تابع/ كتاب الطهارة
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ : عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: { إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ } .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: { رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَلْيَفْعَلْ } .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ : سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ } .
--------------------
غريب الحديث :
1- يدعون : مبني للمجهول , ينادون نداء تشريف وتكريم .
2- غٌرًا : بضم الغين وتشديد الراء , جمع " أغرا " أصلها لمعة بيضاء في جبهة الفرس و فأطلقت على نور وجوههم .
3- محجلين : من " التحجيل " وهو بياض يكون في قوائم الفرس , والمراد به هنا : النور الكائن في هذه الأعضاء يوم القيامة , تشبيهاً بتحجيل الفرس .
4- الوضوء : بضم الواو , هو الفعل.
5- من آثار الوضوء : علة للغره , والتحجيل .
المعنى الإجمالي :
يبشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن الله سبحانه وتعالى يخصهم بعلامة فضل وشرف يوم القيامة من بين الأمم . حيث ينادون فيأتون على رؤوس الخلائق تتلألأ وجوههم وأيديهم وأرجلهم بالنور , وذلك أثر من آثار هذه العبادة العظيمة , وهي الوضوء الذي كرروه على هذه الأعضاء الشريفة ابتغاء مرضاة الله , وطلبا لثوابه , فكان جزاؤهم هذه المحمدة العظيمة الخاصة .
ثم يقول أبو هريرة : من قدر على إطالة هذه الغُرَةَ فليفعل , لأنه كلما طال مكان الغسل من العضو طالت الغرة والتحجيل , لأن حلية النور تبلغ ما بلغ ماء الوضوء .
الخلاف في إطالة الغرة:
اختلف العلماء غي مجاوزة حد المفروض من الوجه واليدين والرجلين للوضوء .
فذهب الجمهور إلى استحباب ذلك , عملا ً بهذا الحديث , على اختلاف بينهم في قدر حد المستحب . وذهب مالك ورواية عن أحمد , إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض , واختاره شيخ الإسلام " ابن تيميه " , و " ابن القيم " , وشيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي , وأيدوا رأيهم بما يأتي :
1- مجاوزة محل الفرض , على أنها عبادة , دعوى تحتاج الى دليل .
والحديث الذي معنا لا يدل عليها , وإنما يدل على نور أعضاء الوضوء يوم القيامة . وعمل أبو هريرة فَهْمٌ له وحده من الحديث , ولا يصار إلى فهمه مع المعارض الراجح . أما قوله : " فمن استطاع ... الخ " فرجحوا أنها مندرجة من كلام أبي هريرة , لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
2- لو سلمنا بهذا لاقتضى أن نتجاوز الوجه إلى شعر الرأس و وهو لا يسمى غرة , فيكون متناقضاً .
3- لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فهم هذا الفهم وتجاوز بوضوئه محل الفرض , بل نقل عن أبي هريرة أنه كان يستتر خشية من استغراب الناس لفعله .
4- إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين , والرجلين إلى الكعبين , وما كان ليترك الفاضل في كل مره من وضوئه . وقال في الفتح : لم أرَ هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة , ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه .
5- الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين و الكعبين , وهي من أواخر القرآن نزولاً وإليك نص كلام " ابن القيم " في كتابه [حادي الأرواح ] قال : أخرجا في الصحيحين والسياق لـ"مسلم " عن أبي حازم قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ لصلاه , فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه , فقلت : يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ؟ فقال : يا بني فروخ (1) أنتم ههنا ؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء . سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .
وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضو وإطالته . وتطويل التحجيل , وممن استحبه بعض الحنفية والشافعية والحنابلة وقد اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الوجه والمرفقين والكعبين , ثم قال : " فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم " فهذا يرد قولهم .
ولذا فأن الصحيح أنه لا يستحب وهو قول أهل المدينة , وورد فيه عن أحمد روايتان .
والحديث لا يدل على الإطالة , فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم , لا في العضد والكتف .
وأما قوله : " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , بين ذلك غير واحد من الحفاظ . وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث , قال نعيم : فلا أدري قوله :" من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , أو أي شيء قاله أبو هريرة من عنده . وكان شيخنا (2) يقول : هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله وعليه وسلم , فإن الغرة لا تكون في اليد , ولا تكون إلا في الوجه , وإطالته غير ممكنة , إذ تدخل في الرأس تلك الغرة . اهـ كلامه ( رحمه الله ).
تم بحمد الله شرح الحديث العاشر ويتبعه بمشيئة الله شرح الحديث الحادي عشر
------------
الحاشية:
1. قال الليث : بلغنا أن فروخ كان من ولد إبراهيم عليه السلام , بعد إسحاق وإسماعيل , فكثر نسله ونما عدده فولد العجم الذين في وسط البلاد . هكذا حكاه الأزهري .
2. يعني بشيخه , الشيخ عبد الرحمن السعدي ( رحمه الله تعالى ).
التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله بن حميد الفلاسي ; 25-12-2003 الساعة 08:56PM
|