بسم الله الرّحمن الرّحيم
الجواب على اعتراضات بعض الإخوة على أحكامي على أحاديث كتابتي
" تحذير المصلّين من قطع الصّفّ بالأساطين "
إنّ الحمد لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره .
و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيّئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضلّ له .
و من يُضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلاّ الله ؛ وحده لا شريك له .
و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله .
أمّا بعد :
فإنّ أصدق الحديث كلام الله - سبحانه - ، و خير الهدي هدي محمّدٍ - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ، و شرّ الأمور محدثاتها ، و كلّ محدثةٍ بدعة ، و كلّ بدعةٍ ضلالة ، و كلّ ضلالةٍ في النّار .
أمّا بعد :
فلقد كنت نشرت كتابةً ؛ علوانها : " تحذير المصلّين من قطع الصّفّ بالأساطين " .
فكتب بعض الإخوة - وفّقه الله - اعتراضاتٍ على تخريجي المختصر لبعض أحاديثها .
و خلاصة ما كتب :
تجهيل هارون بن مسلمٍ ؛ المتفرّد برواية حديث قرّة بن إياسٍ المزنيّ - رضي الله عنه - .
و تضعيف رواية النّهي في حديث أنسٍ - رضي الله عنه - بالانقطاع .
أمّا جواب ذلك ؛ فأن أقول :
بُوركت - أخي - و جُزيت خيرًا لمشاركتك ؛
لولا :
أنّ أبا مسلمٍ هارون بن مسلمٍ - رحمه الله - حسن الحديث - على الأقلّ ؛
لا كما قلتَ - أصلحك الله - :
(( وهذا سندٌ ضعيف ؛
هارون بن مسلمٍ أبو مسلمٍ : مجهول ؛ كما قال الإمام ابن المدينيّ ، و الإمام أبو حاتٍم - رحمهم الله تعالى - .
قال الحافظ ابن رجبٍ - رحمه الله - في " شرح البخاري " (4/ 59 ) : قال ابن المدينّي : إسناده ليس بالصّافي ،
قال : وأبو مسلمٍ - هذا - مجهول .
وقال الإمام أبو حاتمٍ - رحمه الله - في " الجرح والتعديل 9 : 94 " : مجهول .
وكذلك قال الحافظ الذّهبيّ في " الميزان 4: 286 " : (( هارون بن مسلمٍ ؛ عن قتادة : مجهول )) .
وكذلك قال العلاّمة مقبلٌ الوادعيّ - رحمه الله - في " مستدرك الحاكم 1: 327 " .
ولذلك لم يذكره في كتابه " الصّحيح المسند ممّا ليس في الصّحيحين" )) ا.هـ
فأقول - مستعينًا بالله العظيم - :
بل اعذرني إن قلت : بحثك تنقصه الأمانة ( ! ) ؛
ففيه ما فيه من بتر النّصوص ، و نقل ما يوافق القول من عبارات أئمّة الجرح و التّعديل ( ! ) .
و بيان ذلك :
أنّك تنقل عن الذّهبيّ - رحمه الله - قوله في هارون : (( مجهول )) ؛
و أغفلت - أصلحك الله - قوله - معقّبًا - : (( قلت : روى عنه أبو داود الطّيالسيّ ، و سلمٌ بن قتيبة ، و عمر بن سنان )) ؛ و هذا ردٌّ لذلك التّجهيل - كما لا يخفى من صنيع الذّهبيّ في " ميزانه " - ؛ فالذّهبيّ ينقل كلّ ما قاله ابن عديٍّ في الرّجال - غالبًا - ؛ ثمّ يتعقّبه بقوله : (( قلت )) .
و الذّهبيّ لا يرى جهالة هارون - كما زعمت - ؛ بل يصحّح حديثه - هذا - الّذي تفرّد به ؛ كما في موافقته الحاكم على تصحيحه ( 1 / 218 ) .
و تصحيح إسنادٍ تفرّد به رجلٌ تعديلٌ له - كما لا يخفى - إن شاء الله - - .
هذا فيما يتعلّق بالذّهبيّ - رحمه الله - .
و أمّا أبو حاتمٍ - رحمه الله - ؛
فكان حقّك التّوقّف في قوله - رحمه الله - ؛
لسببين اثنين :
الأوّل : أنّه متعنّتٌ ؛ معروفٌ بذلك - رحمه الله - ؛
و لقد قال الذّهبيّ - رحمه الله - في " السّير : 13 / 260 " :
(( إذا وثّق أبو حاتمٍ رجلاً ؛ فتمسّك بقوله ؛ فإنّه لا يوثّق إلاّ رجلاً صحيح الحديث ،
و إذا ليّن رجلاً ، أو قال فيه : (( لا يحتجّ به )) ؛ فتوقّف ؛
حتّى ترى ما قال غيره فيه ؛
فإن وثّقه أحدٌ ؛ فلا تبِن على تجريح أبي حاتمٍ ؛
فإنّه متعنّتٌ في الرّجال ؛
فقد قال في طائفةٍ من رجال " الصّحاح " :
ليس بحجّة ، ليس بقويّ ، أو نحو ذلك )) ا.هـ
هذا هو السّبب الأوّل .
و الثّاني : أنّ أبا حاتمٍ - رحمه الله - عنه في هارون - هذا - روايتان :
الأولى : مجهول .
و الثّانية : شيخ .
و طبعة " الجرح و التّعديل " الوحيدة - علمي - الّتي نقلت منها ؛
فيها :
(( شيخٌ [ مجهول ] )) .
و كذلك في " تعجيل المنفعة : 427 " لابن حجر ؛ نقلاً عن أبي حاتمٍ - رحمهما الله - .
و من قيل فيه : شيخ ، ليس كمن قيل فيه : مجهول ، و كذلك ليست هذه العبارة كعبارة : شيخ مجهول .
فالأمانةَ الأمانةَ في النّقل .
بقي أن أقول :
أنّ هارون - هذا - لم يروِ ما يُنكر عليه ؛ بل لحديثه شاهدٌ ( حديث أنس ) ؛ و روى عنه جماعة ؛
منهم : من ذكرهم الذّهبيّ - عليه رحمة الله - ،
و عمر بن سنان الصُّغديّ ؛
الّذي ظنّ أبو حاتمٍ أنّه الوحيد الّذي يروي عن هارون ؛
أمّا و قد عرفت أنّه روى عنه ثلاثةٌ غيره ؛ كلّهم ثقات ؛
و لم يروِ ما ينكر ؛ بل لحديثه شاهدٌ ؛ و وثّقه ابن حبّان ، و لا شكّ أنّ من صحّح حديثه يوثّقونه ؛
لأنّه متفرّدٌ بروايته - كما قال البزّار - .
و المصحّحون هم : ابن خزيمة ، و ابن حبّان ، و الحاكم ، و الذّهبيّ ، و الألبانيّ - رحمهم الله - .
و لو لم يكن فيهم إلاّ ابن خزيمة - رحمه الله - لكفى ؛
فإخراجه الحديث في أصول كتابه توثيقٌ منه لرجاله ؛ لقوله - مرارًا - في " صحيحه " :
(( . . . بنقل العدل عن العدل ؛ موصولاً إليه - صلّى الله عليه و على أله و سلّم - ؛ من غير قطعٍ في أثناء الإسناد ، و لا جرحٍ في ناقلي الأخبار الّتي نذكرها - بمشيئة الله - تعالى - - )) ا.هـ
فرجال أصول ابن خزيمة عدولٌ ؛ معروفو العدالة - عنده - ؛ فكيف بإسنادٍ تفرّد به رجل ؟!؛ و أخرجه ابن خزيمة ؟!.
لا شكّ أنّه يعدّله ، و يعرفه .
و ليس يخفاك - أخي - أنّ من عَلِم حجّةٌ على من لم يعلم ؛ و من قال : مجهول ؛ فهذا علمه ؛ و لا يقضي على من علم ؛ فالنّفي ليس علمًا ، و عدم العلم ليس علمًا للعدم .
و لذلك أخطأ الحافظ في تقريبه عندما زعم أنّ هارون مستور ؛ إذ المستور - عنده - من قيل فيه : مجهول ، و لم يوثّق .
و هارون وثّقه ابن حبّان .
فكيف يقول فيه : مستور ؟!.
المهمّ :
هارون حسن الحديث - على الأقلّ - ،
و حديثه صحيحٌ بشهادة حديث أنسٍ - رضي الله عنه - ؛
إذ ما كان الصّحابة ليتّقوا السّواري في الصّفوف هذا الاتّقاء بدون نهيٍ ( ! ) .
فتدبّر ( ! ).
و قد ذكر شهادة حديث أنسٍ لحديثنا ناسٌ ؛
منهم :
البوصيريّ في " مصباح الزّجاجة : 1 / 191 " ؛ فقال :
(( و له شاهدٌ من حديث أنسٍ ؛ رواه أبو داود ، و التّرمذيّ ، و النّسائيّ )) .
و استشهد به - أيضًا - إمامنا الألبانيّ - رحمه الله - في " الصّحيحة : 1 656 ، و 936 ، و 939 " ، و " تمام المنّة : 297 " .
و قولي في هارون بن مسلمٍ أبي مسلمٍ - رحمه الله - هو خلاصة قول إمامنا الحافظ الألبانيّ - رحمه الله - ؛ الّذي شرحه في الأماكن المذكورة - آنفًا - ، و في " تيسير انتفاع الخلاّن بثقات ابن حبّان " ؛ فجزاه الله عنّا ، و عن الحديث خيرًا .
هذا ما يتعلّق بحديث قرّة - رضي الله عنه - .
و أمّا ما يتعلّق بحديث أنسٍ ؛ المرويّ - عند ابن أبي شيبة - بلفظ : (( نُهينا أن نصلّي بين الأساطين )) ؛ فإنّه صحيحٌ - كما ذكرت - ؛ و ذلك بشهادة حديث قرّة بن إياسٍ المزنيّ - رضي الله عنهما - .
فلا مكان لقولك :
(( أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنّف 2 : 148 " ؛ قال : حدّثنا هُشيم ؛ قال : أخبرنا خالدٌ ؛ (( عمّن حدثه )) ؛ عن أنس ؛ فذكره .
وهذا سندٌ منقطعٌ ؛ لا يصحّ )) .
أقول :
لا يسلم لك تضعيفه ؛ إذ تصحيحي إيّاه لشواهده ؛ لا لذاته ؛
إذ قلتُ :
(( أخرجه ابن أبي شيبة - رحمه الله - ؛ وهو صحيح )) ؛
فلم أصحّحه لذاته ؛ و لا قلت : سنده صحيح .
على أنّي لو قلت : إسناده صحيح ؛ فإنّ ذلك قد يحتمل صحّته لغيره - كما لا يخفى - .
و بهذا تسلم أحكامي على أحاديث الكتابة من الاعتراضات المذكورة .
اللّهمّ فلك الحمد .
و اسلم - أخي - من كلّ شرٍّ و سوء .
و الحمد لله ربّ العالمين .
و كتب :
ــــــــــــــــــ
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معـــــاذٌ بن يوســـــف الشّمّريّ
- أعانه ربّه -
في : إربد - حرسها الله -
في : ليلة 18 - شعبان - 1425 هـ .