عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-08-2010, 04:56AM
أبو عبد الله بشار أبو عبد الله بشار غير متواجد حالياً
مشرف - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: السعودية
المشاركات: 557
افتراضي ماهي قاعدة سد الذرائع وهل لأحد أن يقول يجب فتحها بدلا من سدها ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فقد قرر علماء الأصول قاعدة أصولية وهي قاعدة سد الذرائع
وهي تعني باختصار أي شيء يفضي إلى محرم فهو محرم
وقد تكلم إبن القيم عن هذه القاعدة في كتابه إعلام الموقعين ج 3 حيث قال رحمه الله :
لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منا بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي اليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية اليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به وحكمته تعالى وعلمه يأبي ذلك كل الإباء بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح له الطرق والاسباب والذرائع الموصلة اليه لعد متناقضا ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده وكذلك الاطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه والا فسد عليهم ما يرومون اصلاحه فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها والذريعة ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء
ولا بد من تحرير هذا الموضع قبل تقريره ليزول الالتباس فيه فنقول :
حكم الوسائل المؤدية إلى المقاصد:
الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان أحدهما أن يكون وضعه للإفضاء إليها كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السُكْر وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية ، والزنا المفضي إلى اختلاط المياه وفساد الفراش ونحو ذلك فهذه افعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد وليس لها ظاهرا غيرها والثاني ان تكون موضوعة للإفضاء إلى امر جائز أو مستحب فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده أو بغير قصد منه فالاول كمن يعقد النكاح قاصدا به التحليل أو يعقد البيع قاصدا به الربا أو يخالع قاصدا به الحنث ونحو ذلك والثاني كمن يصلي تطوعا بغير سبب في أوقات النهي أو يسبّ أرباب المشركين بين اظهرهم أو يصلي بين يدي القبر لله ونحو ذلك ثم هذا القسم من الذرائع نوعان أحدهما ان تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته والثاني ان تكون مفسدته راجحة على مصلحته فهـهنا أربعة أقسام الاول وسيلة موضوعة للافضاء إلى المفسدة الثاني وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة الثالث وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية اليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها الرابع وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها ارجح من مفسدتها فمثال القسم الاول والثاني قد تقدم ومثال الثالث الصلاة في أوقات النهى ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم وتزيّن المتوفي عنها في زمن عدتها وامثال ذلك ومثال الرابع النظر إلى المخطوبة والمستامة والمشهود عليها ومن يطؤها ويعاملها وفعل ذوات الاسباب في اوقات النهي وكلمة الحق عند ذي سلطان جائر ونحو ذلك فالشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجات في المصلحة وجاءت بالمنع من القسم الاول كراهة أو تحريما بحسب درجاته في المفسدة بقي النظر في القسمين الوسط هل هما مما جاءت الشريعة بإباحتهما أو المنع منهما فنقول الدلالة على المنع من وجوه:

منع ما يؤدي إلى الحرام:


الوجه الاول قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا وحمية لله وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز

الوجه الثاني قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ} فمنعهن من الضرب بالأرجل وإن كان جائزا في نفسه لئلا يكون سببا إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن

الوجه الثالث قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} الآية أمر تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة ولم يأمرهم بالإستئذان في غيرها وإن أمكن في تركه هذه المفسدة لندورها وقلة الإفضاء إليها فجعلت كالمقدمة.

الوجه الرابع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها السب يقصدون فاعلا من الرعونة فنهى المسلمون عن قولها سدا لذريعة المشابهة ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالمسلمين يقصدون بها غير ما يقصده المسلمون ،
وقد أورد إبن القيم تسعة وتسعين وجها لهذه القاعدة المهمة وقد اكتفينا بإيراد أربع أوجه فقط ومن أراد بسط المسألة ليرجع للكتاب .

وسبب إيراد هذا الموضوع أن هناك من تصدر بالأمس وهو من الدعاة المشهورين وأقرّ أمورا حيث جاء كما يلي :

1 _ دعا الداعية علماء الشريعة إلى فتح باب الذرائع بدلا من سدها ، مشددا على أن قاعدة سد الذرائع ليست ثابتة، وهي منع قانوني أكثر من كونه حكم شرعي ، بل إنها تتغير بتغير الزمان والمكان، وتعود برابط أساسي بين الدين والواقع .

2 _ وقال في برنامجه الرمضاني اليومي (حجر الزاوية) ، الخميس 26-8-2010 ، إن من ينادون بسد الذرائع وضعوا سدا عاليا بين الناس ودينهم ، مبينا أن كثيرا من الأحكام التي تبنى على هذه القاعدة معقولة في بلد معين وغير معقولة في بلد آخر، فالعادات والتقاليد تختلف من بلد إلى آخر، فلا يمكن إجراء الأحكام في مصر والعراق وماليزيا وإندونيسيا مثلا على القاعدة نفسها، بسبب اختلاف البيئات بين البلاد .

3 _ وضرب مثلا بأن الفهم الخاطئ لقاعدة سد الذرائع جعل البعض ينظر إلى المصلحة من زوايا ضيقة ، فيعمد أحدهم إلى طرح يضمن استمرارية تقديمه لدرس علمي مثلا ، ويعتبر أن المصلحة الأهم هي استمرار الدرس ، بدون الاهتمام بما هو أهم من مصالح الناس الاجتماعية ، والنظر إلى مصلحة المسلمين في العالم .

4 _ وأكد أن قاعدة سد الذرائع تعتبر منعا قانونيا مبنيا على المصلحة أكثر من كونه حكما شرعيا، ويعتمد على مرحلة تحمل متغيرات معينة جعلت المفتي يختار منع الناس من فعل شيء سدا لباب الذرائع، خاصة وأن "كل شيء فيه ذريعة، وكل شيء يمكن أن يوظف سلبا أو إيجابا ، مبينا أن ترغيب الناس في الخير وحثهم عليه ، أفضل من المنع المتشدد سدا للذرائع .

5 _ وقال إن الحديث للناس عن الدين كحافز يرغبهم في الخير، بتوجيه الناس لتطوير مجتمعاتهم واقتصادهم، ومؤسسات المجتمع المدني، مؤكدا أن الدين جاء أساسا بالحفز والترغيب، لأن النفوس لا تترك شيئا إلا بشيء، ولذلك أغلقوا كثيرا من الأبواب مثل الإعلام والفن والرياضة.

6 _ وأضاف أن الدين يعترف بالواقع ولا يفترض مثاليات لن تطبق ، ضاربا المثل بالعصر الإسلامي الأول ، الذي يعد العصر المثالي ، والذي وجدت فيه حالات من الضعف والخطأ، فوجد فيها الرجل الذي شرب الخمر، والذي عافس امرأة في طرف المدينة ونال منها ما ينال الرجل من امرأته إلا الجماع، ووجد منهم من سرق ، ومنهم من غش في الطعام، ولذلك لا ينبغي أن نفكر بصورة مثالية لأن ذلك لم يقع في عهد النبوة أو الخلفاء الراشدين .
إنتهى كلام الداعية المشهور .

فلا نستطيع أن نقول في النهاية إلا : إلى أين يريد أن يصل وماذا يريد بالأحرى ولما كل هذا لكن من الواضح أنه كلما مر الوقت فإن حالهم ينكشف

وأذكر كلمة عن الإمام مالك عندما قيل له كثرت الموطآت يا إمام فقال الإمام مالك رحمه الله ما كان لله فسيبقى .

نسأل الله عز وجل أن يجنبنا سبل الزيغ وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه سميع مجيب .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد

__________________
قال حامل لـواء الجرح والتعديل حفظه الله :
والإجمال والإطلاق: هو سلاح أهل الأهواء ومنهجهم.
والبيان والتفصيل والتصريح:هو سبيل أهل السنة والحق

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بشار ; 07-09-2010 الساعة 04:48AM
رد مع اقتباس
[ أبو عبد الله بشار ] إن [ 2 ] من الأَعْضَاءِ يَشْكُرُونَكُمْ : [ جَزَاك اللهُ خَيْرًا عَلَى هَذِهِ الُمشَارَكَةِ الُممَيَّزَة ].