|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 1
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 1
عرفت مما سبق أن الأمن في المجتمع نعمة يمن الله بها على عباده، ومتى تحقق للأفراد سادت السعادة في مجتمعهم، وعم الرخاء، والخير، والتطور، والتقدم، كما استطاع الناس أن يعبدوا ربهم بأمن، وأمان وراحة، وطمأنينة وخشوع، كل ذلك عرفناه ودللنا عليه، لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه بقوة ووضوح ما هي أسباب جلب ووجود الأمن؟ وما هي أسباب ذهابه؟ نبدأ بذكر شيء من هذه الأسباب، ولا ادعي أني حصرت كل الأسباب لكن اجتهدت- في حدود معرفتي- أن أجمع من تلك الأسباب ما استطعت وماله علاقة بالأحداث القريبة، والله الميسر. فأقول: من أسباب ذهاب الأمن من المجتمعات وأسباب حصوله ووجوده مايلي: السبب الأول: الحدة والعنف ومواجهة الأمور بالقوة: لاشك عند الناظر فيما وقع من الفتن والمحن والزعزعة في بعض المجتمعات التي ركب بعض أصحابها المنظمين ظهر القوة والعنف، يعلم أن استخدام القوة والعنف للوصول للموطلوب لاخير فيه، حيث تلجأ الأطراف لقمع الآخرين، فكل يحاول، وفي النهاية ينتصر القوي لكن بعد أن يخسروا الكثير والكثير، وتسفك الدماء، فالحكمة، والتعقل، والسير بخطوات محسوبة هو سبيل الفوز والنصر والأمن والأمان. وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرفق واللين كما في حديث عائشة- رضي الله عنها- أن يهود أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: عليكم،ولعنكم الله، وغضب الله عليكم، قال: «مهلاً ياعائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش» قالت: أو لم تسمع ماقالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ماقلت؟ رددت عليهم فاستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في»(1). ومعنى قولهم: «السام عليكم» أي: الموت لكم، فالسام هو الموت. وقال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه-: «إن الفتنة وكلت بثلاث: بالحاد النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذا فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده»(2). السبب الثاني: الطعن في ولاة الأمر من المجالس وعلى المنابر وفي الأشرطة وغير ذلك. إعلم- رعاك الله- أن ولي الأمر لابد أن تكون له هيبة في نفوس الناس؛ ليهابه الظالم، والمفسد، فلا يفكر الظالم في ظلم الناس أو الفساد في الأرض، ولكن إذا طعن الناس في الحاكم، وانتقصوه في المجالس، وشهروا به على المنابر ذهبت هيبته فرفع الظالم رأسه، وانتشر الشر، وعمت الفتنة، وتزعزع الأمن، وخربت البلاد؛ لذلك لا يجوز شرعاً الطعن في الحاكم؛ لأنه مسلم أولاً، وغيبة المسلم محرمة، فإذا كانت غيبة المسلم العادي في المجتمع محرمة فغيبة الحاكم أشد لما عللت به سابقاً وأما الثانية: فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين كيف ينصح الحاكم، وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا بيده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه»(3). قلت: ومعلوم لدى كل إنسان عاقل أن النصيحة في السر تأثيرها فعال، وأبلغ من نصيحة العلانية، ولا تتسبب في المفاسد، فكل عاقل لا يتمنى لنفسه التشهير والفضيحة، فهذا في حق عامة الناس، فكيف بالحاكم،الذي له مكانة وسمعة بين رعيته، فمثل هذا التشهير سيؤدي إلى الفتن، وحقد الناس عليه، ثم يتزعزع الأمن ثم تكون الكارثة، التي لم يحسب حسابها الجميع. وعلى هذا الأضل مذهب وأصل منهج السلف الصالح، فمن عمل بهذا فهو متبع لمنهج السلف، ومن خالف فقد خالف السنة أولاً، ومذهب السلف الصالح ثانياً(4). وكما قيل: وكل خير في اتباع من السلف.:. وكل شر في ابتداع من خلف وعلى هذا السبيل علماء الحق، والطريق السوي، أتباع السلف الصالح. قال الشوكاني- رحمه الله-: «وليس من البغي كون الإمام سلك في اجتهاده في مسألة أو مسائل طريقاً مخالفة لما يقتضيه الدليل، فإنه ما زال المجتهدون هكذا. ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أن يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله» أهـ(5). وقال العلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ -رحمه الله- في خطاب وجهه إلى أحد الناس وهو يناصحه فقال له: «بلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية، وليس من شروطها أن لاينفع منها زلل، ولاعاقل بل وغير العاقل، يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد، وإفتاء بين المتخاصمين، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر، وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك، والقاضية على فكرك، والحاكمة على تصرفاتك، بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة، والسمع والطاعة لها، وأنها لم تأت لجباية أموال، وظلم دماء وأعراض من المسلمين، ولم تفعل ذلك أصلاً، إلا أنها غير معصومة فقط؛ فأنت كن وإياها أخوين: أحدهما: مبين واعظ ناصح، والآخر: باذل ما يجب عليه، كاف عن ما ليس له إن أحسن دعا له بالخير ونشط عليه، وإن قصر عوامل بما أسلفت لك، ولا يظهر عليك عند الرعية، ولا سيما المتظلمين ابلباطل عتبك على الأمير، وانتقادك إياه؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء، وغير ما تعبدت به، وإنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه، وأن تكون جامع شمل لا مشتت، مؤلف، لا منفراً» أهـ(6). قلت: الله أكبر، هكذا فليكن العلم، والتعقل، والحكمة، فأين العقلاء، والشباب الراشد، ودعاة الخير عن هذه المعاني السامية؟! وقال العلامة الإمام عبد العزيز بن باز- رحمه الله-: «ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الإتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير. وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي، والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم..، ولما فتحوا الشر في زمن عثمان- رض الله عنه- وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة، والقتال، والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك، وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علناً، حتى أبغض الناس ولي أمرهم، وحتى قتلوه، نسأل الله العافية»(7) أهـ. قلت: على الشباب، وعامة الناس أن يتأملوا هذا جيداً، فإن كلام العلماء طريق النجاة، وما في التاريخ، والأحداث عبرة لكل معتبر، فتأملوا وتنبوه قبل أن تعم الفوضى، وتسيل الدماء، ولا ينفع الندم، فإن الأمن نعمة. ولا ينبغي أن تتحول المجالس إلى أماكن تغتاب فيها العلماء والحكام، ولا أن تكون لحوم الحكام فاكهة المجلس، أو كما يصنع بعض الجهلة في المسرحيات والتمثيل الساخر الذي يسخرون فيه من الحكام، مما يؤدي إلى زرع الحقد والكراهية في قلوب الناس على حكامهم، وهذا الذي يؤدي بدوره إلى المحن والفتن. ولا يجوز للدعاة وطلبة العلم أن ينتقدوا الحكام في دروسهم العلنية أو في أشرطتهم فإن عاقبة ذلك وخيمة. وكم نصح العلماء من يسلكون هذا المسلك، وذلك منذ عدة سنين، حين كانوا يغمزون الحكام والأمراء ويلمزونهم، ويذكرونهم علناً ويظهرون معايبهم أمام الناس، حتى جاءت ثمار هذا الصنيع بعد بضع سنين حيث ظهر فكر الخوارج، واصطدموا بالحكومة، فتوالت التفجيرات، وتتالت الإغتيالات، واهتز الأمن، وتزعزع المجتمع، ومات الأبرياء وسالت الدماء، فهذا غرس من كان ينفخ في النار، ويزيد الطين بلة، وهذه عاقبة من خالف نصوص الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة في طريقة الإنكار، ونصح الولاة، فها هي التفجيرات متوالية إلى اليوم في الجزيرة وغيرها إن تأثير الخطأ في الكلام على الحكام، وانتقادهم علناً ليس وليد اليوم، ولا تظهر آثارة السلبية بين عشية وضحاها، ولا في يوم وليلة، بل الأمر ظاهر ولا بد ولو بعد سنين معدودة، فالعاقل العقل يا شباب والحكمة الحكمة، الله الله بالعمل ابلسنة ومذهب السلف الصالح فهو طريق النجاة ودرب العصمة، وانظروا حولكم، وفي القريب منكم لتتعظوا. فإن قيل: قد لا نصل للحاكم لنصحه، لذا نتكلم فيه جهراً لعله يصله مانقول. فالجواب: هذا عذر أقبح من ذنب، فإن الغلط لا يعالج بالغلط، لأن الخطأ الحاصل إما أن يزال بالكلية أو يخفف، أما إذا كانت المعالجة تتسبب في خطأ أكبر فهذا لا يجوز شرعاًَ؛ لأن الكلام والنصح علناً لا يحل الاشكال، بل يزيد الخرق على الراقع؛ أي: تزداد المفاسد، وتزداد المعاناة، فلا يرضى أحد يتكلم فيه أحد فكيف بالحاكم. وهكذا بدأت فتنة مقتل عثمان- رضي الله عنه- فإنها بدأت بالطعن فيه علناً، وظلماً وزوراً حتى حقد عليه من حقد، فكانت الكارثة، فإذا لم يسلم عثمان من القتل والفتنة وهو من هو من الصحابة، عثمان الذي بذل ماله في سبيل الله، عثمان الذي جهز جيش العسرة، عثمان الذي جاءت السنة بمناقبة، ومكانته، عثمان رجل من أهل الجنة مبشر بها يمشي على الأرض، لما تكلموا فيه علناً، وجهرة، لم يسلم، فهل يسلم حاكم دونه في الفضل والمنزلة؟! فمن لم يتمكن من النصح مباشرة، عليه أن يسلك سبيل العقلاء وها هنا سبيلان: الأول: أن يتحدث مع من يصل إلى الحاكم، من أفراد بطانته ومقربيه وحاشيته فليكتب ما يريد ويسلمه لهم، وهم بدورهم يوصلونه للحاكم، فإن فعلوا فقد تم الأمر، وإن لم يفعلوا فقد حملوا الأمانة، والمؤتمن ضامن إذا فرط أما أنت فقد أديت الذي عليك، وكفى الله المؤمنين القتال. الثاني: فإن لم يكن هناك سبيل لنصح الحاكم وتوجيهه مباشرة، ولا عبر بطانته فعليك بالدعاء له، فإن الدعاء نصح لولي الأمر، تدعو له بالهداية، والصلاح، والتوفيق، والإعانة وحسن العمل، والحفظ والسلام. واعلم أن نصح الحاكم ليس محصوراً فقط في الذهاب له، ومشافهته مباشرة فإن هذا مفهوم ضيق، بل الدعاء له من نصحه وإعانته على الخير؛ لذا كان السلف- رضي الله عنهم- يدعون لولاة الأمر، كما ورد عن أحمد: «لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها في السلطان» أو كما قال. وقال عبد الصمد بن يزيد البغدادي: سمعت فضيلاً يقول: «لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان»، قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا، قال: «إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد»(8). قلت: الفضيل هذا هو الفضيل بن عياض- رحمه الله- وتأمل فقد السلف، ورجاحة عقولهم فإنه يؤثر الدعاء للسلطان على الدعاء لنفسه لو علم أن له دعوة مستجابة، لأن صلاح الحاكم للأمة والمجتمع. قال إمام أهل السنة في زمانه أبو محمد الحسن بن علي البربهاري: «إذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله». وقال أيضاً: «فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين»(9). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله-: «والنصح له- أي: للحاكم- هو الدعاء له بالتوفيق إلى الخير بقلبه إذا عجز عن أداء النصيحة له على الوجه المطلوب؛ وذلك بأمور منها أمنه على نفسه أو غيره من المسلمين، وعدم ترتب الفساد بسبب نصيحته كحمية الملك، أو غضبه على رعيته، أو عدم الانتفاع بنصيحتة، وأن يكون نصحه له سراً لا علانية». وقال الشيخ ابن عثيمين -أيضاً- رحمه الله- وقد ذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» ثم قال الشيخ: «فإذا كان الكلام في الملك بغيبة أو نصحه جهراً، والتشهير به من إهانته التي توعد الله على فعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرنا لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم، ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم... قال(10) الحسن يعظ والده ما لم يغضب، فإذا غضب سكت عنه، وكذا التلميذ لأستاذه والعبد لسيده، والزوجة لزوجها، والرعية للسلطان، ومن في معناه من الرعية كالأمراء، والوزراء، فإن عدم اللطف، والتشهير، والفضيحة يكاد ذلك يفضي إلى خرق هيبته، وإسقاط حشته...، فليأخذ الناصحون للعلماء والملوك، ولا يبدل النصيحة ابلفضيحة، فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً، وإنكار ذلك عليه في المحافل، والمساجد، والصحف ومواضع الوعظ، وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء فلا تغتر بمن يفعل ذلك وإن كان عن حسن نية؛ فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم والله يتولى هداك» أهـ(11). قلت: إذا علمت ما سبق، عرفت أن الدعاء للحاكم ليس عيباً ولا مداهنة، ونفاقاً كما يظنه البعض، فإن بعض الناس ينكر على العلماء وطلبة العلم الدعاء للولاة، ويصفهم بالنفاق والمداهنة، ومشايخ السلطة وغير ذلك، وقد أنكروا علينا ذلك، ولم يعلموا أنه علامة على علم الرجل ورجاحة عقله، وسلامة مذهبه ومعتقده وأن الطعن فيه علناً خلاف الحق، والصواب، وخلاف ما كان عليه السلف، وهاكم ما يدل على ذلك: 1- عن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب، وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا، يلبس ثياب الفساق؟ فقال أبو كرة: اسكت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من هان سلطان الله في الأرض، أهانه الله»(12). 2- عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب»(13). 3- عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرم الله،ومن أهانه أهانه الله»(14). قلت: والواقع يشهد لهذا المعنى، فالخوارج الذين خرجوا على علي- رضي الله عنه- قتلوا وأهينوا وذهب ريحهم، وكذا من يصنع ذلك في هذا الزمان، فالغالب أنهم مشردون،خائفون مختفون عن الأنظار، ينتحرون بالتفجير، أو في المواجهة مع رجال الأمن، فكل هذا إهانة من الله لمن أهان سلطان الله، فتأمل. 4- عن أبي بكرة قال: «من أجل سلطان الله أجله الله يوم القيامة»(15). 5- عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله- عز وجل-: من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازياً،أو دخل على إمامه يريد تعزيزه وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم الناس منه، وسلم من الناس»(16). 6- عن أبي وائل قال: قيل لأسامة: لو أتيت فلاناً فكلمته، قال: «إنكم لترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم، إني أكلمه في السر دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه...». قوله «فلاناً» أي: عثمان- رضي الله عنه- فقد صرحت الرواية الأخرى باسمه، فعن أسامة بن زيد قال: قيل له: «ألا تدخل على عثمان فتكلمه» فقال أسامة: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه...»(17). قلت: فقد ظن بعضهم أن أسامة لم يتناصح مع عثمان- رضي الله عنه- حول الفتنة الحاصلة في زمانه لكن تبين أنه تكلم مع الخليفة الحاكم دون أن يكشف عن ذلك، ولا تبجح أمام الناس أنه كلمه، لأنه يعلم أن نصيحة ولاة الأمر في السر، والكلام فيهم جهراً يفتح باب الشر، لذا قال: «دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه» قال الحافظ ابن حجر في بيان معنى الحديث: «أي: كلمته فيما أشرتم إليه، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر، بغير أن يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها...» وقال أيضاً موضحاص معنى قول أسامة: «دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه» قال الحافظ «يعني: لا أكلمه إلا مع مراعاة المصلحة بكلام لا يهيج به فتنة»(18). قلت: فهذا في غاية التعقل والحكمة؛ لأن العالم أو الناصح لو قال دخلت على الحاكم فنصحته ولم ينتصح، لهاج الناس عليه، وازدادوا حقداً؛ حيث لم يستجب للنصح، لكن الصواب: كتم ذلك؛ لدرء الفتن؛ ولأن كتمان ذلك أقرب للإخلاص، وابتغاء وجه الله. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه البخاري في صحيحه (6030). (2) أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/343) وأبو عمر والداني في السنن الواردة في الفتن (1/1/229) وهو صحيح. (3) أخرجه أحمد في مسنده (12/136)، وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1096)، وصححه الألباني في ظلال السنة (2/507). (4) وسيأتي نقل شيء من أقوالهم والأدلة من السنة على هذا الأصل. (5) السيل الجرار (4/556). (6) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ (12/182-183). (7) انظر: حقوق الراعي والرعية (ص 27-28) نقلاً من كتاب: معاملة الحكام (ص 111-112) للدكتور: عبد السلام بن برجس- رحمه الله. (8) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/94) مطولاً، والبربهاري في شرح السنة (ص 114) مختصراً وهو أثر صحيح. (9) شرح السنة، لأبي محمد الحسن بن علي البربهاري (ص 113-114) طبعة: دار السلف- الرياض. (10) هكذا في المطبوع عندي «قال» ولعلها «كان». (11) مقاصد الإسلام، لابن عثيمين (ص 392- 294) بتصرف، طبعة: دار ابن الجوزي- الرياض. (12) أخرجه الطيالسي في مسنده (2/210) والتردذي في سننه (2224) وابن وابي عاصم في كتاب السنة (1018) وقال الترمذي: «حديث حسن غريب» وكذا حسنه الألباني في الصحيحة (5/376). (13) أخرجه ابن أبي عاصم في كتابه السنة (1015) وصححه الألباني= في ظلال الجنة (ص474 ) وقال: «إسناده جيد». (14) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (1024) وحسنه الألباني في ظلال الجنة (ص 478). (15) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (1024) وحسنه الألباني في ظلال الجنة (ص 478). (16) أخرجه أحمد في مسنده (36/412) وابن خزيمة في صحيحه (2/376) وابن حبان في صحيحه (2/94) وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1021) وصححه الألباني في ظلال الجنة (ص 476). (17) أخرجه البخاري (7098،3268) ومسلم (2989). (18) الفتح (13/65). |
#2
|
|||
|
|||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,
بارك الله فيك أخي أبوعبد الرحمن نفع الله بك لما تنقله لنا حفظك الله أخي اللهم اجعل بلدنا آمن مطمئن رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم آمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. التعديل الأخير تم بواسطة على منهج السلف ; 16-10-2007 الساعة 07:28AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 2 | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 1 | 16-10-2007 07:42AM |
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 6 | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 21-09-2007 06:14PM |
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 5 | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 21-09-2007 06:13PM |
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 4 | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 21-09-2007 06:11PM |
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 3 | أبو عبد الرحمن السلفي1 | منبر التحذير من الخروج والتطرف والارهاب | 0 | 21-09-2007 06:10PM |