تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عشر: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { رَقَيْتُ (1) يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامَ ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ } . وَفِي رِوَايَةٍ " مُسْتَقْبِلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ " .
-------------
المعنى الإجمالي :
ذكر ابن عمر رضي الله عنه : أنه جاء يوما إلى بيت أخته حفصة , زوج النبي صلى الله عليه وسلم , فرأى النبي صلى الله عليه وسلم , يقضي حاجته وهو متجه نحو الشام , ومستدبر القبلة .
اختلاف العلماء والتوفيق بين الحديثين :
اختلف العلماء في حكم استقبال القبلة و استدبارها في قضاء الحاجة .
فذهب إلى التحريم مطلقاً , راوي الحديث أبو أيوب , ومجاهد , و النخعي , والثوري , ونصر هذا القول " ابن حزم " وأبطل سواه من الأقوال في كتابه [ المحلى ] وهو اختيار شيخ الإسلام "ابن تيميه" و "ابن القيم" وقواه وردَ غيره من الأقوال في كتابيه "زاد المعاد" و "تهذيب السنن" واحتجوا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي المطلق عن ذلك , ومنها تخريج أبي أيوب هذا الذي معنا .
وذهب إلى جوازه مطلقاً , عروة بن الزبير , وربيعه , وداود الظاهري , محتجين بأحاديث , منها حديث ابن عمر الذي معنا .
وذهب الأئمة مالك , والشافعي , وأحمد , وإسحاق وهو مروي عن عبد الله بن عمر , والشعبي إلى التفصيل في ذلك : فيحرمونه في الفضاء , ويبيحونه في البناء ونحوه .
وهذا هو مذهب الحق الذي تجتمع فيه الأدلة الشرعية الصحيحة الواضحة.
فإن التحريم مطلقاً , يبطل العمل بجانب من الأحاديث , الإباحة مطلقاً كذلك . والتفصيل يجمع بين الأدلة , ويعملها كلها , وهذا هو الحق , فإنه مهما أمكن الجمع بين النصوص , وجب المصير إليه قبل كل شيء , وهناك قول رابع لا يقل عن هذا قوة وهو القول بالكراهة لا التحريم , قال الصنعاني : لا بد من التوفيق بين الأحاديث بحمل النهي على الكراهة لا التحريم , وهذا وإن كان خلافاً لأصل النهي إلا أن قرينة إرادته فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه للتشريع وبيان الجواز , وحمل أحاديث الباب على هذا هو الأقرب عندي . وقد ذهب إليه جماعة . وبهذا يزول تعارض أحاديث الباب .
قلت : وعلى كل ينبغي الانحراف عن القبلة في البناء أيضا , اتقاء للأحاديث النهاية في ذلك , ولما فيه من الخلاف القوي الذي نصره هؤلاء المحققون .
ما يؤخذ من الحديث :
1- جواز استدبار الكعبة عند قضاء الحاجة , ويفيد بأنه في البنيان .
2- جواز استقبال بيت المقدس عند قضاء الحاجة خلافاً لمن كرهه .
تم بحمد الله شرح الحديث الثالث عشر ويليه بمشيئة الله شرح الحديث الرابع عشر
-------------
الهوامش:
1) رقيت: بكسر القاف أي (صعدت).
|