|
#1
|
|||
|
|||
كيف تكون مفتاحا للخيرمغلاقا للشر
**بسم الله الرحمن الرحيم**
كيف تكون مفتاحا للخيرمغلاقا للشر لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد : روى ابن ماجه في سننه ، وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن من الناس ناس مفاتيح للخيرمغاليق للشر، وإن من الناس ناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخيرعلى يديه وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه " وهذا الحديث العظيم له نظائر كثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد على معناه وتقررمدلوله ومضمونه منهاعلى سبيل المثال ما خرجه الترمذي رحمه الله في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مرّالنبي صلى الله عليه وسلم على نفر جلوس فقال :" ألا أنبؤكم بخيركم من شرّكم فسكت القوم فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقالوا بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا فقال صلى الله عليه وسلم :" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره " ونظير أيضا هذا الحديث حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء .." وهو حديث مشهور يأتي ذكره في موضعه من هذه المحاضرة . معاشر الإخوة الكرام ، إن كل مسلم حريص على سعادة نفسه ، وفلاحها وفوزها في الدنيا والآخرة عندما يسمع هذا الحديث العظيم أعني حديث أنس وكذلك أشباهه من الأحاديث الدالة على مضمونه لا شك أن قلبه يتحرك شوقا وطمعا وتهتز نفسه رغبة في أن يكون من مفاتيح الخير وأن لا يكون مفتاحا للشر لا شك أن هذا المطلب لدى كل مسلم ، ما من مسلم إلا ويحب لنفسه أن يكون مفتاحا للخير ، وأن لا يكون مفتاحا للشريحب لنفسه أن يكون من أهل طوبى لا أن يكون من أهل الويل ، وهوالعقاب الشديد والنكال الأليم الذي أعده الله تبارك وتعالى لمفاتيح الشر مغاليق الخير، والنفس أيها الإخوة عندما تتوق لهذا الأمر وتطمع فيه لابد من مجاهدتها لتحقيق الأسباب وإيتيان بمقاصده وغاياته حتى يكون العبد مفتاحا للخير مغلاقا للشر فعلا ، وواقعا ،وعملا ،وتطبيقا ولا يكفي في ذلك مجرد التمني أو مجرد التحلي بل لابد من فهم لحقيقة الأمر وقيام به على التمام والكمال مع طلب العون في ذلك واللّجوء الكامل في تحقيق ذلك إلى الله سبحانه وتعالى . ثم أيها الإخوة نأتي إلى الشروع في المقصود ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير؟ الحديث عن هذا السؤال الكبير العظيم المهم الذي نحتاج إليه جميعا يكون في نقاط عديدة لعلها تجمع أطرافه أو مهماته وربما نبدأ ببعض الأمور لكن ما سأسيرإليه من نقاط عديدة في هذا الباب هي أبرز ما يكون في هذا الموضوع العظيم ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير وسأعرضها في نقاط مرتبة واحدة تلو الأخرى . الامر الأول :أن نعلم وكلنا نعلم ذلك أن الفتّاح هو الله سبحانه وتعالى وهو جلّ وعلاّ خير الفاتحين والفتّاح اسم من اسمائه جلّ وعلا ويجب على كل مسلم آمن بالله عز وجل وآمن بأسمائه الحسنى ومنها اسمه تبارك وتعالى الفتّاح أن يحسن التقرب إلى الله تبارك وتعالى والتعبد له بأسمائه عملا بقوله (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) ودعائه تبارك وتعالى بأسمائه الذي أمرنا به يتناول دعاء العبادة ودعاء المسألة ، يتناول دعاء العبادة بفهم الإسم ومعرفة مضمونه واثبات الصفة التي دل عليها الاسم ومن ثم تحقيق التعبد والتقرب إلى الله تبارك وتعالى لما يوجبه ويقتضيه الإيمان بالاسم ، واسم الله تبارك وتعالى الفتّاح هذا الإسم العظيم قد ورد في القرآن العظيم في موضعين الأول قول الله سبحانه وتعالى في ذكر دعاء شعيب عليه السلام : (( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )) والموضع الثاني في قوله تبارك وتعالى (( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين )) واسمه جلّ وعلا الفتاح يدل على ثبوت صفة الفتح له جلّ وعلا وهذه الصفة العظيمة تتناول معالم ذكرها أهل العلم هي مدلول هذا الاسم ألا وهي تبارك وتعالى فتحه بين عباده بشرعه وفتحه جلّ وعلا بين عباده بجزاءه وفتحه تبارك وتعالى بين عباده بأحكامه القدرية قال تعالى :(( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم )) فهو تبارك وتعالى الفتّاح ولهذا الخطوة الأولى في هذا الباب أن يلجأ من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير إلى الفتّاح سبحانه وإلى خير الفاتحين جلّ وعلا متوسلا إليه متدللا بين يديه طامعا في نواله جلّ وعلا صادقا معه سبحانه والله عز وجل لا يخيب عبدا ناداه ولا يرد مؤمنا أمل فيما عنده ورجاه جل وعلا فهذه الخطوة الأولى الفتح كله من الله جل وعلا فتحه عليك بالعلم النافع فتحه عليك بالعمل الصالح فتحه عليك بالأخلاق الفاضلة كما قال بعض السلف قال : إن هذه الأخلاق وهائب وإن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبده وهبه إياها والله عز وجل قسم بين العباد الأخلاق ، والأرزاق والأعمال والأعمار وكل شيء منه جلّ وعلا ولهذا يكون الأمر الأول في هذا الباب اللّجوء الكامل إلى الله عز وجل لا يمكن أن تنال علما أو تكسب فهما أو تحقق خلقا أو تقوم بعبادة أو غير ذلك من الأمور إلا إذا فتح الله لك . وكم هو جميل هنا كلمة قالها مطرّز ابن عبد الله ابن الشخير من العلماء التابعين رحمه الله تعالى قال كلمة عجيبة قال : لو أخرج قلبي وجُعل في يساري وجيء بالخيرات كلها وجُعلت في يميني لم أستطع أن أجعل شيئا من هذه الخيرات في قلبي إلا أن يكون الله الذي يضعها . فالأمر بيد الله تبارك وتعالى من قبل ومن بعد ولهذا أحيانا يسمع الإنسان مواعظ ،وأشياء نافعة جدا له في دينه ودنياه ويسمع من أبواب الخير وأبواب البر وأبواب الفلاح ولكن نفسه تجنح وتجمح ويقل منه العمل والعطاء والتوفيق بيد الله لا حول ولا قوة إلا به جلّ وعلا . الامر الثاني : أن نعلم أن أعظم مفاتيح الخير وأجلّها على الإطلاق توحيد الله جلّ وعلا وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى والتوحيد هو مفتاح كل خير وهو مفتاح الجنة وقد جاء في حديث راوه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مفتاح الجنة لا إله إلا الله " وهذا الحديث في سنده مقال لكن معناه حق صحيح لا ريب فيه وله شواهد كثيرة ودلائل عديدة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا أطيل بذكرها لكن من أوضحها ما خرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من عبد يتوضأ فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " فالتوحيد مفتاح الجنة ومن لم يأتي بهذا المفتاح الذي هو التوحيد لا يدخل الجنة ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار : (( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )) الجنة لا يمكن دخولها إلا بالتوحيد وقد قال عليه الصلاة والسلام :" لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة " ، ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي مفتاح الجنة كما تقدم لكن هذا المفتاح لا يتحقق عمله ولا يتحقق دخول العبد الجنة به إلا إذا حقق شروط هذه الكلمة ولهذا ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح عن وهب بن منبه وهو من العلماء التابعين أنه سئل ، قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح . مشيرا بذلك إلى شروط لا إله إلا الله التي لا ينتفع بلا إله إلا الله إلا إذا حققت وأتي بها كما جاءت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي شروط سبعة ذكرها أهل العلم وبسطوا أدلتها في كتب التوحيد لا أطيل بشرحها لكنها : العلم بمعناها نفيا وإثباتا المنافي للجهل ، واليقين المنافي للشك والريب ، والصدق المنافي للكذب ، والإخلاص المنافي للشرك والرياء ، والمحبة المنافية للبغض والكره ، والإنقياد المنفي للترك ، والقبول المنافي للرد علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وإنقياد وقبول لها والشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته المستطابة سلم الوصول جمع هذه الشروط في أبيات جميلة وشرحها شرحا وافيا قال رحمه الله : وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقا وردت فإنه لا ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها العلم واليقين والقبول والإنقياد فادري ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه . فإذا هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد التي هي مفتاح الجنة يجب على من أراد أن يكون مفتاحا للخير على نفسه وعلى الآخرين أن يحقق التوحيد لله .وأن يحقق الإخلاص لله جل وعلا وأن يكون مبتغيا في عمله وطاعاته وقرباته كلها وجه الله عزّوجل يتقرب إلى الله بعبادته ويتقرب إلى الله عزّوجل بالإحسان إلى الناس وطيب المعاملة لهم :(( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )) يعمل الأعمال ويأتي بها لا يريد بها إلا نيل ثواب الله عزّ وجل وطلب موعوده العظيم الذي أعده الله تبارك وتعالى لعباده المخلصين هذا الأمر الثاني من الأمور . الأمر الثالث : العلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم العلم أساس لابد منه ليكون العبد مفتاحا للخير، ومن لم يكن عنده علم نافع كيف يميز بين مفاتيح الخيرومفاتيح الشر كيف يميز بين الحق والباطل كيف يميز بين السنة والبدعة كيف يميز بين الهدى والضلال كيف يتقي باطلا وهو لا علم له وقد قيل قديما كيف يتقي من لا يدري ما يتقي ،ولهذا من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير فاليحرص على العلم النافع وقد جاء في حديث رواه البيهقي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من غدا يطلب علما يتعلمه فتح الله له به بابا إلى الجنة " والحديث في سنده مقال لكن يغني عن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قال :" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " وهو بمعنى الحديث السابق . من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة فمن أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير عليه أن يحرص على العلم النافع ويعتني به عناية دقيقة وقد سمعنا فيما تلاه الشاب النبيل في القراءة التي في مقدمة هذه الكلمة قول الله عز وجل :(( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )) والبصيرة هي العلم النافع فمن لم يكن عنده علم نافع كيف يميز بين حق وباطل وهدى وضلال (( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم )) (( أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هوأعمى إنما يتذكر أولو الألباب )) (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) فالعلم أساس عظيم وأصل كبير في هذا الباب لابد أن يعتني به العبد ليكون بذلك من مفاتيح الخيرمغاليق الشر، وعندما لا يكون العبد متحليا بالعلم ربما دخلت عليه أمورا كثيرةهي من الضلالات والبدع والأهواء وهو يحسب أنه يحسن صنعا ولا أطيل في بيان ذلك لكن أروي فيه قصة مشهورة رواها الدارمي بإسناد حسن وهي قصة النفر الذين اجتمعوا في المسجد وقام عليهم رجل يقول سبحوا مائة فيسبحون ، هللوا مائة فيهللون فوقف عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال : لقد فتّم أصحاب محمد علما أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة إحدى أمرين إما أن عندكم علم أفضل من علم الصحابة أو إنكم قد افتتحتم باب ضلالة فماذا قالوا ؟ قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال : وهل كل من أراد الخير أدركه إذا لا يدرك الخير إلا من عرف الخيرإلا من عرف العلم إلا من عرف الحق إلا من عرف السنة ، ولعلي أختم هنا هذا الأمربما جاء عن عبد الله ابن مسعود نفسه رضي الله عنه قد رواه الإمام أحمد في مسنده قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخيروخواتمه وجوامعه إذا إذا أرادت أن تكون مفتاحا الخير فتعلم مفاتيح الخير وخواتم الخير وجوامع الخير التي اشتمل عليها كلام أهل الخير وقدوة الخير محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه . الأمر الرابع : العناية بفرائض الإسلام وواجبات الدين والإجتهاد في القيام بها وتحقيقها فإن عنايتك بالفرائض ، واهتمامك بها ومحافظتك عليها يفتح لك من أبواب الخير، وأبواب البر مالا يخطرلك ببال ، ولا يدور لك بخيال فالعناية بالواجبات والفرائض والعناية بالصلاة والصيام والحج والطاعات هذا من أعظم ما يكون فتحا لك في أبواب الخير، وأن تكون أيضا مفتاحا للخير والشواهد على ذلك والدلائل كثيرة لكن أجتزىء بذكر بعضها جاء في صحيح البخاري وتأملوا مليا في هذا الحديث العظيم جاء في صحيح البخاري من حديث أم سلمة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال : لا إله إلا الله وفي رواية قال سبحان الله ماذا أنزل الله هذه الليلة من الفتن ؟ ماذا فتح الله هذه الليلة من الخزائن لاحظ أيها الأخ الكريم فتن نزلت وأبواب خزائن خير فتحت قال ماذا أنزل الله هذه الليلة من الفتن وماذا فتح الله عز وجل من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات يصلين رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة إلى ماذا أرشد عليه الصلاة والسلام من يوقظ صواحب الحجرات يصلين إذا كنت تريد لنفسك اتقاء الفتن وتريد لنفسك أبواب الخير ودروب الخيرومفاتيح الخير فهي في الصلاة ولعلك هنا تستذكر ما كان يحافظ عليه النبي عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم من حديث أبي أسيد أو أبي حميد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال : اللهم افتح لي أبواب رحمتك إذا دخل المسجد من أجل الصلاة يقول : اللهم افتح لي أبواب رحمتك فالصلاة باب رحمة الصلاة باب رحمة والمحافظة عليها مفتاح خير لك مما تعلمه ومما لا تعلمه فكيف يريد لنفسه من ينام عن الصلاة ومن يثقل رأسه عن الصلاة أن تتفتح له أبواب الخير كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد قال : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ثم إذا خرج من الصلاة قال : اللهم إني أسألك من فضلك وفي رواية اللهم افتح لي أبواب فضلك . فالصلاة فعلها ، الإقبال عليها فتح لأبواب الرحمة و أداءها تامة كاملة فتح لأبواب الرزق ، ولهذا الإقبال على الصلاة شُرع لنا أن نقول فيه: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وعند انهاءنا للصلاة وأداءنا لها شرع لنا أن نسأل الله عز وجل من فضله العظيم وفي الباب أحاديث كثيرة قد يطول الوقت بذكرها لكن أذكر حديثا وهو حديث عجيب عظيم في الباب قد رواه الترميذي في مسنده وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وتأمله أيها الأخ الكريم يقول النبي عليه الصلاة والسلام قال الله تبارك وتعالى : (يا ابن آدم اسمع أيها الأخ قال الله تعالى : ( يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفيك آخره ) رب العالمين يقول ذلك جل وعلا يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات الله جل وعلا غني عن الركعات غني عن سجودك ولكن هذا باب خير باب فتح لك يدعوك رب العالمين والحديث صحيح ثابت يا ابن آدم اركع لي أٍبع ركعات من أول النهار أكفيك آخره يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى المراد بهذه الركعات الأربع فريضة الفجر والنافلة التي قبلها ركعتين السنة الراتبة قبل الفجر وفريضة الفجر تركعهما في أول النهار، كم يحرم أيها الإخوة من ينام عن صلاة الفجر عندما يقوم كما جاء في الحديث حديث النفس الكسلانة أغلقت أبواب الخير وسدت أبواب الرزق و أول اليوم هو أساسه وزمام اليوم وهو متنزل الأرزاق ومتنزل البركات يقول أبوذر رضي الله عنه " أول يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره " فمن لم يمسك أول اليوم بأداء الصلاة ماذا ينتظرفي بقية اليوم ولهذا من الأسس العظيمة في فتح أبواب الخيرعلى نفسك وعلى الآخرين المحافظة على فرائض الاسلام وأداء واجبات الدين ويأتي في مقدمة ذلك الصلاة ، وانظر أيضا في فتح أبواب الخيرلك في عبادة الصيام وغيرها من العبادات مما جاء في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام الواردة في هذا الباب ومن ذلكم الحديث العظيم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أمسك " . فالعبادات والفرائض الإهتمام بها والمحافظة عليها هذا من أكبر العون لك لأن تكون أولا مفتاح خير على نفسك ومفتاح أيضا خيرعلى الآخرين . الأمر الخامس : من الأمور التي يكون بها العبد مفتاح للخير مغلاق للشر مجاهدة النفس على البعد عن الآثام وتجنب موارد الحرام ومعصية الله تبارك وتعالى وأيضا الحديث في هذا الجانب قد يطول لكن أكتفي بذكرحديث واحد عظيم في هذا الباب رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن النواس ابن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله ضرب مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط أبواب وعلى الأبواب ستورمرخاة وفي أول الصراط مناد ينادي : يا عباد الله ادخلوا الصراط ولا تعوجوا ومن جوف الصراط وفي لفظ ومن فوق الصراط مناد ينادي يا عبد الله لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه . ثم بين ذلك قال : أما الصراط فهو الإسلام وأما السوران فحدود الله وأما الأبواب التي عليها ستورمرخاة فمحارم الله وأما المناد الذي ينادي من أول الصراط فكتاب الله وأما المنادي الذي ينادي من جوف الصراط أو من فوق الصراط مواعظ الله في قلب كل مسلم وهذه منة الله على كل مسلم أن جعل له في قلبه موعظة عندما تحدثه نفسه بفتح باب من أبواب الحرام أو الدخول في شيء من منافذ الباطل فتزجره عن ذلك يا عبد الله لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه إذا من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر فليعلم على ضوء هذا الحديث أنه في طريق مستقيم يفضي بصاحبه إلى جنات النعيم وعلى جنبتي هذا الطريق المستقيم أبواب كثيرة عن يمينه وعن يساره وهذه الأبواب ليس فيها دواليب ولا مفاتيح وإنما عليها ستائر وهي أبواب تفضي إلى الحرام ومن المعلوم أيها الإخوة أن الباب الذي عليع ستارة لا يكلف داخله وقتا ولا جهدا يلامسه بكفه ويدخل سريعا بخلاف الباب الذي يحتاج إلى أن تقف وأن تخرج المفتاح وأن تعالج يد الباب يأخذ منك وقتا أما الباب الذي عليه ستارة فإنه يدخله الإنسان سريعا فأنت ماضي في طريق مستقيم وعلى جنبتي هذا الطريق أبواب كثيرة تدخل الإنسان إلى الحرام وليس عليها إلا ستائر فيجب على الإنسان إذا أراد أن يكون مفتاحا للخير أن يحذر غاية الحذر من أبواب الشرالتي على يمينه وعلى شماله وإذا دخل فتح على نفسه أولا باب الشر ثم فتحه على الآخرين لأن النفس إذا دخلت في الحرام و توطدت فيه وتمكن منها الحرام لا تحب أن تكون وحدها فيه فيتحول من فاعل للحرام إلى داع للحرام ومرابط فيه وهذا شأن أهل الباطل ودعاة الضلال في كل وقت وحين في بادىء الأمر وطئت أقدامهم الحرام وولجوا فيه من أبوابه ثم أصبحوا دعاة له وفي هذا المعنى يقول الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه: ودت الزانية لو زنت النساء جميعا من دخل الحرام وولج فيه لا يحب أن يكون وحيدا فيه فتبدأ نفسه تنطلق من كونها فاعلة للحرام إلى داعية للحرام ويكون بذلك والعياذ بالله مفتاحا للشر مغلاقا للخير . الأمر السادس : الدعاء ، والدعاء معاشر الإخوة الكرام مفتاح لكل خير،وفي هذا المعنى يقول بعض السلف : تأملت في جماع الخير فوجدت للخير أبواب كثيرة ، فالصلاة خير ، الصيام خير ، فالحج خير أبواب الخير كثيرة ووجدت أن ذلك كله بيد الله فأيقنت أن الدعاء مفتاح كل خير لا تستطيع أن تصلي إلا إذا أعانك الله لا تستطيع أن تحج أن تصوم أن تصدق أن تبروالديك أن تقوم بأعمال البر إلأا إذا أعانك الله فولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلاينا (( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء )) قال تعالى (( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفروالفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضل من الله ونعمة )) ولهذا إذا أردت أن تكون نفسك مفتاحا للخير أن تكون من أهل الفضل ، من أهل العلم ، من أهل النبل من أهل الأمور الفاضلة فسأل الله عز وجل كل ذلك بيده جل وعلا ولهذا قال غير واحد من أهل العلم " الدعاء مفتاح كل خير فمن وفق لهذا المفتاح وفق للخير ومن حرم هذا المفتاح حرم من الخير. فالدعاء واللجوء إلى الله عز وجل والصدق معه والعناية بأداب الدعاء وشروطه وضوابطه المتقررة في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه هذا من أعظم ما يكون بل وأساس في هذا الباب لتكون مفتاح للخير، وقد تقبل على الله عز وجل إقبالا صادقا ترجوه وتؤمنه تطمع في نواله راجيا منه فيستجيب الله دعاءك فتحيا حياة كلها من مفاتيح الخير مغاليق الشر والأدعية في هذا الباب كثيرة وأيضا لا أطيل بذكرها لكن أشير إلى حديث كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقوله أو أشير إلى دعاء كان يقوله نبينا صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج من بيته كان يقول : اللهم إني أعوذ بك أن أظل أوأُظل أو أزل أو أُزل أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يجهل علي " لاحظ هذا الدعاء العظيم وجماله وشدة الإحتياج إليه في كل مرة تخرج فيها من بيتك " اللهم إني أعوذ بك أن أظل أوأُظل أو أزل أو أُزل أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يجهل علي " إذا أكرمك الله واستجاب لك هذه الدعوة صرت مفتاحا للخير مغلاقا للشر . كان بعض السلف يقول في دعاءه : اللهم سلمني وسلم مني ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم أوسع منه وأجمل وأتم والعوام في نجد عندهم دعوة شبيهة بهذا المعنى أذكرها وربما كثير من الطلاب الحاضرين لن يفهموها وسأترجمها لهم بعض العوام يقولون : اللهم لا تسلطنا ولا تسلط علينا هذه الدعوة جميلة من حيث معناها وهي بمعنى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ،اللهم لا تسلطنا أي على الناس بالشر والغيبة والعدوان ونحو ذلك أيضا ولا تسلط الناس علينا بنحو هذا المعنى وهذا بمعنى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فدائما من أراد أن يكون مفتاح للخير أن يلجأ إلى الله جل وعلا وأن يلح عليه سبحانه وتعالى بالدعاء أن يكرمه بفتح أبواب الخيرله و من الدعوات العظيمة ما كان يحافظ عليه نبينا عليه الصلاة والسلام كل يوم بعد صلاة الفجر :" اللهم إني أسألك علما نافعا وعملا متقبلا ورزقا طيبا " . الأمر السابع : من الأمور التي يكون بها المرء مفتاحا للخير تجنب مراود الفتن والشبهات والحذر منها وهذا يحقق للعبد السلامة في نفسه وأيضا السلامة من أن يكون مفتاح شرعلى الناس وأيضا لا أطيل هنا لكن أكتفي بذكر أثر واحد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه رواه غير واحد من أهل العلم منهم ابن بطة العكبري في كتابه الإبانة وغيره من أهل العلم قال ابن مسعود رضي الله عنه : إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتؤدة فإنك أن تكون تابعا في الخير خيرا من أن تكون رأسا في الشر فهنا من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر لينتبه في الأمور المشتبهات وأمور الفتن فلا يبرز لها ولا يتصدر ولا يندفع اندفاع الطائشين المتهورين الذين يوقعون أنفسهم في الهلكة ويوقعون غيرهم فيها فليتأنى وليبتعد قال : فعليكم بالتؤدة فإنك أن تكون تابعا في الخير خيرا من أن تكون رأسا في الشر. ولهذا أمور الفتن والأمور المشتبهات لا يندفع الشاب وراءها بل يتأنى ويتروى ويتصل بالعلماء الكبار والأئمة الأكابر يستشيرهم ويسترشد بأراءهم لا يندفع برأي رأه أو هوى هواه أو كلاما قيل له و دفع نحوه لأنه إذا اندفع اندفاعا بلا تؤدة ولاأناة ورّط نفسه في الشر وأيضا صار مفتاح شرعلى الآخرين ولهذا يجب على الإنسان أن يتأنى ، وأن يتإذ وأن يأخذ الأمور بالهدوء والأناة وأن يشاور دعاة العلم وأن يكثر دعاء الله سبحانه وتعالى أن يجنبه الشر لا أن يندفع وينساق وراء الفتن والشبهات ويبرز لها ويتصدر ثم يتورط بأن يكون قد فتح شرا على نفسه وعلى الآخرين . الأمر الثامن : من الأمور التي يكون فيها المرء مفتاحا للخير وأقف هنا وقفة وأقول من فضل الله سبحانه وتعالى أن الأخ المقدم ومعالي المدير عندما دعوني إلى هذه المحاضرة لم يحددوا وقتا ولهذا أرجو أن تصبروا عليّ لأن الموضوع واسع وأنا أحاول قدر الإستطاعة أن أطيل فإذا أطلت إطالة مملة إذا دعاني معالي المدير للتوقف فأنا رهن الإشارة الأمر الثامن الرفق في الأموروالتعامل مع الناس بمكارم الأخلاق فإن هذا من أعظم الرواتج لأن تكون مفتاحا للخير وثق أيها الأخ الموفق أن صاحب الخلق الغليظ والمعاملة السيئة لا يمكن أن يفتح بها قلوب الناس لا يمكن أن يفتح قلوب الناس بأخلاق فظة والمعاملة الغليظة وقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه سيد ولد آدم قال (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) النفوس تنفر من الغليظ من الشديد من العنيد من سيء الأخلاق حتى ولو كان الذي يقول لهم خيرا فإن رعونة أخلاقه وسوء معاملته وفضاضة أسلوبه تنفر الناس من حوله ولهذا يحتاج الإنسان ليكون مفتاح للخير أن يتعامل مع الناس المعاملة الرقيقة وأن يكلمهم بالكلام الطيب الهادىء الكلام الذي فيه التواضع ليس فيه التعالي وليس فيه الترفع على الناس وليس فيه التطاول عليهم ولقد أضرب الأمثلة على ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم طال بنا الوقت ولكن أضرب مثالا واحدا جميلا ومدهشا عندما دخل نبينا عليه الصلاة والسلام مكة فاتحا في البلد الذي أوذي فيه أشد الأذى لما دخل مكة فاتحا ذهب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأتى بوالده ووالده لم يكن قد أسلم بعد أتى به إلى النبي عليه الصلاة والسلام ممسكا بيده وكان شعرلحيته ورأسه وحواجبه أبيض كأنه ثغامة رجل كبير في السن لحيته بيضاء شعره أبيض فجاء به أبو بكر إلى النبي عليه الصلاة والسلام فماذا قال عليه الصلاة والسلام قال : يا أبا بكر لماذا جعلت هذا الشيخ يأتينا ألا أخبرتني أنا الذي أتيه ؟ هذا الخلق العظيم الرفيع من رجل دخل فاتحا في بلد أوذي فيه أشد الأذى ماذا يصنع ؟ ثم وضع عليه الصلاة والسلام يده على صدره وقال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله . وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل وهو يضع يده على كتفه وهو شاب صغير من شبان الصحابة : يا معاذ إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .. وضع يده على كتفه بكل لطف وهدوء وبحنان يا معاذ إني أحبك فلا تدعن بين دبر كل صلاة أن تقول كذا وكذا فرق بين هذا وبين من يخاطب الصغير يا ولد أو يا جاهل أو يا كذا بعبارات غليظة لماذا لا تفعل كذا ؟ النفس تغلق . ولهذا من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير أن يتحلى بمكارم الأخلاق ونبيلها وقد قال عليه الصلاة والسلام :" إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق . الأمر التاسع : لا يتحقق للعبد أن يكون متمما للفتح على الناس بالخير إلا إذا كان هو معتني بالخير فاعل له سباقا إليه وانظروا إلى قول شعيب عليه السلام عندما قال لقومه: (( ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )) ولهذا من يدعو الناس إلى الخير ينبغي أن يكون سباقا للخير قال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )) فلا يكفي أن يكون الإنسان داعية بلسان مقاله وأن يكون مثبطا مضيعا لواقع حاله بل ينبغي أن تكون أفعاله قدوة وهنا تبلغ المسألة خطورتها عندما يكون الإنسان الذي يدعو الناس إلى الخير أعماله تدعو الناس إلى الشر وهنا أقرأ لكم كلاما لابن القيم رحمه الله في سطورأربع فقط يقول رحمه الله : علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إلأيه حق كانوا أول المستجيبين له فهم في الصورة أدلاء أي هؤلاء العلماء علماء السوء في الصورة أدلاء أي يدلون الناس إلى الجنة وفي الحقيقة قطاع طريق . انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى . الأمر العاشر : من الأمور التي يكون فيها الإنسان مفتاح للخير أن يذكر الآخرة والقيام بين يدي الله تبارك وتعالى ومجازاة الناس على أعمالهم وأن هناك جنة ونار وجزاء وعقاب وأن ما تقوله وما يصدر منك وما يكون منك من عمل كل ذلك تلقى الله عز وجل به يوم القيامة وتذكر في هذا الباب أن الجنة لها ثمانية أبواب والنار لها سبعة أبواب قال الله تبارك وتعالى في أواخر سورة الزمر: (( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين قيل أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشآء فنعم أجر العاملين )) الجنة لها أبواب وأبوابها لها مفاتيح والنار لها أبواب وأبوابها لها مفاتيح ومفاتيح الجنة والنار في الدنيا وليست في الآخرة في الآخرة ليس هناك إلا الجزاء والحساب ، أما الدنيا هي التي فيها المفاتيح مفتاح الجنة : التوحيد ، الصلاة ، الصيام طاعة الله عز وجل الإمتثال للأوامر، والنار مفاتيحها الشرك بالله والكفر به سبحانه وتعالى والمعاصي والآثام أما الشرك والكفر بالله تعالى فإن من مات عليه فتحت له أبواب النار وخلّد فيها أبد الآباد وإذا كانت معاصي وذنوب دخل النار فإنه يعذب فيها على قدر ذنوبه ولا يخلّد في النار إلا المشرك . جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي يوم القيامة من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فإن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة وإن كان من أهل الصيام نودي من باب الرّيان وإن كان من أهل الجهاد نودي من باب الجهاد وإن كان من أهل الصدقة نودي من باب الصدقة . قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ما على من نودي من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها ؟ قال نعم وأرجو أن تكون منهم . فإذا محافظة العبد على هذا الطاعات وهذه العبادات الصلاة ، الصيام ، الصدقة إلى غيرذلك هذه كلها مفاتيح للجنة وكذلك دعوة الإنسان الآخرين " الدال على الخير كفاعله " وهذا فضل عظيم تدعو شخص إلى طاعة فيقوم بها يكتب لك مثل أجره وترتفع درجاتك في جنات النعيم وأنت كنت بذلك دال على الخير مفتاح للخير فإذا هذا من الأمور المهمة في هذا الباب العظيم أن تذكر الجنة والنار والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى . الأمر الحادي عشر : مرافقة الأخيار ومجالسة الصالحين وفي هذا حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل الجليس الصالح والجليس السوء مثل حامل المسك ونافخ الكير أما حامل المسك فإما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه رائحة طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة " إذا من أراد أن يكون مفتاحا للخير فليصبر نفسه مع أهل الخير وأهل الفضل وأهل النبل وأهل الطاعة قال الله عز وجل : (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )) . الأمر الثاني عشر : النصح للعباد حال معاشرتهم ومخالطتهم بشغلهم بالخير وصرفهم عن الشر وقد قال عليه الصلاة والسلام : " الدين النصيحة ، الدين النصيحة الدين النصيحة ، ولا يكون الإنسان مفتاحا للخير إلا إذا كان في كل مجلس من مجالسه حريص على نشر الخير ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في معنى قوله تعالى : (( وجعلني مبارك أينما كنت )) قال لا يكون العبد كذلك إلا إذا كان في كل مجلس يجلسه يحرص فيه على نشر الخير وكف الشر وقد مر معنا في الحديث المتقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره " . الأمر الثالث عشر : أن أبواب الخير متتابعة من فتح له منها باب تفتحت له أبواب هذه من نعمة الله وأهل العلم يقولون إن الحسنة تنادي أختها وتدعوها فإذا انشرح صدرك لباب من أبواب الخير وأقبلت عليه فهذه من نعمة الله عليك لأن الحسنة تنادي الحسنة (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )) فإذا وجدت من نفسك إقبالا ونشاطا على باب من أبواب الخير فأغمره قبل أن يحال بينك وبينه فإنك إن ولجت باب الخير ودخلت ولوكان قليل يسير هذا القليل اليسير يدعو غيره ويفتّح لك أبوابا أخرى فالحسنة تنادي الحسنة ، والسيئة والعياذ بالله أيضا تنادي السيئة (( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء )) ومن الأحاديث الواردة في هذا المعنى ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " ما فتح رجل باب عطية أو صدقة أو صلة إلا زاده الله تعالى بها كثرة " ولهذا ينبغي على الإنسان أن يغرم نشاطه وإقبال نفسه والنفس لها إقبال وإدبار إذا أقبلت على باب من أبواب الخير أدخل ولو كان قليل لأن هذا الخير القليل يجرك إلى خير آخر وهكذا تترقى في أبواب الخير وتتدرج في منازله خطوة خطوة وإياك أن تحرم نفسك من خير ولو كان قليل لأنه قد يحال بينك وبينه يحول الله عز وجل بين المرء وقلبه قد يحال بينك وبين ذلك فاغنم الخير القليل يجرك إلى خير كثير . المسألة الرابعة عشر : من فتح عليه باب من أبواب الخير فلا يحقرن ما فتح على غيره من أبواب الخير الأخرى وهذه مشكلة الكثير منا عندما يفتح عليك باب من أبواب الخير كالصلاة مثلا وفقت للصلاة أو للصيام صيام النوافل مثلا أو وفقت لبعض أعمال الخير و أعمال البر لا تحقرن أبواب الخير التي فتحت على الأخرين أنت فتح عليك بالصيام وآخر فتح عليه بماذا بخدمة للإسلام وبأعمال جليلة أنت لا تراها شيئا في مقابل قيامك أو صيامك أوصدقتك وقد تكون أعمال الآخر أعظم من أعمالك وأشد عند الله سبحانه وتعالى فالشاهد من فتح له من أبواب الخير فلا يحقرن أبواب الخير التي عند الأخرين أنت على خير وهو على خير ولا تحقرن شيء من الخير فتح على الأخرين به بعض الناس عندما يوفق لطاعة من الطاعات كالصيام مثلا أو مثلا كاقيام ثم يرى آخر لا يعمل مثل عمله ربما تحاقر وهو انتصار وقد يكون هذا الآخر عنده أعمال بينه وبين الله سبحانه وتعالى جليلة جدا أعظم من هذه الطاعة القاصرة على صاحبها هناك طاعات متعدية وهناك طاعات قاصرة على الإنسان ولهذا لا يحقر الإنسان من المعروف شيء ولهذا من الأمور الطريفة اللطيفة التي تروى في هذا الباب قصة جميلة دارت بين الإمام مالك ابن أنس رحمه الله وأحد العباد المشتغلين بالعبادة أرسل إلى مالك نصيحة ينصح الإمام مالك أن يترك الدروس وأن يترك التعليم وأن يتفرغ للعبادة لأنه هو عابد ومشتغل بالعبادة بالقيام ، بالصلاة الخ والإمام مالك مجتهد في تعليم الناس الخير فأرسل له هذا العابد نصيحة يطلب فيها من الإمام مالك أن ينفلت بنفسه ويشتغل بالعبادة ويترك هذه المجالس ، مجالس التعليم التي هي في ظن هذا العابد تأخذ وقتا عن العبادة هذه القصة ذكرها الذهبي في سيرأعلام النبلاء أن عبد الله ابن عمر العمري العابد كتب للإمام مالك رحمه الله تعالى قال يحثه على الإنفراد والعمل فكتب إليه مالك ابن أنس : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرُب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الجهاد ، فنشر العلم من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح لي وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر. أنظر كلام العالم قال وأرجو أن يكون كلانا على بر، أيضا هذا العالم لم يقل أنت ما تفهم أو أنت ما عندك مثل ماعندي من العلم وأنت أمرك أهون بل قال له كلام جميل متواضع ختمه بقوله وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر ، أنا على خير وأنت على خير لكن الخير الذي أنا فيه أرى أنه أعظم لماذا ؟ لأن نفعه متعدي بخلاف العابد نفعه قاصر عليه ولهذا في حديث أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. الأمر الخامس عشر : وهو أمر عظيم جدا ألا وهو مداواة النفس من أراد أن يكون مفتاحا للخير فليجتهد في مداواة نفسه من أمراض القلوب وأمراض القلوب خطيرة جدا ومضرة على الإنسان غاية الضرر مثل الحسد والحقد والظغائن والغل وغير ذلك من الدفائن التي تكون في القلوب والسخائم التي تنطوي عليها القلوب فمن أراد أن يكون مفتاحا للخير فليجتهد في معالجة نفسه ومداواتها بطرد أمراض القلوب عنها مستعينا بالله تبارك وتعالى وطالبا منه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى دعوات عظيمة منها الدعاء العظيم المبارك الذي ختمه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله :" واسلل سخيمة صدورنا " . الصدور إذا كان فيها سخائم فيها أحقاد وفيها ظغائن وفيها غل كيف يكون صاحبها مفتاحا للآخرين بالخير قلبه فيه دفائن للشر وفيه خبايا شر وفيه غل وحقد فكيف ينبع من قلب هذه صفته فتح أبواب الخير للآخرين ولهذا الحاسد الممتلىء بالغل ربما تظاهر مع الآخرين بأنه مصلح وأنه مفتح لهم أبواب خير وهو يفسد خذ مثالا على ذلك إمام الحَسَدَ إبليس لما حسد أبانا آدم ماذا حصل ؟ جاءه بصورة الناصح الأمين وأخذ يغريه وأخذ يذكر له أمورا يشعره فيها بأنه ناصح وهكذا من يكون في قلبه دفائن شرأو دفائن حقد أو نحو ذلك ليس أهلا أن يكون مفتاحا للخير. بل مثل هذا سيكون مفتاحا للشر ولهذا يحتاج القلب إلى معالجة دائمة مستمرة والتماس و رجاء من الله سبحانه وتعالى أن يبعد عن القلوب وأن ينقيها من مثل هذه الأمور وفي الدعاء : اللهم آت نفوسنا تقواها زكيها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . الأمر السادس عشر والأخير : ختام هذه الأمور وهو جماع ما سبق بما في ذلك كله وجماعه رغبة العبد في الخيروفي نفع العباد فمتى كانت الرغبة قائمة والنية مصممة والعزم أكيد واستعان بالله في ذلك وأتى الأمور من أبوابها كان بإذن الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر . وفي ختام هذه الكلمة أتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وأسأله جلّ وعلا بأسمائه كلها وصفاته جميعها وبأنه الله الفتّاح العليم وبأنه تبارك وتعالى خير الفاتحين أسأله جلّ وعلا لي ولوالدي ولمشايخنا ولمدير الجامعة ولوكلاءه وعمداء الجامعة ووكلاءهم ولأساتذة الجامعة ولجميع منسوبيها ولطلاب الجامعة أجمعين وللحاضرين ولعموم المسلمين أن يفتح علينا أجمعين من واسع فضله وعظيم منه وجزيل عطاءه وأن يصلح لنا أجمعين ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأسأله جلّ وعلا أن يجعلنا جميعا من مفاتيح الخير ، من مغاليق الشر وأن يهدينا وأن يهدي لنا وأن يهدي بنا وأن ييسر الهدى لنا وأسأله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرحمنا برحمته إنه تبارك وتعالى واسع الرحمة عظيم المن وأسأله جل وعلا من كل خيرخزائنه بيده وأعوذ به تبارك وتعالى من كل شرخزائنه بيده وأسأله لنا أجمعين الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل وأن يعيذنا من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل وأسأله لنا أجمعين من خير ما سأله عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأن يعيذنا أجمعين من شرما استعاذه منه عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعل كل قضاء قضاه لنا خيرا وأسأله تبارك وتعالى أن يغيث البلاد والعباد اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر وأخير دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . للإستماع للمحاضرة http://www.al-badr.net/web/index.php...n=lec&lec=3260 **منقول من منتديات نور اليقين** |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|