|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
التعريف بالإباضية من كتاب فرق معاصرة.
التعريف بالإباضية من كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها للدكتور غالب بن علي عواجي.
الفصل الثامن دراسة أهم فرق الخوارج وهم الإباضية. وتشمل دراسة هذه الطائفة ما يلي: 1- تمهيد: ولا بد من وقفة يسيرة عند هذه الفرقة من الخوارج، نذكر عنهم على سبيل الإيجاز بعض ما قيل عنهم، سواء ما جاء عن المخالفين أو الموافقين لهم، أو ما ذكروه في كتبهم، ولكون هذه الطائفة لا يزال لها أتباع وأنصار في أماكن كثيرة من العالم، ولكونهم كانت لهم صولة وقوة، ولكثرة ما جاء من أخبارهم السياسية والعقدية والاجتماعية-فإنها تحتاج إلى دراسة خاصة قد تأخذ حجماً كبيراً لمن أراد أن يتتبع أخبارهم ويقف على مبادئهم (1) . ولذا فإننا نحيل القارئ -إذا أراد تفاصيل أخبار هذه الطائفة بأن يرجع إلى الكتب التي اهتمت بذكر تواريخهم وبيان عقائدهم، سواء ما كان منها قديماً أو جديداً؛ حيث ظهرت بعض كتب الإباضية على ندرتها وشدة تحفظهم عليها منذ القدم، إضافة إلى توجه بعض العلماء للكتابة عنهم في عصرنا الحاضر (2) . _________ (1) وقد وجدت أحد المشائخ في الأزهر 1397 تقريباً يكتب رسالة للدكتوراه عن الأباضية. (2) مثل ما كتبه عليّ يحي معمر في كتبه الكثيرة عنهم، الأباضية بين الفرق الإسلامية، والأباضية في موكب التاريخ. الأباضية مذهب إسلامي معتدل. وكذا كتاب السالمي ((عمان تاريخ يتكلم)) . وما كتبه د/ صابر طعيمة ((الأباضية عقيدة ومذهباً)) إلى غير ذلك من الكتب المتيسر وجودها عن هذه الفرقة. (1/244) ________________________________________ وأما أماكنهم فقد ذكر بكير بن سعيد أعوشت -أحد علمائهم- أنهم يوجدون حالياً في الجزائر وتونس وليبيا وعمان وزنجبار (1) . 2- زعيم الإباضية أما بالنسبة لزعيم الإباضية فإنهم ينتسبون في مذهبهم- حسبما تذكر مصادرهم- إلى جابر بن زيد الأزدي الذي يقدمونه على كل أحد ويروون عنه مذهبهم، وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه (2) . وقد نُسبوا إلى عبد الله بن إباض لشهرة مواقفه مع الحكام (3) ، واسمه عبد الله بن يحيى بن إباض المري من بني مرة بن عبيد، وينسب إلى بني تميم، وهو تابعي، عاصر معاوية وابن الزبير وكانت له آراء واجه بها الحكام. وهذا هو اسمه المشهور عند الجمهور، إلا أن بعض العلماء التبست عليه شخصية ابن إباض بشخصية أخرى يسمى ((طالب الحق)) . فالملطي سماه في بعض المواضع من كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع إباض بن عمرو، وهذا خطأ منه مع أنه ذكره في مواضع أخرى بتسميته الصحيحة (عبد الله بن إباض) ، وصاحب إبانة المناهج سماه يحيى بن عبد الله الإباضي، وهذا خطأ منه، حيث التبس عليه تسميته ((ابن إباض)) برجل _________ (1) انظر كتابه دراسات إسلامية في الأصول الأباضية ص 136. (2) انظر أجوبة ابن خلفون ص 9. وانظر: ترجمة جابر بن زيد أبو الشعثاء في البداية والنهاية لابن كثير 10/ 93، وانظر: ما كتبه أحد علمائهم المعاصرين بكير بن سعيد اعوشت في كتابه دراسات إسلامية في الأصول الإباضية ص 20. (3) الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 353. (1/245) ________________________________________ آخر من زعماء الإباضية اسمه ((يحيى بن عبد الله طالب الحق المتقدم)) ثار باليمن وجمع حوله من الأتباع والانصار ما شجعه على الخروج في وجه حكام بني أمية سنة 128هـ، أصله من حضرموت، تأثر بدعوة أبي حمزة الشاري فخرج على مروان بن محمد وأخذ حضرموت وصنعاء، فسير إليه مروان بن محمد قائده عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي فدارت معركة أسفرت عن قتل طالب الحق سنة 130هـ (1) . وقد ذهب بعض العلماء من الإباضية إلى تحديد الوقت الذي استعملت فيه تسمية الإباضية، وأن ذلك كان في القرن الثالث الهجري، وقبلها كانوا يسمون أنفسهم ((جماعة المسلمين)) ، أو ((أهل الدعوة)) ، أو ((أهل الاستقامة)) كما يذكر ابن خلفون من علمائهم (2) ، وهذا القول لا يتفق مع نشأة الإباضية بزعامة جابر بن زيد أو عبد الله بن إباض. وقد ذهب ابن حزم إلى القول بأن الإباضية لا يعرفون ابن إباض، وأنه شخص مجهول (3) ، وهذا خطأ منه، فإن ابن إباض شخص يعرفه الإباضيون، ولهذا رد عليه علي يحيى معمر الإباضي وذكر أن الإباضية يعرفون ابن إباض معرفة تامة ولا يتبرءون منه وأن ابن حزم تناقض حين ذكر أن الإباضية يتبرءون منه؛ إذ كيف يتبرءون من شخص مجهول لا يعرفونه (4) ثم نتساءل كذلك من أين لهم تسميتهم ((إباضية)) إذا لم يكن ابن إباض _________ (1) انظر: الكامل للمبرد: (2/ 179) . التنبيه والرد للملطي ص: 55. إبانة المناهج لجعفر بن أحمد ص 155. (2) انظر أجوبة ابن خلفون ص 9. (3) انظر الفصل: 4/ 191. (4) الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 48، 50. (1/246) ________________________________________ من أوائلهم. وقد ذهب الشهرستاني إلى أن ابن إباض خرج في أيام مروان بن محمد وقتل في ذلك الوقت (1) ، وهذا غير صحيح، لأن ابن إباض توفي في خلافة عبد الملك بن مروان. 3- هل الإباضية من الخوارج؟ اتفقت كلمة علماء الفرق -الأشعري فمن بعده- على عد الإباضية فرقة من فرق الخوارج، وليس المخالفون للإباضية فقط هم الذين اعتبروهم في عداد الخوارج، وإنما بعض علماء الإباضية المتقدمون أيضاً؛ إذ لا يوجد في كلامهم ما يدل على كراهيتهم لعد الإباضية فرقة من الخوارج. ولكن بالرجوع إلى ما كتبه بعض العلماء الإباضية مثل أبي اسحاق أطفيش، وعلي يحيى معمر- نجد أنهم يتبرءون من تسمية الإباضية بالخوارج براءة الذئب من دم يوسف. ولقد خاض علي يحيى معمر في كتبه الإباضية بين الفرق الإسلامية، والإباضية في موكب التاريخ، وغيرها -خاض غمار هذه القضية وتفانى في رد كل قول يجعل الإباضية من الخوارج وهاجم جميع علماء الفرق المتقدمين منهم والمتأخرين على حد سواء، واعتبر عدهم للإباضية من الخوارج ظلماً وخطأ تاريخياً كبيراً، لأن تاريخ الخوارج عنده يبدأ من سنة 64هـ بقيام نافع بن الأزرق فمن بعده، وسمى ما قام به المحكِّمة الأولى فتناً داخلية. ونفى وجود أي صلة ما بين المحكِّمة الأولى والخوارج بقيادة نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، وغيرهما من الخوارج كما تقدم (2) . _________ (1) الملل والنحل: 1/ 134. (2) انظر: الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 377 و 383 ((والأباضية في موكب التاريخ)) ص 62 كلاهما لعلي يحيي معمر. (1/247) ________________________________________ ولا شك أن هذا القول فيه مغالطة خاطئة، ذلك أن الأحداث متسلسلة ومرتبطة من المحكِّمة إلى ظهور نافع بن الأزرق، بحيث يظهر أن الأولين هم سلف الخوارج. والحقيقة أن ظهور نافع بن الأزرق كان على طريقة من سبقه في الخروج إلا أنه ساعدته الظروف بحيث تغير وضع الخوارج من جماعات صغيرة تثور هنا وهناك إلى جماعات كبيرة هزت الدولة الأموية هزاً عنيفاً في فترات متقطعة. وزعم علي بن يحيى معمر أن لفظة الخوارج كاصطلاح على جماعة، لم يكن معروفاً بين الصحابة، وهذا غير صحيح، لأن لفظة الخوارج وردت في الأحاديث وفي كلام الصحابة كثيراً كعلي وعائشة وابن عباس وغيرهم من الصحابة. وتعجب جداً حينما تر تعليل أطفيش وتبعه علي يحيى معمر لمعركة النهروان بين علي والمحكِّمة الأولى. فهو لا يرى أن السبب فيها خروج أولئك عن الطاعة وسفكهم الدماء وإرهاب المسلمين، بل إن السبب في حرب عليّ لهم كما يرى هو أن القيادة أو الخلافة أسندت إلى أزدي-ابن وهب- لا إلى قرشي، فحاربهم علي عصبية لقريش (1) . _________ (1) الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 470 وانظر ((عمان تاريخ يتكلم)) ص 105 - 106. (1/248) ________________________________________ فهل عليّ كان واثقاً من بقاء الخلافة لنفسه وهو في حالة حرب مع معاوية حتى يحارب لبقاء الخلافة في قريش. ثم لو كان الأمر عصبية لقريش فلماذا لم يترك حرب معاوية ويسلمه الخلافة وهو قرشي! هذا أمر واضح لولا أن التعصب الذي يحمله بعض علماء الإباضية على عليّ رضي الله عنه هو الذي أدى بهم إلى هذا الخلط في الفهم وتغيير وقلب الحقائق. ونذكر فيما يلي بعض النصوص من كلام علماء الإباضية حول الخوارج: قال مؤلف كتاب الأديان وهو إباضي: ((الباب الخامس والأربعين في ذكر فرق الخوارج، وهم الذين خرجوا على عليّ بن أبي طالب لما حكَّم، ثم أخذ يذكر الخوارج بهذا الاسم في أكثر من موضع من هذا الكتاب على سبيل المدح قائلا: هم أول من أنكر المنكر على من عمل به، وأول من أبصر الفتنة وعابها على أهلها، لا يخافون في الله لومة لائم، قاتلوا أهل الفتنة حتى مضوا على الهدى)) إلى أن يقول: ((وتتابعت الخوارج وافترقت إلى ستة عشر فرقة بفرقة أهل الاستقامة يعني الإباضية)) (1) . ويقول نور الدين السالمي عن الخوارج: ((لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف سُموا خوارج، وهو جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله. وكان اسم الخوارج في الزمان الأول _________ (1) قطعة من كتاب في الأديان لمؤلف أباضي مجهول الاسم ص: 96. (1/249) ________________________________________ مدحاً لأنه جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله)) (1) . ويقول صاحب كتاب وفاء الضمانة الإباضي: ((وكان الصفرية -إحدى فرق الخوارج- مع أهل الحق منا في النهروان)) (2) . ولا أدري معنى لهذا الحرص من بعض الإباضية على عدم دخولهم في دائرة الخوارج. فإذا كانت الإباضية -كما هو معروف- تتولى المحكِّمة ويعتبرونهم سلفاً صالحاً لهم وينفون عنهم اسم الخارجية فلماذا تذكر بعض كتبهم لفظة المحكمة وتفسرها بين قوسين ((بالخوارج)) كما فعل السالمي في كتابه عمان تاريخ يتكلم! والأغرب من هذا أنه يسمي الخوارج في العصر العباسي بالمحكِّمة كما نرى في نص كلامه حين يقول موازناً بين قوة الخوارج في الدولتين الأموية والعباسية يقول: ((ولم تكن قوة المحكِّمة أو ((الخوارج)) في العصر العباسي كما كانت في العهد الأموي)) . ثم يمضي المؤلف المذكور ذاكراً شواهد من مناوءة المحكِّمة أو الخوارج للعباسيين، ويمثل للخوارج بأئمة الإباضية المعتبرين عندهم مما يدل على أن لا فرق بين الخوارج والإباضية في التسمية والمبادئ (3) . ومن هنا يتبين لنا أن تسميتهم باسم الخوارج قديمة وجدت قبل ظهور الأزارقة، سواء كان ذلك من التنبأ بظهورهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو في _________ (1) نقله عنه على يحيى معمر الأباضى كما تقدمت الإشارة إليه. انظر: ص 384 من كتابه الأباضية بين الفرق الإسلامية. (2) وفاء الضمانة بأداء الأمانة للعيزابي: 3/ 22. (3) انظر عمان تاريخ يتكلم ص 117، 120. (1/250) ________________________________________ ترديد هذا الاسم على لسان عليّ رضي الله عنه، أو على ألسنة غيره من الناس وعلى ألسنة بعض علماء الإباضية أيضاً، وعلى هذا فلا يخطئ من ألحق تسمية الإباضية بالخوارج، ويبقى ما امتاز به الإباضية من تسامح، أو تسامح أغلبيتهم تجاه مخالفيهم قائماً وثابتاً لهم ورغم ما يظهر أحياناً في بعض كتب الإباضية من الشدة والقسوة تجاه المخالفين لهم والحكم عليهم بالهلاك والخسران، كما يقرره الوار جلاني منهم في كتابه الدليل لأهل العقول. 4- فرق الإباضية: انقسمت الإباضية إلى فرق، منها ما يعترف به سائر الإباضية، ومنها ما ينكرونها ويشنعون على من ينسبها إليهم، ومن تلك الفرق: 1-الحفصية: أتباع حفص بن أبي المقدام. 2-اليزيدية: أتباع يزيد بن أنيسة. 3-الحارثية: أتباع حارث بن يزيد الإباضي. 4-أصحاب طاعة لا يراد بها الله (1) . ولهذه الفرق من الأقوال والاعتقادات ما لا يشك مسلم في كفرهم وخروجهم عن الشريعة الإسلامية. ورغم أن علماء الفرق قد أثبتوا نسبتها إلى الإباضية إلا أن عليّ معمر-في كتابه الإباضية بين الفرق الإسلامية- أخذ يصول ويجول وينفي وجود هذه الطوائف عند الإباضية أشد النفي، ويزعم أن علماء الفرق نسبوها إلى _________ (1) انظر مقالات الأشعرى: 1/ 183، الفرق بين الفرق للبغدادي: ص 105، 279. (1/251) ________________________________________ الإباضية ظلماً وخطأ (1) وهذا الرد منه لا يسلم له على إطلاقه، لأن انحراف هذه الفرق في آرائهم لا يقوم دليل قاطع على عدم انتسابهم إلى الإباضية؛ إذ يجوز أن يكون هؤلاء الزعماء كانوا في صفوف الإباضية ثم انفصلوا عنهم بآرائهم الشاذة، وتظل نسبتهم إلى الإباضية ثابتة في الأصل، كما أنه لا يمنع أن يخرج بعض أفراد المذهب عن عامة أهل المذهب وتبقى نسبتهم إليهم لو مجرد التسمية -ثابتة- وإضافة إلى تلك الفرق السابقة فإنه يوجد ست فرق أخرى للإباضية في المغرب هي: 1-فرقة النكار: زعيمهم رجل يسمى أبا قدامة يزيد بن فندين الذي ثار في وجه إمام الإباضية بالمغرب عبد الوهاب بن رستم. وسميت هذه الفرقة بالنكارية لإنكارهم إمامة ابن رستم. وقد سميت الفرقة الموافقة لعبد الوهاب بن رستم ((بالوهابية أو الوهبية)) . 2-النفاثية: نسبة إلى رجل يسمى فرج النفوسي المعروف بالنفاث، ونفوسة قرية تقع في ليبيا. 3-الخلفية: نسبة إلى خلف بن السمح بن أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري الذي كانت له مناوشات مع الدولة الرستمية. 4-الحسينية: وزعيمهم رجل يسمى أبا زياد أحمد بن الحسين الطرابلسي. 5-السكاكية: نسبة إلى زعيمهم عبد الله السكاك اللواتي من سكان قنطرار، تميز بأقوال تخرجه عن الإسلام، وقد تبرأت من الإباضية. _________ (1) الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 23. (1/252) ________________________________________ 6-الفرثية: زعيمهم أبو سليمان بن يعقوب بن أفلح. ونفس الموقف السابق لعليّ يحيى بن معمر من الفرق السابقة وقفه أيضاً ضد هذه الفرق وأنكر أن تكون من الإباضية وشكك في وجود بعض هذه الفرق، فضلاً عن نسبتها إلى الإباضية (1) إلا أن كثيراً من العلماء يذكرون أن هذه الفرق هي ضمن الإباضية بالمغرب. 5-دولة الإباضية: قامت للإباضية دولتان: إحداهما في المغرب والأخرى في المشرق -عمان- تمتع المذهب الإباضي فيهما بالنفوذ والقوة. وساعد انتشار المذهب الإباضي في عمان بُعْدُها عن مقر الخلافة، ثم مسالكها الوعرة. ويرجع دخول المذهب الإباضي عمان إلى فرار بعض الخوارج بعد معركة النهروان إلى هذا البلد؛ كما يرى بعض العلماء. ولكن السالمي من علماء الإباضية يرى أن دخول المذهب إلى عمان يرجع إلى قدوم عبد الله بن إباض. وعلى أي حال فقد قوي المذهب وأراد أهل عمان الاستقلال عن الخلافة العباسية عهد السفاح والمنصور، وانتخبوا لهم خليفة هو الجلندي بن مسعود ابن جيفر الأزدي، إلا أن جيوش الخلافة العباسية قضت على حلم أهل عمان وظلت جزءاً من الدولة العباسية إلى سنة 177هـ، حيث بدأت نزعة _________ (1) انظر كتاب الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 258، 278. (1/253) ________________________________________ الاستقلال وولوا عليهم سنة 179هـ إماماً منهم، واستمر ولا تهم في الحكم في عمان ابتداءً بأول خليفة وهو محمد بن أبي عفان الأزدي، ثم الوارث بن كعب الخروصي، ثم غسان بن عبد الله، ثم عبد الملك بن حميد، ثم المهنا بن جيفر اليحمدي، ثم الصلت بن مالك الخروصي، ثم راشد بن النظر اليحمدي الخروصي، ثم عزام بن تميم الخروصي، ثم سعيد بن عبد الله بن محمد بن محبوب، ثم راشد بن الوليد، ثم الخليل بن شاذان، ثم محمد علي، ثم راشد بن سعيد، ثم عامر بن راشد بن الوليد (1) . وبعده محمد بن غسان بن عبد الله الخروصي، والخليل بن عبد الله ومحمد بن أبي غسان وموسى بن أبي المعالي وخنبش بن محمد والحواري بن مالك، وأبو الحسن بن خميس وعمر بن الخطاب ومحمد بن محمد بن إسماعيل الماضري وبركات بن محمد بن إسماعيل. ثم جاءت أئمة اليعارية الذين قوي نفوذهم جداً واستمروا إلى أن حدثت الانشقاقات والتفرق بينهم، فتدخلت الدول الاستعمارية وقضت على الإمامة (2) . أما بالنسبة لدولة الإباضية في المغرب فإن قيام هذه الدولة كان نتيجة لانتشار المذهب الإباضي هناك بين قبائل البربر. ولقد كانت البصرة هي إحدى القواعد الأساسية لدعاة المذهب الإباضي، حيث يتخرج منها دعاة هذا المذهب وينتشرون في أماكن كثيرة، وتعتبر المرجع _________ (1) مخطوطة المازغينني في افتراق فرق الأباضية الست بالمغرب ص 1-7 وانظر تعليق أبي إسحاق على كتاب الوضع للجناوني وانظر كذلك كتاب الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الأباضية: 2/ 148ر 152، 167، 174، 102، 112، 206. (2) انظر كتاب ((عمان تاريخ يتكلم)) ص 131 للسالمي، وكتاب ((الأزهار الرياضية للباروني)) : 2/ 2 والكامل لابن الأثير: 5/ 192 - 194. (1/254) ________________________________________ لجميع الإباضية في كل مكان، إذ يأتون إليها ويتزودون منها علماً وخططاً لنشر مذهبهم وإقامة حكمهم، في ذلك الوقت وفد إليها رجال هذا المذهب ثم خرجوا إلى المغرب وأسسوا دولتهم إلى جانب دولة الصفرية الخارجية. وطريقة قيام المذهب الإباضي تمت بوضع خطة للقبض على زمام السلطة شيئاً فشيئاً، وكان أول زعيم لهم هو أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، فاستولوا على طرابلس ثم عيَّن عبد الرحمن الرستمي قاضياً عليها وواصل أبو الخطاب انتصاراته، ولكن جيش الخلافة العباسية دحرهم في معركة قتل فيها أبو الخطاب وتفرقت الإباضية. ثم قام عبد الرحمن الرستمي الذي يعتبر مؤسس الدولة الرستمية الإباضية في المغرب بمحاولات الاستقلال، وتمت له السيطرة على أماكن كثيرة وسلموا عليه بالخلافة سنة 160هـ وهو فارسي الأصل. وقد توفي سنة 171هـ فاختاروا ابنه عبد الوهاب الذي واصل تنمية المذهب واجتمعت عليه الكلمة إلى أن مات، فخلفه ابنه أفلح بن عبد الوهاب وسار على طريقة والده وأحبه الناس، وبعد وفاته تولى ابنه أبو اليقظان محمد ابن أفلح، فأحب الناس سيرته إلى أن توفي فخلفه ابنه أبو حاتم يوسف بن محمد بن أفلح إلا أن العلاقة ساءت بينه وبين عمه يعقوب بن أفلح ودارت بينهم معارك هائلة، ومن هنا بدأت الدولة الرستمية في الأفول وداهمتهم الشيعة بقيادة أبي عبيد الله الشيعي وانتهت أسرتهم في سنة 296هـ فرثاهم علماء الإباضية كثيراً (1) . _________ (1) انظر الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الأباضية. الجزء الثاني في عدة صفحات منه. (1/255) ________________________________________ 6- موقف الإباضية من المخالفين لهم: أ- موقفهم من سائر المخالفين: تتسم معاملة الإباضية لمخالفيهم باللين والمسامحة وجوزوا تزويج المسلمات من مخالفيهم وهذا ما يذكره علماء الفرق عنهم، إضافة إلى أن العلماء يذكرون عنهم كذلك أن الإباضية تعتبر المخالفين لهم من أهل القبلة كفار نعمة غير كاملي الإيمان ولا يحكمون بخروجهم من الملة، إلا أن هذا المدح ليس بالاتفاق بين العلماء؛ فهناك من يذكر عن الإباضية أنهم يرون أن مخالفيهم محاربون لله ولرسوله وأنهم يعاملون المخالفين لهم أسوأ المعاملة. والحقيقة أن القارئ لكتب علماء الفرق يجد أنهم متعارضون في النقل عنهم إلا أن يقال: إن طائفة من الإباضية معتدلون وآخرون متشددون. ولهذا وجد علي يحيى معمر ثغرة في كلام علماء الفرق ليصفهم بالتناقض والاضطراب في النقل إلى آخر ما أورد من انتقادات لا تسلم له على إطلاقها. وذلك أنك تجد في بعض كلام علماء الإباضية أنفسهم الشدة في الحكم على المخالفين لهم ووصفوهم بأنهم الكفار وأنهم من أهل النار ما لم يدينوا بالمذهب الإباضي، وتجد آخرين يتسامحون في معاملة المخالفين لهم ويبدو عليهم اللين تجاههم. وتجد التعصب في حكمهم على مخالفين ظاهراً قوياً من قراءتك لكتاب مقدمة التوحيد لابن جميع، وكتاب الحجة في بيان المحجة في التوحيد بلا (1/256) ________________________________________ تقليد للعيزابي، ورسالة في فرق الإباضية بالمغرب للمارغيني، وكتاب الدليل لأهل العقول للورجلاني، وكذا العقود الفضية، وكشف الغمة الجامع لأخبار الأمة- فإن القارئ لهذه الكتب يجد التشدد تجاه المخالفين قائماً على أشده كما تشهد بذلك مصادرهم المذكورة. ومع هذا فإن العلماء والمتقدمين وكثيراً من المتأخرين يذكرون عبارات كثيرة تصف الإباضية بالتسامح واللين تجاه المخالفين ممن يدعون الإسلام إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي وحرابة، ومع ذلك نفى عليّ يحيى معمر أن يكون من مذهب الإباضية أنهم يرون أن معسكر السلطان معسكر بغي وحرابة، ولكنه-وهو يقسم حكام المسلمين في كتابه الإباضية بين الفرق الإسلامية- جعل هذا الوصف ينطبق على الحاكم الذي يخرج عن العدل ولا يطبق أحكام الإسلام كاملة (1) . ومن خلال الأمثلة الآتية من كلام العلماء حول موقف الإباضية من المخالفين لهم تجد مصداق ما قدمنا إجماله فيما يلي: 1- اللين والتسامح مع المخالفين: أ-ما قاله عنهم كتَّاب الفرق. ب-ما قالوه هم في كتبهم. أما ما قاله علماء الفرق عنهم: فمثلاً نجد أن الأشعري يقول: ((وأما السيف فإن الخوارج جميعاً تقول به وتراه، إلا أن الإباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف)) (2) . _________ (1) انظر الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 27، 28. (2) المقالات جـ1ص204. (1/257) ________________________________________ وقال أيضاً: ((وجمهور الإباضية يتولى المحكِّمة كلها إلا من خرج، ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار ليسوا بمشركين)) (1) . ثم قال عنهم كذلك: ((وزعموا أن الدار أي دار مخالفيهم- دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار كفر يعني عندهم)) (2) . إلى أن قال: ((وفي المعركة لا يقتلون النساء ولا الأطفال على عكس ما يفعله الأزارقة)) (3) أما البغدادي والشهرستاني فيذكران عن الإباضية أنهم يرون أن مخالفيهم براء من الشرك والإيمان، وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار (4) . وأما ما قالوه هم عن أنفسهم: فنجد صاحب كتاب الأديان الإباضي وهو يعدد آراء الأخنس -زعيم فرقة الأخنسية -يقول: ((وجوَّز تزويج نساء أهل الكبائر من قومهم على أصول أهل الاستقامة)) (5) . ونجده كذلك يؤكد على أنه لا يجوز من أهل القبلة إلا دماءهم في حالة قيام الحرب بينهم وبين الإباضية (6) . ويأتي أبو زكريا الجناوني فيؤكد أنه يجوز معاملة المخالفين معاملة حسنة، غير أنه ينبغي أن يدعو إلى ترك ما به ضلوا فإن أصروا ناصبهم إمام المسلمين _________ (1) المقالات 1/184. (2) المصدر السابق صـ185. (3) المصدر السابق صـ285. (4) الفرق بين الفرق صـ103، الملل والنحل ج 1 ص 134. (5) كتاب الأديان ص - 105. (6) المصدر السابق صـ99. (1/258) ________________________________________ الحرب حتى يذعنوا للطاعة ولا يحل منهم غير دمائهم (1) . وهناك نصوص في مسامحة الإباضية للمخالفين لهم من حسن المعاملة وعدم اغتيالهم أو استعراضهم وتحريم أموالهم. يذكرها عنهم علي يحيى معمر مع عزوها إلى قائليها في كتابه الإباضية بين الفرق الإسلامية، في معرض نقده كلام علماء الفرق عن الإباضية (2) لا نرى ضرورة للتطويل بنقلها هنا. 2- الشدة على المخالفين: 1-ما يقوله عنهم علماء الفرق: يقول البغدادي عنهم: ((إنهم يرون أن المخالفين لهم كفار وأجازوا شهادتهم وحرموا دماءهم في السر واستحلوها في العلانية ... وزعموا أنهم في ذلك محاربون لله ولرسوله ولا يدينون دين الحق، وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض والذي استحلوه الخيل والسلاح، فأما الذهب والفضة فإنهم يردونها على أصحابها عند الغنيمة)) (3) . وكان الأشعري قد سبق إلى قوله عنهم. ((وقالوا جميعاً: إن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل، فإن تاب وإلا قتل، كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله وفيما لا يسع (4) . _________ (1) انظر كتاب الوضع للجناوي. (2) انظر الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 335 - 385. (3) الفرق بين الفرق صـ 103. (4) المقالات ج 1 صـ186. (1/259) ________________________________________ 2-ما قالوه هم في كتبهم: روى الجيطالي الإباضي عن الإمام عبد الوهاب أنه قال: سبعون وجهاً تحل بها الدماء، فأخبرت منها لأبي مرداس بوجهين فقال: من أين هذا من أين هذا؟ وفي كتاب سير المشائخ أن الإمام كان يقول: عندي أربعة وعشرين وجهاً تحل بها دماء أهل القبلة، ولم تكن منهم عند أبي مرداس رحمه الله إلى أربعة أوجه وقد شدد علي فيهم (1) . ويقول المارغيني منهم: ((وقالت المشائخ إن هذا الدين الذي دنا به الوهبية من الإباضية من المحكِّمة دين المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الحق عند الله وهو دين الإسلام، من مات مستقيماً عليه فهو مسلم عند الله، ومن شك فيه فليس على شيء منه، ومن مات على خلافه أو مات على كبيرة موبقة فهو عند الله من الهالكين أصحاب النار)) (2) . وقال العيزابي منهم: ((الحمد لله الذي جعل الحق مع واحد في الديانات فنقول معشر الإباضية الوهابية: الحق ما نحن عليه والباطل ما عليه خصومنا؛ لأن الحق عند الله واحد، ومذهبنا في الفروع صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفينا خطأً يحتمل الصدق)) (3) . ولا يقلُّ الوار جلاني تشدداً عن من سبق، فهو يقول: فإن قال قائل: هذه أمة أحمد صلى الله عليه وسلم قد قضيتم عليها بالهلاك وبالبدعة والضلال وحكمتم عليها بدخول النار ما خلا أهل مذهبكم. قلنا: إنما قضاه _________ (1) قواعد الإسلام ص 105. (2) رسالة في فرق الأباضية للمغرب ص 13. (3) الحجة في بيان الحجة في التوحيد بلا تقليد ص 37. (1/260) ________________________________________ رسول الله صلى الله عليه وسلم-لا نحن- بقوله: حيث يقول: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن في النار ما خلا واحدة ناجية ... كلهم يدعي تلك الواحدة)) (1) . وهناك نصوص كثيرة أخرى في تزكية مذهبهم وبطلان ما عداه من المذاهب، وأن الله لا يقبل أي دين غير دين الإباضية والوهبية عن صاحب العقود الفضية (2) والسالمي (3) وجاعدين خميس الخروصي (4) ، وصاحب كشف الغمة (5) ، وصاحب النيل وشفاء العليل (6) وابن جميع (7) وغيرهم من علماء الإباضية. ب- موقف الإباضية من الصحابة: موقف الإباضية من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم: من الأمور المتفق عليها عند سائر الخوارج الترضي التام والولاء والاحترام للخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما، لم تخرج فرقة منهم عن ذلك. أما بالنسبة للخليفتين الراشدين الآخرين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقد هلك الخوارج فيهما وذموهما مما برأهما الله عنه. _________ (1) تقدم تخريج الحديث وذكر ألفاظه وهو في كتاب الدليل لأهل العقول ص 35 - 36. (2) العقود الفضية ص 169. (3) المصدر السابق صـ172. (4) المصدر السابق صـ172. (5) كشف الغمة صـ306. (6) انظر النيل وشفاء ص 1061، 1062 جـ3. (7) مقدمة التوحيد صـ19. (1/261) ________________________________________ والذي يهمنا، أن نشير هنا إلى رأي الإباضية في الصحابة رضوان الله عليهم بإيجاز، تاركين تفصيل الحجج والردود عليها لمقام آخر: 1- موقف الإباضية من عثمان رضي الله عنه: من الأمور الغريبة جداً أن تجد ممن يدعي الإسلام ويؤمن بالله ورسوله من يقع في بغض الصحابة؛ خصوصاً من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة وثبتت بذلك النصوص في حقه. فعثمان رضي الله عنه صحابي جليل شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، أما بالنسبة للخوارج فقد تبرءوا منه ومن خلافته، بل وحكموا عليه بالارتداد والعياذ بالله وحاشاه من ذلك. وفي كتاب كشف الغمة لمؤلف إباضي من السب والشتم لعثمان ما لا يوصف، ولم يكتف بالسب والشتم، وإنما اختلق روايات عن بعض الصحابة يسبون فيها عثمان بزعمه ويحكمون عليه بالكفر (1) ، ولا شك أن هذا بهتان عظيم منه. ويوجد كذلك كتاب في الأديان (2) وكتاب آخر اسمه الدليل لأهل العقول (3) للورجلاني، فيهما أنواع من السباب والشتم لعثمان ومدح لمن قتلوه؛ حيث سماهم فرقة أهل الاستقامة، وهم في الحقيقة بغاة مارقون لا استقامة لهم إلا على ذلك. 2-وأما بالنسبة لموقفهم من علي رضي الله عنه: فإنه يتضح موقفهم منه _________ (1) كشف الغمة ص 268. (2) كتاب الأديان ص 26- 27. (3) الدليل لأهل ص 28-28. (1/262) ________________________________________ بما جاء في كتاب كشف الغمة تحت عنوان فصل من كتاب الكفاية قوله: فإن قال ما تقولون في علي بن أبي طالب، قلنا له: إن علياً مع المسلمين في منزلة البراءة، وذكر أسباباً- كلها كذب- توجب البراءة منه في زعم مؤلف هذا الكتاب، منها حربه لأهل النهروان وهو تحامل يشهد بخارجيته المذمومة. وقد ذكر لوريمر عن موقف المطاوعة -جماعة متشددة في الدين- كما يذكر قوله: ((ويعتقد المطوعون أن الخليفة علياً لم يكن مسلماً على الإطلاق؛ بل كان كافراً!!)) (1) . كما تأول حفص بن أبي المقدام بعض آيات القرآن على أنها واردة في علي، وقد كذب حفص (2) . ومن الجدير بالذكر أن علي يحيى معمر -المدافع القوي عن الإباضية يزعم أن الإباضية لا يكفرون أحداً من الصحابة، وأنهم يترضون عن علي رضي الله عنه فهو ينقل عن كتاب وفاء الضمانة بأداء الأمانة مدحاً وثناءً لعلي (3) . وأورد علي يحيى معمر فصلاً طويلاً بيّن فيه اعتقاد الإباضية في الصحابة بأنهم يقدرونهم حق قدرهم، ويترضون عنهم ويسكتون عما جرى بينهم، ونقل عن أبي إسحاق أطفيش في رده على الأستاذ محمد بن عقيل العلوي أنه قال له: أما ما زعمت من شتم أهل الاستقامة لأبي الحسن علي وأبنائه فمحض اختلاق. _________ (1) دليل الخليج: 6/3406. (2) انظر المقالات: 1/ 183. (3) وفاء الضمانة: 3/22. (1/263) ________________________________________ ونقل عن التعاريتي أيضاً مدحه للصحابة خصوصاً علياً وأبناءه، وكذلك التندميري الإباضي. وأخيراً قال علي يحيى معمر: ((ولم يكن يوماً من الأصحاب شتم له أو طعن، اللهم من بعض الغلاة، وهم أفذاذ لا يخلو منهم وسط ولا شعب)) (1) . وهذه الحقيقة التي اعترف بها أخيراً تجعل ما ملأ به كتابه الإباضية بين الفرق من الشتائم على كل كتّاب الفرق غير صحيح، فما الذي يمنع أن يكون نقل هؤلاء العلماء يصدق على أقل تقدير على هؤلاء الأفذاذ الذين أشار إليهم، مع أن ما يذكره علي يحيى معمر لا يتفق مع النصوص المستفيضة عن علماء الإباضية في ذمهم لبعض الصحابة، فهل الورجلاني يُعتبر- على حد التعبير السابق ليحيى معمر- من الغلاة المتشددين، وهو من هو في صفوف الإباضية؟ فهذا الرجل يواصل في كتابه الدليل لأهل العقول تكفيره وشتمه لمعاوية رضي الله عنه ولعمرو بن العاص، بل قد قال زعيم الإباضية عبد الله بن إباض نفسه في كتابه لعبد الملك عن معاوية ويزيد وعثمان كما يرويه صاحب كشف الغمة: ((فإنا نُشهد الله وملائكته أنا براء منهم وأعداء لهم بأيدينا وألسنتنا وقلوبنا، نعيش على ذلك ما عشنا، ونموت عليه إذا متنا، ونبعث عليه إذا بعثنا، نحاسب بذلك عند الله)) وكفى بهذا خروجاً. وصاحب كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة يشتم الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأوجب البراءة منهما بسبب ولايتهما لأبيهما على ظلمه وغشمه، كما يزعم- كذلك بسبب قتلهما عبد الرحمن بن ملجم، وتسليمهما الإمامة لمعاوية، وهي أسباب لا يعتقدها من عرف الصحابة الذين شهد الله ورسوله _________ (1) الأباضية بين الفرق ص 287. (1/264) ________________________________________ لهم بالسابقة والفضل، ولكن انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر، وصدق الشاعر حين قال: وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني فاضل ونفس الموقف الذي وقفه الخوارج عموماً والإباضية أيضاً من الصحابة السابقين- وقفوه أيضاً من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وأوجب لهما الورجلاني النار (1) ، وقد بشرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهؤلاء يوجبون عليهما النار، فسبحان الله ما أجرأ أهل البدع والزيغ على شتم خيار الناس بعد نبيهم الذين نصروا الإسلام بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ومات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم!! قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)) (2) ، وأنه لما يحار فيه الشخص هذا الموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان أخص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير مرضيين عند هذه الطوائف من خوارج وشيعة فمن المرضي بعد ذلك؟ 7- عقائد الإباضية: من الأمور الطبيعية أن تخرج هذه الفرقة وغيرها من الفرق عن المعتقد السليم في بعض القضايا ما دامت قد خرجت عن أهل السنة والجماعة وارتكبت التأويل، ولا بد كذلك أن توجد لها أقوال فقهية تخالف فيها الحق إلى جانب أقوالهم في العقيدة، ولا يسعنا هنا ذكر جميع مبادئ فرقة الإباضية العقديّة والفقهية، فهذا له بحث مستقل خصوصاً ما يتعلق بالمسائل الفقهية، _________ (1) انظر: كشف الغمة ص 304. الدليل لأهل العقول ص 28. (2) أخرجه مسلم 7/188. (1/265) ________________________________________ فإن دارس الفرق قلما يوجه همه إلى إيضاحها وتفصيلاتها إلا عند الضرورة. والذي نود الإشارة إليه هنا أن الإباضية أفكاراً عقدية وافقوا فيها أهل الحق، وعقائد أخرى جانبوا فيها الصواب. 1- أما ما يتعلق بصفات الله تعالى: فإن مذهب الإباضية فيها أنهم انقسموا إلى فريقين: فريق نفى الصفات نفياً تاماً خوفاً من التشبيه بزعمهم، وفريق منهم يرجعون الصفات إلى الذات فقالوا أن الله عالم بذاته وقادر بذاته وسميع بذاته إلخ الصفات فالصفات عندهم عين الذات، قال أحمد بن النضر: وهو السميع بلا أداة تسمع *** إلا بقدره قادر وحداني وهو البصير بغير عين ركبت *** في الرأس بالأجفان واللحظان جل المهمين عن مقال مكيف *** أو أن ينال دراكه بمكان أو أن يحيط به صفات معبرس *** أو تعتريه هماهم الوسنان (1) ويقول السالمى: أسماؤه وصفات الذات ... *** ليس بغير الذات بل عينها فافهم ولا تحلا وهو على العرش والأشيا استوى *** وإذا عدلت فهو استواء غير ما عقلا وإنما استوى ملك ومقدرة *** له على كلها استيلاء وقد عدلا كما يقال استوى سلطانهم فعلى ... *** على البلاد فحاز السهل والجبلا (2) _________ (1) كتاب الدعائم ص: 34. (2) غاية المراد ص: 7. (1/266) ________________________________________ وقال العيزابي منهم ((الحمد لله الذي استوى على العرش أي ملك الخلق واستولى عليه وإلا لزم التحيز وصفات الخلق)) (1) وهذا في حقيقته نفي للصفات ولكنه نفي مغطي بحيله إرجاعها إلى الذات وعدم مشابهتها لصفات الخلق وقد شنع الورجلاني منهم على الذين يثبتون الصفات بأنهم مشبهة كعبادة الأوثان وأن مذهب أهل السنة هو - حسب زعمه - تأويله الصفات فاليد النعمة والقدرة والوجه الذات ومجئ الله مجئ أمره لفصل القضاء لأن إثبات هذه الصفات لله هو عين التشبيه كما يزعم (2) . ومعلوم لطلاب العلم أن هذا ليس هو مذهب السلف الذي يثبتون الصفات لله كما وصف نفسه في كتابه الكريم ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل. قال ابن تيمية في بيان مذهب السلف: ((أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل)) . ويقول ابن القيم: ((لا ريب أن الله وصف نفسه بصفات وسمى نفسه بأسماء، وأخبر عن نفسه بأفعال وأخبر أنه يحب ويكره ويمقت ويغضب ويسخط ويجئ ويأتي وينزل إلى السماء الدنيا، وأنه استوى على عرشه، وأن له علما وحياة وقدرة وإرادة وسمعا وبصراً ووجهاً، وأن له يدين وأنه فوق عباده وأن الملائكة تعرج إليه وتنزل من عنده، وأنه قريب، وأنه مع المحسنين ومع الصابرين ومع _________ (1) الحجة في بيان المحجة صـ6، 18. (2) الدليل لأهل العقول ص: 32. (1/267) ________________________________________ المتقين، وأن السموات مطويات بيمينه، ووصفه رسوله بأنه يفرح ويضحك وأن قلوب العباد بين أصابعه وغير ذلك)) . (1) فهل بعتبر هذا الوصف تشبيه لله بخلقه؟ {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (2) وطريقة السلف في إثبات كل صفة لله أنهم يقولون فيها أنها معلومة والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة. وأن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3) . وهذه الآية أساس واضح في إثبات الصفات لله. ولم ير أهل السنة أن إثبات الصفات يؤدي إلى التشبيه لمعرفتهم أن الإتقان في التسمية لا يستلزم الاتفاق في الذات فالله سميع وبصير والإنسان بصير وبين الذاتين ما يعرفه كل عاقل من الفرق ومن تصور التشبيه فقد جمع بين التشبيه والتعطيل. والحاصل أن الإباضية هنا وافقوا المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من أهل الفرق في باب الصفات معتمدين على عقولهم وعلى شبهات وتأويلات باطلة على أن الإباضية أنفسهم مختلفون في إثبات صفات الله تعالى فأباضية المشرق يختلفون عن أباضية المغرب ذلك أن أباضية المشرق تعتقد أن صفات الله تعالى حادثة وأباضية المغرب تعتقد أنها قديمة وبين الفريقين من التباعد في هذا مالا يخفى. (4) . 2- وأما عقيدة الإباضية في استواء الله وعلوه، فإنهم يزعمون أن الله _________ (1) مختصر الصواعق المرسلة من ص 16 إلى ص 29. (2) [البقرة: الآية140] (3) سورة الشورى: 11 (4) انظر الأباضية عقيدة ومذهباً للدكتور صابر طعيمة ص 35. (1/268) ________________________________________ يستحيل أن يكون مختصاً بجهة ما بل هو في كل مكان وهذا قول بالحلول وقول الغلاة الجهمية ولهذا فقد فسر الإباضية معنى استواء الله على عرشه باستواء أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه أو استواء ملك ومقدرة وغلبة وإذا قيل لهم لما خص العرش بالاستيلاء والغلبة أحابوا بجواب واه قالوا لعظكته، وقد خرجوا بهذه التاويلات عن المنهج الشرعي إلى إعمال العقل واللغة بتكلف ظاهر مخالف للاعتقاد السليم والمنطق والفطرة. 3- وذهبت الإباضية في باب رؤية الله تعالى إلى إنكار وقوعها لأن العقل - كما يزعمون - يحيل ذلك ويستبعده واستدلوا بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (1) وأولوا معنى الآية تأويلاً خاطئاً على طريقة المعتزلة. ومن أدلتهم قوله تعالى {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (2) . واستدلوا من السنة بحديث عائشة حين سئلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة الإسراء فأجابت بالنفى كما رواه صاحب وفاء الضمانة (3) وقد أورد الربيع بن حبيب صاحب كتاب الجامع الصحيح أو مسند الربيع الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري ومسلم عند أهل السنة ويعتبرونه أصح كتاب بعد القرآن الكريم - كما يزعمون. أورد عدة روايات عن بعض الصحابة - تدل على إنكارهم رؤية الله تعالى بزعمه (4) . _________ (1) سورة الأنعام: 103. (2) الأعراف: الآية143 (3) وفاء الضمانة ص 376، 377. (4) انظر: مسند الربيع بن حبيب: 3/ 35. (1/269) ________________________________________ والواقع أن كل استدلالاتهم التي شابهوا فيها المعتزلة، إما استدلالات غير صحيحة الثبوت أو صحيحه ولكن أولوها على حسب هواهم في نفي الرؤية. فإن الآية الأولى ليس فيها نفي الرؤية وإنما نفي الإحاطة والشمول فالله يرى ولكن من غير إحاطة به عز وجل. وقوله لموسى {لن تراني} أي في الدنيا وقد علق الله إمكان رؤيته تعالى بممكن وهو استقرار الجبل. وحديث عائشة إنما أرادت نفى أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في ليلة الإسراء وليس المقصود نفي الرؤية مطلقاً فهذا لم ترده أم المؤمنين ومن فهم النفي مطلقاً فهو سيئ الفهم جاهل بالنصوص. وخلاصة القول في هذه المسألة أن رؤية الله تعالى تعتبر عند السلف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة لا يمارى فيها أحد منهم بعد ثبوتهم في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفي أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفي أقوال علماء السلف قاطبة رحمهم الله تعالى. 4- ومن عقائد بعض الأباضية في كلام الله تعالى القول بخلق القرآن - بل حكم بعض علمائهم كابن جميع والورجلاني أن من لم يقل بخلق القرآن فليس منهم. (1) وقد عرف المسلمون أن القول بخلقه من أبطل الباطل إلا من بقى على القول بخلقه منهم وهم قلة شاذة بالنسبة لعامة المسلمين وموقف إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله وهو القول _________ (1) مقدمة التوحيد ص 19 الدليل لأهل العقول ص: 50. (1/270) ________________________________________ بأن القرآن كلام الله تعالى منه بدأ واليه يعود ولا يتسع المقام هنا لبسط شبه القائلين بخلقه وأدلة من يقول بعدم خلقه وردهم على أولئك المخطئين. ومن قذف الله الإيمان والنور في قلبه يعلم أن الله تعالى تكلم بالقرآن وبلغة جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والكلام صفة لله تعالى، ومما ينبغي الإشارة إليه هنا بعض الإباضية قد خرج عن القول صفة لله تعالى، ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن بعض الإباضية قد خرج عن القول بخلق القرآن كصاحب كتاب الأديان (1) وكذا أبو النضر العماني (2) وردا على من يقول بخلقه وبسطا الأدلة في ذلك وبهذا يتضح أن الإباضية قد انقسموا في هذه القضية إلى فريقين. 5- وقد اعتدل الإباضية في مسألة ووافقوا أهل السنة فأثبتوا القدر خيره وشره من الله تعالى وأن الله خالق كل شيء وأن الإنسان فاعل لأفعاله الاختيارية مكتسب لها محاسب عليه وبهذا المعتقد صرح زعماؤهم كالنفوسي (3) والعيزابي (4) والسالم (5) وعلى يحي معمر (6) . 6- وقد اختلف الأباضيون في إثبات عذاب القبر. فذهب قسم منهم إلى انكاره موافقين بذلك سائر فرق الخوارج. وذهب قسم آخر إلى إثبات قال النفوس في متن النونية: وأما عذاب القبر ثبت جابر *** وضعفه بعض الأئمة بالوهن (7) ومعتقد السلف جميعاً هو القول بثبوت عذاب القبر ونعيمه كما صحت بذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة ومن أنكره فليس له دليل إلا مجرد الاستبعاد ومجرد الاستبعاد ليس بدليل. _________ (1) كتاب الأديان ص 104. (2) كتاب الدعائم ص: 31- 35. (3) متن النونية ص: 12. (4) الحجة في بيان المحجة ص 23. (5) غاية المراد ص 9. (6) الأباضية بين الفرق ص 248. (7) متن النونية ص: 27. (1/271) ________________________________________ 7- ويثبت الأباضيون وجود الجنة والنار الآن ويثبتون الحوض ويؤمنون بالملائكة والكتب المنزلة. 8- وأما بالنسبة للشفاعة: فإن الإباضية يثبتونها ولكن لغير العصاة للمتقين وكأن المتقى في نظرهم أحوج إلى الشفاعة من المؤمن العاصي. قال صاحب كتاب الأديان - والشفاعة حق للمتقين وليست للعاصين (1) . وقال السالمي: وما الشفاعة إلا للتقي كما *** قد قال رب العلا فيها وقد فصلا (2) وذكر الربيع بن حبيب روايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم تدل في زعمه على هذا المعتقد وقرر الحارثي في كتابه العقود الفضية تلك القضية (3) . ومذهب أهل السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع في عصاة المؤمنين أن لا يدخلوا النار ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها بعد إذن الله ورضاه وثبت أن الله يقبل شفاعته في ذلك وشفاعة الصالحين من عباده بعضهم في بعض. 9- وأما الميزان: الذي جاءت به النصوص وثبت أن له كفتان حسيتان مشاهدتان توزن فيه أعمال العباد كما يوزن العامل نفسه فإن الإباضية تنكر هذا الوصف ويثبتون وزن الله للنيات والأعمال بمعنى تمييزه بين الحسن منها والسيئ وإن الله يفصل بين الناس في أمورهم ويقفون عند هذا الحد غير مثبتين ما جاءت به النصوص من وجود الموازين الحقيقية في يوم القيامة (4) وعلى الصفات التي جاءت في السنة النبوية. 10- وكما أنكر الإباضية الميزان أنكروا كذلك الصراط وقالوا إنه _________ (1) انظر: كتاب الأديان ص 53 (2) غاية المراد ص 9. (3) مسند الربيع بن حبيب، الجامع الصحيح: 4/ 31، 34. (4) متن النونية ص 25. (1/272) ________________________________________ ليس بجسر على ظهر جهنم (1) ، وذهب بعضهم - وهم قلة - إلى إثبات الصراط بأنه جسر ممدود على متن جهنم حسبما نقله د/ صابر طعيمه عن الجيطالي من علماء الإباضية (2) والسلف على اعتقاد أن الصراط جسر جهنم وأن العباد يمرون عليه سرعة وبطئاً حسب أعمالهم ومنهم من تخطفه كلاليب النار فيهوى فيها. 11- ووافق -معظم الإباضية - السلف في حقيقة الإيمان من أنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (3) وقد خالف بعضهم فذهب إلى الإيمان يزيد ولا ينقص وقد نقل الدكتور صابر صعيمه بعض الأدلة من كتبهم على هذا الرأي (4) 12- وزيادة الإيمان ونقصه مسألة خالف فيها الإباضية سائر الخوارج الذين يرون أن الإيمان جملة واحدة لا يتبعض وأن العبد يكفر ويذهب إيمانه بمجرد مواقعته للذنب ويسمونه كافراً ومخلداً في النار في الآخرة إلا أن الإباضية مع موافقتهم للسلف في الحكم لكنهم يسمون المذنب كافر كفر نعمة ومنافقاً. يقول إعوشت ((فالكفر إذن عند الإباضية ينقسم إلى ما يلي: 1- كفر نعمة ونفاق وبتمثل في المسلم الذي ضيع الفرائض الدينية أو ارتكب الكبائر أو جمع بينهما.)) (5) . _________ (1) انظر غاية المراد ص 9. (2) قناطر الخيرات: 1/ 318 - 319 نقلاً عن الأباضية عقيدة ومذهباً ص 126 (3) كتاب الأديان ص 53 غاية المراد ص 7. (4) الأباضية عقيدة ومذهباً ص 116 - 117. (5) الإباضية بين الفرق - علي معمر ص 289، غاية المراد ص 18 للسالمي. (1/273) ________________________________________ وفي الآخرة مخلد في النار إذا مات من غير توبة (1) ، وكان الحال يقتضى أنهم لا يطلقون عليه كلمة الكفر ولا النفاق ولا يحكمون عليه بالخلود في النار بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ونجد هنا أن الإباضية وافقوا أيضاً سائر الخوارج في الحكم على مرتكب الكبيرة بالخلود في النار إذا مات قبل التوبة بناء على اعتقاد إنفاذ الوعيد لا محالة. واستدلوا بسائر أدلة الخوارج على كفر مرتكب الكبيرة وخلوده في النار وأهل السنة لا يرون ذلك بل يقولون إذا مات المذنب قبل التوبة فأمره إلى الله وهو تحت المشيئة، ويقولون أيضاً أن أخلاف الوعد مذموم وإخلاف الوعيد كرم وتجاوز. 13- وأما مسألة الإمامة والخلافة فقد ذكر بعض العلماء عن الإباضية في مسألة الإمامة والخلافة أن الإباضية يزعمون أنه قد يستغني عن نصب الخليفة ولا تعود إليه حاجة إذا عرف كل واحد الحق الذي عليه للآخر، وهذا القول أكثر ما شهر عن المحكِّمة والنجدات. وأما الإباضية فقد ذكر هذا القول عنهم. ج لوريمر في كتابه دليل الخليج (2) ولكن بالرجوع إلى كتب الإباضية نجد أنهم ينفون هذا القول عنهم ويعتبرونه من مزاعم خصومهم عنهم وإن مذهبهم هو القول بوجوب نصب حاكم للناس ومن قال غير هذا عنهم فهو جاهل بمذهبهم على حد ما يقوله علماؤهم كالسالمي وعلي يحي معمر وغيرهما. قال السالمي: ((والإمامة فرض بالكتاب والسنة والإجماع _________ (1) متن النونية ص 18. (2) دليل الخليج لوريمر 6/ 3303 وانظر الفصل لابن حزم: 4/87. (1/274) ________________________________________ والاستدلال)) (1) وموقفهم هذا يتفق مع مذهب أهل السنة فإنهم يرون وجوب نصب الحاكم حتى وإن كانوا جماعة قليلة، فلو كانوا ثلاثة في سفر لوجب تأمير أحدهم كما دلت على ذلك النصوص الثابتة وأن من قال بالاستغناء عن نصب الحاكم فقد كابر عقله وكذب نفسه ورد عليه الواقع من حال البشر وصار ما يقوله من نسج الخيال وأدلته على الاستغناء مردودة واهية. والخوارج كافة ينظرون إلى الإمام نظرة حازمة هي إلى الريبة منه أقرب ولهم شروط قاسية جداً قد لا تتوفر إلا في القليل النادر من الرجال وإذا صدر منه أقل ذنب فإما أن يعتدل ويعلن توبته وإلا فالسيف جزاؤه العاجل. وقد جوَّز الإباضية كأهل السنة صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا تمت للمفضول؛ خلاف لسائر الخوارج. (2) . 14- وجوز الإباضية التقية خلاف لأكثر الخوارج (3) . وقد أورد الربيع بن حبيب في مسنده روايات في الحث عليها تحت قوله ((باب ما جاء في التقية)) ومنه قال جابر سئل ابن عباس عن التقية فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما لم يستطيعوا وما أكرهوا عليه)) قال: ((وقال ابن مسعود ما من كلمة تدفع عني ضرب سوطين إلا تكلمت _________ (1) الأباضية بين الفرق - على معمر ص 289، غاية المراد ص 18 للسالمس. (2) الأباضية بين الفرق الإسلامية ص 462. (3) انظر مسند الربيع بن حبيب: 3/ 12. (1/275) ________________________________________ بها وليس الرجل على نفسه بأمين إذا ضرب أو عذب أو حبس أو قيد)) (1) أي وهو يجد خلاصاً في الأخذ بالتقية وبهذا نكتفي بما تقدم ذكره عن فرقة الإباضية. * * * * * * * * * * * * * _________ (1) مسند الربيع بن حبيب: جـ3 ص 12. وقد أخرج الحديث ابن ماجه في سننه 1/659، والبهيقي في السنن الكبرى 3/ 356، 357، والحاكم في المستدرك 2/ 198، والدارقطني في سننه 4/ 170. ولفظ الحديث ((إن الله وضع عن أكتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، بدون ((وما لم يستطيعوا)) الزائدة عند الربيع. (1/276) ________________________________________ |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كتب مختارة لطالب العلم | أبو البراء محمد الأحمدي | الأحاديث الصحيحة فقهها وشرحها | 1 | 17-09-2010 08:05PM |
بيان أنواع العبادات المشروعة فعلها ولا تنقطع بعد رمضان -ستة من شوال لابن عثيمين | أم البراء | منبر الأسرة والمجتمع السلفي | 1 | 10-09-2010 03:23PM |
شهر الله المحرَّم - سنن ومحدثـات -للشيخ فركوس حفظه الله | أبو حمزة مأمون | منبر الرقائق والترغيب والترهيب | 0 | 02-01-2010 03:22PM |
حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام (الحلـــــــــقة الرابعـــــــــــــة) | الشيخ ربيع المدخلي | السنن الصحيحة المهجورة | 0 | 26-05-2004 01:05PM |
عليُّ بنُ المديني (للشيخ/ عبد المحسن العباد) | طارق بن حسن | منبر الجرح والتعديل | 0 | 02-10-2003 11:10AM |