخرج ولا يدري، وكذلك الحاجم قد يدخل الدم في حلقه وهو لا يدري. وأما الشارط فليس بحاجم، وهذا المعنى منتف فيه، فلا يفطر الشارط، وكذلك لو قدر حاجم لا يمص القارورة، بل يمتص غيرها، أو يأخذ الدم بطريق أخرى لم يفطر، والنبي صلى الله عليه وسلم كلامه خرج على الحاجم المعروف المعتاد، وإذا كان اللفظ عاما وإن كان قصده شخصا بعينه فيشترك في الحكم سائر النوع؛ للعادة الشرعية من أن ما ثبت في حق الواحد من الأمة ثبت في حق الجميع، فهذا أبلغ، فلا يثبت بلفظه ما يظهر لفظا ومعنى أنه لم يدخل فيه مع بعده عن الشرع والعقل (75)، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً. ------------------------ (21) نسخة: «ومن لا يفطر». (22)وإذا لم يذكر شيء من ذلك فالأصل براءة الذمة وصحة الصوم، وعدم فساده إلا بدليل، والذي ورد به النص ثلاثة أشياء : الأكل، والشرب، والجماع، وأما القيء والحجامة ففيهما خلاف معروف. (23) هذه مسألة مهمة في علم الحديث، وهي: أن الحديث إذا أعرض عنه أصحاب الصحيح، وأصحاب السنن، والكتب المعتمدة فلا تثق به، حتى وإن رواه بعض الحفاظ؛ خلافا لما يفعله بعض الناس الآن، يتمسك بسنن لم تشتهر بين المسلمين، ولم يعتمدوها وهي إذا لم تخالف الكتب المعتمدة الأصيلة لا بأس بها، لكن المشكلة أنها أحيانا تخالف، ومع ذلك يتمسك بها الناس، وشيخ الإسلام يرى أن من المهم النظر إلى الكتب المعتمدة التي اعتمدها المسلمون، وبنوا عليها دينهم، وتلقوا دينهم منها، فالبقية التي قد يكون مثلا من أسندها غير معروف، أو قد يكون غير ثقة، وقد تكون أيضا هي من الكتب التي لم يمحصها المسلمون؛ لأنها غير مشهورة بينهم ، فمثل هذا يجب التفطن له؛ لأن هذه المسائل مسائل دين، وليست مسألة نظر فقط، هل رأى فلان كذا؟ أو رأى فلان كذا؟ بل هي مسألة دين يدين الله بها، ولهذا قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. (24) إذا الكحل لم يثبت فيه شيء، لا أنه يتقيه الصائم، ولا أنه لا يفطر الصائم، فيبقى على الأصل، والأصل الجواز، ومثله القطرة التي تقطر في العين، وغير ذلك مما يوضع في العين. (25) الحقنة الشرجية التي تحقن في الشرج من أسفل، يوضع فيها أدوية أو ما أشبهها وكثيرا ما تحقن من أجل اليبوسة، وأما المأمومة والجائفة: فالمأمومة هو الجرح في الرأس يصل إلى أم الدماغ فيداوى، فبعض العلماء يقول: إنك إذا داويت المأمومة فسد الصوم؛ لأن المأمومة جوف، إذ أنها في وسط الرأس، والجائفة: هي التي تصل إلى الجوف، فهذا إنسان جرح حتى انفتح بطنه، فداووه، فهذه مداواة جائفة، فعند بعض العلماء أنها تفطر أيضا؛ لأن هذا الدواء وصل إلى الجوف، لكن شيخ الإسلام يقول: ليس معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، ولم يقل: لما ثبت من القياس، يعني: هذا القياس غير صحيح، لكن هذا رأيهم، وعلى هذا فالتحاميل التي تسمى تحاميل يحملها الإنسان عند شدة الحمى أو غير ذلك من الأسباب لا تفطر، فالذي يفطر الأكل والشرب وما كان بمعناه في التغذية فله حكمه , على أنه قد يعارض معارض في الإبر المغذية – مثلا- بأنها تختلف عن الأكل والشرب ؛ لأن الأكل والشرب له لذة وطعم, ولهذا كان الذي يتغذى بهذه الإبر يشتاق اشتياقا كبيرا إلى الأكل والشرب, لكننا عارضنا هذا بحديث لقيط بن صبرة: «وبالغ بالاستنشاق إلا أن تكون صائما» [سبق تخريجه.]، فإن المستنشق للماء لا يتلذذ به. (26) الظاهر أن الإنسان إذا استنشق الماء لا يصل إلى دماغه لكن يصل إلى جوفه، ولذلك النَّفَس يخرج من الرئتين بلا شك، ويخرج عن طريق الأنف، ولا يذهب للدماغ ثم ينزل، فالظاهر أن قوله: « يصل إلى الدماغ » فيه نظر من حيث الطب. (27) قوله : «إنما يرشح» يعني: البول، أي: أن البول بإذن الله يرشح فينزل من الكلى رشحا، ويجتمع في هذه الحاصلة، ثم بإذن الله عز وجل إذا أراد الإنسان أن يخرجها أخرجها، فلذلك لو قطر في إحليله – يعني: في ذكره- دهنا أو دواءا أو غيره لم يفطر بذلك؛ لأنه إنما يرشح رشحا، يعني: البول. (28) قوله: «فالداخل إلى إحليله كالداخل إلى فمه وأنفه» هذا القياس خطأ؛ لأن الأنف والفم في حكم الظاهر، ولهذا وجبت المضمضة والاستنشاق في الوضوء تبعا لغسل الوجه، فالفرق واضح، وكلامهم هذا يدل على أن الذي يفطر هو الذي يصل إلى المعدة، وأما ما وصل إلى باطن الجوف من غير طريق المعدة فإنه لا يفطر، وهذا هو القول الراجح، أنه لا يفطر إلا ما يصل إلى المعدة دون ما يصل إلى الحلق، ودون ما يصل إلى البطن أو إلى الرئة أو غير ذلك. (29) ومعلوم أن الإنسان إذا اغتسل وتشرب جلده الماء فإنه لا يفطر بالاتفاق، وكذلك أيضا لو تدهن بدهن وهو صائم، فإنه لا يفطر بالاتفاق. (30) ليست العين منفذا معتادا للأكل والشرب، لكن في الأنف ربما يعطى الإنسان سعوطا أو نحوه ويصل إلى جوفه. (31) الفزع العظيم مظنة خروج الخارج، سواء كان بولا أم غائطا أم ريحا، ولهذا ذكر بعض الفقهاء: أنه لو صاح بإنسان ففزع ثم أحدث فعليه ثلث الدية، وهذه غير مسلمة، ولكن قصدنا أن الإنسان إذا فزع فربما يحصل منه حدث. (32) وكذلك نعلم أنه لم يشرع السعي بين الصفا والمروة في غير حج أو عمرة، خلافا لما يظن بعض الناس، فتجد بعض العوام يسعى وهو مرتد ثيابه، فتقول له: لماذا ؟ فيقول: إن الله عز وجل يقول: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} [ البقرة: 158]. فيظن التطوع حتى في السعي. (33) هذا القيد مهم في قول المؤلف : «كتب الحديث التي يعتمد عليها» يعني: ليس كل كتاب مسند نأخذ به ونعتبره. (34) وهكذا لو قيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا من الجرحى أن يغسل ثيابه أو بدنه من الدم، وكذلك أيضا لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه غسل محل الحجامة، وما أشبه ذلك، وهذا يدل على أن دم الآدمي ليس بنجس، لكن الجمهور على نجاسته، والاحتياط طيب، لكن الجزم بنجاسته، وأن الإنسان لو صلى في ثوبه وفيه دم فصلاته باطله، هذا يحتاج إلى دليل، فالمسألة ليست هينة، والقاعدة في ذلك: «ما أبين من حي فهو كميتته»، واليد إذا قطعت من إنسان فهي طاهرة، مع أنها مملوءة دما، فإذا كانت اليد -وهي جرم مملوء بالدم- تكون طاهرة إذا انفصلت عن الإنسان، فالدم من باب أولى، ولا يرد على هذا دم الحيض؛ لأن دم الحيض ليس دم عرق، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين دم العرق، حيث قال للمستحاضة: «إنما ذلك دم عرق» [أخرجه البخاري في الوضوء/باب غسل الدم (228)؛ ومسلم في الحيض/ باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (333)]. (35) بعض العلماء يرون أن مس المرأة مطلقا ينقض الوضوء، ولهذا تجد بعض الرجال كما نقل لي يلبس قفازين وهو يطوف؛ لئلا تمس يده جسم امرأة، ولبس القفازين محرم على المحرم، فأرادوا أن يتحرزوا من شيء فوقعوا في شيء محرم. والصحيح كما قال شيخ الإسلام أن المراد بالملامسة الجماع، كما فسرها بذلك ابن عباس رضي الله عنه، وكما أنه مقتضى الفصاحة والبلاغة؛ لأنه لو كان المراد بالملامسة هنا لمس اليد أو ما أشبهه؛ لكان في الآية تكرار في شيء لا حاجة إليه، وحذف لشيء لا بد أن يذكر، فقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء} [النساء: 43] إذا جعلنا الملامسة اللمس باليد صار كلا الأمرين يدل على الحدث الأصغر، ولا ذكر للحدث الأكبر، وإذا قلنا الملامسة: الجماع، لم يكن في الآية تكرار، ودلت على فائدة أخرى وهي: الحدث الأكبر. (36) هذا أيضا من الأمور التي اختلف فيها الناس اختلافا كثيرا، والأقرب عندي أنه يجب الوضوء إذا كان بشهوة، ولا يجب إذا كان بغير شهوة، والفقهاء -رحمهم الله- يشددون في هذا، ويقولون ينقض مس الذكر ولو بلا قصد، وعلى هذا لو أراد الإنسان أن يستدني سرواله لربطه فمست يده ذكره بغير قصد؛ لأنتقض وضوءه، لكن هذا لا دليل عليه، والصواب أن مس الذكر لا يوجب الوضوء إلا إذا كان لشهوة، وبهذا يجتمع الحديثان : حديث بسرة، وحديث طلق بن علي؛ لأن طلق بن علي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره أو قال يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ قال: «لا». ثم قال «إنما هو بضعة منك» [أخرجه أحمد (4/23)؛ وأبو داود في الطهارة/باب الرخصة في ذلك (182)؛ والترمذي في الطهارة/باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر (85)؛ والنسائي في الطهارة/باب ترك الوضوء من ذلك(165)؛ وابن ماجه في الطهارة/باب الرخصة في ذلك (483).]. ومعنى بضعة أي: جزء منك، فكما أنك لو لمست اليد، أو لمست الفخذ، أو لمست الساق لا ينتقض وضوءك، فكذلك لو لمست الذكر فهو بضعة، وحديث بسرة: «من مس ذكره فليتوضأ» [أخرجه أحمد (6/406)؛ وأبو داود في الطهارة/باب الوضوء من مس الذكر (181)؛ والترمذي في الطهارة/باب الوضوء من مس الذكر (82)؛ والنسائي في الطهارة/باب الوضوء من مس الذكر (163)؛ وابن ماجه في الطهارة/باب الوضوء من مس الذكر (479)] هذا عام، واللام للأمر، فيحمل على أن المراد من مسه مسا ليس كمس بقية الأعضاء، واللمس الذي يختص بالذكر ولا يكون كبقية الأعضاء هو ما كان لشهوة، ولهذا تجد الإنسان يمس ذكره لشهوة، وربما يستمني بيده، فالقول الراجح: أنك إذا مسست الذكر المس الخاص به، وهو الذي يكون لشهوة؛ وجب عليك الوضوء؛ لأن هذا مظنة خروج شيء، ولاسيما في الرجل المذَّاء، فقد يخرج مذي وهو لا يدري، وأما إذا كان بغير شهوة فلا ينقض الوضوء، ومن العلماء من قال: يستحب الوضوء احتياطا. (37) معنى قول المؤلف: «انتشر» أي: انتصب ذكره. (38 ) قوله: «مما مسته النار» أي: كل ما طبخ بالنار، فالأفضل أن يتوضأ منه، وقد ورد فيه حديثان أحدهما: الأمر بالوضوء منه [أخرجه أبو داود في الطهارة/باب التشديد في ذلك (166)؛ والترمذي في الطهارة/ باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار (74)؛ والنسائي في الطهارة/باب الوضوء مما غيرت النار (171)؛ وابن ماجه في الطهارة/ باب الوضوء مما غيرت النار (478)].والثاني: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار» [أخرجه أبو داود في الطهارة/باب في ترك الوضوء مما مست النار (164)؛ والنسائي في الطهارة/باب ترك الوضوء مما غيرت النار (185). ]. فمنهم من قال: إن هذا الحديث يدل على نسخ الحديث الأول، وأنه لا يعمل به إطلاقا، ولا يتوضأ لذلك. ومنهم من قال: إن الحديث الثاني يدل على أن الأمر بالوضوء مما مست النار ليس على سبيل الوجوب، وهذا يستعمله العلماء كثيرا، فيقولون: إن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأمر يدل على عدم الوجوب، وأن فعله بعد النهي يدل على عدم التحريم، وهذا الذي ذكره المؤلف هو أعدل الأقوال، وأنه يسن له أن يتوضأ مما مست النار كما نص على ذلك فقهاء الحنابلة رحمهم الله. (39) يعني: كون الشيء مما تعم به البلوى، ويكثر وقوعه بين الناس، ولم يبين الشارع حكمه، يدل على أنه ليس فيه وجوب ولا تحريم؛ لأنه لو كان فيه وجوب لأمر به، ولو كان فيه تحريم لنهي عنه. (40) فإن قال قائل: أليسوا أيضا أهل حمير وأهل بغال ؟وهل نجعل أبوال الحمير والبغال طاهرة؟ نقول: لا نجعلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحمر: «إنها رجس» [أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/باب لحوم الحمر الإنسية (5102)؛ ومسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان/باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية (1940).] فهي نجسة، لكن لم يقل في الإبل والبقر والغنم وما أشبهها: إنها رجس، بل هي مما يؤكل، ويدخلها الناس في بطونهم، فضلا عن ظواهر أبدانهم، فالحاصل أن الذي عمت به البلوى في الحمير والبغال عورض بدليل خاص، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بأنها نجسة. (41) ولهذا إذا نفرت البعير أو عشَّرت وحملت فلا أحد يستطيع عليها، وتكون كالمجنونة، وهي لولا أن الله ذللها لنا لم نستطع أن نتحكم فيها، فالله ذللها لنا، حتى إن الصبي يقودها إلى منحرها وتنقاد معه، لكن إذا نفرت فلا أحد يستطيع عليها؛ لذلك كانت الشياطين تحملها، فهي خلقت من الجن، وكذلك على ظهر كل واحد منها شيطان كما جاء في الحديث [أخرجه أحمد (3/494)؛ والطبراني في «الكبير» (3/160)؛ وصححه ابن خزيمة (2546)؛ وابن حبان (2694)؛ وقال المنذري: إسناد أحمد والطبراني جيد ا.هـ.] وهذه أمور في الواقع تخفى علينا، وتخفى أيضا حتى على أهل الطب؛ لأن هذه أمور غيبية وليست أمورا محسوسة تدرك بالطب وشبهه، ومن ثَمَّ نهي عن الصلاة في أعطانها؛ لأنها مأوى الشياطين. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الفخر والخيلاء في الفدادين أصحاب الإبل» [أخرجه مسلم في الإيمان/باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه (52).] هذا صحيح ومشاهد حتى الآن، تجد البدوي الذي عنده الإبل شامخ الرأس، شامخ الأنف، وتجد صاحب الغنم هادئا ساكنا، ولهذا اختار الله للرسل عليهم الصلاة والسلام أن يكونوا رعاة للغنم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» [أخرجه البخاري في الإجارة/باب رعي الغنم على قراريط (2143).] من أجل أن يعرف كيف يختار المواقع؟ وكيف يوجهها مع السكينة والهدوء؟ (42) لكن الخبثاء يقعدون فيها أو فيما يشابهها، ويذكر أن الكفار يتخذون المقاعد التي تسمي عندنا: «حمامات إفرنجية»؛ لأنه إذا دخل الحمام وجلس على هذا الكرسي أخذ معه الصحيفة أو الجريدة، وجلس يقرأها حتى يكمل جميع الأخبار التي فيها، وهذه من حكمة الله عز وجل: {الخبيثات للخبيثين} [النور: 26]، ولهذا كانوا يحبون الكلاب، والكلاب أنجس البهائم، ولا يطهر الإناء الذي ولغ فيه الكلب إلا بسبع غسلات إحداها بالتراب، لكن أولئك القوم يألفونها؛ لأن النفوس الخبيثة تألف الأشياء الخبيثة. (43) «الكنف»: هي أماكن لقضاء الحاجة فقط، وهي عبارة عن أحواض مبنية لها سقوف، ويقضي الإنسان فيها حاجته، ثم يستنجي في محل آخر. (44) الصواب أن الحديث في ذلك ضعيف، ولا تقوم به حجة، ولا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» [أخرجه البخاري في التيمم/وقول الله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } (323)؛ ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (521).] لكن معاطن الإبل صح عن النبي ( النهي عن الصلاة فيها [أخرجه أحمد (2/451, 491, 509)؛ والترمذي في أبواب الصلاة/باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم (348)؛ وابن ماجه في المساجد/باب الصلاة في أعطان الإبل (768) من حديث أبي هريرة وله شواهد، وقال الترمذي: حسن صحيح. وجاء في صحيح مسلم في الحيض/باب الوضوء من لحوم الإبل (360) من حديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلي في مبارك الإبل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا».]، وكذلك صح النهي عن الصلاة في المقبرة والحمام [أخرجه أحمد (3/83)؛ وأبو داود في الصلاة, باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة (492)؛ والترمذي في أبواب الصلاة, باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (317)؛ وابن ماجه في المساجد/باب المواضع التي تكره فيها الصلاة (745)؛ وصححه ابن خزيمة (791)؛ وابن حبان (1699)؛ والحاكم (1/251) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط» (ص:677): أسانيده جيدة, ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه ا.هـ.]، وأما قارعة الطريق والمجزرة والمزبلة وفوق ظهر بيت الله فالحديث فيها لا يصح [أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة/باب ما جاء في كراهية ما يصلي إليه وفيه (346)، وقال الترمذي: إسناده ليس بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه ا.هـ]. (45) الخرقي رحمه الله من أكابر الأصحاب رحمهم الله، وله كتاب مشهور، وهو «مختصر الخرقي»، والذي شرحه أمم عظيمة من العلماء، وأحسن شرح رأيناه عليه هو «المغني» لابن قدامة رحمه الله. (46) قوله:«يحتاج إلى الطعن في الحديث» أي: إن اعتمد على الحديث، وقوله:«وبيان الفارق» أي: إن اعتمد على القياس، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول: «والحكم في ذلك عند من يقول به قد يثبته بالقياس على موارد النص، وقد يثبته بالحديث» أي: من يقول بهذا الحكم - وهو المنع من الصلوات في هذه الأماكن السبعة - يحكم به إما بالحديث وإما بالقياس، فمن طعن في هذا الحكم فإنه يحتاج إلى الطعن في الحديث، أو إلى بيان الفارق. (47) في نسخة:( تطييبه وتبخيره)، و (تطيبه وتبخره) أقرب للصحة؛ لأن تطييبه وتبخيره فعل غيره به, وتطيبه وتبخره فعله هو. (48) يقول رحمه الله: «ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطرا هو ما كان واصلا إلى دماغ أو بدن» خلافا لمن قال: إن ما وصل إلى الدماغ، أو وصل إلى الجوف بأي طريق فهو مفسد للصوم، «أو ما كان داخلا من منفذ» كالعين مثلا أو الأذن تنفذ إلى الحلق، «أو واصلا إلى الجوف كالجائفة... هي مناط الحكم» يعني: أنه ليس في الأدلة ما يقتضي أن ذلك مناط الحكم عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، «ويقولون: إن الله ورسوله إنما جعلا الطعام والشراب مفطرا لهذا المعنى المشترك من الطعام والشراب» الذين يقولون بهذا هم الذين يفطرون بهذه الأشياء «وبين ما يصل إلى الدماغ والجوف من دواء المأمومة والجائفة، وما يصل إلى الجوف من الكحل ومن الحقنة والتقطير في الإحليل ونحو ذلك» هم يقولون بهذا وهم يتناقضون؛ لأنهم نصوا على أن الإنسان لو وطئ حنظلة برجله، والحنظلة من أشد النبات مرارة، ثم وجد طعمها في حلقه، فإنه لا يفطر، مع أن طعمها وصل إلى الحلق، لكن يقولون: إن الرجل ليست منفذا معتادا، فيقال لهم: والعين أيضا ليست منفذا معتادا، ولا اعتاد الناس أن يأكلوا بأعينهم، ولا أن يأكلوا بآذانهم، فلا فرق، ثم ذكر قاعدة مهمة، قال رحمه الله: «وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكم بهذا الوصف دليل كان قول القائل أن الله ورسوله إنما جعلا هذا مفطرا بهذا قولا بلا علم» يعني: مثلا يقولون: إن الله جعل الطعام والشراب مفطرا؛ لأنه يصل إلى الجوف. قيل لهم: من قال لكم إن مناط الحكم وصول شيء إلى الجوف؟! بل لأنه شهوة يتلذذ به الإنسان ويتغذى بها، «وكان قوله: إن الله حرم على الصائم أن يفعل هذا، قولا بأن هذا حلال وهذا حرام بلا علم» ومعلوم أن الله تعالى قال:{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}. (49) مناط الحكم هو: الوصف الذي يعلق به الحكم. (50) شيخ الإسلام رحمه الله أعظم من رأيته إنصافا من العلماء، يقول:«هذا اجتهاد يثابون عليه» بينما لو يحصل خطأ من بعض طلبة العلم في عصرنا هذا مع اجتهاده قالوا: هذا ضال، هذا مبتدع، هذا فيه كذا... وجعلوا يغتابونه ويسبونه، وشيخ الإسلام رحمه الله مع أن كلامه قوي، ويقول: هذا كلام لا يجوز، وهذا قول على الله بغير علم، وهذا حرام، بهذا الأسلوب القوي الشديد، يقول: إن هذا اجتهاد يثابون عليه، وهكذا يجب على الإنسان أن ينظر إلى غيره كما ينظر إلى نفسه، أليس هو يجتهد ويخطئ ويصيب؟ إذا غيره أيضا يجتهد ويخطئ ويصيب، فكيف تكون من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟! فالواجب أن تنظر إلى غيرك كما تنظر إلى نفسك، فكما أن غيرك يخطئ في ظنك، فكذلك أنت تخطىء في ظنه. والحاصل أن مثل هذا المسلك الذي يسلكه شيخ الإسلام رحمه الله بهذا العدل والإنصاف هو الذي يؤلف القلوب عليه، ويوجب أن يؤخذ بقوله، وأن يعرف أنه لا يريد إلا الوصول إلى الحق، فاللهم اغفر له وارحمه. ويقول أيضا: «ولا يلزم أن يكون قولا بحجة شرعية يجب على المسلم إتباعها» وهذا صحيح، فإذا كان لم يبن قوله على حجة شرعية يجب إتباعها، فإننا نسأل الله له الرحمة، ونقول هو مجتهد ولكنه لم يصب. (51) لأن الماء إذا نزل فلا شك أن الطعام الذي في المعدة يكون رقيقا ولينا، وهذا بمنزلة الطبخ. (52) الجائفة هي: الجرح يصل إلى باطن الجوف، والشيخ رحمه الله يقول : إن القياس -قياس الكحل والاحتقان وما أشبهها - على الأكل والشرب غير وارد أصلا، فلو قال قائل: هل يقاس على الاستنشاق؟ يقول الشيخ رحمه الله: لا؛ لأن مستنشق الماء يتغذى به، ويصل إلى معدته، لكن هل المكتحل يتغذى بالكحل؟ الجواب: لا، حتى ولو وصل إلى المعدة – فرضا- فإنه لا يتغذى به، فلا يمكن أن يقاس هذا على هذا . وهذا هو مضمون كلامه، وهو واضح، والحقنة لا شك أنها تصل إلى الأمعاء، ولكن هل الأمعاء تتغذى بها، أو يستخرج ما كان ماكثا في الأمعاء؟ الجواب: الثاني بلا شك، فكيف يقاس هذا على هذا؟! وهناك تعليق لمحمد رشيد رضا رحمه الله، يقول: (قال في «المصباح»: وحقنت المريض: إذا أوصلت الدواء إلى باطنه من مخرجه بالمحقنة - بالكسر – واحتقن هو، والاسم الحقنة، مثل الفرقة من الافتراق، ثم أُطلقت على ما يتداوى به، والجمع حقن، مثل غرفة وغرف. فهذه هي الحقنة التي يقول شيخ الإسلام: إنها لا تفطر الصائم، وقوله حق، ولكن يوجد في هذا الزمان حقن أخر، وهي إيصال بعض المواد المغذية إلى الأمعاء، يقصد بها تغذية بعض المرضى، والأمعاء من الجهاز الهضمي كالمعدة، وقد تغني عنها، فهذا النوع من الحقنة يفطر الصائم، فهو لا يباح له إلا في المرض المبيح للفطر)ا. هـ كلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله. (53) كأن في العبارة سقط. (54) و«المعارضة في الأصل» يعني: العلة التي من أجلها ثبت الحكم، فإذا عارض الخصم فقال: هذه ليس بعلة، يقول المؤلف: «إنها تبطل كل نوع من أنواع الأقيسة». (55) لعل الأصح: التي هي. (56) ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم وجاء لشهوة النكاح، فقال:«يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [ أخرجه البخاري في النكاح/باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» (4778).]؛ لأن الصوم يضيق المجاري، ويقلل نشوة الإنسان وفرحه وطربه وما أشبه ذلك، فتضعف شهوة النكاح في حقه، وهذا ظاهر، يعني: هذا مما يدل على كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن الأكل والشرب إنما منع منهما لهذا السبب. (57) في نسخة: «وهذا المنع» ، وقوله: «وهذا المعنى» أظهر. (58) أي: ليس مما يتغذى به البدن، وليس مما يستحيل. (59) أي: منع الصائم. (60) وهنا إيراد ثان على هذه المسألة، فإن قيل: لو أكل خرزة أو حديدة أو ما أشبه ذلك مما لا يغذي إطلاقا، وليس فيه تغذية، فهل يفطر؟ المسألة فيها خلاف: فبعض العلماء يقول: إنه لا يفطر؛ لأنه لا غذاء في ذلك، وبعضهم يقول: إنه يفطر، وذلك لأنه أكل، يعني: صدق عليه أنه أكل، والآية عامة:{وكلوا واشربوا حتى يتبين} فإذا أكل ولو ما لاغذاء فيه أصلا فإنه يفطر بذلك، على أنه قد يقال: هذا الذي لايغذي أصلا لا بد أن تمتلئ به المعدة، فيغني عن الجوع، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يربط على بطنه الحجر من الجوع [أخرجه مسلم في الأشربة/ باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك وبتحققه تحققا تاما واستحباب الاجتماع على الطعام (2040), عن أنس بن مالك, ولفظه: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب بطنه بعصابة، قال أسامة –أحد رواة الحديث-: وأنا أشك: على حجر، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا: من الجوع.]؛ لأن المعدة تتلاءم فلا تتسع وتحتاج إلى طعام، فهنا نقول: إنه-أي: أكل ما لايغذي- لا يرد علينا؛ لسببين: السبب الأول: أنه داخل في العموم، فيسمى أكلا أو شربا. والسبب الثاني: أنه يملأ المعدة، فيحصل به تلاءم المعدة، فيمنعه من الجوع. والخرز ليس مثل الحصى، فالحصى يتفتت مهما كان، والمعدات-أي:معدات الحيوان- تختلف، فالنعامة تأكل الزجاج وهو يجرح الجلد، ومع ذلك تأكله وتهضمه، ويخرج منها، وأخبرني بعض الناس أنه وضع ساعة من الساعات الكبار التي توضع في الجيب أمام النعامة فتناولتها وأدخلتها، ورآها تجري في رقبتها وهي حديد! وأيضا القطا معروف بأنه يأكل المرو، والمرو حجر قوي جدا. (61) فصار على كلام الشيخ رحمه الله الجماع تتجاذبه علتان: العلة الأولى: الاستفراغ، والعلة الثانية: الشهوة، فالاستفراغ يكون مقيسا على الحجامة والقيء، والشهوة تكون مقيسة على الأكل والشرب، لكن العلة الأخيرة أوضح وأظهر وأعم، وأنه من أجل الشهوة، بدليل أنه قد يحصل جماع بلا إنزال، فتنخرم علة الاستفراغ. (62) لأن العبادات فعل وكف ولا بد منها، وإنما كان كذلك لأن من الناس من يسهل عليه الفعل دون الكف، ومن الناس من يسهل عليه الكف دون الفعل، فجمع الله تعالى في العبادات بين الفعل والكف، حتى يتبين أن الإنسان عابد لله حقيقة، لا عابد لهواه، إذا ترك الإنسان ما يشتهيه من الجماع وهو صائم فهذا عبادة، وإن كان لا يتغذى بالجماع، لكن نقول إن مجرد كونه يترك شهوته لله هو عبادة. (63) قوله رحمه الله:«ويضعف إرادتها عن العبادات» هذا باعتبار جنس بني آدم، لكن من بني آدم من يجعل جماعه عبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة». قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟» قالوا: نعم. قال: «كذلك إذا وضعها في حلال، كان له أجر» [أخرجه مسلم في الزكاة/باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1006)]، فيعتبر أن جماعه عبادة، ولا يصده عن عبادة الله عز وجل، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه جميعا بغسل واحد [أخرجه مسلم في الحيض, باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (309).] ، ومع ذلك نعلم علم اليقين أنه أشد الناس عبادة لله عز وجل، لكن في الغالب أن الإنسان إذا انغمس في الشهوات غفل عن العبادات، قال الله تعالى:{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم 59]. (64) هذا ما أشرنا إليه فيما سبق، وهو أن حكمة كونه شهوة كالطعام والشراب أبلغ وأشمل من أن يكون الحكمة فيه أنه استفراغ. (65) الحكمة في قوله:«ولا يفر إذا لاقى» هي: أن كونه يصوم يوما ويفطر يوما لا يضعفه عن الصبر عند لقاء العدو، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن الإنسان لو صام مواصلا لأضعفه عن الصبر عند ملاقاة العدو. (66) فإذا قال قائل: هذا الآن مفقود في الشريعة الإسلامية، بمعنى أن الحلال حلال، والحرام حرام، فلو ظلم الإنسان نفسه فهل يمكن أن يعاقب بتحريم الحلال والطيبات؟ قلنا: شرعا لا يمكن، وأما قدرا فيمكن، بأن يصاب بفقر، أو يصاب بمرض ويمنع من بعض الأطعمة، أو ما أشبه ذلك، فالتحريم الشرعي انتهى وقته، لكن التحريم القدري لم ينته وقته، فربما يحرم الإنسان الرزق من الطيبات بظلم نفسه. (67) يفهم من هذا أن المستحاضة تصوم، مع أنه يلحقها ضعف بخروج الدم منها، فإذا كانت لا تحتمل الصيام من أجل ضعفها، فالغالب أن المستحاضة لا يرجى زوال مرضها، فتطعم عن كل يوم مسكينا، كغيرها من ذوي المرض الذي لا يرجى برؤه. (68) المؤلف - رحمه الله - اشترط ثلاثة شروط: الأول:أهل الحديث، والثاني:الفقهاء فيه، والثالث: العاملون به، فهؤلاء أخص الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم. وهناك أهل حديث ينقلونه رواية لكن ليس لهم به دراية وفقها، فهؤلاء يدخلون في قول الرسول : صلى الله عليه وسلم «رب مبلغ أوعى من سامع» [أخرجه البخاري في الحج/باب الخطبة أيام منى (1741).]، ولا شك أنهم مثابون ومأجورون على عملهم وعلى اجتهادهم، لكن إذا اجتمع أهل حديث وفقهاء وعاملون به، كالإمام أحمد رحمه الله مثلا، تمت الشروط، أي: شروط تحقيق وتحقق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. (69)قوله رضي الله عنه :«احتجم النبي ( على رأسه وهو محرم» من المعلوم أن الحجامة تحتاج إلى حلق؛ لأنه لا يمكن أن يحتجم الإنسان وعليه شعر - ولا سيما مثل شعر النبي صلى الله عليه وسلم - إلا بحلق، فقد حلق النبي صلى الله عليه وسلم موضع الحجامة بلا شك، ولم يُذكر أنه فدى، ولما احتاج كعب بن عجرة رضي الله عنه إلى حلق رأسه كله أُمر بالفدية [أخرجه البخاري في المحصر/باب الإطعام في الفدية نصف صاع (1816)؛ ومسلم في الحج/باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها (1201).]، فما الفرق؟ يقال: الفرق أن الحجامة لا تستوعب كل الرأس، وإنما تستوعب جزءا يسيرا منه، فيؤخذ من ذلك أن ما ذكره بعض الفقهاء أن الإنسان إذا أخذ ثلاث شعرات من رأسه وجبت عليه الفدية، وبعضهم يقول: إذا أخذ ربع الرأس وجبت عليه الفدية، والربع قد يكون غير معارض لهذا الحديث، لكن ثلاث شعرات قطعا معارض لهذا الحديث، ولهذا كان الصحيح في هذه المسألة أنه لا يفدي من حلق شيئا من رأسه إلا إذا أزال منه ما يزول به الأذى، أي: ما يماط به الأذى، وأما الشيء اليسير فإنه يحرم عليه، لكن ليس فيه الفدية. (70)قولهم رحمهم الله:«أفطرا لسبب آخر» هذا في الحقيقة من التحريف البالغ، فإذا قال -مثلا-: كانا يغتابان، يعني مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وكانا يغتابان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، هذا غلط عظيم؛ لأنه لا يمكن أن يذكر وصفا هو مناط الحكم، ثم يلغي الوصف الذي هو مناط الحكم؛ لأنه لو كان إفطارهما من أجل الغيبة لقال: أفطرا المغتابان، ولا يقول: أفطر الحاجم والمحجوم، فيكف يمكن أن نثبت معنى علق عليه الحكم في الحديث، ونلغي ما ذكر في الحديث؟! هذا من التحريف الذي فيه الخطأ من وجهين: الوجه الأول: إثبات علة لم يذكرها الشارع. والوجه الثاني: نفي علة ذكرها الشارع، فهذا غير مستقيم. وكذلك قولهم: إنهما أفطرا لسبب آخر، فأين السبب الآخر؟ ثم إن الحاجم اسم فاعل، والمحجوم اسم مفعول، فهما وصفان مشتقان، فيفيدان العلية، كما لو قلت: أكرم المجتهد، يعني لاجتهاده، وهذا الذي يدل عليه المشتق: «أفطر الحاجم»أي: لكونه حَجم.و«أفطر المحجوم» يعني: لكونه حُجم، والمهم أن هذه تأويلات باردة في الواقع، وهذه كما توجد أيضا في الأحكام الفقهية توجد أيضا في الأحكام العلمية العقدية، كما فعل أهل التحريف المعطلة الذين قالوا: المراد بعين الله كذا، المراد بيده كذا، المراد بقدمه كذا، فهم جنوا على النصوص من وجهين: الوجه الأول: نفي ما دلت عليه. والوجه الثاني: إثبات ما لم تدل عليه. ولهذا نكرر دائما ونقول: استدلوا قبل أن تحكموا؛ لأن الشرع هو البينة، ولا يمكن أن يحكم الإنسان إلا بوجود البينة، أما أن تحكموا أولا ثم تستدلوا فثقوا أنكم سوف تنجرفون؛ لأن الإنسان لابد مع الهوى أن يتجانب، فالواجب على الإنسان أن يستدل أولا ثم يحكم ثانيا، سواء كان ذلك في العقيدة، أو في الأحكام الفقهية. (71) لعلها: «يأخذون عنه». (72) في نسخة: «من الحجامة». (73) أي: لأجل هذا التعليل؛ لكونه تعبدا. (74) لعلها: «ثالثا». (75) المؤلف رحمه الله ذكر ثلاثة أشياء: الحجامة, والشرط, والفصد, فأما الحجامة: فمعروفة, والشرط: أن يشق العرق طولا ويخرج الدم, وأما الفصد: فأن يجرح العرق عرضا فيخرج الدم. وما قاله الشيخ رحمه الله هو الصواب, وعلى هذا فإذا قدر حجامة بالآلات الحديثة لا يمتص فيها الحاجم قارورة الدم فإنه لا يفطر بذلك, كما أن الفاصد لا يفطر, والشارط لا يفطر أيضا, والله أعلم. نسأل الله تعالى أن يبارك لنا ولكم في شهرنا, وأن يعيننا وإياكم على طاعته, وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا إنه على كل شيء قدير. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18284.shtml التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 01-05-2015 الساعة 08:58AM |
#4
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- أسئلة وأجوبة والتعليق عليها سئل شيخ الإسلام رحمه الله: عن صوم يوم الغيم هل هو واجب أم لا؟ وهل هو يوم شك منهي عنه أم لا؟ فأجاب: وأما صوم يوم الغيم إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر، فللعلماء فيه عدة أقوال، وهي في مذهب أحمد وغيره: أحدها: أن صومه منهي عنه، ثم هل هو نهي تحريم؟ أو تنزيه؟ على قولين، وهذا هو المشهور في مذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه، واختار ذلك طائفة من أصحابه، كأبي الخطاب، وابن عقيل، وأبي القاسم بن منده الأصفهاني، وغيرهم. والقول الثاني: أن صيامه واجب، كاختيار القاضي والخرقي وغيرهما من أصحاب أحمد، وهذا يقال: إنه أشهر الروايات عن أحمد، لكن الثابت عن أحمد لمن عرف نصوصه وألفاظه أنه كان يستحب صيام يوم الغيم اتباعا لعبد الله بن عمر وغيره من الصحابة، ولم يكن عبد الله بن عمر يوجبه على الناس، بل كان يفعله احتياطا، وكان الصحابة فيهم من يصومه احتياطا، ونقل ذلك عن عمر وعلي ومعاوية وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وأسماء وغيرهم، ومنهم من كان لا يصومه، مثل كثير من الصحابة، ومنهم من كان ينهى عنه، كعمار بن ياسر وغيره، فأحمد رضي الله عنه كان يصومه احتياطا، وأما إيجاب صومه فلا أصل له في كلام أحمد ولا كلام أحد من أصحابه؛ لكن كثيرا من أصحابه اعتقدوا أن مذهبه إيجاب صومه، ونصروا ذلك القول. والقول الثالث: إنه يجوز صومه ويجوز فطره، وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره، وهو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين أو أكثرهم. وهذا كما أن الإمساك عند الحائل عن رؤية الفجر جائز، فإن شاء أمسك، وإن شاء أكل حتى يتيقن طلوع الفجر، وكذلك إذا شك هل أحدث؟ أم لا؟ إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ، وكذلك إذا شك هل حال حول الزكاة؟ أو لم يحل؟ وإذا شك هل الزكاة الواجبة عليه مائة؟ أو مائة وعشرون؟ فأدى الزيادة (76). وأصول الشريعة كلها مستقرة على أن الاحتياط ليس بواجب ولا محرم (77)، ثم إذا صامه بنية مطلقة أو بنية معلقة بأن ينوي إن كان من شهر رمضان كان عن رمضان وإلا فلا (78)، فإن ذلك يجزيه في مذهب أبي حنيفة وأحمد في أصح الروايتين عنه، وهي التي نقلها المروذي وغيره، وهذا اختيار الخرقي في« شرحه للمختصر»، واختيار أبي البركات وغيرهما. والقول الثاني: أنه لا يجزئه إلا بنية أنه من رمضان كإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها القاضي وجماعة من أصحابه (79). * * * وسئل رحمه الله: عن المسافر في رمضان، ومن يصوم ينكر عليه، وينسب إلى الجهل، ويقال له: الفطر أفضل.وما هو مسافة القصر؟ وهل إذا أنشأ السفر من يومه يفطر؟ وهل يفطر السفار من المكارية والتجار والجمال والملاح وراكب البحر؟ وما الفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية؟ فأجاب: الحمد لله، الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين، سواء كان سفر حج، أو جهاد، أو تجارة، أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله. وتنازعوا في سفر المعصية، كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك، على قولين مشهورين، كما تنازعوا في قصر الصلاة. فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأئمة، سواء كان قادرا على الصيام أو عاجزا، وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق، بحيث لو كان مسافرا في الظل والماء، ومعه من يخدمه، جاز له الفطر والقصر. ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل (80). وكذلك من أنكر على المفطر فإنه يستتاب من ذلك. ومن قال: إن المفطر عليه إثم فإنه يستتاب من ذلك فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله، وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف إجماع الأمة. وهكذا السنة للمسافر أنه يصلي الرباعية ركعتين والقصر أفضل له من التربيع عند الأئمة الأربعة :كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي في أصح قوليه. ولم تتنازع الأمة في جواز الفطر للمسافر ؛ بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر فذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وأنه إذا صام لم يجزه بل عليه أن يقضي، ويروى هذا عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهما من السلف، وهو مذهب أهل الظاهر، وفي «الصحيحين» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس من البر الصوم في السفر»، لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر، كما في «الصحيحين» عن أنس أنه قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. وقد قال الله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وفي «المسند» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته»، وفي «الصحيح»: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني رجل أكثر الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال: «إن أفطرت فحسن، وإن صمت فلا بأس». وفي حديث آخر: «خياركم الذين في السفر يقصرون ويفطرون». وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر : فمذهب مالك والشافعي وأحمد أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام، وهو ستة عشر فرسخا، كما بين مكة وعسفان، ومكة وجدة (81). وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة ومزدلفة ومنى يقصر الصلاة وخلفه أهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته، لم يأمر أحدا منهم بإتمام الصلاة. وإذا سافر في أثناء يوم فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد، أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في «السنن» أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نوى الصوم في السفر، ثم إنه دعا بماء فأفطر، والناس ينظرون إليه. وأما اليوم الثاني: فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة. وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء؛ لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك (82). ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم، وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه. فأما من كان معه في السفينة امرأته، وجميع مصالحه، ولا يزال مسافرا فهذا لا يقصر ولا يفطر. وأهل البادية - كأعراب العرب والأكراد والترك وغيرهم، الذين يشتون في مكان ويصيفون في مكان - إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف إلى المشتى: فإنهم يقصرون، وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يفطروا ولم يقصروا ، وإن كانوا يتتبعون المراعي، والله أعلم (83). * * * وسئل رحمه الله: عمن يكون مسافرا في رمضان ولم يصبه جوع ولا عطش ولا تعب، فما الأفضل له: الصيام، أم الإفطار؟فأجاب: أما المسافر: فيفطر باتفاق المسلمين، وإن لم يكن عليه مشقة (84)، والفطر له أفضل، وإن صام جاز عند أكثر العلماء، ومنهم من يقول: لا يجزئه (85). * * * وسئل: عن إمام جماعة بمسجد مذهبه حنفي، ذكر لجماعته أن عنده كتابا فيه أن الصيام في شهر رمضان إذا لم ينو بالصيام قبل عشاء الآخرة أو بعدها أو وقت السحور، وإلا فماله في صيامه أجر، فهل هذا صحيح؟ أم لا؟فأجاب: الحمد لله، على كل مسلم يعتقد أن الصوم واجب عليه وهو يريد أن يصوم شهر رمضان النية، فإذا كان يعلم أن غدا من رمضان فلا بد أن ينوي الصوم، فإن النية محلها القلب، وكل من علم ما يريد فلا بد أن ينويه، سواء تلفظ بالنية أو لم يتلفظ (86). وإن التكلم بالنية ليس واجبا بإجماع المسلمين، فعامة المسلمين إنما يصومون بالنية، وصومهم صحيح بلا نزاع بين العلماء. إن تعيين النية لشهر رمضان هل هو واجب؟ وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد: أحدها: أنه لا يجزئه إلا أن ينوي رمضان، فإن صام بنية مطلقة أو معلقة أو بنية النفل أو النذر لم يجزئه ذلك، كالمشهور من مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايات. والثاني: يجزئه مطلقا، كمذهب أبي حنيفة. والثالث: أن يجزئه بنية مطلقة لا بنية تعيين غير رمضان، وهذه الرواية الثالثة عن أحمد، وهي اختيار الخرقي وأبي البركات (87). وتحقيق هذه المسألة: أن النية تتبع العلم، فإن علم أن غدا من رمضان فلا بد من التعيين في هذه الصورة، فإن نوى نفلا أو صوما مطلقا لم يجزه ؛ لأن الله أمره أن يقصد أداء الواجب عليه، وهو شهر رمضان الذي علم وجوبه، فإذا لم يفعل الواجب لم تبرأ ذمته. وأما إذا كان لا يعلم أن غدا من شهر رمضان، فهنا لا يجب عليه التعيين، ومن أوجب التعيين مع عدم العلم فقد أوجب الجمع بين الضدين. فإذا قيل: إنه يجوز صومه، وصام في هذه الصورة بنية مطلقة أو معلقة أجزأه ، وأما إذا قصد صوم ذلك تطوعا، ثم تبين أنه كان من شهر رمضان فالأشبه أنه يجزئه أيضا، كمن كان لرجل عنده وديعة ولم يعلم ذلك، فأعطاه ذلك على طريق التبرع، ثم تبين أنه حقه، فإنه لا يحتاج إلى إعطائه ثانيا، بل يقول: ذلك الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي، والله يعلم حقائق الأمور، والرواية التي تروى عن أحمد: أن الناس فيه تبع للإمام في نيته، على أن الصوم والفطر بحسب ما يعلمه الناس، كما في «السنن» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون» (88). * * * وسئل شيخ الإسلام: ما يقول سيدنا في صائم رمضان هل يفتقر كل يوم إلى نية؟ أم لا؟فأجاب: كل من علم أن غدا من رمضان، وهو يريد صومه فقد نوى صومه، سواء تلفظ بالنية أو لم يتلفظ، وهذا فعل عامة المسلمين كلهم ينوي الصيام. * * * وسئل: عن غروب الشمس، هل يجوز للصائم أن يفطر بمجرد غروبها؟فأجاب: إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم، ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق. وإذا غاب جميع القرص ظهر السواد من المشرق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم» (89). * * * وسئل: عما إذا أكل بعد أذان الصبح في رمضان، ماذا يكون؟فأجاب: الحمد لله، أما إذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، كما كان بلال يؤذن قبل طلوع الفجر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما يؤذن المؤذنون في دمشق وغيرها قبل طلوع الفجر (90)، فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير. وإن شك هل طلع الفجر؟ أو لم يطلع؟ فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين الطلوع، ولو علم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر، ففي وجوب القضاء نزاع، والأظهر: أنه لا قضاء عليه، وهو الثابت عن عمر، وقال به طائفة من السلف والخلف، والقضاء هو المشهور في مذهب الفقهاء الأربعة، والله أعلم (91). * * * وسئل: عن رجل كلما أراد أن يصوم أغمي عليه، ويزبد ويخبط، فيبقى أياما لا يفيق حتى يتهم أنه جنون، ولم يتحقق ذلك منه؟فأجاب: الحمد لله، إن كان الصوم يوجب له مثل هذا المرض فإنه يفطر ويقضي، فإن كان هذا يصيبه في أي وقت صام، كان عاجزا عن الصيام، فيطعم عن كل يوم مسكينا، والله أعلم. * * * وسئل رحمه الله: عن امرأة حامل رأت شيئا شبه الحيض والدم مواظبها، وذكر القوابل أن المرأة تفطر لأجل منفعة الجنين، ولم يكن بالمرأة ألم، فهل يجوز لها الفطر؟ أم لا؟فأجاب: إن كانت الحامل تخاف على جنينها فإنها تفطر وتقضي عن كل يوم يوما، وتطعم عن كل يوم مسكينا، رطلا من خبز بأدمه (92). -------------------------- (76) هذه المسائل متعددة، منها: إذا شك في طلوع الفجر أو لا؟ فله أن يأكل وله أن يمسك؛ لأن الله تعالى قال: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ، فإن من أمسك فقد بنى على الأصل، وهو أن الأصل بقاء الليل، وإن أكل فهو الموافق لقوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ، لكن أحيانا يغلب على ظنه أنه طلع الفجر، فيحتاط بالإمساك. وكذلك أيضا إذا شك هل أحدث أو لا؟ فالأصل أنه لا يتوضأ، لكن لو توضأ فلا بأس، إلا إذا خاف أن ينفتح عليه باب الوسواس فإنه لا يلتفت لهذا الشك، ولا يعمل به، ولا يحتاط له. وإذا شك هل حال حول الزكاة، أو لم يحل؟ فهذا أيضا إن شاء أخرج الزكاة، وإن شاء لم يخرج؛ لأن الأصل عدم تمام الحول، فله أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يتيقن، وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، لكن قد يقوى في ظن الإنسان أنه انتقل عن الأصل، وقد يقوى أنه بقي على الأصل. (77) قوله: «ليس بواجب» في باب ما يفعل «ولا محرم» في باب ما يترك، وعلى هذا فإذا رأيت مثلا في كلام الإمام أحمد - رحمه الله - أو غيره من العلماء: «هذا أحوط» فلا يعنون أنه واجب فيما يفعل، ولا أنه حرام فيما يترك، بل هذا أرجح. (78) فيه قول لم يشر إليه المؤلف -رحمه الله-، لكنه أشار إليه غيره، وهو أن الناس يتبعون الإمام في يوم الغيم والشك، إن صام صاموا، وإلا فلا، فإذا كانوا تحت ولاية يرى السلطان الأعظم –يعني الرئيس الأعلى في الدولة-أنه يجب صوم يوم الغيم وجب على الناس أن يتبعوه؛ لئلا يختلفوا، وإلا فلا يصومون، وهذا رواية عن الإمام أحمد -رحمه الله-، والمسألة فيها سبعة أقوال، لكن ذكر المؤلف -رحمه الله- الأقوال المشهورة، وسكت عن الأقوال التي ليست بمشهورة، ومسألة أنهم يتبعون الإمام قول مشهور معروف . (79) والصحيح القول الأول، وعلى هذا فإذا نام الإنسان ليلة الثلاثين من شعبان بنية أنه إن كان من رمضان فهو صائم، وإلا فهو مفطر، ثم لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، وقيل له: إن الناس قد صاموا، فإنه يستمر في صومه، ويجزئه عن صوم رمضان. (80) قوله: «ومن قال : إن الفطر لا يجوز، إلا لمن عجز عن الصيام فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل» وذلك لإظهار هذه البدعة المنكرة التي تصادم النص؛ لأن النص صريح : {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وكذلك من أنكر على المفطر فإنه يستتاب من ذلك، فإن تاب وإلا قتل، وذلك لدرء مفسدة ودحض قوله الباطل، لكن هل يقتل كفرا أو يقتل تعزيرا ؟ يحتمل كلام المؤلف - رحمه الله - أنه يقتل كفرا أو تعزيرا، لكن المهم أن يعدم حتى لا يشيع رأيه الفاسد. (81) قوله رحمه الله: «مكة وجدة» هذا في عهد المؤلف، وأما الآن فبينهما أقل بكثير من مسافة قصر، لكن الصحيح أنه لا يتحدد بمسافة – أعني: السفر-، وإنما يتحدد بالعرف، فما قال الناس إنه سفر فهو سفر، وقد قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في موضع من كلامه: قد تكون المدة القصيرة سفرا لطول المسافة، وقد تكون المدة الطويلة سفرا مع قصر المسافة [انظر: «الفتاوى» (19/243؛ 24/48)]. (82) والصحيح أنه لايلزمه الإمساك إذا قدم مفطرا - يعني: إذا قدم إلى بلده - فإنه يبقى على فطره، وكذلك لو طهرت المرأة الحائض في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك؛ لأنه لا فائدة في هذا الإمساك، ولم يوجب الله تعالى على عباده عملا لا فائدة منه، وأما قولهم: «إن الزمن محترم؛ لأنه نهار رمضان»، فنقول: لكن هذا الزمن في حق هذا الرجل أصبح غير محترم؛ لأن الله تعالى أباح له أن يأكل ويشرب في أوله، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أكل أول النهار فليأكل آخره. وهذا فيمن أفطر لعذر، وأما من تعمد الفطر بلا عذر فإنه لا يحل له أن يستمر فيه، وبهذا تبطل حيلة المحتالين الذين قالوا: إذا أردت أن تجامع امرأتك ولا يلزمك الكفارة في نهار رمضان فكل تمرا أولا، ثم جامع ثانيا، من أجل أن يصادف جماعك وأنت -على زعمه- مفطر. فنقول: هو وإن أفطر لكنه حكما يلزمه الإمساك، فالصواب أن كل من كان مفطرا في أول النهار لعذر فإنه لا يلزمه الإمساك، بشرط أن يكون هذا العذر وجود مانع، أما إذا كان أكله لعدم وجود الموجب فهذا إذا وجد الموجب وجب الإمساك، ويثاب عليه، فيفرق بين زوال المانع ووجود الموجب، فزوال المانع مثاله ما سبق في المسافر إذا قدم مفطرا، فنقول: هذا زال المانع في حقه، يعني: مانع الوجوب وهو السفر، وكذلك الحائض إذا طهرت فهذه أيضا زال المانع في حقها، أي: مانع الوجوب وهو الحيض، وكذلك الكافر إذا أسلم يلزمه الإمساك على القول الراجح؛ لأن هذا تجدد الوجوب في حقه، فهو كما لو قامت البينة في أثناء النهار فيلزمه الإمساك، وهل يلزمه القضاء؟ على قولين، والصحيح أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه كان في أول النهار ليس من أهل الوجوب، وكذلك صبي بلغ في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك، ولا يلزمه القضاء. (83) هذه المسألة مفيدة، فبعض الناس الآن يكون له رحلة في الشتاء والصيف، فمثلا في أيام الصيف يذهب إلى البلاد الباردة، وفي أيام الشتاء يذهب إلى البلاد الحارة، فلا نقول: إنه مسافر في البلدين، نقول: هو مقيم في البلدين، لكن المسافة التي بينهما يكون فيها مسافرا، ويوجد عندنا هنا أناس في أيام الصيف يذهبون إلى جنوب المملكة؛ لأنها أبرد، ويبقون فيها أربعة أشهر أو ست أشهر، حسب أحوالهم، فهؤلاء نقول: لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان، ويرجعون في أيام الشتاء إلى أماكنهم، لكن في المسافة بينهما كما قال الشيخ - رحمه الله -: يفطرون ويقصرون. (84) فمن قال: لا يفطر إلا إذا وجد مشقة فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل. (85) والحاصل الآن أن الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين، والصوم للمسافر فيه خلاف: فأهل الظاهر وجماعة من الصحابة قالوا: إنه لا يصوم، لكن الصواب أنه يجوز هذا وهذا، والصواب أيضا أن الصوم أفضل إذا تساوى عنده الأمران، فإن كان الفطر أيسر فهو أفضل، وهذا هو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة، وقد سبق تحرير القول في هذه المسألة، وذكرنا أن الأفضل أن يصوم إلا مع وجود مشقة ولو يسيرة فالفطر أفضل. (86) هذه قاعدة مفيدة: «كل من علم ما يريد وهو مختار فلا بد أن ينويه بمجرد فعله»، ولا يحتاج إلى التكلف في النية، حتى قال بعض العلماء: لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق. (87) قوله: «فإن صام بنية مطلقة» بأن نوى الصيام ولا طرأ على باله أنه عن رمضان أو غير رمضان «أو معلقة» بأن قال: إن كان غدا من رمضان فأنا صائم «أو بنية النفل أو النذر» فعندنا ثلاث نيات في رمضان: معينة ومطلقة ومعلقة، أما إذا نوى غيره فلا شك أنه لا يجزئه ولا يجزئه عن الغير الذي نواه أيضا، لو صامه عن نذر لم يجزئه، ولو صام عن قضاء رمضان الماضي لم يجزئه؛ لأن هذا الوقت تعين لرمضان، فلو نوى غيره فيه لم يصح. والقول الثاني يقول: يجزئه مطلقا، ولعل هذا القول مأخذه أن الزمن يعين العمل، وأنه لو نوى غيره ما صح؛ لأن هذا مكان خاص للزمن، فلا ينعقد فيه إلا ما كان مخصوصا له. والثالث - وهو أوسطها وأعدلها -: أنه يجزئ بنية مطلقة، يعني: ينوي الصيام ولا حاجة للتعيين؛ لأنه نوى الصيام في رمضان، ولو سألت أي شخص: أي صيام أردت ؟ لقال: رمضان، وقريب منها لو أن الإنسان مثلا دخل لصلاة الظهر وغاب عن ذهنه أنها صلاة الظهر، لكن في ذهنه أنها الصلاة المفروضة في هذا الوقت، فهل يجزئه؟ المذهب لا يجزئه، وهذه تقع كثيرا، خصوصا إذا جاء الإنسان والإمام راكع، فمع العجلة يغيب عن ذهنه أنها الظهر أو العصر أو ما أشبه ذلك، لكن لا شك أنه ما جاء يصلي إلا على أنها فريضة هذا الوقت، وعن أحمد رواية ثانية: أن الصلاة تجزئ بنية الفريضة المطلقة، ويعينها الوقت، وهذا هو الذي لا يسع الناس غيره في كثير من الأحيان. (88) قوله رحمه الله: «إذا قصد صوم ذلك تطوعا، ثم تبين أنه كان من شهر رمضان، فالأشبه أنه يجزئه أيضا» فيه نظر؛ لأن ظاهر الحديث يخالفه: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي/باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)؛ ومسلم في كتاب الإمارة/باب قوله: «إنما الأعمال بالنيات» (1907).]، لكنه ينطبق على القول الثاني - وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله -: أنه لا يجب التعيين، فعلى رأيه يصح؛ لأنه يقول هذا الصوم وقع في وقت لا يصح فيه إلا صوم الفرض، فكان فرضا، لكن الذي يظهر أنه إذا نوى تطوعا وتبين أنه من رمضان فإنه لا يجزئه، لكن هل يستمر في صومه بنية التطوع أو لا؟ الجواب:لا يستمر، بل نقول: يجب عليه أن يفسخ النية إلى أنه من رمضان، ثم هل يجزئه عن رمضان أم لا؟ نقول: أما على قول من يقول: إنه إذا لم يعلم بالهلال إلا في أثناء النهار فإنه يمسك ويصح صومه، فهذا لا شك من باب أولى، وإذا قلنا: لا يصح صومه، فلا بد من القضاء، والقضاء أحوط. (89) أما الحمرة في المشرق فتظهر قبل أن يغيب القرص، لكن إذا غاب القرص ظهر السواد في المشرق، كما قال الشيخ رحمه الله. (90) وهناك بعض الناس يكتبون إمساكية ويلزمون الناس بالإمساك قبل طلوع الفجر بخمس دقائق، ثم يقولون: أذان الفجر فيكتبون جدولين: واحدا للإمساك، وواحدا لطلوع الفجر. (91) الشيخ رحمه الله في الفتاوى جوابه جواب عام، يعني ليس فيه ذاك التحقيق والتحرير، وإلا فلا شك أنه ثبت عن غير عمر، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم أفطروا في يوم غيم، ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء [أخرجه البخاري في الصوم/باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1959). ]. وهذا أشد مما إذا أكلوا ثم تبين أنه بعد طلوع الفجر. (92) والصحيح أنه لا يلزمها الإطعام. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18285.shtml |
#5
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- التعليق على كتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه ( كتاب الصيام ) التعليق على كتاب الصيام من الفروع لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين كتاب الصيام الصومُ لغةً؛ الإمساك، ومنه: {إني نذرت للرحمن صوماً} [مريم: 26] (93)، ويقال للْفَرس: صائم؛ لإمساكِه عن الصَّهيلِ في موضعه، وكذا عن العلَفِ. وشرعاً: إمساك ٌ مخصوصٌ. قيل: سُمِّي رمضان؛ لحرِّ جوف الصائم فيه، ورَمضِه. والرَّمْضاء: شدَّةُ الحرِّ، وقيل: لما نقلوا أسماء الشهورِ عن اللغة القديمةِ، سمَّوها بالأزمنةِ التي وقعت فيها (94)، فوافق هذا الشهرُ أيام شدةِ الحرِّ ورَمَضِه، وقيل: لأنه يُحرِق الذنوبَ، وقيل: موضوعٌ لغير معنىً، كسائرِ الشهور. كذا قيل، وقيل في الشهور معانٍ أيضاً، وقيل غيرُ ذلك. وجمعه: رَمَضانات، وأرْمِضَة، ورَماضين، وأرْمُض، وِرِماض، ورَمَاضى، وأرامِيض. والمستحبُّ قولُ: شهرُ رمضانَ، كما قال الله تعالى: {شهر رمضان}[البقرة: 185]، ولا يُكرهُ قولُ: رمضان، بإسقاط الشهر (و هـ) (95) وأكثرِ العلماء، وذكر الشيخُ: يُكره، إلا مع قرينة الشهر، وفاقاً لأكثر الشافعيَّة، وذكر شيخُنا وجهاً: يُكرهُ، وفاقاً للمالكية، وقاله مجاهدٌ وعطاءٌ، وقالا: لعله اسمٌ من أسماء الله تعالى. وفي «المنتخب»: لا يجوز. وروى ابنُ عدي، والبيهقي، وغيرهما من رواية أبي مَعْشَرٍ - وهو ضعيف عندهم - عن المَقْبُريِّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: «لا تقولوا: رمضان؛ فإنه اسم من أسماء الله، ولكن قولوا: شهر رمضان». قال ابن الجوزي: موضوع، ولم يذكره أحد من أسمائه تعالى، ولا يجوز أن يُسَمَّى به (ع). وقال صاحب «المحرر»: لو صح من أسمائه، لم يُمنَعِ استعماله في غيره، كالأسماء التي وقعت فيها المشاركة(96). وعن أبي هريرة مرفوعاً: «مَنْ قام رمضان إيمانا واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»(97). متفق عليه، زاد أحمد في رواية عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: «وما تأخَّر»، وحماد له أوهام، ومحمد تُكُلِّم فيه (98). وعن أبي هريرة مرفوعاً: «إذا جاء رمضان، فُتِّحتْ أبواب الجنة، وغُلِّقَتْ أبواب النار، وصفدت الشياطين». وفي لفظ: «فتحت أبواب الرحمة، وغُلِّقَتْ أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين». متفق عليه. وللبخاري أيضاً: «فتحت أبواب السماء». يحتمل أنه على ظاهره(99)، ويحتمل أن المراد كثرة الخير، و كثرة أسبابه، ومعنى «صُفِّدَتْ»: غلت، والصفد: الغل، وهو معنى سُلْسِلَت، والمراد: المَرَدَةُ، فليس فيه إعدام الشر، بل قلَّتُه؛ لضعفهم؛ ولهذا روى الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي هريرة: «صفِّدَت الشياطين، ومَرَدةُ الجن». وللنسائي من حديثه: «وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطين». فلا يرد قول القائل: إن المجنون يصرع فيه، وقد قال عبدالله لأبيه هذا، فقال: هكذا الحديث، ولا تَكلَّمْ في ذا (100). وروى أحمد: حدثنا يزيد، أنبأنا هشام بن أبي هشام، عن محمد بن محمد بن الأسود، عن أبي سَلمَةَ بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان، لم تُعْطَه أمَّةٌ قبلهم: خُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر له الملائكة حتى يفطر، ويُزيِّنُ الله كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلْقُوا عنهم المُؤْنةَ والأذى، ويصيروا إليك، وتُصفَّدُ فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة»، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: «لا، ولكن العامل إنما يُوفَّى أجْرَه إذا قضى عمله». قال ابن ناصر الحافظ: حديث حسن، إسناده عدول. -------------------- قال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الصيام: (93) قول الله - تعالى - عن مريم - عليها السلام –: {صوماً} يعني: إمساكاً عن الكلام، بدليل قولها: {فلن أكلم اليوم إنسيا} [مريم: 26]. (94) قوله - رحمه الله –: «إمساك مخصوص» فيه نظر، فلو ألحق فيه «معلوم» لكان أولى، ولكن نقول: الصيام شرعا: التعبد لله - تعالى - بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كما قال – تعالى -: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} [ البقرة: 187]. (95) هنا الواو إشارة إلى وفاق، والهاء لأبي حنيفة أي: وفاقاً لأبي حنيفة. (96) صاحب المحرر هو جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، وأراد بذلك أن يبين ضعف هذا الحديث، وأنه لو صح أنه من أسماء الله لم يمنع أن يسمى به غيره، كغيره من الأسماء التي وقعت فيها المشاركة. (97) وهذا نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم فلو كان يكره أن يقال: رمضان، لاقتضى أن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بما هو مكروه، أو محرم على قول بعض العلماء، والصواب أنه: لا بأس أن يُقال: دخل رمضان، وخرج رمضان، وما أشبه ذلك، وأيضاً هو ليس من أسماء الله قطعاً، ولا يجوز أن يسمى به الله. (98) والصواب أنه ليس بصحيح، وكل حديث فيه: «وما تأخر» فهو غير صحيح؛ لأن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما غيره فلن يحصل له هذا. (99) قوله: «على ظاهره» يعني: أنها تفتح أبواب السماء حقيقة، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الوضوء: «من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية» [أخرجه مسلم في الطهارة/ باب الذكر المستحب عقب الوضوء (234), ولفظه: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».]، يحتمل: أن المعنى على ظاهره، وأنها تفتح له أبواب الجنة ، ويحتمل أن المراد تفتح له الأسباب التي تكون سبباً لدخول الجنة. (100) وهكذا ينبغي للإنسان ألا يتكلم في مثل هذه الأمور؛ ولهذا نهى الإمام أحمد ابنه أن يتكلم في هذا، وقال له: «لا تَكلَّمْ في ذا »، وهذا كقول بعض الناس: لماذا قال الله - عز وجل - في قصة الخضر: {فأردت}، {فأردنا}، {فأراد ربك}. لماذا نَوّعَ ؟ فنقول: لله - تعالى - أن يتكلم بما شاء، كيف شاء، وهذا الجواب مُسْكت، لا يمكن لأحد أن يرد عليه، وكوننا نعلم كل شيء - أي: كل أسرار الشريعة - هذا أمر لا أظنه يكون، والإمام أحمد - رحمه الله - نهى ابنه أن يتكلم في هذا، قال: «لا تتكلم في هذا»؛ لأن ابنه أورد عليه، فقال: إن الإنسان يصرع في رمضان، فكيف تغلُّ الشياطين؟ والصرع من الشياطين . قال له: «لا تكلم في هذا، هكذا جاء في الحديث» وهذا هو كمال الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أما ما يفعله بعض طلبة العلم المبتدئين الآن، حيث يُنَقِّبون عن أشياء ما تكلم بها السلف، فهذا من الغلط. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18286.shtml |
#6
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: صوم رمضان فرض صوم رمضان فَرْضٌ ( ع )، فُرِضَ في السنة الثانية من الهجرة ( ع )، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات ( ع ) (101). ويجب صومه برؤية هلاله، فإن لم ير مع الصحو ليلة الثلاثين من شعبان، أكملوه ثلاثين، ثم صاموا، وصلوا التراويح (و) كما لو رأوه. وإن حال دون مطلعه غيم، أو قَتَرٌ أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان، وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب، وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد عليه. كذا قالوا، ولم أجد عن أحمد أنه صرَّحَ بالوجوب، ولا أمَرَ به، فلا تتوجه إضافته إليه(102)؛ ولهذا قال شيخنا: لا أصل للوجوب في كلام أحمد، ولا في كلام أحد من الصحابة - رضي الله عنهم -. واحتج الأصحاب بحديث ابن عمر وفعله، وليس بظاهر في الوجوب(103)، وإنما هو احتياط قد عورض بنهيٍ(104)، واحتجوا بأقيسة تدل على أن العبادات يحتاط لها، واستشهدوا بمسائل، وهي إنما تدل على الاحتياط، فيما ثبت وجوبه، أو كان الأصل، كثلاثين رمضان، وفي مسألتنا لم يثبت الوجوب، والأصل بقاء الشهر(105). ومما ذكروه: الشكُّ في انقضاء مدَّةِ المسح يمنع المسح، وإنما كان؛ لأن الأصل الغسل، فمع الشك يُعْمَلُ به، ويأتي: هل يتسَحَّر مع الشك في طلوع الفجر(106)؟ قال القاضي وغيره: وإنما لم تجب الطهارة مع الشك احتياطا للعبادة؛ لأنه حقٌّ لآدمي، فلا يبطله بالشك، فيقال: وجواز الأكل والجماع حق لآدمي، فلا يحرمه بالشك (107). وقال القاضي وابن شهاب وغيرهما: لأن الطهارة غير مقصودة في نفسها، وقد قال القاضي وغيره في أنه لا يلزم النفل بالشروع: الطهارة مقصودة في نفسها(108)، ولهذا يستحب تجديدها، بخلاف إزالة النجاسة، وتأتي فيما يُفعَلُ عن الميت. وقيل لمن نظر من الأصحاب في كتب الخلاف: صوم يوم الغيم يلزم عليه نذر صوم رجب أو شعبان، فإنه إذا غُمَّ أوَّلُه، لم يلزم، فقال: كذلك قال أصحابنا، والنُّذورُ لا تبنى إلا على أصولها من الفروض. كذا قال، ويتوجه: يلزم؛ لأنه فرض شرعي عندهم، فعلى هذا: يصومه، حكماً ظنياً بوجوبه احتياطاً، ويجزئه. وقيل للقاضي: لا يصح إلا بالنية، ومع الشك فيها لا يحرم بها. فقال: لا يمنع التردُّدُ فيها؛ للحاجة، كالأسير، وصلاةٍ من خمس. كذا قال. وذكر في «الانتصار»: أنه يجزئه إن لم تُعتبَرْ نيَّةُ التعيين، وإلا فلا. كذا قال(109). وتصلى التراويح ليلتئذ في اختيار ابن حامد، والقاضي، وجماعة، قال صاحب «المحرر»: وهو أشبه بكلام أحمد - في رواية الفضل -: القيام قبل الصيام؛ احتياطا لسُنَّةِ قيامه، ولا يتضمن محذورا، والصوم نهي عن تقدمه. واختار أبو حفص العكبري، والتميميون وغيرهم: لا تُصلَّى اقتصاراً على النص. ولا تثبت(110) بقية الأحكام من حلول الآجال، ووقوع المعلقات، وانقضاء العدة، ومدة الإيلاء، وغير ذلك، وذكر القاضي احتمالاً: تثبت كما يثبت الصوم وتوابعه، من النية، وتبييتها، ووجوب الكفارة بالوطء فيه، ونحو ذلك، والأوَّلُ أشهَرٌ؛ عملاً بالأصل، وخولف للنص، واحتياطاً لعبادةٍ عامَّةٍ. وعنه: ينويه حكماً جازماً بوجوبه، وذكره ابن أبي موسى عن بعض أصحابنا، فيصلي التراويح إذن، وقيل: لا(111). وعنه: لا يجب صومه قبل رؤية هلاله، أو إكمال شعبان، اختاره صاحب «التبصرة» وشيخنا، وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه (وهـ)، وأوجب طلب الهلال ليلتَئذٍ (112). وعنه: الناس تبَعٌ للإمام، فإن صام، وجب الصوم وإلا فلا، فيتَحرَّى في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها، وإخبارِهِ بمن لا يكتفى به، وغير ذلك من القرائن(113)، ويعمَلُ بظنه، ويأتي: المنفرد برؤيته هل يصومه؟ وعنه: صومه منهي عنه، اختاره أبو القاسم بن مَنْدةَ الأصفهاني، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وغيرهم، فقيل: يكره، وذكره ابن عقيل رواية. وعمِلَ أيضا في موضع من «الفنون» بعادة غالبة، كمُضيِّ شهرين كاملين، فالثالث ناقص، وأنه معنى التقدير(114)، وقال أيضاً: البُعدُ مانعٌ كالغيم، فيجب على كل حنبلي يصوم مع الغيم، أن يصوم مع البعد، لاحتماله، والشهور كلها مع رمضان في حق المطمور، كاليوم الذي يُشكُّ فيه من الشهر في التحرُّزِ، وطلَبِ التحقيق، ولا أحد قال بوجوب الصوم عليه، بل بالتأخير؛ ليقع أداءً، أو قضاءً، كذا لا يجوز تقديم يوم لا يَتحقَّقُ من رمضان. وقال في مكانٍ آخر: أو يظُنُّه؛ لقبولنا شهادة واحدٍ. وقيل: النهي عنه للتحريم، ونقله حنبل، ذكره القاضي (و م ش). وأوجب (م) الصوم على من شكت في انقطاع حيضها قبل الفجر، وإذا لم يجب صومه، وجب بأداء الشهادة بالرؤية، وإن لم يسأل عنها. ومن نواه احتياطاً بلا مستند شرعي، فبان منه، فعنه: لا يجزئه (و م ش)، وعنه: بلى (و هـ)، وعنه: يجزئه، ولو اعتبرت نية التعيين، وقيل: في الإجزاء وجهان، وتأتي المسألة. ويدخل فيها قوله في «الرعاية»: مَنْ صام بنجوم، أو حساب، لم يجزئه وإن أصاب، ولا يحكم بطلوع الهلال بهما، ولو كثُرَتْ إصابتهما. وهذا معنى كلامه في «منتهى الغاية» قال: لأنه ليس بمستندٍ شرعي(115). ----------------------- (101) هنا ثلاث إجماعات. الأول: أن صوم رمضان فرض. الثاني: أنه فُرض في السنة الثانية. الثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات. (102) قوله: «فإن لم ير مع الصحو ليلة الثلاثين» إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان صحواً فإنهم لا يصومون، وإن حال دون رؤية الهلال غيمٌ أو قترٌ فإنهم يصومون، ويقول - رحمه الله -: «وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب» أي أصحاب الإمام أحمد «وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد تدل عليه» فنقول: هنا لا يتوجه أن نقول: إن مذهب الإمام أحمد إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر هو وجوب الصوم، مع أن الأصحاب - رحمهم الله - نصروا هذا القول نصراً عظيماً، وقالوا: نصوص أحمد تدل عليه. (103) بدأ المؤلف - رحمه الله - بذكر الحجج، فالأصحاب - رحمهم الله - احتجوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما – وفعله، فحديث ابن عمر رضي الله عنه «فإن غم عليكم فاقدروا له» [أخرجه البخاري في الصوم/باب هل يقال: رمضان, أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا (1900)؛ ومسلم في الصوم/باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال, والفطر لرؤية الهلال, وأنه إذا غم أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (1080) (8).] قالوا: معنى «اقدروا له» أي: ضيقوا عليه، فاجعلوا شعبان تسعةً وعشرين، وقالوا: «القدر» هنا بمعنى: التضييق، كقوله – تعالى -: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق:7]. أما فعله فابن عمر رضي الله عنه كان إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان أرسل من يتحرى الهلال، فإن كانت السماء صحواً ولم يره لم يصم، وإن كانت السماء غائمةً صام [أخرجه أحمد (2/5, 13)؛ وأبو داود في الصيام/باب الشهر يكون تسعا وعشرين (2320)؛ والدارقطني (2/161)؛ والبيهقي (4/204).] ، لكن ابن عمر فعله على سبيل الاحتياط؛ لأنه لم يَأمر به ولا أهل بيته، فحتى أهل بيته لم يأمرهم أن يصوموا، مما يدل على أنه فعله على سبيل الاحتياط، أما النص النبوي: «فاقدروا له» فلا يدل على الوجوب، بل ولا على الاستحباب. فإذا قال قائل: معناه: ضيقوا عليه. قلنا: يصح أن نقلب المسألة، ونقول: اقدروا له أي: ضيقوا رمضان، فلا تصوموا، ثم إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً، وقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» [أخرجه البخاري في الصوم/باب قول النبي صلى الله عليه وسلم :«إذا رأيتم الهلال فصوموا, وإذا رأيتموه فأفطروا» (1909).] . وهذا يدل على أن معنى: «اقدروا له» أي: أكملوا ثلاثين؛ لأن الحديث يفسر بعضه بعضاً، وقال بعض المتأخرين: معنى «اقدروا له» أي: اعملوا بما يقتضيه الحساب، فيكون هذا من باب التقدير، فـ «اقدروا له» أي: قدروا هل هلَّ أو لم يهل؟ وهذا ليس ببعيد، وهو متمشٍ على القواعد، أنه إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن، ولا شك أن الحساب يوجب غلبة الظن. (104) النهي هو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك، فقال: «لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين» [أخرجه البخاري في الصوم/باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين (1914)؛ ومسلم في الصيام/باب «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» (1082).] ، ومعلوم أن من صام قبل أن يرى الهلال فقد تقدمه. (105) أي: شهر شعبان. (106) والصواب: أن له أن يتسحر مع الشك في طلوع الفجر، فلكَ أن تأكل وتشرب؛ لقول الله – تعالى -: {حتى يتبين لكم} [البقرة: 187]، فما دام عندك واحد في المائة أن الفجر لم يطلع فكل. (107) هذا الذي ذكره المؤلف رد على القاضي واضح جداً، وهو أن الأكل والشرب حق للآدمي أباحه الله له، فيتمتع به، فلا نحرمه ونقول: صم يوم الثلاثين من رمضان مع الشك؛ لأننا إذا قلنا ذلك حرمناه مما أحل الله له، ومن ذلك - أيضاً - أذان الفجر الآن، فإن كثيراً من الإخوة في بلادنا ألحوا علينا بأن هذا الأذان متقدم على الوقت، فبعضهم يقول: بربع ساعة، وبعضهم يقول: بعشر دقائق، وبعضهم يقول: بثلث ساعة، وهذا فرق عظيم، وأقرب شيء أنه متقدم خمس دقائق، كما حرره بعض الفلكيين، وعلى هذا فلا يحل لنا أن نحرم الناس ما أحل الله لهم في مدة خمس دقائق، بل ولا دقيقة واحدة؛ لأن الأصل بقاء الليل، وفيه - أيضاً - من الخطر - وهو الأذان قبل الوقت، وصلاة الفجر- وهذا أعظم من أكل الإنسان الذي يريد أن يصوم؛ فإن كثيراً من الناس يرتقب الأذان، فإذا أذن صلى، إما لكونه مريضاً في بيته، أو امرأة، أو ما أشبه ذلك، فهذه المسائل ينبغي للإنسان أن يعرف حدود الله فيها، حتى لا يحرم الناس ما أحل الله - عز وجل – لهم، ولا يحل لهم ما حرم الله عليهم . (108) وهذا تناقض، فكونه يقول: «الطهارة غير مقصودة بنفسها»، وهو في موضع آخر قال: «الطهارة مقصودة في نفسها»، فيكون هذا منه تناقضاً، ومع ذلك لا نسلم أن الطهارة غير مقصودة، بل الطهارة مقصودة بنفسها، تحط الخطايا، وإذا انتهى الإنسان وشهد بالتوحيد فتحت له أبواب الجنة، فهي مقصودة بنفسها بلا شك، والإنسان - دائماً - ينبغي له أن يكون على طهارة. (109) إذا قال - رحمه الله -: «كذا قال» يعني: أنه لم يرتضه، فهو نَظَّر في كلام القاضي، وكذلك في «الانتصار» له أيضاً. (110) هنا فُهِمَ أن الصوم يجب احتياطاً، والتراويح فيها خلاف هل يصليها أو لا؟ و بقية الأشياء المتعلقة بالشهر – كالعدة، وحلول آجال الديون، وغيرها - لا يحكم فيها بهذا الحكم؛ ولهذا قال: «لا تثبت». (111) المذهب: إذا كانت ليلة الثلاثين غيم أو قتر فإن الإنسان ينوي الصوم حكماً ظنياً احتياطاً، وقيل: إنه ينوي حكماً جازماً بوجوبه، وهذا غريب، إذ كيف يجزم بوجوبه؟ لكن يقولون: يجزم بوجوبه لا بكونه من رمضان، فالجزم عندهم بالوجوب لا بكونه من رمضان، والخلاف قريب من اللفظي، وكل هذه الأقوال ضعيفة لا أصل لها. (112) إذن هذا القول هو المختار: وهو أن صومه لا يجب، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد رحمه الله، إلاَّ إذا رئي الهلال أو أكمل شعبان ثلاثين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا هو اصطلاحه رحمه الله، وهو إذا قال: «شيخنا» فهو ابن تيمية، وإذا قال: «الشيخ» فهو الموفق صاحب «المغني»، بخلاف ما يقوله صاحب «الإقناع» والمتأخرون، فإذا قالوا: «الشيخ» فيعنون به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. (113) هذا القول هو الذي عليه عمل الناس الآن في الغالب، فالإمام يتحرى الهلال، ثم يَأمر بالصوم، فإذا أمر وجب، فيكون الناس تبعاً للإمام، حتى من يرى أنه لا يصام إلا برؤية الهلال، فإذا أمر الإمام بالصوم وجب أن يصوم من أجل اتحاد كلمة الناس وعدم الاختلاف. (114) قوله - رحمه الله -: «معنى التقدير» يعني: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «اقدروا له» يعني: إذا تم شهران فالثالث ناقص، هذا في الغالب. (115) قوله - رحمه الله -: «لأنه ليس بمستند شرعي» مثل: أن يكون يوم الثلاثين ليس فيه غيم ولا قتر، فقال: لعله رئي في مكان آخر، فصام احتياطاً، ثم تبين أنه من رمضان فإنه لا يجزئُه؛ لأنه ليس له مستند شرعي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن غُم عليكم» وهذا لم يغم علينا فيه، فلو صام احتياطاً، ثم ثبت أنه من رمضان فإنه لا يجزئه، وهذا واضح؛ لأنه ليس على مستند شرعي. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18287.shtml |
#7
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: المصدر :وإن رئي الهلال نهاراً وإن رئي الهلال نهاراً، قبل الزَّوالِ أو بعده، أول الشهر أو آخره، فهو لليلة المقبلة (و) هذا المشهور، فلا يجب به صوم، ولا يباح به فطر(116)، وعنه: بعد الزوال للمقبلة، اختاره أبو بكر، والقاضي، وعنه: بعد الزوال آخر الشهر، للمقبلة، وعنه: آخر الشهر قبل الزوال وبعده، للمقبلة(117). و يقال: من الصباح إلى الزوال: رأيت الليلة، كما في قوله عليه السلام في حديث الرؤيا: «رأيت الليلة». وبعد الزوال يقال: رأيت البارحة. قاله ثعلب وغيره. قالوا: وهي مشتقَّةٌ من: بَرِح، إذا زال(118)، وفي «الصحيحين» عن سَمْرةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصُّبحَ قال: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟»، فيكون مراد ثعلب وغيره الحقيقة، وإلا فالمنع مطلقاً باطل. وبعض العوام يحذف الهاء من: البارحة، واللغة إثباتها. ------------------------- (116) يعني: إذا كان في العيد. (117) القول الراجح في هذه المسألة: أنه إذا رئي الهلال في النهار، فإن كان خلف الشمس فهو للّيلة المقبلة إن كان قريباً من الشمس قطعاً؛ لأنه ليس للماضية، وإن كان قبل الشمس فهو - قطعا - ليس للماضية، ويحتمل - إذا كان قريباً من الشمس - أن تسبقه الشمس، فيتأخر ويُرى، فإن كان بعيداً عن الشمس فليس لليلة الماضية أو المقبلة؛ لأن الهلال في آخر الشهر يُرى خلف الشمس، فإذا كان بعيداً علمنا أنه لن يهل، والآن - والحمد لله - وجدت المراصد، واستعين بها في الرؤية. (118) يعني: هل يقال: الليلة زارني فلان، أو البارحة؟ إذا كان قبل الزوال يقال: الليلة، وإن كان بعده فيقال: البارحة، وهذا ما ذكره العلماء عن أئمة اللغة، لكن عُرفُنَا بالعكس، ففي العرف إذا طلعت الشمس قالوا: البارحة، ولو قبل الزوال، وإذا كان قبل طلوع الشمس قالوا: الليلة؛ هذا العرف، ففي الأيمان، وفي آجال الديون، وما أشبه ذلك يُتَّبَعُ العرف. http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18288.shtml |
#8
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: وإن ثبتت رؤيته بمكان قريب أو بعيد وإن ثبتت رؤيته بمكان قريب أو بعيد، لزم جميع البلاد الصوم، وحُكْمُ من لم يره كمن رآه، ولو اختلفت المطالع، نص عليه (و) ذكره جماعة؛ للعموم، واحتج القاضي والأصحاب وصاحب «المغني» و«المحرر» بثبوت جميع الأحكام، فكذا الصوم. كذا ذكروه، ومن يخالف في الصوم مع الاحتياط للعبادة لا أظنه يُسلِّمُ هذا(119)، ولهذا -على المَذْهب- يجب مع الغيم، ولا تثبت الأحكام، واحتج بعضهم بأن ضابط اختلاف المطالع من جهة المُنَجِّمينَ. كذا قال(120). وأجاب القاضي عن قول المخالف: الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها، وقد ثبت أن لكل بلد حكم نفسه، كذا الهلال؟ فقال: يتكرر مراعاتها في كل يوم، فتَلحَقُ المشقة في اعتبار طلوعها وغروبها؛ فيؤدي إلى قضاء العبادات، والهلال في السنة مرَّةٌ، فليس كبير مشقَّةٍ في قضاء يوم. ودليل المسألة من العموم يقتضي التسوية(121)، وسبق قول أحمد أول المواقيت: الزوال في الدنيا واحد. لعله أراد هذا، وإلا فالواقع خلافه(122). وقال شيخنا: تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا. قال: فإن اتفقَتْ، لزم الصوم، وإلا فلا. وفاقا للأصح للشافعية. واختار صاحب «الرعاية» البعد مسافة قصر، فلا يلزم الصوم(123)، وفي «شرح مسلم»: أنه الأصح للشافعية، واختار بعض الشافعية: البعد اختلاف الإقليم. وعن (م) وقاله المغيرة وابن الماجشون: يَلزمُ بلد الرؤية وعمَلَه فقط، إلا أن يحمل الإمام الناس على ذلك(124). وذكر ابن عبد البر (ع): أن الرؤية لا تراعى مع البعد، كالأندلس من خراسان. كذا قال(125). قال في «الرعاية» - تفريعا على المَذْهب واختياره -: لو سافر من بلد الرؤية ليلة الجمعة، إلى بلد الرؤية ليلة السبت، فبَعُدَ، وتَمَّ شهره، ولم يروا الهلال، صام معهم. و على المذهب: يفطر، فإن شهد به، وقُبلَ قوله، أفطروا معه على المذهب. و إن سافر إلى بلد الرؤية ليلة الجمعة، من بلد الرؤية ليلة السبت، وبَعُدَ، أفطر معهم، وقضى يوماً، على المذهب، ولم يفطر على الثاني. ولو عَيَّدَ، ببلد بمقتضى الرؤية ليلة الجمعة في أوله، وسارت به سفينة أو غيرها سريعا في يومه إلى بلد الرؤية في أول ليلة السبت، وبَعُدَ، أمسك معهم بقية يومه، لا على المذهب. كذا قال، وما ذكره على المذهب واضح، وعلى اختياره فيه نظر؛ لأنه في الأُوْلى اعتبر حُكْمَ البلد المنتقل إليه؛ لأنه صار من جُملتِهم، وفي الثانية اعتبر حُكْمَ المتنقل منه؛ لأنه التزم حُكْمَه، والأصح للشافعية: اعتبار ما انتقل إليه، والثاني: ما انتقل منه. قال صاحب «المحرر» - فيما إذا أفطر على المذهب -: وليكن خفية (126). -------------------------- (119) وهذا - أيضاً – صحيح، لأنه إذا قلنا: إنه يلزم جميع الناس الصوم فإنه لا يلزم أن نقول: يلزمهم بقية الأحكام. والخلاصة في كلام المؤلف: أن هذا القول يقول: إنه إذا ثبتت رؤية الهلال ثبوتاً شرعياً، في أي مكان من الأرض، شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباً، لزم الصوم جميع الناس، وهذا هو المذهب، وهو الذي نص عليه الإمام أحمد رحمه الله، مع أن هذا القول في عصرنا الآن لا يكاد يعرف، فأكثر الناس اليوم يظنون أن المسألة مبنية على اختلاف المطالع، أو على اختلاف الدول، لكن المذهب في هذه المسألة أنه متى ثبت رؤيته في المغرب لزم أهل المشرق، يعني يلزم جميع الناس؛ للعموم، وهو: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا». (120) قوله: «كذا قال» هذا صحيح؛ لأن اختلاف المطالع محسوس، وليس الاختلاف من جهة المنجمين، والمنجم قوله مبني على الظن والتخمين، أما اختلاف المطالع فهذا أمر محسوس، فكما يختلف بالجهات طلوع الشمس وغروبها، كذلك يختلف طلوع الهلال وغروبه. (121) هذا رد على الذين قالوا: دليل المسألة في العموم يقتضي التسوية؛ لأن الله تعالى قال: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187]، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا رأيتموه فأفطروا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم» [أخرجه البخاري في الصوم/باب متى يحل فطر الصائم (1954)؛ ومسلم في الصيام/باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار (1100).] ، ومن المعلوم: أنه لا يفطر أهل المغرب بفطر أهل المشرق، فلا فرق. (122) معنى كلام الإمام أحمد - رحمه الله -: «الزوال في الدنيا واحد» يعني: الشمس إذا مالت من الجانب الشرقي في الأفق إلى الجانب الغربي في الأفق، فهذا الزوال في أي مكان، وليس المعنى إذا زالت في المشرق فقد زالت في المغرب، أو العكس، فالإمام أحمد أعلم وأفقه من أن يريد هذا. (123) قوله: «مسافة قصر» يعني: أن أهل الرياض - مثلاً – يصومون، ونحن في القصيم لا نصوم إلا إن رأيناه، وهذا قول ضعيف، من أضعف الأقوال، أن يكون المعتبر مسافة القصر. (124) هذا قول جيد، وهو الذي عليه العمل، أنه يلزم أهل بلد الرؤية وعمله، أي: التابع له في الولاية، فعمل الناس اليوم هكذا، ورأينا من بعض الدول عجباً عُجابا، إذا صلحت العلاقات بين الدولتين فالرؤية واحدة، وإن ساءت العلاقات اختلفت المطالع، فالله المستعان. (125) هنا تعُقبه قد يبدو جيداً، فقوله: «كذا قال» يحتمل أن يكون عائدا على مسألة أنه لا تعتبر مع الأندلس وخراسان، ويحتمل أن النظر في حكاية الإجماع، وكلاهما صحيح، فمثلاً نحن نعلم أنه إذا رئي الهلال في خراسان فسيرى في الأندلس، وإن رئي في الأندلس فلا يلزم أن يرى في خراسان؛ لأن خراسان في الشرق، والأندلس في المغرب، فإذا كانت الشمس قد سبقت القمر في خراسان لزم أن تسبقه في الأندلس ولابد، وأما العكس فلا، فقد يرى في الأندلس ولا يرى في خراسان؛ لأن هذه المسافة يمكن أن تسبق الشمسُ القمرَ، وإذا سبقته رئي الهلال. (126) هذه المسألة تقع كثيراً، خصوصاً في وقتنا، وهي ما لو صام شخص - مثلاً - في المغرب ليلة السبت، ثم قدم إلى المشرق ولم يروا الهلال، أكمل ثلاثين وهم لم يروه، فهل يفطر سراً؛ لأن الشهر لا يمكن أن يزيد عن ثلاثين، أو يصوم معهم؟ الجواب : يصوم معهم ولو زاد على الثلاثين، فهو كما لو سافر في أثناء النهار وامتد النهار، مثل أن يسافر من المملكة العربية السعودية إلى جهة الغرب، كأوروبا مثلاً، فالشمس ستبقى معه طويلاً، فنقول له: لا تفطر حتى تغرب الشمس، ولو زاد اليوم إلى يومٍ ونصف، لكن إن شاء أفطر؛ لأنه مسافر، وهكذا - أيضاً - لو زاد على الثلاثين يوماً. وأما العكس كما لو أنه سافر من المشرق إلى المغرب، وأفطروا وهو لم يتم تسعة وعشرين يوماً، فإنه يفطر معهم ولا بد، حتى وإن لم يصم إلا ثمانيةً وعشرين يوماً فإنه يفطر ويقضي يوماً؛ لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وعلى هذا فلا نقول: إنه يعتبر البلد المنتقل منه، ولا البلد المنتقل إليه على سبيل الإطلاق، بل في ذلك تفصيل، وإذا سافر على أنه صائم من بلد، ثم وصل إلى البلد الثاني وهم مفطرون، على أنه يوم عيد فهنا يفطر معهم، لكنه يقضي يوماً؛ لأنه لم يتم الشهر، هذا على ما اخترنا من اعتبار اختلاف المطالع. أما إذا قلنا: متى ثبتت الرؤية في أي بلد إسلامي فإنه يجب على المسلمين عموماً فيختلف الحكم، فمثلاً: إذا صام ليلة السبت، ثم سافر إلى بلد لم يروه إلاَّ ليلة الأحد، وأتموا ثلاثين، فهنا يكون له واحداً وثلاثين، فيجب عليه أن يفطر سراً؛ لأن الشهر تم ثلاثين في حكمه وحكمهم؛ إذ الواجب على هؤلاء أن يكونوا تبعاً للبلد الذي ثبت فيه الهلال، وإذا شهد عند البلد الذين لم يثبت عندهم الهلال إلا متأخراً، فإن قبلوا شهادته أفطروا بشهادته، وإن لم يصوموا إلا ثمانية وعشرين يوما،ً وإن لم يقبلوها استمروا، وإذا صاموا ثمانية وعشرين يوماً، وجب عليهم قضاء يوم، هذا بناءً على أنه متى ثبتت رؤيته في بلد لزم جميع الناس، فيكون هؤلاء الذين تأخروا عن بلد الرؤية أفطروا يوماً من رمضان؛ لأن الشهر في حقهم ثابت بناءاً على أنه يلزم الجميع، فيكونون قد أفطروا يوماً من رمضان، فيفطرون إذا أتموا الثلاثين يوماً برؤية البلد الآخر، ويقضون يوماً. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18289.shtml |
#9
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد. نص عليه (وش)، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء؛ لحديثي ابن عباس وابن عمر؛ ولأنه خبر ديني، وهو أحوط، ولا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر؛ ولاختلاف أحوال الرائي والمرئي، ولهذا لو حكم حاكم بشهادة واحد، وجب العمل بها (وهـ). وفي «الرعاية»: وقيل: حتى مع غيم وقترة. فيفهم منه: أن المقدم خلافه، والمذهب: التسوية. وقال أبو بكر: إن جاء من خارج المِصْرِ، أو رآه فيه لا في جماعة، قُبِلَ واحد، وإلا اثنان، وحكي رواية. وفي «الرعاية» هذه الرواية، إلا أنه قال: لا في جمع كثير، ولم يقل: وإلا اثنان لا في جمع كثير قبل، وإلا فلا. ومذهب (هـ) يُقْبَلُ واحد في غيم، أو رآه خارجه، أو أعلى مكان منه كالمنارة، ومع الصحو التواتر. وعن أحمد - رحمه الله -: يعتبر عَدْلانِ (و م ق) فعلى الأول - وهو المَذْهب -: هو خبر، فتُقبَلُ المرأة والعبد، ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم من سمعه من عدل. زاد بعضهم: ولو رد الحاكم قوله. ولا يُعتبَرُ لفظ الشهادة، وذكر القاضي فيه في شهادة القاذف: أنه شهادة لا خبر. وذكر بعضهم وجهين، فتنعكس الأحكام، وهذا أصح للشافعية، ويتوجه في المستور، والمُمَيِّز الخلاف، وجزم في «المستوعب» وغيره: لا يقبل صبي. وفي «الكافي»: يُقبَلُ العبد؛ لأنه خبر، وفي المرأة وجهان: أحدهما: يُقبَلُ؛ لأنه خبر. والثاني: لا؛ لأن طريقه الشهادة، ولهذا لا يُقبَلُ فيه شاهد الفَرْعِ، مع إمكان شاهد الأصل(127)، ويطَّلعُ عليه الرجال، كهلال شوال. كذا قال. وإذا ثبت بقول الواحد، ثبتت بقيَّةُ الأحكام، جزم به صاحب «المحرر» في مسألة الغيم. وقال القاضي في مسألة الغيم - مفرِّقاً بين الصوم وبين غيره -: قد يثبت الصوم بما لا يثبت الطلاق والعتق، ويحل الدَّيْن وهو شهادة عدل. ويأتي: إذا علَّقَ طلاقها بالحمل، فشهد به امرأة، هل تطلُقُ؟ ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان (و م ش) لا واحد، حكاه الترمذي (ع) خلافا لأبي ثور وغيره، وفي «الرعاية»: وعنه: يُقبَلُ في هلال شوَّالٍ قول عَدْلٍ واحد، بموضع ليس فيه غيره، لا رجل وامرأتان (هـ)؛ لأنه يقبل ذلك في غير العقوبات، ولا يعتبر التواتر في العيدين مع الغيم(هـ). ----------------------- (127) قوله: «شاهد الفرع مع إمكان شاهد الأصل» يعني: الذي يشهد على شهادة الواحد هذه تسمى شهادة الفرع، والأصل هو الشاهد الأول، فيأتي إنسان ويقول: أشهد أن فلاناً شهد بكذا وكذا. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18290.shtml |
#10
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: ومن صام بشاهدين ثلاثين يوماً ومن صام بشاهدين ثلاثين يوماً، ولم يره إذَنْ أحد، أفطر، وقيل: لا مع صحو. واختاره في «المستوعب»، وأبو محمدٍ ابن الجوزي لأن عدم الهلال يقين، فيُقدَّم على الظن، وهي الشهادة. وعلى الأول فيمن صام بقول واحد وجهان، وقيل: روايتان، وقيل: لا فطر مع الغيم، اختاره صاحب «المحرر» (وهـ) والأصح للشافعية(128). وإن صاموا لأجل الغيم، لم يفطروا؛ لأن الصوم إنما كان احتياطا، فمع موافقته للأصل - وهو بقاء رمضان - أوْلى وقيل: بلى. قال صاحبُ «الرعاية»: إن صاموا جزماً مع الغيم، أفطروا، وإلا فلا، فعلى الأول: إن غُمَّ هلال شعبان، وهلال رمضان، فقد نصوم اثنين وثلاثين يوماً، حيث نقصنا رجباً وشعبان، وكانا كاملين، وكذا الزيادة إن غم هلال رمضان وشوال، وأكملنا شعبان ورمضان وكانا ناقصين. وفي «المستوعب»: وعلى هذا فَقِسْ. وليس مراده مطلقا. قال في «شرح مسلم»: قالوا - يعني العلماء -: لا يقع النقص متواليا في أكثر من أربعة أشهر، وفي «الصحيحين» من حديث أبي بكرة: «شَهْرا عيد لا يَنْقصان:ِ رمضان وذو الحجة»(129). نقل عبدالله، والأثرم، وغيرهما: لا يجتمع نقصانهما في سنة واحدة. ولعل المراد: غالباً، وأنكر أحمد تأويل من تأوله على السنة التي قال النبُّي صلى الله عليه وسلم ذلك فيها. ونقل أبو داود: لا أدري ما هذا؟ قد رأيناهما ينقصان. وقال إبراهيم الحربي: معناه: ثواب العامل فيهما على عهد أبي بكر الصديق واليومِ واحد. ويتوجه احتمال: لا يَنقُص ثوابهما إن نقَصَ العدد، وفاقاً لإسحاق، وجماعة من العلماء. وقاله ابن هبيرة، قال: ويزيدهما فضلا إن كانا كاملين. قال القاضي: الأشبه الأول؛ لأن فيه دلالة على معجزة النبوة؛ لأنه أخبر بما يكون في الثاني، وما ذهبوا إليه فإنما هو إثبات حكم. كذا قال(130). وإن صاموا ثمانية وعشرين ثم رأوا هلال شوال، قضوا يوما فقط. نقله حنبل، واحتج بقول علي رضي الله عنه، ولبُعْدِ الغلط بيومين. ويتوجه: تخريج واحتمال. ومن رأى هلال رمضان وحده، ورُدَّت شهادته، لزمه الصوم (و) وحكمُه (و)؛ للعموم، وكعِلْم فاسقٍ بنجاسة ماء، أو دَيْن على موروثه؛ ولأنه يلزمه إمساكه لو أفطر فيه، ويقع طلاقه وعتقه المُعلَّق بهلال رمضان، وغير ذلك من خصائص الرمضانية، ولهذا فارق غيره من الناس، وليست الكفَّارةُ عقوبة مَحْضةً، بل هي عبادة، أو فيها شائبة العبادة، بخلاف الحد، ويأتي في صوم المسافر: أن الخلاف ليس شبهة في إسقاطها. ذكر ذلك في «منتهى الغاية»، وفي «المستوعب» وغيره - على رواية حنبل -: لا يلزمه صوم، لا يلزمه شيء من أحكامه. وحديث أبي هريرة: «صومكم يوم تصومون». رواه الترمذيُّ، وقال: حسن غريب، وفيه عبد الله بن جعفر، وهو ثقة عندهم، وتكلم فيه ابن حبان، وقد رواه أبو داود، وابن ماجة، والإسناد جيد، فذكر الفطر والأضحى فقط، ومذهب (هـ) إن وطئ فيه فلا كفارة عليه، وذكره ابن عبد البر قول أكثر العلماء. كذا قال. ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم، اختاره شيخنا(131). قال: ولا غيره. وعلى الأول هل يفطر يوم الثلاثين من صيام الناس؟ فيه وجهان، ذكرهما أبو الخطاب، ويتوجه عليهما: وقوع طلاقه، وحل دَيْنِهِ المُعلَّقَين به، واختارَ صاحب «الرعاية» يقع ويَحِلُّ. وإن رأى هلال شوال وحده، لم يفطر. نقله الجماعة (وهـ م)؛ للخبر السابق، وقاله عمر وعائشة؛ ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط. قال شيخنا: وكما لا يعرف وحده، ولا يُضحِّى وحدَه، قال: والنزاعُ مبني على أصل، وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في السماء، وإن لم يشتَهِرْ ولم يظهر، أو أنه لا يسمى هلالاً إلاّ بالظهور والاشتهار، كما يدل عليه الكتاب والسنة، والاعتبار؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد. وقال أبو حكيم: يتخرج أن يفطر. واختاره أبو بكر. قال ابن عقيل: يجب أن يُفطرَ سرًّا (وش)؛ لأنه يتيقنه يوم العيد، وعلل ابن عقيل بما فيه من المفسدة، كتركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، وقَتْلَ المنافقين. قال: ولأن الحقوق يُحكَمُ بها عليه فيما يخصه، كذا الفطر. ولما احتج على القاضي بثبوت الحقوق التي عليه، أجاب بأنا لا نعرف الرواية في ذلك، ثم فرق بأنها عليه، والفطر حقٌّ له، كاللقيط إذا أقر بأنه عبد، يقبل فيما عليه وهو الرِّقُّ، ولم يُقبلَ فيما له من إبطال العقود. قيل لابن عقيل: فيجب منع مسافر، ومريض، وحائض من الفطر ظاهراً؛ لئلاَّ يُتَّهم؟ فقال: إن كانت أعذارا خفيَّةً، مُنِعَ من إظهاره، كمرض لا أمَارةَ له، ومسافر لا علامة عليه. وذكر القاضي أنه يُنكر على مَنْ أكل في رمضان ظاهراً، وإن جاز هناك عذر، فظاهره المنع مطلقا. وقد قال أحمد - رحمه الله -: أكره المدخل السوء(132). وفي «الرعاية» - فيمن رأى هلال شوال -: وعنه: يفطر، وقيل: سرًّا، كذا قال. وقال صاحب «المحرر»: لا يجوز إظهار الفطر (ع). قال: والمُنفردُ بمفَازةٍ ليس بقربه بلد، يبني على يقين رؤيته؛ لأنه لا يتيقن مخالفة الجماعة، بل الظاهر الرؤية بمكان آخر. وإن رآه عَدْلانِ، ولم يشهد عند الحاكم، أو شهدا فرَدَّهما؛ لجهله بحالهما، لم يجُزْ لأحدهما، ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما، في قياس المذهب. قاله صاحب «المحرر»؛ لما سبق، ولما فيه من الاختلاف، وتشتيت الكلمة، وجَعْلِ مرتبة الحاكم لكل إنسان، وجزم الشيخ بالجواز؛ لقوله عليه السلام: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا». رواه أحمد، والنسائي(133). --------------------------- (128) هذه المسألة مهمة، وهي: إذا صاموا بشهادة اثنين، ثم تم الشهر ثلاثين ولم ير الهلال، فهل نفطر أو لا نفطر؟ هنا ذكر القولين، وقال: إذا لم يُر فشهادة الشاهدين عن ظن؛ لأن عدم الرؤية يقين، وشهادة الشاهدين ظن، لكن الأصح أنه إذا صاموا بشهادة اثنين أفطروا، سواء كانت غيماً أم صحواً. (129) يعني لا ينقصان في سنة واحدة، والمراد غالباً، إذ أنهما قد ينقصان، ولهذا أنكر الإمام أحمد على من فسَّر الحديث بأنهما لا ينقصان في تلك السنة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، ثم إنه توقف رحمه الله، كما قال: «نقل أبو داود قال: لا أدري ما هذا؟» وهذا من احترام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العلماء؛ لأن الواقع يدل على خلاف هذا الحديث؛ إذ أنهما قد ينقصان في سنة واحدة، وهناك تأويل سيذكره المؤلف، هو أصح ما قيل في ذلك. (130) هنا كلام القاضي - رحمه الله - تعقبه ابن مفلح - رحمه الله - بأن هذا معجزة للرسول (، وأنه لا يمكن أن ينقص في سنة واحدة، لكن يقال: إن هذا واقع، وأنهما ينقصان في سنةٍ واحدة، فيكون أصحّ ما يقال: إنهما لا ينقصان في الثواب، وإن نقصا في العدد. (131) قوله: «لا يلزم الصوم اختاره شيخنا» حتى مع رؤية الهلال، فإذا رأى الهلال، وتيقن رؤيته مثل الشمس، ولكنه لم يثبت عند الناس، فإنه لا يصوم، هذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله؛ لئلا يفرِّق الجماعة؛ لأنه لو صام ثم أتم ثلاثين يوماً والناس صائمون لزم أن يفطر والناس صائمون، ولزمه أن يصلي العيد، وهذا خلاف الجماعة. (132) قوله: «المدخل السوء» معناه: ما يدخل عليه ويساء به الظن من أجله، فالإمام أحمد - رحمه الله - يكرهه؛ لأن الإنسان ينبغي له أن يدرأ الغيبة عن نفسه ما استطاع. (133) هذا بشرط أن يعلم عدالتهما، وأما إذا لم يعلم فإنه لا يجوز أن يفطر بشهادتيهما حتى يثبته الحاكم. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18291.shtml |
#11
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: وإذا اشتبهت الأشهُرُ على الأسير والمطمور ومن بمفَازَةٍ ونحوهم وإذا اشتبهت الأشهُرُ على الأسير، والمطمور، ومن بمفَازَةٍ ونحوهم، تحرى وصام، فإن وافق الشهر أو ما بعده، أجزأه (و)، فلو وافق رمضان السنة القابلة، فقال صاحب «المحرر»: قياس المَذْهب لا يُجزئه عن واحدٍٍٍٍٍٍٍٍ منهما إن اعتبرنا نية التعيين، وإلا وقع عن الثاني، وقضى الأول، وإن وافق قبله، لم يجزئه. نص عليه. (و)؛ لا أنه إن تكرر قبله، يقضي السنة الأخيرة فقط، (هـ)، ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية، ثم عَلِمَ، صام ثلاث أشهر، شهراً على إثر شهر، كالصلاة إذا فاتته، نقله مهنا، وذكره أبو بكر في «التنبيه». ومرادهم - والله أعلم - أن هذه المسألة كالشك في دخول وقت الصلاة، على ما سبق، وسبق في باب النية: تصح نيَّة القضاء بنيَّةِ الأداء، وعكسه، إذا بان خلاف ظنه للعجز عنها، وإن تحرى وشك، وقع قبله أو بعده، أجزأه، كمن تحرى في الغيم وصلى. صوم رمضان فرض على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم(134) (ع)، وسبق حكم الكافر أول كتاب الصلاة، ولا يجب على صبي (و)، وعنه: بلى إن أطاقه، اختاره أبو بكر، وابن أبي موسى، وقاله عطاء، والأوزاعي، وعبد الملك بن الماجشون المالكي، وأطلق في «الترغيب» وجهين، وأطلق ابن عقيل الروايتين، والمراد: المُمَيِّزُ،كما ذكره جماعة. وحَدَّ ابن أبي موسى طاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية، ولا يضره؛ لخبر مرسل، وعنه: يلزم مَنْ بلغ عشر سنين وأطاقه. وقد قال الخِرقيُّ: يؤخذ به إذَنْ. قال الأكثر: يؤمر به الصبي إذا أطاقه (م) ويضرب عليه؛ ليعتاده، أي: يجب على الولي ذلك. ذكره جماعة. وذكر الشيخ قول الخِرقيِّ، وقال: اعتباره بالعشر أولى؛ لأمره عليه السلام بالضرب على الصلاة عندها. وقال صاحب «المحرر»: لا يُؤخَذُ به، ويضرب عليه فيما دون العشر كالصلاة. وإن أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر، لم يلزمه قضاء ما سبق منه، خلافا لعطاء وعكرمة(135). وإن أسلم الكافر، أو بلَغَ الصبي، أو أفاق المجنون في النهار، لزمه إمساك ذلك اليوم (م ش) وقضاؤه (خ) في ظاهر المذهب؛ لأمره عليه السلام بإمساك يوم عاشوراء، ولحرمة الوقت (و هـ)، وكقيام بينة فيه بالرؤية، كما تجب الصلاة بآخر وقتها، وكالمحرم يلزمه صوم يوم عن بعض مد في الفدية، وعنه: لا يجبان، ويأتي الكلام في المجنون: هل يقضي؟ وإن قلنا: يجب الصوم على الصبي، عصى بالفطر وأمسك، ويقضي كالبالغ (136). وإن نوى المُمَيِّزُ الصوم، ثم بلغ في النهار بسن أو احتلام وقلنا: يقضي لو بلَغَ مفطراً، فلا قضاء عليه عند القاضي، كنذره إتمام نفل، وعند أبي الخطاب: يلزمه القضاء، كقيام البينة يوم الثلاثين، وهو في نفل معتاد. وسبق الوجوب في أحدهما، وتجدُّدُه في الآخر مُلْغىً بما لو كانا مفطرين، وكبلوغه في صلاة وحج، فعلى هذا: هو كمسافر قدم صائما، يلزمه الإمساك، وحُكِيَ قول هنا، وعلى الأول: هو كبُلوغِه مفطراً(137). وإن طَهُرت حائض أو نفساء، أو قدِمَ مسافراً، أو أقام مفطراً، أو بَرِىء مريض مفطراً، لزمهم الإمساك على الأصح (وهـ) كالقضاء (ع)، وكمقيم تعمد الفطر (و) سافر، أو حاضت المرأة أوْ لا. نقله ابن القاسم، وحنبل، ويعايى بها. ويتوجه: لا إمساك مع حيض، ومع السفر خلاف. وفي «المستوعب» رواية في صائم أفطر عمداً، أو لم ينو الصوم حتى أصبح: لا إمساك عليه. كذا قال. وأطلق جماعة الروايتين في الإمساك. وقال في «الفصول»: يمسك من لم يفطر، وإلا فروايتان، وذكر الحُلْوانيُّ: إذا قال المسافر: أُفِطرُ غدا، كقدومه مفطراً. وجعله القاضي محل وفاقٍ. وإذا لم يجب الإمساك فقَدِمَ مسافر مفطراً، فوجد امرأته طهرت من حيضها، له أن يطأها. وإن برِىءَ مريض صائماً، أو قدِمَ مسافر، أو أقام صائماً، لزمه الإتمام (و) وأجزأ (و)، كمقيم صائم مرِضَ، ثم لم يفطر حتى عُوفيَ (و) ولو وطئا فيه، كَفَّرا. نصَّ عليه (هـ) كمقيم وطِئَ ثم سافر(138). وإن علِمَ مسافر أنه يقدم غداً، لزمه الصوم. نقله أبو طالب، وأبو داود، كمن نذر صوم يوم يقدَمُ فلان، وعلِمَ قدومه في غدٍ، بخلاف الصبي يعلم أنه يبلغ في غدٍ؛ لأنه غير مكلَّفٍ، وقيل: يُستحبُّ (و) لوجود سبب الرُّخصةِ. قال صاحب «المحرر»: وهو أقيَسُ؛ لأنَّ المختار: أن من سافر في أثناء يوم له الفطر، وإن قامت بَيَّنةٌ بالرؤية في يوم منه، أمسك (و) وقضى (و) وذكر أبو الخطاب رواية: لا يلزمه الإمساك. وقاله عطاء. وخرج في «المغني» على قول عطاء من ظــن أن الفجر لم يطلُعْ، وقد طلَعَ، ونحو ذلك (139). وقال شيخنا: يُمسِكُ ولا يقضي، وإنه لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب، لم يقض(140). والرِّدَّةُ تمنع صحة الصوم (ع) فلو ارتد في يوم، ثم أسلم فيه أو بعده، أو ارتد في ليلته، ثم أسلم فيه، فجزم الشيخ وغيره بقضائه. وقال صاحب «المحرر»: ينبني على الروايتين فيما إذا وُجِدَ المُوجبُ في بعض اليوم، فإن قلنا: يجب، وجب هنا، وإلا فلا، ومذهب (هـ) لا يقضي؛ لوجوب المُسْقِط، ومذهبُ (ش) يقضي؛ لأن الرِّدَّةَ لا تمنع الوجوب عنده. وإن حاضت المرأة في يوم، فقال أحمد: تُمسِك، كمسافر قَدم، وجعلها القاضي كعكسها، تغليبا للموجب، ذكره ابن عقيل في «المنثور» وذكر في «الفصول» فيما إذا طرأ المانع، روايتين، وذكر صاحب «المحرر» - ويُؤخَذ من كلام غيره -: إن طرأ جنون، وقلنا: يمنع الصحة، وأنه لا يقضي، أنه هل يقضي؟ على الروايتين في إفاقته في أثناء يومٍ، بجامع أنه أدرك جُزْءاً من الوقت. وظاهر كلامهم لا إمساك مع المانع، وهو أظهر(141)، ولا يلزم الإمساك من أفطر في صوم واجب غير رمضان. ذكره جماعة، وذكر صاحب «المحرر» ما ذكره جماعة أنه يمسك إذا نذر صوم يوم قدوم زيد، وأنه يدل على وجوبه، فإنهم إذا قالوه في هذا المعذور فغير المعذور أولى. قال: ولا وجه له عندي في الموضعين؛ لأن الحرمة هنا للعبادة خاصة، وقد فقدت. كذا قال. ولا يلزم التعيين زمن العبادة في النذر المعين، كرمضان، بخلاف غيره، وقال فيها في «الخلاف»(142): وفي صوم النذر لا يلزم الإمساك. قال: لأنه لا يلزمه لو أفطر عمداً بلا عذرٍ؛ لأنه لا يلحقه تهمة، بخلاف رمضان. كذا قال. ومَنْ نوى الصوم ليلا ثم جُنَّ أو أغمي عليه جميع النهار، لم يصح صومه (هـ)؛ لأن الصوم الإمساك مع النية. وفي «المستوعب» خرج بعض أصحابنا من رواية صحة صوم رمضان بنية واحدة في أوله أنه لا يقضي من أغمي عليه أياما بعد نيَّتِه المذكورة، وإن أفاق المغمى عليه في جزء من النهار، صح صومه، لدخولِهِ في قوله عليه السلام: «يدع طعامه وشرابه من أجلي». ومذهب (م ق) إن كان مفيقًا أول اليوم صح، وإلا فلا؛ لأن الإمساك أحد ركني الصوم، فاعتبر لأوله كالنية، واعتبر بعض المالكية إفاقته أكثر اليوم، ولا يُفِسد قليل الإغماء الصوم (ق). والجنون كالإغماء (و)، وقيل: يَفسُد الصوم بقليله، اختاره ابن البناء، وصاحب «المحرر»، (وق) الجديد، كالحيض، بل أولى؛ لعدم تكليفه. وقال في «الواضح»: هل من شرطه إفاقته جميع يومه، أو يكفي بعضه؟ فيه روايتان (143). وإن نام جميع النهار، صح صَوْمُهُ (و) خلافاً للإصطخري الشافعي؛ ولأنه إجماع قَبْلَه، ولأنه معتاد إذا نُبِّه انتبه، فهو كذاهلٍ وساهٍ. وإذا لم يصح الصوم مع الإغماء، لزمه القضاء في الأصح (و) لأنه مرض، ولأنه يغطي العقل، ولا يرفع التكليف، ولا تطول مدَّتُه، ولا ولاية على صاحبه، ويدخل على الأنبياء؛ بخلاف الجنون. ولا يلزم المجنون القضاء سواء فات بالجنون الشهر أو بعضه (و ش)، وعنه: يقضي (و م )، وعنه: إن أفاق في الشهر، قضى، وإن أفاق بعده، لم يقضِ (و هـ)؛ لعِظَمِ مشقه القضاء. ومن جن في صوم قضاء وكفارة، ونحو ذلك، قضاه بالوجوب السابق(144). -------------------------- (134) وهنا يزاد شرط سادس: وهو أن لا يكون ثمةَ مانع، فإن كان هناك مانع كالحيض، والنفاس، لم يجب. (135) الخلاصة أن البلوغ ضده الصغر، فلا يلزم الصغير، لكن يلزم وليه أن يأمره به إذا أطاقه؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم. (136) الصحيح أنه يلزمهما الإمساك دون القضاء، فإذا بلغ الصبي في أثناء النهار، إما بتمام خمس عشرة سنة، أو بإنزال المني، فنقول: أمسك؛ لأنه الآن خوطب مخاطبة البالغ، فيمسك ولا يقضي؛ لأنه في أول النهار كان ممن لا يلزمه الصوم، فلا يلزمه القضاء، وكذلك يقال في المجنون إذا أفاق، فنقول له: أمسك ولا قضاء عليك، وكذلك إذا أسلم الكافر في أثناء النهار، نقول: أمسك ولا قضاء عليك، فتكون الأقوال ثلاثةً: القول الأول: وجوب الإمساك والقضاء، وهو المذهب. القول الثاني: وجوب الإمساك دون القضاء. القول الثالث: عدم الوجوب، لا في الإمساك ولا في القضاء. والصواب وجوب الإمساك دون القضاء . (137) والصواب أنه لا قضاء عليه، فإذا بلغ الصبي في أثناء النهار وهو صائم فلا قضاء عليه؛ لأنه قد شرع فيه، وإذا كان لا يلزمه القضاء لو كان مفطراً فهذا من باب أولى. (138) هذه المسألة الصحيح فيها: أنه لا يلزمهما الإمساك، يعني إذا قدم المسافر مفطراً، فإنه لا إمساك عليه، وله أن يأكل بقية النهار، وإذا طهرت المرأة من الحيض فإنه لا يلزمها الإمساك، وتأكل بقية النهار، لكن يلزمهم القضاء، على عكس الصغير يبلغ، والكافر يسلم، والمجنون يفيق، والفرق أن هذا فيه زوال مانع، وذاك فيه قيام سبب الوجوب، فافترقا، ففيمن وجد في حقه سبب الوجوب في أثناء النهار نقول له: أمسك ولا قضاء، وفيمن زال المانع في أثناء النهار نقول: اقض، ولا إمساك، ولو قدم المسافر مفطراً، ووجد امرأته قد طهرت من الحيض ومفطرة، فيجوز أن يجامعها على هذا القول، فيلغز بها ويقال: إنسان بالغ عاقل مقيم، جامع في نهار رمضان ولم يلزمه شيء. (139) هذا القول ضعيف جداً، وهو أنه إذا قامت البينة في أثناء النهار لا يمسك، هذا ضعيف، وكذلك إذا أكل يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين طلوعه، يقول: لا يجب عليه الإمساك، وهذا - أيضاً - أشد ضعفاً، فالصواب: أنه يلزمه الإمساك إذا قامت البينة في أثناء النهار، يعني: إذا جاء الشهود إلى القاضي في الضحى، وشهدوا بأنهم رأوا الهلال البارحة، فإنه يلزم الإمساك؛ لأنه تبين أن اليوم من رمضان، وكذلك إذا أكل يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين طلوعه يجب عليه الإمساك؛ لأنه تبين أن اليوم يوم صوم. (140) شيخ الإسلام - رحمه الله - توسع في هذا، فيقول: إذا قامت البينة في أثناء النهار وجب الإمساك، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه أكل في أول النهار جاهلاً، كما لو أكل بعد طلوع الفجر جاهلاً ثم تبين له، فإنه يلزمه الإمساك ولا يقضي، فيقول: هذا مثله، ولكن يقال: الفرق بينهما أن هذا لم يلتزم الصوم أصلاً؛ لعدم ثبوت الشهر عنده، أما ذاك فكان ملتزماً بالصوم، لكن جهل أن الفجر طلع، فقياسه هذه على هذه فيه نظر، صحيح أن المسألتين اتفقتا في أنه أكل جاهلاً بالوقت، لكن الفرق ظاهر؛ فإن من أكل بعد طلوع الفجر قد التزم في الأول أنه صائم اليوم، ولكن أكل ظاناً أنه لم يدخل اليوم، بخلاف الثاني، فإنه لم يأكل على أنه ملتزم أن يصوم هذا اليوم، حتى لو قال: إنه يصوم هذا اليوم، قلنا: لا يمكن؛ لأنه لم تقم البينة حتى الآن. والشيخ يقول – أيضاً -: لو لم يعلم الناس بالهلال إلاّ بعد غروب الشمس لم يلزمهم القضاء، وعلى هذا لو لم يعلموا بأول يوم من الشهر أن الشهر قد دخل حتى غابت الشمس، ورأوا الهلال بعد تسع وعشرين من رؤيتهم البارحة، فيصومون - على رأي الشيخ - ثمانيةً وعشرين يوماً، ويقول: إنه سقط عنهم القضاء في اليوم الأول؛ لأنهم كانوا جاهلين، لكن الصواب وجوب القضاء. (141) قوله: «وهو أظهر» لاشك أنه أظهر، يعني: إذا حاضت المرأة في أثناء النهار نقول: يلزمها الإمساك، هذا ضعيف، وإن حاضت المرأة في يوم فقال الإمام أحمد - رحمه الله -: تُمسك، كمسافر قدم، ولكن الصحيح خلاف هذا، وهو أنها لا تمسك، كما أن المقيس عليه - وهو المسافر إذا قدم إلى بلده - على القول الراجح أنه لا يمسك. (142) قوله: «وقال فيها في «الخلاف»» يعني في كتاب يسمى «الخلاف»، وليس يريد خلاف العلماء. (143) والصحيح أنه لا قضاء على المغمى عليه، وإن أفاق جزءاً من النهار صح فيما بقي، وهذا يقع فيما إذا حصل حادث على الإنسان قبل الفجر، ثم أغمي عليه حتى غابت الشمس، فعلى المذهب يلزمه القضاء، وعلى القول الراجح لا يلزمه القضاء، وحتى في الصلاة لو أغمي عليه، ومضى عليه يوم وليلة فلا يلزمه القضاء، أما من أغمي عليه بفعله كالبنج (التخدير) فهذا عليه قضاء الصلاة، وعليه قضاء الصوم؛ لأنه بفعله. (144) الصحيح أن المجنون لا يقضي؛ لأنه رُفع عنه القلم، حتى لو جن يوماً أو يومين فلا قضاء. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18292.shtml |
#12
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: يكره الصوم وإتمامه لمريض يخاف زيادة مرضه أو طوله يكره الصوم وإتمامه لمريض يخاف زيادة مرضه أو طوله، ولصحيح مرض في يومه، أو خاف مرضا بعطش أو غيره (ع)، ويجزئه (و) (145)، كمريض يباح له ترك القيام، أو الجمعة، أو يباح له التيمم. قال صاحب «المحرر»: وقياس قول من قال: إن صوم المسافر لا يُعتدُّ به، أن المريض كذلك وأولى. ومن لم يمكنه التداوي في مرضه وتَرْكُه يضر به، فله التداوي، نقله حنبل في من به رمد يخاف الضرر بترك الاكتحال؛ لتضرره بالصوم كتضرره بمجرد الصوم(146). ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم (و)(147)، وجزم به في «الرعاية» في وجع رأس وحُمّى، ثم قال: قلت: إلا أن يتضرر. كذا قال، وقيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع الصوم. قيل: مِثْلُ الحُمَّى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى؟! ومن خاف تلفا(148) بصومِهِ، كره وأجزأه، وقال في «عيون المسائل»، و«الانتصار»، و«الرعاية» وغيرها: يحرم (و م)، ولم أجد ذكروا في الإجزاء خلافاً، وذكر جماعة في صوم الظهار أنه يجب فطره بمرض مَخُوفٍ، وقيل للقاضي في «الخلاف»: يوم العيد يحرم صومه بخلاف سائر الأيام؟ فقال: هذا لا يمنع صحته، يدل عليه لو نذر صيام يوم هو مريض فيه مرضاً مَخُوفاً، فإنه يفطر، وعليه القضاء، وإن كان معصية، وقال الآجريُّ: من صنعته شاقَّةٌ، فإن خاف تلفاً(149)، أفطر وقضى، وإن لم يضره تَرْكُها، أثم، وإلا فلا، قال: هذا قول الفقهاء، رحمهم الله تعالى، وسبق هذا المعنى في ترتيب الصلوات. وإن خاف بالصوم ذهاب ماله، فسبق أنَّهُ عذر في تَرْكِ الجمعة والجماعة، وفي صلاة الخوف، وإن أحاط العدو ببلد والصوم يضعفهم، فهل يجوز الفطر (و م)؟ ذكر الخلال روايتين، ويعايا بها(150). وقال ابن عقيل: إن حصر العدو بلداً، أو قصدوا عدوًّا بمسافة قريبة، لم يجز الفطر، والقصر على الأصح، ونقل حنبل: إذا كانوا بأرض العدو وهم بالقرب، أفطروا عند القتال، وذكر جماعة فيمن هو في الغزو، وتحضر الصلاة، والماء إلى جنبه، يخاف إن ذهب إليه على نفسه، أو فوت مطلوبه، فعنه: يتيمم ويصلي. اختاره أبو بكر، وعنه: لا يتيمم ويؤخر الصلاة، وعنه: إن لم يخف على نفسه، توضأ وصلى، وسبق في التيمم .ومن به شبق يخاف تنشق مثانته، جامَعَ وقضى ولا يكفر، نقله الشالنجي. قال الأصحاب: هذا إن لم تندفع شهوته بدونه، وإلا لم يجز، وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته، لم يَجُزْ، وإلا جاز للضرورة، ومع الضرورة إلى وَطْءِ حائض وصائمة، فقيل: الصائمة أولى؛ لتحريم الحائض بالكتاب، وقيل: يتخير لإفساد صومها، وإن تعذر قضاؤه، لدوام شبقه، فكالشيخ الهرم على ما يأتي(151). ----------------------- (145) هنا في الأول قال: «يكره الصوم إجماعاً»، وفي الثاني قال: «يجزئه وفاقاً» فالوفاق للأئمة الثلاثة فقط، والإجماع لكل العلماء، وذلك أن بعض أهل العلم - رحمهم الله – يقول: لو صام المريض لم يجزئه، ولو صام المسافر لم يجزئه؛ لقوله – تعالى -: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185]، فهو كما لو صام رمضان في شعبان، يعني: أنه صام قبل وقته، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن الله – تعالى - إنما أباح الفطر للرخصة، لا لعدم دخول الوقت، بخلاف من صام رمضان في شعبان، فإنه لا يجزئه. (146) هنا التمثيل بمن به رمد ويترك الاكتحال بناءاً على أن الاكتحال يفطر، والقول الراجح أن الكحل لا يفطر، حتى لو وجد طعمه في حلقه، فإنه لا يفطر في ذلك. (147) قوله: «ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم (و)» دليل على أن المسألة ليست إجماعية، ولكن لا شك أن هذا هو الصواب، وهو أنه لا يفطر المريض إلا إذا تضرر، أو خاف المشقة، وأما مرض ليس فيه مشقة، ولا يخاف الضرر فلا يجوز أن يفطر؛ لأننا نعلم أن الله رخص في ذلك من أجل الحاجة والمشقة، فإذا لم توجد حاجة ولا مشقة حرم الفطر. (148) إذا خاف الإنسان التلف إذا صام وهو مريض، فذكر المؤلف - رحمه الله - أنه يكره، وذكر قولاً آخر أنه يحرم، وهذا هو الصواب أنه يحرم؛ لأنه إذا خاف التلف بترك الأكل وجب الأكل، فإذا خاف التلف بالأكل حرم الأكل، وهذا واضح، فإذا قال له الأطباء - مثلاً -: إن لم تأكل هذه الحبوب وأنت صائم هلكت، فحينئذٍ يجب عليه أن يأكلها؛ لأن حفظ النفس واجب، وبناءاً على القياس؛ فإن المضطر إلى الأكل إذا خاف التلف وجب عليه أن يأكل، فهذا إذا خاف التلف بالأكل حرم عليه الأكل، ولكن يقول: «ولم أجد ذكروا في الإجزاء خلافاً» يعني: على القول بالتحريم لو أنه لم يتلف بترك الأكل، وأعانه الله عز وجل، فإنه يجزئ، مع أننا قلنا: إنه حرام. (149) قوله: «خاف تلفاً» يعني: في ترك الصنعة إذا صام فإنه يفطر، وأما إذا لم يخف تلفاً فإنه يترك الصنعة، ويبقى على صيامه. (150) قوله:«يعايا بها» يعني: يلغز بها، فيقال: أُناس مقيمون ليسوا مسافرين، وليسوا مرضى، وجاز لهم الفطر، فيقال: هذا فيما إذا حصر بلدهم العدو على القول بجواز الفطر، وهو الصحيح بلا شك، وقد أفتى شيخ الإسلام - رحمه الله - بجواز الفطر في رمضان، حين حاصر التتار دمشق، وأبى أهل العلم الآخرون ذلك، ولكن شيخ الإسلام - رحمه الله - استدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم الناس في غزوة الفتح، حين دنوا من مكة، فقال لهم: «إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا» [أخرجه مسلم في الصيام/باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل (1120).] فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفطر إذا كان أقوى في القتال فهو أولى، وأمر به، وظاهر الأمر الوجوب، وكان شيخ الإسلام - رحمه الله - يمشي بين الجنود، ومعه كسرة خبز يأكلها، حتى تطمئن قلوبهم للقول بالفطر. (151) والشبق - نسأل الله العافية - هو عبارة عن شدة الشهوة، فإذا تحركت الشهوة نزل الماء إلى الأنثيين، وقوله - رحمه الله -: «خاف تشقق المثانة» أنا لا أعرف هذا، والمعروف: خاف تشقق أنثييه؛ لأنه بمجرد ما يشتهي ينزل الماء إلى الأنثيين، ثم تنتفخ وتشقق، إلا إذا أنزل، ولاشك أن هذا مرض شديد، فإذا أصيب الإنسان به فلا بأس أن يفطر، بل قد نقول: بوجوب الفطر في هذه الحال. وهنا انتهى الكلام عن المريض، وقد بين - رحمه الله - بياناً واضحاً في حكم المريض، والخلاصة في ذلك: أن المريض إذا لم يشقَّ عليه الصوم فالفطر حرام، وإن شق عليه بدون خوف ضرر فالصوم مكروه، وإن شق عليه مع خوف الضرر فالصحيح أن الصوم حرام، أما مع خوف التلف فيكون أشد تحريماً، وهذه الخلاصة على القول الراجح، وبناءاً على ذلك نعرف أن ما يفعله بعض العوام من كونه يمتنع عن الفطر مع المشقة في المرض، فهذا غلط، وهذا عدول عن رخصة الله تبارك وتعالى. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18293.shtml |
#13
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: للمسافر الفطر للمسافر الفطر (ع)، وهو مَنْ له القصر (و)، وإن صام أجزأه، نقله الجماعة (و) ونقل حنبلٌ: لا يعجبني، واحتج بقوله عليه السلام: «ليس من البر الصوم في السفر». وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة، وقاله الظاهرية، ويروى عن عبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وابن عباس، والسنة الصحيحة ترد هذا القول(152)، ورواية حنبل تحتمل عدم الإجزاء، ويُؤيِّده كثرة تفرُّدِ حنبلٍ، وحَمْلُها على رواية الجماعة أولى، ولهذا نقل حرب: لا يصوم. قال حرب: يقوله بتوكيد. ونقل أيضاً: إن صام أجزأه. ولكن ذلك يدل على أنه يُكرَه. وسأله إسحاق بن إبراهيم عن الصوم فيه لمن قوي؟ فقال: لا يصوم. وحكاه صاحب «المحرر» عن الأصحاب، قال: وعندي لا يكره إذا قوي عليه، واختاره الآجري، وظاهر كلام ابن عقيل في «مفرداته» وغيره: لا يُكرَه، بل تَرْكُه أفضلُ، وليس الفطر أفضل45(153) (خ)، وفرق بينه وبين رخصة القصر، أنها مجمع عليها، تبرأ بها الذمة. ورُدَّ بصوم المريض، وبتأخير المغرب ليلة المزدلفة، وسبق في القصر حكم من سافر ليفطر(154). ولا يجوز للمريض والمسافر أن يصوما في رمضان عن غيره (و م ش) كالمقيم الصحيح (و)؛ لأنه لو قَبِل صوما من المعذور قَبِلَه من غيره، كسائر الزمان المتضيق لعبادة، ولأن العزيمة تتعين برد الرخصة، كترْكِ الجمعة، لعذر لا يجوز صرْفُ ذلك الوقت في غيره، فعلى هذا: هل يقع صومه باطلاً؟ (و م ش) أم يقع ما نواه؟ هي مسألة تعيين النية، ومذهب (هـ) يجوز عن واجب للمسافر، ولأصحابه خلاف في المريض؛ لأنه لا يُخيَّر، بل إن تضرر، لزمه الفطر، وإلا لزمه الصوم، والأصح عن (هـ) لا يصح النفل، ولنا قول: للمسافر صوم النفل فيه، وعلى المذهب: لو قلب صوم رمضان إلى نفلٍ، لم يصح له النفل، ويبطل فرضه إلا على رواية عدم التعيين. ومن نوى الصوم في سفره، فله الفطر (و) بما شاء (و هـ ش) لفطره عليه السلام، في الأخبار الصحيحة، ولأن من له الأكل له الجماع، كمن لم ينو، وذكر جماعة منهم الشيخ: أنه يفطر بنية الفِطْرِ، فيقع الجماع بعد الفطر، فعلى هذا: لا كفارة بالجماع (و هـ ش) اختاره القاضي وأكثر أصحابنا، قاله صاحب «المحرَّر»، وذكر بعضهم رواية: يُكفِّر، وجزم به على هذا، وهو أظهر، وعنه: لا يجوز بالجماع (و م)؛ لأنه لا يقوي على السفر، فعلى هذا: إن جامع كفر (و م ر). وعنه: لا؛ لأن الدليل يقتضي جوازه، فلا أقل من العمل به في إسقاط الكفارة (و م ر) لكن له الجماع بعد فطره بغيره، كفطره بسبب مباح، ومذهب (م) الأكل والشرب كالجماع(155). والمريض الذي يباح له الفطر، كالمسافر، ذكره الشيخ، وصاحب «المحرَّر»، وغيرهما، وجعله القاضي، وأصحابه، وابن شهاب في كتب الخلاف أصلا للكفارة على المسافر، بجامع الإباحة، وجزم جماعة بالإباحة على النفل، ونقل مهنا في المريض يفطر بأكل، فقلت: يجامع؟ قال: لا أدري، فأعدت عليه، فحول وجهه عني(156). والمريض الذي ينتفع به بالجماع، كمن يخاف تشقق أنثييه لا يكفر(157). ومن نوى الصوم، ثم سافر في أثناء اليوم طوعاً أو كرهاً، فالأفضل أن لا يفطر، ذكره القاضي، وابن عقيل، وابن الزاغوني، وغيرهم، ويعايا بها، وله الفطر؛ لظاهر الآية، والأخبار الصريحة، وكالمرض الطارئ ولو بفعله، والصلاة لا يشق إتمامها وهي آكد؛ لأنها متى وجب إتمامها، لم تقصر بحال(158)، وكما يفطر بعد يوم سفره (و) خلافاً لعبيدة، وسويد بن غَفَلَة، وأبي مِجْلَز، فعلى هذا: لا يفطر قبل خروجه؛ لأنه ليس بمسافر، خلافا للحسن وإسحاق، وعطاء، وزاد: ويقصر، وعنه: لا يجوز (و): لا يجوز بجماع، فعلى المنع: يُكفِّر من وطئ (هـ م ر)، وجعلها بعضهم كمن نوى الصوم في سفره، ثم جامع، ودعوى أن الخلاف شبهة في إسقاط الكفارة ممنوع، ولا دليل عليه، وأبطله صاحب «المحرَّر» بالوطء بعد الفجر قبل طلوع الشمس، فإنه زمن مختلف في وجوب صومه، فإن الأعمش وغيره لم يوجبوه، ويبطل عند الحنفي بوطئه في مسيرة يومين، ويبطل عند الحنفية، وأكثر المالكية بالوطء قبل خروجه عند إرادة سفره، وبعض المالكية، قال: لا كفارة، وبعضهم قال: وإن لم يسافر (159). ----------------------- (152) قوله: «والسنة الصحيحة ترد هذا القول» لاشك أنها ترده، فقول الظاهرية - رحمهم الله - وكذلك من وافقهم: بأن صوم المسافر لا يجزئه؛ لأنه حرام، هو على القاعدة بلا شك، فإذا كان حراماً فلا يجزئ، لكن من يقول: إن صوم المسافر يجزئ أجابوا عن ذلك، وقالوا: لأن الله - تعالى - قال: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } [البقرة: 185] فأوجب عليه عدةً من أيام أخر، فيقال لهم: المعنى على حذف: من كان مريضاً أو على سفر فأفطر، والدليل على وجوب هذا التقدير فعل النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فإنه كان يسافر ويصوم ويفطر، وأصحابه يصومون ويفطرون. (153) وفي نسخة «وليس الصوم أفضل» وهذا هو الظاهر [قال المرداوي - رحمه الله - في «تصحيح الفروع» (4/441): (تنبيه: قوله «وليس الفطر أفضل» صوابه : وليس الصوم أفضل) ا.هـ.] بأن الصوم أفضل؛ لأن الأئمة الثلاثة - رحمهم الله – يرون: أن الصوم أفضل، وقولهم هو الصحيح، أن الصوم أفضل، بشرط أن لا يكون هناك مشقة. (154) من سافر ليفطر حرم السفر، وحرم الفطر؛ لأن ذلك حيلة لإسقاط واجب والحيلة لإسقاط واجب لا تسقطه، كما أن الحيلة لفعل محرم لا تبيحه، فبناءاً على ذلك نقول: إنه لا يقصر الصلاة؛ لأنه في سفر محرم. ولا يمسح ثلاثة أيام، ولا يترخص بأي رخصةٍ من رخص السفر، إذا قلنا: إنه يشترط للرخص أن يكون السفر مباحاً، أما إذا قلنا: بأن الرخص تفعل حتى في السفر المحرم فإنه يترخص بالرخص، لكن مع الإثم؛ لأن المسألة فيها قولان: هل يشترط لجواز الترخص برخص السفر: أن يكون السفر مباحاً، فيشمل الواجب، والمسنون، والمباح، أو أنه لا يشترط؟ المشهور من المذهب: أنه يشترط أن يكون مباحاً، وأن السفر المكروه والسفر المحرم لا رخصة فيه. (155) والصواب أن المسافر يفطر بما شاء، بأكلٍ، أو شربٍ، أو جماع، وقولهم: إنه «لا يقوي على السفر» إن سُلِّم ذلك فإنه قد تكون شهوة الجماع عند المسافر أشد من شهوة الأكل والشرب، كشاب تزوج حديثاً، وسافر مع أهله، فإنه قد لا يخطر بباله الأكل والشرب إطلاقاً، وإنما يخطر بباله الاستمتاع بالزوجة، فيجامع، فنقول له:لا كفارة عليه، ولا إثم عليه؛ لأن الله - تعالى - أباح له الفطر بأي سبب يفطر به. وأما القول: بأنه إذا نوى الجماع أفطر فهذا فيه نظر؛ لأن الإنسان إذا نوى أن يفعل محظوراً ولم يفعله لم يؤثر، كما لو نوى أن يتكلم وهو يصلي، ثم لم يتكلم، فإنه لا تبطل صلاته، وكذلك لو نوى أن يأكل ولكن لم يأكل، فإن صومه لا يبطل، وكذلك لو تردد في نية الفطر، فقال : أُفطر أَو لا أُفطر؟ فلاشيء عليه، ولا يبطل صومه، ولا يفطر، إلا إذا قصد أنه أبطل الصوم وقطعه، فهذا يبطل، والحاصل: أن كل من نوى محظوراً في عبادةٍ فإن عبادته لا تفسد بهذه النية حتى يفعله، والحديث في هذا واضح، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم» [أخرجه البخاري في العتق/باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه (2528)؛ ومسلم في الأيمان/باب إذا هم العبد بحسنة (127).]، ولو نوى أن يحدث في الصلاة، ولم يحدث، فصلاته صحيحة، أما لو نوى قطع العبادة فإنها تبطل. (156) هكذا العلماء رحمهم الله، فالإمام أحمد - رحمه الله – قال: لا أدري، فلما أعاد عليه صرف وجهه؛ لأن الكلام لا يحتاج إلى تكرار، وقوله: «لا أدري» يعني متوقف، فإذا أعاد عليه السؤال لم يستحق الجواب؛ ولهذا صرف وجهه، والقول الراجح: أنه لا بأس، فإذا قال قائل: المريض قد اشتغل بنفسه، فكيف يجامع، فالمسافر لا إشكال فيه، فلا يؤثر السفر على محبة الجماع؟ فالجواب: أن المريض قد يقع منه الجماع، وكون المريض غالباً لا يشتهي النكاح لا يدل على أنه ممتنع، فإذا اشتهى المريض - وهو صائم - أن يجامع زوجته فلا نقول له: لا تجامعها، أو كُل أولاً ثم جامع، بل نقول له: لك أن تجامع، وربما يكون هذا شفاءاً لك. (157) هذا استثناء مما سبق، فإذا تحققنا أنه ينتفع بالجماع فهو أشبه بما لو تحققنا أنه ينتفع بالأكل والشرب. (158) وهذا رد لقول من يقول: إذا نوى الصوم ثم سافر لزمه الصوم، قالوا: كما لو شرع في الصلاة ثم سافر في أثناء الصلاة، وهذا يقع في السفينة - مثلاً - أو في المركب، يكون - مثلاً - في الميناء، ثم يشرع في الصلاة فتمشي، فهنا يلزمه الإتمام وليس له القصر؛ لأنه شرع فيها على أنها كاملة، والشروع في الشيء يبقي الشيء على ما هو عليه، ولهذا قلنا فيما إذا ائتم قادر على القيام بإمام قادر على القيام ثم اعتل في أثناء الصلاة فنقول إنه يلزم المأمومين الإئتمام قياماً، بخلاف ما لو ابتدأ بهم الصلاة قاعداً فإنهم يصلون قعوداً. فإذا قال قائل: الصلاة إذا سافر في أثنائها فإنه يتمها فكذلك الصائم إذا سافر في أثناء اليوم فإنه يصوم ويبقى على صومه؟ أجاب المؤلف رحمه الله بأن هذا يختلف عن الصلاة، فالصلاة آكد، وهي تتكرر، وأما الصوم فهو دون الصلاة في الآكدية ولا يتكرر. (159) يعني: على هذا القول يجوز أن تفعل جميع المفطرات قبل أن تركب للسفر، حتى ولو تركت السفر، وهذا يفتح باب التحايل، فيقول الإنسان: نويت أن أسافر، ثم يجامع زوجته، ثم يقول: تراجعت عن سفري، وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يترخص بأي رخصة من رخص السفر حتى يغادر البلد، ولا يشترط أن يبعد عنها حتى لا يراها، بل لو خرج عنها ذراعاً فقط فله أن يترخص برخص السفر، ولكن إذا لم يتيسر له السفر كما لو خرج من بلده قاصداً المطار على أنه سيسافر فأفطر، ثم لم يحصل له ركوب الطائرة فرجع للبلد، فهنا هل يبقى على فطره، أو يلزمه الصوم؟ هذا ينبني على الخلاف في المسافر إذا قدم مفطراً، هل يلزمه الصوم؟ والصحيح أنه لا يلزمه. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18294.shtml |
#14
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- فصل: من عجز عن الصوم لكبر من عجز عن الصوم لكبر وهو الهم والهِمَّةُ، أو مرض لا يرجى برؤه، فله الفطر (ع) ويطعم عن كل يوم مسكيناً (م)، ما يجزئ في الكفارة؛ لقول ابن عباس في قوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة: 184] ليست بمنسوخة، هي للكبير لا يستطيع الصوم. رواه البخاري، ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ - ولم يدركه ابن أبي ليلي - رواه أحمد، وكذا أبو داود، ورواه أيضا - بإسناد جيد - عن ابن أبي ليلى: حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره(160). وإن كان كالكبير مسافراً أو مريضاً، فلا فدية لفطره بعذر معتاد، ذكره في «الخلاف»، ولا قضاء للعجز عنه، ويعايا بها(161). وإن أطعم، ثم قدر على القضاء فكمعضوب حج، ثم عوفي، جزم به صاحب «المحرَّر»(162)، وذكر بعضهم احتمالين: أحدهما: هذا. والثاني: يقضي، كمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفَعَه، تعتد بالشهور، ثم تحيض، وفيها أيضا وجهان (163). ويكره صوم الحامل والمرضع مع خوف الضرر على أنفسهما، أو على الولد، ويجزئ (و)، فإن أفطرتا قضتا (و)؛ لقدرتهما عليه، بخلاف الكبير. قال أحمد: أقول بقول أبي هريرة. يعني: لا أقول بقول ابن عمر وابن عباس في منع القضاء. وخبر أنس بن مالك الكعبي: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم». أي: زمن عُذرِهما. وذكر ابن عقيل في «النسخ»: إن خافت حامل أو مرضع على حمل وولد حال الرضاع، لم يحل الصوم وعليهما الفدية، وإن لم تخف لم يحل الفطر، ولا إطعامَ إن خافتا على أنفسهما (و) كالمريض، وذكر بعضهم رواية: إن خافتا على ولديهما، أطعمتا عن كل يوم مسكيناً ما يجزئ في الكفارة؛ لظاهر قوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة: 184]؛ ولأنه قول أبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، ولا يعرف لهم مخالف، ولأنه إفطار بسبب نفس عاجزة عن الصوم من طريق الخلقة كالشيخ الهِمِّ (وش)، وله قول: لا إطعام (وهـ م ر)، وقول ثالث: لا تطعم الحامل (و م ر)، وخيرهما إسحاق بين القضاء والإطعام؛ لشبههما بمريضٍ وكبيرٍ (164). ويجوز الفطر للظئر التي ترضع ولد غيرها، ذكره الأصحاب؛ لأن السبب المبيح يسوى فيه، كالسفر لحاجتِهِ ولحاجة غيره، وفي «الرعاية» قول: لا تفطر الظئر إذا خافت على رضيعها، وحكاه في «الفنون» عن قوم. وإن قبل ولد المرضعة غيرها، وقدرت تستأجر له، أو له ما يستأجر منه، فَلْتَفْعَل ولتصم، وإلا كان لها الفطر. ذكره صاحب «المحرر»، والإطعام على من يمونه (165)، وقال في «الفنون»: يحتمل أنه على الأم، وهو أشبَهُ؛ لأنه تبع لها، ولهذا وجب كفارة واحدة، ويحتمل أنه بينها وبين من تلزمه نفقته من قريب، أو من ماله؛ لأن الإرفاق لهما، وكذلك الظئر(166)، فإن لم تفطر، فتغير لبنها أو نقص، خُيِّرَ المستأجر، فإن قصدت الإضرار، أثمت، وكان للحاكم إلزامها الفطر بطلب المستأجر، وذكره ابن الزاغوني. وقال أبو الخطاب: إن تأذى الصبي بنقصِهِ أو تغييره، لزمها الفطر، فإن أبت، فلأهله الفسخ. ويؤخذ من هذا أن يلزم الحاكم إلزامها بما يلزمها، وإن لم تقصد الضرر بلا طلب قبل الفسخ، وهذا متجه. و يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة، وظاهر كلامهم إخراج الإطعام على الفور؛ لوجوبه، وهذا أقيس، وذكر صاحب «المحرر»: إن أتي به مع القضاء جاز؛ لأنه كالتكملة له. ولا يسقط الإطعام بالعجز(167)، ذكره في «المستوعب»، وهو ظاهر كلام أحمد، واختاره صاحب «المحرَّر» كالدين، وذكر ابن عقيل، والشيخ: يسقط(168). وذكر القاضي وأصحابه، وجزم به في «المحرَّر»: يسقط في الحامل والمرضع، ككفارة الوطء، بل أولى؛ للعذر هنا، ولا يسقط عن الكبير والمأيوس؛ لأنها بدل عن نفس الصوم الواجب الذي لا يسقط بالعجز، فكذا بدله(169)، وكذا إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره، غير كفارة الجماع(170). ومن وجد آدميّاً معصوما في مَهْلكةٍ، كغريق، ونحوه، ففي «فتاوى ابن الزاغوني»: يلزمه إنقاذه ولو أفطر، ويأتي في الديات - إن شاء الله تعالى -: أن بعضهم ذكر في وجوبه وجهين، وذكر بعضهم هنا وجهين(171)، وهل تلزمه الكفارة كالمرضع؟ يحتمل وجهين، وهل يرجع بها على المنقذ؟ قال صاحب «الرعاية»: يحتمل وجهين، ويتوجه أنه كإنقاذِهِ من الكُفَّار، ونفقتهِ على الآبق(172). ---------------- (160) وهذا القول هو الصحيح أنها منسوخة أعني قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة:184]؛ لأنه ثبت في «الصحيحين» عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن الصيام أول ما فرض كان الناس يخيرون فيه، ثم نسخ التخيير وبقي الصيام [أخرجه البخاري في التفسير/سورة البقرة/باب من شهد منكم الشهر فليصمه (4237)؛ ومسلم في الصيام/باب بيان نسخ قوله تعالى: { وعلى الذين يطيقونه فدية } بقوله: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (1145) ]. لكن كلام ابن عباس رضي الله عنهما يحمل على أن الله سبحانه وتعالى لما جعل الفدية معادلة للصوم عند التخيير بينهما صارت هي الواجبة عند عدم القدرة على الصوم؛ لأنها عديلته، وعلى هذا فقول ابن عباس: ليست منسوخة، يعني: أن الحكم باق، لكن على وجه آخر، والعجب أن صاحب «الجلاليين» رحمه الله قال في الآية: {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة:184] فزاد: «لا»، وهذا غلط فاحش؛ لأنه كيف يفسر المثبت بالمنفي، والله تعالى يقول: {وعلى الذين يطيقونه} [البقرة:184]، وهو يقول: «لا يطيقونه»؟ ثم إن قوله: {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184] يدل على أن الآية فيمن يستطيع أن يصوم، وإلا لكانت لغواً لا فائدة منها. والخلاصة:أن الكبير الذي لا يستطيع الصوم يلزمه فدية طعام مسكين وكذلك المريض مرضاً لا يرجى برؤه. (161) قوله: «يعايا بها» أي: يلغز بها، فيقال: مسلم بالغ عاقل ليس عليه صيام ولا إطعام، لكن هذا القول في الحقيقة لا يكفي أن نقول إنه ضعيف، بل إنه باطل؛ لأننا نقول: هذا المسافر يخير بين الصوم والفطر، وهو الآن عاجز عنه، فإذا كان عاجزاً عنه تعين الإطعام، وهي الفدية، والفدية لا يمنعها السفر، فالصواب أنه إذا سافر الكبير أو المريض الذي لا يرجى برؤه أنه يلزمهما الفدية؛ لأنهما عاجزين عن الصوم، فوجب الشيء الثاني وهو الفدية، والفدية لا علاقة للسفر بهم. (162) وعليه يكون الحكم فيمن حج عن معضوب ثم عوفي فإنه يصح الحج، فالإنسان الذي لا يستطيع الحج لمرض لا يرجى برؤه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، فإن فعل وأقام من يحج عنه ثم عافاه الله فإنه لا حج عليه؛ لأنه أدى الواجب بنائبه. (163) والصحيح في هذا أنه إذا فدى لكونه مريضاً لا يرجى برؤه، ثم عافاه الله أنه لا يلزمه شيء؛ لأن واجب الصوم سقط عنه بالفدية. (164) والذي يظهر أن عليهما القضاء، وهذا لا إشكال فيه؛ لأنهما ملحقان بالمريض، أما الإطعام فمن رأى أن قول الصحابي حجة قال: تطعمان، ولكن هل قول هؤلاء الثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم على سبيل الوجوب، أو على سبيل الاستحباب؟ الجواب: أنه يحتمل هذا وهذا، ولذلك الذي تطمئن إليه النفس أنه يجب القضاء بلا إشكال، وأما الإطعام فعلى سبيل الورع، وإذا لم تطعما فلا شيء عليهما. (165) هذا القول ضعيف بلا شك، فنقول: ترضعه أمه وتفطر ولو كانت تستطيع أن تستأجر له؛ لأن هذه رخصة خاصة بها، فكيف نقول: لا تكون رخصة إلا إذا لم تجد من يرضعه، أو لم تجد أجرة للمرضعة، بل نقول: لها أن ترضعه وتفطر، سواء قدرت على الأجرة ووجدت من تستأجرها أو لا؛ لأن هذه رخصة متعلقة بالأم، ثم إن لبن غير الأم ليس كلبن الأم، وحنو الأم ليس كحنو غير الأم، وهذا غريب من صاحب «المحرر» مع أنه رحمه الله غالب اختياراته جيدة. (166) إذن هذه ثلاثة أقوال، نفقة المرضع هل تكون على الأم؟ أو الأب؟ أو بينهما؟ إذا لم يكن للطفل مال، فإن كان له مال ورثه وما أشبه ذلك فعليه. (167) يعني: إذا قلنا بوجوب القضاء والإطعام فتطعم فوراً، وهناك قول أنها تأخر مع القضاء. (168) قوله:«والشيخ» هو: ابن قدامة رحمه الله، وهذا القول هو الصحيح بلا شك، فإذا عجز عن الإطعام سقط، فكل الواجبات إذا عجز عنها الإنسان سقطت، فإن كان لها بدل أتى ببدلها، وإن لم يكن لها بدل سقطت، والمؤلف رحمه الله في قوله: «ولايسقط الإطعام بالعجز» قاس ذلك على الدَّين، وهذا القياس غير صحيح؛ لأن الدين حق لآدمي، وحق الآدمي لا يسقط بالعجز عنه، وأما الكفارة فهي حق لله عز وجل، وقد عفا عنها سبحانه فقال: {لايكلف الله نفساً إلا وسعها}[البقرة:286]، وهذا لا يستطيع فيكون غير مكلف بها. (169) والصواب أنه يسقط بناءاً على القاعدة أنه لا واجب مع العجز. (170) والصواب أن كفارة الجماع تسقط بالعجز، يعني: لو جامع شخص في نهار رمضان وجب عليه أولاً عتق رقبة، ثم إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت كسائر الواجبات، وقيل: تجب في ذمته، والصواب أنها تسقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للرجل: «أطعمه أهلك» [ أخرجه البخاري في الصوم/باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فيكفر (1936)؛ ومسلم في الصيام/باب تحريم الجماع في شهر رمضان (1111).] لم يقل له: ومتى قدرت فَكَفِّر. (171) والصواب بلا شك أنه يلزمه إنقاذه، وإذا توقف إنقاذه على الفطر وجب الفطر، فهنا إنسان غريق أو حرق والنار تلتهم ما حوله، وقال المنقذ: لا أستطيع أن أنقذه إلا إذا أفطرت، فنقول له: أفطر، وهذا يقع كثيراً في أصحاب الدفاع المدني، فأحياناً يكون حريق في نهار رمضان، ولا يستطيعون أن يقربوا حول النار إلا إذا أفطروا، خصوصاً في أيام الصيف، فنقول: أفطروا وجوباً، وأنقذوا الأحياء . (172) والصحيح أنه لا كفارة عليه فكيف نلزمه أن ينقذ ويتعب ثم بعد ذلك نقول له عليك كفارة، فالصحيح أنه لا كفارة عليه وكما عُلِم في مسألة الحامل والمرضع أن في وجوب الكفارة عليهما خلاف والخلاصة: أنه يجب الفطر لإنقاذ المعصوم إذا لم يمكن إنقاذه إلا بالفطر والصحيح أنه لا يلزم مع القضاء الكفارة. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18295.shtml |
#15
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه لفضيلة الشيخ العلامة / محمد صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى- باب نية الصوم وما يتعلق بها لا يصح صوم إلا بنِيةٍ، ذكره بعضهم (ع) كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والحج، وخالف زفر في صوم رمضان في حق المقيم الصحيح(173). ومَنْ نسي النية أو أغمي عليه حتى طلع الفجر، لم يصح. وتعتبر النية من الليل لكل صوم واجب (و م ش)؛ لقوله عليه السلام: «لا صيام لمن لم يُجْمِع الصيام من الليل». رواه الخمسة. قال الدارقطني، والخطابي، والبيهقي: رفعه عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وهو من الثقات، ولم يُثبتْ أحمد رَفْعَه بل عن حفصة وابن عمر، وصحح الترمذي وَقْفَه على ابن عمر. وللدارقطني عن أبي بكر أحمد بن محمد، حدثنا رَوْحٌ بن الفَرَجِ أبو الزنباع، حدثنا عبدالله بن عباد، حدثنا المفضل بن فضالة، حدثني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لم يُبَيِّتِ الصِّيامَ قبل طلوع الفجر، فلا صيام له». قال الدارقطني: تفرد به عبدالله بن عباد عن المفضل بهذا الإسناد، وكلهم ثقات. وذكر بعضهم أنه ضعيف، ثُمَّ قال: قال ابن حِبَّانَ: روى عنه أبو الزِّنباعِ رَوْحٌ نُسخَةً موضوعة. ورواه مالك والنسائي عنها موقوفاً، وعن حفصة، وعن ابن عمر، والله أعلم. ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة والحج. وعند بعض الشافعية تُجْزِئُ النية مَعَ طلوع الفجر، وأَبْطَلَه صاحب «المحرَّر» بالخبر، وبأن الشرط يَسْبِقُ المشروط. قال: وكذا القول في الصلاة وغيرها؛ لا بُدَّ أن توجد النية قبل دُخُولِهِ فيها. كذا قال، وسبق كلامه وكلام غيره: الأفضل مقارنة النية للتكبير(174). ومذهب أبي حنيفة، وصاحبَيْهِ: يجزئ رمضان، والنذر المعين بنية قبل الزوال. وعند الأوزاعي: يجزئ كل صوم بنية قبل الزوال وبعده. وحكي عن ابن المسيب. وإن أتى بعد النية بما يبطل الصَّوْمَ، لم يبطل، نص عليه (و)، خلافا لابن حامد وبعض الشافعية؛ لظاهر الخَبَرِ؛ ولأن الله أباح الأَكْلَ إلى آخر الليل، فلو بطلت به النية، فات محلها. وإن نوت الحائض صوم الغد، وقد عرفت الطهر لَيْلاً؛ فقيل: يصح لمشقة المقارنة، وقيل: لا؛ لأنها ليست أَهْلاً للصوم. ولا تَصِحُّ النية في يوم لصوم الغد (و) للخبر، وكنِيّتِهِ من الليل صَوْمَ بعد غد. وعنه: يصح، نَقَلَها ابن منصور، وفيها: لم ينوه من الليل، فبَطَلَ به تأويل القاضي، وهي في قضاء رمضان، فَيَبْطُل به تأويل ابن عقيل، على أنه يكفي لرمضان نية في أوَّلهِ، وأقرها أبو الحسين على ظاهرها(175). وتعتبر لكل يوم نية مفردة؛ لأنها عبادات؛ لأنه لا يَفْسُدُ يوم بفَسَادِ آخر، وكالقضاء. وعنه: يُجْزئُ في أول رمضان نية واحدة لكله(176) (و م)، نصرها أبو يعلى الصغير، وعلى قياسه النَّذْرُ المعين ونحوه. فعليها: لو أفطر يوما بعذر أو غيره، لم يصح صيام الباقي بتلك النية، جزم به في «المستوعب» وغيره، وقيل: يصح (و م) مع بقاء التتابع، وقدمه في «الرعاية»؛ فقال: وقيل: ما لم يفسخها أو يُفْطِر فيه يوماً. ويجب تعيين النية في كل صوم واجب (و م ش)، وهو أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قَضَائهِ، أو نذره، أو كفارته. نص عليه. قال في «الخلاف»: اختارها أصحابنا؛ أبو بكر، وأبو حفص، وغيرهما، واختاره القاضي أيضا والأصحاب، منهم صاحب «المغني»؛ لقوله: «وإنما لامرئ ما نَوَى»، وكالقضاء والكفارة، والتعيين مقصود في نفسه؛ لاعتباره لصلاة يضيق وقتها كغيرها، ومن عليه صلاة فاتته، فنوى مطلق الصلاة الفائتة، ولم يعين، لم يجزئه، والحج يخالف العبادات. وعنه: لا يجب تعيين النية لرمضان (و هـ)؛ لأن التعيين يراد للتمييز، وهذا الزمان متعين، كالحج. فعليها؛ يصح بنية مطلقة، ونية نفل (و هـ) ليلاً، ونيةِ فرض تردد فيها، واختار صاحب «المحرر»: يصح بنية مطلقة؛ لتعذر صرفه إلى غير نية رَمَضَانَ، فصرف إليه؛ لئلا يَبْطُلَ قصده وعمله، لا بنية مقيدة بنفل أو نذر أو غيره؛ لأنه ناو تَرْكَه؛ فكيف يجعل كنية الفعل؟ وهذا اختيار الخرقي في «شرحه» لـ «المختصر»، واختاره شيخنا إن كان جاهلاً، وإن كان عالماً، فلا، قال: كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التَّبَرُّعِ، ثم تبين أنه كان حقه، فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان، بل يقول له: الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي. وقال صاحب «الرعاية» فيما وجب من الصوم في حج أو عمرة: يتخرج أن لا تجب نية التعيين. وقولهم: نية فرض تردد فيها؛ بأن نوى ليلة الشك: إن كان غدا من رمضان، فهو فرضي، وإن لم يكن فهو نفل، لا يجزئه، على الرواية الأولى، حتى يَجْزمَ بأنه صائم غدا من رمضان (و م ش)، وعلى الثانية: يجزئه (و هـ). قال صاحب «المحرَّر»: ونقل صالح عن أحمد رواية ثالثة بصحة النية المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو؛ لوجوب صومه، وإن نَوَى: إن كان غداً من رمضان، فصومي عنه، وإلا فهو عن واجب عيَّنه بنيته، لم يجزئه عن ذلك الواجب، وفي إجزائه عن رمضان إن بان منه الروايتان. وإن قال: وإلا فأنا مُفْطِرٌ، لم يصح، وفيه ليلة الثلاثين من رمضان وجهان؛ للشك والبناء على الأصل (وش). وإن لم يردِّدْ نيّتَه بل نوى ليلة الثلاثين من شَعْبَانَ، أنه صائم غدا من رمضان بلا مستَنَدٍ شرعي - كصحو أو غيم -، ولم نوجب الصوم به، فبان منه، فعلى الروايتين فيمن تردد أو نوى مُطْلقاً (و)، وظاهر رواية صالح والأثرم: تجزئه، مع اعتبار التعيين لوجودها، وإن نوى الرمضانية عن مستَنَدٍ شرعي، أجزأه، كالمجتهد في الوقت. ومن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله، فإن قصد بالمشيئة الشك والتردُّدَ في العزم والقصد، فسدت نيته، وإلا لم تفسد. ذكره في «التعليق» و «الفنون»؛ لأنه إنما قصد أن فِعْلَه للصوم بمشيئة الله تعالى وتوفيقه وتيسيره، كما لا يفسُدُ الإيمان بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله؛ غير متردد في الحال. وللشافعية وجهان. ثم قال القاضي: وكذا نقول: سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها(177). ومن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم غداً، فقد نوى. قال في «الروضة» - ومعناه لغيره -: الأكل والشرب بنية الصوم نية عندنا، وكذا قال شيخنا: هو حين يتعشى عَشَاءَ من يريد الصوم، ولهذا يُفرَّقُ بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان. و لا يعتبر مع نية التعيين نية الفرضية في فرضه، والوجوب في واجبه، خلافا لابن حامد، وللشافعية وجهان(178). وإن نَوَى خارج رمضان قضاءً ونفلاً أو كفارة ظهار، فنفل إلغاء لهما بالتعارض، فتبقى نية أصل الصوم، وجزم به صاحب «المحرَّر». وقيل: عن أيهما يقع؟ فيه وجهان، وأوقعه أبو يوسف عن القضاء لتَعْيينِه وتأكده؛ لاستقراره في الذمة، ووافق لو نوى قضاء وكفارة قتل، أو كفارة قتل وظهار، أنه يقع نفلاً. ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده. نص عليه، اختاره الأكثر؛ منهم القاضي في أكثر كُتُبِه؛ لفعله عليه السلام، وأقوال الصحابة، وفعلهم رضي الله عَنْهُم. وعنه: لا يجوز بنية بعد الزوال. اختاره في «المجرَّدِ» وابنُ عقيل (و هـ ق)؛ لأن فعله عليه السلام إنما هو في الغَدَاءِ، وهو قبل الزوال. ومذهب (م) وداود هو كالفرض؛ تسوية بينهما، كالصلاة والحج (179). ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وَقْتِ النية، نقله أبو طالب. وقال صاحب «المحرَّر»: وهو قول جماعة من أصحابنا؛ منهم القاضي في المناسك من «تعليقه» واختاره الشيخ وغيره، وهو أظهر، وفي «المجرّد» و«الهداية»: من أول النهار، واختاره صاحب «المحرَّر» وفاقا للحنفية، وأكثر الشافعية. وقال حماد وإسحاق: إن نواه قبل الزوال. فعلى الأول يصح تطوُّعُ حائض طَهُرَتْ، وكافر أسْلمَ في يومٍ، ولم يَأْكُلاَ، بصوم بقية اليوم، وعلى الثاني لا؛ لامتناع تبعيض صوم اليوم، وتعذر تكْمِيلِه، بفقد الأهلية في بعضه. ويتوجه: يحتمل أن لا يصح عليهما؛ لأنه لا يصح منهما صوم، كمن أَكَلَ، ثُمَّ نوى صوم بقية يومِهِ (و). وخالف فيه أبو زيد الشافعي. وإنما لم يصح؛ لعَدَم حُصُولِ حِكْمِة الصَّومِ، ولأن عادة المفطر الأكل بعض النهار، وإمساك بعضه، وقوله عليه السَّلامُ في عاشوراء: «من كان أكل فليصم بقية يومه». أي: لِيُمْسِكْ، لقوله في لفظ آخر: «فَلْيُمْسِكْ» وإمساكه واجب إن كان صومه واجباً، وإلا استُحِبَّ لمن أَكَلَ ثُمَّ علم به، إمساكه؛ للخبر، ذكره القاضي، وتبعه صاحبه «المحرر». ومَنْ نوى الإفطار أفطر. نص عليه (و ش ر م)، وزاد في روايةٍ: يكفِّرُ إن تعمده؛ لاقتضاء الدليل اعتبار استدامة حقيقة النية، وإنما اكتفى بدوامه حكماً للمشقة ولا مشقة هنا، والحج آكد. وعند ابن حامدٍ، وبعض المالكية، وبعض الشافعية: لا يبطل صومه كالحج، مع بطلان الصلاة عندهم، ومذهب (هـ) لا يبطل سواء قطع النية قبل الزوال وبعده؛ لقوة الدوام(180). وقولنا: أفطر، أي: صار كمن لم ينو، لا كمَنْ أكل، فلو كان في نفل ثم عاد نواه جاز. نص عليه (و ش)، وكذا لو كان في نذرٍ أو كفارةٍ أو قضاءٍ، فقطع نيته، ثُمَّ نوى نفلاً، جاز، ولو قلب نية نذرٍ وقضاءٍ إلى النفل، فكمَنْ انتقل من فرض صلاةٍ إلى نفلها، وعلى المذهب: لو تردد في الفطر، أو نوى أنه سيفطر ساعةً أخرى، أو إن وجدت طعاماً، أكلت وإلا أتممت، فكالخلاف في الصلاة. قيل: يبطل؛ لأنه يجزم بالنية، ولهذا لا يصح ابتداء الصوم بمثل هذه النية، وكمَنْ تردد في الكفر، نقل الأثرم: لا يجزئه من الواجب حتى يكون عازماً على الصوم، يومه كله، وقيل: لا يبطل؛ لأنه لم يجزم بنية الفطر. والنية لا يصح تعليقُهاَ(181). --------------------- (173) يعني: عند زفر رحمه الله أن رمضان لا يحتاج إلى نية؛ لأن الناس كلهم قد نووا الصوم، وينبني على هذا لو نام الإنسان ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، وثبت هذا من رمضان، فإنه يجزئه وإن لم ينوِ في الليل أنه غداً صائم. (174) وهذا يقتضي أن لا تسبق النية العمل، وقال رحمه الله: الأفضل أن تكون مقارنة، والصواب أن النية لا بد منها قبل الفجر؛ لأنه إذا لم ينوِ إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يقال: إنه صام يوماً، وإنما صام أكثر اليوم، وإذا كان كذلك فالواجب صوم يوم، فلا يصح الواجب إلا بنية قبل طلوع الفجر، ولكن من نام في ليلة الثلاثين من شعبان، وقال: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، ثم لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، وتبين أنه من رمضان، فالصحيح أنه يجزئه؛ لأن هذا لا يستطيع سواه، إذ أنه نام قبل أن يثبت الشهر، ولا يستطيع إلا أن يقول:إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، فنقول: إن تبين أنه من رمضان فهو فرضه ويجزئه. وأما لو نام قبل ثبوت الشهر بلا نية للصيام، وثبت بعد نومه أن غداً رمضان، واستيقظ بعد طلوع الفجر، فهذا عند شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يلزمه القضاء؛ لأن النية تتبع العلم، وهذا لم يعلم، وعند الجمهور: يلزمه القضاء، وهو أحوط بلا شك. والصحيح أن رمضان لا يشترط له نية إلا أول ليلة فقط، والباقي يتبعه، إلا أن ينوي قطعها، بأن وجد ما يبيح الفطر فأفطر، ثم استأنف الصوم في أثناء الشهر، فيلزمه أن يجدد النية. (175) يعني: لو نوى أن يصوم بعد غد، أما في رمضان فإذا قلنا: أنه في رمضان تكفي نية واحدة في أوله فالأمر ظاهر، لكن في قضاء رمضان يقول: إن الأصحاب اختلفوا في تخريج الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن الأظهر أنها تحمل على ظاهرها، وأنه لا بأس أن ينوي أن يصوم بعد غد قضاءاً، مثاله: رجل يصوم القضاء، ويعرف أنه غداً الأربعاء سيأتيه ضيوف، وأنه سيفطر، ولكنه نوى أن يصوم بعد غدٍ فلا مانع من هذا، و«الأعمال بالنيات» [أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي/باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)؛ ومسلم في كتاب الإمارة/باب قوله: «إنما الأعمال بالنيات» (1907).] كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، أما في رمضان فلاشك أنه يجزئ؛ لأن رمضان على القول الراجح يكفي فيه نية من أوله، فإذا نوى من أول رمضان أنه صائم فإنها تكفي، إلا إذا قطع الصوم لعذر، فإنه عند استئنافه لابد من تجديد النية. (176) والقول أن النية في أول رمضان تكفي هو الأقرب الموافق للقياس، كما أن الإنسان في صلاته ينوي الصلاة في أول ركعة، ويستمر إلى الركعات الباقية، وإن كان بين المسألتين فرق؛ لأن الصلاة لا يحول بين أجزائها شيء يقطعها، أما الصوم فيحول الفطر، لكن يقال: لا فرق من حيث النية، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، إلا إذا قطع الصوم لعذر فلا بد من تجديد النية، ومثل ذلك: الحج، فإذا نوى الحج فهل يشترط لكل ركن أن ينويه؟ هذه محل خلاف: فبعضهم يقول: لا يشترط، فيقف بعرفة ولا حاجة إلى نية؛ لأنه نوى حجاً من الأصل، والحج يشتمل على كل أجزائه، وكذلك الطواف لو أن الإنسان مثلاً دخل في يوم العيد، ومع شدة الزحام غابت عنه نية أن هذا طواف الإفاضة، لكن عنده نية أن هذا طواف حج، فهنا الصحيح أنه يجزئه وإن لم ينوِ، وكذلك يقال في السعي والرمي؛ لأن منزلة أجزاء الحج كمنزلة أجزاء الصلاة، فكما أنه لا يحتاج أن ينوي الركوع والسجود والقيام والقعود، فكذلك أجزاء الحج. (177) يعني: إذا قال شخص: أنا صائم إن شاء الله، فإن كان متردداً فلا نية له؛ لأنه لم يجزم بها، وإن كان متبركاً فهذا لا بأس به، يعني: تصح النية على هذا الوجه؛ لأنه غير متردد، بل قال: إن شاء الله ليتحقق له مطلوبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سليمان عليه السلام «لو قال: إن شاء الله لم يحنث»[أخرجه البخاري في كتاب النكاح/باب قول الرجل: «لأطوفن الليلة على نسائي» (5242)؛ ومسلم في الأيمان/باب الاستثناء في اليمين وغيرها (1654) (23).]. (178) والصحيح أنه لا يحتاج إلى نية الفرض؛ لأن التعيين يكفي، فلو نوى صيام رمضان فهو فريضة، ولو نوى الصيام عن كفارة فهو واجب. (179) والصحيح أنه يجوز، بشرط أن لا يكون قد فعل مفطراً قبل النية، فإن كان قد فعل مفطراً فلا يصح؛ لأن الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكن إذا كان اليوم معيناً فإنه لا يناله ثواب ذلك اليوم المعين إذا نوى الصوم من أثناء النهار، فمثلاً: شخص صام يوم الاثنين، ونوى من أثناء النهار، فهنا لا يحصل على ثواب صوم يوم الاثنين؛ لأنه لا يقال: إنه صام ذلك اليوم، وإنما يقال: صام بعض اليوم، وكذلك صيام الأيام البيض، لو نوى من أثناء اليوم فإنه لا يحصل له بالصيام الثواب المعين، وإن كان يصح على ما فيه من الخلاف الذي سبق، والصواب أنه يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال: «هل عندكم من شيء؟». قالوا:لا. فقال: «فإني إذاً صائم» [أخرجه مسلم في كتاب الصيام/باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال (1154) (170).]. فعقد النية من الحال. (180) والصحيح أنه يفطر، يعني: إذا نوى الإفطار انقطع صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» [سبق تخريجه.]، والصوم إنما يكون بالنية؛ لأنه ليس عملا لكي يشاهد وينظر، وإنما هو إمساك، ولكن من نوى أن يأكل ويشرب ولم يأكل ويشرب فهذا لا ينقطع صومه، وهكذا جميع المحظورات لا تبطل بها العبادات، إلا إذا وقعت فعلاً. (181) لكن الصواب: أنه إذا تردد في النية بعد أن شرع في الصوم فلا يبطل؛ لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه حتى يجزم. المصدر : http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18296.shtml |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أحكام الصيام - خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ | أبو محمد أحمد بوشيحه | منبر الرقائق والترغيب والترهيب | 0 | 12-09-2010 03:42PM |
الدليل الطبى للمرض فى شهر الصيام | ام اروى | منبر طب الأسرة المسلمة | 0 | 18-08-2010 12:42AM |
شرح رسالة حقيقة الصيام ابن تيمية للعلامة ابن عثيمين رحمه الله | احمد الشهري | منبر أصول الفقه وقواعده | 2 | 18-10-2007 03:58PM |