عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13-10-2010, 06:01PM
الغريبة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

خامسًا: الإمام الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار
فقد قال رحمه الله في كتاب الصيام ، باب صيام يوم السبت :

عن عبد الله بن بسر ، عن أخته { الصماء ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصومن يوم السبت في غير ما افترض عليكن ، ولو لم تجد إحداكن إلا لحاء شجرة ، أو عود عنب ، فلتمضغه } .

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى هذا الحديث ، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا . وخالفهم في ذلك آخرون ، فلم يروا بصومه بأسا . وكان من الحجة عليهم في ذلك ، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم ، أو بعده يوم . } وقد ذكرنا ذلك بأسانيده ، فيما تقدم من كتابنا هذا ، فاليوم الذي بعده ، هو يوم السبت . ففي هذه الآثار المروية في هذا ، إباحة صوم يوم السبت تطوعا ، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ ، الذي قد خالفها .
وقد { أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء وحض عليه } ، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه . ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أحب الصيام إلى الله عز وجل ، صيام داود عليه السلام ، كان يصوم يوما ، ويفطر يوما } وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .
ففي ذلك أيضا ، التسوية بين يوم السبت ، وبين سائر الأيام . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بصيام أيام البيض وروي عنه في ذلك ما حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن ، وحكيم ، عن موسى بن طلحة ، عن ابن الحوتكية ، عن أبي ذر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة } . حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا حبان ، قال : ثنا حمام ، قال : ثنا أنس بن سيرين ، عن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي ، عن أبيه ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم ليالي البيض ، ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ، وقال هي كهيئة الدهر } وقد يدخل السبت في هذه ، كما يدخل فيها غيره ، من سائر الأيام . ففيها أيضا إباحة صوم يوم السبت تطوعا .
ولقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهة صوم يوم السبت ، ولم يعده من حديث أهل العلم ، بعد معرفته به . حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : سئل الزهري عن صوم يوم السبت ، فقال ( لا بأس به ) . فقيل له : فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته ، فقال ذاك حديث حمصي ، فلم يعده الزهري حديثا يقال به ، وضعفه . وقد يجوز عندنا ، والله أعلم ، إن كان ثابتا ، أن يكون إنما نهي عن صومه ، لئلا يعظم بذلك ، فيمسك عن الطعام والشراب والجماع فيه ، كما يفعل اليهود . فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه ، ولا لما تريد اليهود بتركها السعي فيه ، فإن ذلك غير مكروه . فإن قال قائل : فقد رخص في صيام أيام بعينها مقصودة بالصوم ، وهي أيام البيض ، فهذا دليل على أن لا بأس بالقصد بالصوم إلى يوم بعينه . قيل له : إنه قد قيل إن أيام البيض إنما أمر بصومها ، لأن الكسوف يكون فيها ، ولا يكون في غيرها ، وقد أمرنا بالتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والعتاق ( ليلته ) وغير ذلك من أعمال البر عند الكسوف . فأمر بصيام هذه الأيام ، ليكون ذلك برا مفعولا بعقب الكسوف ، فذلك صيام غير مقصود به إلى يوم بعينه في نفسه . ولكنه صيام مقصود به في وقت شكرا لله عز وجل لعارض كان فيه ، فلا بأس بذلك . كذلك أيضا يوم الجمعة إذا صامه رجل شكرا لعارض ، من كسوف شمس أو قمر ، أو شكرا لله عز وجل ، فلا بأس بذلك ، وإن لم يصم قبله ولا بعده يوما . "
رد مع اقتباس