مجلة معرفة السنن والآثار العلمية

مجلة معرفة السنن والآثار العلمية (http://www.al-sunan.org/vb/index.php)
-   منبر التوحيد وبيان ما يضاده من الشرك (http://www.al-sunan.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   شرح العقيدة الواسطية لفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- (http://www.al-sunan.org/vb/showthread.php?t=10563)

ام عادل السلفية 24-04-2015 12:08AM

تعديل/ ترتيب تسلسل الدروس من الدرس رقم 33 الى الدرس 40 شرح العقيدة الواسطية
 
بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 33 )



16ـ إثبات الاسم لله ونفي المثل عنه



[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏ ‏{‏وَلَمْ
يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ‏{‏فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبِّ اللَّهِ‏}‏‏.‏



[ الشرح ]:

{‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ‏}‏ البركة لغة النماء والزيادة‏.‏ والتبرك‏:‏ الدعاء بالبركة‏.‏ ومعنى ‏{‏تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ‏}‏ تعاظم أو علا
وارتفع شأنه‏.‏

وهذا اللفظ لا يطلق إلا على الله ‏{‏ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ‏}‏ تقدم تفسيره في آيات إثبات الوجه‏.‏


قوله‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ‏}‏ أي‏:‏ أفرده بالعبادة ولا تعبد معه غيره‏.‏ والعبادة لغة‏:‏ الذل والخضوع، وشرعًا‏:‏ اسم جامع لما
يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة‏.‏ ‏

{‏وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ‏}‏ أي‏:‏ اثبت على عبادته ولازمها واصبر على مشاقها ‏{‏هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏ الاستفهام للإنكار،
والمعنى أنه ليس له مثل ولا نظير حتى يشاركه في العبادة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ الكفء في لغة العرب‏:‏ النظير، أي‏:‏ ليس له نظير ولا مثيل ولا شريك من
خلقه‏.‏


قوله‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا‏}‏ الند في اللغة‏:‏ المثل والنظير والشبيه، أي‏:‏ لا تتخذوا لله أمثالًا ونظراء تعبدونهم معه
وتساوونهم به في الحب والتعظيم‏.

‏ ‏{‏وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أنه ربكم وخالقكم وخالق كل شيء وأنه لا يد له يشاركه في الخلق‏.‏
‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاد‏}‏ لما فرغ سبحانه من ذكر الدليل على وحدانيته في الآية التي قبلها،
أخبر أنه مع هذا الدليل الظاهر المفيد لعظيم سلطانه وجليل قدرته وتفرده بالخلق أخبر أنه مع ذلك قد وجد
في الناس من يتخذ معه سبحانه ندًا يعبده من الأصنام العاجزة ‏{‏يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ أن هؤلاء الكفار
لم يقتصروا على مجرد عبادة تلك الأنداد بل أحبوها حبًا عظيمًا وأفرطوا في حبها كما يحبون الله، فقد
سووهم بالله في الخلق والرزق والتدبير‏.‏



الشاهد من الآيات‏:‏ أن فيها إثبات اسم الله وتعظيمه وإجلاله‏.‏ وفيها نفي السمي والكفء والند عن الله سبحانه
وهو نفي مجمل، وهذه في الطريقة الواردة في الكتاب والسنة فيما ينفي عن الله تعالى وهي أن ينفي عن الله
ـ عز وجل ـ كل ما يضاد كماله الواجب من أنواع العيوب والنقائص‏.



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@






ام عادل السلفية 24-04-2015 10:27PM

بسم الله الرحمن الرحيم






【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 34 )



17 ـ نفي الشريك عن الله تعالى

[ المتن ]
:


‏{‏وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا‏}‏ ‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ
عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا‏}‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏{‏فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏



[ الشرح ]:

‏{‏وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ‏}‏ الحمد‏:‏ هو الثناء وأل فيه للاستغراق، أي‏:‏ الحمد كله لله ‏{‏الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا‏}‏ أي‏:‏ ليس له
ولد كما تقوله اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب ‏{‏وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ‏}‏ أي‏:‏ ليس له مشارك في ملكه
وربوبيته كما تقول الثنوية ونحوهم ممن يقول بتعدد الآلهة‏.‏ ‏{‏وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ‏}‏ أي‏:‏ ليس بذليل فيحتاج إلى
أن يكون له ولي أو وزير أو مشير، فلا يحالف أحدًا ولا يستنصر بأحد ‏{‏وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا‏}‏ أي عظمه وأجله عما يقوله
الظالمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ تنزهه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص
وعيب ‏{‏لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ‏}‏ يختصان به ليس لغيره منهما شيء‏.‏ وما كان لعباده من الملكية فهو من عطائه
‏{‏وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ لا يعجزه شيء‏.‏

‏{‏تَبَارَكَ‏}‏ فعل ماض مأخوذ من البركة، وهي النماء والزيادة المستقرة الثابتة الدائمة، وهذه اللفظة لا تستعمل إلا
لله سبحانه‏.‏ ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي ‏{‏الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ‏}‏ أي‏:‏ القرآن سمي فرقانًا لأنه يفرق بين الحق
والباطل ‏{‏عَلَى عَبْدِهِ‏}‏ يعني‏:‏ محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه صفة مدح وثناء لأنه أضافه إليه إضافة تشريف
وتكريم في مقام إنزال القرآن عليه ‏{‏لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ‏}‏ الإنس والجن، وهذا من خصوصياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏
{‏نَذِيرًا‏}‏ أي‏:‏ منذرًا، مأخوذ من الإنذار وهو الإعلام بأسباب المخافة، وقوله‏:‏ ‏{‏لِيَكُونَ‏}‏ تعليل لإنزال الفرقان عليه
أي ليخصه بالرسالة العامة‏.‏


ثم وصف نفسه سبحانه بأربع صفات‏:‏ الأولى‏:‏ قوله ‏{‏الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‏}‏ دون غيره فهو المتصرف
فيهما وحده‏.‏ الصفة الثانية‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا‏}‏ كما تزعم النصارى واليهود وذلك لكمال غناه وحاجة كل مخلوق
إليه‏.‏

الصفة الثالثة‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ‏}‏ فيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية وغيرهم‏.‏
الصفة الرابعة‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ من المخلوقات‏.‏ ويدخل في ذلك أفعال العباد فهي خلق الله وفعل العبد
‏{‏فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا‏}‏ أي‏:‏ قدر كل شيء مما خلق من الآجال والأرزاق والسعادة والشقاوة وهيأ كل شيء لما يصلح له‏.‏

قال ابن كثير‏:‏ نزه نفسه عن الولد وعن الشريك، ثم أخبر أنه خلق كل شيء فقدره تقديرًا، أي‏:‏ كل شيء تحت
قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره‏.‏ انتهى‏.‏


قوله‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ‏}‏ في هذه الآية ينزه تعالى نفسه على أن يكون له ولد أو شريك
في الملك والتصرف والعبادة و ‏{‏من‏}‏ في الموضعين لتأكيد النفي ‏{‏إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ‏}‏ هذا استدلال لما
سبق في أول الآية من نفي الولد والشريك في الألوهية، أي‏:‏ لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم عن الآخر بما
خلق، وحينئذ لا ينتظم الكون لوجود الانقسام‏.‏ والواقع المشاهد أن الكون منتظم أتم انتظام لم يحصل فيه تعدد
ولا انقسام ‏{‏وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ أي‏:‏ ولو كان معه إله آخر لكان كل منهم يطلب قهر الآخر ومخالفته،
فيعلو بعضهم على بعض كحال ملوك الدنيا، وحينئذ فذلك المغلوب الضعيف لا يستحق أن يكون إلها‏.‏

وإذا تقرر بطلان المشارك تعين أن يكون الإله واحدًا هو الله وحده، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ‏}‏ من الشريك
والولد ‏{‏عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ‏}‏ أي‏:‏ هو المختص بعلم ما غاب عن العباد وعلم ما يشاهدونه‏.‏ وأما غيره فهو وإن علم
شيئًا من المشاهد فإنه لا يعلم الغيب ‏{‏فَتَعَالَى‏}‏ أي‏:‏ تنزه الله وتقدس ‏{‏عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ به فهو سبحانه متعال عن
أن يكون له شريك في الملك‏.‏


قوله‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ‏}‏ ينهى سبحانه عن ضرب الأمثال له‏.‏ وضرب المثل هو تشبيه حال بحال‏.‏ وكان
المشركون يقولون‏:‏ إن الله أجل من أن يعبده الواحد منا فلابد من اتخاذ واسطة بيننا وبينه فكانوا يتوسلون إليه بالأصنام
وغيره تشبيهًا له بملوك الدنيا فنهى سبحانه عن ذلك لأنه سبحانه لا مثل له فلا يمثل بخلقه ولا يشبه بهم ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ‏}‏
أنه لا مثل له ‏{‏وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ففعلكم هذا صدر عن توهم فاسد وخاطر باطل‏.‏ ولا تعلمون أيضًا ما في عبادة
الأصنام من سوء العاقبة‏.‏


وقوله‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ الخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي ذلك دليل على أن القرآن كلام الله وأن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ مبلغ عن الله‏.‏ ‏{‏إنما‏}‏ أداة حصر ‏{‏حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ‏}‏ أي‏:‏ جعلها حرامًا‏.‏ والفواحش‏:‏ جمع فاحشة
وهي ما تناهى قبحه من المعاصي ‏{‏مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏}‏ أي‏:‏ ما أعلن منها وما أسر ‏{‏وَالإِثْمَ‏}‏‏:‏ كل معصية يتسبب
عنها الإثم، وقيل‏:‏ هو الخمر خاصة ‏{‏وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ‏}‏ أي‏:‏ الظلم المجاوز للحد والتعدي على الناس ‏{‏وَأَن تُشْرِكُواْ
بِاللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ تجعلوا له شريكًا في العبادة‏.‏ ‏{‏مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا‏}‏ أي‏:‏ حجة وبرهانًا‏.‏ وهذا موضع الشاهد من الآية ‏
{‏وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولدًا ونحو ذلك مما لا علم لكم به،
ومثل ما كانوا ينسبون إليه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها‏.‏

الشاهد من هذه الآيات الكريمة‏:‏ أن فيها نفي الشريك عن الله تعالى وإثبات تفرده بالكمال ونفي الولد والمثل عنه
سبحانه وأن جميع مخلوقاته تنزهه عن ذلك وتقدسه، كما فيها إقامة الحجة على بطلان الشرك وأنه مبني على
جهل وخيال‏.‏ وأنه سبحانه لا مثل له ولا شبيه له‏.‏ والله أعلم‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf



ام عادل السلفية 24-04-2015 10:30PM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 35 )



18 ـ إثبات استواء الله على عرشه



[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ في سبعة مواضع‏:‏
في سورة الأعراف قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏
وقال في سورة يونس ـ عليه السلام ـ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏
وقال في سورة الرعد‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏
وقال في سورة طه‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏
وقال في سورة الفرقان‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ‏}‏
وقال في سورة الم السجدة‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏
وقال في سورة الحديد‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏‏.‏


[ الشرح ]:

أي قد ورد إثبات استواء الله على عرشه في سبع آيات من كتاب الله، كلها قد ورد فيها إثبات الاستواء بلفظ
واحد هو‏:‏ ‏{‏اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ فهو نص في معناه الحقيقي لا يحتمل التأويل بمعنى آخر‏.‏ والاستواء صفة فعلية
ثابتة لله سبحانه على ما يليق بجلاله كسائر صفاته، وله في لغة العرب أربعة معان هي‏:‏

علا، وارتفع، وصعد، واستقر‏.‏
وهذه المعاني الأربعة تدور عليها تفاسير السلف للاستواء الوارد في هذه الآيات الكريمة‏.‏
فقوله في الآية الأولى والثانية‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ هو خالقكم ومربيكم بنعمه والذي يجب عليكم أن تعبدوه
وحده ‏{‏الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏}‏ أي‏:‏ هو خالق العالم‏.‏


سماواته وأرضه وما بين ذلك ‏{‏فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏ هي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة،
ففي يوم الجمعة اجتمع الخلق كله وفيه خلق آدم ـ عليه السلام ـ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ أي‏:‏ علا وارتفع
على العرش كما يليق بجلاله‏.‏

وهذا محل الشاهد من الآية‏.


‏ والعرش في اللغة هو سرير الملك‏.‏ والمراد هنا كما يدل عليه مجموع النصوص‏:‏ سرير ذو قوائم تحمله الملائكة،
وهو كالقبة على العالم هو سقف المخلوقات‏.‏

وقوله في الآية الثالثة‏:‏ ‏{‏اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ‏}‏ أي‏:‏ رفعها عن الأرض رفعًا بعيدًا لا ينال ولا يدرك مداه ‏{‏بِغَيْرِ
عَمَدٍ تَرَوْنَهَا‏}‏ العمد هي الأساطين جمع عماد‏.‏ أي‏:‏ قائمة بغير عمد تعتمد عليها بل بقدرته سبحانه‏.‏ وقوله‏:
‏ ‏{‏تَرَوْنَهَا‏}‏ تأكيد لنفي العمد‏.‏ وقيل لها عمد ولكن لا نراها‏.‏ ولأول أصح‏.‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ هذا محل
الشاهد من الآية الكريمة لإثبات الاستواء‏.‏ والكلام على بقية الآيات كالكلام على هذه الآية‏.‏



ويستفاد منها جميعًا‏:‏ إثبات استواء الله على عرشه على ما يليق بجلاله، وفيها الرد على من أول الاستواء بأنه
الاستيلاء والقهر، وفسر العرش بأنه الملك، فقال استوى على العرش، معناه استولى على الملك وقهر غيره‏.‏
وهذا باطل من وجوه كثيرة منها‏:‏


أولًا‏:‏ أن هذا تفسير محدث مخالف لتفسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وأول من قال به‏:‏
الجهمية والمعتزلة‏.‏ فهو مردود‏.‏



ثانيًا‏:‏ لو كان المراد بالاستواء على العرش الاستيلاء على الملك لم يكن هناك فرق بين العرش والأرض السابعة
السفلى والدواب وجميع المخلوقات، لأنه مستولٍ على الجميع ومالك للجميع‏.‏ فلا يكون لذكر العرش
فائدة‏.‏



ثالثًا‏:‏ أن هذا اللفظ ‏{‏اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ قد اطرد في الكتاب والسنة ولم يأت في لفظ واحد ‏(‏استولى على
العرش‏)‏ حتى تفسر به بقية النصوص‏.‏



رابعًا‏:‏ أنه أتى ب ـ ‏{‏ثم‏}‏ التي تفيد الترتيب والمهلة، فلو كان معنى الاستواء الاستيلاء على العرش والقدرة عليه
لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض فإن العرش كان موجودًا قبل خلق السموات والأرض، بخمسين
ألف سنة كما ثبت في الصحيحين فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مسئول عليه إلى أن خلق السموات
والأرض‏.‏ هذا من أبطل الباطل، والله أعلم‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf

التصفية والتربية

TarbiaTasfia@


ام عادل السلفية 24-04-2015 10:31PM

بسم الله الرحمن الرحيم



【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 36 )


19 ـ إثبات علو الله على مخلوقاته

[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏}‏ ‏{‏بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏}‏ ‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏
‏{‏يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا‏}‏ ‏{‏أَأَمِنتُم مَّن
فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ‏}‏‏.‏


[ الشرح ]:

‏{‏يَا عِيسَى‏}‏ خطاب من الله ـ تبارك وتعالى ـ لعيسى بن مريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ‏{‏إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏}‏ الذي عليه الأكثر
أن المراد بالوفاة هنا النوم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا‏}‏ الآية ‏(‏42‏)‏
من سورة الزمر‏.‏ ‏{‏وَرَافِعُكَ إِلَيَّ‏}‏ أي‏:‏ رفعه الله إليه في السموات وهو حي‏.‏
وهذا محل الشاهد من الآية وهو إثبات العلو لله لأن الرفع يكون إلى أعلى‏.‏



وقوله‏:‏ ‏{‏بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏}‏ هذا رد على اليهود الذين يدعون أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ
وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا‏}‏ الآية ‏(‏157‏)‏ من سورة النساء ‏{‏بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏
رفع الله سبحانه وتعالى المسيح ـ عليه السلام ـ إليه وهو حي لم يقتل‏.‏ وهذا محل الشاهد لأن فيه إثبات علو الله
على خلقه لأن الرفع يكون إلى أعلى‏.‏


وقوله‏:‏ ‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ‏}‏ أي‏:‏ إلى الله سبحانه لا إلى غيره يرتفع ‏{‏الْكَلِمُ الطَّيِّبُ‏}‏ أي‏:‏ الذكر والتلاوة والدعاء ‏{‏وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏ أي‏:‏ العمل الصالح، يرفع الكلم الطيب، فإن الكلم الطيب لا يقبل إلا مع العمل الصالح فمن ذكر
الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه، قال إياس بن معاوية‏:‏ ولولا العمل الصالح لم يرفع الكلام‏.‏ وقال الحسن وقتادة‏:‏
لا يقبل قول إلا بعمل‏.‏ والشاهد من الآية‏:‏ أن فيها إثبات علو الله على خلقه لأن والرفع يكونان إلى أعلى‏.‏


وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا‏}‏ هذا من مقولة فرعون لوزيره هامان يأمره أن يبني له قصرًا منيفًا عاليًا ‏{‏لَّعَلِّي أَبْلُغُ
الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ‏}‏ أي‏:‏ طرق السموات أو أبوابها ‏{‏فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى‏}‏ بنصب ‏{‏فَأَطَّلِعَ‏}‏ بأن مضمرة
بعد فاء السببية، ومعنى مقالته هذه تكذيب موسى ـ عليه السلام ـ في أن الله أرسله، أو أن إلهًا في السماء‏.‏ ولذلك
قال‏:‏ ‏{‏وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا‏}‏ أي‏:‏ فيما يدعيه من الرسالة أو فيما يدعيه بأن له إلها في السماء والشاهد من الآية‏:‏ أن
فيها إثبات علو الله على خلقه، حيث أن موسى ـ عليه السلام ـ أخبر بذلك وحاول فرعون في تكذيبه‏.‏


وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَأَمِنتُم‏}‏ الآمن‏:‏ ضد الخوف ‏{‏مَّن فِي السَّمَاء‏}‏ أي‏:‏ عقوبة من في السماء وهو الله سبحانه،
ومعنى ‏{‏فِي السَّمَاء‏}‏ أي على السماء، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ وهذا إن أريد بالسماء السماء
المبنية، وإن أريد بالسماء مطلق العلو ففي للظرفية، أي‏:‏ في العلو‏.‏ ‏{‏أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ‏}‏ أي‏:‏ يقلعها بكم
كما فعل بقارون ‏{‏فإذا هي تمور‏}‏ أي‏:‏ تضطرب وتتحرك‏.‏

‏{‏أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا‏}‏ أي‏:‏ حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب
الفيل‏.‏ وقيل‏:‏ سحاب فيها حجارة، وقيل‏:‏ ريح فيها حجارة ‏{‏فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ‏}‏ أي‏:‏ إنذاري إذا عاينتم العذاب
ولا ينفعكم حينذاك هذا العلم‏.‏


والشاهد من الآيتين‏:‏ أن فيهما إثبات علو الله على خلقه حيث صرحنا أنه سبحانه في السماء، فقد دلت هذه
الآيات التي ذكرها المؤلف ـ رحمة الله عليه ـ على إثبات العلو‏.‏ كما دلت هذه الآيات التي قبلها على إثبات استواء
الله على العرش‏.‏ والفرق بين الاستواء والعلو‏:‏

1 ـ أن العلو من صفات الذات والاستواء من صفات الأفعال، فعلو الله على خلقه وصف لازم لذاته، والاستواء
فعل من أفعاله سبحانه يفعله ـ سبحانه وتعالى ـ بمشيئته وقدراته إذا شاء ولذا قال فيه‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى‏}‏ وكان ذلك
بعد خلق السموات والأرض‏.‏



2 ـ أن العلو من الصفات الثابتة بالعقل والنقل‏.‏ والاستواء ثابت بالنقل لا بالعقل‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf







ام عادل السلفية 24-04-2015 10:33PM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 37 )


20 ـ إثبات معية الله لخلقه



[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ
مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏{‏مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى
ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم
بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا‏}‏ ‏{‏إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى‏}‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ‏}‏ ‏{‏وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏‏.‏



[ الشرح ]:

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ـ إلى قوله ـ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا‏}‏‏:‏ تقدم تفسيره .
وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ‏}‏ أي‏:‏ هو معكم بعلمه رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم
في بر أو بحر في ليل أو نهار في البيوت أو القفار الجميع في علمه على السواء تحت سمعه وبصره‏.‏ يسمع
كلامكم، يرى مكانكم، وهذا محل الشاهد من الآية الكريمة ففيه إثبات المعية العامة ‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏
لا يخفى عليه شيء من أعمالكم‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ‏}‏ النجوى‏:‏ السر، والمعنى‏:‏ ما يوجد من تناجي ثلاثة ‏{‏إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا
خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ جاعلهم أربعة وجاعلهم ستة من حيث إنه سبحانه يشاركهم في الاطلاع على
تلك النجوى، وتخصيص هذين العددين بالذكر لأن أقل عادات المتناجين أن يكونوا ثلاثة أو خمسة، أو أن سبب
النزول تناجي ثلاثة في واقعة وخمسة في واقعة أخرى‏.‏ وإلا فهو سبحانه مع كل عدد قل أو كثر ولهذا قال تعالى‏:‏
‏{‏وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ ولا أقل من العدد المذكور كالواحد والاثنين ولا أكثر منه كالستة
والسبعة ‏{‏إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ‏}‏ بعلمه يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عيه شيء منه‏.‏



قال المفسرون‏:‏ إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم، ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوؤهم
فيحزنون لذلك، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمرهم أن لا يتناجون فيما
يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم فأنزل الله هذه الآيات‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَيْنَ مَا كَانُوا‏}‏ معناه‏:‏ إحاطة علمه سبحانه بكل تناج يقع منهم في أي مكان ‏{‏ثُمَّ يُنَبِّئُهُم‏}‏ أي
يخبرهم سبحانه ‏{‏بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏ ويجازيهم على ذلك وفي هذا تهديد لهم وتوبيخ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ‏}‏ لا يخفى عليه شيء‏.‏



والشاهد من الآية أن فيها إثبات معية الله لخلقه، وهي معية عامة مقتضاها الإحاطة والعلم بجميع أعمالهم ولهذا
يقول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ‏:‏ افتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا‏}‏ هذا خطاب من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لصاحبه أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ
حينما كانا في الغار وقت الهجرة وقد لحق بهما المشركون، فحزن أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ خوفًا على النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أذى الكفار فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا تحزن‏)‏ أي‏:‏ دع الحزن ‏(‏إن الله معنا‏)‏
بنصره وعونه وتأييده‏.‏ ومن كان الله معه فلن يغلب‏.‏ ومن لا يغلب لا يحق له أم يحزن‏.‏



والشاهد من الآية‏:‏ أن فيها إثبات المعية الخاصة بالمؤمنين التي مقتضاها النصر والتأييد‏.‏


وقوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام‏:‏ ‏{‏إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى‏}‏ أي‏:‏ لا تخافا من فرعون ‏{‏إِنَّنِي مَعَكُمَا‏}‏ تعليل للنهي،
أي‏:‏ معكما بالنصر لكما والمعونة على فرعون ‏{‏أَسْمَعُ‏}‏ كلامكما وكلامه ‏{‏وَأَرَى‏}‏ مكانكما ومكانه لا يخفى
علي من أمركم شيء‏.‏



والشاهد من الآية‏:‏ أن فيها إثبات المعية الخاصة في حق الله تعالى لأوليائه بالنصر والتأييد، كما أن فيها إثبات
السمع والبصر له ـ سبحانه وتعالى ـ‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ‏}‏ أي‏:‏ تركوا المحرمات والمعاصي
على اختلاف أنواعها ‏{‏وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ‏}‏ بتأدية الطاعات والقيام بما أمروا به، فهو سبحانه مع هؤلاء بتأييده ونصره
ومعونته، وهذه معية خاصة وهي محل الشاهد من الآية الكريمة‏.‏



وقوله‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرُوا‏}‏ فهو سبحانه مع الصابرين في كل أمر ينبغي الصبر فيه‏.‏
والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات
معية الله للصابرين على طاعته والمجاهدين في سبيله، قال الإمام الشوكاني‏:‏ ويا حبذا هذه المعية التي لا يغلب من
رزقها غال ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات وإن كانت كثيرة‏.‏ اه ـ‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً‏}‏ الفئة‏:‏ الجماعة والقطعة منهم ‏{‏بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ بإرادته وقضائه
ومشيئته ‏{‏وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏‏:‏ هذا محل الشاهد من الآية الكريمة، وهو إثبات معية الله سبحانه للصابرين على الجهاد
في سبيله، وهي معية خاصة مقتضاها النصر والتأييد‏.‏



ما يستفاد من مجموع الآيات السابقة‏:
‏ أفادت إثبات المعية، وأنها نوعان‏:‏


النوع الأول‏:‏
معية عامة كما في الآيتين الأوليين، ومقتضى هذه المعية إحاطته سبحانه بخلقه وعلمه بأعمالهم
خيرها وشرها ومجازاتهم عليها‏.‏

النوع الثاني‏:‏ معية خاصة بعباده المؤمنين ومقتضاها النصر التأييد والحفظ، وهذا النوع تدل عليه الآيات الخمس
الباقية التي أوردها المؤلف ـ رحمه الله ـ‏.‏ ومعيته ليس كقرب المخلوق ومعية المخلوق للمخلوق، فإنه سبحانه
‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ولأن المعية مطلق المقارنة لا تقتضي مماسة ولا محاذاة‏.‏ تقول العرب‏:‏
ما زلنا نمشي والقمر معنا مع أنه فوقهم والمسافة بينهم وبينه بعيدة‏.‏ فعلو الله ـ جل جلاله ـ ومعيته لخلقه لا تنافي بينهما‏.‏
وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@










ام عادل السلفية 24-04-2015 10:35PM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 38 )


21 ـ إثبات الكلام لله تعالى

[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا‏}‏ ‏{‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا‏}‏ ‏{‏إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ‏}‏ ‏{‏وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا‏}‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏{‏مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ‏}‏ ‏{‏وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ‏}‏ ‏{‏وَنَادَيْنَاهُ
مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا‏}‏ ‏{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏{‏وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا
عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ‏}‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى
يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ‏}‏ ‏{‏وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏
‏{‏يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ‏}‏ ‏{‏وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا
مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ‏}‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏‏.‏



[ الشرح ]:

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ لا أحد أصدق منه سبحانه فهو استفهام إنكاري

‏{‏حَدِيثًا‏}‏ أي‏:‏ في حديثه وخبره وأمره ووعده ووعيده
وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا‏}‏ القيل‏:‏ مصدر قال كالقول‏.‏ أي‏:‏ لا أحد أصدق قولًا من الله ـ عز وجل ـ‏.‏


والشاهد من الآيتين الكريمتين أن فيهما إثبات الحديث والقيل لله سبحانه، ففيهما إثبات الكلام له سبحانه‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ‏}‏ أي‏:‏ اذكر ‏{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ‏}‏ جمهور المفسرين ذهب إلى أن هذا
القول منه سبحانه يكون يوم القيامة، وهو توبيخ للذين عبدوا المسيح وأمه من النصارى‏.‏

وهي كالآيتين السابقتين فيهما إثبات القول لله تعالى وأنه يقول إذ شاء‏.‏


وقوله‏:‏ ‏{‏وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا‏}‏ المراد بالكلمة كلامه سبحانه‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏صِدْقًا‏}‏ أي‏:‏ في إخباره سبحانه
‏{‏وَعَدْلًا‏}‏ أي‏:‏ في أحكامه و ‏{‏صدقًا، وعدلًا‏}‏ منصوبان على التمييز، وفي الآية إثبات الكلام لله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ هذا تشريف لموسى ـ عليه السلام ـ بأن الله كلمه أي أسمعه كلامه، ولهذا يقال له‏:
‏ الكليم و‏{‏تَكْلِيمًا‏}‏ مصدر مؤكد لدفع كون التكليم مجازًا‏.



‏ ففي الآية إثبات الكلام لله وأنه كلم موسى -عليه السلام-‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ‏}‏ أي من الرسل عيهم الصلاة والسلام ‏{‏مَّن كَلَّمَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ أسمعه كلامه بلا واسطة
يعني موسى ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام، وكذا آدم كما ورد به الحديث في صحيح ابن حبان‏_.‏ ففي الآية إثبات
الكلام لله تعالى وأنه كلم بعض الرسل‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا‏}‏ أي‏:‏ حصل مجيئه في الوقت الذي واعده الله فيه ‏{‏وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ‏}‏ أي‏:‏ أسمعه
كلامه من غير واسطة، فالآيات فيها إثبات الكلام لله وأنه يتكلم متى شاء سبحانه، وأنه كلم موسى ـ عليه السلام ـ
بلا واسطة‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَادَيْنَاهُ‏}‏ أي‏:‏ نادى الله تعالى موسى ـ عليه السلام ـ‏.‏ والنداء هو الصوت المرتفع ‏{‏مِن جَانِبِ الطُّورِ‏}‏‏:‏
جبل بين مصر ومدين ‏{‏الأَيْمَنِ‏}‏ أي‏:‏ الجانب الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من النار التي رآها جذوة، وليس
المراد أيمن الجبل نفسه فإن الجبال لا يمين لها ولا شمال‏.‏

‏{‏وَقَرَّبْنَاهُ‏}‏ أي‏:‏ أدنيناه حتى كلمناه ‏{‏نَجِيًّا‏}‏ أي‏:‏ مناجيًا، والمناجاة ضد المناداة‏.‏


وفي الآية الكريمة إثبات الكلام لله تعالى وأنه ينادي ويناجي، وهما نوعان من الكلام، فالمناداة بصوت مرتفع
والمناجاة بصوت غير مرتفع‏.‏



وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى‏}‏ أي‏:‏ واتل أو اذكر ذلك ‏{‏ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ‏}‏ النداء هو الدعاء ‏{‏أَنِ ائْتِ‏}‏‏:‏
‏{‏أَنِ‏}‏ يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية، أي‏:‏ اذهب إلى ‏{‏الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ وصفهم بالظلم لأنهم جمعوا
بين الكفر الذي ظلموا به أنفسهم وبين المعاصي التي ظلموا بها غيرهم كاستعبادهم بني إسرائيل وذبح أبنائهم‏.‏
وفي الآية الكريمة‏:‏ إثبات الكلام لله تعالى وأنه ينادي من شاء من عباده ويسمعه كلامه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ‏}‏ أي‏:‏ نادى الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام قائلًا لهما ‏
{‏أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ‏}‏ أي‏:‏ عن الأكل منها‏.‏ وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ، حيث لم يحذرا ما حذرهما
منه‏.‏ وفي الآية الكريمة، إثبات الكلام لله تعالى والنداء منه لآدم وزوجه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ‏}‏ أي‏:‏ ينادي الله سبحانه هؤلاء المشركين يوم القيامة ‏{‏فَيَقُولُ‏}‏ لهم ‏{‏مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ‏}‏
أي‏:‏ ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي، والشاهد من الآية‏:‏ إثبات الكلام لله،
وأنه ينادي يوم القيام‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ الذين أمرت بقتالهم ‏{‏اسْتَجَارَكَ‏}‏ يا محمد، أي‏:‏ طلب جوارك وحمايتك
وأمانك ‏{‏فَأَجِرْهُ‏}‏ أي‏:‏ كن له جارًا ومؤمنًا ‏{‏حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ‏}‏ منك ويتدبره ويقف على حقيقة ما
تدعو إليه‏.‏



والشاهد من الآية‏:‏ أن فيها إثبات الكلام لله تعالى، وأن الذي يتلى هو كلام الله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ اليهود والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ‏{‏يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّه‏}‏ أي‏:‏ التوارة ‏
{‏ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ‏}‏ أي‏:‏ يتأولونه على غير تأويله ‏{‏مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ‏}‏ أي‏:‏ فهموه، ومع هذا يخالفونه على بصيرة ‏{‏وَهُمْ
يَعْلَمُونَ‏}‏ أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله‏.‏

والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات
الكلام لله تعالى وأن التوراة من كلامه تعالى‏.‏ وأن اليهود حرفوها وغيروا فيها وبدلوا‏.‏


وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ‏}‏ ‏{‏يُرِيدُونَ‏}‏ أي‏:‏ المخلفون من
الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين
خرج عام الحديبية ‏

{‏أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ يغيروا كلام الله الذي وعد الله به أهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر ‏{‏قُل لَّن تَتَّبِعُونَا‏}‏
هذا نفي في معنى النهي أي‏:‏ لا تتبعونا ‏{‏كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ وعد الله أهل الحديبية أن غنيمة خيبر
لهم خاصة‏.‏



والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات الكلام لله وإثبات القول له وأن الله سبحانه يتكلم ويقول متى شاء إذا شاء،
وأنه لا يجوز تبديل كلامه سبحانه بل يجب العمل به واتباعه‏.‏



وقوله‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ‏}‏ أمر الله نبيه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه‏.
‏ والوحي‏:‏ هو الإعلام بسرعة وخفاء، وله كيفيات مذكورة في كتب أصول التفسير ‏{‏مِن كِتَابِ رَبِّكَ‏}‏ بيان للذي
أوحي إليه ‏{‏لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِه‏}‏ أي‏:‏ لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل‏.‏



والشاهد من الآية‏:‏ إثبات الكلمات لله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ وهم حملة التوراة والإنجيل ‏{‏أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏ كاختلافهم
في عيسى، فاليهود افتروا في حقه والنصارى غلوا فيه‏.‏

فجاء القرآن بالقول الوسط الحق أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‏.‏


والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات أن القرآن كلام الله تعالى لما تضمنه من الإحاطة بالكتب السابقة، والحكم في
الخلاف بين طوائف أهل الكتاب بالقسط، وهذا لا يكون إلا من عند الله‏.‏

ويستفاد من مجموع الآيات التي ساقها المؤلف‏:‏ إثبات الكلام لله، ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما دل
عليه الكتاب والسنة من أن الله موصوف بالكلام، وكلامه سبحانه من صفاته الذاتية لقيامه به واتصافه به‏.‏

ومن صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته وقدرته فيتكلم إذا شاء كيف شاء بما شاء، ولم يزل متكلمًا ولا يزال متكلمًا
لأنه لم يزل ولا يزال كاملًا والكلام من صفات الكمال‏.‏

ولأن الله وصف به نفسه ووصفه به رسوله‏.‏ وسيأتي ذكر مذهب المخالفين في هذه المسألة مع الرد عليهم إن شاء الله‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@








ام عادل السلفية 24-04-2015 10:37PM

بسم الله الرحمن الرحيم



【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 39 )



22 ـ إثبات تنزيل القرآن من الله تعالى

[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ‏}‏ ‏{‏لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ‏}‏ ‏
{‏وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن
رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ‏}‏‏.‏



[ الشرح ]:

لما أورد المؤلف ـ رحمه الله ـ الآيات الدالة على إثبات الكلام لله تعالى وأن القرآن العظيم من كلامه سبحانه،
شرع في سياق الآيات الدالة على القرآن منزل من عند الله فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهذا‏}‏ الإشارة إلى القرآن الكريم واسم
الإشارة مبتدأ خبره ‏{‏كتاب‏}‏ و‏{‏أنزلنه مبارك‏}‏ صفتان لكتاب، وقد صفة الإنزال لأن الكفار ينكرونها، والمبارك‏:‏
كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية‏.‏


وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ‏}‏ هذا إخبار عن عظمة القرآن
وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب‏.‏ فإنه لو أنزل على جبل مع كونه في غاية القسوة وشدة الصلابة لو فهم هذا
القرآن لخشع وتصدع من خوف الله حذرًا من عقابه‏.‏ فكيف يليق بكم أنها البشر أن لا تلين قلوبكم وتخشع‏.‏
وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ‏}‏ هذا شروع منه سبحانه في ذكر شبهة كفرية حول القرآن الكريم مع الرد
عليها، وقوله‏:‏ ‏{‏بَدَّلْنَا‏}‏ معنى التبديل‏:‏ رفع الشيء مع وضع غيره مكانه، وتبديل الآية‏:‏ رفعها بأخرى غيرها وهو
نسخها بآية سواها ‏{‏قَالُواْ‏}‏ أي‏:‏ كفار قريش الجاهلون للحكمة في النسخ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنتَ‏}‏ يا محمد ‏{‏مُفْتَرٍ‏}‏ أي‏:‏ كاذب
مختلق متقول على الله حيث تزعم أنه أمرك بشيء ثم تزعم أنه أمرك بخلافه، فرد الله عليهم بما يفيد جهلهم فقال‏:‏
‏{‏بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ شيئًا من العلم أصلًا أو لا يعلمون الحكمة في النسخ فإنه مبني على المصالح التي يعلمها
الله سبحانه، فقد يكون في شرع هذا الشيء مصلحة مؤقتة بوقت ثم تكون المصلحة بعد ذلك الوقت في شرع
غيره‏.‏

ولو انكشف الغطاء لهؤلاء الكفرة لعلموا أن ذلك وجه الصواب ومنهج العدل والرفق اللطف‏.‏

ثم رد عليهم في زعمهم أن هذا التبديل من عند محمد وأنه بذلك مفتر على الله، فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏قُلْ نَزَّلَهُ‏}‏
أي‏:‏ القرآن ‏{‏رُوحُ الْقُدُسِ‏}‏ أي‏:‏ جبريل، والقدس‏:‏ الطهر‏.‏ والمعنى‏:‏ نزله الروح المطهر، فهو من إضافة الموصوف
إلى صفته ‏{‏مِن رَّبِّكَ‏}‏ أي‏:‏ ابتداء تنزيله من عند الله سبحانه ‏{‏بِالْحَقِّ‏}‏ في محل نصب على الحال، أي‏:‏ متصفًا
بكونه حقًا ‏{‏لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ‏}‏ على الإيمان فيقولون‏:‏ كل من الناسخ والمنسوخ من عند ربنا‏.‏ ولأنهم إذا
عرفوا ما في النسخ من المصالح ثبتوا على الإيمان ‏{‏وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ‏}‏ معطوفان على محل ليثبت‏.‏
أي تثبيتًا لهم، وهداية وبشرى‏.‏



ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبههم فقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏}‏ أي‏:‏ ولقد نعلم أن هؤلاء
الكفار يقولون‏:‏ إنما يعلم محمدًا القرآن بشر من بني آدم وليس ملكًا من الملائكة‏.‏ وهذا البشر الذي يعمله
كان قد درس التوراة والإنجيل والكتب الأعجمية، لأن محمدًا رجل أمي لا يمكن أن يأتي بما ذكر في القرآن
من أخبار القرون الأولى‏.‏

فرد عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ‏}‏ أي‏:‏ لسان الذي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك يا محمد
أعجمي، أي‏:‏ غير عربي، فهو لا يتلكم العربية ‏{‏وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ وهذا القرآن ذو بلاغة عربية وبيان
واضح، فكيف تزعمون أن بشرًا يعلمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من العجم، وقد عجزتم أنتم عن معارضته
أو معارضة سورة أو سور منه وأنتم أهل اللسان العربي ورجال الفصاحة وقادة البلاغة‏؟‏‏!‏


ما يستفاد من الآيات‏:‏
يستفاد من هذه الآيات الكريمة‏:‏ إثبات أن القرآن منزل من عند الله تعالى، وأنه كلامه جل وعلا
لا كلام غيره من الملائكة أو البشر‏.‏ والرد على من زعم أنه كلام مخلوق‏.‏ وفي الآيات أيضًا إثبات العلو لله سبحانه،
لأن الإنزال لا يكون إلا من أعلى، والله أعلم‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 24-04-2015 10:46PM

بسم الله الرحمن الرحيم






【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 40 )




23 ـ إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة



[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏{‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ‏}‏ ‏{‏عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ‏}‏ ‏{‏لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ‏}‏ ‏{‏لَهُم مَّا
يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ‏}‏ وهذا الباب في كتاب الله كثير‏.‏ ومن تدبر القرآن طلبًا للهدى تبين له طريق الحق‏.‏



[ الشرح ]:

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وُجُوهٌ‏}‏ أي‏:‏ وجوه المؤمنين ‏{‏يَوْمَئِذٍ‏}‏ أي‏:‏ يوم القيامة ‏{‏نَّاضِرَةٌ‏}‏ بالضاد من النضارة وهي البهاء والحسن‏.
‏ أي‏:‏ ناعمة غضة حسنة مضيئة مشرقة ‏{‏إِلَى رَبِّهَا‏}‏ أي‏:‏ خالقها ‏{‏نَاظِرَةٌ‏}‏ أي‏:‏ تنظر إليه بأبصارها كما تواترت به الأحاديث
الصحيحة، وأجمع عليه الصحابة والتابعون وسلف الأمة واتفق عليه أئمة الإسلام‏.‏


فالشاهد من الآية الكريمة‏:‏ إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة‏.
‏ وقوله‏:‏ ‏{‏عَلَى الأَرَائِكِ‏}‏ جمع أريكة
وهي السرر ‏{‏يَنظُرُونَ‏}‏ إلى الله ـ عز وجل ـ‏.‏

وأما الكفار فقد تقدم في الآيات التي قبل هذه الآية أنهم ‏{‏عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ‏}‏
والشاهد من الآية إثبات رؤية المؤمنين لربهم ـ عز وجل ـ‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ‏}‏ بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال والكف عما نهاهم عنه من المعاصي ‏
{‏الْحُسْنَى‏}‏ أي‏:‏ المثوبة الحسنى‏.‏


وقيل‏:‏ الجنة‏.‏ ‏{‏وَزِيَادَةٌ‏}‏ هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما ثبت تفسيرها بذلك عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
في صحيح مسلم وغيره، وكما فسرها بذلك سلف هذه الأمة، وعلى ذلك يكون

الشاهد من الآية الكريمة‏:‏ إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا‏}‏
أي‏:‏ للمؤمنين في الجنة ما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم من فنون النعيم وأنواع الخير ‏{‏وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ زيادة على
ذلك هو النظر إلى وجه الله الكريم‏.‏ وهذا هو الشاهد من الآية الكريمة وهو إثبات النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة‏.‏



ما يستفاد من الآيات الكريمة‏:‏
يستفاد منها إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأنها أعظم النعيم الذي ينالونه‏.‏
وهذا هو قول الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين‏.‏ خلافًا للرافضة والحهمية والمعتزلة الذين ينفون الرؤية يخالفون
بذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها‏.‏ ويعتمدون على شبه واهية وتعليلات باطلة منها‏:‏

1 ـ قولهم‏:‏ إن إثبات الرؤية يلزم منه إثبات أن الله في جهة، ولو كان في جهة لكان جسمًا ـ والله منزه عن ذلك ـ
والجواب عن هذه الشبهة أن نقول‏:‏ لفظ الجهة فيه إجمال‏.‏ فإن أريد بالجهة أنه حال في شيء من مخلوقاته فهذا
باطل والأدلة ترده وهذا لا يلزم من إثبات الرؤية‏.‏ وإن أريد بالجهة أنه سبحانه فوق مخلوقاته فذا ثابت لله سبحانه
ونفيه باطل وهو لا يتنافى مع رؤيته سبحانه‏.‏

2 ـ استدلوا بقوله تعالى لموسى‏:‏ ‏{‏لَن تَرَانِي‏}‏ والجواب عن هذا الاستدلال‏:‏ أن الآية الكريمة واردة في نفي الرؤية
في الدنيا ولا تنفي ثبوتها في الآخرة كما ثبت في الأدلة الأخرى‏.‏ وحالة الناس في الآخرة تختلف عن حالتهم في الدنيا‏.‏


3 ـ استدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ‏}‏ والجواب عن هذا الاستدلال‏:‏ أن الآية إنما فيها نفي الإدراك وليس
فيها نفي الرؤية‏.‏ والإدراك معناه الإحاطة، فالله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون ولا يحيطون به، بل نفي الإدراك يلزم
منه وجود الرؤية‏.‏ فالآية من أدلة إثبات الرؤية والله تعالى أعلم‏.‏

وقول المؤلف ـ رحمه الله ـ‏:‏ ‏(‏وهذا الباب في كتاب الله كثير‏)‏ أي‏:‏ باب إثبات أسماء الله وصفاته في القرآن كثير
وإنما ذكر المؤلف بعضه‏.‏ فقد ورد في آيات كثيرة من كتاب الله إثبات أسماء الله وصفاته على ما يليق به ‏(‏ومن تدبر
القرآن‏)‏ أي‏:‏ تفكر فيه وتأمل ما يدل عليه من الهدى ‏(‏تبين له طريق الحق‏)‏ أي‏:‏ اتضح له سبيل الصواب وتدبر
القرآن هو المطرب من تلاوته قال تعالى‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ‏}‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ‏}‏‏.



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@








ام عادل السلفية 26-04-2015 04:08AM

بسم الله الرحمن الرحيم



【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 41 )


الاستدلال على إثبات أسماء الله وصفاته من السنة


[ المتن ] :

ثم في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه‏.‏


[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏ثم في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ هذا عطف على قوله فيما سبق‏:‏ ‏(‏وقد دخل في هذه الجملة
ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ أي‏:‏ ودخل فيها ما وصف به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه
فيما وردت به السنة الصحيحة‏.‏ لأن السنة هي الأصل الثاني الذي يجب الرجوع إليه بعد كتاب الله ـ عز وجل
ـ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ الآية ‏(‏59‏)‏ من سورة النساء‏.‏ والرد إلى الله هو الرجوع
إلى كتابه، والرد إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد وفاته هو الرجوع إلى سنته‏.‏ والسنة لغة‏:‏ الطريقة،
واصطلاحًا‏:‏ هي ما ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قول أو فعل أو تقرير‏.‏



مكانة السنة

قال‏:‏ ‏(‏فالسنة تفسر القرآن‏)‏ أي‏:‏ تبين معانيه ومقاصده‏.‏ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبين للناس ما أنزل إليه‏.‏
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ‏}‏ الآية ‏(‏44‏)‏ من سورة النحل‏.‏

والسنة أيضًا‏:‏ ‏(‏تبين القرآن‏)‏ أي‏:‏ توضح مجمله كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغالب الأحكام التي تأتي مجملة
في القرآن وتبينها السنة النبوية‏.‏

والسنة أيضًا‏:‏ ‏(‏تدل على القرآن وتعبر عنه‏)‏ أي‏:‏ تدل على ما دل عليه القرآن وتعبر عما عبر عنه القرآن، فتكون
موافقة للقرآن فيكون الحكم مما دل عليه الكتاب والسنة كأسماء الله وصفاته‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 27-04-2015 04:32AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 42 )



[ المتن ] :

وما وصف الرسول به ربه ـ عز وجل ـ من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك‏.‏


[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏وما وصف إلخ‏)‏‏:‏ مبتدأ خبره قوله‏:‏ ‏(‏وجب الإيمان بها كذلك‏)‏ أي‏:‏ كما يجب الإيمان بما وصف الله به نفسه
في القرآن الكريم‏.‏ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما وصفه ربه ـ عز وجل ـ بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ
هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‏}‏‏.‏ فالسنة التي نطق بها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحي من الله كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلَ
اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏ فالكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة‏.‏



فيجب الإيمان بما ورد في السنة لاسيما في باب الاعتقاد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانتَهُوا‏}‏‏.‏

لكن لابد في قبول الحديث والإيمان به من ثبوته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولهذا قال الشيخ ـ رحمه الله ـ‏:‏
‏(‏من الأحاديث الصحاح‏)‏‏:‏ والصحاح جمع صحيح‏.‏ والحديث الصحيح‏:‏ هو ما نقله راو عدل تام الضبط عن مثله
من غير شذوذ ولا علة‏.‏



فهو ما اجتمع فيه خمسة شروط‏:‏
عدالة الرواه‏.‏ ضبطهم‏.‏ اتصال السند‏.‏ سلامته من العلة‏.‏ سلامته من الشذوذ‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏تلقاها أهل المعرفة‏)‏ أي‏:‏ قبلها وأخذ بها أهل العلم بالحديث فلا عبرة بغيرهم‏.

‏ ثم ذكر الشيخ أمثلة مما ورد في السنة من صفات الله ـ عز وجل ـ


------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 27-04-2015 11:09PM

بسم الله الرحمن الرحيم



【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 43 )




1 ـ ثبوت النزول الإلهي إلى سماء الدنيا على ما يليق بجلال الله


[ المتن ] :

فمن ذلك مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول‏:‏
من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من يسألني فأعطيه‏؟‏ من يستغفرني فأغفر له‏؟‏‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا‏)‏ أي‏:‏ نزولًا يليق بجلاله نؤمن به، ولا نشبهه بنزول المخلوق لأنه سبحانه ‏{‏ليس كمثله شيء‏}‏‏.‏ ‏
(‏إلى سماء الدنيا‏)‏ أي‏:‏ السماء الدنيا من إضافة الموصوف إلى صفته،
(‏حين يبقى ثلث الليل الآخر‏)‏ برفع الآخر
صفة لثلث، وفي هذا تعيين لوقت النزول الإلهي .

قوله‏:‏ ‏(‏فأستجيب له‏)‏ أي‏:‏ أجيب دعوته‏.‏


والشاهد من الحديث‏:‏ أن فيه ثبوت النزول الإلهي‏.
‏ وهو من صفات الأفعال وفي الحديث أيضًا إثبات العلو لله تعالى‏.
فإن النزول يكون من العلو، وفيه الرد
على من أول الحديث بأن معناه نزول رحمته أو أمره‏.

لأن الأصل الحقيقة وعدم الحذف‏.‏ ولأنه قال‏:‏ ‏(‏من يدعوني فأستجيب له‏)‏ فهل يعقل أن تقول رحمته أو أمره
هذا المقال‏؟‏‏!‏‏.‏


وفي الحديث إثبات الكلام لله تعالى حيث جاء فيه‏:‏ ‏(‏فيقول إلخ‏.‏‏.‏ ‏)‏ وفيه إثبات الإعطاء والإجابة والمغفرة لله
سبحانه وهي صفات أفعال‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏متفق عليه‏)‏ أي‏:‏ بين البخاري ومسلم‏.



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 28-04-2015 09:09PM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 44 )




2 ـ إثبات أن الله يفرح ويضحك


[ المتن ] :

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لله أشد فرح بتوبة عبده من أحدكم براحلته‏)‏ الحديث‏.‏ متفق عليه‏.‏ وقوله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة‏)‏ متفق عليه‏.‏



[ الشرح ]:

‏(‏لله‏)‏ اللام لام الابتداء ‏(‏أشد فرحًا‏)‏ منصوب على التمييز، والفرح في اللغة‏:‏ السرور ولذة القلب ‏(‏بتوبة عبده‏)‏ التوبة‏:
‏ هي الإقلاع عن الذنب والرجوع إلى الطاعة ‏(‏براحلته‏)‏ الراحلة الناقة التي تصلح أن ترحل‏.‏ ‏

(‏الحديث‏)‏ منصوب بفعل مقدر أي‏:‏ أكمل الحديث، لأن المصنف اقتصر على الشاهد منه، وهو إثبات الفرح لله
سبحانه على ما يليق بجلاله، وهو صفة كمال لا يشبهه فرح أحد من خلقه بل هو كسائر صفاته‏.‏ وهو فرح
إحسان وبر ولطف لا فرح محتاج إلى توبة عبده ينتفع بها، فإنه سبحانه لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية
العاصي‏.‏



وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يضحك الله إلى رجلين‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ قد بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر الحديث
سبب ذلك في قوله‏:‏ ‏(‏يقاتل هذا في سبيل الله ـ عز وجل ـ فيستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله
ـ عز وجل ـ فيستشهد‏)‏ وهذا من كمال إحسان الله سبحانه وسعة رحمته، فإن المسلم يقاتل في سبيل الله فيقتله الكافر
فيكرم الله المسلم بالشهادة، ثم يمن الله على ذلك الكافر القاتل فيهديه للإسلام فيدخلان الجنة جميعًا‏.‏

فهذا أمر عجيب، والضحك يكون من الأمور المعجبة التي تخرج عن نظائرها‏.‏


والشاهد من الحديث‏:‏
إثبات الضحك لله سبحانه وهو صفة من صفاته الفعلية التي تثبتها له على ما يليق بجلاله وعظمته ليس كضحك
المخلوق‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf









ام عادل السلفية 29-04-2015 11:11PM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 45 )



3 ـ إثبات أن الله يعجب ويضحك


[ المتن ] :


وقوله‏:‏ ‏(‏عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب‏)‏
حديث حسن‏.‏



[ الشرح ]:

(‏عجب ربنا‏)‏ قال في المصباح‏:‏ التعجب يستعمل على وجههين
أحدهما‏:‏ ما يحمده الفاعل، ومعناه الاستحسان
والإخبار عن رضاه به‏.‏

والثاني‏:‏ ما يكرهه ومعناه الإنكار والذم له‏.‏
‏(‏من قنوط عباده‏)‏ القنوط‏:‏ شدة اليأس من الشيء‏.‏ والمراد هنا اليأس من نزول المطر وزوال القحط ‏(‏وقرب غيره‏)‏ غيره
بكسر الغين وفتح الياء، أي‏:‏ تغييره الحال من شدة إلى رخاء‏.‏ ‏

(‏ينظر إليكم أزلين‏)‏ الأزل بسكون الزاي‏:‏ الضيق‏.
‏ وقد أزل الرجل بأزل أزلًا صار في ضيق وجدب‏.‏



‏(‏فيظل يضحك‏)‏‏:‏ هذا من صفاته الفعلية التي لا يشبهه فيها شيء من مخلوقاته، ففي الحديث إثبات صفتين
من صفات الله الفعلية هما العجب والضحك وهما صفتان تلقيان بجلاله ليستا كعجب المخلوق وضحك المخلوق‏.

‏ وفي الحديث أيضًا إثبات النظر لله سبحانه، وهو من صفاته الفعلية أيضًا‏.‏
فإنه ينظر إلى عباده ولا يخفى عليه
شيء في الأرض ولا في السماء‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 02-05-2015 01:30AM

بسم الله الحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 46 )



4 ـ إثبات الرجل والقدم لله سبحانه


[ المتن ] :

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول‏:‏ هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها رجله ـ
وفي رواية‏:‏ عليها قدمه ـ فينزوي بعضها إلى بعض فتقول‏:‏ قط قط‏)‏ متفق عليه‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏لا تزال جهنم‏)‏ جهنم‏:‏ اسم من أسماء النار، قيل‏:‏ سميت بذلك لبعد قعرها، وقيل‏:‏ لظلمتها، من الجهومة
وهي الظلمة‏.‏ ‏(‏يلقى فيها‏)‏ أي‏:‏ يطرح فيها أهلها‏.‏ ‏(‏وهي تقول‏:‏ هل من مزيد‏)‏ أي‏:‏ تطلب الزيادة لسعتها وقد وعدها
الله أن يملأها ‏(‏حتى يضع رب العزة فيها رجله‏)‏ لما كانت النار في غاية الكبر والسعة وقد وعدها الله ملأها، وكان
مقتضى رحمته سبحانه أن لا يعذب أحدًا بغير جرم حقق وعده ووضع عليها رجله‏.‏ ‏(‏فينزوي بعضها إلى بعض‏)‏
أي‏:‏ ينضم بعضها إلى بعض ويتلاقى طرفاها ولا يبقى فيها فضل عن أهلها ‏(‏فتقول‏:‏ قط قط‏)‏ أي‏:‏ حسبي ويكفيني‏.‏



والشاهد من الحديث‏:‏ أن فيه إثبات الرجل والقدم لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه، وهو من صفات الذات
كالوجه واليد‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏



وقد غلط في تفسير هذا الحديث المعطلة حيث قالوا‏:‏ ‏(‏قدمه‏)‏‏:‏ نوع من الخلق‏.‏ وقالوا‏:‏ ‏(‏رجله‏)‏‏:‏ جماعة من
الناس كما يقال‏:‏ رجل جراد‏.‏ والرد على هذا أن يقال إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ حتى ‏(‏يضع‏)‏ ولم يقل‏:‏
حتى يلقي، كما قال في أول الحديث‏:‏ ‏(‏يلقي فيها‏)‏‏.‏ وأيضًا القدم لا يصح تفسيره بالقوم لا حقيقة ولا مجازًا‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 03-05-2015 12:20AM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 47 )



5 ـ إثبات النداء والصوت والكلام لله تعالى


[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ يا آدم، فيقول‏:‏ لبيك وسعديك، فينادي بصوت‏:‏ إن الله يأمرك أن تخرج
من ذريتك بعثًا إلى النار‏)‏ متفق عليه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان‏)‏‏ .


[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏لبيك وسعديك‏)‏ لبيك أي‏:‏ أنا مقيم على طاعتك من ألب بالمكان إذا أقام، وهو منصوب على المصدر‏.‏

وثني للتأكيد، وسعديك‏:‏ من المساعدة وهي المطاوعة، أي‏:‏ مساعدة في طاعتك بعد مساعدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فينادي‏)‏ بكسر الدال والمنادى هو الله تعالى ‏(‏بصوت‏)‏ تأكيد
لقوله‏:‏ ‏(‏ينادى‏)‏ لأن النداء لا يكون إلا
صوت، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكلم الله موسى تكليما‏}‏‏.‏



وقوله‏:‏ ‏(‏بعثًا إلى النار‏)‏ البعث هنا بمعنى المبعوث الموجه إليها‏.
‏ ومعنى ذلك‏:‏ ميز أهل النار
من غيرهم‏.‏



والشاهد من الحديث‏:‏

أن فيه إثبات القول من الله والنداء بصوت يسمع، وأن ذلك سيحصل يوم القيامة، ففيه أن الله يقول وينادي
متى شاء وكما يشاء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ما منكم من أحد‏)‏ الخطاب للصحابة وهو عام لجميع المؤمنين
‏(‏إلا سيكلمه ربه‏)‏ أي‏:‏ بلا واسطة
‏(‏ليس بينه وبينه ترجمان‏)‏

الترجمان‏:‏ من يعبر بلغة عن لغة‏.‏ أي‏:‏ ينقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى‏.‏


والشاهد من الحديث
‏:

‏ أن فيه إثبات تكليم الله سبحانه لعباده‏.‏ وأنه سبحانه يتكلم إذا شاء‏.‏ فكلامه من صفاته الفعلية‏.‏ وأنه يكلم كل
مؤمن يوم القيامة‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf







ام عادل السلفية 04-05-2015 01:20AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 48 )



6-إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه


[ المتن ] :

وقوله في رقية المريض‏:‏ ‏(‏ربنا الله الذي في السماء تقدس اسم، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء،
اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك
على هذا الوجع فيبرأ‏)‏ حديث حسن رواه أبو داود وغيره‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء‏)‏ حديث صحيح.
وقوله‏:‏ ‏(‏والعرش فوق ذلك والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه‏)‏ حديث حسن رواه أبو داود وغيره


وقوله للجارية‏:‏ ‏(‏أين الله‏؟‏ قالت‏:‏ في السماء‏.‏ قال‏:‏ من أنا‏؟‏ قالت‏:‏ أنت رسول الله‏.‏ قال‏:‏ أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏
رواه مسلم‏.‏



[ الشرح ]:

‏(‏في رقبة المريض‏)‏ أي‏:‏ القراءة على المريض طلبًا لشفائه، وهي مشرعة إذا كانت بالقرآن والأدعية المباحة،
وممنوعة إذا كانت بألفاظ شركية أو أعمال شركية‏.‏

‏(‏ربنا الله الذي في السماء‏)‏ أي‏:‏ على السماء ، ففي هنا بمعنى على كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ‏}‏ الآية ‏ من سورة التوبة‏.‏
أي‏:‏ على الأرض‏.‏ ويجوز أن تكون‏.‏ في للظرفية على بابها ويكون المراد بالسماء مطلق العلو‏.‏


‏(‏تقدس اسمك‏)‏ أي‏:‏ تقدست أسماؤك عن كل نقص فهو مفرد مضاف فيعم جميع أسماء الله‏.‏


‏(‏أمرك في السماء والأرض‏)‏ أي‏:‏ أمرك الكوني القدري الذي ينشأ عنه جميع المخلوقات والحوادث، ومنه قوله تعالى‏:‏
‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ الآية ‏(‏82‏)‏ من سورة يس‏.‏ وأمرك الشرعي المتضمن للشرائع
التي شرعها لعباده‏.‏



‏(‏كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض‏)‏ هذا توسل إليه برحمته التي شملت أهل السموات كلهم أن
يجعل لأهل الأرض منها نصيبًا‏.



‏ ‏(‏اغفر لنا حوبنا وخطايانا‏)‏ هذا طلب للمغفرة وهي الستر ووقاية الإثم، ومنه المغفر الذي يلبس على الرأس
لستره ووقايته من الضرب‏.‏



والحوب‏:‏ الإثم، والخطايا هي الذنوب‏.‏


‏(‏أنت رب الطيبين‏)‏ هذا توسل آخر، والطيبين جمع طيب وهم النبيون وأتباعهم‏.‏ وإضافة ربوبيته لهؤلاء إضافة
تشريف وتكريم وإلا هو سبحانه رب كل شيء‏. ومليكه

‏(‏أنزل رحمة من رحمتك‏)‏ أي‏:‏ الرحمة المخلوقة‏.‏ فإن رحمة الله نوعان،
النوع الأول‏:‏ رحمته التي هي صفة من
صفاته كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ الآية ‏(‏156‏)‏ من سورة الأعراف‏.‏



النوع الثاني‏:‏ رحمة تضاف إليه سبحانه من إضافة المخلوق إلى خالقه كالمذكورة في هذا الحديث‏.‏ وكما
في حديث‏:‏ ‏(‏خلق الله مائة رحمة‏) الحديث‏.‏

فطلب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ربه إنزال هذه الرحمة على المريض لحاجته إليها ليشفيه بها‏.‏


والشاهد من الحديث‏:‏ أن فيه إثبات العلو لله تعالى وأنه في السماء والعلو صفة ذاتية كما سبق‏.‏ كما أن في الحديث
التوسل إلى الله تعالى بالثناء عليه بربوبيته وإلهيته وقدسيته وعلوه وعموم أمره وبرحمته، ثم في الحديث طلب
المغفرة من الله وشفاء المرض‏.‏



وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ألا تأمنوني‏)‏ هذا خطاب منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن اعترض عليه
في بعض قسمته المال‏.‏


وألا‏:‏ أداة استفتاح وتنبيه، وتأمنوني ـ من الأمانة ـ وهي عدم المحاباه والخيانة، أي‏:‏ ألا تأمنوني في قسمة المال
‏(‏وأنا أمين من في السماء‏)‏ وهو الله سبحانه قد ائتمنني على وحيه ورسالته وتبليغ شرعة، وكفى بذلك شهادة على
أمانته وصدقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.



والشاهد من الحديث‏:‏

أن فيه إثبات العلو لله سبحانه‏.‏ حيث قال‏:‏ ‏(‏من في السماء‏)‏ وسبق شرح الجملة قريبًا‏.‏



وقوله‏:‏ ‏(‏والعرش فوق ذلك‏)‏ تقدم تفسير العرش
وقوله‏:‏ ‏(‏فوق ذلك‏)‏ أي‏:‏ فوق المخلوقات التي بينها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه في الحديث الذي
ذكر فيه بعد ما بين السماء والأرض، وما بين كل سماء وسماء وكثف كل سماء والبحر الذي فوق السماء السابعة
وما بين أسفله وأعلاه، وما فوق ذلك البحر من الأوعال الثمانية العظيمة ثم فوق ذلك العرش

‏(‏والله فوق العرش‏)‏ أي‏:‏ مستو عليه استواء يليق بجلاله ‏(‏وهو يعلم ما أنتم عليه‏)‏ بعلمه المحيط الذي لا يخفى
عليه شيء‏.‏



والشاهد من الحديث‏:‏

إثبات علو الله على عرشه وأن عرشه فوق المخلوقات كلها وأن علم الله سبحانه محيط بأعمال العباد
لا يخفى عليه منها شيء‏.‏

‏(‏وقوله للجارية‏)‏ أي‏:‏ أمة معاوية بن الحكم حينما غضب عليها سيدها معاوية فلطمها، ثم ندم وأخبر رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال‏:‏ أفلا أعتقها‏؟‏ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏بلى جئني بها‏)‏‏.



‏ فأتى بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لها‏:‏ ‏(‏أين الله‏؟‏ ‏)‏ فيه دليل على جواز السؤال عن الله بأين‏.‏
‏(‏قالت‏:‏ في السماء‏)‏ أي‏:‏ الله سبحانه في السماء‏.‏ وتقدم تفسير هذه الكلمة ‏(‏قال‏)‏ لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضًا‏:‏ ‏
(‏من أنا‏؟‏‏)‏ سألها عن اعتقادها فيه ‏
(‏قالت‏:‏ أنت رسول الله‏)‏ فأقرت له بالرسالة ‏
(‏قال‏)‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسيدها‏:‏
‏(‏أعتقها فإنها مؤمنة‏)‏ فيه دليل على أن من شهد هذه الشهادة أنه مؤمن وأن العق يشترط له الإيمان‏.‏


والشاهد من الحديث‏:‏

أن فيه دليلًا على علو الله على خلقه فوق سماواته، وأنه يشار إليه في جهة العلو إشارة حسية‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf







ام عادل السلفية 05-05-2015 07:41PM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 49 )




7 ـ إثبات معية الله تعالى لخلقه وأنها لا تنافي علوه فوق عرشة


[ المتن ] :


وقوله‏:‏ ‏(‏أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك أينما كنت‏)‏ حديث حسن أخرجه الطبراني من حديث عبادة بن
الصامت‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه، ولا عن يمينه ولكن عن يساره
أو تحت قدمه‏)‏ متفق عليه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق
الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها‏.‏
أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء‏.‏ وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‏.‏ وأنت الباطن
فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر‏)‏ رواه مسلم‏.‏ وقوله لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر‏:‏
‏(‏أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا إن الذي
تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‏)‏ متفق عليه‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏أفضل الإيمان‏)‏ أي‏:‏ من أفضل خصاله، وفي هذا دليل على أن الإثمان يتفاضل ‏(‏أن تعلم أن الله معك‏)‏
أي‏:‏ يعلمه واطلاعه ‏(‏حيثما كنت‏)‏ أي‏:‏ في أي مكان وجدت‏.‏ فمن علم ذلك استوت علانيته وسريرته فهابه
في كل مكان ‏(‏أخرجه الطبراني‏)‏ أبو القاسم سليمان اللخمي أحد الحفاظ المكثرين‏.‏ وقد روى هذا
الحديث في المعجم الكبير‏.‏



وفي الحديث دليل على إثبات معية الله لخلقه بعلمه وإحاطته بأعمالهم وأنه يجب على العبد أن يتذكر
ذلك دائما فيحسن عمله‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة‏)‏ أي‏:‏ إذا شرع فيها ‏(‏فلا يبصق أي‏:‏ لا يتفل ‏(‏قبل وجهه‏)‏ أي أمامه ‏(‏قبل
بكسر القاف وفتح الباء ‏(‏فإن الله قبل وجهه‏)‏ هذا تعليل للنهي عن البصاق في قبله المصلي بأن الله سبحانه
‏(‏قبل وجهه‏)‏ أي‏:‏ مواجهه وهذه المواجهة كما يليق بالله سبحانه لا يلزم منها أنه سبحانه مختلط بخلقه بل هو
فوق سمواته مستو على عرشه وهو قريب من خلقه محيط بهم‏.‏ ‏(‏ولا عن يمينه‏)‏ أي‏:‏ ولا يبصق المصلى عن
يمينه تشريفًا لليمين ولأن الملكين عن يمينه كما في رواية للبخاري ‏(‏ولكن عن يساره أو تحت قدمه‏)‏ أي‏:‏
ولكن ليبصق المصلي في جهة يسارة أو يبصق تحت قدمه‏.‏


والشاهد من الحديث‏:

أن فيه إثبات قرب الله سبحانه من عبده المصلي وإقباله عليه وهو سبحانه فوقه‏.‏

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏اللهم رب السموات السبع‏)‏ اللهم أصله‏:‏ يا الله‏.‏ فالميم عوض عن ياء النداء‏.‏
رب السموات السبع‏.‏ أي‏:‏ خالقها ومالكها‏.‏ ‏(‏ورب العرش العظيم‏)‏ أي‏:‏ الكبير الذي لا يقدر قدره إلا الله فهو
أعظم المخلوقات‏.‏ وتقدم تفسير ‏(‏ربنا ورب كل شيء‏)‏ أي‏:‏ خالقنا ورازقنا وخالق كل شيء ومالكه ففيه
إثبات ربوبيته لكل شيء ‏(‏فالق الحب والنوى‏)‏ أي‏:‏ شاق حب الطعام ونوى التمر للإثبات ‏(‏منزل التوراة‏)‏
على موسى ‏(‏والإنجيل‏)‏ على عيسى ‏(‏والقرآن‏)‏ على محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام وفي ذلك دليل
على فضل هذه الكتب وأنها منزلة من الله تعالى‏.‏



‏(‏أعوذ‏)‏ أي‏:‏ ألتجئ وأعتصم ‏(‏بك‏)‏ يا الله ‏(‏من شر كل دابة‏)‏ أي‏:‏ كل ما دب على وجه الأرض ‏(‏أنت آخذ
بناصيتها‏)‏ الناصية مقدم الرأس، أي‏:‏ هي تحت قهرك وسلطانك تصرفها كيف تشاء، لتصرف شرها عني‏.‏

‏(‏أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت
الباطن فليس دونك شيء‏)‏ هذه الأسماء الأربعة‏:‏ اسمان لأزليته وأبديته وهما ‏(‏الأول والآخر‏)‏ واسمان لعلوه
وقربه وهما ‏(‏الظاهر والباطن‏)‏‏.‏


وهما محل الشاهد من الحديث‏:‏ لأن فيهما إثبات علو الله وقربه، وأنهما لا يتنافيان ولا يتناقضان فهو
قريب في علوه علي في دنوه‏.‏

‏(‏اقض عني الدين‏)‏ أي‏:‏ أد عني حقوق الله وحقوق الخلق، وفي هذا التبريء من الحول والقوة، ‏(‏وأغنني من
الفقر‏)‏ الفقر‏:‏ الحاجة والفقير‏:‏ هو من لا يجد شيئًا، أو يجد بعض الكفاية‏.‏ وفي الحديث أيضًا مشروعية التوسل
إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته في قضاء الحاجة وإجابة الدعاء‏.‏

‏(‏وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لما رفع الصحابه أصواتهم بالذكر‏)‏ وذلك في غزوة خيبر كما جاء في بعض طرق الحديث وأن الذكر الذي
رفعوا به أصواتهم هو التكبير‏:‏ الله أكبر لا إله إلا الله‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏اربعوا‏)‏ أي‏:‏ ارفقوا ‏(‏فإنكم‏)‏ تعليل للأمر بالرفق ‏(‏لا تدعون أصم ولا غائبًا‏)‏ لا يسمع دعاءكم ولا يراكم
فنفي الآفة المانعة من السمع، والآفة المانعة من النظر، وأثبت ضدهما فقال‏:‏ ‏(‏إنما تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا‏)‏
فلا داعي لرفع الصوت ‏(‏إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‏)‏ فهو قريب ممن دعاه وذكره‏.‏
فلا حاجة لرفع الأصوات وهو قريب يسمعها إذا خفضت كما يسمعها إذا رفعت‏.‏


والشاهد من الحديث‏:‏

أن فيه إثبات قرب الله سبحانه من داعيه، يسمع الأصوات الخفية كما يسمع
الأصوات الجهرية‏.‏ فأفادت هذه الأحاديث جميعًا إثبات معية الله لخلقه وقربه منهم وسماعه لأصواتهم ورؤيته
لحركاتهم‏.‏ وذلك لا ينافي علوه واستواءه على عرشه وقد تقدم الكلام على المعية وأنواعها وشواهدها من
القرآن الكريم مع تفسير تلك الشواهد‏.‏ والله أعلم‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf











ام عادل السلفية 06-05-2015 08:54AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 50 )




8 ـ إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة


[ المتن ] :

وقوله‏:‏ ‏(‏إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على
صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا‏)‏ متفق عليه‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏إنكم سترون ربكم‏)‏ الخطاب للمؤمنين‏.‏ والسين للتنفيس ويراد بها التأكيد،
وقوله‏:‏ ‏(‏ترون ربكم‏)‏ أي‏:‏ تعاينونه بأبصاركم، والأحاديث الواردة بإثبات رؤية المؤمنين لربهم متواترة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما ترون القمر ليلة البدر‏)‏ أي‏:‏ ليلة كماله، وهي الليلة الرابعة عشرة من الشهر‏.‏ فإنه في تلك الليلة
يكون قد امتلأ نورًا‏.‏

والمراد من هذا التشبيه تحقيق الرؤية وتأكيدها ونفي المجاز عنها‏.‏ وهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا تشبيه للمرئي بالمرئي
لأنه سبحانه‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لا تضامون في رؤيته‏)‏ بضم التاء وتخفيف الميم أي‏:‏ لا يلحقكم ضيم، أي‏:‏ ظلم بحيث يراه بعضكم دون بعض‏.‏


وروي بفتح التاء وتشديد الميم، من التضام، أي‏:‏ لا ينضم بعضكم إلى بعض لأجل رؤيته‏.‏ والمعنى على هذه
الرواية‏:‏ لا تجتمعون في مكان واحد لرؤيته فيحصل بينكم الزحام‏.‏


والمعنى على الروايتين‏:‏ أنكم ترونه رؤية
محققة كل منكم يراه وهو في مكانه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فإن استطعتم أن لا تغلبوا‏)‏ أي‏:‏ لا تصيروا مغلوبين، ‏(‏على
صلاة قبل طلوع الشمس وهي صلاة الفجر ‏(‏وصلاة قبل غروبها‏)‏ وهي صلاة العصر ‏(‏فافعلوا‏)‏ أي‏:‏ حافظوا على
هاتين الصلاتين في الجماعة في أوقاتهما‏.‏ وخص هاتين الصلاتين لاجتماع الملائكة فيهما، فهما أفضل الصلوات
فناسب أن يجازي من حافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى وجه الله تعالى‏.‏



والشاهد من الحديث‏:‏ أن فيه إثبات رؤية المؤمنين لربهم عيانًا يوم القيامة‏.‏ وقد تقدم ذكر من خالف في ذلك
مع الرد عليه‏.‏ عند الكلام على تفسير الآيات التي فيها إثبات الرؤية والله أعلم‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 09-05-2015 05:25AM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 51 )





[ المتن ] :

موقف أهل السنة من هذه الأحاديث التي فيها إثبات الصفات الربانية

إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر
فيها رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ عن ربه بما يخبر به‏.‏ فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك،
كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه من غير تحريف ولا تعطيل‏.‏ ومن غير تكييف ولا تمثيل‏.‏



[ الشرح ]:

هذا بيان لموقف أهل السنة والجماعة من أحاديث الصفات الواردة عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ أنه كموقفهم
من آيات الصفات الواردة في القرآن سواء‏.‏ وهو الإيمان بها واعتقاد ما دلت عليه على حقيقته‏.‏ لا يصرفونها عن
ظاهرها بأنواع التأويل الباطل‏.‏ ولا ينفون ما دلت عليه فيعطلونها‏.‏ ولا يشبهون الصفات المذكورة فيها بصفات المخلوقين
لأن الله ‏(‏ليس كمثله شيء‏)‏‏.‏


وهم بذلك يخالفون طريقة المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين كان موقفهم من هذه النصوص موقف
المنكر لها أو المؤول لما دلت عليه، وبخلاف المشبهة الذين غلوا في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه‏.‏ ‏(‏تعالى الله
عما يقولون علوًا كبيرًا‏)‏‏.‏ مكانة أهل السنة والجماعة بين فرق الأمة بل هم الوسط في فرق الأمة‏.‏ كما
أن الأمة هي الوسط في الأمم‏.



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 09-05-2015 05:34AM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 52 )




فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة وهم وسط في باب
أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم وفي باب وعيد الله بين المرجئة والعيدية من القدرية وغيرهم‏.‏
وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي باب أصحاب رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين الرافضة والخوارج‏.‏



لما بين الشيخ ـ رحمه الله ـ موقف أهل السنة والجماعة من النصوص الواردة في الكتاب والسنة في صفات الله تعالى
، أراد أن يبين مكانتهم بين فرق الأمة حتى يعرف قدرهم وفضلهم بمقارنتهم بغيرهم‏.‏

فإن الضد يظهر حسنه الضد ** وبضدها تتبين الأشياء
قال ـ رحمه الله ـ‏:‏ ‏(‏بل هم الوسط في فرق الأمة‏)‏ قال في المصباح المنير‏:‏ الوسط بالتحريك‏:‏ المعتدل والمراد
بالوسط هنا العدل الخيار‏.‏ قال تعالى في الآية ‏(‏143‏)‏ من سورة البقرة‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏‏.‏


فأهل السنة وسط بمعنى أنهم عدول خيار‏.‏ وبمعنى أنهم متوسطون بين فريقي الإفراط والتفريط، فهم وسط بين
الفرق المنتسبة للإسلام، كما أن الأمة الإسلامية وسط بين الأمم‏.‏ فهذه الأمة وسط بين الأمم التي تميل إلى الغلو
والإفراط والأمم التي تميل إلى التفريط والتساهل‏.‏ وأهل السنة والجماعة من هذه الأمة وسط بين فرق الأمة
المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم فغلا بعضها وتطرف، وتساهل بعضها وانحرف‏.‏


ثم بين الشيخ ـ رحمه الله ـ تفصيل ذلك فقال‏:‏ ‏(‏فهم‏)‏ أي‏:‏ أهل السنة والجماعة

أولًا‏:
‏ ‏(‏وسط في باب صفات
الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية، وأهل التمثيل‏)‏ فالجهمية ‏(‏نسبة إلى الجهم بن صفوان الترمذي‏)‏
هؤلاء غلوا وأفرطوا في التنزيه حتى نفوا أسماء الله وصفاته حذرًا من التشبيه بزعمهم، وبذلك سموا معطلة‏.‏
لأنهم عطلوا الله من أسمائه وصفاته‏.‏


‏(‏وأهل التمثيل المشبهة‏)‏ سموا بذلك لأنهم غلوا وأفرطوا في إثبات الصفات حتى شبهوا الله بخلقه ومثلوا صفاته
بصفاتهم ‏(‏تعالى الله عما يقولون‏)‏‏.‏ وأهل السنة توسطوا بين الطرفين فأثبتوا صفات الله على الوجه اللائق بجلاله
من غير تشبيه ولا تمثيل، فلم يغلوا في التنزيه ولم يغلوا في الإثبات‏.‏ بل نزهوا الله بلا تعطيل وأثبتوا له الأسماء والصفات
بلا تمثيل‏.‏


ثانيًا‏:‏ وأهل السنة والجماعة ‏(‏وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية‏)‏ فالجبرية‏:‏ ‏(‏نسبة إلى الجبر لأنهم
يقولون إن العبد مجبور على فعله‏)‏ فهم غلوا في إثبات أفعال الله حتى نفوا أفعال العباد، وزعموا أنهم لا يفعلون
شيئًا وإنما الله هو الفاعل والعبد مجبور على فعله فحركاته وأفعاله كلها اضطرارية كحركات المرتعش،
وإضافة الفعل إلى العبد مجاز‏.‏


‏(‏والقدرية‏)‏ نسبة إلى القدر غلوا في إثبات أفعال العباد فقالوا‏:‏ إن العبد يخلق فعل نفسه بدون مشيئة الله وإرادته،
فأفعال العباد لا تدخل تحت مشيئة الله وإرادته، فالله لم يقدرها ولم يردها وإنما فعلوها هم استقلالًا‏.‏ وأهل السنة
توسطوا، وقالوا‏:‏ للعبد اختيار ومشيئة وفعل يصدر منه ولكنه لا يفعل شيئًا بدون إرادة الله ومشيئته وتقديره‏.‏


قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ الآية ‏(‏96‏)‏ من سورة الصافات‏.‏ فأثبت للعباد عملًا هو من خلق الله
تعالى وتقديره‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ الآية ‏(‏29‏)‏ من سورة التكوير فأثبت للعباد
تأتي بع مشيئة الله تعالى‏.‏ وسيأتي لهذا مزيد إيضًاح إن شاء الله تعالى في مبحث القدر‏.‏


ثالثًا‏:‏ وأهل السنة والجماعة وسط ‏(‏في باب وعيد الله‏)‏‏.‏ الوعيد‏:‏ التخويف والتهديد، والمراد هنا النصوص التي
فيه توعد للعصاة بالعذاب والنكال‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم‏)‏ المرجئة‏:‏ نسبة إلى الإرجاء
وهو التأخير‏.‏ سموا بذلك لأنهم أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق‏.‏
وقالوا‏:‏ لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة فعندهم أن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان
غير معرض للوعيد، فهم تساهلوا في الحكم على العاصي وأفرطوا في التساهل حتى زعموا أن المعاصي
لا تنقص الإيمان ولا يحكم على مرتكب الكبيرة بالفسق‏.‏


وأما الوعيدية‏:‏ فهم الذين قالوا بإنفاذ الوعيد على العاصي، وشددوا في ذلك حتى قالوا‏:‏ إن مرتكب الكبيرة إذا
مات ولم يتب فهو مخلد في النار‏.‏ وحكموا بخروجه من الإيمان في الدنيا‏.‏

وأهل السنة والجماعة توسطوا بين الطرفين فقالوا‏:‏ إن مرتكب الكبيرة آثم ومعرض للوعيد وناقص الإيمان ويحكم
عليه بالفسق ‏(‏لا كما تقول المرجئة إنه كامل الإيمان وغير معرض للوعيد‏)‏ ولكنه لا يخرج من الإيمان ولا
يخلد في النار إن دخلها‏.‏ فهو تحت مشيئة الله‏:‏ إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر معصيته، ثم يخرج من
النار ويدخل الجنة ‏(‏لا كما تقوله الوعيدية بخروجه من الإيمان وتخليده في النار‏)‏ فالمرجئة أخذوا بنصوص الوعد‏.‏
والوعيدية أخذوا بنصوص الوعيد‏.‏ وأهل السنة والجماعة جمعوا بينهما‏.‏


رابعًا‏:‏ وأهل السنة والجماعة وسط ‏(‏في باب أسماء الإيمان والدين‏)‏ أي‏:‏ الحكم على الإنسان بالكفر أو الإسلام
أو الفسق وفي جزاء العصاة في الدنيا والآخرة‏.‏ ‏(‏بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية‏)‏ الحرورية‏:‏ هم
الخوارج سموا بذلك نسبة إلى حرورى‏:‏ قرية بالعراق اجتمعوا فيها حين خرجوا على علي ـ رضي الله عنه ـ‏.‏
والمتعزلة‏:‏ هم أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري وانحاز إليه أتباعه بسبب خلاف
وقع بينهما في حكم مرتكب الكبيرة من المسلمين، فقال الحسن ـ رحمه الله ـ عن واصل هذا‏:‏ إنه قد اعتزلنا،
فسموا معتزلة‏.‏


فمذهب الخوارج والمعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة من المسلمين مذهب متشدد حيث حكموا عليه
بالخروج من الإسلام‏.‏ ثم قال المعتزلة‏:‏ إنه ليس بمسلم ولا كافر بل هو بالمنزلة بين المنزلتين‏.‏ وقال
الخوارج‏:‏ إنه كافر‏.‏ واتفقوا على أنه إذا مات على تلك الحال أنه خالد مخلد في النار‏.‏ وقابلتهم المرجئة والجهمية
فتساهلوا في حكم مرتكب الكبيرة وأفرطوا في التساهل معه فقالوا‏:‏ لا يضر مع الإيمان معصية لأن الإيمان
عندهم هو تصديق القلب فقط أو مع نطق اللسان على خلاف بينهم، ولا تدخل فيه الأعمال فلا يزيد بالطاعة
ولا ينقص بالمعصية‏.‏ فالمعاصي لا تنقص الإيمان ولا يستحق صاحبها النار إذا لم يستحلها‏.‏


وأهل السنة والجماعة توسطوا بين الفرقتين فقالوا‏:‏ إن العاصي لا يخرج من الإيمان لمجرد المعصية‏.‏ وهو
تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه في النار، لكنه لا يخلد فيها كما تقول الخوارج والمعتزلة‏.‏
والمعاصي تنقص الإيمان ويستحق صاحبها دخول النار إلا أن يعفوا الله عنه‏.‏ ومرتكب الكبيرة يكون فاسقًا ناقص
الإيمان، لا كما تقول المرجئة إنه كامل الإيمان والله تعالى أعلم‏.‏

خامسًا‏:‏ وأهل السنة والجماعة وسط في حق ‏(‏أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين الرافضة والخوارج‏)‏‏:‏
الصحابي‏:‏ هول من لقي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤمنًا به ومات على ذلك‏.‏ والرافضة‏:‏ اسم مأخوذ من
الرفض وهو الترك‏.‏ سموا بذلك لأنهم قالوا لزيد بين علي بن الحسين‏:‏ تبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر، فأبى
وقال‏:‏ معاذ الله‏.‏ فرفضوه فسموا رافضة‏.‏


ومذهبهم في صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم غلوا في علي ـ رضي الله عنه ـ وأهل البيت
وفضلوهم على غيرهم، ونصبوا العداوة لبقية الصحابة خصوصًا الخلفاء الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله
عنهم ـ وسبوهم ولعنوهم، وربما كفروهم أو كفروا بعضهم‏.‏ وقابلهم الخوارج فكفروا عليا ـ رضي الله عنه ـ
وكفروا معه كثيرًا من الصحابة وقاتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم‏.‏

وأهل السنة والجماعة خالفوا الجميع فوالوا جميع الصحابة ولم يغلوا في أحد منهم واعترفوا بفضل جميع الصحابة
وأنهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها‏.‏ ويأتي لهذا مزيد بيان‏.

وجوب الإيمان باستواء الله على عرشه وعلوه على خلقه ومعيته لخلقه وانهما لا تنافي بينهما



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية

TarbiaTasfia@









ام عادل السلفية 09-05-2015 11:49PM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 53 )




فصل
وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله وأجمع عليه سلف الأمة
من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه علي على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون‏.‏ كما
جمع بين ذلك في قوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي
الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ وليس
معنى قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ‏}‏ أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجبه اللغة‏.‏ وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة‏.‏


وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته وهو موضوع في السماء
وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم
إلى غير ذلك من معاني ربوبيته‏.‏



[ الشرح ]:


خصص المصنف ـ رحمه الله ـ هاتين المسألتين‏:‏ ‏(‏الاستواء على العرش ومعيته للخلق‏)‏ بالتنبيه ليزيل الإشكال فقد
يتوهم وجود التنافي بينهما فقد يظن الظان أن ذلك مثل صفات المخلوقين وأنه مختلط بهم فكيف يكون فوق
خلقه مستويًا على عرشه، ويكون مع خلقه قريبًا منهم بدون مخالطة‏.‏ والجواب عن هذه الشبهة، كما وضحه الشيخ
ـ رحمه الله ـ من وجوه‏:‏



الوجه الأول‏:‏ أن هذا لا توجبه لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم‏.‏ فإن كلمة ‏(‏مع‏)‏ في اللغة لمطلق المصاحبة
لا تفيد اختلاطًا وامتزاجًا ولا مجاورة ولا مماسة‏.‏ فإنك تقول‏:‏ زوجتي معي، وأنت في مكان وهي في مكان آخر‏.‏
وتقول‏:‏ ما زلنا نسير والقمر معنا، وهو في السماء ويكون مع المسافر وغير المسافر أينما كان‏.‏ وإذا صح
أن يقال هذا في حق القمر وهو مخلوق صغير، فكيف لا يقال في حق الخالق الذي هو أعظم من كل شيء‏؟‏‏.‏



الوجه الثاني‏:‏ أن هذا القول خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ‏(‏وهم القرون المفضلة‏)‏
الذين هم القدوة، فقد أجمعوا على أن الله مستو على عرشه عال على خلقه بائن منهم، وأجمعوا على أنه مع خلقه
بعلمه سبحانه وتعالى‏.‏ كما فسروا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ‏}‏ بذلك‏.‏



الوجه الثالث‏:‏ أن هذا خلاف ما فطر الله عليه الخلق، أي‏:‏ ركزه في فطرهم‏.‏ فإن الخلق فطروا على الإقرار بعلو الله
سبحانه على خلقه فإن الخلق يتجهون إلى الله عند الشدائد والنوازل نحو العلو لا تلتفت يمنة ولا يسرة من غير أن
يرشدهم إلى ذلك أحد، وإنما ذلك موجب الفطرة التي فطر الله الناس عليها‏.‏



الوجه الرابع‏:‏ أن هذا خلاف ما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله من أنه سبحانه وتعالى على عرشه علي على خلقه
وهو معهم أينما كانوا‏.‏ والمتواتر من النصوص‏:‏ هو ما رواه جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من
الابتداء إلى الانتهاء‏)‏ والآيات والأحاديث في هذا كثيرة منها الآية التي ذكرها المصنف ـ رحمه الله ـ والله أعلم‏.‏



وقول المصنف ـ رحمه الله ـ‏:‏ ‏(‏وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع عليهم‏)‏ تقرير وتأكيد لما
سبق من ذكر علوه على عرشه وكونه مع خلقه بذكر اسمين من أسمائه سبحانه وهما ‏(‏الرقيب والمهيمن‏)‏‏.‏ قال الله
تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله كان عليكم رقيبًا‏}‏ والرقيب هو المراقب لأحوال عباده وفي ذلك دلالة على قربه منهم‏.‏ وقال
تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ‏}‏ والمهيمن هو‏:‏ الشاهد على
خلقه المطلع على أعمالهم الرقيب عليهم‏.‏


‏(‏إلى غير ذلك من معاني ربوبيته‏)‏، أي‏:‏ أن مقتضى ربوبيته سبحانه أن يكون فوق خلقه بذاته ويطلع على
أعمالهم ويكون قريبًا منهم بعلمه وإحاطته يصرف شؤونهم ويحصي أعمالهم ويجازيهم عليها‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 10-05-2015 09:29PM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 54 )




[ المتن ] :

ما يجب اعتقاده في علوه ومعيته سبحانه ومعنى كونه سبحانه‏:‏ ‏(‏في السماء‏)‏ وأدلة ذلك
وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج تحرف، ولكن يصان عن الظنون
الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله‏:‏ ‏{‏فِي السَّمَاء‏}‏ أن السماء تقله أو تظله وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان
فإن الله قد ‏{‏وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏}‏ وهو الذي ‏{‏يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا‏}‏ ‏{‏وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن
تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ‏}‏‏.‏



[ الشرح ]:

يبين الشيخ ـ رحمه الله ـ ما يجب اعتقاده بالنسبة لما أخبر الله به عن نفسه من كونه فوق العرش وهو معنا، أنه يجب
الإيمان به كما أخبر الله، ولا يجوز تأويله وصرفه عن ظاهره كما يفعله المعطلة من الجهمية والمعتزلة وأشباههم فيزعمون
أن ذلك ليس حقيقة وإنما هو مجاز فيؤولون الاستواء على العرش بالاستيلاء على الملك وعلو الله على خلقه بعلو
قدره وقهره ونحو ذلك من التأويلات الباطلة التي هي تحريف لكلام الله عن مواضعه‏.‏ ومنهم من يقول‏:‏ إن معنى
كونه معنا أنه حال في كل مكان، كما تقوله حلولية الجهمية وغيرهم، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن ظاهر قوله‏:‏ ‏{‏فِي السَّمَاء‏}‏ أن السماء تقله أو تظله‏)‏ تقله‏:‏ أي تحمله‏.‏


وتظله‏:‏ أي تستره، والظلة‏:‏ الشيء الذي يظلك من فوقك‏.‏ وليس هذان المعنيان مرادين في كونه سبحانه في
السماء‏.‏ ومن ظن ذلك فقد أخطأ غاية الخطأ

وذلك لأمرين‏:‏

الأمر الأول‏:‏ أن هذا خلاف ما أجمع عليه أهل العلم والإيمان فقد أجمعوا على أنه سبحانه فوق عرشه بائن من
خلقه ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته‏.‏ وقد تقدم الكلام في تفسير قوله تعالى‏:‏
‏{‏أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء‏}‏ وأنه إن أريد بالسماء السماء المبنية ‏(‏ففي‏)‏ بمعنى ‏(‏على‏)‏ أي‏:‏ على السماء كقوله‏:
‏ ‏{‏لأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ أي‏:‏ على جذوع النخل‏.‏ وإن أريد بالسماء العلو كان المعنى ‏(‏في السماء‏)‏ أي‏:‏ في العلو
والله أعلم‏.‏


الأمر الثاني‏:‏ أن هذا الظن مخالف ومصادم لأدلة القرآن الدالة على عظمة الله وغناه عن خلقه وحاجة خلقه وحاجة
خلقه إليه، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏}‏ والكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش وهو
أعظم من السموات والأرض والعرش أعظم منه، فإذا كانت السموات والأرض أصغر من الكرسي والكرسي أصغر
من العرش‏.‏ والله أعظم من كل شيء فكيف تحويه السماء أو تقله أو تظله‏؟‏‏.‏



وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا‏}‏ ‏{‏وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏
‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ‏}‏ فهذه الآيات تدل على أن السموات والأرض بحاجة إليه فهو
الذي يمسكها أن تزول أو تقع ويكون قيامها بأمره وحده‏.‏ فلا يعقل مع هذا أن يكون سبحانه بحاجة إليها لتقله أو تظله،
تعالى الله عن هذا الظن الباطل علوًا كبيرًا‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf



التصفية والتربية
TarbiaTasfia@







ام عادل السلفية 11-05-2015 10:24PM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 55 )




[ المتن ] :

وجوب الإيمان بقربه من خلقه وأن ذلك لا ينافي علوه وفوقيته


فصل
قال ـ رحمه الله ـ‏:‏ وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من
عنق راحلته‏)‏‏.‏ وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله
شيء في جميع نعوته‏.‏ وهو علي في دنوه قريب في علوه‏.‏



[ الشرح ]:

لما قرر المصنف وجوب الإيمان بعلو الله سبحانه على خلقه واستوائه على عرشه نبه في هذا الفصل إلى أنه
يجب مع ذلك الإيمان بأنه قريب من خلقه وقوله‏:‏ ‏(‏وقد دخل في ذلك‏)‏ أي‏:‏ في الإيمان بالله ‏(‏الإيمان بأنه قريب‏)
‏ أي‏:‏ من خلقه ‏(‏مجيب‏)‏ لدعائهم ‏(‏كما جمع بين ذلك‏)‏ أي‏:‏ بين القرب والإجابة في قوله‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي ‏}‏ ورد في سبب نزول هذه الآية‏.‏


أن رجلًا جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه‏؟‏ فسكت النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ فنزلت هذه الآية(_)‏.‏ ‏{‏فإني قريب‏}‏ من الداعي ‏{‏أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏‏.‏

وهذا يدل على الإرشاد إلى المناجاة في الدعاء بدون رفع الصوت، كما في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن
الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‏)‏ سبق شرحه‏.‏



وفي هذه الآية وهذا الحديث دلالة على قرب الله تعالى من الداعي بإجابته وهذا القرب لا يناقض علوه، ولهذا قال
مصنف‏:‏ ‏(‏وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته‏)‏ لأن الكل حق والحق
لا يتناقض ولأن الله تعالى‏:‏ ‏[‏ليس كمثله شيء في جميع نعوته‏]‏ أي‏:‏ صفاته، فلا يقال‏:‏ إذا كان فوق خلقه فكيف
يكون معهم‏؟‏ لأن هذا السؤال ناشئ عن تصور خاطئ هو قياسه سبحانه بخلقه وهذا قياس باطل، لأن الله
سبحانه ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏‏.‏ فالقرب والعلو يجتمعان في حقه لعظمته وكبريائه وإحاطته وأن السموات السبع في
يده كخردلة في يد العبد، فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقرب من خلقه
كيف يشاء وهو على العرش‏.‏ ‏(‏وهو علي في دنوه قريب في علوه‏)‏ سبحانه وتعالى كما دلت على ذلك نصوص
الكتاب والسنة، وأجمع عليه علماء الملة وهو من خصائصه سبحانه ‏(‏علي في دنوه‏)‏ أي‏:‏ في حال قربه من خلقه
‏(‏قريب في علوه‏)‏ أي‏:‏ قريب من خلقه في حال علوه على عرشه‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 12-05-2015 08:49PM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 56 )




[ المتن ] :


وجوب الإيمان بأن القرآن كلام الله حقيقة


فصل

قال ـ رحمه الله ـ‏:‏ ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأن الله تكلم
به حقيقة‏.‏ وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره‏.‏ ولا يجوز إطلاق
القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة‏.‏ بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون
كلام الله تعالى حقيقة‏.‏ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا‏.‏ وهو كلام الله حروفه
ومعانيه‏.‏ ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف‏.‏


[ الشرح ]:

من أصول الإيمان‏:‏ الإيمان بالله والإيمان بكتبه‏.‏ كما سبق ويدخل في هذين الأصلين الإيمان بأن القرآن كلام الله‏.‏
فالإيمان بالله ـ عز وجل ـ يتضمن الإيمان بصفاته، وكلامه من صفاته فإن الله تعالى موصوف بأنه يتكلم بما يشاء إذا شاء
لم يزل ولا يزال يتكلم وكلامه لا ينفد، ونوع الكلام في حقه أزلي أبدي ومفرداته لا تزال تقع شيئًا فشيئًا حسب
حكمته تعالى‏.‏


ومن كلامه القرآن العظيم الذي هو أعظم كتبه، فهو داخل في الإيمان بكتبه دخولًا أوليًا وهو منزل منه سبحانه، فهو
تكلم به وأنزل على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو ‏(‏منزل غير مخلوق‏)‏ لأنه صفة من صفاته أضافه إلى نفسه إضافة
الصفة إلى موصوفها، وصفاته غير مخلوقه فكلامه غير مخلوق‏.‏ وقد خالف في هذا طوائف، ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ


هنا مقاله بعضهم فذكر‏:‏

1 ـ مقالة الجهمية حيث يقولون‏:‏ إن الله لا يتكلم وإنما خلق كلامًا في غيره وجعله يعبر عنه، فإضافة الكلام عندهم إلى
الله مجاز لا حقيقة لأنه خلق الكلام فهو متكلم بمعنى خالق الكلام في غيره‏.‏ وهذا القول باطل مخالف للأدلة السمعية والعقلية،
ومخالف لقول السلف وأئمة المسلمين فإنه لا يعقل أن يسمى متكلمًا إلا من قام به الكلام حقيقة فكيف يقال‏:‏ قال الله
والقائل غيره‏؟‏ وكيف يقال‏:‏ كلام الله وهو كلام غيره‏؟‏‍‍‍‍‍‍‍‍‍‏!‏‍‏.‏


وقول المصنف‏:‏ ‏(‏منه بدأ وإليه يعود وأن الله تكلم به حقيقة وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد ـ صلى الله عليه وسلم
ـ هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره‏)‏ قصده بهذا الرد على الجهمية الذين يقولون إن القرآن بدأ من غيره وأن الله لم يتكلم
به حقيقة بل مجازًا، وهو كلام غيره أضيف إليه لأنه خالقه‏.‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏منه بدأ‏)‏ أن القرآن بدأ وخرج من الله تعالى وتكلم به‏.


‏ ‏(‏ومن‏)‏ لابتداء الغاية وقوله‏:‏ ‏(‏وإليه يعود‏)‏ أي‏:‏ أن القرآن يرجع إلى الله تعالى لأنه يرفع في آخر الزمان فلا يبقى منه شيء
في الصدور ولا في المصاحف، وذلك من علامات الساعة، أو معنى ذلك أنه ينسب إليه‏.‏

2 ـ ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ هنا مقالة الكلابية ‏(‏أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب‏)‏ في القرآن أنه حكاية عن كلام الله،
لأن كلام الله عندهم هو المعنى القائم في نفسه لازم لذاته كلزوم الحياة والعلم، لا يتعلق بمشيئته وإرادته‏.‏ وهذا
المعنى القائم في نفسه غير مخلوق وهذه الألفاظ المكونة من حروف وأصوات مخلوقة وهي حكاية لكلام الله وليست
هي كلامه‏.‏


3 ـ وذكر مقالة الأشاعرة ‏(‏أتباع أبي الحسن الأشعري‏)‏ أن القرآن عبارة عن كلام الله، لأن كلام الله عندهم معنى
قائم في نفسه، وهذا المعنى غير مخلوق‏.‏ أما هذه الألفاظ المقروءة فهي عبارة عن ذلك المعنى القائم بالنفس وهي
مخلوقة ولا يقال إنها حكاية عنه‏.‏

وبعض العلماء يقول‏:‏ إن الخلاف بين الكلابية والأشاعرة خلاف لفظي لا طائل تحته، فالأشاعرة والكلابية يقولون‏:‏
القرآن نوعان‏:‏
ألفاظ ومعان، فالألفاظ مخلوقة هي هذه الألفاظ الموجودة، والمعاني قديمة قائمة بالنفس وهي معنى واحد لا تبعض فيه
ولا تعدد‏.‏ وعلى كل حال فالقولان إن لم يكونا متفقين فهما متقاربان‏.‏

وقد أشار الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى بطلان هذين القولين بقوله‏:‏ ‏(‏ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله‏)‏ أي‏:‏
كما تقول الكلابية ‏(‏أو عبارة عنه‏)‏ كما تقول الأشاعرة ‏(‏بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك
عن أن يكون كلام الله حقيقة‏)‏ أي‏:‏ أن القرآن العظيم كلام الله ألفاظه ومعانيه أين وجد، سواء حفظ في الصدور أو تلي
بالألسنة أو كتب في المصاحف لا يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة‏.‏


ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ دليل ذلك فقال‏:‏ ‏(‏فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا
مؤديًا‏)‏ فإن المبلغ المؤدي إنما يسمى واسطة فقط‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلاَمَ اللَّهِ‏}‏ الآية ‏(‏6‏)‏ من سورة التوبة‏.‏ والسماع المذكور في هذه الآية إنما يكون بواسطة المبلغ وسمي المسموع كلام الله،
فدل على أن الكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئًا‏.‏


4 ـ ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ مقالة المعتزلة، حيث يقولون‏:‏ إن كلام الله الحروف دون المعاني فيقولون‏:‏ إن مسمى
القول والكلام عند الإطلاق اسم للفظ فقط، والمعنى ليس جزء مسماه بل مدلول مسماه‏.‏

ثم ذكر ـ رحمه الله ـ المذهب المقابل لذلك فقال‏:‏ ‏(‏ولا المعاني دون الحروف‏)‏ كما هو مذهب الكلابية والأشاعرة وكما
سبق شرحه‏.‏ والمذهب الحق أن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه كما هو قول أهل السنة والجماعة، وهو الذي قامت
عليه الأدلة من الكتاب والسنة والحمد لله رب العالمين‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية
TarbiaTasfia@









ام عادل السلفية 13-05-2015 11:41PM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 57 )




[ المتن ] :


وجوب الإيمان برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ومواضع الرؤية


فصل
قال ـ رحمه الله ـ‏:‏ وقد دخل أيضًا فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وملائكته وبرسله الإيمان بأن المؤمنين
يرونه يوم القيامة عيانًا بأبصارهم، كما يرون الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر
لا يضامون في رؤيته‏.‏ يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة‏.‏ ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله‏.‏



[ الشرح ]:

وجه دخول الإيمان بالرؤية في الإيمان بالله وبكتبه وبرسله أن الله سبحانه أخبر بها في ككتابه وأخبر بها رسوله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن لم يؤمن بها كان مكذبًا لله ولكتبه ولرسله، فإن الذي يؤمن بالله وكتبه ورسله يؤمن
بكل ما أخبروا به وقوله‏:‏ ‏(‏عيانًا‏)‏ بكسر العين أي‏:‏ رؤية محققة لا خفاء فيها، فليست مجازًا كما تقوله المعطلة
‏(‏كما يرن الشمس صحوًا ليس دونها سحاب وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته‏)‏ أي‏:‏ رؤية
حقيقية لا مشقة فيها كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث التي سبق شرحها‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة ثم يرونه بعد دخول الجنة‏)‏ هذا بيان للمواضع التي تحصل
فيها الرؤية‏.‏


وذلك في موضعين‏:‏

الموضع الأول‏:‏ في عرصات القيامة، والعرصات جمع عرصة وهي الموضع الواسع الذي لا بناء فيه، وعرصات
القيامة‏:‏ مواقف الحساب‏.‏ وهل يختص المؤمنون برؤيته في هذا الموضع‏؟‏ في المسألة ثلاثة أقوال‏.‏ قيل‏:‏ يراه في
عرصات القيامة المؤمنون والمنافقون والكفار‏.‏ وقيل‏:‏ يراه المؤمنون والمنافقون فقط دون الكفار وقيل‏:‏ يراه المؤمنون
فقط‏.‏ والله أعلم‏.‏


الموضع الثاني‏:‏ يراه المؤمنون بعد دخولهم الجنة كما ثبت ذلك في الأدلة من الكتاب والسنة، وسبق ذكر بعض
تلك الأدلة مشروحة، وسبق ذكر شبه من نفى الروية مع الرد عليها، والجنة في اللغة‏:‏ البستان، والمراد بها
هنا‏:‏ الدار التي أعدها الله لأوليائه وهي دار النعيم المطلق الكامل‏.‏ وقول الشيخ‏:‏ ‏(‏كما يشاء الله‏)‏ أي‏:‏
من غير إحاطة‏.‏ ولا تكييف لرؤيته‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf


التصفية والتربية
TarbiaTasfia@










ام عادل السلفية 15-05-2015 12:40AM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 58 )




[ المتن ] :



ما يدخل في الإيمان باليوم الآخر

فصل

1 ـ ما يكون في القبر
قال ـ رحمه الله ـ‏:‏ ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يكون بعد
الموت، فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه‏.‏ فأما الفتنة فإن الناس يفتنون في قبورهم فيقال للرجل‏:‏ من ربك‏؟‏
وما دينك‏؟‏ ومن نبيك‏؟‏‏.‏ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة‏.‏ فيقول المؤمن‏:‏ ربي الله
والإسلام ديني ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبيي‏.‏ وأما المرتاب فيقول‏:‏ هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون
شيئًا فقلته‏.‏ فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق‏.‏
ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب‏.‏



[ الشرح ]:

اليوم الآخر هو يوم القيامة والإيمان به أحد أركان الإيمان، وقد دل عليه العقل والفطرة، وصرحت به جميع الكتب
السماوية ونادى به جميع الأنبياء والمرسلين‏.‏ وسمي باليوم الآخر لتأخره عن الدنيا‏.‏ وقد ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ
هنا ضابطًا شاملًا لمعنى الإيمان باليوم الآخر بأنه الإيمان بكل ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يكون
بعد الموت، فيدخل فيه الإيمان بكل ما دلت عليه النصوص من حالة الاحتضار وحالة الميت في القبر
والبعث من القبور وما يحصل بعده‏.‏ ثم أشار الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى أشياء من ذلك‏.‏


منها ما يكون في القبر فقال‏:‏ ‏(‏فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه‏)‏
فذكر أمرين‏:‏

الأمر الأول‏:‏ فتنة القبر، والفتنة لغة‏:‏ الامتحان والاختبار، والمراد بها هنا سؤال الملكين للميت، ولهذا قال‏:‏ ‏(‏فأما
الفتنة فإن الناس يفتنون في قبورهم فيقال للرجل‏)‏ أي‏:‏ الميت سواء كان رجلًا أو امرأة، ولعل ذكر الرجل من
باب التغليب‏.‏ ثم ذكر الأسئلة التي توجه إلى الميت، وما يجيب به المؤمن، وما يجيب به غير المؤمن وما يكون
بعد هذه الإجابة من نعيم أو عذاب‏.‏


والإيمان بسؤال الملكين واجب لثبوته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث يبلغ مجموعها حد
التواتر‏.‏ ويدل على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء‏}‏ سورة إبراهيم الآية ‏(‏27‏)‏ فقد أخرج الشيخان من
حديث البراء بن عازب ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ‏}‏ نزلت في عذاب القبر‏.‏ زاد مسلم‏:‏ ‏(‏يقال له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول ربي الله ونبيي محمد‏)‏ فذلك
قوله‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ‏}‏، والقول الثابت هو كلمة التوحيد التي ثبتت في قلب المؤمن
بالحجة والبرهان، وتثبيت المؤمنين بها في الدنيا أنهم يتمسكون بها ولو نالهم في سبيلها ما نالهم من الأذى
والتعذيب‏.‏ وتثبيتهم بها في الآخرة توفيقهم للجواب عند سؤال الملكين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وأما المرتاب‏)‏ أي‏:‏ الشاك ‏(‏فيقول‏)‏ إذا سئل‏:‏ ‏(‏هاه هاه‏)‏ كلمة تردد وتوجع، ‏(‏لا أدري سمعت الناس
يقولون شيئًا فقلته‏)‏ لأنه غير مؤمن بما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيستعجم عليه الجواب، ولو
كان من أعلم الناس وأفصحهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ‏}‏ فيضرب بمرزبة من حديد وهي
المطرقة الكبيرة ‏(‏فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان لصعق‏)‏ أي‏:‏ خر ميتًا أو غشي عليه، ومن
حكمة الله أيضًا أن ما يجري على الميت في قبره لا يحس به الأحياء، لأن الله تعالى جعله من الغيب، ولو أظهره
لفاتت الحكمة المطلوبة وهي الإيمان بالغيب‏.‏



الأمر الثاني‏:‏ مما يجري على الميت في قبره ما أشار إليه الشيخ بقوله‏:‏ ‏(‏ثم بعد الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى أن
تقوم القيامة الكبرى‏)‏ هذا فيه إثبات عذاب القبر أو نعيمه‏.‏ ومذهب أهل السنة والجماعة أن الميت إذا مات
يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه كما تواترت به الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ فيجب الإيمان به ولا يتكلم في كيفيته وصفته لأن ذلك لا تدركه العقول، لأنه من أمور الآخرة، وأمور
الآخرة لا يعلمها إلا الله، ومن أطلعهم الله على شيء منه وهم الرسل ـ صلوات الله سلامه عليهم ـ‏.‏



وأنكر عذاب القبر المعتزلة، وشبهتهم في ذلك أنهم لا يدركونه ولا يرون الميت يعذب ولا يسأل‏.‏ والجواب عن ذلك‏:
‏ أن عدم إدراكنا ورؤيتنا للشيء لا يدل على عدم وجوده ووقوعه، فكم من أشياء لا نراها وهي موجودة، ومن
ذلك عذاب القبر أو نعيمه‏.‏ وأن الله تعالى جعل أمر الآخرة وما كان متصلًا بها غيبًا وحجبها عن إدراك العقول في
هذه الدار ليتميز الذين يؤمنون بالغيب من غيرهم‏.‏ وأمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا‏.‏ والله أعلم‏.‏



وعذاب القبر على نوعين‏:‏

النوع الأول‏:‏ عذاب دائم وهو عذاب الكافر‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا‏}‏ سورة
غافر الآية ‏(‏46‏)‏‏.‏

النوع الثاني‏:‏ يكون إلى مدة ثم ينقطع وهو عذاب بعض العصاة من المؤمنين فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه‏.‏
وقد ينقطع العذاب بسبب دعاء أو صدقة أو استغفار‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 16-05-2015 02:34PM

بسم الله الرحمن الرحيم



【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 58 )



[ المتن ] :



2 ـ القيامة الكبرى وما يجري فيها
إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الأرواح إلى الأجساد‏.‏ وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله،
وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلًا‏.‏



الشرح :

أشار الشيخ ـ رحمه الله ـ في هذا وما بعده إلى ما يكون في الدار الآخرة وهي التي تبدأ بالقيامة الكبرى‏.‏
فإن الدور ثلاث‏:‏ دار الدنيا‏.‏ ودار البرزخ‏.‏ والدار الآخرة‏.‏ وكل دار من هذه الدور الثلاث لها أحكام تخصها‏.
‏ وحوادث تجري فيها، وقد تكلم الشيخ على ما يكون في دار البرزخ‏.‏

وهنا أخذ يتكلم على ما يكون
في الدار الآخرة فيقول‏:‏ ‏(‏إلى أن تقوم القيامة الكبرى‏)‏ القيامة قيامتان‏:‏ قيامة صغرى وهي الموت‏.‏


وهذه القيامة تقوم على كل إنسان في خاصته من خروج روحه وانقطاع سعيه‏.‏ وقيامة كبرى، وهذه تقوم على
الناس جميعًا وتأخذهم أخذة واحدة‏.‏ وسميت قيامة لقيام الناس من قبورهم لرب العالمين‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏(‏فتعاد
الأرواح إلى الأجساد‏)‏ وذلك عندما ينفخ إسرافيل في الصور قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ
إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا‏}‏ الآيتان ‏(‏51 ـ 52‏)‏ من سورة يس‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نُفِخَ
فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ‏}‏ الآية ‏(‏68‏)‏ من سورة الزمر‏.‏ والأرواح‏:‏ جمع روح، وهي ما يحيا به الإنسان
وغيره من ذوات الأرواح، ولا يعلم حقيقتها إلا الله قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي‏}‏ الآية ‏(‏85‏)‏ الإسراء‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون‏)‏ إشارة إلى
أدلة البعث، وأنه ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل والفطر السليمة‏.‏ فقد أخبر الله عنه
في كتابه وأقام الدليل عليه، ورد على المنكرين للبعث في غالب سور القرآن‏.‏ ولما كان نبينا محمد ـ صلى الله
عليه وسلم ـ خاتم النبيين بين تفاصيل الآخرة بيانًا لا يوجد في كثير من كتب الأنبياء‏.‏


والجزاء على الأعمال ثابت بالعقل وواقع في الشرع، فإن الله نبه العقول إلى ذلك في مواضع كثيرة من القرآن
حيث ذكرها أنه لا يليق بحكمته وحمده أن يترك الناس سدى أو يخلقهم عبثًا لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون
ولا يعاقبون‏.‏ وأن يكون المحسن كالمسيء أو يجعل المسلمين كالمجرمين‏.‏ فإن بعض المحسنين يموت
قبل أن يجزى على إحسانه‏.‏ وبعض المجرمين يموت قبل أن يجازى على إجرامه‏.‏ فلابد أن هناك دارًا يجازى
فيها كل منهما‏.‏ ومنكر البعث كافر‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا‏}‏ الآية ‏(‏7‏)‏ التغابن‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏فيقوم الناس من قبورهم حفاة‏)‏‏:‏ جمع حاف وهو الذي ليس على رجله نعل ولا خف ‏(‏عراة‏)‏‏:‏ جمع عار،
وهو الذي ليس عليه لباس ‏(‏غرلًا‏)‏‏:‏ جمع أغرل وهو الأقلف الذي لم يختن، وهذه الصفات الثلاث يكونون عليها
حين قيامهم من قبورهم، وهذا ثابت في الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي الصحيحين عن عائشة
ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ إنكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة
غرلًا‏)‏ الحديث‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf









ام عادل السلفية 17-05-2015 01:00AM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 59 )




[ المتن ] :



ما يجري في يوم القيامة



وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد‏:‏ ‏{‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ‏}‏ وتنشر الدواوين، وهي
صحائف الأعمال‏.‏ فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره‏.‏ كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ
إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيبًا‏}‏ ويحاسب الله الخلائق ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه، كما وصف ذلك في الكتاب والسنة‏.‏


وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنهم لا حسنات لهم، ولكن تعد
أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها‏.‏



[ الشرح ]:

ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ في هذا الكلام بعض ما يجري في يوم القيامة مما ذكر في الكتاب والسنة‏.‏ فإن تفاصيل
ما يجري في هذا اليوم مما لا يدرك بالعقل، وإنما يدرك بالنقول الصحيحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
الذي لا ينطق عن الهوى ‏{‏إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‏}‏ ومن الحكمة في محاسبة الخلائق على أعمالهم ووزنها وظهورها
مكتوبة في الصحف مع إحاطة علم الله بذلك، ليرى عباده كمال حمده وكمال عدله وسعة رحمته وعظمة
ملكه‏.‏


وذكر الشيخ مما يجري في هذا اليوم العظيم على العباد‏:‏

1 ـ ‏(‏أنها تدنو منهم الشمس‏)‏ أي‏:‏ تقرب من رؤوسهم كما روى مسلم عن المقداد ـ رضي الله عنه ـ قال‏:
‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون
قدر ميل أو ميلين‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏ويلجمهم العرق‏)‏ أي‏:‏ يصل إلى أفواههم، فيصير بمنزلة اللجام يمنعهم من
الكلام وذلك نتيجة لدنو الشمس منهم، وذلك بالنسبة لأكثر الخلق، ويستثنى من ذلك الأنبياء ومن شاء الله‏.‏


2 ـ ومما ذكر في هذا اليوم قوله‏:‏ ‏(‏وتنصب الموازين وتوزن بها الأعمال‏)‏ الموازين‏:‏ جمع ميزان، وهو
الذي توزن به الحسنات والسيئات، وهو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وهو من أمور الآخرة نؤمن به كما جاء
ولا نبحث عن كيفيته إلا على ضوء ما ورد من النصوص‏.‏ والحكمة في وزن الأعمال إظهار مقاديرها ليكون
الجزاء بحسبه ‏{‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ‏}‏ أي‏:‏ رجحت حسناته على سيئاته ‏{‏فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ أي‏:‏
الفائزون والناجون من النار المستحقون لدخول الجنة‏.‏ ‏{‏وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ‏}‏ أي‏:‏ ثقلت سيئاته على حسناته
‏{‏فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم‏}‏ أي‏:‏ خابوا وصاروا إلى النار ‏{‏فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ‏}‏ أي‏:‏ ماكثون في النار‏.‏


والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات الموازين والوزن يوم القيامة‏.‏ وقد ورد ذكر الوزن والموازين في آيات
كثيرة من القرآن، وقد أفاد مجموع النصوص أنه يوزن العامل والعمل والصحف، ولا منافاة بينها
فالجميع يوزن، ولكن الاعتبار في الثقل والخفة يكون بالعمل نفسه لا بذات العامل ولا بالصحيفة والله أعلم‏.‏


وقد تأول المعتزلة النصوص في ذلك على أن المراد بالوزن والميزان العدل، وهذا تأويل فاسد مخالف
للنصوص وإجماع سلف الأمة وأئمتها‏.‏

قال الشوكاني‏:‏ وغاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية، وليس في ذلك حجة على أحد‏.‏ فهذا إذا لم
تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى جاءت البدع
كالليل المظلم، وقال كل ما شاء وتركوا الشرع خلف ظهورهم‏.‏ اه ـ‏.‏ وأمور الآخرة ليست مما تدركها العقول
والله أعلم‏.‏


3 ـ ومما ذكره الشيخ من حوادث هذا اليوم العظيم قوله‏:‏ ‏(‏وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال‏)‏ أي‏:‏ الصحائف
التي كتبت فيها أعمال العباد التي عملوها في الدنيا وكتبتها عليهم الحفظة لأنها تطوى عند الموت وتنشر‏.‏
أي‏:‏ تفتح عند الحساب ليقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها، ‏(‏فآخذ كتابه بيمينه وآخذ ككتابه بشماله
أو من وراء ظهره‏)‏ هذا فيه بيان كيفية أخذ الناس لصحفهم كما جاء ذلك في القرآن الكريم على نوعين‏:‏ آخذ
كتابه بيمينه، وهو المؤمن، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهو الكافر‏.‏ بأن تلوى يده اليسرى من وراء
ظهره ويعطى كتابه بها‏.‏ كما جاءت الآيات بهذا وهذا ولا منافاة بينهما لأن الكافر تغل يمناه إلى عنقه وتجعل
يسراه وراء ظهره فيأخذ بها كتابه‏.‏


ثم استدل الشيخ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ‏}‏ الآية‏.‏ وطائره‏:‏ ما طار عنه من عمله من
خير وشر ‏(‏في عنقه‏)‏ أي‏:‏ يلزم به ويجازى به لا محيد له عنه، فهو لازم له لزوم القلادة في العنق‏.‏ ‏{‏وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا‏}‏ أي‏:‏ نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة، إما بيمينه إن كان سعيدًا،
أو بشماله إن كان شقيًا، ‏{‏مَنشُورًا‏}‏ أي‏:‏ مفتوحًا يقرؤه هو وغيره‏.‏ وإنما قال سبحانه‏:‏ ‏{‏يَلْقَاهُ مَنشُورًا‏}‏ تعجيلًا
للبشرى بالحسنة والتوبيخ على السيئة ‏{‏اقْرَأْ كَتَابَكَ‏}‏ أي‏:‏ نقول له ذلك‏.‏ قيل‏:‏ يقرأ ذلك الكتاب من كان قارئًا
ومن لم يكن قارئًا ‏{‏كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏}‏ أي‏:‏ حاسبًا، وهو منصوب على التمييز‏.‏ وهذا أعظم
العدل حيث جعله حسيب نفسه ليرى جميع عمله لا ينكر منه شيئًا‏.‏

والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات إعطاء كل إنسان صحيفة عمله يوم القيامة يقرؤها بنفسه ويطلع
عليها هو لا بواسطة غيره‏.‏



4 ـ ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ الحساب فقال‏:‏ ‏(‏ويحاسب الله الخلائق‏)‏ الحساب‏:‏ هو تعريف الله ـ عز
وجل ـ للخلائق بمقادير الجزاء على أعمالهم وتذكيره إياهم ما قد نسوه من ذلك، أو بعبارة أخرى‏:‏ هو توقيف
الله عباده قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم خيرًا كانت أم شرًا‏.‏



ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ أن الحساب على نوعين‏:‏

النوع الأول‏:‏ حساب المؤمن قال فيه‏:‏ ‏(‏ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك بالكتاب والسنة‏)‏
كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا‏}‏ الآيتان
‏(‏8، 9‏)‏ الانشقاق، وفي الصحيحين عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يقول‏:‏ إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له‏:‏ أتعرف ذنب كذا‏.
‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك، قال‏:‏ فإني قد سترتها
عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته‏)‏ ومعنى يقرره بذنوبه‏:‏ يجعله يقر، أي‏:‏ يعترف بها‏.‏


كما في هذا الحديث‏:‏ أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا‏.‏ ومن المؤمنين من يدخل الجنة بغير حساب، كما
صح في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب‏.‏

والحساب يختلف، فمنه اليسير وهو العرض، ومنه المناقشة‏.‏ وفي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ
أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقلت يا رسول الله أليس
قد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا‏}‏ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إنما ذلك العرض وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب‏)‏‏.‏



النوع الثاني‏:‏ حساب الكفار، وقد بينه بقوله‏:‏ ‏(‏وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته،
فإنه لا حسنات لهم‏)‏ أي‏:‏ ليس لهم حسنات توزن مع سيئاتهم لأن أعمالهم قد حبطت بالكفر فلم يبق لهم في
الآخرة إلا سيئات فحسابهم معناه أنهم ‏(‏تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها ويجزون بها‏)‏ أي‏:‏ يخبرون
بأعمالهم الكفرية ويعترفون بها ثم يجازون عيها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ
عَذَابٍ غَلِيظٍ‏}‏ الآية ‏(‏50‏)‏ فصلت‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ‏}‏ الآية ‏(‏37‏)‏ الأعراف‏.
‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏ الآية ‏(‏11‏)‏ الملك‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 17-05-2015 11:07PM

بسم الله الرحمن الرحيم







【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 30 )




[ المتن ] :


حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومكانه وصفاته

وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل‏.‏
آنيته عدد نجوم السماء‏.‏ طوله شهر وعرضه شهر‏.‏ من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا‏.‏



[ الشرح ]:

مما يوجد في القيامة حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد ذكره الشيخ هنا وبين أوصافه فقال‏:‏ ‏(‏وفي
عرصات القيامة الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ كما ثبت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

قال الإمام ابن القيم‏:‏ وقد روى أحاديث الحوض أربعون صحابيًا وكثير منها أو أكثرها في الصحيح‏.‏ انتهى‏.
‏ وتقدم بيان معنى العرصات‏.‏



والحوض لغة‏:‏ مجمع الماء‏.‏
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات الحوض، وخالفت في ذلك المعتزلة فلم تقل بإثباته وأولوا
النصوص الواردة فيه وأحالوها عن ظاهرها‏.‏

ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ أوصاف الحوض فقال‏:‏ ‏(‏ماؤه أشد بياضًا من اللبن‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ وهذه الأوصاف
ثابتة في الأحاديث كحديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏
‏(‏حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك وكيزاته كنجوم السماء، من شرب منه
لا يظمأ أبدًا‏)‏‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 20-05-2015 01:51AM

تعديل رقم الدرس
 
بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 60 )




[ المتن ] :


حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومكانه وصفاته

وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل‏.‏
آنيته عدد نجوم السماء‏.‏ طوله شهر وعرضه شهر‏.‏ من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا‏.‏



[ الشرح ]:

مما يوجد في القيامة حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد ذكره الشيخ هنا وبين أوصافه فقال‏:‏ ‏(‏وفي
عرصات القيامة الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ كما ثبت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

قال الإمام ابن القيم‏:‏ وقد روى أحاديث الحوض أربعون صحابيًا وكثير منها أو أكثرها في الصحيح‏.‏ انتهى‏.
‏ وتقدم بيان معنى العرصات‏.‏



والحوض لغة‏:‏ مجمع الماء‏.‏
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات الحوض، وخالفت في ذلك المعتزلة فلم تقل بإثباته وأولوا
النصوص الواردة فيه وأحالوها عن ظاهرها‏.‏

ثم ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ أوصاف الحوض فقال‏:‏ ‏(‏ماؤه أشد بياضًا من اللبن‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ وهذه الأوصاف
ثابتة في الأحاديث كحديث عبد الله بن عمرو المتفق عليه‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏
‏(‏حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك وكيزاته كنجوم السماء، من شرب منه
لا يظمأ أبدًا‏)‏‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf



ام عادل السلفية 20-05-2015 01:57AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 61 )



[ المتن ] :


الصراط ومعناه ومكانه وصفة مرور الناس عليه

والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار‏.‏ يمر الناس عليه على قدر
أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يسر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر
كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيًا ومنهم من
يزحف زحفًا ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم‏.‏ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم‏.‏



[ الشرح ]:

ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ في هذا أن مما يحصل يوم القيامة المرور على الصراط‏.‏
والصراط في اللغة‏:‏ هو الطريق الواضح‏.‏
وأما في الشرع‏:‏ فهو ما بينه الشيخ بقوله‏:‏ ‏(‏وهو الجسر الذي بين الجنة والنار‏)‏ وبين مكانه بقوله‏:‏
‏(‏على متن جهنم‏)‏ أي‏:‏ على ظهر النار‏.‏ ثم بين صفة مرور الناس عليه بقوله‏:‏ ‏(‏يمر الناس عليه على
قدر أعمالهم‏)‏ ووقت المرور عليه بعد مفارقة الناس للموقف والحشر والحساب فإن الصراط
ينجو عليه المؤمنون من النار إلى الجنة ويسقط منه أهل النار فيها كما ثبت في الأحاديث‏.‏



ثم فصل الشيخ ـ رحمه الله ـ أحوال الناس في المرور على الصراط فقال‏:‏ ‏(‏فمنهم من يمر كلمح
البصر‏)‏ إلخ‏.‏ أي‏:‏ أنهم يكونون في سرعة المرور وبطئه على حسب إيمانهم وأعمالهم الصالحة التي
قدموها في الدنيا، فبحسب استقامة الإنسان على دين الإسلام وثباته عليه يكون ثباته ومروره على
الصراط، فمن ثبت على الصراط المعنوي وهو الإسلام ثبت على الصراط الحسي المنصوب على
متن جهنم‏.‏


ومن زل عن الصراط المعنوي زل عن الصراط الحسي‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏يعدو عدوًا‏)‏ أي‏:‏ يركض ركضًا‏.
‏ وقوله‏:‏ ‏(‏يزحف زحفًا‏)‏ أي‏:‏ يمشي على مقعدته بدل رجليه‏.
‏ وقوله‏:‏ ‏(‏عليه كلاليب‏)‏ جمع كلوب بفتح الكاف اللام المشددة المضمومة وهي حديدة معطوفة الرأس‏.‏
وقوله‏:‏ تخطف بفتح الطاء ويجوز كسرها من الخطف وهو أخذ الشيء بسرعة‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏بأعمالهم‏)‏ أي‏:‏
بسبب أعمالهم السيئة فيكون اختطاف الكلاليب فهم على صراط جهنم بحسب اختطاف الشبهات
والشهوات لهم عن الصراط المستقيم‏.‏



وأهل السنة والجماعة يؤمنون بالصراط المنصوب على متن جهنم ومرور الناس عليه على ما جاءت به
الأحاديث الصحيحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.

‏ وخالف في ذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي وكثير من أتباعه وقالوا‏:‏ المراد بالصراط المذكور طريق
الجنة المشار إليه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ‏}‏ وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاهْدُوهُمْ إِلَى
صِرَاطِ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏

وهذا قول باطل ورد للنصوص الصحيحة بغير برهان‏.‏ والواجب حمل النصوص على ظاهرها‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 20-05-2015 02:01AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 62 )



[ المتن ] :


القنطرة بين الجنة والنار



فمن مر على الصراط دخل الجنة‏.‏ فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم
من بعض‏.‏ فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم دخول الجنة‏.‏



[ الشرح ]:

ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ مما يكون يوم القيامة الوقوف على القنطرة، فقال‏:

‏ ‏(‏فمن مر على الصراط‏)‏
أي‏:‏ تجاوزه وسلم من السقوط في جهنم، ‏

(‏دخل الجنة‏)‏ لأن من نجا من النار دخل الجنة،
قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ‏}‏‏.‏
لكن قبل دخول الجنة لابد من إجراء القصاص بين المؤمنين حتى يدخلوا الجنة وهم على أكمل
حالة‏.‏ قد خلصوا من المظالم، وهذا ما أشار إليه الشيخ بقوله‏:‏ ‏(‏إذا عبروا‏)‏ أي‏:‏ تتجاوزوا الصراط ونجوا
من السقوط في النار ‏

(‏وقفوا على قنطرة‏)‏ هي‏:‏ الجسر وما ارتفع من البنيان‏.‏ وهذه القنطرة، قيل‏:‏ هي طرف الصراط مما يلي
الجنة، وقيل‏:‏ هي صراط آخر خاص بالمؤمنين‏.‏



‏(‏فيقتص لبعضهم من بعض‏)‏ أي‏:‏ يجري بينهم القصاص في المظالم، فيؤخذ للمظلوم حقه ممن ظلمه
‏(‏فإذا هذبوا ونقوا‏)‏ أي‏:‏ خلصوا من التبعات والحقوق ‏(‏أذن لهم في دخول الجنة‏)‏ وقد ذهب ما في
قلوب بعضهم على بعض من الغل كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ‏}‏‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf










ام عادل السلفية 21-05-2015 07:39PM

بسم الله الرحمن الرحيم






【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 63 )




أول من يستفتح باب الجنة وأول من يدخلها وشفاعات النبي ـ صلى الله عليه وسلم
وأول من يستفتح باب الجنة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأول من يدخلها من الأمم أمته‏.‏ وله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القيامة ثلاث شفاعات‏:‏ أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى
بينهم، بعد أن يتراجع آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه‏.

‏ وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له‏.‏ وأما الشفاعة
الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له، ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم‏.‏ فيشفع فيمن
استحق النار أن لا يدخلها‏.‏ ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها‏.‏



8 ـ يبين الشيخ ـ رحمه الله ـ ما ينتهي إليه أمر المؤمنين يوم القيامة بعد اجتيازهم لتلك الأحوال التي مر
ذكر أهمها فيقول‏:‏ ‏(‏فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة‏)‏ فهم لا يدخلون إلا بعد إذن من الله
تعالى وطلب لفتح أبوابها، ‏(‏وأول من يستفتح باب الجنة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ كما في
صحيح مسلم عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏آتي باب الجنة
يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن‏:‏ من أنت‏؟‏ فأقول‏:‏ محمد، فيقول‏:‏ بك أمرت أن لا أفتح لأحد
قبلك‏)‏ والاستفتاح طل الفتح وفي هذا تشريف له ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإظهار لفضله‏.‏


‏(‏وأول من يدخلها من الأمم أمته‏)‏ وذلك لفضها على سائر الأمم‏.‏ ودليل ذلك ما في حديث أبي هريرة
الذي رواه مسلم من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ونحن أول من يدخل الجنة‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏وله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ في القيامة ثلاث شفاعات‏)‏ الشفاعات جمع شفاعة والشفاعة لغة‏:‏ الوسيلة‏.‏ وعرفًا‏:‏ سؤال
الخير للغير‏.‏


مشتقة من الشفع الذي هو ضد الوتر‏.‏ فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له بعد أن
كان منفردًا‏.‏

وقول الشيخ ـ رحمه الله ـ‏:‏ ‏(‏وله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القيامة ثلاث شفاعات‏)‏ بيان للشفاعات التي
يقوم بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في يوم القيامة بإذن الله تعالى‏.‏ هكذا ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ
أنواع الشفاعة هنا مختصرة، وهي على سبيل الاستقصاء ثمانية أنواع‏:‏ منه ما هو خاص بالنبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ومنها ما هو مشترك بينه وبين غيره‏.‏


الشفاعة الأولى‏:‏ الشفاعة العظمى ‏(‏وهي المقام المحمود‏)‏ وهي أن يشفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن
يقضي الله سبحانه بين عباده بعد طول الموقف عليهم، وبعد مراجعتهم الأنبياء للقيام بها فيقوم بها نبينا
ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد إذن ربه‏.‏


الشفاعة الثانية‏:‏ شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دخول أهل الجنة بعد الفراغ من الحساب‏.‏
الشفاعة الثالثة‏:‏ شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب وهذه خاصة
به‏.‏ لأن الله أخبر أن الكافرين لا تنفعهم شفاعة الشافعين، ونبينا أخبر أن شفاعته لأهل التوحيد
خاصة‏.‏ فشفاعته لعمه أبي طالب خاصة به وخاصة لأبي طالب‏.‏ وهذه الأنواع الثلاثة من الشفاعة خاصة
بنبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

الشفاعة الرابعة‏:‏ شفاعته فيمن استحق النار من عصاة الموحدين أن لا يدخلها‏.‏


الشفاعة الخامسة‏:‏ شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيمن دخل النار من عصاة الموحدين أن يخرج منها‏.‏


الشفاعة السادسة‏:‏ شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رفع درجات بعض أهل الجنة‏.‏


الشفاعة السابعة‏:‏ شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيمن استوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة،
وهم أهل الأعراف على قول‏.‏



الشفاعة الثامنة‏:‏ شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دخول بعض المؤمنين الجنة بلا حساب ولا عذاب‏.‏
وهذه الأنواع الخمسة الباقية يشاركه فيها غيره من الأنبياء والملائكة والصديقين والشهداء‏.‏
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بهذه الشفاعات كلها لثبوت أدلتها وأنها لا تحقق إلا بشرطين‏:‏


الشرط الأول‏:‏ إذن الله للشافع أن يشفع، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏ الآية ‏(‏255‏)‏
البقرة ‏{‏مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ‏}‏ الآية ‏(‏3‏)‏ من سورة يونس‏.‏



الشرط الثاني‏:‏ رضا الله عن المشفوع له كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى‏}‏ الآية ‏(‏28‏)‏ الأنبياء
ويجمع الشرطين قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شيئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ
اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى‏}‏ الآية ‏(‏26‏)‏ النجم‏.‏

وقد خالفت المعتزلة في الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين فيمن استحق النار منهم أن لا يدخلها وفيمن
دخلها أن يخرج منها، أي‏:‏ في النوع الخامس والسادس من أنواع الشفاعة، ويحتجون بقوله تعالى‏:‏
‏{‏فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ‏}‏ الآية ‏(‏48‏)‏ المدثر‏.‏


والجواب عنها‏:‏ أنها واردة في حق الكفار فهم الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين‏.‏ أما المؤمنين
فتنفعهم الشفاعة بشروطها‏.‏‏.‏ هذا وقد انقسم الناس في أمر الشفاعة إلى ثلاثة أصناف‏:‏



الصنف الأول‏:‏ غلوا في إثباتها وهم النصارى والمشركون وغلاة الصوفية والقبوريون حيث جعلوا شفاعة
من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا عند الملوك، فطلبوها من دون الله كما ذكر الله ذلك
عن المشركين‏.‏



الصنف الثاني‏:‏ وهم المعتزلة والخوارج غلوا في نفي الشفاعة فأنكروا شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشفاعة
غيره في أهل الكبائر‏.‏



الصنف الثالث‏:‏ وهم أهل السنة والجماعة أثبتوا الشفاعة على وفق ما جاءت به النصوص القرآنية والأحاديث النبوية
فأثبتوا الشفاعة بشروطها‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf










ام عادل السلفية 21-05-2015 10:12PM

بسم الله الرحمن الرحيم




【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 64 )



[ المتن ] :

إخراج بعض العصاة من النار برحمة الله بغير شفاعة واتساع الجنة عن أهلها
ويخرج الله من النار أقوامًا
بغير شفاعة بل بفضله ورحمته‏.‏
ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله أقوامًا فيدخلهم الجنة‏.‏ وأصناف ما تضمنته الدار
الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء،
والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء‏.‏ وفي العلم الموروث عن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك ما
يشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده‏.‏



[ الشرح ]:

9لما ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ أن من أنواع الشفاعات التي تقق بإذن الله الشفاعة بإخراج بعض من
دخلوا النار منها‏.

‏ ذكر هنا أن الخروج من النار له سبب آخر غير الشفاعة، وهو رحمة الله سبحانه وفضله وإحسانه،
فيخرج من النار من عصاة الموحدين من في قلبه مثقال حبة من إيمان‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏ الآية ‏(‏48‏)‏ النساء‏.

‏ وفي الحديث المتفق عليه‏:‏ ‏(‏يقول الله‏:‏ شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم
الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرا قط‏)‏ الحديث‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏ويبقى في الجنة فضل‏)‏ أي‏:‏ متسع ‏(‏عمن دخلها من أهل الدنيا‏)‏ لأن الله وصفها بالسعة فقال‏:‏
‏{‏عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ‏}‏ الآية ‏(‏133‏)‏ آل عمران ‏(‏فينشئ الله‏)‏ أي‏:‏ يخلق ويوجد ‏(‏أقوامًا‏)‏ أي‏:‏ جماعات
‏(‏فيدخلهم الجنة‏)‏ بفضله ورحمته لأن الجنة رحمته يرحم بها من يشاء‏.

‏ وأما النار فلا يعذب فيها إلا من قامت عليه حجته وكذب رسله‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏وأصناف ما تضمنته الدار
الآخرة‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ لما ذكر ـ رحمه الله ـ ما ذكر من أحوال اليوم الآخر وما يجري فيه، أحال على الكتاب والسنة
في معرفة تفاصيل البقية مما لم يذكره، لأن ذلك من علم الغيب الذي لا يعرف إلى من طريق الوحي‏.




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 23-05-2015 04:30PM

بسم الله الرحمن الرحيم



【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 65 )



[ المتن ] :

الإيمان بالقدر وبيان ما يتضمنه


وتؤمن الفرقة الناجية ـ أهل السنة والجماعة ـ بالقدر خيره وشره‏.‏ والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين‏.‏
القدر‏:‏ مصدر قدرت الشيء إذا أحطت بمقداره‏.‏ والمراد به هنا‏:‏ تعلق علم الله بالكائنات وإرادته لها أزلًا قبل وجودها‏.‏
فلا حادث إلا وقد قدره الله، أي‏:‏ سبق علمه به وتعلقت به إرادته‏.
‏ والإيمان بالقدر هو أحد أركان
الإيمان الستة، وهو الإيمان بالقدر خيره وشره‏.‏



[ الشرح ]:

وفي قول الشيخ ـ رحمه الله ـ‏:‏ ‏(‏وتؤمن الفرقة الناجية ـ أهل السنة والجماعة ـ بالقدر خيره وشره‏)‏ إشارة إلى
أن من لم يؤمن بالقدر فليس من أهل السنة والجماعة، وهذا هو مقتضى النصوص كما في حديث جبريل
حين سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الإيمان، فقال‏:‏ ‏(‏الإيمان‏:‏ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره‏)‏ فجعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإيمان بالقدر سادس أركان الإيمان
فمن أنكره فليس بمؤمن‏.

‏ كما لو لم يؤمن بغيره من أركان الإيمان‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏والإيمان بالقدر على درجتين‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ وذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ هنا أن الإيمان بالقدر يشتمل على أربع
مراتب هي إجمالًا كما يلي‏:‏

الأولى‏:‏ علم الله الأزلي بكل شيء‏.‏ ومن ذلك عليه بأعمال العباد قبل أن يعملوها‏.‏


الثانية‏:‏ كتابة ذلك في اللوح المحفوظ‏.‏
الثالثة‏:‏ مشيئته الشاملة وقدرته التامة لكل حادث‏.‏
الرابعة‏:‏ إيجاد الله لكل المخلوقات وأنه الخالق وما سواه مخلوق‏.‏ هذا مجمل مراتب القدر، وإليك
بيانها بالتفصيل‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf




ام عادل السلفية 27-05-2015 02:29AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 66 )



تفصيل مراتب القدر
الدرجة الأولى وما تتضمنه

فالدرجة الأولى‏:‏ الإيمان بأن الله تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلًا وأبدًا‏.‏
وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال‏.‏
ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق‏.‏ فأول ما خلق الله القلم، قال له‏:‏ اكتب‏.‏ قال‏:‏ ما أكتب‏ ؟‏
قال‏:‏ اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة‏.‏ فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه‏.‏ وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏.‏
جفت الأقلام وطويت الصحف‏.‏



كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏
وقال‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلًا‏.‏ فقد كتب في اللوح
المحفوظ ما شاء‏.‏


وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكًا فيؤمر بأربع كلمات فيقال له‏:‏ اكتب رزقه وأجله وعمله
وشقي أو سعيد‏.‏ ونحو ذلك‏.‏ فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكروه اليوم قليل‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏أزلًا‏)‏ الأزل‏:‏ القدم الذي لا بداية له‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏أبدًا‏)‏ الأبد‏:‏ هو الدوام في المستقبل الذي لا نهاية له‏.‏
و ‏(‏الطاعات‏)‏‏:‏ جمع طاعة وهي موافقة الأمر‏.
‏ و ‏(‏المعاصي‏)‏‏:‏ جمع معصية وهي مخالفة الأمر، و ‏(‏الأرزاق‏)‏‏:‏ جمع رزق وهو ما ينفع‏.
‏ ‏(‏والآجال‏)‏‏:‏ جمع أجل وهو مدة الشيء‏.‏
وأجل الإنسان نهاية وقته في الدنيا بالموت‏.‏
و ‏(‏اللوح المحفوظ‏)‏ وهو أم الكتاب ‏(‏محفوظ‏)‏ من الزيادة والنقصان فيه‏.‏
ذكر الشيخ هنا ما تتضمنه الدرجة
الأولى من درجتي الإيمان بالقدر وأنها تتضمن شيئين أي مرتبتين‏.‏


المرتبة الأولى‏:‏ الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدومات، هذا العلم الذي
هو صفة من صفاته تعالى الذاتية التي لا يزال متصفا بها أزلًا وأبدًا‏.‏ ومن ذلك علمه بأعمال الخلق من الطاعات
والمعاصي وعلمه بأحوالهم من الأرزاق والآجال وغيرها‏.‏


المرتبة الثانية‏:‏ مرتبة الكتابة‏.‏ هي أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فما يتحدث شيء في الكون
إلا وقد علمه الله وكتبه قبل حدوثه‏.‏

ثم استدل الشيخ ـ رحمه الله ـ على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة‏.‏ فمن أدلة السنة على ذلك الحديث الذي
ذكر الشيخ معناه‏.‏

ولفظه كما رواه أبو داود في سننه عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏أول ما خلق الله القلم‏.‏ فقال له‏:‏ اكتب‏.‏ قال‏:‏ وما أكتب‏؟‏ قال‏:‏ اكتب مقادير
كل شيء حتى تقوم الساعة‏)‏ فهذا الحديث يدل على مرتبة الكتابة وأن المقادير كلها مكتوبة‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏أول ما خلق الله القلم قال له اكتب‏)‏ روي بنصب ‏(‏أول‏)‏ و ‏(‏القلم‏)‏ على أن الكلام جملة واحدة
ومعناه‏:‏ أنه عند أول خلقه القلم قال له‏:‏ اكتب‏.‏ وروي برفع ‏(‏أول‏)‏ و ‏(‏القلم‏)‏ على أن الكلام جملتان‏:‏ الأولى
‏(‏أول ما خلق الله القلم‏)‏، و ‏(‏قال له اكتب‏)‏ جملة ثانية‏.‏ فيكون المعنى‏:‏ أن أول المخلوقات من هذا العالم القلم‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ من كلام عبادة بن الصامت راوي الحديث‏.‏ أي‏:‏
ما يصيب الإنسان مما ينفعه أو يضره فهو مقدر عليه لابد أن يقع به ولا يقع به خلافه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏جفت الأقلام
وطويت الصحف‏)‏ كناية عن سبق كتابة المقادير والفراغ منها‏.‏ وهو معنى ما جاء في حديث ابن عباس‏:‏
‏(‏رفعت الأقلام وجفت الصحف‏)‏ رواه الترمذي‏.‏


ثم ذكر الشيخ من أدلة القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي
كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ‏}‏‏:‏ الاستفهام للتقرير‏.‏ أي‏:‏ قد علمت يا محمد وتيقنت ‏{‏أَنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ‏}‏ فيه إحاطة علمه بالعالم العلوي والعالم السفلي وهذه مرتبة العلم ‏
{‏إِنَّ ذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ الذي في السماء والأرض من معلوماته ‏{‏فِي كِتَابٍ‏}‏ أي‏:‏ أن إحاطة علمه بما في السماء
والأرض وكتابته يسير عليه‏.‏



والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها إثبات علم الله بالأشياء وكتابتها في اللوح المحفوظ، وهذا هو ما تتضمنه
الدرجة الأولى

واستدل الشيخ أيضًا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ
أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ‏}‏ من قحط مطر وضعف نبات ونقص
ثمار ‏{‏وَلا فِي أَنفُسِكُمْ‏}‏ بالآلام والأسقام وضيق العيش ‏{‏إِلاَّ فِي كِتَابٍ‏}‏ أي‏:‏ إلا وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ
‏{‏مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا‏}‏ أي‏:‏ قبل أن نخلقها ونوجدها ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ أي‏:‏ أن لإثباتها في الكتاب على
كثرتها يسير على الله سبحانه‏.‏

والشاهد من الآية الكريمة‏:‏ أن فيها دليلًا على كتابة الحوادث في اللوح المحفوظ قبل وقوعها‏.‏ ويتضمن
ذلك علمه بها قبل الكتابة فهي دليل على مرتبتي العلم والكتابة‏.‏


ثم بعد ذلك أشار الشيخ ـ رحمه الله ـ إلى أن التقدير نوعان‏:‏ تقدير عام شامل لكل كائن، وهو الذي تقدم
الكلام عليه بأدلته وهو المكتوب في اللوح المحفوظ، وتقدير خاص، وهو تفصيل للقدر العام،
وهو ثلاثة أنواع‏:‏ تقدير عمري، وتقدير حولي، وتقدير يومي‏.‏
هذا معنى قول الشيخ‏.‏ ‏(‏وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة‏)‏ أي‏:‏ تقديرًا عامًا
وهو المكتوب في اللوح المحفوظ يعم جميع المخلوقات ‏(‏وتفصيلًا‏)‏ أي‏:‏ تقديرًا خاصًا مفصلًا للتقدير
العام وهو‏:‏

1 ـ التقدير العمري، كما في حديث ابن مسعود في شأن ما يكتب على الجنين في بطن أمه من
أربع الكلمات‏:‏ رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته‏.‏


2 ـ تقدير حولي، وهو ما يقدر في ليلة القدر من وقائع العام كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ
حَكِيمٍ‏}‏ الآية ‏(‏4‏)‏ من سورة الدخان‏.‏

3 ـ تقدير يومي وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعزل وذل إلى غير ذلك‏.‏ كما في قوله تعالى‏:‏
‏{‏كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏}‏ الآية ‏(‏29‏)‏ من سورة الرحمن‏.‏ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ‏:‏ ‏(‏إن الله خلق لوحًا
محفوظًا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابته نور وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر في
كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء‏.‏ فكذلك قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏كُلَّ
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏}‏‏)‏ رواه عبد الرزاق وابن المنذر والطبراني والحاكم ‏[‏رواه الحاكم ‏(‏2/474‏)‏ و ‏(‏519‏)‏
ـ وصححه‏!‏ ـ وابن جرير الطبري ‏(‏27/135‏)‏ وأبو الشيخ في ‏(‏العظمة‏)‏ ‏(‏2/492‏)‏ والبيهقي في
‏(‏الأسماء والصفات‏)‏ ‏(‏828‏)‏‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فهذا القدر‏)‏ أي‏:‏ الذي سبق بيانه بنوعيه العام والخاص ‏(‏قد كان ينكره غلاة القدرية‏)‏ أي‏:‏ المبالغون
في نفي القدر فنكرون علم الله بالأشياء قبل وجودها وكتابته لها في اللوح المحفوظ وغيره، ويقولون‏:‏ إن الله
أمر ونهى وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه فالأمر أنف‏.‏ أي‏:‏ مستأنف لم يسبق في علم الله وتقديره‏.‏
وهؤلاء كفرهم الأئمة لكنهم انقرضوا، ولهذا قال الشيخ‏:‏ ‏(‏ومنكروه اليوم قليل‏)‏ وبقيت الفرقة التي تقر
بالعلم، ولكن تنفي دخول أفعال العباد في القدر وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالًا لم يخلقها الله ولم
يردها‏.‏ كما يأتي بيانه‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 27-05-2015 02:44AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 67 )

[ المتن ] :

الدرجة الثانية وما تتضمنه


وأما الدرجة الثانية‏:‏ فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن‏.‏
وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه‏.‏ لا يكون في ملكه
ما لا يريد‏.‏ وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات‏.‏ فما من مخلوق في الأرض ولا
في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره ولا رب سواه‏.‏



[ الشرح ]:

هذا بيان للمرتبة الثالثة ‏[‏اعتبرها المصنف ـ رحمه الله ـ ‏(‏الثانية‏)‏ لأنه جعل العلم والكتابة درجة واحدة‏.
‏ والمرتبة الرابعة من مراتب القدر‏]‏‏.‏
أشار إلى الثالثة بقوله‏:‏ ‏(‏فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة‏)‏
والنافذة‏:‏ هي الماضية التي لا راد لها، والشاملة هي العامة لكل شيء من الموجودات والمعدومات‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏وهو الإيمان‏)‏ أي‏:‏ ومعنى الإيمان بهذه المرتبة اعتقاد‏:‏ ‏(‏أن ما شاء الله كان‏)‏ أي‏:‏ وجد ‏(‏وما لم يشأ لم
يكن‏)‏ أي‏:‏ لم يوجد ‏(‏وأنه ما في السموات من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله‏)‏ أي‏:‏ لا يحصل شيء من
ذلك إلا وقد شاءه الله سبحانه ‏(‏لا يكون في ملكه ما لا يريد‏)‏ وقوعه كونًا وقدرًا ‏(‏وأنه سبحانه على كل شيء
قدير من الموجودات والمعدومات‏)‏ لدخولها تحت عموم ‏(‏كل شيء‏)‏ فالله قد أخبر في آيات كثيرة أنه على
كل شيء قدير‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه‏)‏ هذا فيه إشارة إلى المرتبة الرابعة
وهي مرتبة الخلق والإيجاد، فكل ما سوى الله فهو مخلوق وكل الأفعال خيرها وشرها صادرة عن خلقه
وإحداثه لها ‏(‏لا خالق غيره ولا رب سواه‏)‏‏.‏

ولما فرغ الشيخ من ذكر مراتب القدر نبه على مسائل تتعلق بهذا الموضوع‏.‏


المسألة الأولى‏:‏ أنه لا تعارض بين القدر والشرع‏.‏
المسألة الثانية‏:‏ لا تعارض بين تقدير الله وقوع المعاصي وبغضه لها‏.‏
المسألة الثالثة‏:‏ لا تعارض بين تقدير الله لأفعال العباد وكونهم يفعلونها باختيارهم‏.‏


------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf









ام عادل السلفية 27-05-2015 02:51AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 68 )

[ المتن ] :

لا تعارض بين القدر والشرع، ولا بين تقديره للمعاصي وبغضه لها

ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته‏.‏ وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين‏.‏
ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين‏.‏ ولا يرضى عن القوم الفاسقين‏.‏ ولا يأمر بالفحشاء‏.‏
ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد‏.‏




[ الشرح ]:


لما قرر الشيخ ـ رحمه الله ـ القدر بمراتبه الأربع‏:‏ العلم، والكتابه، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد‏.‏
وأنه ما من شيء يحدث إلا وقد علمه الله وكتبه وشاءه وأراده وأوجده، بين هنا أنه لا تعارض بين ذلك وبين
كونه أمر العباد بطاعته ونهاهم عن معصيته، ولا بين تقديره وقوع المعصية وبغضه لها‏.‏ فقوله‏:‏ ‏(‏ومع ذلك‏)‏
أي‏:‏ مع كونه سبحانه هو الذي علم الأشياء وقدرها وكتبها وأرادها وأوجدها ‏(‏فقد أمر العباد بطاعته وطاعة
رسوله ونهاهم عن معصيته‏)‏ كما دلت على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، أمر فيها بالطاعة ونهى عن المعصية،
ولا تعارض في ذلك بين شرعه وقدره كما يظنه بعض الضلال الذين يعارضون بين الشرع والقدر‏.‏



يقول الشيخ ـ رحمه الله ـ في هذا الموضوع في رسالته التدميرية‏:‏ وأهل الضلال انقسموا إلى ثلاث فرق‏:
‏ مجوسية ومشركية وإبليسية‏.‏



فالمجوسية‏:‏ الذين كذبوا بقدر الله وإن آمنوا بأمره ونهيه فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب، ومقتصدوهم أنكروا
عموم مشيئته وخلقه وقدرته، وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم‏.‏

والفرقة الثانية‏:‏ المشركية الذين أقروا بالقضاء والقدر، وأنكروا الأمر والنهي، قال تعالى‏:‏ ‏{‏سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ
لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ‏}‏ الآية ‏(‏148‏)‏ الأنعام‏.‏ فمن احتج على تعطيل الأمر
والنهي فهو من هؤلاء‏.‏



والفرقة الثالثة‏:‏ وهم الإبليسية الذين أقروا بالأمرين لكن جعلوا هذا تناقضًا من الرب سبحانه وتعالى وطعنوا
في حكمته وعدله‏.‏ كما يذكر ذلك عن إبليس مقدمهم‏.‏



والمقصود أن هذا مما تقوله أهل الضلال‏.‏ وأما أهل الهدى والفلاح فيؤمنون بهذا وهذا‏.‏ ويؤمنون بأن الله
خالق كل شيء وربه ومليكه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو على كل شيء قدير‏.‏ وأحاط بكل شيء
علمًا‏.‏ وكل شيء أحصاه في إمام مبين‏.‏ ا ه ـ‏.‏



وقوله‏:‏ ‏(‏وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين‏)‏ أي‏:‏ يحب من اتصف بالصفات الحميدة
كالتقوى والإحسان والقسط ‏(‏ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏)‏ كما أخبر بذلك في آيات كثيرة
لما اتصفوا به من الإيمان والعمل الصالح ‏(‏ولا يحب الكافرين‏.‏ ولا يرضى عن القوم الفاسقين‏)‏ أي‏:‏ لا يرضى
عمن اتصف بالصفات التي يبغضها كالكفر والفسوق وسائر الصفات الذميمة ‏(‏ولا يأمر بالفحشاء‏)‏ وهي ما تناهى
قبحه من الأقوال والأفعال ‏(‏ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد‏)‏ لقبحهما ولما فيهما من المضرة
على العباد والبلاد‏.‏



ويريد الشيخ ـ رحمه الله ـ بهذا الكلام الرد على من زعم أن الإرادة والمحبة بينهما تلازم، فإذا أراد الله شيئًا فقد
أحبه وإذا شاء شيئًا فقد أحبه‏.‏ وهذا قول باطل والقول الحق أنه لا تلازم بين الإرادة والمحبة أو بين المشيئة
والمحبة‏.


‏ أعني الإرادة الكونية والمشيئة، فقد يشاء الله ما لا يحبه‏.‏ وقد يحب ما لا يشاء وجوده‏.‏ مثال الأول
مشيئة وجود إبليس وجنوده ومشيئته العامة لما في الكون مع بغضه لبعضه‏.‏ ومثال الثاني محبته لإيمان الكفار
وطاعات الكفار ولم يشأ وجود ذلك منهم ولو شاءه لوجد‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf








ام عادل السلفية 27-05-2015 02:57AM

بسم الله الرحمن الرحيم







【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 69 )


[ المتن ] :


ـ لا تنافي بين إثبات القدر وإسناد أفعال العباد إليهم حقيقة وأنهم يفعلونها باختيارهم
والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد
قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ
وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏(الآيتان ‏(‏28، 29‏)‏ من سورة التكوير‏.‏


وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجوس هذه الأمة‏.‏
ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها
ومصالحها‏.‏



[ الشرح ]:

أراد الشيخ ـ رحمه الله ـ بهذا الكلام أن يبين أنه لا تنافي بين إثبات القدر بجميع مراتبه السابقة وبين
كون العباد يفعلون باختيارهم ويعملون بإرادتهم، وقصده بهذا الرد على من زعم أن إثبات ذلك يلزم منه التناقض،
ومن ثم ذهبت طائفة منهم إلى الغلو في إثبات القدر حتى سلبوا العبد قدرته واختياره‏.‏

وذهبت الطائفة الثانية إلى الغلو في إثبات أفعال العباد واختيارهم حتى جعلوهم هم الخالقين لها ولا تعلق
لها بمشيئة الله ولا تدخل تحت قدرته‏.‏


ويقال للطائفة الأولى‏:‏ الجبرية لأنهم يقولون‏:‏ إن العبد مجبر على ما يصدر منه لا اختيار له فيه‏.‏


ويقال للطائفة الثانية‏:‏ القدرية النفاة لأنهم ينفون القدر‏.‏
فقول الشيخ ـ رحمه الله ـ‏:‏ ‏(‏والعباد فاعلون حقيقة‏)‏ رد على الطائفة الأولى وهم الجبرية لأنهم يقولون إن العباد
ليسوا فاعلين حقيقة وإسناد الأفعال إليهم من باب المجاز‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏والله خالقهم وخالق أفعالهم‏)‏ رد على الطائفة الثانية القدرية النفاة لأنهم يقولون‏:‏ إن الله لم يخلق أفعال
العباد وإنما هم خلقوها استقلالًا دون مشيئة الله وتقديره لها‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة‏)
‏ رد على الجبرية، أي‏:‏ ليس العباد بمجبرين على تلك الأعمال لأنه لو كان كذلك لما صح وصفهم بها،
لأن فعل المجبر لا ينسب إليه ولا يوصف به ولا يستحق عليه الثواب أو العقاب‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏والله خالقهم وخالق قدرتهم‏)‏ رد على القدرية النفاة حيث زعموا أن العباد يخلقون أفعالهم بدون
إرادة الله ومشيئته كما سبق‏.‏ ثم استدل الشيخ في الرد على الطائفتين بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن
يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ‏}‏ فيه الرد على
الجبرية لأنه أثبت للعباد مشيئة وهم يقولون لا مشيئة لهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ‏}‏ فيه الرد على القدرية القائلين بأن مشيئة العبد مستقلة بإيجاد الفعل من غير توقف على مشيئة الله،
وهذا باطل لأن الله علق مشيئة العباد على مشيئته سبحانه وربطها بها‏.‏


قوله‏:‏ ‏(‏وهذه الدرجة من القدر‏)‏ وهي عموم مشيئته وإرادته لكل شيء، وعموم خلقه لكل شيء، وأن العباد
فاعلون حقيقة والله خالقهم وخالق أفعالهم ‏(‏يكذب بها عامة القدرية‏)‏ النفاة حيث يزعمون أن العبد يخلق فعل
نفسه بدون مشيئة الله وإرادته ‏(‏الذين سماهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مجوس هذه الأمة‏)‏ ‏[‏رواه أبو
داود ‏(‏4691‏)‏ واللالكائي ‏(‏2/641‏)‏ وابن أبي عاصم ‏(‏145‏)‏ عن حذيفة‏.‏ ورواه أحمد ‏(‏2/86‏)‏ عن ابن عمر‏.
‏ وحسنه الحافظ ابن حجر في ‏(‏أجوبة المصابيح‏)‏ ‏(‏رقم 2‏)‏‏]‏‏.‏ لمشابهتهم المجوس الذين يثبتون خالقين هما‏:‏
النور والظلمة، فيقولون‏:‏ إن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنويه‏.‏ وكذلك هؤلاء القدرية
جعلوا خالقًا مع الله حيث زعموا أن العباد يخلقون أفعالهم بدون إرادة الله ومشيئته، بل يستقلون بخلقها،
ولم يثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سماهم مجوس هذه الأمة لتأخر ظهورهم عن وقت النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ فأكثر ما يجيء من ذمهم إنما هو موقوف على الصحابة‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏ويغلو فيها‏)‏ أي‏:‏ هذه الدرجة من القدر‏.‏ والغلو هو الزيادة في الشيء عن الحد المطلوب ‏(‏قوم من
أهل الإثبات‏)‏‏:‏ فاعل يغلو، والمراد بهم الجبرية الذين قالوا‏:‏ إن العبد مجبر على فعله ‏(‏حتى سلبوا العبد
قدرته واختياره‏)‏‏.‏

فالأولون غلوا في إثبات أفعال العباد حتى أخرجوها عن مشيئة الله، وهؤلاء غلوا في نفي أفعال العباد حتى سلبوهم
القدرة والاختيار‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها‏)‏ جمع حكمة ومصلحة،
أي‏:‏ أن الجبرية في مذهبهم هذا حينما نفوا أفعال العباد وسلبوهم القدرة والاختيار نفوا حكمة الله في أمره
ونهيه وثوابه وعقابه، فقالوا‏:‏ إنه يثيب أو يعاقب العباد على ما ليس من فعلهم ويأمرهم بما لا يقدرون عليه،
فاتهموا الله بالظلم والعبث، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا‏.‏




------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf










ام عادل السلفية 28-05-2015 01:48AM

بسم الله الرحمن الرحيم





【 شرح العقيدة الواسطية 】

لفضيلة الشيخ العلامة الفقيه /
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
- حفظه الله ورعاه -

شرح العقيدة الواسطية. ( 70 )



حقيقة الإيمان وحكم مرتكب الكبيرة
فصل


[ المتن ] :

ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان
والجوارح‏.‏ وأن الإيمان بزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‏.‏ وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي
والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي‏.‏ كما قال سبحانه في آية القصاص‏:‏ ‏{‏فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏[‏الآية ‏(‏178‏)‏ من سورة البقرة‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏ الآيتان
‏(‏9، 10‏)‏ من سورة الحجرات‏.‏ ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية‏.‏ ولا يخلدونه في النار كما تقوله
المعتزلة‏.‏ بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ الآية ‏(‏92‏)‏
من سورة النساء‏.‏ وقد لا دخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏)‏ الآية ‏(‏2‏)‏ من سورة الأنفال‏.‏ وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏
:‏ ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها
وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن‏)‏ ‏[‏رواه البخاري
‏(‏2475‏)‏ ومسلم ‏(‏57‏)‏ عن أبي هريرة‏]‏‏.‏ ونقول هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى
الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم‏.‏



[ الشرح ]:

قوله‏:‏ ‏(‏ومن أصول أهل السنة والجماعة‏)‏ أي‏:‏ القواعد التي بنيت عليها عقيدتهم ‏(‏أن الدين‏)‏ هو لغة‏:‏ الذل والانقياد‏.‏
وشرعًا‏:‏ هو ما أمر الله به ‏(‏والإيمان‏)‏ لغة‏:‏ التصديق (1)‏، وشرعًا‏:‏ هو ما ذكره الشيخ بقوله‏:‏ ‏(‏قول وعمل‏:‏
قول القلب واللسان‏.‏ وعمل القلب واللسان والجوارح‏)‏ هذا هو تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة‏:‏ أنه
قول وعمل‏.‏ فالقول قسمان‏:‏ قول القلب وهو الاعتقاد، وقول اللسان هو التكلم بكلمة الإسلام‏.‏ والعمل
قسان‏:‏ عمل القلب وهو نية وإخلاص‏.‏ وعمل الجوارح ـ أي‏:‏ الأعضاء ـ كالصلاة والحج والجهاد‏.‏


والفرق بين أقوال القلب وأعماله‏:‏ أن أقواله هي العقائد التي يعتبر فها ويعتقدها، وأما أعمال القلب فهي حركته
التي يحبها الله ورسوله، وهي محبة الخير وإرادته الجازمة وكراهية الشر والعزم على تركه‏.‏ وأعمال القلب تنشأ
عنها أعمال الجوارح وأقوال اللسان‏.‏ ومن ثم صارت أقوال اللسان وأعمال الجوارح من الإيمان‏.‏


أقوال الناس في تعريف الإيمان‏:‏
1 ـ عند أهل السنة والجماعة‏:‏ أنه اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان‏.‏
2 ـ عند المرجئة‏:‏ أنه اعتقاد بالقلب ونطق باللسان فقط‏.‏
3 ـ عند الكرامية‏:‏ أنه نطق باللسان فقط‏.‏
4 ـ عند الجبرية‏:‏ أنه الاعتراف بالقلب أو مجرد المعرفة في القلب‏.‏
5 ـ عند المعتزلة‏:‏ أنه اعتقاد القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح‏.‏


والفرق بينهم، أي‏:‏ المعتزلة وبين أهل السنة أن مرتكب الكبيرة يسلب اسم الإيمان بالكلية ويخلد في النار
عندهم، وعند أهل السنة لا يسلب الإيمان بالكلية بل هو مؤمن ناقص الإيمان ولا يخلد في النار إذا دخلها‏.‏
والحق ما قاله أهل السنة والجماعة لأدلة كثيرة‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏وإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‏)‏ أي‏:‏ ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يتفاضل
بالزيادة والنقصان فتزيده الطاعة وينقص بالمعصية‏.‏ ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏}‏ الآية ‏(‏2‏)‏ الأنفال، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ‏}‏ الآية ‏(‏4‏)‏ الفتح وغير ذلك من الأدلة‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاضي والكبائر كما يفعله الخوارج‏)‏ أي‏:‏ وأهل السنة
والجماعة مع أنهم يرون أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية،
هم مع ذلك لا يحكمون بالكفر على من يدعي الإسلام ويستقبل الكعبة بمطلق ارتكابه المعاصي التي هي
دون الشرك والكفر ‏(‏كما يفعله الخوارج‏)‏ حيث قالوا‏:‏ من فعل كبيرة فهو في الدنيا كافر وفي الآخرة مخلد
في النار لا يخرج منها‏.‏


فأهل السنة يرون ‏(‏أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي‏)‏ فالعاصي أخ لنا في الإيمان، واستدل الشيخ على
ذلك بقوله تعالى في آية القصاص‏:‏ ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ المعنى‏:‏ أن الجاني إذا
عفا عنه المجني عليه أو وليه عن القصاص ورضي بأخذ المال في الدية فعلى مستحق المال أن يطلبه بالمعروف
من غير عنف، وعلى من عليه المال أن يؤديه إليه من غير مماطله‏.‏ ووجه الاستدلال من الآية‏:‏ أنه سمى القاتل
أخًا للمقتول مع أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب ومع هذا لم تزل معه الأخوة الإيمانية‏.‏


واستدل الشيخ أيضًا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا‏}‏ الآيتين، ووجه الاستدلال
من الآيتين الكريمتين أنه سماهم مؤمنين مع وجود الاقتتال والبغي بينهم، وسماهم إخوة للمؤمنين بقوله‏:‏ ‏{‏فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏‏.‏



ومعنى الآية إجمالًا‏:‏ أنه إذا تقاتل فريقان من المسلمين فعلى المسلمين أن يسعوا في الصلح بينهم ويدعوهم
إلى حكم الله، فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح، كان على المسلمين
أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه، فإن رجعت تلك الطائفة عن بغيها وأجابت
الدعوة إلى كتاب الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحرروا الصواب المطابق
لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم وتؤدي ما يجب عليها للأخرى‏.‏


ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين،
فقال‏:‏ ‏{‏وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏}‏ أي‏:‏ اعدلوا إن الله يحب العادلين‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ‏}‏‏:‏ جملة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح‏.‏


والمعنى‏:‏ إنهم يرجعون إلى أمر واحد هو الإيمان فهم إخوة في الدين ‏{‏فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏ يعني‏:‏
كل مسلمين تخاصمًا وتقاتلًا، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى‏.
‏ ‏(‏واتقوا الله‏)‏ في كل أموركم ‏(‏لعلكم ترحمون‏)‏ بسبب التقوى‏.‏



وقوله‏:‏ ‏(‏ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة‏)‏ أي‏:‏ ومن أصول
أهل السنة والجماعة أنهم ‏(‏لا يسلبون‏)‏ أي‏:‏ لا ينفون عن ‏(‏الفاسق‏)‏ الفسق‏:‏ هو الخروج عن طاعة الله، والمراد بالفاسق
هنا‏:‏ الذي يرتكب بعض الكبائر كشرب الخمر والزنا والسرقة مع اعتقاد حرمة ذلك‏.‏ ‏(‏الملي‏)‏ أي‏:‏ الذي على
ملة الإسلام، ولم يرتكب من الذنوب ما يوجب كفره‏.‏ فأهل السنة والجماعة لا يسلبونه الإسلام بالكلية فيحكمون
عليه بالكفر كما تقوله الخوارج في الدنيا ‏(‏ولا يخلدونه في النار‏)‏ أي‏:‏ يحكمون عليه بالكفر كما تقوله
الخوارج في الدنيا ‏(‏ولا يخلدونه في النار‏)‏ أي‏:‏ يحكمون عليه بإلخلود في النار في الآخرة وعدم خروجه
منها إذا دخلها ‏(‏كما تقوله المعتزلة‏)‏ والخوارج، فالمعتزلة يرون أن الفاسق لا يسمى مسلمًا ولا كافرًا، بل هو
عندهم بالمنزلة بين المنزلتين، هذا حكمه عندهم في الدنيا‏.‏ وأما حكمه عندهم في الآخرة فهو مخلد في النار‏.‏
والأدلة على بطلان هذا المذهب كثيرة، وقد مر بعضها، وسيأتي ذكر بقيتها‏.‏

ثم بين الشيخ ـ رحمه الله ـ الحكم
الصحيح الذي ينطبق على الفاسق الملي مؤيدًا بأدلته من الكتاب والسنة فقال‏:‏ ‏(‏بل الفاسق يدخل في اسم
الإيمان المطلق‏)‏ أي‏:‏ مطلق الإيمان الذي يدخل فيه الإيمان الكامل والإيمان الناقص كما في قوله‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ فإن من أعتق رقبة مؤمنة وإن كان المعتق فاسقًا فيما يشترط فيه إيمان الرقبة المعتقة، ككفارة الظهار
والقتل، أجزأه ذلك العتق باتفاق العلماء لأن ذلك يدخل في عموم الآية وإن لم يكن المعتق من أهل الإيمان الكامل‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏وقد لا يدخل‏)‏ أي‏:‏ الفاسق الملي ‏(‏في اسم الإيمان المطلق‏)‏ أي‏:‏ إذا أريد بالإيمان الكامل كما في قوله
تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏ الآية لأن المراد بالإيمان المذكور في الآية الكريمة
الإيمان الكامل، فلا يدخل فيه الفاسق لأن إيمانه ناقص‏.‏ ولنرجع إلى تفسير الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا‏}‏‏:‏ أداة حصر
تثبت الحكم للمذكور وتنفيه عما سواه ‏{‏الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ الإيمان الكامل ‏{‏إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ ذكرت عظمته وقدرته
وما خوف به من عصاه ‏{‏وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ خافت‏.‏ ‏{‏وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ‏}‏ أي‏:‏ قرئت آياته المنزلة أو
ذكرت آياته الكونية ‏{‏زَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏}‏ أي‏:‏ زاد إيمانهم بسبب ذلك ‏{‏وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ أي‏:‏ يفوضون جميع أمورهم
إليه لا إلى غيره‏.‏


ثم ذكر الشيخ دليلًا من السنة على أن الفاسق الملي لا يدخل في اسم الإيمان الكامل وهو قوله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ أي‏:‏ كامل الإيمان فالمنفي هنا عن الزاني والسارق والشارب
هو كمال الإيمان لا جميع الإيمان، بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر‏.‏ فقد دل الحديث
على أن هؤلاء حين فعلهم المعصية قد انتفى الإيمان الكامل عنهم، وقد دلت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة
على أنهم غير مرتدين بذلك، فعلم أن الإيمان المنفي في هذا الحديث إنما هو كمال الإيمان الواجب‏.‏


وقوله‏:‏ ‏(‏ولا ينتهب نهبة ذات شرف‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ النهبة بضم النون‏:‏ هي الشيء المنهوب، والنهب‏:‏ أخذ المال بالغلبة
والقهر ‏(‏ذات شرف‏)‏ أي‏:‏ قدر‏.‏ وقيل‏:‏ ذات استشراف يستشرف الناس إليها ناظرين إليها رافعين أبصارهم‏.‏


ثم إن الشيخ ـ رحمه الله ـ ذكر النتيجة للبحث السابق واستخلص الحكم بقوله في حق الفاسق الملي‏:‏ ‏(‏ونقول‏:‏ هو مؤمن
ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته‏)‏ وهذا هو الحكم العادل جمعًا بين النصوص التي نفت الإيمان عنه
كحديث‏:‏ ‏(‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏)‏ والنصوص التي أثبتت الإيمان له، كآية القصاص وآية حكم البغاة
السابقتين وبناء على ذلك ‏(‏فلا يعطى الاسم المطلق‏)‏ أي‏:‏ اسم الإيمان الكامل ‏(‏ولا يسلب مطلق الاسم‏)‏ أي‏:‏
الإيمان الناقص‏.‏ فيحكم عليه بالخروج من الإيمان كما تقوله المعتزلة والخوارج‏.‏ والله أعلم فالإيمان المطلق
هو الإيمان الكامل‏.‏ ومطلق الإيمان هو الإيمان الناقص‏.‏



------


[ المصدر ]

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...iles/3qidh.pdf









Powered by vBulletin®, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

 


Security team