عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 20-01-2015, 02:55AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

باب ما جاء في السحر

ج / 1 ص -343- [ الباب الرابع والعشرون:]
* باب ما جاء في السحر



مناسبة هذا الباب للأبواب السابقة:
أن الشَّيخ رحمه الله في الأبواب السابقة ذكر أنواعاً من الشرك، ووسائل الشرك.
ولما كان السحر نوعاً من أنواع الشرك عقد له هذا الثالث؟ لأن السحر لا يمكن الوصول إليه إلاَّ عن طريق الشياطين، فالسحرة يخضعون للشياطين، ويستعينون بهم في سحرهم، وهذا شرك بالله عزّ وجلّ.


والسحر في اللغة هو: كل ما لَطُفَ وخَفِيَ سببه، ومنه سُمّي السَّحَر سَحَراً في آخر الليل، لأنه خفيٌّ وكل ما لَطُف يعني: دقّ، وخَفِيَ سببه عن النّاس يُسمّى سحراً في اللغة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً" البيان معناه: الكلام البليغ، لأنه يستميل النفوس ويؤثّر فيها كما يؤثر السحر، إلاَّ أنه ليس حراماً وكذلك النميمة، سُميّت سحراً1 لأنها تعمل عمل السحر في الإفساد بين الناس، وأحداث البغضاء في القلوب، وإن لم تكن سحراً في الحقيقة، لكنها سحر لغوي، هذا تعريف السحر في اللغة.


أما تعريفه في الشرع: فالسحر عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض، أو بالإخلال بعقله، أو يفرِّق بين الزوجين، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)} يعني: السواحر.


فالساحر يعقد العقد بالخيط ثمّ ينفث فيها من ريقه، ويستعين بالشيطان، ويؤثِّر هذا بإذن الله في المسحور إما قتلاً، وإما مرضاً، وإما تفريقاً بينه وبين حبيبه، وإما أن يمنعه عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها.
وقد سُحر النبي صلى الله عليه وسلم2، وأثر فيه السحر، وصار- عليه الصلاة والسلام - يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، ورقاه جبريل فبرئ بإذن الله.


1 في قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم ما العضة- يعني السحر- هي النميمة القالة بين الناس".
2 كما في الصحيح ولا عبرة بمن أنكر ذلك من العقلانيين لأن السحر مرض والنبي صلى الله عليه وسلم بشر يجري عليه ما يجري على البشر من الأمراض.

ج / 1 ص -344- فالسحر له حقيقة، ويؤثر في بدن المسحور، ولكنه لا يؤثِّر إلاَّ بإذن الله القدريّ، كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، أي: إذن الله القدريّ الكونيّ.


وقد ذكر العلماء أن السحر المحرم على نوعين:
سحر حقيقي، وهو هذا الذي ذكرنا.
والنوع الثاني: سحر نخييلي، ليس له حقيقة، وإنما هو خيال وشعوذة، وهو ما يسمّى بالقُمْرة، فالساحر يخيِّل للناس شيئاً وهو ليس حقيقة، كأن يخيِّل للناس أنه دخل في النار، وليس كذلك، أو يخيِّل للناس أنه يمشي على حبل، وهو ليسق كذلك، أو يخيِّل للناس أن السيارة تمشي على بطنه، وليس كذلك، أو يخيِّل للناس أنه يطعن نفسه بالسلاح ولا يؤثِّر فيه، وليس كذلك، والحقيقة أنه عمل شيئاً من التخيل والقُمْرة فأثر على الأبصار. كما قال الله تعالى ني قوم فرعون: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، فسحروا الأعين فقط، وذلك بما يعملونه من الحِيَل، ويجعلون في العِصِيّ التي معهم مواد تحرّكها، وتجعل العصى كأنها حيّة، وهي ليست كذلك كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، حيث حشوها بشيء من الزِّئْبق وشيء من الأمور التي لا يراها الناس، وظنوا أنها تتحرك.


وأنكرت المعتزلة النوع الأول، مع أن النوع الأول هو الخطير، وقالوا: السحر كله تخييلي.
وهذا غير صحيح، لأنه لو كان كذلك لما أثّر في المسحور ولما قتل المسحور، ولما أمرضه، ولما فرّق بينه وبين زوجه، فدلّ على أنه حقيقي، وعمل شيطاني، لأنه عُقد وعزائم، ولهذا يقول تعالى لنبيه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)}، إلى قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)} فدل على أنه حقيقي.
والذي ذكره الشَّيخ في هذا الباب من النصوص على نوعين:
النوع الأول: في حكم السحر.
والنوع الثاني: في حكم الساحر.

ج / 1 ص -345- وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}.
وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}.
قال عمر: "الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان".
وقال جابر: "الطواغيت: كُهَّان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حيٍّ واحد".


قال: "وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا}" أي: اليهود، لأن الآية في سياق الآيات التي تتحدّث عن اليهود، أي: تحققوا.
"{لَمَنِ اشْتَرَاهُ}" أي: استبدل السحر بالتوراة.
"{مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}" أي: الساحر ليس له نصيب من الجنة.
وهذا دليل على أنه كافر، فالسحر كفر بالله عزّ وجلّ، وذلك من عدة مواضع في الآية:
أولاً: قوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}.
ثانياً: قوله: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} أي: الملكان {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}.
ثالثاً: قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} أي: السحر {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}، أي: نصيب من الجنة.
قال المصنِّف- رحمه الله تعالى-: " وقوله {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}" ثمّ ذكر تفسير الجبت والطاغوت بقوله: "قال عمر: الجبت: السحر" فاليهود يؤمنون بالسحر، وهو كفر بالله عزّ وجلّ.


"والطاغوت: الشيطان " أي: هو رأس الطواغيت، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، كما سبق.
في قوله: "وقال جابر: الطواغيت: كُهَّان تنزل عليهم الشياطين، في كل حيٍّ منهم واحد" الكاهن هو الذي يدّعي علم الغيب، وكانوا في الجاهلية يتخذون حُكّاماً من الكهّان، يحكمون بين الناس.

ج / 1 ص -346- وكان هؤلاء الكُهَّان تنزل عليهم الشياطين التي تسترق السمع، كما قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)}، وكما جاء في الحديث أن مسترق السمع قد يسمع الكلمة من السماء فيُلقيها على الكاهن، فيكذب الكاهن معها مائة كذبة، فيصدِّقه النّاس بسبب هذه الكلمة التي سُمعت من السماء.


فالكاهن هو: الذي يخبر النّاس عن المُغَيّبات، بسبب أنه يسأل الشياطين، وتُخبره الشياطين عن الأشياء الغائبة، والأشياء المسروقة والمفقودة، والأشياء البعيدة، فهو يخبر الناس، فيظنون أن هذا الكاهن يعلم الغيب، وهو ليس كذلك، لا يعلم الغيب، وإنما أخبرته الشياطين بأشياء غائبة، لأن الشياطين لهم قدرة على الطيران السريع، والوصول إلى الأمكنة البعيدة، حتى إنهم يصعدون إلى السحاب، ويطيرون في الآفاق، فهم يجوبون الآفاق بسرعة، فيأتون بالأخبار ويُخبرون الكهّان، ويرون الأشياء المغيبة في البيوت أو في الأمكنة، لأنهم يدخلون بعض البيوت، وعندهم مقدرة ليست عند الإنس، فإذا تقرّب إليهم الإنسي بما يريدون من الشرك والذبح لغير الله والسجود لهم؛ فإنهم يخدمونه بما يريد، فيظن الإنس أن هذا الكاهن عنده خبر من الغيب، وأنه له خاصّية، والحقيقة أن هذا كله من الشيطان.


وكانوا يحكِّمونهم في المنازعات والخصومات، وكان عند كل حي كاهن، يعني: عند كل قبيلة كاهن يحكم بينهم.
فلما جاء الإسلام أبطل الله ذلك كله، لكن لا يزال عند بعض البوادي والجهّال نوع من هذا الشيء، يسألون الكُهّان، ويحكّمونهم، ويرجعون إليهم وقد جاء في الحديث: "من أتى كاهناً أو عَرَّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم"
فلا يجوز الذهاب إلى الكُهَّان والمشعوذين والدجّالين لا للعلاج، ولا للسؤال عن الأشياء الضائعة، ولا الأشياء الغائبة، وهذا كفر بما أنزل الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز إقرارهم وتركهم، بل يجب القضاء عليهم، وإراحة البلاد والعباد منهم، لأنهم دُعاة كفر وشرك، يُفسدون العقائد، ويأكلون أموال النّاس بالباطل ويُحدثون الشر في

ج / 1 ص -347- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟، قال: "الشرك بالله....

الأمة، فلا يجوز تركهم وإقرارهم، فضلاً عن الذهاب إليهم وتصديقهم فيما يقولون، إنما هذا من عادات الجاهلية كما قال جابر رضي الله عنه.
فالكُهَّان لا يأتون بالأخبار من عند أنفسهم، وإنما جاءتهم بها الشياطين؛ لما عبدوهم من دون الله، وأطاعوهم في معصية الله، وتقرّبوا إليهم بالعبادة.
قال: "وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا" أي: ابتعدوا، ولفظة: "اجتنبوا" أبلغ من: لا تفعلوا، لأن الاجتناب يعني: ترك الشيء وترك الأسباب الموصلة إليه.
"السبع" أي: المعاصي السبع.
"الموبقات" يعني: المهلكات.


"قالوا: يا رسول الله، وما هن؟" سألوه صلى الله عليه وسلم: ما هي هذه السبع حتى نتجنبها؟، لأن الإنسان لا يمكن يتجنّب الشيء إلاَّ بعد أن يعرفه.
ففي هذا دليل على أنه يجب على المسلم أن يسأل عن الأمور المحرّمة، ويعرف الأمور الشركيّة، حتى يتجنبها.
وهناك من يقولون: علّموا النّاس التّوحيد واتركوا الكلام في الشرك، والكلام في المحرّمات، علِّموهم الخير فقط، ولا تبيّنوا لهم الشرك والأمور المحرّمة.
وهذا خداع من الشيطان، لأنه لا بد أن يعرف الإنسان الخير ويعرف الشر من أجل أن يعمل بالخير ويترك الشر، والله قدّم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله فقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}وكيف يكفر بالطاغوت وهو لا يعرفه؟، لا بدّ أن يعرفه من أجل أن يكفر به، إلاَّ إذا لم يعرفه ظنّه خيراً.


"قال: الشرك بالله" هذا أكبر الكبائر، وأعظم الموبقات، وأعظم ذنب عُصي الله به.
وما هو الشرك؟، الشرك هو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، بأن يصرف له شيئاً من العبادة

ج / 1 ص -348- والسحرّ. وقتل النفس التي حرّم الله إلاَّ بالحق....

إما دعاءاً أو استغاثة: كأن يقول: يا سيدي فلان أغثني اشفني من المرض، أو يذهبون إلى القبور والأضرحة ويقولون: يا سيدي فلان أنا بحسبك، أغثني، أو اشفني من المرض، أو اعطني ولداً، أو هب لي زوجة... إلى آخره. وهذا شرك بالله عزّ وجلّ، لأنه دعاء لغير الله.
كذلك الذبح لغير الله، كان يذبح للقمر أو الضريح من أجل أن يُعطى ولداً، أو يُدفع عنه البلاء، أو يُشفى من المرض، ينذر للقبور، هذا هو الشرك بالله عزّ وجلّ.


فليس الشرك مقصوراً على عبادة الأصنام، بل الشرك في كل ما صُرف لغير الله من العبادة أياً كان المصروف له، سواء كان صنماً أو قبراً أو شجراً أو حجراً أو غير ذلك.
والشرك لا يغفره الله عزّ وجلّ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}.
والمشرك لا يدخل الجنة أبداً، ومأواه النار، قال تعالى: {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}، {حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} يعني: منعه من دخولها منعاً باتاً، {وَمَأْوَاهُ النَّارُ} مقرّه ومصيره الأبدي {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.


ثم قال صلى الله عليه وسلم: "والسحر" وهذا محل الشاهد من الحديث، لأن السحر كفر وشرك بالله عزّ وجلّ، وعطفه على الشرك من باب عطف الخاص على العام، وإلاَّ فالسحر نوع من أنواع الشرك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم خصّه بالذكر، وعطفه على الشرك من باب عطف الخاص على العام من أجل الاهتمام بتجنبه.


"وقتل النفس التي حرّم الله إلاَّ بالحق" النفس التي حرم الله هي نفس المؤمن ونفس المعاهد، فالمؤمن عصم الله دمه وماله وعرضه، فلا يجوز الاعتداء عليه، قال صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أُقاتل النّاس حتى يقولوا: لا إله إلاَّ الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاَّ بحقها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا،ألاَّ هل بلغت؟".
فالمؤمن حرّم الله قتله بغير الحق، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

ج / 1 ص -349- وأكل الربا...


فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً(93)}.
وكذلك الكافر المعاهَد، لا يجوز قتله، فقد جاء في الحديث: "من قتل معاهَداً لم يَرَحْ رائحة الجنة".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إلاّ بالحق" أي: إلاَّ بسبب يبيح قتل المؤمن أو المعاهد، وقد بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: الثّيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
و"الثيب الزاني" المراد به: المُحْصَن الذي تزوج ووطئ زوجته بنكاح صحيح، ثمّ زنى فإنه يُقتل، وكيفيّة قتله: أنه يُرجم بالحجارة حتى يموت، كما تواترت بذلك سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك حماية للأعراض.
"والنفس بالنفس" والمراد به: القصاص، إذا قتل مُكافِئاً له عمداً عدواناً، فإنه يُقتل قصاصاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)}، وذلك حماية للأنفس.


"والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهو المرتد، وهو الذي ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، فهذا يُستتاب، فإن تاب ورجع إلى الإسلام وإلاَّ قُتل مرتداً، حماية للدين من العبث.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وأكل الربا" والربا لغة: الزيادة، والمراد به هنا: زيادة مخصوصة في مال مخصوص، وهي الأصناف التي حرم الرسول صلى الله عليه وسلم الزيادة فيها بقوله: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيفما شئتم إذا كان يداً بيد" وألحق جمهور العلماء بهذه الستة ما شابهها في العلة.


والربا من أكبر الكبائر بعد الشرك، قد توعّد الله عليه بأشد الوعيد، كما في آخر سورة البقرة: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ

ج / 1 ص -350- وأكل مال اليتيم. والتَّوَلِّي يوم الزَّحْف. وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات".


هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)} إلى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، فالربا من أعظم الكبائر بعد الشرك.
قوله: "وأكل الربا" ليس المراد خصوص الأكل، وإنما كل الاستعمالات: من أكله ولبسه وإهدائه، إلى غيره، كل استعمالات الربا حرام، وكذلك من ادّخره عنده أو جعله رصيداً له في البنك.
وإنما ذكر الأكل لأنه غالب وجوه الانتفاع، وإلاَّ فكل وجوه استعمالات الريا محرّمة.


قال صلى الله عليه وسلم: "وأكل مال اليتيم" المراد باليتيم: من مات أبوه وهو دون البلوغ، والواجب الإحسان إلى اليتيم، لأنه فقد أباه وعطفَه، فيجب على المسلمين أن يسدّوا محلّ والده بالإحسان إليه ورعايته، وإن كان له مال فيجب أن يحافظ عليه حتى يبلغ رشيداً، ويسلم له ماله بالتمام، كما قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً(10)}.


لأن اليتيم ضعيف لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فإذا تسلّط عليه ظالم وأكل ماله فهذا من أعظم الظلم، وليس المراد خصوص الأكل، بل كل استعمالات مال اليتيم حرام، إلاَّ ما فيه مصلحة له.
قال صلى الله عليه وسلم: "والتولِّي يوم الزحف" التولي يوم الزحف، هو: الفرار من القتال بين المسلمين والكفار إذا حضر المعركة.
فمن حضر المعركة بين المسلمين والكفار وهو يستطيع القتال فلا يجوز له أن ينصرف، بل يجب عليه أن يقاتل مع المسلمين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16)}.


قال صلى الله عليه وسلم: "وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" المراد بالقذف: الرمي

ج / 1 ص -351- وعن جندت مرفوعاً: "حَدّ الساحر ضربة بالسيف" رواه الترمذي، وقال: "الصحيح أنه موقوف".


بالفاحشة، من زنا أو لواط. والمراد بالمحصنات: العفيفات عن الزنا من الحرائر، ومثلهن الرجال العفيفون.
والواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، ولا يرمي أحداً بالزنى، أو باللواط، وإذا قذفه ولم يُقم البيّنة فإنه يُجلد ثمانين جلدة، قال تعالي: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}.
والشاهد من هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدّ السحر من السبع الموبقات.


أما ما يُستفاد من هذه النصوص فهو كما يلي:
أولاً: يُستفاد من هذه النصوص تحريم تعلّم السحر، وتعليمه، والعمل به، وأنه من السبع الموبقات، وأنه من الإيمان بالجبت وأنه كفر يخرج من الملة.
ثانياً: في هذه النصوص الأمر بالابتعاد عن الكبائر خصوصاً، والمعاصي عموماً، وترك أسبابها، لأن كلمة "اجتنبوا" معناها: أن الإنسان يترك الأسباب الموصِّلة إلى الحرام.
ثالثاً: يُستفاد من الحديث أن الشرك أكبر الكبائر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ به في هذا الحديث، فدلّ على أن الشرك بالله أكبر الكبائر.
قوله: "عن جُندب" قيل هو: جُندب بن عبد الله البَجَلي، وقيل غيره. والله أعلم.
"حدّ الساحر ضربه بالسيف" المعنى: أن حكم الساحر وجوب قتله، لأنه يُفسد في الأرض، كما قال تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}، فالساحر مفسد في الأرض، يجب قتله، وأيضاً هو كافر، والكافر يجب قتله، إن كان كافراً أصلياً وجب قتله بكفره وإفساده، وإن كان مسلماً ثمّ استعمل السحر وجب قتله لردّته.


والسحر ناقض من نواقض الإسلام، كما ذكر ذلك الشَّيخ في نواقض الإسلام العشرة، قال: "ومنها تعلّم السحر، وتعليمه".

ج / 1 ص -352- في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة"، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
وصحَّ عن حفصه رضي الله عنها: "أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقُتلت". وكذلك صح عن جندب.
قال أحمد: "صحّ عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".


قوله: "وفي صحيح البخاريّ: عن بَجَالة بن عَبَدة، قال: كتب عمر بن الخطاب" أمير المؤمنين، ثاني الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم أجمعين.
"أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" فهذا يؤيِّد حديث جُنْدب: "حدّ الساحر: ضربه بالسيف".
إذا كان عمر بن الخطاب- أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين- كتب إلى الأمصار وإلى ولاته: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة" واشتهر ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدييّن من بعدي"؛ إذاً فقتل الساحر دلّ عليه الحديث، وفعل عمر بن الخطاب.


وكان بَجَالة بن عَبَدة كاتباًَ لبعض الوُلاة، فهو يذكر ما وصلهم من عمر.
قال: "فقتلنا ثلاث سواحر" يعني: نفّذنا ما كتب به أمير المؤمنين، وسواحر: جمع ساحرة، وهي المرأة التي تتعاطى السحر.
قال: "وصحّ عن حفصة" هي: حفصة بنت عمر بن الخطاب، أم المؤمنين رضي الله عنها.
"أنها أمرت بقتل جارية لها" أي: مملوكة لها.


"سحرتها"سحرت حفصة رضي الله عنها فأمرت بقتلها.
وهذا أيضاً فعل صحابيّة، وهي أم المؤمنين، أمرت بقتل مملوكتها لما سحرت.
ولذلك "قال أحمد" هو أحمد بن حنبل، إمام أهل السنّة، والصابر على المحنة، أحد الأئمة الأربعة المشهورين في الإسلام الذين بقِيت مذاهبهم حيّة، وله من الفضائل رحمه الله الشيء الكثير، وكُتب في مناقبه وترجمته مؤلّفات، كان إماماً في

ج / 1 ص -353- السنّة، ومناصراً للحق، وصابراً على المحنة، حتى ثبّته الله، وثبّت به عقيدة المسلمين من الزيغ حينما امتُحن النّاس بالقول بخلق القرآن، فثبت، وصبر على الجلد، وعلى السجن، وعلى الإهانة حتى أظهره الله، ونشر به الحق.


قال: "صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" يعني: صح قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وحفصة أم المؤمنين، وجُنْدب، وهو جُنْدب بن كعب الأزدي الغامدي، وله قصة، وهي:
أن الوليد كان يلعب عنده ساحر، ومن جملة سحره أنه يُظهر للناس بأنه يقتل الرجل ثمّ يحييه، حيث يستعمل القُمْرة، أي: السحر التخييلي، فيخيّل إلى النّاس أنه يقطع رأس الرجل ثمّ يعيد الرأس مكانه، فيما يظهر للنّاس، فجاء جُنْدب بن كعب رضي الله عنه مُخْفيًّا السيف، فلما وصله قطع رأسه، وقال: إن كان صادقاً فليحيي نفسه.


قتله غَيْرة على دين الله عزّ وجلّ، وتحدِّياً لهذا الساحر الذي يُحيي الموتى بزعمه، فبذلك بطلت هذه الحيلة الشيطانية، وانقشعت هذه القُمْرة، وتبيّن أنه كاذب.

ويُستفاد من هذه الآثار فوائد عظيمة:

الفائدة الأولى: كُفر الساحر، لأن الصحابة قتلوه، وما قتلوه إلاَّ لكفره.
هذا مع الآيات التي تدل على كفره، كقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}، يعني: ما استعمل السحر كما يظن اليهود، فدلّ على أن استعمال السحر كفر، {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}، يعني: سبب كفرهم أنهم {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فدلّ على أن تعليم السحر كفر.

وأن الله قال في الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى} ينصحاه {يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} يعني: نحن امتحان واختبار، فمن قبل السحر فهو كافر، {فَلا تَكْفُرْ} بتعلُّم السحر.
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} يعني: من الملكين، {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، هذا دليل على أن السحر له حقيقة، وأنه يؤثِّر ويفرِّق بين المرء وزوجه بإحداث البغضاء، فهو دليل لمذهب أهل السنّة على أن السحر له حقيقة يؤثِّر، ولو لم يكن له حقيقة لم يؤثِّر البغضاء.


ج / 1 ص -354- ثمّ قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، أي: القدري الكوني، لأن الإذن على نوعين:
النوع الأول: القدري الكوني، الذي تنتج عنه المقدَّرات، خيرها وشرّها.
والنوع الثاني: الإذن الشرعي المذكور في هذه الآية: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} أي: بشرعه.

وهذا فيه: أن الإنسان يتوكّل على الله، ومن توكّل على الله كفاه شرّ السحرة وغيرهم، ولهذا أمر الله بالاستعاذة به من السحرة: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)} أي: من شر السواحر.
ثمّ قال جل وعلا: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ}، دلّ على أن تعلم السحر ضرر محض، ليس فيه مصلحة،

لأن الأمور على خمسة أقسام:
ما كان ضرراً محضاً: ومنه السحر، والكفر والمعاصي.
النوع الثاني: ما كان مصلحة محضة، ليس فيه ضرر البتّة كالطاعات.
النوع الثالث: ما كان فيه مضرّة ومصلحة، لكن مضرّته أكثر من مصلحته.
النوع الرابع: ما كان مصلحته أكثر من ضرره، كالجهاد في سبيل الله على ما فيه من القتل والجراح.
النوع الخامس: ما تساوى ضرره ومصلحته.
الموضع الرابع: مما يدل عدى كفر الساحر:وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} أي: قد علم اليهود أن من تعلم السحر وعلمه ما له نصيب في الجنة، وهذا هو الكافر.
والموضع الخامس: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}، قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا}، أي: تركوا السحر، وهذا دليل على أن السحر كفر ينافي الإيمان، لكنهم لم يتركوا السحر بل اتخذوه بدل الإيمان فكفروا.


فهده خمسة مواضع من هذه الآيات تدل على كفر الساحر، مع عمل الصحابة، وقتلهم للسحرة.

ج / 1 ص -355- وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}، دليل على كفر الساحر، حيث نفي فلاحه، والمؤمن يفلح ولو كان إيمانه ضعيفاً، ولو لم يكن عنده إلاَّ ذرّة من الإيمان فإنه يُفلح، وإن عُذِّب، والله نفى عن الساحر الفلاح مطلقاً، فدلّ على أنه كافر، والعياذ بالله.
هذه المسألة الأولى، وهي مسألة مهمة جدًّا، ذكرنا فيها الأدلة التي تدلّ على كفر الساحر.


وكفر الساحر مطلقاً كما ذكر الشارح هو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد؛ يرون كفر الساحر، وقد سبقهم جمع من الصحابة.
والإمام الشافعي يقول: "نقول للساحر: صف لنا سحرك، فإن وصفه بما يُقتضى الكفر فهو كافر، وإلاَّ فلا".
ولكن هذا المذهب مرجوح، لأنه لا يمكن السحر إلاَّ بالتعاون مع الشياطين، والخضوع لهم، وحينئذ يكون كافراً.

الفائدة الثانية: في الحديث دليل على وجوب قتل الساحر قتل ردّة، لأنه صحّ عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: عمر وحفصة وجُنْدب، ولم يظهر لهم مخالف من الصحابة، فدلّ على وجوب قتله، لأنه مرتدّ، والمرتدّ يجب قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة" فالساحر من هذا القسم الأخير التارك لدينه المفارق لجماعة المسلمين. فيجب قتله.

الفائدة الثالثة: في هذه الآثار دليل على أنه يُقتل ولا يُستتاب، لأنه لم يذكر في هذه الآثار أن الصحابة استتابوه، وإنما فيها أنهم قتلوه، ولم يذكر أنهم استتابوه.
وأيضاً إذا تاب في الظاهر فعلم السحر لا يزول من قلبه، فهو وإن أظهر التوبة فإنه يُقتل في كل حال، لأن التوبة لا تزيل السحر من قلبه بعدما تعلّمه، ومن أجل دفع فساده، لأنه قد يُظهر التوبة وهو غير صادق، بل من أجل أن يتّقي القتل.


قال الشارح: "هذا قول الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد".

ج / 1 ص -356- والقول الثاني -وهو قول الشافعي-، ورواية عن أحمد-: أنه يُستتاب كغيره من المرتدّين، لأن المشرك يُستتاب، فالساحر- أيضاً- يُستتاب.

ولكن الرأي الأول أرجح، فيُقتل ولا يُستتاب لِغِلَظ ردّته، ولأجل كفِّ شرِّه عن المسلمين، ولأنه يُظهر التوبة ويخدع النّاس.
لكن إن كان صادقاً في توبته فهذا فيما بينه وبين الله، أما الحد فلا يسقط عنه. وهذا حكمه في الدنيا.
وعلى كل حال؛ أمر السحر أمرٌ خطير.


وفي هذا الزمان كثر شرّ السحرة، وصاروا يستعملون السحر من أجل ابتزاز أموال الناس، واللعب عليهم، وأمر الأموال أخف من أمر العقيدة، وإن كانت الأموال شيئاً مهمًّا يجب الحفاظ عليه، ولكن العقيدة أهمّ، ووجود السحرة في المجتمعات الإسلامية وباء خطير فتَّاك، يجب علاجه، ويجب القضاء عليه.
فالسحرة في العالم في هذا الزمان يقيمون نوادي، يجتمعون فيها، ومؤتمرات يعقدونها من أجل إهلاك البشر، وتعاظَم شرّهم وخطرهم، فيجب على المسلمين أن يحذروا منهم غاية الحذر، ويجب على من علم بوجود ساحر في البلد أن يبلِّغ ولاة الأمور عنه.


ولا يجوز الذهاب إلى السحرة وتصديق السحرة، فالسحرة مثل الكُهَّان أو شرّ من الكُهَّان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم"، والسحر من الطاغوت ومن الجبت- كما سبق-، وهو شرّ من الكِهانة.


وإذا كان الكاهن يجب على المسلمين هجره والابتعاد عنه، وأن من أتاه لا تُقبل صلاته أربعين يوماً، ومن صدقه يكفر بما أنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم، فكيف يذهب بعض النّاس إلى السحرة والمشعوذين، وقد يأمرونه بالشرك، فيأمرونه بالذبح لغير الله؟! فالأمر خطير جدًّا
فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذا البلاء، ومن هذا الوباء، وهذا الخطر؛ أن لا يتفشَّى بين المسلمين.





المصدر :

كتاب :
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

رابط تحميل الكتاب

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf




رد مع اقتباس