عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 20-01-2015, 02:09AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

بابُ ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله

ج / 1 ص -300- [الباب الحادي والعشرون:]
* بابُ ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله


ـ
قوله رحمه الله: "باب ما جاء" أي: من الوعيد.
"إن الغلو في قبور الصالحين" الغلو تقدم لنا معناه، وهو: الزيادة عن الحد المشروع.
والغلو في قبور الصالحين هو: الزيادة في تعظيمها، لأن ذلك يؤدي إلى الشرك، لأن المشروع في قبور الصالحين- وقبور المسلمين عموماً- احترامها، وعدم إهانتها، وصيانتها عن الأذى، وزيارتها للسلام على الأموات، والدعاء لهم، والاعتبار بأحوالهم، هذا هو المشروع، أما الغلو فهو قصدها للتبرّك، أو الدعاء عندها، أو الصلاة عندها رجاء الإجابة، هذا هو الغلو، لأن هذا لم يشرعه الله ولا رسوله، ولأنه وسيلة إلى الشرك.
"يصيّرها" أي: يجعلها في المستقبل، وعلى امتداد الزمان.


"أوثاناً تعبد" الأوثان: جمع وثن، والوثن ما عُبد من دون الله من قبر، أو شجر، أو حجر، أو بقاع، أو غير ذلك، أما الصنم فهو: ما عُبد من دون الله وهو على صورة إنسان أو حيوان، كما كان قوم إبراهيم يعبدون التماثيل: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ(52)}، والتماثيل جمع تمثال، وهو: ما كان على صورة إنسان، أو حيوان هذا هو الفرق بين الوثن والصنم، وقد يراد بالصنم الوثن، والعكس.
والشارع رحمه الله يقول: إذا ذكر أحدهما شمل الآخر، إذا ذكر الصنم فقط دخل فيه الوثن، وإذا ذُكر الوثن فقط دخل فيه الصنم، أما إذا ذُكرا جميعاً افترقا في المعنى، فصار الصنم: ما كان على شكل تمثال، وأما الوثن فيراد به: ما عبد من دون الله من الشجر، والحجر، والقبور والصور وغير ذلك، ولم يكن على صورة تمثال، فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجمعها أنها تُعبد من دون الله عزّ وجلّ.


ج / 1 ص -301- روى مالك في "الموطأ" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

قال "روى مالك" هو: مالك بن أنس إمام دار الهجرة واحد الأئمة الأربعة المجتهدين: الذين هم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد أصحاب المذاهب الأربعة الباقية.
وهناك مذاهب لأهل السنّة، لكن انقرضت، مثل:. مذهب سفيان الثوري، ومذهب ابن جرير الطبري.


فمالك هو أحد الأئمة الأربعة المقلَّدين، وهو إمام جليل، يسمى بإمام دار الهجرة -يعني: المدينة-، ويسمى عالم المدينة، واشتهر في وقته، حتى قيل: لا يُفتى ومالك في المدينة، وذلك لعظيم منزلته وثقة النّاس به، رحمه الله رحمة واسعة.
"في الموطأ" الموطأ: كتاب أَلَّفَه مالك في الحديث والفقه، حيث يذكر فيه الأحاديث ويذكر فقهها، وما يؤخذ منها، فهو كتاب عظيم من الكتب التي جمعت بين الفقه والحديث، ومرجع من مراجع الأمة الإسلامية، شرحه علماء كثيرون، لكن أشهر شروحه: "التمهيد" لابن عبد البر، وشرحه أبو الوليد الباجي في كتابه: "المنتقى"، وشرحه الزُّرقاني- أيضاً-، وشرحه السيوطي، وله شروح كثيرة، لكن أشهرها وأعظمها وأكثرها فائدة هو: كتاب: "التمهيد" للإمام ابن عبد البر النَّمَري رحمه الله.


سُمي الموطأ من التوطئة وهي: التسهيل والتقريب، لأنه رحمه الله سهَّله للناس، ووطّأه للناس بترتيبه وتبويبه، حتى أصبح سهلاً، هذا معنى تسميته بالموطأ.
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد" هذا دعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم، دعا به ربه أن يصون قبره من الغلو به، كما حصل لقبور الأنبياء السابقين من اليهود والنصارى حيث غلوا في قبور أنبيائهم، فقال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد" فدلّ على أن الغلو في القبر يصيّره وثناً، وهذا الشاهد من الحديث للباب، ولكن الله حماه ولله الحمد، حماه بأن دفن في بيته، ومُنع النّاس من الوصول إليه وسيبقى مصوناً- بإذن الله- استجابة لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودفن في بيته من أجل هذا، كما مر قول عائشة: "ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً" فدفنه صلى الله عليه وسلم في بيته له سرٌّ عظيم، هو: صيانته من قصد النّاس له بالدعاء، والصلاة عنده، والتبرّك به، يقول ابن القيم رحمه الله:

ج / 1 ص -302- فأجاب ربُ العالمين دعاءه وأحاطه بثلاثة الجدران
والمشروع: السلام عليه من غير مكوث عنده وطول قيام ولا تكرر زيارة كما كان الصحابة يفعلون ذلك:
فقد كان ابن عمر يقف- إذا جاء من سفر- مقابل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ثمّ يتأخر إلى جهة الشرق قليلاً فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، ثمّ يتأخر قليلاً فيقول: السلام عليك يا أبت، ثمّ ينصرف.



وهكذا كان عمل المسلمين عند السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، ما كانوا يجلسون، وما كانوا يتردّدون، حتى إن الصحابة في المدينة ما كانوا كلما دخلوا إلى المسجد راحوا يسلمون على الرسول، لأن هذا يُعتبر من الغلو، إنما كانوا يسلمون على الرسول إذا جاءوا من سفر- كما فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنه-، فالصحابة يأتون إلى المسجد، ويتردّدون عليه للصلاة، ولطلب العلم، وللاعتكاف فيه، لكن ما كانوا كلما دخلوا ذهبوا يسلمون على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم عرفوا أن هذا من الغلو الذي حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم النّاس وافقه النّاس بمقاصد الرسول. ومن أجل ذلك ما كانوا يتردّدون على القبر، حتى إن مالكاً رحمه الله، كان يكره أن يقول الإنسان: زرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرِد بها دليل خاص، والأحاديث المروية في زيارة قبره كلها موضوعة أو ضعيفة شديدة الضعف، لم يثبت منها شيء، وإنما تدخل زيارة قبره صلى الله عليه وسلم في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة"، فزيارة قبره تدخل في عموم زيارة القبور التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، أما أنه ورد لفظ خاص بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا لم يثبت أبداً، كما نبّه على ذلك الحفاظ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن حجر، وابن عبد الهادي، وغيرهم من الأئمة الحفاظ.



ولابن عبد الهادي كتاب مستقل اسمه: "الصارم المنكي في الرد على السبكي" تناول الأحاديث التي استدل بها السبكي على مشروعية السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فبين ما فيها من المقال واحداً واحداً، حتى أتى على آخرها.
فهذا الكتاب- الصارم المنكي- كتاب نفيس جدًّا، يحتاجه طالب العلم،ج / 1 ص -303- ولابن جرير بسنده: عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)} قال: "كان يَلُتُّ لهم السّويق، فمات، فعكفوا على قبره".


ليتسلح به ضد الخرافيين الذي يحتجون بهذه الأحاديث التي لا تصلح للاحتجاج.
ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" تحذير بعد تحذير، حيث سبق عدة مرات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى وهو في سياق الموت لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذّر ما صنعوا، وقال- قبل أن يموت بخمس-: "ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد إلاَّ فلا تتخذوا القبور مساجد" وهنا يقول: "اشتد غضب الله". "غضب الله" والغضب صفة من صفاته سبحانه وتعالى فالله يغضب، كما أنه يفرح ويضحك ويحب، كما جاءت بذلك النصوص، وكل هذه الصفات تليق بجلاله، ليس كغضب المخلوق، ولا كفرح المخلوق، ولا كضحك المخلوق، ويحب كما يليق بجلاله لا كمحبة المخلوق.


ونُثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات من غير تحريف ولا تأويل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فنُثبت أن الله يغضب، وأنه يشتدّ غضبه، وأنه يمقت، والمقت أشد الغضب: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فالله يمقت بمعنى: أنه يشتد غضبه.
وهذا فيه أن من جعل القبر مسجداً فقد اتخذه وثناً يُعبد.
ودلّ على أن هذه الأضرحة المبنية على القبور التي يُطاف بها الآن، وينذر لها، ويُذبح لها، ويُستغاث بها أوثان، لا فرق بينها وبين اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، وإن سموها مساجد، أو سموها مقامات للصالحين، فالتسمية لا تغير المعنى، فهي أوثان كما سماها الرسول صلى الله عليه وسلم.


ثم قال: "ولابن جرير" ابن جرير هو: الإمام الجليل، إمام المفسرين، محمَّد بن جرير الطبري، صاحب كتاب "التفسير" الذي أصبح مرجعاً للمفسرين الذين جاءوا من بعده، فأعظم التفاسير هو تفسير ابن جرير، أما تفاسير أهل الكلام وأهل المنطق فليس مرجعها كتب أهل السنّة، بل مرجعها قواعد المنطق وعلم الكلام،

ج / 1 ص -304- مثل: "تفسير الرازي" و"تفسير الزمخشري" وفيها من الخلط، وفيها مر الشر الشيء الكثير، وإن كان فيها فوائد، "تفسير الزمخشري" فيه فوائد لغوية، وأسرار بلاغية، وبيان لتفسير الألفاظ من جهة اللغة، فهو جيد من هذه الناحية، ولكنه من ناحية العقيدة ومن ناحية التأويل يشتمل على كثير من الشر والقول بخلق القرآن، فهو من هذه الناحية تفسير مختلط، لا يصلح أن يطالع فيه إلاَّ طالب العلم المتأصّل من أجل أن يأخذ ما فيه من الفوائد، ويترك ما فيه من الأباطيل، أما المبتدئ والجاهل فلا يصلح أن يطالع في تفسير الزمخشري.


وأما: "تفسير الرازي" فهو أكثر شيئاً شرًّا من: "تفسير الزمخشري" لأنه كله جدل وافتراضات، وأحياناُ يأتي بإشكالات ولا يُجيب عليها.
إنما التفاسير الموثوقة هي التفاسير المبنية على كلام الله عزّ وجلّ على قواعد التفسير المعروفة: تفسير القرآن بالقرآن، أو تفسير القرآن بالسنّة، أو تفسير القرآن بأقوال الصحابة، أو تفسير القرآن بمقتضى اللغة العربية، هذه وجوه التفسير.


أما أن يُدخل فيها علم الكلام وعلم المنطق، فهذا ليس من التفسير.
فأوثق التفاسير هو: "تفسير ابن جرير" وكذلك: "تفسير ابن كثير"، وكذلك: "تفسير البغوي" هذه كتب موثوقة، تنهج منهج السلف، وتفسر القرآن بالوجوه المعروفة التي هي وجوه التفسير الصحيحة، وما عداها ففيه خلط.
وكل مفسر له اتجاه، بعضهم يتجه إلى النحو كأبي حيّان، وبعضهم يتجه إلى البلاغة كالزمخشري، وبعضهم يتجه إلى الأحكام الفقهية كالقرطبي.
قال: "عن سفيان" سفيان هذا يحتمل أنه: سفيان بن عيينة، الإمام المشهور، ويحتمل أنه: سفيان الثوري، وهذا هو الذي رجّحه الشارح.
وسفيان الثّوريّ إمام جليل في علم الحديث وفي علم الفقه، وله مذهب مستقلّ، لكنه انقرض.


"عن منصور" منصور هو: منصور بن المعتمر، إمام جليل وثقة.
"عن مجاهد" مجاهد بن جَبْر، التابعي الجليل، من أكبر تلاميذ عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنهما-، وهو الذي يقول: "عرضت المصحف على ابن

ج / 1 ص -305- وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: "كان يَلُتُّ السّويق للحاجّ".
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج " رواه أهل السنن.


عباس من أوله إلى آخره، أقف عند كل آية، وأسأله عن معناها" هذا هو مجاهد بن جَبْر، من أكبر أئمة المفسرين، ومن أكبر تلاميذ عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنهما-.
"في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)}" هذه أسماء أصنام العرب.
اللاّت في الطائف، والعزى في مكّة عند عرفات، ومناة على طريق المدينة بالمشلّ‍ل عند قُدَيْد، كان يُحرِم منها المشركون إذا جاءوا للحج. والشاهد من ذلك: اللاّت.


"قال: كان يَلُتُّ لهم السّويق " ولَتُّ السويق هو: خلطه بالسمن.
كان هذا الرجل يعمل هذا العمل من أجل إطعام النّاس، يعني: يُحسن إلى النّاس، فأحبوه، وتعلقت قلوبهم به، لأنه يبذل الطعام، فلما مات عكفوا على قبره حتى صار وثناً.
"فمات، فعكفوا على قبره " دل على أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تُعبد من دون الله، لان اللاّت رجل صالح ما صار قبره وثناً إلاَّ بسبب الغلو فيه، والعكوف عند قبره.
"وكذا قال أبو الجوزاء" وأبو الجوزاء هو: سفيان بن عبد الله الرَّبَعي.
"عن ابن عباس قال: كان يَلُتُّ السّويق للحاج" هذا مثل رواية ابن جرير، في أن اللات اسم رجل غلو في قبره حتى صار وثناً يعبد.


قال: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم"" اللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله عزّ وجلّ.
ومعنى "لعن رسول الله": دعا عليهم باللعنة.
فهذا فيه دليل على لعن أصحاب الكبائر.
"زائرات القبور" أي: النساء اللاتي تزور القبور.



ج / 1 ص -306- فدلّ هذا على تحريم زيارة النساء للقبور، وهذا مذهب الجمهور أهل العلم، أنه لا يجوز للنساء أن تزور القبور لهذا الحديث.
قال العلماء: لأن المرأة ضعيفة، فإذا رأت قبر قريبها من ابنها، أو أبيها، أو أخيها، أو زوجها، فإنها لا تملك نفسها من النياحة ومن الجزع.
وأيضاً: المرأة عورة، فإذا ذهبت إلى المقابر واختلطت بالرجال حصل من ذلك فواحش وزنى وشر، لأنها فتنة، كما هو الواقع الآن عند الأضرحة من اختلاط النساء بالرجال، وما يحصل من المفاسد.


وذهب بعض العلماء إلى جواز زيارة النساء -للقبور أخذاً من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر بالآخرة" قالوا: هذا لفظ عام يدخل فيه الرجال والنساء.

والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن قوله: "فزوروها" هذا الخطاب للرجال، وخطاب الرجال لا تدخل فيه النساء.
الوجه الثاني: أنه على فرض أن هذا الخطاب عام للرجال والنساء، فإنه مخصوص بهذا الحديث.
واحتجّوا- أيضاً- بأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن. قالوا: فهذا دليل على جواز زيارة النساء للقبور.

والجواب عن ذلك: أن فعل عائشة هذا محمول على أنها لم يبلغها النهي، ولو بلغها النهي لم تكن لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والجواب الثاني: وعلى فرض أنها بلغها هذا الحديث، فهذا اجتهاد منها، ولا شك أن الحجة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في اجتهاد المجتهدين.


فبناءً على ذلك فالقول الصحيح الراجح هو: منع النساء من زيارة القبور، وأن كان بعض الباحثين في هذا العصر أظهر هذه المسألة وكتب فيها، وأباح للنساء زيارة القبور، فهذا قول مرجوح، ولم يأت بجديد وإنما أثار هذه المسألة فقط، ولا يجوز

ج / 1 ص -307- لطالب العلم أنه يتتبّع المسائل الغريبة ويذهب يثيرها من جديد، ويبعثها على النّاس من جديد، لما يترتب على ذلك من المفاسد.
قوله: "زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج" أما لعنه المتخذين عليها المساجد فهذا سبق في قوله صلى الله عليه وسلم: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".


وأما لعنة المتخذين عليها السّرج، فالمراد بذلك: إضاءة المقبرة بالأنوار. لأن هذا وسيلة إلى الغلو في القبور، ويُفضي إلى الشرك، فإن هذا يجلب إليها أنظار النّاس والجُهّال، ثمّ يزورونها، ويتردّدون عليها، ثمّ يؤول هذا إلى الشرك، فلا يجوز أن تُضاء المقابر، بل تُجعل المقابر خالية من الإضاءة، وإذا احتاج النّاس إلى دفن ميّت في الليل فإنهم يأخذون معهم سراجاً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة عند الدفن بالليل.


وفي هذه النصوص فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: أن الغلو في قبور الأنبياء يصيّرها أوثاناً تُعبد من دون الله بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد".
ومن الغلو فيها: اتخاذها مساجد، كما قال صلى الله عليه وسلم: "اشتدّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يعني: مصليات، يصلون عندها رجاء الإجابة.
الفائدة الثانية: أن الله سبحانه صان قبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجاب دعاءه، فحفظ من الغلو فيه، وأحيط بالجُدارن التي تمنع الوصول إليه، بل تمنع رؤيته والوصول إليه، كل ذلك من أجل منع الغلو في قبره صلى الله عليه وسلم.


الفائدة الثالثة: فيه أن العكوف على قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تُعبد من دون الله، كما حصل لقبر اللاّت، فإنه صار وثناً بسبب العكوف عنده بعد موته، كما أن الشرك حصل في قوم نوح بسبب الغلو في الصالحين، فسياسة إبليس- لعنه الله - واحدة مع الأولين والآخرين، يأتي النّاس من باب الغلو في الصالحين.


الفائدة الرابعة: فيه الردّ على من زعم أن البناء على قبور الصالحين من محبة

ج / 1 ص -308- الصالحين، ويقولون: أنتم لا تبنون على قبور الصالحين لأنكم تبغضون الصالحين.
ففي هذا الحديث وهذه الآية ردٌّ عليهم وأن البناء على قبورهم والغلو فيها ليس من محبتهم، وإنما هو من اتخاذهم أوثاناً تُعبد من دون الله.


الفائدة الخامسة: في الحديث دليل على تحريم زيارة النساء للقبور، وهو مخصِّص لقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، فالرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر منع من زيارة القبور مطلقاً للرجال والنساء، لأنهم كانوا حديثي عهد بالشرك وبالجاهلية، فمنعهم من زيارة القبور خشية من أن يترسّب فيهم شيء من أمور الجاهلية عند القبور، فلما استقر التّوحيد في قلوبهم، وعرفوا التّوحيد، أَذِن للرجال في زيارة القبور خاصة، ومنع النساء، لأن المحذور باق في حقهن.


الفائدة السادسة: في الحديث دليل على تحريم إضاءة المقابر بالأنوار، بأي وسيلة، سواء كان بالسُّرج، أو كان بالكهرباء، أو غير ذلك، كل أنواع الإضاءة على حسب الأزمنة ممنوعة، والواجب أن تكون القبور خالية من الإضاءة، لأن الإضاءة وسيلة إلى اتخاذها أوثاناً، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك، لأنه وسيلة إلى الشرك.





المصدر :

كتاب :
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

رابط تحميل الكتاب

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf





رد مع اقتباس